كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

المطلب الثاني : في النقدين

يُشترط في تعلّق الزكاة بهما شروط :

أوّلها : النصاب ، ولكلّ منهما نصابان ، أوّلهما شخصيّ والأخر جنسيّ.

فأوّل نصابي الذهب : عشرون مثقالاً شرعياً ، عبارة عن مقدار عشرين ديناراً ذهباً صنميّاً ، عبارة عن خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً.

وثانيهما : أربعة دنانير ، عبارة عن ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، فكلّ أربعةٍ نصاب بلغت ما بلغت.

وأوّل نصابي الفضّة : مائتا درهم ، عبارة عن مائة وأربعين ديناراً أي مثقالاً شرعيّاً مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة.

وثانيهما : كلّ أربعين درهماً عبارة عن ثمانية وعشرين مثقالاً شرعيّاً ، واحد وعشرين مثقالاً صيرفيّاً ممّا فوق المائتين بالغة ما بلغت.

والزكاة فيهما ربع العشر ، من كلّ أربعين واحد ، ففي النصاب الأوّل للذهب أعني العشرين مثقالاً شرعيّاً نصف مثقال ، وفي النصاب الثاني أعني كلّ أربعة أربعة من الدنانير قيراطان ؛ لأنّ كلّ دينار عشرون قيراطاً ، فالأربعة دنانير ثمانون قيراطاً ، وربع عشرها قيراطان.

وفي النصاب الأوّل من الفضّة أعني المائتين درهماً خمسة دراهم ؛ لأنّ عشر المائتين عشرون درهم ، وربعه خمسة ، وفي النصاب الثاني أعني الأربعين درهماً درهم ؛ لأنّ عشر الأربعين أربعة ، وربعها واحد.

وليس فوق العشرين ديناراً زكاة حتّى تبلغ الأربعة دنانير ، ثمّ ليس فوق الأربعة زكاة حتّى تبلغ الأربعة ثانياً ، وهكذا. وليس فوق المائتين درهماً زكاة حتّى تبلغ الأربعين ، ثمّ ليس فوق الأربعين زكاة حتّى تبلغ الأربعين ثانياً ، وهكذا.

والمدار على ما يُسمّى ذهباً وفضّة ، جيّداً كان أو رديئاً. ويُضاف الجيّد من المجانس

١٦١

إلى رديئه ، ولا يُضاف شي‌ء من النقدين إلى الأخر ، بل يُعتبر نصاب كلّ واحد منهما على انفراده. والمغشوش منهما يلاحظ بلوغ الصافي منه النصاب.

والمغشوش منهما بغيره يعتبر بلوغه النصاب فرضاً إذا كان خالصاً ، ومع الشكّ لا يجب. والأحوط إعطاء الزائد أو التصفية.

ولا تجب الزكاة إلا مع العلم العادي أو الشرعي ببلوغ النصاب. ولو عَلِمَه وجهل المقدار ، وجب الاستعلام على الأقوى ، إلا مع إجراء صيغة الصلح مع وليّ الفقراء.

ولا يمنع وجوب الزكاة دين.

ومن خلّف نفقة لعياله لسنة أو سنين ، فإن كان حاضراً ، وجب عليه إخراجها مع اجتماع الشروط. وإن كان غائباً لا يعلم بالحال ، فلا شي‌ء عليه. ولو علم بالزيادة على الواجب ، ولم يعلم بالبقاء ، فلا شي‌ء عليه أيضاً على الأقوى.

ولا يبعد تسرية الحكم إلى كلّ من أبقى مالاً ليُصرف في صدقات أو خيرات أو مبرّات أو نحوها. والأحوط خلافه.

ويحصل النصاب باجتماعه من الكسور إذا حصلت الشروط.

ولو كان بعض الجنس جيّداً وبعضه رديئاً ، لم يجز تخصيص الدفع بالردي‌ء ، ولا بالجيّد ناقصاً ، مُلاحظاً للقيمة ، إلا أن يشغل ذمّة الفقير ، ثمّ يحتسبها عليه ، وللمجتهد ذلك مع مُراعاة غِبطة الفقراء.

ولو دفعَ شيئاً ، فظهرَ غبن على المالك أو المدفوع إليه ، كان للمغبون الفسخ ، ما دام المدفوع باقياً ، ومع التلف لا رجوع للمالك. ويقوى القول بلزوم تسليم الفقير تفاوت قيمة المثل.

وليس على الدافع والمدفوع إليه تصديق الأخر في دعواه ، ولكن لكلّ منهما حيث يكون مَغبوناً أو يكون الجنس مَعيباً أو غير مُجانس بدعواه الحلف على نفي العلم ، إذا كان الدفع باطّلاع ونظر من المُدّعي ، وإلا فقول المالك مُعتبر من دون يمينه. وللفرقِ بين حُضور الفقير فلا يُسمع قوله ، وعدمه فيُسمع وجه.

١٦٢

الشرط الثاني : أن يكون مسكوكاً بسكّة المُعاملة ، قديمة أو جديدة ، إسلاميّة أو غيرها ، باقٍ أثرها مع بقاءِ المعاملة فيها أو لا ، صافية أو مَغشوشة ، أُلغيت سكّته أو لا ، عمّت الأماكن أولا ، اتخذ للمعاملة أو لزينة الحيوانات أو النساء أو لغير ذلك.

فلا زكاة في تبرٍ وهو الذهب والفضّة قبل الصياغة وفتاتهما أو نقارٍ جمع نُقرة ، وهي القِطع المذابة من الذَّهَب أو الفضّة ، ولا في مَصوغ غير مسكوك ، سواء قصدَ الفرار به من الزكاة أولا ، وسواء جعل على هيئة محرّمة يجب كسرها أولا ، وسواء كان بفعل المالك أو مأذونه أولا ، وسواء كان في تمام الحول أو في بعضه ، ولو ساعة من الزمان إذ ينكسر بها الحول ، وسواء اتُخذ للصرف أو للزينة أو لا.

ولو كانت سكّته غير سكّة سلطان الوقت ، فإن عمّت بها المعاملة فكسكّة السلطان ، وإلا فلا اعتبار بها. ولو فرض وقوع المعاملة بغير المسكوك فلا شي‌ء فيه ، والأحوط إلحاقه بالمسكوك حينئذٍ.

ولو حصل ربح زائد على مئونة السنة بترقّي قيمة النقدين مع قصد الاكتساب ، وجب أيضاً الخمس.

الشرط الثالث : أن يحول عليه الحول. والمراد به هنا وفي الأنعام : أحد عشر شهراً هلاليّة لو ملكَ النصاب أوّل الشهر ، أو ملفّقة من أحد عشر هلاليّة وشهر عددي لو ملكه في أثناء الشهر أو أثناء اليوم ، مع احتمال تكميل يوم أو كسر للشهر المنكسر. فلو حصل النصاب وبقي جامعاً للشرائط إلى هلال الثاني عشر ، وجبت الزكاة ، وجازَ إعطاؤها زكاة. ثم إن استمرّ إلى تمام الثاني عشر ، علم صحّة ما فعل. والأظهر انكشاف عدم الوجوب إن لم يستمرّ. ثمّ إن فقدَ شي‌ء من النصاب أو وهبه أو عاوض عليه ولو من جنسه ، استرجعه بعد ذلك ؛ لخيارٍ أو غبن أو لا ، قصد الفرار بذلك قبل دخول الحول أو فيه ولو في آخر جزء من اليوم أو لا ، أو رفع شرطاً من الشروط كائناً ما كان ، ولو في جزء من اليوم ، لم تجب الزكاة ، وسيأتي تمام الكلام في بيان حول الأنعام.

١٦٣

المطلب الثالث : في زكاة الأنعام

ويشترط فيها أُمور :

أحدها : النصاب مُستمرّاً تمام الحول ، وهو بلوغ أحد عشر شهراً في الوجوب ، واثنى عشر شهراً في الاستقرار ، على نحو ما مرّ في نصاب النقدين.

ولكلٍّ من النَّعَم الثلاث نصاب مُستقلّ ، فللإبل عرابيها وبخاتيها ، ويعبّر عنهما بالعربيّة والخراسانية اثنى عشر نصاباً ، خمس نُصُب في خمس وعشرين منها : في خمسٍ شاة ، ثمّ لا شي‌ء حتّى تبلغ العشرة ، وفيها شاتان ، ثمّ لا شي‌ء حتّى تبلغ الخمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه ، ثمّ لا شي‌ء حتّى تبلغ العشرين ، وفيها أربع شياه ، ثمّ لا شي‌ء حتّى تبلغ الخمس والعشرين ، وفيها خمس شياه.

ثمّ إذا زادت واحدة ، وبلغت ستّاً وعشرين ، ففيها بنتُ مَخاض ، وهي من الإبل ما دخلت في السنة الثانية. ثمّ إذا زادت عشراً ، وبلغت ستّاً وثلاثين ، ففيها بنت لبون ، وهي ما دخلت في السنّة الثالثة. ثمّ إذا زادت عشراً ، وبلغت ستّاً وأربعين ، ففيها حِقّة ، وهي ما دخلت في السنة الرابعة.

ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت إحدى وستّين ، ففيها جَذعَة ، وهي ما دخلت في السنة الخامسة. ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت ستّاً وسبعين ، ففيها بنتا لبون. ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت إحدى وتسعين ، ففيها حِقّتان.

ثمّ إذا زادت ثلاثين فما فوق ، فبلغت مائة وواحداً وعشرين ، كان في كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حِقة.

فنُصُبُها إذن اثنا عشر : خمس ، ثمّ عشرة ، ثمّ خمس عشرة ، ثمّ عشرون ، ثمّ خمس وعشرون ، ثمّ ستّ وعشرون ، ثمّ ستّ وثلاثون ، ثمّ ستّ وأربعون ، ثمّ إحدى وستون ، ثمّ ستّ وسبعون ، ثمّ إحدى وتسعون ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون. فهذه اثنا عشر نصاباً.

١٦٤

ولو حالَ الحول على صغارٍ ليس فيها السنّ الواجب أو كبار كذلك ، لزم إعطاؤه. ولو كان الكلّ مراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ، ولو كان البعض كذلك ، قوي التوزيع.

وأسنان الإبل فيما يترتّب عليه اسم خاصّ عشرة : من حين التولّد إلى بلوغ سنة حوار ، وبعده إلى بلوغ سنتين بنت مخاض ، وبعده إلى بلوغ ثلاث سنين بنت لبون ، ثمّ إلى بلوغ أربع سنين حُقّة ، ثمّ إلى بلوغ خمس سنين جذعة ، ثمّ إلى بلوغ ستّ سنين ثنيّة ، ثمّ إلى بلوغ سبع سنين رباعيّة ، ثمّ إلى بلوغ ثمان سديس ، ثمّ إلى بلوغ تسع بازل ، ثمّ إلى بلوغ العشر مخلف.

والظاهر أنّ السن الأوّل ، ومن الثامن فما فوق يستوي فيه لفظ المذكّر المؤنّث ، فإذا بلغت الإحدى عشرة فما فوق أُضيفت إلى ما بلغت ، كأن يقال : بنت إحدى عشرة ، أو بنت اثنتي عشرة ، وهكذا.

والظاهر أنّ الحادية والعشرين كغيرها من الحدود جزء من النصاب ، لا شرط. فلو تلفت بعد الحول بغير تفريط ، نقصت حصّة الفقراء بمقدار ما كان لهم منها.

وطريق أخذ الحقّ منها في غير النُّصُب الخمسة السابقة : أن يدخل العامل فيها من جانب الإمام أو نائبه بإذن المالك بطريق الرِّفق إن أمكن ، بخلاف البواقي ، ويقسّمها قسمين ، ويخيّر المالك ، ثمّ يقسّم ما لم يختره قسمين ويخيّره ، وهكذا إلى أن يبقى مقدار الواجب. ولو بقيت واحدة جرى فيها حكم الشريكين ، والأحوط البناء على القرعة.

ومع غيبته يقوم المجتهد أو نائبه مقامه ، فإن لم يكن قام عدول المسلمين ، وللمالك الاكتفاء عن ذلك بترجيح سهم الفقراء على سهمه.

ومن وجبَ عليه ما سنّه أدنى بدرجة من الموجود عنده ، كأن وجبت عليه بنت مخاض ، وليس عنده إلا بنت لبون ، أو بنت لبون ؛ وليس عنده إلا حِقة ؛ أو حِقة ، وليس عنده إلا جَذعَة ، دفع الزائد وأخذ معه شاتين أو عشرين درهماً ، والخيار إلى المالك ، وفي الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم وجه. والأحوط خلافه.

١٦٥

ولو انعكس الحال ، كأن كان الموجود أدنى بدرجة ، أضاف للعامل أو الفقراء أحد الأمرين ، والخيار هنا للدافع أيضاً. والظاهر الاقتصار على ذي الدرجة الواحدة ، فلا خيار بين الأربع شياه وأربعين درهماً.

ولو كان الأعلى المدفوع قليل الثمن ، بحيث ينقص عن الأدنى (بأكثر من درجة أو يزيد بأكثر منها) ؛ (١) أو الأدنى كثير الثمن ، بحيث يزيد على الأعلى ، فالظاهر سقوط الجبران ، مع احتمال البناء على التعبّد.

والظاهر اعتبار تماميّة المدفوع ؛ فلو كان له نصفان في بنتي مخاض ، لم يجز دفعهما عنها ، بل يرجع إلى القيمة.

ولو دفع المالك الأعلى تبرّعاً مع وجود الأدنى ، جازَ على الأقوى. ولو دفعه فبان أنّه لم يبلغ سنّ ما وجب عليه ، أو بلغ زائداً على الواجب ، كان له استرجاعه.

وفي جواز دفع القيمة عن العين وجه قوي يأتي الكلام فيه. وأمّا مع فقد السنّ الواجب فلا ريب في إجزاء القيمة.

ولو حال الحول على نصاب كلّه صغار ، احتمل فيه لزوم إعطاء الكبير ، وتوزيع القيمة.

وقد يحصل من ضمّ الكسور نصاب ، فيجزي حينئذٍ إعطاء المضموم في وجه قويّ.

ولو كان الكلّ مِراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ؛ ولو كان البعض كذلك ، قوي التوزيع.

النصاب الثاني : للبقر ، ويرجع إلى نصابين :

أوّلهما : ثلاثون ، وفيه تبيع ، أي : دخل في السنة الثانية ، أو تبيعة كذلك.

ثانيهما : أربعون ، وفيه مسنّة ، أي : دخلت في السنة الثالثة فما زاد.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٦٦

وكأنّهما في الحقيقة راجعان إلى نصاب واحد ، فإن انفرد بعض العددين بالوفاء من دون زيادة ، تعيّن ، كأربعين ومائة وستّين ؛ لأنّا لو اعتبرنا الثلاثين ، بقي الزائد من دون إخراج ، فيدخل النقص على الفقراء ؛ وبالعكس التسعون ، والمائة وخمسون.

ولو لزمت الزيادة في كلّ منهما ؛ فإن كانت متفاوتة ، أُخذ بما فيه صلاح الفقراء ، كمائة وسبعين ، ولو تساوت الزيادة فيهما ، كمائة وثلاثين ، أو تساويا في عدمها عنهما ، كمائة وعشرين ، تخيّر المالك في اعتبار ما شاء من النصابين.

والأحوط مُراعاة صلاح الفقراء بتقديم المستغرق على غيره ، ثمّ الأقلّ عفواً على غيره ، ويتخيّر مع التساوي في الاستغراق ، ويجزي (١) مثل ذلك في النصاب الأخير من الإبل. وإذا حصلَ الاستيفاء بالخلط منهما دون الأخذ بواحد منهما ، كمائة وثلاثين ، بنى على الخلط احتياطاً.

وتفصيل الحال : أنّه إذا كان ثلاثين ، ففيه تبيع أو تبيعة. وإذا بلغ أربعين ، ففيه مسنّة. وإذا بلغ ستّين ، ففيه تبيعان ، وإذا بلغ سبعين ، ففيه تبيع ومسنّة. وإذا بلغ ثمانين ، ففيه مسنّتان. وإذا بلغ تسعين ، ففيه ثلاث تبيعات. وإذا بلغ مائة وعشرين ، ففيه ثلاث مسنّات. ويحتمل التخيير بينها وبين أربع تبايع. وإذا بلغ مائة وخمسين فخمس تبايع. وإذا بلغ مائة وستّين فأربع مسنّات أو أربع تبايع ومسنّة.

والأحوط أنّ الاستيفاء إذا حصل بالأعلى والأسفل قُدّم الأعلى.

والجاموس من البقر ، فيدخل في الحساب مع غيره.

ومع عدم السن الواجب يرجع إلى القيمة. والملفّق كنصفي مسنّة أو تبيعة لا يجزي ، إلا إذا كان النصاب ملفّقاً في وجه قوي.

ومع فقد الأدنى إذا رضي بدفع الأعلى قُبِل منه في وجه قوي.

ولا يجزي المدفوع من جنس آخر ، إلا إذا احتسب بالقيمة ، وأجزنا دفعها ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في «ح» : يجري.

١٦٧

النصاب الثالث : للغنم

وهو خمسة : أربعون ، وفيها شاة. ثمّ مائة وواحدة وعشرون ، وفيها شاتان. ثمّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه ؛ ثمّ ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه. ثمّ تبقى على هذه الحال إلى أن تبلغ خمسمائة ، ففيها خمس شياه ، لأنّها إذا بلغت الأربعمائة كان على كلّ مائة شاة بالغة ما بلغت ، وما زاد عفو.

ويقوم الإشكال في احتسابها خمسة ، إذ لا ثمرة فيها ؛ لأنّ الثلاثمائة والواحدة تساوي الأربعمائة في القدر المأخوذ.

ويمكن بيان الثمرة في تعلّق الوجوب بالثلاثمائة وواحدة دون ما زاد. وفي جهة الضمان ، فإنّه إذا تلف ممّا زاد على الثلاثمائة وواحدة شي‌ء ، كان الضمان على المالك ؛ لبقاء النصاب الّذي هو متعلّق الوجوب ، بخلاف ما إذا تلف من الأربعمائة ، فإنّه يوزّع بين المالك وبين الفقراء.

وفي جواز التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة من غير ضمان ، بخلاف الأربعمائة.

وفيما لو كان بعضها مراضاً أو ضعافاً ، فإن (١) كان منها ثلاثمائة وواحدة صحاحاً ، ولم تبلغ الأربعمائة ، وجب الإعطاء من الصحاح ، وإن بلغ وزّع.

وفي الرجوع من الفقراء على الغاصب ونحوه فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة ، وفيما كان في الأربعمائة.

وفيما لو نذرَ نوعاً أو حلف أن يؤدّي زكاة نصاب رابع ، أو خامس ، أو لا يأكل من مال زكاة ، أو يأكل منه.

وفيما إذا جعلت للتجارة ، وكانت أربعمائة.

وفي جري حكم الأمانة.

__________________

(١) في «م» ، «س» : و.

١٦٨

وفي تخصيص ضمان الجناية ، إلى غير ذلك.

وفي بعض هذه الوجوه نظر.

ويُشترط بلوغ النصاب في الأقسام الثلاثة من البهائم للمالك الواحد ، فلو اشترك بين الخليطين ، وإن كان أحد الأبوين ، فلا زكاة ، وكذا في غيرها. ولو ملك من كلّ واحدة من ثمانين شاة ثلثها مثلاً لم يحصل النصاب ، ولو كانت مشتركة بحيث يعلم أنّه مع القسمة يحصل له نصاب وجبت.

والمتولّد المخالف لأبويه بالاسم يُعتبر اسمه ، لا أصله. ولو لم يدخل في الأسماء الثلاثة لم يتعلّق به حكم. ولو تولّد من الجنس ما يدخل في اسم جنس آخر فحكمه حكم الأخر.

ومتى تعذّر فرض من الزكاة أُخذت قيمته ، وما وجب فيه من الأنعام أُنثى ، كما في الإبل والنصاب الثاني من البقر ، لا يجوز فيه إعطاء الذكر إلا بالقيمة.

ولا تؤخذ هَرِمَة ، ولا ذات عوار ، ولا مريضة عوض الصحاح ، ولو كان الجميع معيباً ، جاز أخذ المعيب بشرط أن لا يكون عيب الخارج أشدّ من عيب الباقي.

ولو رأى عامل الصدقات أو المتولّي الشرعي صلاحاً للفقراء في أخذ المعيب ، فله أخذه. ولو تشاحّ المالك ووليّ الفقراء ، مع كون بعضها صحاحاً وبعضها مراضاً ، بنوا على القرعة أو الإشاعة ، وإعطاء قيمة الحصّة المشاعة.

والواجب في الشاة المأخوذة في الغنم أو الإبل (١) الجذع من الضأن ، وهو ما بلغ ستّة أشهر ، والأحوط السبعة ، ثمّ الثمانية ، ثمّ السنة. والثني من المعز ، وهو ما دخل في الثانية ، والأحوط في الثالثة. والضأن والمعز جنس واحد ، وبانضمامهما يحصل النصاب.

ويدخل في الحساب فحلُ الضراب ، والأكولة الكبيرة السمينة ، والربّى ، وهي الّتي تربّي اثنين ، والمعدّة للبن ، والمختار من البهائم لأيّ سبب كان. وتجزي لو دُفعت ،

__________________

(١) أو الإبل ليس في «س» ، «م».

١٦٩

ولكن لا يجب دفعها على صاحب المال ، ولا يجب دفع شي‌ء من كرائم الأموال إلا إذا كان الجميع كراماً ، بل يكفي مع ذلك إعطاء المتوسّط على الأقوى.

ولا يدخل المتجدّد من كبار أو صغار في حول المتقدّم ، بل لكلّ حول منفرد وإن لم يتغيّر حكم النصاب الأوّل بوجوده لو حصل معه في زمان واحد ، كخمس من الإبل ولدت خمساً ؛ بناءً على أنّ النصاب خمس خمس ، أو اشترى معها خمس ، أو عشرة منها ولدت عشراً ، أو تجدّد بالتملّك معها ذلك ، أو أربعمائة من الغنم مثلاً يحصل معها أربعمائة ، أو عشرون ديناراً حصل بعدها عشرون ، ونحو ذلك.

وإن كانت بحيث لو قارنت لم يكن فيها شي‌ء كأربعين من الغنم ولدت أربعين ، أو تجدّد بالتمليك (١) معها ذلك ، فالأقوى أنّه لا عبرة إلا بالمتقدّم.

وإن كانت بحيث لو قارنت حصل نصاب آخر ونسخ النصاب الأوّل ، كما لو ولدت ستة وعشرون من الإبل عشرة ، أو ثلاثون من البقر عشرة ، فالأقوى أنّ النصاب الثاني يُحتسب بعد أن ينقضي حكم النصاب الأوّل ، ولا شي‌ء في الزائد على النصاب الأوّل فيما مضى من الحول الأوّل ، كما إذا لم يستكمل النصاب أوّلاً ثمّ أتمّته السخال ونحوها ، فإنّ الحساب من وقت الإكمال.

ولو شكّ في أنّ الزائد متجدّد ، أو سابق بنى على الأوّل ، كما لو شكّ في وقت الدخول في الملك ، فإنّه يبني على التأخّر (٢).

الشرط الثاني : الحول على نحو ما في النقدين ، بمعنى استمرار النصاب بنفسه باقياً على الملك السابق ، جامعاً للشرائط حولاً تامّاً اثنا عشر شهراً هلالية لو قارن حصوله ابتداء الشهر ، وملفّقة من شهر عددي أو المنكسر مع ما فات منه. وأحد عشر هلاليّة لو حصل في أثناء الشهر ، ولو في نصف اليوم الأوّل في وجه قوي. ولا ينافي ذلك وجوب الإخراج بدخول الشهر الثاني عشر ، فيكون تمامه شرط الاستقرار. ولو لم يتمّ ،

__________________

(١) في «م» ، «س» : بالتملك.

(٢) في «س» ، «ص» : فسخ.

١٧٠

انكشف عدم الوجوب ، وقد مرّ مثله.

ولو بدّل ولو بالمجانس ، أو وهب ، أو تلف ، أو جنّ ، أو زال شرطاً من الشروط في أثناء الحول ، ولو بأقلّ القليل من الزمان ، لم يُحتسب ما سبق من الحول ، واستأنف الحول جديداً.

وإن مات أو ارتدّ عن فطرة ، جُدّد وراءه الحول ، وسقط اعتبار الماضي ، والمرتد الملّي يبقى حكم حوله ، ويقهر على إعطاء الزكاة ؛ وإذا استُتيب ثلاثاً ثمّ قتل في أثناء الحول ، جدّد الوارث الحول ، كالسابق.

ولا زكاة بين النصابين في جميع ما لوحظ فيه النصاب ، ويُسمّى في الإبل (١) شنقاً (٢) ، وفي البقر وقصاً (٣) ، وفي الغنم عفواً.

ولو جمع الفقير من الزكاة نصاباً ، وحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة ، وما أصابه من زراعة أو غيرها وتعلّق به الخمس وجب إخراجه بعد الزكاة. وإذا اكتسب بما أصابه من زكاة فربح زائداً على مئونة سنته ، وجب عليه الخمس.

الشرط الثالث : السوم والرعي في المرعى ، فالسائمة هي المرسلة في مرعاها ، مقابل المعلوفة. والمُعتبر فيه صدق السوم عرفاً ، فلا يقدح فيه علف اليوم واليومين ، فضلاً عن الساعة والساعتين. فلا زكاة فيما يُعلف ليلاً مثلاً ويسوم نهاراً ، ولا فيما يمضي عليه الشهران والثلاثة مثلاً معلوفاً ، فلا زكاة في بهائم إيران ولا خراسان ولا أذربيجان إلا ما شذّ وندر منها ، لأنّها تعلف الشهرين والثلاثة لا تخرج إلى المرعى.

ولا فرق بين كون الإرسال من المالك أو بإذنه أو الغاصب ، ولا بين كون نبات

__________________

(١) في «م» ، «س» : الأول.

(٢) الشنق : ما بين الفريضتين ، وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى العشرين. غريب الحديث للهروي ١ : ١٣٢.

(٣) جمع الوقص : أوقاص ، والشنق شناق ، قال أبو عبيد : بعض العلماء يجعل الأوقاص في البقر خاصة والأشناق في الإبل خاصة. غريب الحديث للهروي ٢ : ٢٤٤.

١٧١

الأرض محلّلاً أو محرّماً. والأقوى إلحاق المرسل في الزرع حيث يكون بالصحراء بالمعلوف.

ولا فرق في المعلوف بين أن يعلف بنفسه ، أو يعلفه المالك أو مأذونه أو الغاصب من مالهما أو مال المالك. ولا بين أن يكون مجبوراً لعذر مرض أو هرم أو خوف من نهب أو سلب أو أسد أو غير ذلك.

ولو منع عن السوم إلا ببذل مال فبذله ، دخلَ في حكم السوم. ولو تغذّت بلبن ، ولم يكن من السخال عن رضاع أو غيره ، لم تكن سائمة.

ولو رعت نبات الدار أو البُستان لم تكن سائمة ، مع احتمال ذلك ، خصوصاً مع سعتهما. والظاهر إلحاق الصغار المتغذية باللّبن بالسائمة دون الكبار ، فيكون حولها من حين النتاج ، من غير فرق بين أن ترضع من سائمة أو معلوفة أو منهما ، ولا فرق بين استمرار الرضاع إلى تمام السنة والتركّب منه ومن السوم ، ولا بين كون الرضاع بعوضٍ أولا ، من الثدي أولا ، على تأمّلٍ في الأصل ، وفي بعض الأقسام.

الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، فلا زكاة في العوامل ، وإن كانت سائمة ، كالمتّخذة للحرث ، والسقي ، والركوب ، والإيجار ، والدياسة ، وإدارة المدار ، من غير فرق بين اتخاذ المالك ، ومأذونه ، والغاصب ، ونحوهم.

والمدار في الصدق على العرف ، فلو عملت قليلاً بحيث لا يبعث على صدق الاسم لم تدخل في العوامل ، ولا يلزم حصول العمل على الدوام ، ولا يكتفى بحصوله في بعض الأيام ، بل المدار على صدقه عرفاً ولو شكّ من الأصل في صدق اسم السوم والعمالة ، سقط الوجوب ، ولو شكّ بالعارض قوي الوجوب.

ويُصدّق المالك في نفي النصاب ، والسوم ، والحول ، وثبوت العمالة ، ووقوع الدفع إلى المستحقّ ، ونحو ذلك. ويجوز الدفع من العين ، ومن الخارج حيث لا يكون رديئاً والمال جيّداً.

ويجوز في جميع ما سبق من الأقسام الدفع من القيمة أو العين.

١٧٢

ولا يضمّ مال أحد إلى غيره ، وإن كان خليطاً أو كان أباً وابناً. والزكاة المالية متعلّقة بالعين ، كما مرّ. ولو جعلها معلوفة بعض العام أو سائمة فراراً من الزكاة لم تجب. وتضمّ الأموال المتباعدة من جميع الأجناس كما مر.

ولا يجوز تقديم الزكاة على وقت الوجوب إلا قرضاً ، ثمّ تحتسب مع بقاء القابلية. ولا تأخيرها قدراً معتداً به ، فلو أخّرها لعذر ، من فقد المستحقّ ، أو منع مانع ، أو مدّة يسيرة طلباً للأفضل ، لم يكن عليه ضمان. وكذا لا يجوز نقلها مع لزوم التعطيل ، فلو نقلها بلا عذر أثم وضمن. ولو نقلها مع وجود المستحقّ ، وعدم لزوم التعطيل ، ضمن ولم (١) يأثم ما لم يكن مجتهداً أو مأذوناً منه.

ويجوز إعطاء القيمة في جميع الأجناس. والأحوط العين في الأنعام ، ولا يُشترط فيها أن تكون مساوية للمخرج ، فلو كان النصاب كلّه صغاراً ليس فيه السن الواجب ، أو كباراً كذلك ، لزم إعطاء الواجب أو بدله.

ولو كان الجميع مراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ، ولو كان البعض كذلك قوي التوزيع ، ولو تبرّع المالك دخل في قوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (٢).

والمتولّد من غير النعم الثلاثة أو منها ، متحدة الصنف أو لا ، أو منها ومن غيرها ، يتبع صدق الاسم ، ويلحقه في الحكم كما مرّ.

المطلب الرابع : فيما تُستحبّ فيه الزكاة ، وهو أقسام

الأوّل : مال التجارة ، وهو الّذي يُملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب ، على وجه المعاوضة بين مالين (٣) ، ببيع أو صلح أو هبة معوّضة. وعامل المضاربة يدفع من سهمه إذا بلغ النصاب ، دون ما ملك بالإرث ، أو الحيازة ، أو الهبة ، أو الصدقة ، أو الوقف ، أو النكاح ، أو الخلع ، أو ملك بالمعاوضة للقنية ، أو للوقف ، أو الصدقة ، أو الإيجار ،

__________________

(١) في «م» ، «س» : وإن لم.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) في «ص» زيادة : من الأعيان.

١٧٣

أو الجعالة ، أو غيرها ممّا يتعلّق بالمنافع ، على الأقوى.

ويُشترط استمراره تمام الحول بالمعنى المتقدّم ذكره ، سواء حصل فيه التبديل والتغيير أولا ، ويشتدّ الرجحان فيما لو استمرّ بنفسه.

ويُشترط قصد الاكتساب تمام الحول ، فلو قصد القنية أو الصدقة أو نحوهما ، بداية أو نهاية أو بينهما ، انكسر الحول. وأن يطلب الفضل بعد إحراز رأس المال ، فإن كان لا يجد إلا وضيعة ، أو وجد رأس المال فأخر اتفاقاً لا (١) لطلب الفضل وإن حصل اتفاقاً ، فلا زكاة.

وأن يبلغ النصاب المقرّر في زكاة النقدين عيناً أو قيمة فيكون حالها كحالهما (٢) ، فلو نقص في أثناء الحول ، ولو في جزء ما من الزمان ، انقطع الحول.

وأن تجتمع شرائط الزكاة الواجبة سوى البلوغ والعقل ، فالأقوى الاستحباب في مال اليتيم ، والمجنون ، والخطاب للولي. ويستحبّ فيها الإخراج على نحو زكاة النقدين ، وهو ربع العشر.

والظاهر تعلّقها بالقيمة لا بالعين ، بمعنى إجزاء التأدية منها (٣) ، ولا بأس بالعين. والمدار على نقد شرائه لا نقد البلد.

ولو اشترى نصاباً للتجارة ، كأربعين شاة ، أو عشرين ديناراً مثلاً ، وحال عليه الحول وجبت زكاة المال ، وسقطت زكاة التجارة. ولو زرع أرضاً للتجارة وحصل النصاب ، تعلّقت زكاة المال والتجارة ، وإن زاد ربحه على مئونة السنة وجب (٤) الخمس أيضاً.

القسم الثاني : الخيل الإناث العتاق العربيّة ، الكريمة الأصل من الطرفين ، والبراذين الإناث خلاف العتاق ، وفي كلّ واحدة من القسم الأوّل ديناران ، ومن القسم الثاني

__________________

(١) كلمة «لا» غير موجودة في «س».

(٢) في «ص» زيادة : في النصابين.

(٣) في «س» ، «م» : معها.

(٤) في «م» ، «س» زيادة : من الأعيان.

١٧٤

دينار. وليس في الحمير ، والبغال ما لم تتخذ للتجارة شي‌ء.

ويُشترط في استحباب الزكاة فيهما البلوغ ، والعقل ، والحريّة ، والحول ، والسوم ، وإمكان التصرّف من المالك أو وكيله أو وليّه على النحو السابق فيهن ، (وأن لا تكون عوامل) (١) ولا يكون من كسور لا تبلغ الواحدة ، ومع البلوغ إشكال.

الثالث : ما عدا الغلات الأربع ممّا يدخله الكيل والوزن ممّا عدا الثمار والخضروات بعد إخراج المؤن.

الرابع : غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم على نحو ما تقدّم.

الخامس : الحُلِيّ المحرّمة على رأي.

السادس : الحُلِيّ الّتي فُرّ بها من الزكاة خروجاً من الخلاف.

السابع : المال الغائب ، إذا مضت عليه أحوال ، ثمّ وصل إلى يد صاحبه ؛ فإنّه تُستحب زكاته لسنة.

الثامن : النماء الحاصل من العقارات المُتّخذة للنماء ، كالحمّامات ، والدكاكين والخانات ، والبساتين ، عروضاً كانت أو نقوداً ، حال عليه الحول أولا.

التاسع : زكاة المؤن المصروفة على الزراعة والغرس.

العاشر : زكاة العوامل من البهائم.

الحادي عشر : زكاة الدين المقدور على استيفائه أو مطلقاً.

الثاني عشر : زكاة ما تعلّقت به المعاوضة على ما فيه الزكاة فراراً.

الثالث عشر : زكاة ما شكّ في تعلّق الزكاة به احتياطاً.

الرابع عشر : زكاة ما شكّ فيه بعد التسليم ، وكذا ما اشتري ممّن يظنّ به أنّه لا يزكّي.

ويُشترط في الجميع الحول ، وإمكان التصرّف ، والبلوغ ، والعقل ، فيما عدا المستثنى ، والنصاب فيما يلحق بذي النصاب ، والحول فيما يلحق بذي الحول.

ويُستحبّ وسم إبل الصدقة في المحلّ الظاهر منها كأفخاذ الإبل.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ،

١٧٥

المطلب الخامس : في أصناف المستحقّين وهم ثمانية

الأوّل والثاني : الفقراء والمساكين

وهما كالظرف والجار والمجرور إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، فلمّا ذكرا معاً في مصرف الزكاة صارا متغايرين في المعنى.

والشرط فيهما عدم ملكية ما يقوت به سنته لنفسه وعياله الواجبي النفقة شرعاً أو عرفاً ، ومنهم الضيوف إن كان من أهلها ، زائداً على الديون حالّة ومؤجّلة ، وعلى المستثنيات في الديون من فرس الركوب ، وعبد الخدمة ، والجارية ، والفرش ، وكتب العلم ، لمن كان من أهلها ، بما يناسب حاله ، من عددها وكيفيّتها ، ودار السكنى ، والظروف والآلات المحتاج إليها في البيوت ، وثياب العادة ، وثياب الزينة وحُليّها ممّا يناسب حال المالك فيهنّ ، وما يحتاجه من الات الصنائع ، وعقار ، ورأس مال يستنميها ، ولا يزيد نماؤها على قوت السنة ، ولا ينكر عليه في تبعيتهما ، ومال موجود لا يتمكّن من التصرّف به ، ولا الاقتراض عليه ، ومال تعلّقت به حقوق واجبة من نذور وعهود ونحوها ، ولا يزيد الفاضل على مئونة السنة. وأن لا يكون صاحب صنعة أو حرفة تفي بمئونته ، ولو على التدريج عاما تامّاً ، دون من لم يكن له حرفة وصنعة ، كأُجَراء الصلاة والصيام والحجّ ونحوها ، ما لم يكن صنعة كسائر الصنائع.

والبناء على اختلاف الأحوال والأطوار ، فقد يُعدّ صاحب الخمسين غنيّاً ، وصاحب الألف فقيراً ، فيلاحظ الحال في المأكول ، والملبوس ، والمفروش ، والمركوب والمسكن ، وغيرها ؛ كيفيّةً ، وكميّة ، وارتفاعاً واتضاعاً ، ونحوها على نحو ما تقدّم. ووجود ما يناسبه منها لا ينافي فقره ؛ لأنّها وإن تضاعفت قيمته لزمته ، أو للزوم حاجته إليها لا يعدّ من الغنى ، وكذا صداق التزويج ممّا يوافق حاله مع الحاجة إليه.

والمشغول بطلب العلم فقير ، وإن كان ذا صنعة تعارض تحصيله ، ولو تعيّن عليه طلب العلم ، وانحصر طريق معاشه بها وبأمثالها ؛ أو كان شديد الحاجة جدّاً لا يمكنه

١٧٦

الاستغناء ، وجب عليه الأخذ. ويجب عليه الإخبار عن حاله. ولو امتنع ، كان كمانع الزكاة.

ولو كان طالب العلم غنيّاً في القوت واللّباس ، محتاجاً للكتاب ، أو للرفاهيّة لزيادة التوجّه ، أو للنكاح لصفاء البال ، ونحو ذلك ، كان له الأخذ من سهم سبيل الله.

وصفتا الفقر والمسكنة متّحدتان بالمعنى مع انفراد إحداهما عن الأُخرى ، فتقوم كلّ واحدة مقام صاحبتها مع الانفراد ، ومع الاقتران متغايران ، كما في أية الزكاة (١) ، فإنّ الأصحّ أنّ الفقير أحسن حالاً يتعفف عن السؤال ، والمسكين أشدّ منه ويحتاج إلى السؤال ، كما أنّ البائس أشدّ حالاً منهما ، وكلّ منهما مستحقّ.

وتظهر الثمرة في باب النذور ، والايمان ، والعهود ، وفي باب استحباب التوزيع على الأقسام الثمانية ؛ لأنّ البسط غير واجب ، بل يجوز التخصيص.

ويُصدّق مُدّعي الفقر ، عُلم غناه سابقاً أو لا ، من غير بيّنة ولا يمين. ويجوز إعطاؤه دفعة فوق غناه.

ولو دفع زكاته إلى الإمام أو نائبه العام أو الخاصّ ، برئت ذمّته ، سواء أصاب الدافع المدفوع إليه في دفعه أو أخطأ فيه ، ولا ضمان على أحدٍ منهم. ولو دفعها بنفسه إلى الفقير بزعم فقره ، وعلم المدفوع إليه بأنّها زكاة ، وكان ممّن لا يستحقّها ، استرجعها منه مع التلف وبدونه ؛ ومع علم الدافع لا رجوع مع التلف ، إلا أن يكون بعد العزل. وإن لم يعلم بكونها زكاة ، استرجعها مع بقائها دون التلف ، والحكم في دفع الإمام أو نائبه مثله.

ولا يجب في دفعها تسميتها زكاة ، ولا سيّما إذا كان الفقير ممّن يستحيي من اسم الزكاة.

الثالث : العاملون

المنصوبون لجمعها ، أو ضبطها ، أو حفظها ، أو حملها ونقلها ، ونحو ذلك ، ولهم

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

١٧٧

أخذ (١) الأسهم الثمانية على الاشتراك بينهم إن تعدّدوا ، والاختصاص إن اتحدوا.

وفي جعل التوزيع على الرؤوس ، أو على مقدار العمل ، وفي ترجيح بعض على بعض لمرجّح (٢) أو لا ، وجهان ، أقواهما الأوّلان.

ويُشترط عدالتهم دون فقرهم ، وأن لا يكونوا هاشميّين إن كانت عمالتهم على زكاة أموال غير بني هاشم. ولو جعلوا أُجَراء أو (٣) صولحوا على العمل بمعيّن من بيت (٤) المال أو من متبرّع ونحو ذلك ، لم يدخل في قسم الزكاة ، ولا يُشترط فيه شرائطها. ولو جمعوا بين العمالة والفقر ، كان لهم أخذ سهمين من الزكاة ، وهكذا كلّ من تعدّدت جهات استحقاقه له الأخذ على عدادها. ومتى دخلوا تحت الأُجَراء ونحوهم ، كان للإمام ومنصوبة عامّاً أو خاصّاً معاملتهم على جمع سائر الحقوق من خمس وغيره ؛ لأنّهم أولياء الأُمور العامّة.

ولو عملوا نصف العمل أو أقلّ أو أكثر ، استحقّوا السهم إذا صدق عليهم الاسم. ولو كان بصورة الإجارة ونحوها ، قضي بالتوزيع.

ولو خانَ العامل أو فَسقَ ، عُزِل ولم يُعطَ شيئاً قبل إتمام العمل. ولو جُنّ انعزل ، ويقوى اعتبار التوزيع هنا.

ولو نصب للعمالة ، فهل له عزل نفسه ، أو لا؟ الأقوى الأوّل. وللعامل إذا اتّسع عمله وضع الأُجَراء من يده ، دون العمّال. والأقوى جواز ذلك مع الإذن ، فيشتركون في السهم.

ولو عُيّن للعمل ، فلم يُصب شيئاً من الزكاة ؛ لامتناع المنصوب عليهم ، أو تلف ما أخذه بعد قبضه ، لم يكن له شي‌ء ، ومع الإتلاف منه أو للتفريط يضمن أيضاً.

وعلى العامل تصديق المالك لو أخبره بالدفع ، وليس له أن يختار من المال

__________________

(١) في «م» ، «س» ، «ص» : أحد.

(٢) في «ص» زيادة : ديني.

(٣) بدل أو في «ص» : جمع.

(٤) بيت غير موجود في «م».

١٧٨

صفاياه. وليس للمالك إعطاؤه الردي‌ء. ويُستحبّ له الدعاء للمالك بعد قبض الحقّ.

الرابع : المؤلّفة قلوبهم

والظاهر أنّهم قسم من الكفّار وحّدوا الله ، ولم يقرّوا بالنبوّة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتألّفهم ليقرّوا بالإسلام ، ويعترفوا بالنبوّة ، ويجاهدوا مع المسلمين. والظاهر أنّها حرام عليهم ، وإن وجب إعطاؤها لهم.

ويستوي هنا العبد والحر والمكلّف وغيره ، فيجوز إعطاؤها لكلّ منهم مع حصول الغرض به.

والأقوى سقوط هذا السهم في زمن الغيبة ، وثبوته لمن بسطت يده من الأئمّة عليهم‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتخصيص بمن ذكرنا لمن كان له سهم من الزكاة ، أمّا الدفع لتقوية الإسلام أو الإيمان ، أو للاستجلاب إلى الطاعات ، أو للإعانة على أخذ الزكوات والصدقات وغيرها من العبادات ونحو ذلك ، فهو داخل في سبيل الله ، فلا يختصّ بكافر ولا غيره.

والشرط في إعطاء هذا السهم رجاء التأثير في المعطى له ، وعدم لزوم الخلل من جهة حسد قوم آخرين ، فينتقض الغرض.

وفي هذا القسم يجب البسط ، مع توقّف الغرض عليه. ولو دخلوا في الإسلام وحصل الاطمئنان ، فلا شي‌ء لهم ؛ ومع بقاء الخوف منهم بالرجوع إلى ما كانوا عليه ، يبقى السهم لهم.

والظاهر أنّ هذا السهم مداره على حصول التأليف ، فإن كانوا متعدّدين لا يألفون إلا بتمامه ، سُلّم السهم تامّاً ؛ وإن كانوا قليلين يحصل تأليفهم ببعضه ، أُعطوا بعضه ؛ ولو حصل تأليفهم بلين الكلام ، وحسن السيرة ، اقتصر على هذا الحال ، ولم يُبذل المال.

الخامس : الرقاب

وهذا السهم للمكاتَبين العاجزين عن تسليم مال الكِتابة ، لقصور السعي ، وفقد

١٧٩

المتبرّع ، وللمماليك تحت الشدّة ، وللمسلمين منهم في أيدي الكفّار ، بل للتخليص من الرقيّة مطلقاً ، وللتخليص من كفّارات العتق في وجه قوي. والأحوط حيث لا يقصد في سبيل الله الاقتصار على القسمين الأوّلين ، بل على الأوّل منهما.

وهذا (القسم إن وجد ما يفي) (١) به منها أُعطي بتمامه ، وإلا أُعطي منه ما يتوقّف عليه من كلّ الثمن أو بعضه ، ويُسلّم السهم بيد المولى ؛ ولو كان في سبيل الله ، جاز تسليمه إليه برضا المولى.

ثمّ ما ذكر من الشروط لو قلنا بها بالنسبة إلى هذا السهم ، وإلا فلو جعل في سبيل الله كان فكّ الرقاب مطلقاً منها على ما سيأتي.

ولو دفع إلى المكاتَب مثلاً ، فحصل فكّه من وجه آخر ، أو أعتقه مولاه مجّاناً ، استرجع منه على الأقوى ، إلا أن يُجعل من سهم آخر. وكذا لو دفع إليه وبانَ حرّا.

ولو مات المحرّر من هذا السهم ؛ كان ميراثه للفقراء ؛ لأنّهم الأصل في باب الزكاة ، فكأنّهم أولياء نعمته.

ولو قصر السهم عن عتق رقبة تامّة ، جاز التبعيض. وفي تقديم الأكثر شدّة على غيره احتمال الإيجاب والاستحباب ، والثاني أقرب إلى الصواب ، وكذا تقديم الأعلى منزلة على غيره ، (وكذا باقي المرجّحات) (٢).

السادس : المدينون

وهم الغارمون ، بشرط أن لا يكون (عندهم وفاء ولو مساوياً للدّين ، ولا صنعة تفي به ، وأن يكون) (٣) صرفه في غير معصية (٤) من واجب أو مندوب أو مكروه أو مباح.

والناسي ، والجاهل بالموضوع ، والجاهل بالحكم مع عدم احتمال المعصية عنده ، والمجبور ، والمضطر ، لا يدخلون في العُصاة. ومن جُهل حاله ، ولم يعرف بالمعصية

__________________

(١) بدل ما بين القوسين : السهم إن وجد مانع.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٤) في «س» زيادة : وكذا تقديم الأعلى منزلة على غيره وكذا باقي المرجحات.

١٨٠