كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

بين الذكر والأُنثى ، أو بين المتحد أو المتعدّد ، فهاهنا أقسام :

أحدها : الفطريّ من معلوم الذكورة ، وحكمه جواز القتل ، لكلّ أحد في حضور الإمام وغيبته ، ووجوبه على الإمام ، مع بسط كلمته.

ولا تُقبل توبته ظاهراً ، ولا باطناً ، نجس العين ، يعاقب على ترك العبادات ، ولا تصحّ منه ، ولا مانع من ذلك بعد أن أهمل المقدّمات باختياره.

وتبين منه أزواجه ، ويقضين عدّة الوفاة ، ويتزوّجن.

وتنفذ وصاياه في الطاعات ، من عتق ، ووقف ، وصدقة ، وصلاة ، وصيام ، وحجّ ، وشبهها كالتدبير على إشكال. وتنفذ في غير الطاعات.

وتقسّم أمواله الداخلة في ملكه قبل الردّة بعد إخراج الديون والواجبات الماليّة والثلث من الورثة على إشكال ، من غير فرقٍ بين الأعيان ، والديون الحالّة ، والمؤجّلة ، والصداق المؤجّل من الدين.

والردّة قبل الدخول توجب تمام المهر. وفي المتجدّد بعد كالواقع في فخ نصبه قبل ردّته بعد ردّته بحث.

وفيما يتجدّد بالحيازة أو الالتقاط أو الاتّهاب احتمالان ، أحدهما : الرجوع إلى الوارث ، والثاني : البطلان والبقاء على ما كان ؛ لأنّه كالميّت ، ولا يخلو من رجحان.

ولا يحكم بفطريّته إلا عن علمٍ أو مأخذٍ شرعيّ ، وبدون ذلك يُحكم بالمليّة.

والمنعقد من نطفة دخلت في رحم ، ثمّ صارت إلى رحم آخر بالمساحقة ، فانعقدت في الثاني ، تُعتبر فيها الحال الثانية.

والنطفة من الزاني والزانية لا تثبت فيها الفطريّة على إشكال.

ولا تفاوت في الإسلام المرتد عنه بين ما يكون إيمانيّاً أو خالياً عن الإيمان ، وبين كونه فيه تشبّث بالإسلام كالخوارج والغلاة والنواصب.

ثانيها : الفطري من معلوم الأُنوثة ، وحكمه : أن تُستتاب بما يُرجى عوده به ، لا بخصوص ثلاثة أيّام ، فإن تابت أُطلقت ، ولا شي‌ء عليها ، وإلا جعلت في السجن ، وضيّق عليها في المأكل ، والمشرب ، واللباس ، والفراش ، والغطاء ، بأن لا تمكّن إلا من

٤٢١

الردي‌ء منها ، وتضرب أوقات الصلاة.

فإن تابت ، أُخرجت ، وإلا خُلّدت فيه حتّى تموت. فإن خرجت بعد التوبة ، ثمّ عادت فعل بها ما مرّ ، فإن عادت ، قتلت في الثالثة ، والأحوط الرابعة.

والفطريّة إنّما تجري في الكُفر الأصلي ، دون التشبّثي ، فلا تجري في المتشبّثين بالإسلام ، المُقرّين بالشهادتين والمعاد ، كالقائلين بوحدة الوجود والموجود ، والمجسّمة ، والمشبّهة على الحقيقة ، والمجبّرة ، والمفوّضة ، وأقسام المتصوّفة ؛ وفي الغلاة إشكال.

وهؤلاء الحدّ للإمام أو نائبه الخاص ، ومع فقدهما النائب العام. وفي القتل المستند إلى السبّ يستوي الجميع.

ثالثها ورابعها : الملّي المعلوم الذكورة أو الأُنوثة ، وحكمه : التأديب مرّة ، ثمّ مرّة ثانية ، ثمّ يقتل ، والأحوط التأخير إلى الرابعة.

خامسها وسادسها : الفطري والملّي من المشتبه ، كالخُنثى المشكل ، والممسوح ، وحكمهما : إجراء حكم الأُنثى فيهما.

سابعها وثامنها : في الاثنين على حقوٍ واحد ، فإنّه إن اختبرا بالإيقاظ ، فتيقظا معاً ، وعلم اتّحادهما ، جرى عليهما حكم الواحد.

وإن اختلفا ، وعلم تعدّدهما ، وحصل الارتداد من واحد معيّن أو مشتبه تعيّنه القرعة أو غيرها ، جرى عليه حكم المرتدّ ، فيما لا يتعلّق بالفعل والبدن ، دون ما يتعلّق بهما ؛ خوفاً من السراية أو المؤلمة ، ولو أمكن ذلك من دون خوف حكم به.

ولو كان خنثى أو ممسوحاً حصل اشتباه آخر ، وجاء الحكم المتقدّم.

ولو تاب مستحقّ القتل ، وقتله من لم يعلم بتوبته ، فلا قصاص ، وعليه الدية.

ولو طلب حلّ الشبهة أُنظر ، فإن لم يرجع قتل. ولو أُكره على الإسلام من لا يقرّ على دينه قتل منه ، ولا يقتل من غيره.

ولا يسترقّ المرتدّ بقسميه ، ولا نساؤه ، وأولاده ، ويُشترط في قبول توبته حيث يكون قابلاً الإقرار بقبح ما صدرَ منه من إثبات أو نفي قضى بردّته.

وإذا علق الولد قبل الردّة فهو مسلم ، وإذا علق من أبويه حال ارتدادهما ، فإن بلغ

٤٢٢

مسلماً فلا كلام ؛ وإن وصف بالكفر استتيب ، فإن لم يتب قتل ؛ وإن تاب ثمّ عاد ، قتل في الرابعة. وولد الناقض للعهد إذا بقي أمانة عندنا ، انتظر به البلوغ ، فإن وصف الإسلام فبها ، وإلا فإن أدّى الجزية قُبلت منه ، وإلا ردّ إلى مأمنه.

ويترتّب على هذه الأقسام أحكام :

منها : أنّه لا يسترقّ مرتدّ ولا مرتدّة وإن لحقت بدار الحرب ، ولا الأطفال ، ولا النساء.

ومنها : أنّه إذا انعقد منهما بعد الارتداد ولد ، دار بين أُمور ثلاثة : إجراء أحكام الكفّار ، وإجراء أحكام المرتدّين ، وإجراء أحكام المسلمين ، ولعلّ الأوسط أوسط.

ومنها : أنّه لو قتل مسلماً ، قتل به قصاصاً ، وقدّم على قتل الردّة ، ولو قتل للردّة قبل القصاص ، فلا ضمان على القاتل. ولو قتل مرتدّاً مثله ، لم يُقتل به. ولو قتل متشبّثاً بالإسلام ، قتل به ؛ دون العكس. ولو قتل كافراً معتصماً ، قتل به على إشكال.

ولو عفا وليّ المقتول ، قتل بالردّة.

ولو قتل شخصاً خطأً قبل الردّة ، كان الضمان على العاقلة. ولو قتله خطأ أو أتلف شيئاً بعد الردّة ، فلا ضمان فيهما ، ويؤدّى من ماله إن كان ملّياً ، أو تجدّد له مال.

وما كان عليه من حقوق أو ديون مؤجّلة قبل الردّة تكون حالّة بسببها إن كانت فطريّة ، وفي (الفطري) (١) إشكال. ويعقل العاقلة غير الفطري ، والفطري مع صدور مبانيه ؛ (٢) قبل الردّة ، وفيما بعدها على إشكال.

__________________

(١) كذا ، والأنسب : الملّي.

(٢) يحتمل كونها تصحيف : ما فيه.

٤٢٣

ومنها : أنّه تقبل توبة المنافق ، وإن توقّفت على صفاء الباطن.

ومنها : أنّه إذا طلب الحجّة ، أُجيب إليها إن لم يكن فطريّاً ، أو كان على إشكال.

ومنها : أنّه لا تُقبل منه جزية ، ولا تصحّ منه مناكحة مع مثله أو مع مسلم أو كافر ، ولا يرتفع حدثه ، أصغر أو أكبر ، ولا يؤثر تيمّمه إباحة ، وتستمرّ نجاسته ، ولا تحلّ ذبيحته ، ولا تجري عليه أحكام المسلمين ، من تغسيل أو تحنيط أو تكفين أو دفن بين المسلمين أو بين الكفّار ، ولا تُدرأ عنه غرامة المتلفات ، ولا عقوبة الجنايات.

ومنها : أنّه لا يُنفق عليه من ماله لو لم يقتل إن كان فطريّاً. ويحجر عليه بمجرّد الردّة من غير احتياج إلى حكم الحاكم لو كان مليّاً ، ويُنفق عليه من ماله ما دام حيّاً ، وكذا من تجب نفقته عليه. وفي بطلان تصرّفاته مطلقاً أو بشرط الموت على الردّة وجهان ، أقواهما الأوّل ، وإذا مات فماله لوارثه ، لا لبيت المال.

ومنها : أنّ زوجته تبين منه في الحال إن كان فطريّاً ، وتعتدّ عدّة الوفاة وإن لم يدخل. وإن كان مليّاً ، وقف على انقضاء العدّة المعتبرة في الطلاق ، وإن رجع فيها رجعت ، وإلا فلا ، ومع عدم الدخول تبين في الحال.

ولو ارتدّت المرأة قبل الدخول بانت ، وبعده ينتظر بها العدّة ، فإن رجعت رجعت ، وإلا فلا ولاية له على مولاه وإن كان مرتدّاً ، ولا ولده ذكراً أو أُنثى.

ولا يكفي صدور العبادة منه في ثبوت توبته صلاة أو صياماً أو حجّا أو غيرها ، وإن كان في دار الحرب ؛ لقيام الاحتمال.

ولو قتله معتقداً بردّته ، فبانَ الخلاف ، فلا قودَ على الأقوى ، ويُلحق بشبه العمد ، كمن اعتقد قصد شخص قتله بقدومه إليه أو استحقاقه القصاص عنه ؛ وفيمن قصد ابنه أو عبده فبانَ الخلاف ، الظاهر الخلاف.

ومنها : أنّ جهاد أهل الردّة مقدّم على غيرهم مع عدم المانع ، وتجوز إعانة المعتصمين على المرتدّين ؛ لأنّهم أعظم خطيئة.

ومنها : أنّهم يُمنعون عن دخول المساجد ، والحضرات ، ويجب عليهم أداء ما لحقتهم من الحقوق ، من قصاص ، ودية ، وأموال ، وقضاء العبادات.

٤٢٤

المبحث الثاني : في المحاربة

وفيه أبحاث :

الأوّل : في المحارب اسم فاعل

وهو من جرّد السلاح لإخافة الناس ظلماً وعدواناً ، من سيفٍ أو رمحٍ أو سهمٍ أو غيرها ممّا يشتمل على الحديد من الآلات القتّالة أو إله يوضع فيها قتّال ، أو عصا ، أو حجر ، أو نحو ذلك ، ليلاً أو نهاراً ، قاصداً لمجرّد الإخافة مع الاعتياد ، أو طالباً لمجرّد الفساد ، أو مُريداً لقتلٍ أو هتكِ عرض ، أو أسر رجال أو أطفال أو نساء ، أو أخذ مالٍ بلدٍ أو قرية أو جبال أو وهادٍ أو في بحر من جزيرة أو سفينة.

ذكراً كان أو أُنثى أو خنثى أو ممسوحاً ، صحيحاً أو مريضاً ، مع حصول الخوف منه. لا ردءاً متعوّداً عن محلّ المحاربة ، مترصّداً لإعانة المحارب وقت احتياجه ، أو تعطّفاً خوفاً من الهجوم عليه. ولا منتهباً ، بأنّ يأخذ قهراً ، ثمّ يهرب ، ولا مختلصاً بأخذ حقّه ، ولا ضعيفاً لا يُخشى منه ، فإنّها ليست من أقسامه ، ولا تبنى عليه أحكامه.

الثاني : في المحارَب اسم مفعول.

ويُعتبر فيه ألا يكون مطلوباً بحقّ يُراد ، أو قصاصاً منه على الوجه المأذون فيه ، ولا كافراً مستباحاً في أرضه أو أرض المسلمين ، أو معتصماً ، ولا متشبّثاً باسم الإسلام ، مع خروجه عنه ، ولا مسلماً خارجاً عن الفرقة المُحقّة على إشكال ، نعم يعزّر فيما إذا عصى كسائر العُصاة.

الثالث : في الأحكام ،

وهي أُمور :

أحدها : أنّه تجب إقامة الحدّ عليه ، ويتخيّر المحارب بين أُمور أربعة :

٤٢٥

أحدها : القتل بغير نوع الصلب.

ثانيها : الصلب.

ثالثها : القطع من خلاف اليد اليُمنى من أُصول الأصابع الأربعة ، والرجل اليُسرى من المِفصل في قبّة القَدَم ، ويترك له العقب ، والأولى حسمهما بالدهن.

رابعها : النفي من محلّه إلى محلّ آخر ، ويُكاتَب أهل المحالّ بالنهي عن معاملته ، ومؤاكلته ، ومجالسته ، ومخالطته إن لم يتُب ، فإن تابَ ارتفع الحرج عنه. ومع عدم التوبة والعَود يكون الخيار بين الثلاثة الباقية. ثمّ إن لم يتب رجع الخيار إلى الثنتين. ثمّ يتعيّن الواحد ، ثمّ يقتل.

ثانيها : أنّه لو تابَ قبل القدرة عليه ، فلا حدّ عليه. ولو تاب بعد قبضه ، فلا اعتبار لتوبته. ولو ادّعى تقدّمها ، لم يُقبل منه إلا بالبيّنة ، وهي شهادة عدلين ؛ دون الواحد ، ودون النساء ، ودون الشاهد واليمين.

ثالثها : أنّ المحاربة تثبت بشاهدين عدلين ، ولا تُقبل فيها شهادة النساء ، ولا بشاهد ويمين ، وتثبت بإقراره ولو مرّة واحدة.

رابعها : أنّ هذا الحدّ وسائر الحدود يتولاها الإمام أو نائبه الخاصّ ، وبعد التعذّر يرجع الحال إلى النائب العام من المُجتهدين ، ومَن أذنوا له ، لئلا تتعطّل الأحكام. والله وليّ التوفيق.

المبحث الثالث : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهما راجحان واجبان في محلّ الوجوب ، مندوبان في محلّ الندب ، مع جمع الشرائط الاتية عقلاً ؛ لدخولهما في باب شُكر المُنعِم ، ونُصرة الله ، وتقوية الدين ، والشرع المُبين.

وشرعاً ؛ بدلالة الآيات القرآنية ، كقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ؛. (١)

__________________

(١) آل عمران : ١٠٤.

٤٢٦

وقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١).

وقوله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢).

وقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات.

وبدلالة الأخبار المتواترة النبويّة والإماميّة : فعن النبي صلّى الله عليه وإله : «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ ، فإذا لم يفعلوا ذلك ، نُزعت عنهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ، ولا في السماء» (٤).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله عزوجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دينَ له» فقيل له : وما المؤمن الذي لا دينَ له؟ قال : «الّذي لا ينهى عن المنكر» (٥).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصل الإسلام الإيمان بالله ، ثمّ صِلَة الرحم ، ثمّ الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر» (٦).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يقول : «إذا أُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر أي وكّله بعض إلى بعض فليأذنوا بوقاع من الله

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) الحجّ : ٢٢.

(٣) التحريم : ٦.

(٤) التهذيب ٦ : ١٨١ ح ٣٧٣ ، المقنعة : ٨٠٨ ، تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام) ٢ : ١٢٦ ، مشكاة الأنوار : ٥٧ ، الوسائل ١١ : ٣٩٨ أبواب الأمر بالمعروف ب ١ ح ١٨ ، البحار ٩٧ : ٩٤ ح ٩٥.

(٥) الكافي ٥ : ٥٩ ح ١٥ ، الوسائل ١١ : ٣٩٧ أبواب الأمر بالمعروف ب ١ ح ١٣.

(٦) الكافي ٥ : ٥٨ ح ٩ ، التهذيب ٦ : ١٧٦ ح ٣٥٥ ، تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام) ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ١١ : ٣٩٦ أبواب الأمر بالمعروف ب ١ ح ١١. وتتمة الرواية : فقال الرجل : فأيّ الأعمال أبغض إلى الله تعالى؟. قال : «الشرك بالله» ثمّ قال : ثم ماذا؟ قال : «قطيعة الرحم» ، قال : ثمّ ماذا؟ قال : «النهي عن المعروف والأمر بالمنكر».

٤٢٧

تعالى» إلى غير ذلك من الأخبار النبويّة (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل بعث ملكين إلى مدينة ليقلباها بأهلها ، فلمّا انتهيا إليها وجدا رجلاً يدعو الله ، ويتضرّع ، فقال أحد الملكين : لا أُحدث شيئاً ، حتّى أُراجع ربّي ، فعاد إلى الله تعالى ، وذكر ما كان ، فقال : امضِ لما أُمرت به ، فإنّه لم يتمعّر وجهه غيظاً لي قطّ» (٢).

وعنه عليه‌السلام أنّه قال لقوم من أصحابه : «قد حقّ لي أن أخذ البري‌ء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح ، ولا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه ، حتّى يتركه» (٣).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّ الله قال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٤) ، فبدأ الله تعالى بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر فريضة منه ، لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأُقيمت ، استقامت الفرائض كلّها ، هيّنها وصعبها ؛ وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام» (٥) إلى أخره ، وغير ذلك من الأخبار المتواترة (٦).

ويجب بيان الواجب والمستحبّ من العارف المجتهد ، لمن يطلب بيانهما ، وجوباً كفائيّاً ؛ فإن تعذّر وجب على المقلّدين كفاية وجوباً كفائيّاً.

ويُستحبّ الأمر بالقسم الواجب والمستحب ، والنهي عن المحرّم والمكروه مع

__________________

(١) الكافي ٥ : ٥٩ ح ١٣ ، التهذيب ٦ : ١٧٧ ح ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، عقاب الأعمال : ٣٠٤ ح ١ ، تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام) ٢ : ١٢٣ ، الوسائل ١١ : ٣٩٤ أبواب الأمر بالمعروف ب ١ ح ٥ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٨ ، البحار ٩٧ : ٩٢ ح ٨٤.

(٢) الكافي ٥ : ٥٨ ح ٨ ، الوسائل ١١ : ٤١٤ أبواب الأمر بالمعروف ب ٦ ح ٢ ، البحار ٩٧ : ٨٦ ح ٦٠ ، ٦٨.

(٣) الكافي ٨ : ١٥٨ ح ١٥٠ ، التهذيب ٦ : ١٨٢ ح ٣٧٥ ، المقنعة : ٨٠٩ ، تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام) ٢ : ١٢٦ ، الوسائل ١١ : ٤١٥ أبواب الأمر بالمعروف ب ٧ ح ٤.

(٤) التوبة : ٧١.

(٥) تحف العقول : ٢٣٧ ، الوسائل ١١ : ٤٠٢ أبواب الأمر بالمعروف ب ٢ ح ٩ ، البحار ٩٧ : ٧٩ ح ٣٧.

(٦) انظر الوسائل ١١ : ٣٩٣ أبواب الأمر بالمعروف ب ١.

٤٢٨

المعرفة وعدم المانع ؛ مع عدم مظنّة التأثير في الواجب والمحرّم ، ومطلقاً في المستحبّ ؛ مع عدم التقيّة ، وعدم لزوم المفسدة ، والبلوغ والعقل ؛ لنوم أو غفلة أو نسيان أو بدونه.

ويجب الأمر بالواجب والنهي عن المحرّم وجوباً كفائياً بشروط أربعة عشر :

أحدها : التكليف ، بجمع وصفي البلوغ والعقل حين الأمر والنهي.

ثانيها : العلم بجهة الفعل من وجوب وحُرمة ، ومع الاحتمال يدخل في السنّة للاحتياط.

ثالثها : إمكان التأثير ، ومع عدمه يلحق بالسنّة.

رابعها : عدم التقيّة ولو بمجرّد الاطّلاع.

خامسها : عدم ترتّب الفساد الدنيوي على المأمور أو غيره بسببه.

سادسها : عدم مظنّة قيام الغير به.

سابعها : مظّنة الوقوع ممّن تعلّق به الخطاب.

ثامنها : ألا يتقدّم منه أو من غيره خطاب يظنّ تأثيره.

تاسعها : عدم البعث على ارتكاب معصية أو ترك واجب للمأمور أو غيره بسببه.

عاشرها : عدم ترتّب نقصٍ مخلّ بالاعتبار على الأمر.

حادي عشرها : فهم المأمور مُراد الأمر.

ثاني عشرها : ضيق الوقت في الوجوب الفوري.

ثالث عشرها : عدم معارضة واجب مضيّق من صلاة ونحوها.

رابع عشرها : كون المأمور ممّن يجوز له النظر إليه أو اللّمس له إذا توقّف عليهما.

ولا يجب على الله شي‌ء منهما بطريق الإلجاء ؛ لقُبح الإلجاء منه ، ولفوات ثمرة التكليف.

ويجب الاقتصار في حقّ الوالدين والمولى على الكلام اللين ، وفيما عدا ذلك يجب الانتقال بعد عدم حصول الثمرة من تلك المرتبة إلى الإعراض في غير الزوجة ، ثمّ إلى الكلام الخشن ، ثمّ الأخشن ، وهما يقدّمان على الإعراض بالوجه ، ثمّ على

٤٢٩

جعلها خلف الظهر ، ثمّ هو على الهجر ، وبعد ذلك في المقامين ينقل إلى الضرب غير المبرح ، دون الجرح والقتل ، إلا في مقام الحدّ.

ويجب بالقلب مع الجوارح ، ومع تعذّر عملها يقتصر عليه.

إذا أظهر الندم قبل إحضاره من دون ظهور أنّه للخوف ، حرم التعرّض له.

والحدود والتعزيرات بأقسامها على نحو ما قرّرت في كتاب الحدود مرجعها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، فيجوز للمجتهد في زمان الغيبة إقامتها ، ويجب على جميع المكلّفين تقويته ، ومساعدته ، ومنع المتغلّب عليه مع الإمكان ، ويجب عليه الإفتاء بالحقّ مع الأمن.

ولا يجوز الرجوع إلا إلى المجتهد الحيّ حين التقليد وإن مات بعده مباشرة ، أو عن كتاب ثابت صدوره عنه بطريق قطع أو بإخبار عدلين أو عدل واحد سليم الغلط.

ولا يضرّ احتمال عدوله في بعض مسائله ، ولا العلم بالعدول عن بعضها من غير تعيين ، ومع التعيين يرجع عن المعيّن أو عن واسطة عدل فضلاً عن عدلين.

ثمّ الاحتياط ، ثمّ موثّق ، ثمّ مظنون الصدق ولو فاسقاً ، ثمّ الشهرة والإجماع ، ثمّ الروايات مع قابليّته لفهمها ، ثمّ كتب الأموات ، ككتاب الآقا نَوّرَ الله ضريحه والمجتهدين من تلامذته ، وكتب المحقّق ، والشهيد الأوّل ، ثمّ باقي الفقهاء ، ثمّ بعض المتفقّهة ، ويجتهد في تحصيل الأقوى فالأقوى من الظنون.

ولا يجوز الترافع إلا إلى المجتهد ؛ فمن ترافع إلى غيره ، خرج عن جادّة الشرع.

وللنّاس بطريق الاحتياط وطريق الصلح غنى عن المجتهد في أغلب الفتاوى والأحكام.

ويسهل الخطب على من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد من عالم ، وحاكم عادل أو ظالم إذا شهدت عنده البيّنة العادلة بثبوت الحقّ الحكم على المشهود عليه بالتسليم ، كما لو علم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويسهل أيضاً كمال السهولة في حقّ من طلب اليمين ، فإنّه لا يكون إلا للمجتهد ، والحلف في إثبات الدعوى في غير مجلسه لا يفيد ثبوتاً ، بإيقاع الصلح بين المُنكِر

٤٣٠

والمدّعي بإسقاط الدعوى باليمين ، أو ثبوتها بيمين الردّ.

فتخرج المسألة عن حكم المرافعات ، وتدخل في قسم المعاملات ، ويستوي في ذلك العوام والمجتهدون ، كما في الصلح على إيقاع العقود والإيقاعات.

وزعم أنّ ذلك داخل في الصلح على الحرام فلا يصحّ مردود ، بأنّ ذلك مسدود في باب الأحكام ، وإلا لم يجز لمدعٍ يعلم بثبوت حقّه ، وعلم المنكر به تحليف المُنكِر ، ولا للمنكر الردّ مع علمه بعلم المُدّعي.

ولا يجوز لغير المجتهد تولّي القضاء إلا تقيّة ، وإذا ولاه حاكم جائر فلا إثم عليه ، ومع عدم الجبر الإثم عليهما معاً.

ولا يجوز لرئيس المسلمين أن ينصب قاضياً أو شيخ إسلام إلا عن إذن المجتهد ، ويجب عليه الرجوع إلى المجتهد أوّلاً إن أمكنه ، ثمّ الحكم.

ومع التقيّة لا يجوز القضاء في أمر القتل مطلقاً ، ولا في أمر الجرح مع الخوف على المال ، وفي النفس لا بأس على الأقوى.

وتجوز إقامة التعزير لكلّ أحد إذا توقّف عليه الأمر بالمعروف من الواجب ، والنهي عن المنكر. وأمّا الحدّ فمخصوص بالمجتهد إلا في حقّ المولى ، ولو كان امرأة ، وعبده مختصّاً في المختصّ ، ومشتركاً في المشترك ، والزوجة دائمة ومتعة ، مدخولاً بها أولا ، المطلقة والرجعيّة ، والأب الأدنى ، ويقوى لحوق باقي الإباء من الأب به ، ولا يجري ذلك في المبعّض ، والرقيق المكاتب.

ولو أقامَ المجتهد المنصوب من السلطان حدّا ، وجب عليه نيّة أنّ ذلك عن نيابة الإمام ، دون الحكّام ، والله أعلم بحقائق الأحكام.

هذا تمام ما كتبه ، قدّس الله روحه ونَوّرَ ضريحه ، في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولنشرع فيما كتبه رحمه‌الله في الحجّ والعمرة إن شاء الله تعالى.

٤٣١
٤٣٢

كتاب الحجّ

٤٣٣
٤٣٤

كتاب الحجّ

بفتح أوّله مصدراً ، وكسره اسماً له ، ويشتمل على أبواب :

الأوّل : في المقدّمات ،

وفيه أبحاث :

الأوّل : في بيان معناه

الحجّ في اللّغة على معانٍ ، هي : مُطلق القصد ، والقصد المتكرّر ، والكفّ ، والقدوم ، وكثرة التردّد ، والغلبة بالحُجّة (١) ؛ وأشهرها القصد.

وفي الشرع على جهة الوضع المبتدأ ، دون النقل ، كما هو الأصحّ في سائر الحقائق الشرعيّة الموضوعة للعبادات بالمعنى الأخصّ لقصد الكعبة مطلقاً ، أو متكرّراً.

أو مع قصد مُطلق المشاعر للإتيان بالنُّسُك الخاصّ مقروناً بالأعمال ، جامعاً لشرائط الصحّة على الأصحّ ، كما في باقي العبادات بالمعنى المذكور ؛ ولذلك تدور الأسماء

__________________

(١) انظر القاموس المحيط ١ : ١٨٨ ، والعين ٣ : ٩.

٤٣٥

مدارها ، كملت أجزاؤها أو نقصت. ولأنّ الثمرة والأحكام والحكمة إنّما تتعلّق بها. والتبادر عند الإطلاق وصحّة السلب شاهدان عليها.

أو نفس الأعمال ، أو مع الأقوال ، واجبها ومندوبها ، أو الأوّل فقط.

أو خصوص الأركان المُفسد تركها عمداً وسهواً ، أو عمداً فقط مع صحّتها.

وقد تظهر الثمرة في النذور ونحوها.

والأقوى هو الأوّل من الأقسام ، مقترناً بالقيود المذكورة ، ويزداد رجحاناً على القول بالنقل ؛ لأنّه يقرب من التخصيص ، فيكون أولى ممّا يقرب من المجاز ، وأقلّ تخصيصاً ، وهو أولى ممّا يتعدّد تخصيصه.

ولا يجب على الناسك معرفة معناه ، ولا معرفة تفصيل المناسك على نحو ما بيّناه حال ابتداء الدخول فيه ، بل تكفي معرفة الأعمال على الإجمال ، وأنّه طالب للإتيان بأعمال ترتبط بالوصول إلى الكعبة ، مغايرة لما عداها من صلاة وزكاة ونحوهما ، كما لا يجب ذلك في سائر العبادات ، وإلا لزم الفساد في عبادات جمهور العباد ، فله أن يتعرّفها حين فعلها أوّلاً فأوّلاً ، ولا سيّما من يعسر عليه البيان ، كغير أهل اللسان.

وعدّ قصد مكّة للنسك من المعاني اللغوية لا وجه له ، ويجري احتمال الاشتراك اللفظي والمعنوي ، والحقيقة والمجاز في بعض المعاني اللّغوية ، وكذا الشرعيّة على الوضع الابتدائي ، والنقلي ، والهَجْري ، فتختلف المعاني باختلاف المقاصد.

البحث الثاني : في مقدّماته

وهي أقسام :

القسم الأوّل : فيما يتعلّق بالسفر

وهو أُمور :

أوّلها : رجحانه في ذاته ، فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سافروا تصحّوا ،

٤٣٦

وجاهدوا تغنموا ، وحجّوا تستغنوا» (١).

ثانيها : رجحانه لغيره ، فعن الصادق عليه‌السلام : «في حكمة آل داود عليه‌السلام : أنّ على العاقل أن لا يكون ضاعناً إلا في ثلاثٍ : تزوّد لمعاد ، أو مرمّة أي مصلحة لمعاش ، أو لذّة في غير محرّم» (٢).

ونحوه عنه ، عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع إضافة : «يا عليّ ، سر سنتين برّ والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلاً عُد مريضاً ، سر ميلين شيّع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوةً ، سر أربعة أميال زُر أخاً في الله ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستّة أميال انصر المظلوم» (٣).

واستحبابه للحجّ وزيارة الأئمّة وطلب الأُمور الراجحة تواترت فيه الأخبار (٤).

ثالثها : استحباب الوصيّة عند إرادته ، فعن الصادق عليه‌السلام : «من ركب راحلته فليوصِ» (٥).

رابعها : الغُسل عنده ، والدعاء ، وأفضله المأثور ، وهو : بسم الله وبالله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، وعلى ملّة رسول الله ، وإله الصادقين عن الله ، صلوات الله عليهم أجمعين ، اللهمّ طهّر به قلبي ، واشرح به صدري ، ونوّر به قبري ، اللهمّ اجعله نوراً ، وطهوراً ، وحرزاً ، وشفاءً من كلّ داء وآفة وعاهة وسوء ، وممّا أخاف وأحذر ، وطهّر قلبي ، وجوارحي ، وعظامي ، ودمي ، وشعري ، وبشري ، ومخّي ، وعصبي ، وما أقلّت الأرض منّي ، اللهمّ اجعله لي شاهداً يوم حاجتي وفقري وفاقتي

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٣ ح ٧٦٤ ، المحاسن : ٣٤٥ ح ٢ ، الجعفريّات : ٦٧ ، دعائم الإسلام ١ : ٣٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٥٠ أبواب آداب السفر ب ٢ ح ١ ، بحار الأنوار ٩٧ : ٤٩ ح ٢١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٣ ح ٧٦٣ ، فقه الرضا (ع) : ٣٧١ ، الوسائل ٨ : ٢٤٨ أبواب آداب السفر ب ١ ح ١. وكلمة : «أي مصلحة» من المؤلف.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٥٧ ح ٨٢٢ ، مكارم الأخلاق للطبرسي : ٤٣٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٨ أبواب آداب السفر ب ١ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٨ : ٢٥٠ أبواب آداب السفر ب ١ ـ ٩.

(٥) الكافي ٤ : ٥٤٢ ح ١٠ ، الفقيه ٢ : ٣٠٩ ح ١٥٣٨ ، التهذيب ٥ : ٤٤١ ح ١٥٣١ ، الوسائل ٨ : ٢٦٧ أبواب آداب السفر ب ١٣ ح ١ ، وفيه : راحلة.

٤٣٧

إليك ، يا ربّ العالمين ، إنّك على كلّ شي‌ء قدير (١).

خامسها : توديع العيال عند التوجّه إليه ، بأن يصلّي ركعتين ، ويدعو بعدهما ، فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما استخلف أحد على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى السفر ، يقول : اللهمّ إنّي أستودعك نفسي ، وأهلي ، ومالي ، وذريّتي ، ودنياي ، وآخرتي ، وأمانتي ، وخاتمة عملي ، فإذا قالها أعطاه الله ما سأل» (٢).

وكان أبو جعفر عليه‌السلام إذا أراد سفراً جمع عياله في بيت ثمّ قال : «اللهمّ إنّي أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي ، الشاهد منّا والغائب ، اللهمّ احفظنا واحفظ عيالنا ، اللهمّ اجعلنا في جوارك ، اللهمّ لا تسلبنا نعمتك ، ولا تغيّر ما بنا من عافيتك وفضلك» (٣).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما استخلف العبدُ في أهله من خليفةٍ إذا هو شدّ ثياب سفره خيراً من أربع ركعات يصلّيهنّ في بيته ، يقرأ في كلّ ركعة منها فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، ويقول : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بهنّ ، فاجعلهنّ خليفتي في أهلي ومالي» (٤).

وروى : أنّه يقرأ في الأُولى من الركعتين بعد الحمد سورة الإخلاص ، وفي الثانية بعد الحمد القدر (٥).

سادسها : التصدّق أمامه بما تيسّر ، وورد في عدّة أخبار : أنّها دافعة لنحوسات الأيّام (٦).

__________________

(١) الأمان من إخطار الأسفار لابن طاوس : ٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب آداب السفر ب ١٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٨٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٧٧ ح ٧٨٩ ، التهذيب ٥ : ٤٩ ح ١٥٢ ، المحاسن : ٣٤٩ ح ٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٧٥ أبواب آداب السفر ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٣ ح ٢ ، المحاسن : ٣٥٠ ح ٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢٧٦ أبواب آداب السفر ب ١٨ ح ٢.

(٤) في «ح» من نسخنا زيادة : وولدي ، الأمان من إخطار الأسفار : ٤٤ ، الوسائل ٨ : ٢٧٦ أبواب آداب السفر ب ١٨ ح ٣.

(٥) الأمان من إخطار الأسفار : ٤١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٧٥ ح ٧٨١ ، المحاسن ٨ : ٣٤٨ ح ٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٧٢ أبواب آداب السفر ب ١٥ ح ١ ـ ٧.

٤٣٨

ويُستحبّ أن يقال عند التصدّق : اللهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري ، وما معي ، اللهمّ احفظني ، واحفظ ما معي ، وسلّمني ، وسلّم ما معي ، وبلّغني ، وبلّغ ما معي ، ببلاغك الحسن الجميل.

سابعها : التعمّم ، فعن الصادق عليه‌السلام : «ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً بأن يرجع إليه سالماً» (١).

ثامنها : التحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه ، فعن الكاظم عليه‌السلام : «أنا ضامن ثلاثاً لمن خرج معتمّاً تحت حنكه يريد سفراً : أن لا يصيبه السرق ، والحرق ، والغرق» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : «من خرج في سفره ولم يدرِ العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه» (٣).

وعنه عليه‌السلام : «من خرج من منزله معتمّاً تحت حنكه يريد سفراً لم يُصبه في سفره سرق ، ولا حرق ، ولا مكروه» (٤).

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو أنّ رجلاً خرج من منزله يوم السبت ، معتمّاً بعمامة بيضاء قد حنّكها تحت حنكه ، ثمّ أتى إلى جبل ليزيله من مكانه لأزاله عن مكانه» (٥).

ويظهر من الأخبار استحبابه في غير السفر أيضاً (٦).

تاسعها : اصطحابُ عصا لوزٍ في سفره ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من خرج في سفره ومعه عصا من لوزٍ مرّ ، أمنه الله تعالى من كلّ سبعٍ ضارٍّ ، ومن كلّ لصّ عاد ، ومن كلّ ذات حمّة ، حتى يرجع إلى منزله ، وكان معه سبعة وسبعون من

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٢٢ ح ١ ، مكارم الأخلاق : ٢٤٥ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب آداب السفر ب ٥٩ ح ٢.

(٢) ثواب الأعمال : ٢٢٢ ح ٢ ، المحاسن : ٣٧٣ ح ١٣٧ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب آداب السفر ب ٥٩ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٣ ح ٨١٤ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلّي ب ٢٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٤٦١ ح ٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب لباس المصلّي ب ٢٦ ح ٣.

(٥) الأمان من إخطار الأسفار : ١٠٤ ، الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب آداب السفر ب ٥٩ ح ٣.

(٦) انظر الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب لباس المصلّي ب ٢٦.

٤٣٩

المعقّبات يستغفرون له حتّى يرجع ويضعها» (١).

وروي : أنّ الأرض تُطوى لحاملها ، وأنّه يُنفى عنه الفقرُ ، ولا يجاوره الشيطان ، وأنّ آدم أصابته وحشة فشكا إلى جبرئيل عليه‌السلام ، فأشار إليه بقطعها ، وضمّها إلى صدره ، وفعل فذهبت عنه الوحشة (٢).

وفي الخبر : «تعصّوا ، فإنّها من سنن إخواني النبيّين ، وكان بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون على العصي ، حتّى لا يختالوا في مشيهم» (٣).

ويقوى نسخ الرجحان في الثامن والتاسع في هذه الأزمان ؛ لخوف الوقيعة ، وحفظ العرض ، فيدخل في حكم لباس الشهرة.

عاشرها : ما يفعله عند باب داره إذا توجّه إلى السفر ، فعن أبي الحسن عليه‌السلام : «لو أنّ الرجلَ منكم إذا أرادَ سفراً قام على باب داره ، تلقاء وجهه الّذي يتوجّه له ، فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله ، والمعوّذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وقل هو الله أحد أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وأية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ثمّ قال : اللهمّ احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني ، وسلم ما معي ، وبلّغني ، وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل ، لحفظه الله وحفظ ما معه ، وبلّغه وبلّغ ما معه ، وسلّمه وسلم ما معه ، أما رأيتَ الرجل يُحفظ ، ولا يُحفظ ما معه ، ويبلغ ، ولا يبلغ ما معه» (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إذا خرجتَ من منزلك فقل : بسم الله أمنتُ بالله ، توكّلت على الله ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، اللهمّ إنّي أسألك خير ما خرجت له ، وأعوذ بك من شرِّ ما خرجت له ، اللهمّ أوسع عليّ من فضلك ، وأتمم عليّ نعمتك ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٦ ح ٧٨٦ ، ثواب الأعمال : ٢٢٢ ح ١ ، الأمان من إخطار الأسفار : ٤٦ ، مكارم الأخلاق : ٢٤٤ ، الوسائل ٨ : ٢٧٤ أبواب آداب السفر ب ١٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٦ ح ٧٨٧ ، ثواب الأعمال : ٢٢٢ ح ١ ، الأمان من إخطار الأسفار : ٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢٧٤ أبواب آداب السفر ب ١٦ ح ٢ ـ ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧٦ ح ٧٨٨ ، مكارم الأخلاق : ٢٤٥ ، الوسائل ٨ : ٢٧٥ أبواب آداب السفر ب ١٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٢٨٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٧٧ ح ٧٩٠ ، التهذيب ٥ : ٤٩ ح ١٥٣ ، المحاسن : ٣٥٠ ح ٣١ ، الوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب آداب السفر ب ١٩ ح ١.

٤٤٠