كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

الإخوان (١) ، وكفّارة الاغتياب الاستغفار للمُغتاب (٢) ، وكفّارة المجلس قراءة (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ) عند القيام (٣). وكفّارة الضحك : اللهم لا تمقتني (٤). وروى في اللطم على الخدّ الاستغفار والتوبة (٥) ، ويجزي الاستغفار عند العَجز عن خِصال الكفّارات أجمع. وكفّارة الصغائر ترك الكبائر. وكفّارات الحجّ تجي‌ء في محلّها بحول الله. وورد في كثير من العبادات أنّها كفّارة من الذنوب.

البحث الثاني : في أفرادها

وفيها مسائل :

الاولى في العتق : يُعتبر في الرقبة المُعتقة في جميع ما ذكر الإسلام ، فلا يجزي عتق الكافرة ، ولو كانت ممّن انتحل الإسلام.

وولد الزنا من المسلم تقوى تبعيّته له ، كتبعيّة المسبيّ للسابي ؛ ومن الكافر يحتمل فيه عدم التبعيّة ؛ لعدم النسب شرعاً ، والظاهر اعتبار النسب عُرفاً.

ولا يُشترط كونها من الفرقة المحقّة ، وإن كان الأحوط ذلك.

ولا يجزي عتق أبعاضٍ لو لُفّقت عادلت رقبة ، ولا بعضو أفضى إلى السراية.

ويجزي عتق المكاتب الّذي لم يتحرّر منه شي‌ء ، وأُمّ الولد والمدبّر ، والأُنثى والذكر ، والصغير والكبير ، والمريض والصحيح.

نعم يُشترط أن لا يسبق إليها ما يقتضي العتق ، كالتنكيل ، والعمى ، والجذام ، والإقعاد ، وبعض أقسام القرابة.

ولو زعم أنّها مؤمنة فأعتقها ، فظهر الخلاف ، قوي الإجزاء. والأحوط تكرير

__________________

(١) قضاء الحقوق للصوري : ٢٣ ح ٢٥ ، مشكاة الأنوار : ٣١٦.

(٢) الكافي ٢ : ٣٥٧ ح ٤.

(٣) مشكاة الأنوار : ٢٠٥ ، عدّة الداعي : ٢٥٦ ، البحار ٧٥ : ٤٦٨.

(٤) الكافي ٢ : ٦٦٤ ح ١٣ ، مشكاة الأنوار : ١٩١.

(٥) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ح ١٢٠٧.

٨١

الإعتاق برقبة مؤمنة ، وإمضاء إعتاق الأُولى.

ويكفي في ثبوت الإيمان وجودها في بلاد المسلمين ، وإن لم يسمع منها الإقرار بالشهادتين.

ويُشترط تعيينها ، فلا يكفى عتق رقبةٍ مبهمة ، ونيّة القربة ، وإيراد صيغة صريحة في التحرير ، كحرّرتك ، وأنت حرّ ، وأعتقتك ، مقرونة بالقصد ، والاختيار ، وجواز التصرّف. ولا مانع مع إجازة الوارث للمريض والغرماء للمدين المفلس.

ويشترط الخلوّ عن اشتراط العوض ، والعتق ، والتخيير (١).

وتجزي مع العجز سائر اللغات ، ومع العجز عن الجميع الإشارة ، مع الكتابة وبدونها.

ولو أعتق فضولاً ، فأجاز المالك ، لم يصحّ.

الثانية : في الصيام ، وهو أقسام :

الأوّل : صوم شهرين متتابعين هلاليّين في الحُرّ ، وشهر في العَبد مع عدم الانكسار ، أو عدديّين (٢) مع انكسارهما لعروض بعض الأعذار الموجبة للإفطار ، وهلاليّ ، وعدديّ مع انكسار أحدهما دون الأخر.

ويكفي في تتابعهما اتصال الشهر الثاني بالشهر الأوّل ، ولو بيومٍ منه ؛ فمتى حصلَ شهر ويوم مع التتابع ، جازَ التفريق في الباقي ؛ فلو ابتدأ بهما قبل شعبان بيومٍ ثمّ أتمّه كانَ مُتابعاً ؛ ولو اقتصرَ على شعبان وحدَه ، لم يُتابع.

ولو أخلّ بالتتابع اضطراراً لحيض أو مرض أو إجبار ونحوها ، فكالمتابع. وفي إلحاق من زعمَ إتمام الشهر واليوم فأفطر بالمفطر للعُذر إشكال.

ومن عجزَ عن صوم الشهرين والبدل ، صامَ ثمانية عشر يوماً ؛ فإن عجزَ تصدّقَ بما وجد ، أو صام ما استطاع ؛ فإن عجزَ استغفرَ الله ، ولا شي‌ء عليه. والأحوط التصدّق

__________________

(١) في «م» ، «ح» : التنجيز.

(٢) في «م» ، «ح» : عددين.

٨٢

بثمانية عشر مُدّا عن الأيّام الثمانية عشر إن أمكن مُقدّماً على الصيام ما استطاع والاستغفار.

ولا فرق في هذه الأحكام بين وجوب الشهرين بكفّارة حجّ أو صوم ، أو بنذرٍ ، أو غيرهما ، ما عدا الإجارة ، وما صرّح به بمتابعة الستّين يوماً.

ومن لزمه صوم شهر متتابع بنَذر ونحوه ، أجزأه في حصول التتابع صيام خمسة عشر يوماً. وفي إلحاق ما وجب فيه شهر بغير الالتزام بالنذر ونحوه ، ككفّارة العبد في الظهار ، وقتل الخطأ ونحوهما وجه ، والأقوى العدم ؛ اقتصاراً على المنصوص. ولا يجزي التنصيف أو الزيادة عليه في التتابع في غير ما ذكر ، كصوم عشرين متتابعات ونحوها ، ولو نوى في الكفّارة صوم الشهرين أو غيرهما ، ممّا يلزمه التتابع ، ونوى التفريق أو ردّد عمداً ، بطل ولو تابعَ ؛ ولا بطلان مع السهو.

ولو دخلَ فيهما قبل شعبان بيوم لاحتمال النقصان ، فيحصل اليوم بعد الشهر ، بطلَ مطلقاً. لا يكفي الدخول في السنة الثانية لو نذر تتابع السنتين. ولا يجري نذر تتابع الشهور مجرى تتابع الشهرين ، إلا إذا اعتبره في كلّ شهرين منها ، فإنّه يرجع إلى الاكتفاء بوصل يوم من الشهر الثاني بالشهر الثالث. ولو تعدّدت عليه الكفّارات المتتابعات فاكتفى بالوصل فيها ، وأخّر ما يجوز تفريقه بجملته ، فلا بأس.

الثاني : صوم ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين وكفّارة قضاء شهر رمضان ، ويُشترط فيها التتابع.

الثالث : صوم عشرة أيّام وثلاثة أيّام في كفّارات الحجّ ، وستأتي في محلّها.

الرابع : صوم من أخّر صلاة العشاء إلى نصف اللّيل في اليوم الّذي أصبح فيه ، وهو مستحبّ على الأصحّ.

الثالثة : في الإطعام وهو لكلّ مسكين مُدّ ، فللستّين ستّون مُدّاً ، وللعشرة عشرة أمداد ، وللواحد واحد ، على الأصحّ.

٨٣

وورد في خصوص العجز عن صوم يوم منذور الصدقة بمُدّين على الفقير ، ولا يجوز التكرار مع الاختيار في الكفّارة

الواحدة على المسكين الواحد. والمراد بالمدّ : رطلان وربع ، والرطل : ثمانية وستّون مثقالاً صيرفيّاً وربع من أيّ طعام كان من مأكول العادة ، ويجزي الدقيق ، وفي الخبز إشكال ، والأحوط الحنطة أو دقيقها. ويجزي الإشباع عوض المُدّ من مأكول العادة من الأقوات.

ويجزي مجرّد دخوله إلى الجوف ، وإن قاءَهُ بعد الشبع ؛ ولو قاءَ في الأثناء ، قوي عدم احتساب الفائت.

ولو لم يوجد العدد في محلّه ، نقله إلى محلّ آخر. ولو تعذّر ، كرّر حتّى يستوفي العدد. ويستوي الصغار والكبار ، والعبيد والأحرار ، والذكور والإناث في القسمين. والأحوط احتساب صغيرين بكبير مع الانفراد في الإشباع.

ويُستحبّ وَضع الإدام (١) وإضافة أُجرة ما يتوقّف عليه الانتفاع.

وقبض الولي مُعتبر في التسليم ، وإذنه في الإشباع مجرّد احتياط.

ولو خالفَ بين الأطعمة فجعل لكلّ مسكين نوعاً ، أو لمسكين واحد من نوعين ممّا يجوز إعطاؤه ، فلا بأس. ولو وكّل المسكين في القبض عنه صحّ ، ولو كان الوكيل ربّ المال ؛ ويجري في جميع ما فيه تسليم ، أمّا ما فيه إشباع فلا.

والصاع فيما روي في الصاع (٢) تسعة أرطال ، وهي أربعة أمداد. والمراد من الدقيق ما يُسمّى دقيقاً من المأكول المتعارف.

ويجوز إعطاء الصوع بتمامها لمسكين واحد ، وكذلك يجوز إعطاء الأمداد المتعدّدة في كفّارة الشيخ والشيخة ونظائرهما لمسكين واحد.

والمراد من الدينار : الذهب القديم ، ووزنه ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي.

ولا تجزي القيمة ، ولا الجنس المغاير عوض الأمداد والصوع والدنانير ، إلا أن يوكّله على المعاوضة والقبض.

__________________

(١) الإدام : ما يؤتدم به مع الخبز ، الأدم ما يؤكل بالخبز أي شي‌ء كان. لسان العرب ١٢ : ٨.

(٢) معاني الأخبار : ٢٤٩.

٨٤

ولو اشترى المكفّر ممّن أعطاه كفّارة طعاماً فلا بأس.

والمراد بالمسكين : العاجز عن قوت سنة ، ووجدان الزائد عن السنة مع مقابلة الديون ، أو ما كان من مالٍ متّخذ للاسترباح لا يفي ربحه بقوتِ السنة ، أو ملكٍ لا تَفي فوائده بذلك ، أو المستثنى في أداء الديون كالدار وأثاثها ، ودابة الركوب وأسبابها ، والجارية وثيابها ، والكتب العلميّة المحتاج إليها ، والثياب ، والحلي العاديّة. وكلّ شي‌ء يُعدّ من الضروريّات عادة لا يُنافي المسكنة. وكيف كان ؛ فالمدار على ما يُسمّى مسكيناً أو فقيراً عُرفاً.

ولو ظنّه فقيراً ، فبان غنيّاً بعد تسليمه ، استرجعه إن كان باقياً ، وإلا فلا ضمان عليه على الأقوى.

ويجوز إعطاؤها بأقسامها للهاشميّين وغيرهم ، من الهاشميّين وغيرهم ، كما في باقي الصدقات عدا الزكاة.

وذو الكسب القائم بمئونته ، وواجب النفقة على المعطي ، أو على غيره مع غناهم بحكم الغنيّ على الأحوط. والأقوى عدم البأس في غير الزوجة والمملوك. ولا يُعدّ إيجار النفس للعبادة كسباً ما لم تُتخذ صنعة.

وابن السبيل فقير وإن كان غنيّاً في بلاده.

ولو عجزَ المُنفق أو امتنع ، فلا غنى. ولو كانت حاجة ضروريّة وراء الإنفاق ، جازَ الإعطاء لها.

ولا تشترط العدالة.

ولو علم صرفها في المعصية ، لم يَجُز إعطاؤه ؛ ولو علم أنّ في منعه ردعاً عن المعصية ، فالأحوط منعه ؛ للأمر بالمعروف ، والنهي عن المُنكر.

ولو دفع شيئاً ظنّه من جنس الواجب ، فظهر من غيره ، أعاد. ولو قيل باحتساب مقدار ما فاتَ منه مع التلف ، كان وجهاً.

ويكفي في ثبوت الفقر ادّعاؤه ، ومع عدم الادّعاء يجزي ظاهر الحال من غير حاجة إلى حصول العلم.

٨٥

ولو سلّم فقيراً ، فصارَ غنيّاً بعد القبض ، مضى الحُكم ، ومع العكس والعلم لا يصحّ إلا بنيّة جديدة مع بقاء العين ، ومع التلف والعلم الإعادة.

الرابعة : في الكسوة

يُعتبر فيها أن يكون ممّا يُعدّ لباساً عُرفاً ، من غير فرقٍ بين الجديد وغيره ، ما لم يكن منخرقاً لا يستر البدن. وستر العورة والرأس واليدين والقدمين ونحوها لا يغني ، فلا عبرة بالعمامة والقلنسوة ، والخفّ ، والجورب ، بل السراويل في وجه قويّ. ويقوى الاكتفاء بالثوب الواحد ، والأحوط اعتبار الاثنين.

وتجب مُراعاة العدد ؛ فلو كرّر على واحد ، بأن كساهُ عشر مرّات ، لم تُحسب له إلا واحدة ، إلا مع الاضطرار ؛ لفقد مستحقّ آخر.

ويُشترط الإيمان بالمعنى الخاصّ والفقر ، على نحو ما مرّ في الإطعام ، من غير فرقٍ بين الصغير والكبير ، والحرّ والعبد ، والذكر والأُنثى.

والظاهر عدم إجزاء كسوة البالغ نهاية الصغر ، كابن شهر أو شهرين.

ولو كان الثوب غيرَ ساتر لرقّته ضعّفه حتّى يتحقّق الستر.

وقبول الوليّ شرط في المولّى عليه.

ولو بانَ عدم إيمانه ، أو عدم فقره بعد قبضه ، والعين باقية ، استرجعها ؛ ومع التلف لا ضمان على الأقوى ، ما لم يكن مفرّطاً ، وتفرغ الذمّة بمجرّد القبض ، حتّى لو سلب منه حينه أجزأ.

ولا يُشترط اعتبار حال اللابس ؛ فلو كسي المتجمّل ما لا يناسبه أجزأ.

ولا يُشترط دوام اللبس ، وأمّا حصوله في الجملة فربّما يقال به ، والأقوى عدمه.

ولو صار غنيّاً بعد القبض ، لم يجب ردّه.

ولو سلّم الثوب إليه غير مخيط ، لم يكن مجزياً.

نعم لو وكّله على خياطته ، بل لو أعطاه ثمناً أو غزلاً ووكّله على جعله لباساً ، فلا بأس.

٨٦

ولا تجزي القيمة عن اللباس ، ولو باعَ الفقير لباسه عليه ثمّ احتسبه عليه فلا بأس.

ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس مع اشتراط اللبس ، ومع الإطلاق وجهان ، كإعطاء الكبير لباس الصغير ، والأقوى المنع.

تتمّة في بيان أحكامها ، وفيها أبحاث :

الأوّل : في أنّه لا فوريّة في شي‌ء من الكفّارات ، ما لم تتضيّق بنذرٍ ونحوه.

الثاني : الكفّارات عبادات تُعتبر فيها النيّة

كغيرها من العبادات ، ولا يجزي التبرّع فيها إلا عن الميّت ، ويجزي الفضولي إن تعقّبت الإجازة على إشكال. ولو تعدّدت أنواعها ، لزمت نيّة التعيين فيها ، حتّى لو نوى قسماً فظهر خلافه بطل. ولا يجب تعيين أفراد النوع الواحد ؛ حتّى لو نوى فرداً فظهر خلافه ، فلا بأس.

الثالث : لو وجب العمل بنَذر أو غيره من الموجبات ، فأدخل نيّة الكفّارة فيه ، لم يكن مُجزياً عنها. وكذا لو أدخل بعضها في البعض.

الرابع : إعطاء الكفّارة لأهل البلد أولى ، وإخراجها مع الضمان لا مانع منه ، ولا ضمان على المجتهد في إخراجها إذا راعى غِبطة الفقراء.

الخامس : لو تكرّرت أسباب الكفّارات ، تكررت.

والسبب في كفّارة الإفطار إفساد الصيام ، فلا تكرار إلا بتكرّر الأيّام. ولو كرّر الجماع والأكل والشرب وأتى بجميع المفطرات في اليوم الواحد ، لم تجب سوى كفّارة واحدة ، وإن أثم بالمعاودة.

ولو جبر زوجته على الجماع ، دائمة أو غيرها ، في الدُّبر أو القُبل ، تحمّل كفّارتها مع كفّارته إن كان ممّن تلزمه الكفّارة.

وفي إلحاق المملوكة ، والمحلّلة ، والأجنبيّة ، والملوط به ، والنائمة ، والناسية ، وإلحاق الجابرة بالجابر ، والجابر الخارج ، والدافع لأحدهما حتّى ترتّب عليه الدخول ، وجه قريب ، وخلافه أوجه.

ولو كان المُكره أو المكرهة غير مكلّفين فلا تحمّل. وإن كان المكرِه مُفطراً وهي صائمة ، فلا يبعد الحكم بتحمّله عنها. ولو كرّر النَّذر أو العهد أو اليمين مؤسّساً ،

٨٧

تكرّرت. ولو قصد التأكيد ، فلا تكرار مع عدم الفصل ، ومع فصله وفصل الكفّارة تنبغي مُراعاة الاحتياط.

السادس : لو عجز عن المرتبة الأُولى ، ودخل في الثانية وأتمّها ، ثمّ قدر على الأُولى ، مضى وأجزأت : ولو تجدّدت القدرة في الأثناء فكذلك ، والأحوط العَود.

السابع : لو كان قادراً على المرتبة الأُولى فأهمل ، ثمّ عجزَ عنها ، أجزأته الثانية ، وهكذا.

الثامن : لا يجوز تلفيق الكفّارة من جنسين مُتغايرين ، كنصف صوم ، ونصف إطعام ، ويجوز من طعامين.

التاسع : يجوز التوكيل في إخراجها حيث تكون ماليّة ، ويتولّى الوكيل (١) النيّة. وتجزي نيّة الموكّل حين الدفع إلى الوكيل ، وأمّا في البدنيّة فلا تجوز النيابة على الأقوى ، إلا عن الميّت.

العاشر : لو كفّر من جنسٍ ، فظهر أنّ الواجب غيره ، أعادَ الكفّارة.

الحادي عشر : الكفّارة عن معصية لا ترفع الذنب وحدها ، كما أنّ التوبة كذلك ، وإذا اجتمعا رفعا إن شاء الله تعالى.

الثاني عشر : حال الكفّارات كحال غيرها من العبادات لا بدّ من أخذها من المجتهد الحيّ من غير واسطة ، أو بواسطة العدل ، ونحو ذلك. فلو عمل من غير علم ، كان كالسائر على غير الطريق ، لا تزيده كثرة السّير إلا بُعداً.

ولو كفّر بنوعٍ عن اجتهاد أو تقليد ، فعدلَ المجتهد إلى غيره عن اجتهاد ، لم تجب الإعادة ، على الأقوى ، كما في باقي العبادات ، وما كان عن علم لا تجب إعادته على إشكال.

الثالث عشر : لو فعل المفطر الموجب للكفّارة ، ثمّ عرضَ لهُ ما يُفسد الصوم اختياراً كالسفر ، ولو شرع في مقدّماته ، كما إذا فعله بعد الخروج قبل بلوغ محلّ الترخّص ـ أو

__________________

(١) في «م» ، «س» : ويتولّى الولي.

٨٨

اضطراراً كالحيض والنفاس والإغماء ونحوها لم تسقُط الكفّارة. ولو ظهر حصول المفسد سابقاً ، كما لو ظهر له أنّه فعل المفطر مُصبحاً من غير اعتبار ، فلا كفارة ، وإن أثم بالتجرّي.

الرابع عشر : لو ماتَ وعليه صوم كفّارة ، تحمّلها الوليّ عنه ، كغيره من أقسام الصيام ، ما عدا الاستئجار. وما لم يكن فوته لبعض الأعذار. وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً. ولا تحمّل فيما لم يتعيّن فيه الصوم إلا مع عدم إمكان الأداء من التركة في وجه قويّ.

الخامس عشر : لا ترتيب بين القضاء والكفّارة ما لم يتعيّنا بمعيّن ، وتقدّم السبب وتأخّره لا يقتضي الترتيب.

السادس عشر : الصوم كلّه يجب فيه التتابع ، إلا أربعة :

صوم النَّذر وما في معناه ، وصوم قضاء رمضان وغيره ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهَدي ، وسيأتي في كتاب الحجّ إن شاء الله تعالى.

السابع عشر : الظاهر عدم اشتراط تقدّم التوبة في صحّتها ، فلو فعلها ثمّ تاب فلا مانع ، والمحافظة على التقديم أقرب إلى الاحتياط.

الثامن عشر : تجب المحافظة على المقادير في الكفّارات ، فلا يجوز النقص فيها اختياراً ، ولا الزيادة ؛ لمخالفة الأمر. وهل تجزي لو أتمّ الناقص وأهمل الزائد بعد أو لا؟ الوجه عدم الإجزاء ؛ لفساد النيّة.

التاسع عشر : تجب ملاحظة التراب ، والخليط ، فإن كانا خارجين عن عادة الطعام ، لزم حطّهما من المقدار ، وإلا فلا بأس بعد الاعتبار.

العشرون : لو قدّم الطعام إلى مريضٍ يضرّه الطعام ، أو يمنعه المرض عن أكله المعتاد ، أو سلّم الملبوس إلى من لا يجوز له لبسه ليلبسه ، فالظاهر عدم الإجزاء.

الحادي والعشرون : يُستحبّ تسليم الكفّارة إلى المجتهد ، والقول بالوجوب بعيد.

الثاني والعشرون : ليس على المجتهد نيّة في الدفع إن قبضها بحسب الولاية عن الفقراء ، وإن تولاها عن المالك كان وكيلاً وأميناً ، فلا بدّ من النيّة.

٨٩

الثالث والعشرون : أنّه يُعتبر القبض في تملّكها كسائر الصدقات ، ويقوى جواز احتسابها على المديون بجنسها.

الرابع والعشرون : أنّه لا يجوز العدول منها إلى غيرها من العبادات ، ولا من بعضها إلى بعض.

الخامس والعشرون : إذا تعدّدت الكفّارات ، وامتنع الجمع بينها ، بنى على الميزان ، وكذا مع التعارض بينها وبين غيرها.

السادس والعشرون : الجهل في الحكم بمنزلة العمد مع التقصير للخطور بالبال وإهمال السؤال.

السابع والعشرون : أنّ في اشتراط البناء على التوبة فيما فيه عصيان والقضاء فيما فيه قضاء في صحّتها وجهاً قويّاً.

الثامن والعشرون : أنّه لو نذر صيام رمضان في الاعتكاف فأفطر في يوم منه بعد الدخول في ثالث الاعتكاف كفّر ثلاثاً ، وقبله كفّارتين.

التاسع والعشرون : أنّ مَن كان عليه شي‌ء من الكفّارات ، فنسي تعيينه ، أتى بجميع المحتمل مع الحصر ، وسقط الحكم مع عدمه.

٩٠

كتاب الاعتكاف

٩١
٩٢

كتاب الاعتكاف

وفيه مباحث :

الأوّل : في حقيقته

وهو لَبث مخصوص للعبادة ، مُعتادة أو غير مُعتادة. ولو قصد اللبث مجرّداً عن قصد العبادة ، أو العبادة مجرّدة عن اللّبث ، لم يكن مُعتكفاً على الأقوى. ولو قصد ما يكون عبادة بالعارض كالاكتساب الراجح ، وعقد النكاح ونحو ذلك ، قويت صحّته ، والأقوى خلافها.

وهو من جملة الطاعات المقرّبة إلى جبّار السماوات ، فعن الصادق عليه‌السلام : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتكف أوّلاً في العشر الأُولى من شهر رمضان ، ثمّ في السنة الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ في السنة الثالثة في العشر الأخيرة ، ثمّ لم يزل يعتكف في العشرة الأواخر (١).

وعنه عليه‌السلام ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه إذا دخل العشر

__________________

(١) هذا مضمون ما ورد في الكافي ٤ : ١٧٥ ح ٣ ، والفقيه ٢ : ١٢٣ ح ٥٣٥ ، والوسائل ٧ : ٣٩٧ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٤.

٩٣

الأواخر شدّ المئزر ، واجتنب النساء ، وأحيا الليل ، وتفرّغ للعبادة (١). وأنّه فاته الاعتكاف سنة ، فقضاه في السنة الثانية ، بأن اعتكف عشرين يوماً ، عشراً للسنة الماضية ، وعشراً للسنة الحاضرة (٢).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعتكاف عشرٍ في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين (٣).

المبحث الثاني : في شروطه

وهي أقسام

الأوّل : النية

ويُعتبر فيها قصد القربة بأيّ نحوٍ اتّفق ، على نحو ما تقدّم في الصوم ، من غير حاجةٍ إلى نيّة وجوبٍ وندبٍ ، وأداء وقضاء ونحوها ، فلا حاجة إلى تجديد نيّة الوجوب للدخول في اليوم الثالث ، أو لنذرِ الإتمام ، والالتزام به بأيّ نحو كان بعد الدخول فيه.

ويُستحب التلفّظ بالنيّة على نحو الإحرام بالحج والعمرة.

وأن يشترط جواز الفَسخ متى أراده ، فيشترط الإحلال متى شاء ، أو يشترط ذلك إذا حصل ضارٍّ أو مانع. ولو شرطَ أمراً مخصوصاً وإن لم يكن مانعاً ، أو مانعاً كذلك ، أو في يوم مخصوص ، أو وقت مخصوص من ليلٍ أو نهار ، عملَ على شرطه ، ويندفع عنه حينئذٍ قضاء الوجوب ووجوب (٤) الإتمام إلا في التحمّل وكراهة القطع في غير الواجب. ولو كان واجباً بنذرٍ ونحوه ؛ فإن أخذ الشرط حين إجراء الصيغة ،

__________________

(١) هذا مضمون ما ورد في الكافي ٤ : ١٧٥ ح ١ ، والفقيه ٢ : ١٢٠ ح ٥١٧ ، والوسائل ٧ : ٣٩٧ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٥ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ح ٥١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٢ ح ٥٣١ ، المقنع : ١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٣.

(٤) في «س» : للوجوب.

٩٤

فلا قضاء ولا إثمَ ، وإلا لزما.

وتُعتبر المقارنة في الشرط لعقد النيّة ، فلا أثر للمتقدّم والمتأخّر المنفصل ، وفي اعتباره قبل الدخول في الثالث وجه ، والأقوى خلافه.

وتستوي اللغات في صورة النيّة وشرطها ، وتتوقّف على فهم العاقد.

ولو شرطَ ثمّ أسقط حكم شرطه ، فكمن لم يشرط.

ولا فرق في العارض حيث يطلقه بين الإلهي وغيره.

ولو زعم العارض فعزم على الخروج أو خرج ، فتبيّن خلافه ، فإن كان فسخ وأحلّ بالإفطار بطل ، وإلا صحّ وأتمّه ، إلا أن تذهب صورته. ولو أدخل نيّة الخروج في يوم كذا لعلمه بحصول المسوّغ من الأُمور المقرّرة ، فلا بأس مع حصول الانعقاد سابقاً.

ونيّة التفريق والقطع والإبطال والضميمة كنيّتها في الصوم وغيره من العبادات.

ولو نوى اعتكاف تسعة أيّام مثلاً ، فإن جعلها اعتكافاً واحداً ، فنيّته واحدة ، وإلا تعدّدت نيّته بتعدّد اعتكافاته.

ولو نواه في شهر ، فظهر في غيره ، أو في يوم خميس ، فظهر غيره ، فلا بأس.

ولو أدخل في نيّته ما لا يصلح للاعتكاف من زمان أو مكان ، كأن ينوي عشرة أيّام وفيها عيد ، وينوي مكاناً ويدخل فيه غير المسجد ؛ فإن كان مُشتبهاً صحّ فيما يصحّ ، وإن كان عن عمد بطلَ ، ويحتمل التوزيع.

والشرط بالنسبة إلى غير البالغ تمرينيّ ؛ لأنّه لا حرج عليه معه بدونه ، ولا يصحّ له اشتراط الفسخ في اعتكافه لاعتكاف عبده أو ولده ، أو اعتكاف آخر.

ولو شكّ في أصل الاشتراط أو العارض المشروط بعد الدخول ، بنى على أصل العدم.

ولو شكّ في أصل النيّة ، بنى على الصحّة إن أجرى على نفسه حكم الحبس ، أو كان كثير الشكّ ، وإلا فلا.

وكذا لو شكّ في شي‌ء وقد دخل في غيره ، أو شكّ بعد الفراغ. ولو فسد شرطه لم يفسد اعتكافه.

٩٥

ولا يجوز التوكيل في النيّة والعقد والشرط ، وتجب مُقارنة النيّة لأوّل الاعتكاف.

وصورة الاشتراط على الأفضل بعد أن يقول : أعتكف في هذا المكان أو المسجد ثلاثة أيّام مع ما بينها من الليالي ، أو أربعة ، أو خمسة ، وهكذا وأشترط على ربّي أن يحلّني متى شئت ، وإن قيّده بالعارض قال : أشترط على ربّي إن صدّني صادّ ، أو منعني مانع أن يحلّني حيث حبسني ، ومن لم يُحسن يُتابع غيره بعد فهم المعنى.

والنوم ، والغفلة ، والنسيان بعد انعقاد النيّة لا ينافي استمرار حكمها.

ولو نوى الاعتكاف فقال : إن كان كذا فعلته ، بطل ، إلا أن يكون شرطاً مؤكّداً ، كقوله : إن كان راجحاً ، أو إن كان المحلّ مسجداً ، ونحو ذلك.

وتجوز نيّته عن الميّت والأموات دون الأحياء ، ولا يجوز العدول بالنيّة عن اعتكاف إلى غيره ، مع اختلافهما في الوجوب والندب ، واتحادهما ، ولا عن نيابة ميّت إلى غيره ، إلا إذا نوى واجباً فبانَ عدم وجوبه ، فإنّ الأقوى جواز العدول إلى الندب ، ولا يخلو من إشكال.

وتُشترط فيها المقارنة ، فلو قدّمها من غير إدخال الواسطة في الاعتكاف بطلَ ، ويكفي التبييت على الأقوى. ومن أراد تمام الاحتياط ، حافظَ على أن يكون عند الفجر داخل المسجد متيقّظاً ؛ ليقارن الفجر بنيّته بعد أن يكون نوى مقارناً للغروب. ويكفي ظنّ الغروب وطلوع الفجر مع وجود علّة في السماء ، وفيمن فرضه التقليد كالأعمى ، ومن له مانع عن العلم ، وفي غيرهما لا بدّ من العلم ، أو ما يقوم مقامه.

الثاني : الصوم

فلا اعتكاف لمن لا يصحّ منه الصوم ، ولا لمن فسدَ صومه ببعض المُفسدات ، ويكفي مُسمّى الصوم وإن لم يكن للاعتكاف ، كصوم شهر رمضان ، وما وجب بالسبب ولو بالتحمّل ، وصوم التطوّع ، والمختلف.

ومن أوجب اعتكافاً على نفسه ، فقد أوجب صوماً.

ولو خرج ناوي الإقامة في المسجد لبعض الأعذار بعد انعقاد إقامته ولو بصلاة

٩٦

فريضة تماماً ، أو بالدخول في ثالثتها إلى ما دون المسافة ، ناوياً للعَود والإقامة أو دونها ، أو متردّداً فيه أو فيها مع العزم على العَود ، صحّ اعتكافه. ولو عزم على المسافة وعدم العود بعد دخول محلّ الاعتكاف ، ولم يضرب في الأرض ، صحّ اعتكافه ، في وجه قويّ ، والاحتياط فيما عدا نيّة العَود والإقامة أوفق بالجزم. ولو أدخل في نيّة الإقامة الخروج إلى ما فوق محلّ الترخّص ، فلا إقامة له.

وكلّ من انكشف فساد صومه ، تبيّن فساد اعتكافه.

ولو تعيّن عليه الصوم في مكان مخصوص ، فنواهُ في محلّ الاعتكاف ، فسدَ الصوم ، وفسد الاعتكاف ؛ ولو وجب الاعتكاف في مسجد ، فنواهُ في آخر ، بطل الاعتكاف وصحّ الصوم ؛ ومتى طرأ عليه بعض مفسدات الصوم من حيض أو جنون أو إغماء أو كفر أو نحوهنّ ، ولو قبل الغروب بثانية ، أي جزء من ستّين جزءاً من الدقيقة ؛ لأنّ الدقيقة ستّون ثانية ، والساعة ستّون دقيقة بطلَ اعتكافه. وإن وجبَ عليه بنَذر أو نحوه ، قضاه من رأس.

ومن أصبح جُنباً ، أو أكل مُستصحباً للّيل أو ظانّاً لدخوله أو فعلَ غير ذلك ، وبنى على صحّة الصوم ، صحّ اعتكافه إن لم يكن مُفسداً.

وكلّ زمان يصحّ فيه الصوم ولا مانع من الاعتكاف فيه ، يصحّ فيه الاعتكاف ، إلا أنّ شهر رمضان أفضل أوقاته ، وأفضله العشرة الأخيرة.

والظاهر اختلاف مراتب الرجحان باختلاف فضيلة الصوم في الأوقات والشهور ، فلفعله في شعبان امتياز على رجب ، ولرجب امتياز على غيره ، وهكذا ، والأفضل الإتيان بالصوم الواجب لمن عليه صوم واجب من تحمّل من غير إجارة أو بإجارة ، وترك التطوّع.

الثالث : المكان

وتُشترط فيه الجامعيّة ، والمسجديّة ، والوحدة. والأقوى جوازه في كلّ مسجد جامع. ولو تعدّد في البلد الواحد ، جاز الاعتكاف في الكلّ. ولا يجوز في مسجد السوق والمحلّة والقبيلة.

٩٧

وتثبت المسجديّة والجامعيّة بالبيّنة ، والشياع ، واستعمال المسلمين ، أو حكم الحاكم لمقلّديه.

والأحوط الاقتصار على المساجد الستّة : المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومسجد كوفان ، ومسجد البصرة ، ومسجد المدائن ، ومسجد بُراثا. والأحوط الاقتصار على الخمسة الأُول. وأحوط منه الاقتصار على الأربعة الأُول ، مع المحافظة على تجنّب الزيادات الحادثة بعد زمان أهل الشرع.

وأمّا حائطه وبئره وقرارهما وسطحه ومِنبره ومنارته ومحاريبه ملحقة به ما لم يعلم خروجها عنه. والأجنحة ومساند الجدران من الخارج ، ما لم يعلم دخولها.

وتستوي بقاع المسجد في تعلّق الاعتكاف ؛ ولو خصّ بعضاً منها ، فالأقوى عدم الاختصاص ، والاحتياط أولى. وكذا لو خصّ كلّ يوم بمكان.

وجوامع غير أهل الحقّ كجوامع أهل الحقّ في الصلاة والاعتكاف وسائر الأحكام. غير أنّ الاعتكاف فيه مبنيّ على اتخاذ أهل الحقّ له جامعاً لصلاتهم.

ولمتولّي المساجد كحاكم الشرع ونحوه ولاية عليها ، كولايته على جوامع أهل الحقّ.

ولا يجوز اتّخاذ المسجدَين أو المساجد محلّا للاعتكاف الواحد.

وما أُضيف إلى المسجد الجامع مُلحق به. والأحوط توقّفه على الاستعمال. وتُعرف الحدود بالبيّنة والشياع والأوضاع وإخبار الخدمة.

وحضرة مسلم وهاني خارجتان من مسجد كوفان ، وكذا موضع قبر المختار.

ولو بانَ عدمُ المسجديّة أو الجامعيّة في الأثناء ، بطلَ الاعتكاف. والحدوث في الأثناء لا يصحّح ما تقدّم.

ولو كانت بين الجامعين باب فاعتكف وصار لكلّ من المسجدين شطر منه ، فلا تبعد الصحّة ، والأحوط الاقتصار على الواحد.

ولو تعذّر عليه المَكث في محلّ النيّة ، احتمل جواز الاكتفاء بجامع آخر ، والأقوى البطلان.

٩٨

ولا يجوز الاعتكاف في الروضة ، وإن كان فيها فضل المسجد وزيادة ، ولا في رواقها ، إلا إذا كان مُعدّاً للعبادة لا للأحكام ونحوه ، ولا في الكعبة مع احتمال الجواز فيها ، وأولى منها حِجر إسماعيل.

ولو كثر المعتكفون فضاقَ المسجد عن اللبث فيه ، لم يجز التناوب لكلّ واحد يوم.

الرابع : اللّبث فيه بنفسه

ولا تصحّ الوكالة والنيابة فيه ، ويُعتبر فيه أن لا يخرج من البدن قدر مُعتدّ به كنصفه وثلثه ، أمّا ما لا يُعتدّ به من بعض الأطراف فلا بأس بخروجه وإن خالف الاحتياط. وروى إخراج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه للتنظيف ؛. (١)

ولو نوى الاعتكاف ببعض بدنه ، لم يصحّ مطلقاً. والشعر لا عِبرة به. والمدار على حصول مُسمّى الكَون ، قائماً أو جالساً أو مُضطجعاً أو راكباً ، مُستقرّاً أو مُضطرباً.

الخامس : استدامته

فلو خرجَ من غير علّةٍ ، أو خرج لعلّة فمكثَ خارجاً لغير علّة ، بطلَ اعتكافُه. والنسيان والعثار والإجبار والجهل بموضع المكان أعذار لا تقتضي البطلان ، وإلحاق جهل الحكم به قويّ.

ويجوز الخروج للضرورة الشرعيّة ، والعقليّة ، والعاديّة ، وللأكل ، والشرب ، والغُسل ، والإقامة للشهادة ، والتحمّل ، ولمقدماتها مع التوقّف على الخروج ، وردّ الضالّ ، وإعانة المظلوم ، وإنقاذ المحترم ، وعيادة المريض ، وتشييع المؤمن الحيّ ، وجنازة الميّت وصلاتها ، وحضور دفنها ، وسننه ، واستقبال المؤمن ، وغسل النجاسات والقذارات ، والاستحمام لشديد الحاجة إليه ، وصلاة الجمعة ، والعيد ، بل مطلق الصلاة في مكّة ، وخوف ضيق وقتها ، وقضاء حاجة المؤمن ، وإعانة بعض المؤمنين

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٤٥ باب الاعتكاف ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٦.

٩٩

خصوصاً المعتكفين على مطالبه ، والخروج معه رفعاً لخوفه ، أو ردّاً لماله الضائع أو الشارد والمسروق ، أو قياماً بحقّه ، وانتظاره لدفع خوفه ، وفعل ما فيه غَضَاضة في المسجد ، وإخراج الريح خارج المسجد.

ويُشترط في صحّته عدم الطول الماحي لصورة الاعتكاف. ويُحافظ على أقرب الطرق مع عدم الباعث على الطول من حاجةٍ تدعو إليه. ويلزمه الرجوع على الفور ، وأن لا يجلس تحت الظلال ، وإن جلس أثم ، ولا يبطل اعتكافه. والجلوسُ لقضاء الحاجة ليس منه ، والمشي تحت الظلال جائز ، والاحتياط لا يخفى.

والخروج لما تعلّق بمصالح المسجد وآدابه ، كإخراج كناسته ، والوضوء للحدث خارجه ، والقي‌ء ، والطبخ ، والخبز ، وغسل الثياب ، ونحوها ، وما تعلّق بمصالح نفسه ، من الإتيان بماءٍ أو حطبٍ أو عَلَف لدابّته أو نحو ذلك ، لا بأس به. ولا يلزم الاستئجار والاستعانة وإن كان واجداً ، أو مُطاعاً. ويشكل في واجد المملوك والأجير.

ومن الحاجة : امتثال أمر المالك ، والوالدين ، والخادم لمخدومه ، والمتعلّم لمعلّمه ، والمُنعَم عليه لصاحب نعمته ، ومعرفة الوقت ، والتأذين ، وجهاد العدوّ ، ومصاحبة المَحرم للمرأة الجميلة ، والخادم للمتشخّص أو المرأة الجليلة ، والقويّ للشيخ الضعيف ، والمريض للاعتماد عليه.

ومن الحوائج : طلب الاحتياط في غسل أو إزالة نجاسة أو نحوهما ، ما لم يدخل في الوسواس ، فإن دخل فيه فسد الاعتكاف.

ومنها : ما لو احتاج إلى مسألة ، والمُجتهد خارج المسجد ، أو احتاج إلى قران ، أو كتاب دعاء ، أو شي‌ء ممّا تتوقّف عليه العبادة. ولو أضرّ به الشعر فلم يسعه الحلق في المسجد خرجَ ، ومثله طلي النورة والحجامة والفِصادة (١) ونحوها.

ومن الأعذار : مظنّة تمام الاعتكاف ، فتبيّن خلافه بعد خروجه ، أو بعد نيّة فراغه.

__________________

(١) الفصد شق العرق ، فصده يفصده فصداً وفصاداً. لسان العرب ٣ : ٣٣٦.

١٠٠