كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

ومنها : ما يُشترط في المحبوس من صفة خاصّة ووضع خاصّ.

ومنها : اشتراط التعمير من منافعه ، أو من مال الحابس ، أو المحبوس عليه ، إلى غير ذلك.

القسم الثاني : الشرائط الفاسدة ، وهو كلّما نافى العقد ، كاشتراط عدم انتفاع المحبوس عليه ، أو اشتراط أن تكون المنفعة للحابس ، أو أن ترجع إليه قبل تمام الحبس ، أو أن يؤجره في مدّة الحبس ، أو اشتراط انتقال العين إلى المحبوس عليه ، أو اشتراط ترك واجب أو فعل حرام ، أو اشتراط ما لا نفع فيه ، ونحو ذلك ، ومتى اشترط فيه شرط فاسد فسَدَ.

الحادي عشر : في أقسامه :

وهي ثلاثة : سكنى ، وعمرى ، ورقبى.

والأوّل أعمّ من الأخيرين من وجه ، وبين الأخيرين تباين ، وهي معانٍ شرعيّة حقيقيّة تعيينيّة أو تعيّنيّة ، والجميع داخل تحت الحبس ، وإنّما ينطبق على الخصوص بالقيد الأوّل.

ويُعتبر في الجميع صيغ تُوافق معناها ، مشتملة على الإيجاب والقبول ، مشترطة بشروط صيغة الوقف السابق ذكرها ، والظاهر الاكتفاء بالقبول الفعلي.

القسم الأوّل : السكنى ، وصيغتها : أسكنتك ، وهي مختصّة بالمساكن عامّة ، لما أُطلق أو قُيّد بالعمر أو المدّة فكان عمرى ورقبى ، وقد يُراد بها ما خلت عن ذكر العمر والمدّة فتكون مباينة لهما ، والإسكان قد يتعلّق بأمكنة أو دور متعدّدة أو بيت خاصّ من دار أو بعض بيت على نحو ما شرط.

القسم الثاني : العمرى ، وهي ما تعلّق بعمر الحابس ، كأن يقول : أعمرتك الدار مدّة عمري. أو بعمر المحبوس عليه ، كأن يقول : مدّة عمرك ، أو أيّام عمرك ، أو بعمر خارجيّ. ولو أطلق التعمير فسدت ؛ للجهالة ، ما لم تقُم قرينة التعيين أو أعمرناك مع التعدّد ، تحققت العمرى ، ويقوى مثله فيما لو قيّد بعمرى بهيمة أو بقاء جار

٢٨١

أو ركب. ولو عدّد الأعمار أو رقبة وقيّد بانقضائها ، دخل في العمرى ، ويجزي أن يقول : هي لك عُمرَك أو عُمري.

القسم الثالث : الرقبى ، مأخوذة من الارتقاب ، وهو ما قيّد بزمان معلوم ، كسنة أو سنتين أو ثلاث ، ولو أسكن سنتين بإيجاب واحد ، كأن يقول المالك : أسكنتك كذا كذا زماناً ، وكذا مدّة عمري ، اجتمعت العمرى والرقبى.

ولو قال : بمقدار عمر فلان ، وقد مات وعلم المقدار ، دخل في الرقبى.

وينقسم بأقسامها الثلاثة : وعام لجميع المنافع ، وخاصّ إلى تشريك وترتيب ، ومركّب منهما ، مع الاتصال ، وفي الانفصال إشكال.

الثاني عشر : في الأحكام ، وهي عديدة : منها : أنّه يجوز للحابس بيع المحبوس ونقله بأنواع نقل الملك ، ورهنه ، وعتقه ، ووقفه ، وإجارته في مدّة بعد انقضاء مدّة الحبس أو في منفعته غير المنفعة المحبوسة ، وحبسه كذلك ، وفي النقل بالعوض ، مع عدم علم المنقول إليه يثبت الخيار.

ومنها : أنّه لا يثبت شي‌ء من الخيارات من خيار شرط وغيره ، ولا يثبت الخيار مع الغبن واستحقاق الشفعة ، وإذا كان للحابس خيار بطل الخيار ، وصحّ الحبس.

ومنها : أنّه لا يجوز للمحبوس عليه الإيجار ، وإسكان من عداه سوى توابعه ، وله إدخال الضيف ، وطالب الحاجة.

ومنها : أنّه إن خرب المحبوس وانتقل عن صورته ، بطل الحبس. ولو انهدمت جدران الدار أو الحمّام مثلاً ، بطل. ويحتمل بقاء تعلّق الحكم بما بقي من أرض وغيرها.

ومنها : أن الحبس إن قيّد بعمرٍ أو بمدّة معيّنة ، لزم إلا بعد ذهاب ذلك العمر. وتلك المدّة ، فيعود إلى الحابس أو ورثته ، ويلزم المحبوس عليه ، وليس له الردّ فيما للحابس فيه الردّ فضلاً عن غيره.

٢٨٢

ومنها : أنّه إذا حبس القابل وغير القابل ، أو على القابل وغير القابل ، صحّ في القابل ، دون غيره.

ومنها : أنّه لو حبس الفضولي فأجاز المالك ، صحّ. ويجري فيه ما جرى في الوقف ، وكذا في إجارة القبض ، وإجازة الإجازة.

ومنها : أنّ نيّة القربة تُقارن بها الصيغة ، ولا تشترط في الإقباض ، والإتيان بها فيهما أقرب إلى الاحتياط.

ومنها : أنّها إن علّقت بعمر المالك ومات ، رجعت إلى وارثه. وإن علّقها بعمر المعمّر فمات ، رجعت إلى المالك ؛ ولو أدخل معه عمر أولاده أو غيرهم ، رجع بعد موتهم إلى ذلك.

ومنها : أنّه لا يجوز الرجوع في العمرى والرقبى ، ويجوز في الإسكان المطلق ، وربّما يؤذن بعدم اشتراط العمرية.

ومنها : أنه إذا ردّد بين العمر والوقف فسد إسكانه.

ومنها : أنّ المالك إذا باعَ فسد إسكانه ؛ لا إرقابه ، ولا إعماره.

ومنها : أنّه لو حبس العبد أو الأمة على خدمة مسجد أو مشهد أو معبد ، أو الفرس والبقر في سبيل الله ، خرج عن الملك بالعقد ، وكان لازماً ، بخلاف الحبس على الإنسان ، فإنّه يعود إلى الحابس بعد انقضاء المدّة ، ما لم يكن شرط فيتّبع.

ومنها : أنّ حبس العين لا يقتضي حبس نتائجها ، ومواليدها ، إلا مع الشرط.

ومنها : أنّ حبس المشاع لا مانع منه ، سواء كانت الحصّة الأُخرى وقفاً أو طلقاً ، ولا يمنع المالك عن القسمة ، فإذا قسّم انحصر حقّ المحبوس عليه في حصّة الحابس.

ومنها : أنّه لا تصحّ القسمة بين المحبوس عليهم ، مع تعلّق الحبس بالأعقاب ، ومع عدمه ورضاهم بقسمة المالك لم يكن بأس في أحد الوجهين.

ومنها : أنّ المحبوس لا يجوز له التصرّف في المحبوس ، ولا يجب إزالة ما فيه ممّا يخلّ بالسكنى ، بخلاف المؤجر ، ويجب على المحبوس عليه إخراج ما أحدث منه من كناسة ونحوها.

ومنها : أنّه لا يلزم على الحابس ولا المحبوس عليه إصلاح ما حدث من انهدام جدران أو وقوع سقف ونحو ذلك.

٢٨٣

ومنها : أنّه لو حبس شيئاً لم يكن له الانتفاع به إلا فيما لا يدخل في المنفعة المحبوسة ، وله التردّد إليه لإصلاحه من الفساد ، ولو شرط منفعة أخرى لنفسه أو خصّص المنفعة فلا بأس.

ومنها : أنّه لا بأس بتحبيس أمّ الولد ، والمكاتب المشروط أو المطلق قبل التأدية ، والجزء بعد أداء البعض ، وإذا حصل شرط الحريّة انفسخ التحبيس الجائز ، وبقي اللازم إلى وقته ، وقد يقال : بانفساخه أيضاً ، وفي الانتقال إلى مالك آخر يبقى اللازم.

ومنها : أنّه لو دار بين الحبس والوقف احتمل تقديم الأوّل ، ويُحتمل الثاني ، لتحقّق اليد بالقبض ، ولا سيّما على القول بالملك ، والأقوى تقديم الأوّل.

ومنها : أنّه لو حبس في زمن موته حبساً لازماً أخرج مقابلة منفعته من ثلثة. هذا آخر ما كتبه قدّس الله روحه ونوّر ضريحه في العبادات الداخلة في العقود ، ولنشرع فيما كتبه رحمه‌الله في الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن شاء الله تعالى.

٢٨٤

كتاب الجهاد

٢٨٥
٢٨٦

الجهاد

وفيه أبواب

الباب الأوّل : في المقدمات

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : في بيان معناه والإشارة إلى مصاديقه وأنواعه.

الجهاد ينقسم ، من جهة اختلاف متعلّقاته ، إلى أقسام خمسة :

أحدها : الجِهاد لِحِفظ بَيضة الإسلام إذا أرادَ الكفّار المستحقّون لغضب الجبار الهجوم على أراضي المسلمين ، وبُلدانهم وقراهم ، وقد استعدّوا لذلك وجمعوا الجموع لأجله ؛ لتعلوا كلمة الكُفر ، وتهبط كلمة الإسلام ، ويضربوا فيها بالنواقيس ، ويبنوا فيها البيع والكنائس ، ويعلنوا فيها سائر شعائِر الكُفر ، ويكون الشرع باسم موسى وعيسى عليهما‌السلام ، ويشتدّ الكفر ويتزايد باستيلاء القائلين بالتثليث وغيرها من المناكير ، النافين في الحقيقة لوحدة الصانع الخبير ، كالفرقة الأُروسيّة خذلهم الله بمحمّد وإله.

٢٨٧

والواجب هنا : أنّه إن حَصَلَ من يقوم بذلك ، سقطَ عن المُكلّفين ، وإلا وجبَ على جميع أهل الإسلام ممّن له قدرة على الهجرة ومدخليّة في إذلال العدوّ ، وكلّ من له قابليّة لجمع الجنود والعساكر أن يقوم بهذا الأمر مع غيبة الإمام وحضوره عليه‌السلام ، ويُعتبر الاستئذان منه ، وحضور المجتهد وغيبته على نحو ما سيجي‌ء ، وله الأخذ من أموال المسلمين بقدر الحاجة.

ثانيها : الجهاد لدفع الملاعين عن التسلّط على دماء المسلمين وأعراضهم بالتعرّض ، بالزنا بنسائهم ، واللواط بأولادهم ، ويجب ذلك على من غابَ أو حضر مع عدم قيام الحاضرين به.

ويجوز للرئيس المُطاع في هذا القسم أن يأخذَ من أموالِ المُسلمين ما يتوقّف عليه دفع عدوّهم ، مع قيامهم بالدفع ، مع حضور الإمام عليه‌السلام وعدم تسلّطه ، أو غيبته ؛ وحضور المُجتهد ، وغيبته ، وطلب الإذن منه أولى.

ثالثها : الجهاد لدفعهم عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفّار ، فخيف من استيلائهم عليها.

رابعها : الجهاد لدفعهم عن بُلدان المسلمين وقُراهم وأراضيهم ، وإخراجهم منها بعد التسلّط عليها ، وإصلاح بَيضة الإسلام بعد كسرها ، وإصلاحها بعد ثلمها ، والسعي في نجاة المسلمين من أيدي الكَفَرَة الملاعين.

ويجب على المُسلمين الحاضرين والغائبين إن لم يكن في الثغور من يقوم بدفعهم عن أرضهم أن يتركوا عيالهم وأطفالهم وأموالهم ، ويهاجروا إلى دَفعِ أعداء الله عن أولياء الله.

فمن كان عنده جاه بذل جاهه ، أو مال بذل ماله ، أو سلاح بذل سلاحه ، أو حيلة أو تدبير صرفها في هذا المقام ، لحفظ بيضة الإسلام ، وأهل الإسلام من تسلّط الكفرة اللئام.

٢٨٨

وهذا القسم أفضل أقسام الجهاد ، وأعظم الوسائل إلى ربّ العباد ، وأفضل من الجهاد لردّ الكفّار إلى الإسلام ، كما كان في أيّام النبي عليه وإله أفضل الصلاة والسلام.

ومن قُتل في تِلكَ الأقسام ، يقف مع الشهداء يوم المحشر ، والله هذا هو الشهيد الأكبر ، فالسعيد من قُتل بين الصفوف ، فإنّه عند الله بمنزلة الشهداء المقتولين مع الحسين عليه‌السلام يوم الطفوف ، قد زُخرفت لهم الجنان ، وانتظرتهم الحور والولدان ، وهم في القيامة أضياف سيّد الإنس والجانّ.

فمن عَلِمَ بأنّه يَجب عليه أن يقبل منّي الكلام ، ويأخذ عنّي الأحكام الواردة عن سيّد الأنام ، فليخرج سيفه من غمده ، ويرفع رمحه من بعده ، وينادي بأعلى صوته : أين غِيرَة الإسلام؟ أين الطالبون بثارات شريعة سيّد الأنام؟ أين من باعوا أنفسهم بالجنان والحور والولدان ، وفي رضا (١) الربّ الرؤوف الرحمن؟ أين عبيد سيّد الأوصياء؟ أين الطالبون لأن يكونوا من شهداء كربلاء؟ أين الدافعون عن شريعة سيّد الأُمم؟ أين الذين روي في حقّهم : أنّ أكثر أنصار صاحب الأمر العجم (٢).

خامسها : جِهاد الكُفر والتوجّه إلى محالّهم ، للردّ إلى الإسلام ، والإذعان بما أتى به النبيّ الأُمّي المبعوث من عِند الملك العلام ، عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

وهذا المقام من خواصّ النبيّ والإمام ، والمنصوب الخاصّ منهما ، دون العام ؛ ويختصّ به بعض الأحكام ، كما سيجي‌ء بيانه في تفصيل الأقسام ، وباقي الأقسام يشترك فيه جميع الأنام.

فكلّ من هذه الأقسام الخمسة مندرج في الجهاد على سبيل الحقيقة ، ويجري على قتلاهم في المعركة حُكم الشهيد في الدنيا والآخرة ، فيثبت لهم في الآخرة مع خلوص

__________________

(١) في «ح» : ورضا.

(٢) إثبات الهداة ٧ : ٩٢ ح ٥٤٠ ، بحار الأنوار ٥٢ : ٣٦٩ ، وص ٣٧٠ ب ٢٧ ح ١٥٧.

٢٨٩

النيّة ما أعدّه الله للشّهداء من الدرجات الرفيعة ، والمراتب العليّة ، والمساكن الطيّبة ، والحياة الدائمة ، والرضوان الذي هو أعلى من كلّ مكرمة.

ويسقط في الدنيا وجوب تغسيلهم وتحنيطهم وتكفينهم إذا لم يكونوا عُراة ، فيدفنون في ثيابهم مع الدماء ، ولا يُنزع شي‌ء منها ، سوى ما كان من الفراء والجلود ، وسوى ما كان إبقاؤه مُضرّاً ضَرراً عظيماً على الوَرَثَة ، إذا قُتِلَ بين الصفين وأدركه المسلمون ولم يكن به رمق الحياة.

وتفترق الأربعة المتقدّمة عن الخامس بوجوه :

أحدها : أنّه يُشترط في الجهاد بالمعنى الأخير وهو ما أُريد به الجَلب إلى الإسلام حُضور الإمام أو نائبه الخاصّ ، دون العامّ ، ولا يُشترط في الأقسام الأربعة المتقدّمة ذلك.

فإنّ الحكم فيها : أنّه إن حَضَرَ الإمام ووسّدت له الوسادة ، توقّفَ على قيامه ، أو قيام نائبه الخاصّ. وإن حضر ، ولم يتمكّن ، أو كان غائباً ، وقام (١) النائب العام من المجتهدين الأفضل فالأفضل ، فهو أولى.

وإن عَجَزَ المجتهدون عن القيام به ، وجبَ على كلّ من له قابليّة السياسة وتدبير الحروب وجَمعِ العَساكر إذا توقّف الأمر على ذلك القيام به ، وتجب على المسلمين طاعته ، كما تجب عليهم طاعة المجتهدين في الأحكام ؛ ومن عصاه ، فكأنّما عصى الإمام.

ثانيها : أنّه يُستثنى من المكلّفين أصناف في وجوب الجهاد بالمعنى الأخير ، كالمريض مرضاً ضاراً ، والفقير العاجز عن النفقة مع عدم الباذل ، والراجل (٢) ، والعبد ، والأُنثى ، والخُنثى ، والممسوح ، ومن عارضه الواجب من دين حالّ يُطالب به ، أو نفقة واجبة ، أو حجّ ، أو طاعة الوالدين ، ونحو ذلك.

__________________

(١) في «ح» زيادة : مقام.

(٢) المقصود بالراجل : من ليس له دابّة تمكّنه من الجهاد في زمن المؤلّف.

٢٩٠

ولا يُشترط في الأربعة السابقة شي‌ء من ذلك ، بل المَدار فيها على القُدرة وعدم العجز ، فيجب على كلّ قادر على النصرة ، من قريب أو بعيد ، الحضور في عسكر المسلمين وجوباً كفائيّاً لا يسقط إلا إذا قامَ به مَن به الكفاية.

ثالثها : أنّه لا يجوز التخلّف عن الهُدنة والأمان ، والصلح ، والعهد ، ولا يجوز الاحتيال بالكذب والتزوير في القسم الأخير ، ولا بأس بذلك في الأقسام الأُخر إذا قوي الكفّار وخيف الضرر.

رابعها : أنّه يختصّ المحاربة في القسم الأخير بما كانت مع الكفّار لجلبهم إلى الإسلام.

وأمّا في الأقسام الأُخر ، فلا يُفرّق بين الكفّار وبين المسلمين والمؤمنين إذا أرادوا ما أراده الكُفّار ، وإن كانوا على خلاف مَذهبهم ، لطَمَعِ الدنيا وحبّ الرئاسة.

خامسها : أنّه يُلحظ في القسم الأخير عدم زيادة الكُفّار على الضعف أو على عشرة أمثال كما كان سابقاً ، وليس في الأقسام الأُخر تحديد إلا بالقدرة وعدمها.

سادسها : أنّه لا يجوز الجِهاد بالمعنى الأخير في الأشهر الحُرُم ، بخلاف الأقسام الأُخر ؛ وإن تساوت ، حيث تكون الحرب مع من لا يرى لها حُرمة أو مع المبتدئ (١) منهم بالحرب. وأمّا بالنسبة إلى الحرم ، فلا مانع في الجميع.

سابعها : تخصيص الوجوب في القِسم الأخير بِمَرّة في السنة ، ولا تحديدَ في الأقسام الأُخر.

ثامنها : لزوم الدعاء إلى الإسلام قبل مُحاربتهم في القسم الأخير ، فإن أبوا وامتنعوا حوربوا ، ولا يلزم ذلك في الأقسام الأُخر.

تاسعها : أنّه ليس للإمام الأخذ من أموال المسلمين قهراً للتوصّل بها إلى الغرض المطلوب في القسم الأخير ، ويجوز للرئيس أن يتناول من الأموال إذا لم يكن عنده ما يقوم بكفاية ما يضطرّ إليه من العساكر في الدفع عن الأُمور الأُخر ، مقدار ما يكفيه في حصول الغرض.

__________________

(١) في النسخ : المبتدأ.

٢٩١

عاشرها : أنّه لا ينقض عقد الجزية ، والأمان ، والهُدنة ، والصلح ، والعَهد إصرار الكفّار على عدم الامتثال لما أُمروا به من الإسلام ، وينقضه حصول واحد من الأقسام الأربعة.

حادي عشرها : أنّه لا يجب بذل مال يضرّ بحاله في القسم الأخير ، ويلزم ذلك في الأقسام الأُخر جميعاً على الأظهر.

ثاني عشرها : أنّه تجب قِسمة الغنائم بين المُجاهدين في القسم الأخير على التفصيل المقرّر ، وأمّا في الأقسام الأُخر ، فإذا توقّف الغَرض على صرفها على العساكر والجُنود ، صُرفَت من غير تقسيم.

ثالث عشرها : أنّه لا ينبغي القتل بالسم ، ولا الهجوم عليهم ، ولا تبييت العدوّ باللّيل في القسم الأخير ، والأوقات كلها متساوية في الأقسام الأربعة.

رابع عشرها : أنّ الغنيمة إذا جاءت بها سريّة بغير إذن الإمام تكون للإمام ، والظاهر أنّه مخصوص بالقسم الأخير ؛ لأنّ ذلك لا يجوز لغير الإمام ، فهو حقّه. وأمّا ما كان من غيره ، فهو للفِرقة المُقاتلة ، تُقسّم بينها قسمة الغنائم.

ثمّ إنّ هناك أنواعاً أُخر من الحرب السائغة أو الواجبة بحسب الشرع يُطلق عليها اسم الدفاع ، ولا تَندرِج على سبيل الحقيقة في اسم الجهاد.

وهي أقسام ثلاثة :

أحدها : الدفع عن نفسه في مُقابلة عدوّ أرادَ قتله ، فإنّه يجب عليه المُقابلة متى احتملَ حصول السلامة بالدفاع ، وإن علم أنّه مقتول لا مَحالة بحيث يَقتُل ويُقتَل في الان الواحد ، استحبّ له ذلك ، وقد يقال بوجوبه.

ثانيها : الدفع عن عِرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عِرضه ، فيجب عليه ذلك ، مع ظنّ السلامة ، ولا يجوز بدون ذلك.

ثالثها : الدفع عن ماله أو مال مؤمن ، فيُستحبّ الدفاع عنه. ولا يجب إلا مع ظنّ ترتّب التلَف على فَقدِه ، كأن يؤخذ منه الماء ، وإلى أجله ، وهو في مهلكة ،

٢٩٢

فيرجع إلى الدفاع عن النفس.

وهذه الأقسام الثلاثة تُسمّى دِفاعاً ، وإطلاق الجهاد عليها غير شائع. ولا يجري على المقتول فيها حُكم الشهيد في الدنيا من جهة تغسيلٍ ونحوه ، وإن عُدّوا في الآخرة من الشهداء ، وحاله كحال من أدخل في اسم الشهداء مع موته حَتف أنفه من غير قتل ، كالغريق ، والحريق ، والمبطون ، والميّت المدينة (١) ، أو نفاس ، أو طريق طاعة ، أو غُربة ، إلى غير ذلك.

المبحث الثاني : في بيان فضيلة الجهاد

الجهاد أفضل الأعمال بعد العقائد الإسلاميّة والإيمانيّة ، حتّى من الصلوات اليوميّة وإن كان لها في نفسها مَزيد فَضلٍ عليه لكنّهُ أفضل بحسب الجِهات الخارجيّة ؛ لأنّ الطاعة لله والعبوديّة له فرع محبّته ، والعمل بجميع التكاليف مرجعها إلى حبّ الله ؛ لأنّ المُحبّ الحقيقي يتلذّذ بخدمة المحبوب ، وكلّما فعل المحبوب محبوب.

فمتى أطاعَ في أشقّ الأشياء عليه على زيادة إخلاصه بالنسبة إليه ، فأوّل مراتب الحُبّ بذل المال في رضا المحبوب ، ثمّ تعب البدن وترك اللذات ، ثمّ بذل نفس الولد الذي هو بمنزلة النفس ، ولذلك جاء المدح من العزيز الكريم في حقّ النبيّ إبراهيم في عزمه على ذبح ولده إسماعيل (٢) ، ولم يبلغ والله مرتبة خاتم الأنبياء ، ولا البضعة البتول الزهراء ، ولا الأئمّة الأُمناء في رضاهم بقتل سيّد الشهداء بسيوف الأعداء ، وبقائه مطروحاً على الثّرى ورأسه معلّق على القنا ، وقتل أولاده وأرحامه وأصحابه ، وسبي بناته وعياله ، وحملهم على السنان في نهاية الذلّ والصّغار ، ووقوف سباياهم بين يدي أشرّ الأشرار في كمال الذلّ والصّغار.

__________________

(١) كذا.

(٢) الصافات : ١٠٠ ـ ١١٠.

٢٩٣

وبعد ذلك الرضا بذهاب النفس في رضا المحبوب ، كما اختار سيّد الشهداء لنفسه القتل في رضا ربّ السماء.

ثمّ ما صدرَ من سيّد الأوصياء ما هو أعجب وأغرب وأبهر ؛ لأنّ بذل النفس بائتاً على الفراش من غير ضرب ولا تعب المبارزة ودهشة الحرب أعظم في الحُبّ ، وأكبر شأناً عند صاحب اللبّ ، فبذلّ النفس أدلّ على الحبّ والاتصال بربّ العباد من الصوم ، والصلاة والحجّ والخمس والزكاة.

ثمّ إنّ ما في القرآن المُبين من الآيات ، وما في كُتب أحاديث النبيّ صلّى الله عليه وإله والأئمّة عليهم‌السلام من الروايات ، أبينُ شاهدٍ على فضله وعِظَم شأنه ، ورجحانيّته ، مُضافاً إلى إجماع فِرَق المُسلمين ، بل قيام الضرورة عليه من المَذهب ، بل من الدِّين.

وأمّا الآيات

فهي كثيرة :

منها : قوله تبارك وتعالى (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (١).

ومنها : قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‌ءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢).

ومنها : قوله تعالى :

__________________

(١) النساء : ٧٤ ـ ٧٦.

(٢) الأنفال : ٦٠.

٢٩٤

(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ، وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١).

ومنها : قوله جلّ اسمه (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

ومنها : قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٣).

ومنها : قوله جلّ شأنه (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٤).

ومنها : قوله جلّ ذكره (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥).

ومنها : قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦).

ومنها : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (٧).

__________________

(١) النساء : ٩٥ ٩٦.

(٢) آل عمران : ١٦٩ ١٧١.

(٣) الأنفال : ٧٤.

(٤) التوبة : ٣٦.

(٥) التوبة : ٤١.

(٦) التوبة : ١١١.

(٧) آل عمران ١٥٦ ١٥٨.

٢٩٥

وقال عزّ شأنه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١).

وقال سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢).

ومنها : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ إِلّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ) (٣).

ومنها : قوله تعالى (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) (٤).

ومنها : قوله عزّ شأنه (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلّا قَلِيلاً قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٥).

ومنها : قوله تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٦).

ومنها : قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٧).

__________________

(١) آل عمران : ٢٠٠.

(٢) الأنفال : ٤٥.

(٣) التوبة : ٣٨ ٣٩.

(٤) الحجّ : ٥٨ ٥٩.

(٥) الأحزاب : ١٦ ـ ١٧.

(٦) محمّد : ٤ ـ ٧.

(٧) الصف : ٤.

٢٩٦

ومنها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (١).

وأمّا الروايات الواردة في ذلك فهي أكثر من أن تُحصى ، ونشير إلى جُملة منها :

فعن رسول الله صلّى الله عليه وإله أنّه قال في حديث : «ومَن خرجَ في سبيل الله مُجاهداً ، فله بكلّ خطوة سبعمائة ألف حسنة ، ويُمحى عنه سبعمائة ألف سيّئة ، ويُرفع له سبعمائة ألف درجة ، وكان في ضمان الله ، بأيّ حَتف ماتَ كان شهيداً ، وإن رجعَ رجعَ مغفوراً له ، مُستَجاباً دُعاؤه» (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سَبِيلِ الله ، فإذا قُتِل في سَبِيلِ الله فليس فوقه برّ» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للشهيد سبع خصال من الله : أوّل قطرة من دمه مغفور له كلّ ذنب. والثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين ، وتمسحان الغُبار عن وجهه ، وتقولان : مرحباً بك ، ويقول هو مثل ذلك لهما. والثالثة : يُكسى من كسوة الجنّة. والرابعة : يبتدره خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه. والخامسة : أن يرى منزلته. والسادسة : يقال لروحه : اسرح في الجنّة حيث شئت.

__________________

(١) الصف : ١١٠ ١١٤.

(٢) عقاب الأعمال للصدوق : ٣٤٥ ، الوسائل ١١ : ١٢ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢٧.

(٣) الكافي ٥ : ٥٣ ح ٢ ، التهذيب ٦ : ١٢٢ ح ٢٠٩ ، الخصال : ٩ ح ٣١ ، الوسائل ١١ : ١٠ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢١.

٢٩٧

والسابعة : أن ينظر وجه الله ، وإنّها لراحة لكلّ نبيّ وشهيد» (١).

وعنه أيضاً : «خيول الغُزاة في الدنيا خيولهم في الجنّة وإنّ أردية الغزاة لسيوفهم» (٢).

وعنه أيضاً : «اغزوا تورثوا أبناءكم مجدا» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ جبرئيل عليه‌السلام أخبرني بأمرٍ قرّت به عيني وفرح به قلبي ، قال : يا محمّد ، مَن غَزا غزاة في سبيل الله من أُمّتك ، فما أصابه قطرة من السماء أو صداع ، إلا كانت له شهادة يوم القيامة» (٤).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخير كلّه في السيف ، وتحت ظلّ السيف ، ولا يقيم الناس إلا السيف ، والسيوف مقاليد الجنّة والنار» (٥).

وعنه أيضاً : «للجنّة باب يُقال له : باب المُجاهدين ، يمضون إليه ، فإذا هو مفتوح ، وهم متقلّدون بسيوفهم ، والجمع في الموقف ، والملائكة ترحّب بهم ، قال : فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلهً ، وفقراً في معيشته ، ومحقاً في دينه ، إنّ الله أغنى أُمّتي بسنابك خيلها ، ومراكز رماحها» (٦).

وروى الكليني بإسناده عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ أبا دجانة الأنصاري اعتمّ يوم أحد بعمامة ، وأرخى عذبة العمامة (٧) بين كتفيه ، حتّى جعل يتبختر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هذه المِشيَة يبغضها الله عزوجل إلا عند

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٢١ ح ٢٠٨ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢٠.

(٢) الكافي ٥ : ٣ ح ٣ ، ثواب الأعمال : ٢٢٥ ح ٤ ، الوسائل ١١ : ٥ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٥ : ٨ ح ١٢ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٦.

(٤) الكافي ٥ : ٨ ح ٨ ، التهذيب ٦ : ١٢١ ح ٢٠٦ ، ثواب الأعمال : ٢٢٥ ، أمالي الصدوق : ٤٦٢ ح ٧ ، الوسائل ١١ : ٧ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٠.

(٥) الكافي ٥ : ٢ ح ١ ، التهذيب ٦ : ١٢٢ ح ٢١١ ، ثواب الأعمال : ٢٢٥ ، أمالي الصدوق : ٤٦٣ ح ١١ ، الوسائل ١١ : ٥ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١.

(٦) الكافي ٥ : ٢ ح ٢ ، التهذيب ٦ : ١٢٣ ح ٢١٣ ، أمالي الصدوق : ٤٦٢ ح ٨ ، ١١ ، ثواب الأعمال : ٢٢٥ ح ٢ ، الوسائل ١١ : ٥ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢.

(٧) عذبة العمامة : طرفها. جمهرة اللغة ١ : ٣٠٤.

٢٩٨

القتال في سبيل الله تعالى» (١).

وروى الشيخ بإسناده عن عثمان بن مظعون ، قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن نفسي تحدّثني بالسياحة وأن ألحق بالجبال ، فقال : «يا عثمان ، لا تفعل ، فإنّ سياحة أُمّتي الغزو والجهاد» (٢).

وعن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : في خطبة له : «أمّا بعد : فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه الله الذلّ ، وسِيم الخسف (٣) ، وديث (٤) بالصغار (٥)» (٦).

وعنه صلوات الله عليه : «أما بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فتحه الله لخاصّة أوليائه إلى أن قال هو لباس التقوى ، ودرع الله الحصينة ، وجنّته (٧) الوثيقة ، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذلّ ، وشملة البلاء ، وديث بالصّغار والقماء (٨) ، وضرب على قلبه بالاشتداد ، وأُديل الحقّ منه بتضييع الجهاد ، وغضب الله عليه بتركه نُصرته ، وقد قال الله عزوجل في محكم كتابه (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٩)» (١٠).

وعنه عليه‌السلام أنّه خطب يوم الجمل فقال في خطبته : «أيّها الناس ، إنّ الموت

__________________

(١) الكافي ٥ : ٨ ح ١٣ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٧ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ : ٣١ ، البحار ٩٧ : ٩ ح ٦.

(٢) التهذيب ٦ : ١٢٢ ح ٢١٠ ، رياض الصالحين : ٣٧٧ ، الوسائل ١١ : ١٠ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢٢ ، كنز العمال ٤ : ٢٨٦ ح ١٠٥٢٦.

(٣) سِيم الخسف : أي كلّف وأُلزم. لسان العرب ١٢ : ٣١٢.

(٤) يقال ديثت الرجل تدييثاً ، إذا ذلّلته. جمهرة اللغة ١ : ٤٢٠.

(٥) الصّغار : الذلّ جمهرة اللغة ٣ : ٧٣٩ ، ويقال : صغر فلان وقمؤ ، أي ذلّ. الأضداد للسجستاني : ٢١٦ رقم ٩٤.

(٦) معاني الأخبار : ٣٠٩ ح ١ ، نهج البلاغة ١ : ٦٣ خطبة ٢٦ ، الوسائل ١١ : ٥ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٢٥.

(٧) الجنّة : ما واراك من السلاح جمهرة اللغة ١ : ٩٣.

(٨) يقال : صغر فلان وقمؤ أي ذلّ. الأضداد للسجستاني : ٢١٦ رقم ٩٤.

(٩) محمد : ٧.

(١٠) الكافي ٥ : ٤ ح ٦ ، التهذيب ٦ : ١٢٣ ح ٢١٦ ، نهج البلاغة : ٦٩ خطبة ٢٧.

٢٩٩

لا يفوته المُقيم ، ولا يعجزه الهارب ، وليس من الموت مَحيص ، ومن لم يُقتل يمت ، وإنّ أفضل الموت القتل ، والذي نفسي بيده لألفُ ضربةٍ بالسيفِ أهون عليّ من مِيتةٍ على فراش» (١).

وعنه عليه‌السلام : «إنّ الله فرضَ الجِهاد ، وعظّمه ، وجعله نصره وناصره ، والله ما صلُحت دنيا ولا دين إلا به» (٢).

وعن مولانا الباقر عليه‌السلام : «إنّه كتب في رسالته إلى بعض خُلفاء بني أُميّة : «ومن ذلك ما صنع في الجهاد الذي فضّله الله عزوجل على الأعمال ، وفضّل عامله على العمّال تفضيلاً في الدرجات ، والمغفرة ، والرحمة ؛ لأنّه ظهر به الدين ، وبه يدفع عن الدين ، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة ، بيعاً مُفلحاً مُنجحاً ، اشترط عليهم فيه حفظ الحدود ، وأوّل ذلك الدعاء إلى طاعة الله تعالى من طاعة العباد ، وإلى عبادة الله من عبادة العباد ، وإلى ولاية الله من ولاية العباد» الخبر (٣).

وعنه عليه‌السلام : «الخير كلّه في السيف ، وتحت السيف ، وفي ظلّ السيف» (٤).

وعنه عليه‌السلام أيضاً : «إنّ الخير كلّ الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة» (٥).

وعن مولانا الصادق عليه‌السلام : «من قُتلَ في سبيل الله لم يُعرّفه الله شيئاً من

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٣ ح ٤ ، نهج البلاغة : ١٨٠ كلام ١٢٣ ، أمالي الطوسي : ٢١٦ ح ٢٧٨ ، الوسائل ١١ : ٨ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٢ ، البحار ٩٧ : ١١ ح ٢٢.

(٢) الكافي ٥ : ٨ ح ١١ ، هداية الأُمّة ٥ : ٥١٩ ح ٣ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٥.

(٣) الكافي ٥ : ٣ ح ٤ ، تفسير نور الثقلين ٢ : ٢٦٩ ح ٣٥٦ ، الوسائل ١١ : ٦ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ٨ ، وفيه : ما ضيّع الجهاد.

(٤) الكافي ٥ : ٨ ح ١٥ ، أمالي الصدوق : ٤٦٣ ح ١١ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٨ ، روضة الواعظين للفتال ٢ : ٣٦٢.

(٥) الكافي ٥ : ٩ ح ١٥ ، دعائم الإسلام ١ : ٣٤٥ ، مكارم الأخلاق : ٢٦٤ ، تفسير نور الثقلين ٣ : ٤٢ ح ١٨ ، ١٩ ، الوسائل ١١ : ٩ أبواب جهاد العدوّ ب ١ ح ١٨.

٣٠٠