كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

المقام الثاني : في بيان مصاديق عناوينه

وهي عديدة ، والضابط فيها تنزيلها على ما كان في حال التخاطب ، من لغةٍ أو عُرفٍ عام أو خاصّ ، عرفي أو غيره ، أو حقيقة شرعيّة ، إذا قصد بالخطاب الجري عليها ، ومع القربة المخرجة عن الحقيقة يبني على ما أفادته ، وتُلغى الحقيقة. ولو جيئ بلفظٍ مجمل خالٍ عن القرينة ، أو أُريد معنىً مجازي ولا قرينة فيه ، ولا تصديق لملقيه ، حكم ببطلانه.

منها : لفظ المسلمين ، وذكر فيه وجوه :

منها : أنّ المسلم من اعتقد الشهادتين.

ومنها : أنّه من اعتقد الصلاة إلى القبلة ، وإن لم يصلّ ، إذا لم يكن مستحلا.

ومنها : أنّه معتقد وجوبها ، مع عدم تركها.

ومنها : أنّه من وافق مذهب الحقّ ، فجميع من خرج عن مذهب الإماميّة ليس بمسلم.

ومنها : أنّه كذلك إذا كان الواقف مؤمناً ، ولعلّ الأقوى هو الأوّل. والظاهر خروج الخوارج والنواصب والمجسّمة والمشبّهة على الحقيقة ، دون المجبّرة والمفوّضة ، هذا بحسب الحقيقة ، وإلا فكلّ عبارة (١) تحمل على مصطلح مصدرها.

ومن ادّعى اختصاص وصف الإسلام ببعض أهل الباطل فقد كابر وعاند أهل الإيمان ، ولا ريب أنّه من حزب الشيطان.

ومنها : لفظ المؤمنين ، وهم والإماميّة واحد ، وقيل : يُعتبر ترك الكبائر بناءً على أنّه ثلث الإيمان (٢). والظاهر أنّه صادق على طائفة واحدة ، وهي الفرقة الجعفريّة الاثنا عشرية.

__________________

(١) في «ح» ، «ص» عبادة.

(٢) المقنعة : ٦٥٤ ، الحدائق ٢٢ : ٢٠٣.

٢٤١

واشتراط القول بعصمة أئمّتهم قريب بعد التأمّل في طريقتهم ، ومتى صدر عن قوم نُزّل على مصطلحهم ، واشتراط تجنّب الكبائر بعيد.

ومنها : لفظ الشيعة ، وهم من شائع عليّاً عليه‌السلام في الخلافة بلا فصل.

ومنها : القرشيّة ، والهاشميّة ، والعلويّة ، والفاطميّة ، والحسنيّة ، والحسينيّة ، والموسويّة ، والرضويّة ، وهم كلّ من انتسب إلى قريش ، وهاشم ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وموسى ، والرضا عليهم‌السلام من طرف الإباء من غير أن يدخله (١) في السلسلة إحدى الأُمّهات.

وقد يقال : بأنّ النسبة إلى الطبقة العُليا مشروطة بعدم بلوغ السفلى ، والعباسيّة والأمويّة من انتسب إلى أُميّة والعبّاس من طرف الأب كما مرّ ، والجعفريّة من كانوا على مذهب جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، والناووسيّة ، والزيديّة ، والكيسانيّة ، والفطحانيّة ، والإسماعيليّة ، والحنفيّة ، والشافعيّة ، والمالكيّة ، والحنبليّة من انتسب بالمذهب إلى المنسوبين إليهم ، وكذا جميع أهل المذاهب ، والواقفيّة من ذهبوا إلى الوقف على الكاظم عليه‌السلام.

والجيران ؛ قيل : بعد أوّل داره أو بابها عن مقدار أربعين ذراعاً بذراع اليد (٢) ، وقيل : أربعين داراً (٣) ، وظنّي أنّ الحَكَمَ العرف ، وهو مختلف باختلاف سعة الوطن وضيقه ، وسعة الدار ، وضيقها. وقد يقال بالاختلاف ، لاختلاف الأشخاص.

والعترة ؛ الذريّة ، والخاصّ من قومه ، والعترة الأخصّ من قرابته ، وهم أخصّ من العشيرة وأعمّ من الذريّة. وقيل : الأقرب لبناً (٤).

والقوم : أهل لغة الواقف من الذكور خاصّة ، وقيل : يدخل فيهم الإناث (٥) ،

__________________

(١) في «ص» : يدخل.

(٢) المقنعة : ٦٥٣ ، اللمعة (الروضة البهيّة) ٥ : ٢٩.

(٣) الحدائق ٢٢ : ٢١١.

(٤) المقنعة : ٦٥٥ ، الجامع للشرائع ٢٧١.

(٥) المراسم : ٩٨.

٢٤٢

وقيل : ذكور أهله ، وعشيرته (١).

وسبيل الله : كلّ قربة ، وقيل : الجهاد والغزاة والحجّ والعمرة (٢).

وسبيل الثواب قيل : الفقراء والمساكين ، ويبدأ بأقاربه (٣). وفي سبيل الخير : أنّه الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل ، والغارمون ، والمكاتبون ، والفقراء من لم يجدوا قوت سنتهم. والمساكين : من كانوا كذلك ، وألحت بهم الحاجة حتّى ذلّوا.

والبائسون : من أصابهم التعب (٤) في تحصيل المعيشة ، ولم يقفوا على حاصل.

ولو جعل مال الوقف بعد أولاده أو غيرهم إلى الفقراء ، عمّ. وقيل : يختصّ أقاربه (٥) ، وربّما نُزّل على إرادة الأفضل. ولو وقف على مواليه ولم يعيّن ، بطل ؛ لإجماله ، لكثرة معانيه. وقيل : يُوزّع (٦) ، وربّما قيل : ذلك في المفرد (٧). ولو لم يكن له سوى قسم واحد ، اختصّ به.

ولو قال : على مستحقّ الخمس ، اختصّ بالذكور من أولاد الذكور من بني هاشم دون خصوص أولاد أبي طالب والعبّاس ، كما قيل (٨).

ولو قيل : على نسل هاشم أو النبيّ أو ذريّتهما ، عمّ الذكور والإناث ، ويتساوون في أصل الاستحقاق والمقدار. ولو قال : على كتاب الله ، لم يبعد أن يُقسّم على نحو الميراث ، ولو قال : على من انتسب إليّ ، لم يبعد اختصاصه بمن اتصل بالذكور ، كما قيل (٩). والأحوط التعميم ؛ لقضاء العرف.

__________________

(١) المقنعة : ٦٥٥ ، الحدائق ٢٢ : ٢٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٥٤٥ ، الجامع للشرائع : ١٤٤.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٤.

(٤) في «ح» و «ص» : البقر وما أثبتناه من نسخة بدل.

(٥) المختلف حجري ٢ : ٤٩٦.

(٦) الشرائع ٢ : ١٧٣.

(٧) الخلاف ٣ : ٥٤٦.

(٨) النهاية : ٥٩٩.

(٩) اللمعة (الروضة البهية) ٣ : ١٨٦.

٢٤٣

ولو وقف على الأقرب إليه ، نُزّل على الإرث. ولو كان له مانع ، فُرِضَ عدمه. ولو قال : على الأقرب إليّ ، ولم يكن سوى الأخيرة ، اختصّ بالخلصاء ، وخرج بنو الأوّلات.

ولو وقف على الفقراء ، اختصّ بأهل مذهبه ، ولا يجب استيفاء فقراء البلد ، ولا يختصّ لهم (١) فضلاً عن غيرهم ، ولو بيع جاز ، ولا ضمان في النقل ولو بغير إذن المجتهد ، والفرق بينه وبين الزكاة واضح ، والأحوط الاقتصار على الثلاثة فما زاد. وقيل : بلزوم ذلك (٢) ، والفرق بينه وبين الزكاة ظاهر.

ولعلّ الفرق يقضي بالاكتفاء بالواحد ، والرجوع إلى المجتهد لا ينبغي تركه ، ولا تجب التسوية في غير المحصور والأقارب للمنتسب من الذكور والإناث ، ويُقسّم بالسوية ، والأعمام والأخوال بالسوية. ولو وقف على البِرّ أو في البِرّ ، فهو كلّ قربة.

ولو وقف على الفقهاء ، وكان من العلماء ، نُزّل على المجتهدين ، وإلا نزّل على المتعارف بين الأعوام ، فيدخل فيهم من كان ماهراً في علم عربية أو كلام أو حكمة ، دون النجوم والهيئة ، أعلاهم ، وأوسطهم ، وأدناهم.

ولو وقف على الصوفية ، وكان عارفاً ورعاً ، نُزّل على المعرضين عن الدنيا ، المشغولين بالعبادة. وربّما اعتبر مع ذلك الفقر ، والعدالة ، وترك الحرفة ما عدا (٣) ما لا يُنافي العزلة ، كالغزل والخياطة والكتابة ونحوها في اصطلاح الأعوام وربّما يدخل بتعميم العلماء في هذه الأيّام أهل الطريقة الباطلة أو الأعمّ.

ولا يُشترط سكنى الرباط ، ولا لبس الخرقة من مسح (٤) ، ولا من زي مخصوص ، وفي كثير من هذه المقامات كلام يظهر بعد التأمّل.

وبيان حقيقة الحال : أنّه يرجع كلّ خطاب إلى المتفاهم في اصطلاح التخاطب ، ثمّ

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر : بهم.

(٢) اللمعة (الروضة البهيّة) ٣ : ١٨٧.

(٣) في «ص» ، «ح» : ما عداه

(٤) في «ص» : مسبح وقد تقرأ مسيح والكل مبهم.

٢٤٤

إلى القرائن ، حاليتها ومقاليّتها ، ولو اجتمع عنوان لا يوافق الشرع مع غيره ، صحّ غيره دونه. ولو وقف على الشباب ، والكهول ، والشيوخ ، والعجائز ، اعتُبر العرف.

البحث التاسع : في الناظر

وهو قسمان : أصلي شرعي وجعلي ما لكي.

القسم الأوّل : الناظر الشرعي

ومحلّه : الأوقاف العامّة ، من المساجد ، والمدارس ، والربط ، والقناطر ، والمقابر ، وجميع ما وُقِف على وجه العموم ، ولم يعيّن الواقف ناظراً ، فإن عيّن كانت للمعيّن ، والمجتهد ناظر عليه إذا أخلّ أو أفسد.

ومع عدم المنصوب تكون النظارة للمجتهد بعد غيبة الإمام عليه‌السلام وروحي له الفداء ؛ لأنّه قائم مقامه في الأحكام ، فله المباشرة بنفسه ، ونصب قيّم من قبله يتولّى إصلاحها وتعميرها ، وفتح أبوابها ، وسدّها ، وحفظها ، وهدم عمارتها ، وبيع آلاتها ، ونحو ذلك.

وإن رأى الصلاح في منع أحدٍ من الدخول فيها ، أو رأى نصب إمام عوض إمام ، أو خادم عوض خادم ، وجب اتّباعه.

ولا يُشترط فيه تقديم الفاضل ، وإن كان أحوط ، خصوصاً مع الحضور في البلد. وإذا نصب قيّماً ، فليس لمجتهدٍ آخر عزله ، (إذا نصب قيماً) (١) فالظاهر عدم جواز عزل نفسه إلا مع الإذن ، كما في سائر المناصب الشرعية.

والظاهر أنّه تُشترط فيه الحرية ، فالرق والمبعّض ليس لهما قابليّة. ولو نصبه المجتهد ثمّ مات ، بقي على حاله ، حتّى يحصل سبب العزل.

ولو تعذّر أو تعسّر الرجوع إلى المجتهد ، قام عدول المسلمين عنه ، ويكفي الواحد. ولو لم يمكنه نصب العدل ولا توكيله ، وكّل فاسقاً أميناً. ولا تجب عليه المباشرة ، وله

__________________

(١) في النسخ فيما إذا نصب.

٢٤٥

طلب الأُجرة على نظارته.

وتجري (١) النظارة الشرعيّة في الوقف الخاصّ إذا كان بعض الموقوف عليهم ناقصاً ، وليس لهم وليّ إجباريّ ، ولا وصيّ منصوب من قبله ، فإنّ النظارة إذن إلى المجتهد كالوصاية.

ويُشترط فيها في المقامين العدالة وقابليّة النظر ؛ لكونه من أهل النظر ، ولو فسق انعزل من دون عزل ، ولو عادت ولايته لم تُعد نظارته ، وكذا لو طرأ عليه مُزيل العقل ثمّ عقل ، وفي المغمى عليه تأمّل.

ولو نَصَبَ مجتهد ناظراً ، ثمّ اطلع مجتهد آخر على عدم قابليّته عزله ؛ ، (٢) ولو لم يكن واطلع عليه عدول المسلمين ، عزلوه.

ولو بلغ الناظر بعد نظارته رتبة الاجتهاد ، فليس له التخلّف عن أمر المجتهد ، ولو تبيّن لمن نصبه من المجتهدين عدم قابليّته ، عزله.

ولو نصبه للنظارة في عدّة أُمور ، فظهرت قابليّته لبعض دون ، بعض ، خصّه بما هو قابل ، وعزله من غيره.

وللمجتهد أن يعدّد نصب بدله دون الثاني ، ولو أطلق بنى على الاستقلال ، ولو قَسّمَ النظارة على الأموال ، اختصّ كلّ واحد بما عيّن له.

وله جعل الواقف وأولاده وأرحامه وغيرهم كائناً من كان نظّاراً.

القسم الثاني : الناظر الجعلي

الناظر الجعلي من المالك أو أوليائه أو من المتولّي الشرعي وقد تقدّم ذكره على مال الموقوف عليهم ، على نحو الناظر على الوصي ، وهو قسمان : ناظر على الوقف العامّ ، وناظر على الوقف الخاصّ ، وفي المقامين تُعتبر العدالة والقابليّة لمعرفة المضارّ والمنافع ، وتقع على أنحاء :

__________________

(١) في «ص» : وتجزي.

(٢) في «ص» : عزل.

٢٤٦

أحدها : ولاية التصرّف في جميع الأُمور ، حتّى لا يكون للموقوف عليه سوى وصول الفوائد إليه.

ثانيها : أن يخلّي إليه أمر السهام في الزيادة والنقصان.

ثالثها : أن يخلّي إليه أمر الإدخال والإخراج ، فيعطي من شاء ، ويمنع من شاء.

رابعها : أن ينظر فيما يتعلّق بالصلاح والفساد ، مع بقائه في يد الموقوف عليه.

خامسها : كذلك مع البقاء في يده كالودعيّ.

سادسها : أن يكون مرجعاً على نحو المقلّد والمجتهد ، فلا يتسلّط على شي‌ء سوى الحكم إذا رجع إليه الموقوف عليه.

سابعها : أن يكون منصوباً لرفع النزاع بين الموقوف عليهم.

ثامنها : أن يكون منصوباً لوضع الحفّاظ والأُجراء ، إلى غير ذلك.

ثمّ المركّبات كثيرة ، والظاهر عدم المانع في جميع الأقسام ؛ لأنّ الوقوف على ما وقفها صاحبها.

ثمّ النظارة لا تحتاج إلى الإيجاب اللفظي ، ويكفي في القبول أن يكون نقليّاً ، ولا يلزمه القبول إلا إذا أوصى إليه ناظر مأذون في الوصيّة بها ولم يردّها عليه ، حتّى تعذّر عليه نصب غيره لموته أو ضعفه.

وله أخذ الأُجرة ، مع تقرير الواقف أو الحاكم ، من فوائد الموقوف أو من خارج ، لأمن أعيانه. وكذا مع عدم التقرير في وجه قويّ ، ويقوى أنّه ليس له عزل نفسه مطلقاً إن لم يُقم إجماع على خلافه ، وأنّه يجب على الناس القبول كفايةً.

وتشترك (١) هذه الأحكام بين المنصوب الشرعي والمالكي ، لكنّها في الأوّل أظهر ، وليس لمن نصبه أو غيره عزله ، إلا مع ترتّب فساد أو حصول اشتراط ، ومع الفساد أو سلب القابلية ؛ لارتفاع عدالة أو حدوث جبران ، فيعزل بلا عزل ، ويعود إذا عاد بحاله.

__________________

(١) في «ح» : وتشرك.

٢٤٧

ولو عزله الحاكم من غير تقييد ، لم يعُد على إشكال. ولو عدّد النظّار وصرّح بالاستقلال أو الانضمام فذاك ، ولا حاجة إلى نصب البدل مع فقد أحدهما في القسم الأوّل على الأقوى.

ولا يجوز للحاكم ذلك ويتعيّن في القسم الثاني كما مرّ ، ومع الإطلاق يظهر الاستقلال. ولو صرّح بالترتيب أو تعين الأوقات أو المحالّ أو التبديل أو التغيير امتنع ، كما إذا صرح بالتعدية أو عطف بـ «ثم» والفاء ، ولو عطف بالواو فالظاهر التشريك.

ومتى ماتَ الناظر في الوقف الخاصّ ، ولم يوظّف غيره ، رجع الأمر إلى الحاكم ، ويقوى انقطاع النظارة والرجوع إلى الموقوف عليهم. وإذا اختلف النظّار مع الاستقلال اقترعوا ، ومع الاشتراك يخيّرهم إن بقيت عدالتهم (١) ، وإلا نصب بدلهم.

وإذا امتنع أحدهما دون صاحبه ، نصب الحاكم بدله ، ولو نصب لنصب النظّار ، فنصب وانعزل ، انعزل منصوبة ، ومع الوكالة لا ينعزل.

وله جعل النظارة لنفسه ولولده ، وغيره وغيرهم ، من الموقوف عليهم وغيرهم ، موحّداً ، أو معدّداً ، شركاء أو مرتّباً ، مع الاستقلال والانضمام والتلبّس في ابتداء الوصف لا بعده.

ولو فسد شرط النظارة ، مع إرادة الاستقلال في الشرط ، لم يفسد الوقف. ولو أقرّ بنظارة غيره منفرداً ، لم تثبت وانعزل ، ويرجع الأمر إلى الحاكم ، ويهمل الموقوف ، وكذا في كلّ ناظر تطلب نظارته.

وربّما يقال : بأنّ الوقوف إذا أُطلقت كان النظر إلى الحاكم ، وهو في الوقف ، ويقوى في القسم الأوّل رجوعه إلى ورثة الواقف من حين موت الموقوف عليهم ، لا لورثتهم ، ولا يُصرف في وجوه البرّ حينئذٍ.

__________________

(١) «ص» : يخيرهم أن تعتبر عدالتهم ، أقول : ويحتمل كونه تصحيف : يجبرهم ، أو يجيزهم وفي نسخة : بخيرهم بدل يخيّرهم.

٢٤٨

البحث العاشر : في الشرائط الأصلية

وهي أُمور :

أحدها : الدوام ، فلو كان منقطع الأوّل أو الأخر أو الوسط أو المركّب منهما بَطَلَ. والانقطاع إمّا بعدم الموقوف عليه في بعض الأحوال المذكورة ، أو بذكر ما لا يقبل الملك فيه من جماد أو بهيمة أو مملوك ، أو من لا يجوز الانتقال إليه ، أو قطع السلسلة بشي‌ء منها.

ولو وقف على بعضٍ فلا انقطاع ، ويجوز جعل تمام السلسلة مبعّضين. وليس من القطع أن يقف على زيد سنة ، ثمّ من بعدها على عمرو.

ومنقطع الأوّل لا يدخل في وقف ولا في حبس ، وكذا منقطع الوسط على الأقوى.

ومنقطع الأخر يدخل في الحبس إن كان ممّا عادته الانقطاع ، وإلا صرف الموقوف في الأوقاف على النهج الشرعي ، ولو خلا عن القبض لأنّ الموقوف عليهم في أوّل الأحوال المذكورة كان منقطعاً ، ولو كان ممّا لا ينقطع عادة ، فاتفق انقطاعه من الأخر ، مضت وقفيّته ، بخلاف ما كان في المبدأ والوسط ، فإنّه يتبع الواقع.

ولا يشترط دوام المنفعة بدوامه على الوقف على الأقوى ، ويصحّ وقف الدراهم. ولو ردّد بين الدوام وغيره ، أو بين الوقف والتحبيس أو غيره من العقود ، أو ذكر ما يحتمل الدوام وعدمه ، أو علّق الدوام على شرط أو صفة ولم يكن مؤكداً ، بَطَلَ.

ولو جمع بين ما يدوم وما لا يدوم. صحّ في الدائم دون غيره ، على نحو ما تخلّف شرطه.

ولو وقف ما للغير فيه خيار أو شفعة بطل ، ويحتمل الانتظار والكشف ، ولو كان له الخيار صحّ وبطل خياره.

ولو جعله حبساً ثمّ وقفاً ، كان منقطعاً. ولو جعله خاصّاً ثمّ عامّاً أو بالعكس ، لم يكن من المنقطع ، كما لو جعله حبساً ثمّ ترتيباً أو بالعكس.

٢٤٩

ولو انقطع بعض الطبقة الأُولى ، رجع إلى الباقي ، ولم يجرِ عليه حكم الانقطاع. والأقوى أنّ القطع في الابتداء مفسد وجوده وقصده دون الأخيرين ، فإنّهما يفسدان بالقصد فقط على الأقوى.

ولا فرق بين الانقطاع بسبب موقوف أو موقوف عليه أو فقد قابليّته. وتحبيس الأعيان وإيجارها قبل الوقف لا ينافيانه ، ولا ينافي الدوام انقطاع المنفعة المقصودة.

ولو خربت المساجد أو المدارس ، أو تعطّلت تعطيلاً لا يُرجى ارتفاعه لخراب البلد خراباً لا يُرجى عوده بعدُ بقي الوقف على حاله.

ويجوز للمجتهد إيجارها لزراعة ونحوها مع ضبط الحجج مخافة تغلّب اليد.

وأمّا الآلات ؛ فإن فسدت عادت إلى حكم ملك الموقوف عليهم ، كثمرة الوقف ، لكنّها تباع لإصلاح الوقف لا الموقوف عليهم.

ولو وقف بشرط عوده ملكاً له أو لغيره بَطَلَ ، والانقطاع من جهة الموقوف ، وكذا الموقوف عليه إذا كان مرجوّ الدوام ، وكذا الجهات الملحوظة بالوقف ، كالوقف على المشاهد ، والمساجد ، والكعبة ، ونحوها ، وربّما رجع إلى الوقف على المسلمين.

وأمّا الوقف على صاحب الزمان روحي فداه فلا بأس ؛ لتحقّق معنى الدوام بالنسبة إليه ، ولرجوعه إلى نحو ما ذكر ، ويتولّى المجتهد القبض عنه ، وقد يقال : بأنّه قابض ، لقدرته على التسلّم ، ولو أُدخل في مبدأ نيّة القطع لا بعد العقد بطل.

فلو نوى البيع في صورة الجواز على القول به لم يجز.

ثانيها : إخراج الواقف نفسه عن الموقوف عليهم في جميع الطبقات ، فلو وقف عليها مفردةً في أوّل الطبقة ، كان منقطع الأوّل ، وكذا في غيره ، ولو أدخلها مع غيره خرجت.

ودخل هذا لو كان الملحوظ الذوات ، و (١) أمّا مع ملاحظة الصفات والجهات فيدخل مع الاتصاف ، فإذا زالت خرج ، وإذا رجعت دخل.

__________________

(١) الواو غير موجودة في «ص».

٢٥٠

ولو شرط عوده إليه في وقف أو عند الحاجة أو وفاء ديونه أو الانتفاع به مدّة أو إعطاء نفقة زوجته أو مملوكه بَطَلَ ، ويقوى عدم البأس في العمودين. ولو شرط أكل أهله صحّ.

ولو شرط إجارة عبادة تجوز عن الأحياء ، وكان حيّاً ، كزيارة وحجّة ونحوهما ، قوي البطلان.

ولو شرط ردّ مظالم عنه أو صدقة أو عبادة أو أداء ديون لزمته في حياته ونحو ذلك ، قوي القول بالصحّة ، وكذا لو وقف على مصارف الأموات فمات ويمكن إلحاق ذلك بتبدّل الجهات ، ويمكن أن يقال بتبدّل الموضوع بذهاب الحياة ولو قال : أدخل في الوقف إن كان كذا ، أو ردّد بين الدخول وعدمه صحّ.

ولو أخرج نفسه في الابتداء ، فأدخلها في القصد في الأثناء في ضمن صيغة الإيجاب أو القبول أو بينهما ، فسد في حقّهما إذا تضمّنت (١) ، وإلا فسدت ، وأفسدت.

ولا يفسد لو كان بينهما وبين القبض إذا قبضها للموقوف عليه في وجه ، وما لا يجوز إخراجه عن نفسه لنَذر أو عهد أو غيرهما من أنواع الالتزام لا يصحّ وقفه.

ثالثها : القبض عن إقباض مَن لهُ ذلك أو مستمرّاً في يد الواقف ، مع ولايته وقصده عن المولّى عليه أو أطلق ولو نوى الخلاف فالأقوى الجواز ، وفيه نظر أو في يد الموقوف عليه ، مع الإذن منه أو من وليّه أو وكيله ، وهو شرط في الطبقة الأُولى فقط.

ويكفي مجرّد الرضا ، ولا حاجة إلى صيغة ولا لفظ.

ولا مانع من التسليم في مواضع غصب على الأقوى ؛ لأنّ القربة وإن كانت معتبرة في العقد ، لكن الظاهر أنّها ليست كسائر القُرَب المعتبرة في العبادات الصرفة.

ولأنّ القربة لا بدّ من الإذن فيها شرعاً ، فلو قبض المؤمن المملوك أو المصحف أو نحوهما كافر بالوكالة من الموقوف عليه ، بطل على إشكال ، ويحتمل لحوق المخالف به.

__________________

(١) في نسخة انضمّت.

٢٥١

وقبض المسجد الصلاة فيه ، والرباط النزول فيه ، والجسر العبور عليه ، والمدرسة القراءة فيها ، وقد تلحق المطالعة ، والمقبرة الدفن فيها ، وهكذا ، ولا يُشترط فيها الفوريّة.

ولو قبض بعضو محرّم أو آلة محرّمة ، قوي الجواز. ولو جمع بين مقبوض وغيره ، لم يصحّ إلا في المقبوض.

ولو قبضه أو أقبضه لا بعنوان الوقف ، أو قبض ما لم يكن موقوفاً بزعم أنّه منه ، بَطَلَ. ولو قبض الفضولي فأُجيز قبضه في الجميع أو في البعض ، صحّ ما أُجيز ، غاصباً كان أو لا.

ولو نوى القبض عن نفسه بَطَلَ. ولو تكرّرت العقود والقبوض وأُجيز قبضٍ منها ، صحّ عقده. والظاهر الاكتفاء فيه هنا بالتخلية ، وإن لم يكتفِ بها في باب الضمان ، وكذا القول في باب الهبات ، والصرف ، والسلَم ، والمضاربة ، والتفريغ للمانع من الانتفاع شرط في القبض ، ولا ينبغي التأمّل في الاكتفاء بالتخلية في المشترك.

ولو تعدّد الموقوف عليهم ، فقبض بعض دون بعض ، صحّ في خصوص سهم القابض. ولو وقفه على المرتهن ، وكان مقبوضاً في يده ، لم يؤثر قبضه للرهنية ، بل لا بدّ منه ومن الإذن فيه من جهة الوقفية.

والظاهر عدم اشتراط نيّة الخصوصيّة ، من عموميّة ، وخصوصيّة ، وتشريك ، وترتيب. ولو وقفه صحيحاً وقبضه بعد أن صار معيباً ، صحّ ، ولا خيار كالعكس ، ومع تبدّل الحقيقة يقوى البطلان.

رابعها : الرجحان بحسب الدين أو الدنيا ؛ لتحقّق إمكان نيّة القربة بكلّ منهما ؛ لأنّ كلا من الوجهين مراد لربّ العالمين ؛ لأنّه يريد لهم جلب الصلاح ودفع الفساد.

ولا يجب ذلك في سائر الطبقات ، وإنّما يُعتبر في الطبقة الأُولى ، وليس عليه البحث عن غيرها ، ولا يغني الرجحان الذاتي عن العارضي.

فلو كان تركه محظوراً أو مكروهاً بحسب الدين أو الدنيا ، كان صحيحاً ؛ ولو كان

٢٥٢

فِعلُه كذلك ، لم يكن كذلك.

والمراد ما ثبت فيه أحد الوصفين لذاته ، لا باعتبار معارضة ما هو أرجح منه ، وإلا لم تنعقد أكثر الوقوف.

وهو شرط بحسب الوجود ، فلو زعم راجحيّته أو مرجوحيّته ، وكان الواقع على الخلاف ، كان المدار على الواقع. ولو انتقل من الراجحيّة إلى المرجوحيّة بعد وقوعه أو بالعكس ، بقي على حاله ولم يتغيّر حكمه ، ما لم يدخل في قسم المحظور.

ولو شكّ (١) بين ما وقفه راجح ومرجوح ، صحّ في الأوّل ، وبطل في الثاني. ولو حصلت الصفة المنافية للانقعاد بعد الأخذ في العقد قبل إتمامه ، لم ينعقد. ولو حدثت بعده قبل القبض ، قوي احتمال الصحّة.

فلو وقف من كان عليه دين للتخلّص من الغرماء ، وكان من المستثنى في الدين ، أو كان مستطيعاً به لو بقي مالكاً له إلى خروج القافلة ، صحّ. ولو كان بعد الاستطاعة ويلزم عليه بذلك تعذّر الحجّ ، ففيه وجهان.

ولو قصد حرمان الوارث ، فإن كان ممّا تترجّح مساعدته أو تساوي غيره ، قام احتمال الفساد. ولو كان ممّا يترجّح حرمانه كمخالف أو ظالم أو مرتكب الكبائر صحّ.

والظاهر أنّ القربة فيه وفي باقي الصدقات ليست على نحو غيرها من العبادات الصرفة ، والمدار على الرجحان في حقّ الموقوف عنه دون الواقف من وليّ أو وكيل ؛ لأنّ القربة عنه لا عنهم ، فلو كان محظوراً فضلاً عن أن يكون مكروهاً في حقّهم لحصول ما يُنهون بسببه من الصيغة صحّ.

خامسها : قصد القربة ، ولا تغني نية التقرّب بنفس العقد ومعناه ، بل لا بدّ منها بملاحظة العوارض. ولو قصد التقرّب ببعض الموقوف عليهم في الطبقة الأُولى دون بعض ، صحّ في حق المتقرّب به خاصّة. وكذلك إذا تعدّدت الموقوفات ، فقارن القصد

__________________

(١) كذا يحتمل كونه تصحيف : شرّك.

٢٥٣

بعضاً منها دون بعض ، جاء حكم التوزيع في وجه قويّ ، وقد تقدّم الكلام في تفاصيل أحكامها.

سادسها : أن يجمع بين شرائط الصيغة ، والموجب ، والقابل ، والموقوف ، والواقف ، والموقوف عليه ، على نحو ما تقرّر سابقاً ، فمتى اختلّ شرط منها فيه بَطَلَ. ولو جمع بين الواجد والفاقد ، صحّ في الواجد دون الفاقد.

البحث الحادي عشر

في الشرائط الجعليّة الصادرة من المالك أو من نوّابه ، وليست العلّية فيها ، وهي على قسمين : صحيحة وفاسدة.

أمّا الصحيحة :

فهي كلّ ما لم يشتمل على ما ينافي مقتضى العقد أو الشرع ، وهذه يجب الوفاء بها إن رجعت إلى أحوال الوقف وكيفيّاته ؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم ، وهي الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ، ومن هذا القسم اشتراط الناظر على التفصيل السابق.

ومنه اشتراط تعميره من فوائده ومنافعه ، أو من مال عينه الواقف له من نفسه ، مستمرّاً أو لا ، أو من مال الموقوف عليهم ، ويلزمون بذلك مع تحقّق القبول.

وفي هذا لو قصرت فوائده عن أن تكون لها قابليّة الدخول في مصارفه ، رجعت إلى غيره كما يجي‌ء في محلّه إن شاء الله في مقابلة نظارة أو سياسة أو حفظ ، فإنّ الأقوى جوازه.

وفي التزام أهل الوقف بما شرطه الواقف من مالهم إشكال.

ولو شرط لنفسه خلوّ شرط له مجّاناً بَطَلَ ، ولو شرط لنفسه عملاً آخر (١) في حياته أو بعد موته فلا ، ولو شرطها لأرحامه ، أو شرط أن لا ينتفع به إلا في جهة معيّنة صحّ.

__________________

(١) في النسخ زيادة : لا.

٢٥٤

ومنها : ما يتعلّق بالموقوف عليه ، من شرط علمه ، أو صلاحه ، أو قابليّته للانتفاع به (١) ، أو تزويجه ، أو قراءته ، أو قرابته ، إلى غير ذلك ، ثمّ قد يشترط أنّه إذا ذهب الوصف خرج ولا يعود ، وقد يشترط العود كلّما عاد.

ومنها : ما يتعلّق بالموقوف ، فيُشترط فيه استعمال خاصّ ، مع وجود منفعة خاصّة ، أو هيئة أو كيفيّة كذلك وشبهه ، وما يقيّد بالزمان أو المكان ، فيفيد الاستعمال بزمان ومكان خاصّين ، وما قيّدت إجارته بعدد مخصوص ، وقد يضيف إلى ذلك أنّه إذا تعذّر ذلك رجع إلى غيره ، وغير ذلك.

ويجب العمل بوفق الشروط ، فإن تعذّرت لخراب المكان وعدم الإمكان في خصوص ذلك رجع إلى غيرهما. والأحوط مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الحقيقة.

والترديد في الشرط أو شرط الشرط ليس كالترديد في العقد.

ولا يُثمر الشرط سوى الوجوب ، فلو أخلّ به فلا خيار للواقف ، والظاهر أنّه إنّما يقضي بتركه لا باستعمال الوقف.

ولو دخل الشرط في عقد الفضولي ، فأجاز المالك العقد والشرط ، صحّا معاً ، وله إجازة العقد دون الشرط على إشكال.

ولو تعدّدت الشروط ، عملَ بجميعها. ولو كانت من الفضولي ، وجب العمل بما أُجيز منها. ويتبعّض الشرط بتبعّض العقد بالنسبة إلى المبعّض ، ولا تتوقّف صحّة العقد على قبض الشرط.

ومنها : اشتراط أن لا يؤاجر أكثر من سنة ، أو لا تكون الإجارة لشخصٍ واحد ، أو لا يعود إلى مستأجر سابق قبل مضيّ سنتين ، أو لا يؤجر لأعراب ، وهكذا.

القسم الثاني : الشرائط الفاسدة ، وهي ضروب :

منها : ما يُنافي حقيقته ، كشرطٍ يقتضي الانقطاع ، كاشتراط الخلوّ منه في بعض

__________________

(١) في النسخ زيادة : أو عن رسه.

٢٥٥

الزمان ، أو اشتراط رجوعه إلى غير القابل للملك في تمام الطبقة ، أو اشتراط الرجوع إليه وحده في بعض الزمان ، أو اشتراط بيعه أو هبته أو باقي المملّكات ، أو وقفه على غير الموقوف عليهم ، ونحو ذلك ، فإنّ ذلك فاسد مفسد.

ومنها : ما يقتضي القدح ببعض شرائطه ، كاشتراط الواقف البقاء في يده ، وعدم إقباضه ، أو اشتراط دخوله في الموقوف عليهم ، أو اشتراط أن يكون لقرابته.

ومنها : ما يقتضي فساده في بعض الموقوف عليهم ويوزّع بالنسبة ، كشرط دخوله في ضمن الموقوف عليهم. وربّما يُفرّق بين دخوله على طريقة الاشتراط ، وبين دخوله في الضمن فيفسد ويُفسد في الأوّل ، ولا يفسد في الثاني. ونحوه ما إذا أدخل غير القابل مع القابل ، فتضمينه كتضمينه ، وشرطه كشرطه.

ومنها : ما يتضمّن اشتراط فعل حرام أو ترك واجب ، وإنّما قدم عليه عن جهل يُعذر فيه ، أو غفلة بحيث تجامع نيّة القربة ، ولا كلام في فساده ، وإنّما البحث في إفساده.

ومنها : ما يتضمّن رجوع منفعة الوقف إليه في بعض الأزمنة مجّاناً ، طالت أو قصرت.

ومنها : أن يشترط ما يشترطه الواقفون ، فإنّه باطل ؛ لجهالته ، وفي لحوق المعاوضات بذلك ، فإذا شرط بيع ثمرته عليه ، أو شرط أن يكون الأجير على حصاده أو جمعه أو تلقيحه أو حفظه مثلاً ، إشكال.

ومنها : أن يشترط مالاً على الموقوف عليهم خارجاً عن فوائده. ولو شرط أُموراً أُخروية تتعلّق بحياته أو مماته ، فالحكم كما مرّ.

ومنها : أن يشترط قسمة الوقف في غير محلّ الرخصة ، وجميع الشروط الفاسدة مفسدة للوقف في الجملة ، إلا مع ظهور الانفصال ، كاشتراط الناظر.

البحث الثاني عشر : في أقسامه

وينقسم إلى عامّ ، وخاصّ ؛ ثمّ مطلق ، ومقيّد ؛ وتشريك ، وترتيب ، وأقسام

٢٥٦

التركيب كثيرة :

أمّا العامّ ؛ فمنه ما يصرّح فيه بالعموم ، بأن يعلّقه بموضوع ذي أفراد غير محصورة ، كالوقف على السادات ، والمشتغلين ، والعرفاء ، والعلماء ، والفقراء ، والمساكين ، وبني هاشم ، والحسنيّين ، والحسينيين ، وهكذا.

ومنه ما يرجع إليه ، كالوقف على الجهات العامّة من المساجد ، والمدارس ، والمشاهد ، والربط ، والقناطر ، ونحوها ، فإنّه يرجع إلى الوقف على كافة المؤمنين ، بل المسلمين ، بل عامّة المستطرفين.

ومنه مطلق كما مرّ ، ومنه مقيّد ، كأن يقيّد العلماء أو الفقراء أو المدارس أو الربط مثلاً بصنف خاصّ ، أو أهل إقليم خاصّ ، أو بلد خاصّ.

ومنه ما فيه تشريك كما مرّ ، ومنه ما فيه ترتيب ، كأن يرتّب صنفاً من العلماء على صنف آخر ، أو أهل إقليم على أهل إقليم ، أو يقسّم السنين عليهم سنة بعد سنة في وجه قويّ.

وقد يجمع بين العامّ والخاصّ مشرّكاً ، فيقف على الفقراء وعلى آل فلان مشرّكاً ، فيبنى على التنصيف ظاهراً أو مرتّباً. وكذا بين الإطلاق والتقييد ، فيقف على مطلق الفقراء أو على فقراء آل فلان مشرّكاً ، فيحكم بالتنصيف أو مرتّباً.

ويجري في الخاصّ نحو ما جرى في العامّ من الأقسام الثمانية ، ويجري الإطلاق والتقييد ، والتشريك ، والترتيب في الموقوف ، وتتعدد حينئذٍ جهات التركيب (١) في جميع الأقسام ، وبعضها لا يخلو من إشكال.

والعموم والخصوص ، والترتيب والتشريك ، والإطلاق والتقييد ، كما يكون في الأنواع والأفراد ، يكون في الأزمنة ، والأمكنة ، والأوضاع ، وسائر العقود.

ثمّ قد يكون بين المتجانسات ، وبين المختلفات ، فلو حصل الترديد بين العموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، والتشريك والترتيب ، مع التجانس ، قُدّم كلّ سابق

__________________

(١) في «ص» : التراكيب.

٢٥٧

على لاحقه. ويحتمل العكس والتخالف ، وأمّا مع التخالف فيتعيّن التخالف.

ولو صدر في الفضولي إجازة العقد لحقه القيد إلا فيما عدا الأخيرين ، فيحتمل صحّتها في الناقص ، ويجوز التخصيص في المدارس ، والربط ، والمقابر ، والموارد ، ونحوها ، وفي التخصيص بالمساجد إشكال.

والترتيب في الموقوف على معنى أنّه يكون طبقات ، طبقة بعد طبقة ، خصوصاً بالنسبة إلى ذي المواليد ، كالمولود من الحيوان والخارج من الفُسلان (١) ، فيكون ذا قسمين : ترتيب وتشريك على نحو الموقوف عليه غير بعيد ، ومثل جعل الترتيب مقروناً باختلاف الموقوف عليه.

ولو قال : الأعلى فالأعلى ، فالمراد الأعلى ممّا يحبسه فالأعلى ، فيرجع إلى الترتيب ، وكذا الأوّل فالأوّل ، والمقدّم فالمقدّم ، والسابق فالسابق ، ونحوها.

ولا يفيد الترتيب الذكري ترتيباً ، سواء صدر من حكيم وغيره ، وكذا العطف بالواو ، كما في صورة آحاد الجمع ، والجمع بلفظ «مع» أو ما يقوم مقامها.

ويُستفاد من العطف بـ «ثم» و «الفاء» ، وإرادة ترتيب الذكر أو الرتبة خلاف ظاهرها.

ولو جمع بين المتعدّدين مع أحد الأدوات أو خالف فيها ، بني على الترتيب ، على نحو ما ذكر.

ولو قال : على كذا أمر بعد كذا ، أو بعده على فلان ، أفاد الترتيب ، ويفهم ذلك وإن كانت إرادة أنّ المعدوم بعد الموجود غير بعيدة ، وكذا لو قال : واحداً بعد واحد ، أو فرداً بعد فرد ، على الأقوى.

والظاهر من قوله : بطناً بعد بطن ، وظهراً بعد ظهر ، من ظاهر اللغة الترتيب ، وبالنظر إلى العرف إشكال ، لظهورها في إرادة التعميم والاستغراق عرفاً.

ولو قال : بطناً بطناً ، أو ظهراً ظهراً ، أو واحداً واحداً ، لم يفدِ سوى التعميم.

__________________

(١) الفَسِيل : صغار النخل وهي الوديّ ، والجمع فُسلات. المصباح المنير : ٤٧٣.

٢٥٨

ولو قال : على نحو وقف فلان ، وقد علمه ، كان على نحوه ؛ ولو لم يعلمه احتمل الجواز ؛ اكتفاءً بالتعيّن ، والأول إلى التعيين ، فيلحق به في تعميمه وتخصيصه ، وإطلاقه وتقييده ، وتشريكه وترتيبه ، والفساد بالجهالة ، ولا يبعد القول بالصحّة تسامحاً في أمر الشرع ، ويلحق به جميع الشرعيّات من الصدقات وغير الصدقات.

وأظهر في الجواز ما إذا وقف شيئاً على نحو ثمّ غفل عن حقيقته ، وكان مرسوماً في صك يمكن الرجوع إليه ، فوقف شيئاً على نحوه ، ولا ينبغي الشكّ في الاكتفاء بالإشارة مع القرب والضبط.

ولو ردّد بين حالين أو ثلاث أو أكثر من تلك الأحوال فسد.

فلو قال : وقفته على أولادي ، فإن انقرضوا وانقرض أولادهم فعلى المساكين ، احتمل الانقطاع وعدمه.

وحصول الفساد في بعض أفراد العام يخصّه ولا يبطله ، وفي بعض أفراد المطلق يقيّده ولا يفسده.

ولو وكّل في الوقف مطلقاً ، احتمل التفويض ، فيفعل ما شاء ؛ والإبهام ، فيفسد. ولو وكّل مطلقاً صحّ ، وكان الأمر إليه في تعيينها ما يشاء. ولو تعدّد الوكلاء واختلف المتعلّق ، تعيّن المتقدّم ، ومع الاجتماع حاله كحال المقارنة في (١) المتجانس يقضى بفساده.

البحث الثالث عشر : في الأحكام

ولا بدّ فيها من بيان أُمور :

أوّلها : في بيعه

لا يجوز نقل الوقف عن الموقوف عليهم بوقفٍ ولا بيعٍ ولا هبةٍ ولا صُلحٍ ولا غيرها

__________________

(١) في «ح» : وفي.

٢٥٩

من المملّكات ، والانتقال عن حكمهم إلى حكم نفسه بعتقٍ أو انعتاق ، ما لم ينسلخ عن الوقف ، فيدخل في الملكيّات ؛ كما هو الظاهر من إطلاقه ، والمعروف من مفهومه ومصداقه ، ولبنائه على الدوام ، كما قضت به أقوال الأئمّة وأفعالهم عليهم‌السلام.

ولأنّه لو جاز في بعض أوقات بنائه ، لجاز في أبنائه ، (١) ولأنّه متعلّق بالأعقاب ، فبيعه داخل في الغصب والعدوان بلا ارتياب.

فلا فرقَ بينه وبين أن يبيع أحد الشركاء مالاً مشتركاً بينهم ثمّ يتصرّف بالثمن لنفسه ولا ينالون منه شيئاً ، كما يظهر أنّه كذلك من أقوال المجيزين ومن أدلّتهم.

ودعوى الشهرة البسيطة فضلاً عن الإجماع في محلّ المنع ، والشهرة المركّبة لا اعتبار بها ؛ لفقد المظنّة أو ضعفها ، والإجماع في محلّ المنع.

وليس في الأخبار المستَندُ إليها ما يُعتبر سَنده ودلالته معاً ، والّذي يظهر لمن أتقن النظر أنّ الوقف المأذون في بيعه ما كان محبوساً على قومٍ من دون أن يكون داخلاً في اسم الوقف.

فالخروج عن القواعد المحكمة ، وترك ما قضى به العقل والشرع من تحريم الظلم والعدوان ، ثمّ أكل مال الناس بالباطل ، أو ما كان مستحقاً لهم وإن لم يكن ملكاً لهم لمجرّد روايتين أو ثلاثة لا دلالة فيها ، خروج عن ضابطة الفقاهة.

ثانيها : في اضمحلاله

في أنّ ما ينتهي إليه الوقف بنفسه أو بآلاته إلى الاضمحلال ، لعدم إمكان صرف تلك الأعيان فيه أو في وقفٍ آخر ، بمنزلة نماء الوقف ، وفوائده ، فلو خلقت الثياب أو الفرش أو الوسائد أو السيوف أو السهام أو الرماح موقوفة بحيث لا ينتفع بأعيانها ، ولم تبقَ صورة للانتفاع إلا بأثمانها ، وكذلك الأمر في الآلات ، وجميع المتعلّقات في

__________________

(١) كذا في النسخ.

٢٦٠