كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

الثاني عشر : الأرض الّتي استولى عليها الكفّار ، ثمّ انتزعها المسلمون بأيّ نحو كان ، والحكم فيها البقاء على الحال الأُولى.

وبيان حال الأراضي الّتي تسلّط عليها المسلمون يتوقّف على بيان ما علم منها ، وتقرير القاعدة في مجهولها ، فيكون البحث في مقامات :

الأوّل : أنّ ما كان في أيدي المسلمين من الأراضي العربيّة ، والعجميّة ، والهنديّة ، وغيرها ، وجرى عليها خراج أُمرائهم ، واستقرّت عليها أيديهم ، محكوم عليها بحكم المفتوحة عنوة.

والحكم فيها : أنّها يصرف نماؤها فيما به صلاح المسلمين ، سواء فتحت بسيوف أهل الحقّ من المسلمين ، أو أهل الباطل ، في زمان الحضور أو الغيبة.

فإن كانت يد خليفة من خلفاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبسوطة ، كان أمرها إليه ، وإلى نائبه الخاصّ ، يقبلها ، ويؤجرها ، ويبيحها لمن يشاء ، ويصرف فائدتها في مصالح المسلمين ، على نحو ما ذكر.

وإن لم تكن يد الخليفة مبسوطة ، قام النائب العامّ من العلماء الأعلام مقامه ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف إلا بإذنه ، مع قيامه بذلك ، وتيسّر الرجوع إليه.

وإلا رجع الأمر إلى ولاة المسلمين ، الجامعين للجنود والعساكر ، القائمين بالدفع عن بيضة الإسلام ، وعن المسلمين ، يؤجرونها أو يقبلونها ممّن شاؤوا ، ويصرفون حاصلها على العساكر والجنود الحافظة لبيضة الإسلام ، وطرق المسلمين ، والتعدّي عليهم من الظالمين. ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا عن إذنه.

ويجري مثل ذلك فيما يلحق بالمفتوحة عنوة ، وفي الجزية ، ومال الصلح.

ولو توقّف حفظ بيضة الإسلام ، وحفظ المسلمين على أخذ فوائد الأراضي المختصّة بوليّ الأمر ، كان ذلك من أفضل المصارف. ولو عصت طائفة من طوائف المسلمين على رئيسهم ، لم يجز لهم التصرّف من غير إذن المجتهد.

٤٠١

ويجوز أن يؤجر (١) ، وأن يؤدّي كوليّ الأمر مجّاناً على الأقوى.

ويجب على رئيس المسلمين أن يستأذن المجتهد في تصرّفه بأراضي المسلمين ، ونحوها.

المقام الثاني : أنّ يد المسلمين ورئيسهم شاهدة بأنّ أرض الموات الّتي عليها اليد للمسلمين ، وقضت المظنّة بحسب العادة بسبق إحيائها ، وأنّها كانت مُحياة حين الفتح ، وبقيت على هذه الحال أو ماتت بعد ذلك ، فيرجع محياها إلى المسلمين.

والظاهر أنّ كلّ موات في أرض فيها مظنّة الإحياء للمسلمين كافّة لا يملك بالإحياء ، بل يرجع بسببه إلى ملك المسلمين ، ويلزم صرف حاصله في مصالحهم ، ويعطي المُحيي الطسق إلا ما ظنّ سبق مواته ، كرؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، ونحوهما.

المقام الثالث : فيما ظهر حالها من الأراضي

وهي أقسام :

الأوّل : ما ظهر أنّها من مفتوح العنوة ، وهي عديدة :

أوّلها : أرض سواد العراق ، وهي مغنومة من الفُرس ، اغتنمها الخليفة الثاني.

وحدّها في العرض : من منقطع الجبال بحلوان ، إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولاً ، إلى ساحل البحر ببلاد عبادان ، من شرقي دجلة.

وسمّيت هذه الأرض سواداً ؛ لأنّ الجيش لما خرجوا من البادية ، ورأوا سواد شجرها ، سمّوها السواد ، ثمّ بعد فتحها أرسل إليها ثلاثة أنفس : عمّار بن ياسر على صلاتهم أميراً ، وابن مسعود قاضياً ووالياً على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض.

__________________

(١) في نسخة في «ص» : وأن يأذن.

٤٠٢

وجعل لهم في كلّ يوم شاة ، شطرها مع السواقط لعمار ، وشطرها الأخر للآخرين ، وقال : ما أرى قرية يؤخذ منها في كلّ يوم شاة إلا أسرع خرابها (١).

وروى : أنّ ارتفاعها كان في عهد الخليفة الثاني مائة وستّين ألف ألف درهم (٢) ، ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أمضى ذلك ؛ لأنّه لم يمكنه المخالفة ، والحكم بما عنده.

فلمّا كان في زمان الحجّاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم ، فلمّا كان وقت عمر بن بن عبد العزيز ، رجعت في أوّل سنة إلى ثلاثين ألف ألف درهم ، وفي السنة الثانية رجعت إلى ستّين ألف ألف درهم.

وقال : لو عشت سنة أُخرى لأرجعتها إلى ما كانت عليها في أيّام الخليفة الثاني (٣) ، فمات تلك السنة (٤).

واستثنى بعضهم من أرض السواد (الحيرة) مُدّعياً أنّها فتحت صلحاً ، ولم يثبت.

ثانيها : أرض مكّة ، وما يتبعها من قُرى وأبنية وتوابع ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحها عنوة ، ثمّ أمّنهم بعد ذلك.

روي : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأهل مكّة بعد الفتح : «ما تروني صانعاً بكم؟!» فقالوا : أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال : «أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين» (٥) وروي أنّه أعتقهم ، وقال : «أنتم الطلقاء» (٦).

ثالثها : أرض خيبر ، وما يتبعها ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتحها بالسيف ، فقبل سوادها وبياضها ، يعني أرضها ونخلها.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٣ ، منتهى المطلب ٢ : ٩٣٧.

(٢) منتهى المطلب ٢ : ٩٣٧.

(٣) منتهى المطلب ٢ : ٩٣٧.

(٤) كفاية الأحكام : ٧٩.

(٥) الكافي ٤ : ٢٢٥ ح ٣ ، فتوح البلدان : ٥١ ، سنن البيهقي ٩ : ١١٨.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٢ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٨ ح ٩٦ ، وص ١١٨ ح ٣٤١ ، الاستبصار ٢ : ٢٦ ح ٧٣ ، قرب الإسناد : ٣٨٤ ، السيرة النبويّة لابن هشام ٤ : ٥٥ ، الوسائل ١١ : ١١٩ أبواب جهاد العدوّ ب ٧٢ ح ١.

٤٠٣

رابعها : الري ، فقد نقل أنّه فتح عنوة (١).

خامسها : بعض أراضي خراسان ، كما نقل في أراضي نيشابور (٢).

الثاني : ما يظهر أنّها فتحت صلحاً ، وهي ملحقة بمفتوحة العنوة ، لوقوع الصلح غالباً ، على أنّ الأرض للمسلمين ، ولأنّ وضع الخراج ، ويد المسلمين عليها مرجّح لذلك ، ثمّ هي أقسام :

منها : أرض نيشابور من أرض خُراسان في إحدى الروايتين ، وقيل فُتحت عنوة (٣).

ومنها : بلخ.

ومنها : هراة.

ومنها : ترشح ، وتوابعها من أرض خراسان ، قيل : وبعض آخر من المذكورات فتح عنوة (٤).

ومنها : حمى ، وحمص ، وطرابلس ، وأتباعها من أراضي الشام.

ومنها : طبرستان.

ومنها : أذربيجان.

وروى : أنّ دمشق فُتحت بالدخول من بعض غفلة ، بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره (٥) ، وأنّ أهل أصبهان عقدوا الأمان. وقيل : إنّ مكّة فتحت صلحاً (٦).

ومنها : الحيرة في أرض الكوفة على ما قيل (٧).

الثالث : ما يظهر أنّها فتحت بإسلام أهلها طوعاً ، وهي : الطائف على ما نقل (٨) ،

__________________

(١) كفاية الأحكام : ٧٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٧ ، كفاية الأحكام : ٧٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٧.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٧.

(٥) كفاية الأحكام : ٧٦.

(٦) السيرة النبويّة لابن هشام ٤ : ٤٦.

(٧) كفاية الأحكام : ٧٩ ، فتوح البلدان للبلاذري : ٢٤٦.

(٨) معجم البلدان لياقوت الحموي ٤ : ١٢.

٤٠٤

وربّما أُلحق به في بعض الأنقال أرض البحرين (١).

والظاهر إجراء حكم المفتوح عنوة في الجميع ، سوى ما علم في هذا الزمان ، وأنّ التصرّف لا يجوز لأحدٍ في زمان الغيبة ، إلا عن إذن المُجتهدين إن لم يكن سُلطان متوجّه لإصلاح أُمور المسلمين ، وإلا حرم التصرّف بغير إذنه.

وكلّ من يرى في يده شيئاً من الأملاك ، وأمكن أن يكون له جهة مملّكة ، بنى على ملكه.

الفصل الرابع : فيما لا يقسّم من الغنائم

وهو أُمور :

أحدها : المُحياة وقت الفتح من الأرض المفتوحة عنوة بمعنى القهر والغلبة وما في حُكمها من أرض أسلمَ أهلها عليها ثمّ تركوها خراباً. وأرض صولح أهلها على أنّها للمسلمين ، فإنّها تبقى على ملك المسلمين على مرور الأعصار ، حتّى يرث الله الأرض ومن عليها ، مشاعة بينهم ، لا تختصّ بواحدٍ دون واحد ، إلا أن يتصرّف ببعضها ، بجعلها داراً أو حَمّاماً أو مسجداً أو دكّاناً أو بستاناً ونحو ذلك ، فتدخل في حكم الأملاك ما بقيت معمورة ، فإذا خربت رجعت على حالها.

وليس للغانمين فيها خصوصيّة ، ولا لهُم امتياز على غيرهم ، ولا للإمام إلا ما كان له ؛ لدخوله تحت العموم ، أو من سهم الخمس إن قلنا به ، والظاهر خلافه.

ووظيفة الإمام ومَن جاز له الدخول في هذا كرؤساء الإسلام التخيير بين البناء على المقاسمة على نحو ما وقع عليه الشرط مع عدم الخروج عن المُعتاد. ولهُ الإجارة للأرض ، والجعالة ، والصلح عليها بأيّ عوض أراد. وله ضرب الخراج بقدرٍ معيّن من نقدٍ أو جنس ليصرفه في مصالح المسلمين. ويعتبر أن لا يكون خارجاً عن الحدّ المُناسب

__________________

(١) الروضة البهيّة ٧ : ١٣٩ ، فتوح البلدان : ٨٩.

٤٠٥

لها عرفاً ، ويختلف باختلاف الأزمان ، والرغبات ، والأمكنة ، والأوقات.

وقد كانت أرض السواد ، كما نقل قد وضع الخليفة الثاني على كلّ جريب النخل ثمانية دراهم ، وعلى جريب الرطبة والشجر ستّة دراهم ، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين (١) ، وأمضى ذلك عليّ عليه‌السلام في أيّامه.

وعن عليّ عليه‌السلام : أنّه وضع على الجريب من أربعة رساتيق بالمدائن على جريب الزرع الغليظ درهماً ونصفاً ، وعلى الوسط درهماً ، وعلى الرقيق ثلثي درهم ، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم ، ولم يضع على النخل شيئاً ، سوى أنّه جعل شيئاً منه للمارّة وابن السبيل (٢).

والجريب : عبارة عن مائة ذراع طولاً في مائة عرضاً ، عبارة عن عشرة آلاف ذراع باليد الهاشميّ ، قدره أربعة وعشرون إصبعاً عرضاً مكسّرة عبارة عن عشرة آلاف ذراع.

والدرهم : عبارة عن نصف مثقال فضّة صيرفي ، وربع عشر مثقال.

ولرئيس المسلمين أن يفعل ما هو الموافق للقواعد عند أهل الخبرة ، ويصرفه في حفظ بيضة الإسلام والمسلمين ، كما كان وليّ الأمر يفعل ذلك ، والتأسّي به لازم.

ويجوز شراء مال الخراج من السلطان ، والصلح عليه ، وكذا مال المقاسمة ، واستئجار الأراضي.

ثانيها : أرض الأنفال ، وهي مختصّة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قام مقامه ، لا يُشاركهم فيها أحد ، وهي أقسام :

أحدها : قطائع الملوك من الأراضي المنسوبة إليهم.

__________________

(١) نقله الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦ ح ٩٥ ، التهذيب ٤ : ١٢٠ ح ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٥٣ ح ١٧٨ ، المقنعة : ٢٧٥ ، الوسائل ١١ : ١١٥ أبواب جهاد العدوّ ب ٦٨ ح ٥.

٤٠٦

ثانيها : أرض الموات ، كرؤوس الجبال ، وبطون الأودية.

ثالثها : أرض بادَ أهلها ، ولم يعلم لهم أثر.

رابعها : أرض مملوكة ماتَ أهلها ، ولم يبقَ لهُم وارث.

خامسها : أرض جَلا عنها أهلها ، فاستولى عليها المسلمون.

سادسها : أرض سلّمها أهلها طوعاً ، من غير أن يوجف عليها بخيل ولا رِكاب ، كأرض البحرين.

سابعها : أرض خرجت عليها سرية من المسلمين بغير إذن الإمام في أيّام حضوره فاستولت عليها.

ثامنها : أرض مُلكت بالإحياء ، ثمّ ماتت.

وهذه الأقسام مخصوصة بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه عليهم‌السلام ، ولا خمس فيها في وجه قويّ ، فإن حضروا كان الأمر إليهم ، ويفعلون فيها ما شاؤوا.

ومع حضورهم وإمكان التمكّن من أخذ الإذن منهم يجب استئذانهم ، وأن لا يعملوا فيها شيئاً من غير إذنهم.

وإنّما للناس منها حقّ الاستطراق ، والشرب ، والسكنى ، ومع عدم إمكان الاستئذان مع الحضور أو الغيبة يتولاها المجتهدون ، ويؤجرونها ، ويزرعونها ، ويصرفون فوائدها في جهات الطاعات ، وأنواع القُربات ، كإعانة الفقراء ، ومساعدة الضعفاء ، وبناء القناطر والرُّبط ، وغير ذلك.

فإن تعذّر عليهم ذلك ، أذنوا سلطان المسلمين في ذلك. فإن لم يأذنوا في ذلك ، ولم يمكن قيام غيره به ، وجب على رئيس المسلمين ذلك.

وأفضل المصارف وأولاها : بذلها في تقوية عساكر المسلمين والمجاهدين ، الحافظين لبيضة الإسلام ، ودماء المسلمين ، وأعراضهم.

وهذه تُملك بالخلافة ، لخليفةٍ ليد خليفته ، ولا تنقل بملك ، بل تبقى على هذا النحو إلى أن تصل إلى يد صاحب الزمان.

٤٠٧

ثالثها : صفايا الأموال ، فإنّ لوليّ الأمر أن يصطفي لنفسهِ من الغنيمة من الأقسام الخمسة قبل القسمة : الجارية الحسناء ، والفرس الجيّدة ، والدرع الممتاز ، والسيف القطّاع ، والثوب النفيس ، ومحاسن الأموال ممّا يشتهيه ، ويهبه إذا لم يكن فيه إجحاف بالغنيمة ، وليس له ذلك بعد القسمة ، وله الاختيار لما أراد بعد عزل الخمس من الأربعة الأسهم الأُخر.

رابعها : السلب ، فمن سلبَ واحداً من الحربيّين وقت التقابل ، فأخذ ثيابه أو سلاحه أو فرسه الّتي كان راكباً عليها ، مع اشتراط الإمام له ذلك ، أو مع إذنه فيه خصوصاً أو عموماً ، كأن يقول : من قتل شخصاً فله سلبه ، ولا بدّ فيه من بيان شروطه وما يتعلّق به ، وهي أُمور :

أحدها : أن يكون المسلوب ممّن يجوز قتله ، دون من كان من الصبيان أو المَجانين أو النساء ، أو كان شيخاً فانياً.

ثانيها : أن تكون الحرب قائمة.

ثالثها : أن يكون مخاطراً في دخوله بين الكفّار ، أمّا لو كان بعد فرار المشركين فلا اختصاص.

رابعها : أن يكون له نصيب في الغنيمة ، بأن لا يكون مخذّلاً ، ولا مُعيناً على المسلمين.

خامسها : أن لا يكون عاصياً للإمام في دخوله في الحرب.

سادسها : العبد إذا قتل قتيلاً ، استحق سلبه مولاه.

سابعها : أنّ السلب ؛ (١) يخرج من أصل الغنيمة لا من سهمه.

ثامنها : أنّ السلب إنّما يستحقّه القاتل دون غيره.

__________________

(١) في «ح» : التسلّب.

٤٠٨

تاسعها : أنّ السلب يختصّ بالمتّصل دون المنفصل ، فالعبيد والدواب الّتي عليها الأحمال ، والسلاح ، والثياب ، والدراهم ، وغيرها ممّا ليس معه من الغنيمة ، لا يجري عليها حكم السلب.

وما كان يحتاجه في القتال كالدرع ، والجوشن ، والمغفرة ، والخنجر ، والسكّين يُعدّ من السلب.

والمتّخذ للزينة أو غيرها ، كالخاتم ، والتاج ، والسوار ، والطوق ، والهميان للنفقة ، يقوى أنّه من السلب. والدابة الّتي يركبها راكباً بها أو نازلاً عنها قابضاً على لجامها ونحوه من السلب ، دون ما يُقاد خلفه.

عاشرها : أنّه لا تُقبل دعوى القتل استحقاق السلب إلا بالبيّنة ، والاكتفاء بالعدل الواحد لا يخلو من قوّة.

ولو اشترك اثنان في السلب ، وكانت إذن وليّ الأمر عامّة لهما ، اشتركا فيه ، وإن كانوا أكثر من ذلك ، فكذلك على نسبة العدد ، دون القوّة ، من غير فرقٍ بين الاتفاق في الركوب وعدمه ، والاختلاف ، مع اشتراكهما في قبض الشي‌ء الواحد ، ولا بين القابض للأقلّ والأكثر ، ولا بين القابض بيدٍ واحدة أو يدين.

خامسها : الرضح ، وهو تخصيص وليّ الأمر بعض من لم يستحق سهماً من الغنيمة بشي‌ء منها ، على حسب ما يرى من المصلحة من المقدار ، ومن التسوية بينهم وخلافها ، وهو أقسام :

منهم : النساء ، والخناثى المُشكلة ، والممسوحون ممن حضر ليداوي الجرحى ، أو يندب الرجال ، أو يحملوا القتلى ، أو غير ذلك.

ومنهم : العبيد إن جاهدوا ، فإنّهم لا سهم لهم ، ولكن يرجّح لهم وليّ الأمر ما يراه ، مع مراعاة المصلحة في الأصل ، وله المساواة بينهم والاختلاف ، والأولى ترجيح الراجح.

ولا فرقَ في المأذون في القتال وغيره في عدم استحقاق السهم ؛ لكنّ العاصي

٤٠٩

لمولاه لا يستحقّ رضحاً ، والرضح له يعود إلى مولاه.

ولا فرق بين المدبّر ، والمكاتب المشروط ، والمطلق مع عدم تأدية شي‌ء ، وأُمّ الولد ، وغيرهم ، ولو عُتق قبل القسمة أخذَ سهماً.

ويجوز جعل الرضح أكثر من السهم ، والمبعّض يسهم له بمقدار الحريّة ، ويرضح له بمقدار سهم العبوديّة.

ومنهم الكفّار المستعين بهم المسلمون على الجهاد ، فإنّهم لا سهم لهم في الغنائم ، ولكن يرضح لهم على نحو ما تقتضيه المصلحة.

والرضح من أصل الغنيمة ، ولا رضح بين المميّز وغيره ، ولا بين المرتفع وغيره ، حتّى أنّهم لو ولدوا بعد الاغتنام قبل القسمة استحقّوا السهام.

سادسها : ما وضعه وليّ الأمر من الجعائل على حفظ أو رعي دواب أو حمل بعض الأثاث أو السرايا أو غير ذلك ، ويجوز جعله من ماله ، ومن مال الغنيمة ، ومن الأربعة الأخماس الباقية خاصّة ، أو غير ذلك ، فهذا يختصّ به المجعول له ، ويخرج من الأصل.

سابعها : ما يجعل لنفقة الغنيمة من النساء ، والأُسارى ، والحيوانات ، فإنّها تخرج من أصل الغنيمة على مقدار الحاجة ، ووفق المصلحة.

ثامنها : ما يحفظه وليّ الأمر لخوف بعض الحوادث المتوقّفة على بذل بعض الأموال ، وليس هناك مندوحة عن الغنيمة.

الفصل الخامس : في قسمة الغنائم

وفيها مباحث :

الأوّل : في أنّها يتعلّق بها حقوق الغانمين أعياناً أو منافع أو حقوقاً على وجه

٤١٠

الاشتراك بين المجاهدين ، ممّن عدا الخارجين بالاستيلاء ، من دون احتياج إلى نيّة.

ويتعيّن شخصها ومقدارها بعد إخراج ما يخرج منها للمخصوصين بالتسليم ، فكانت فيما بين الاستيلاء والتسليم ملكاً للغانمين من غير تعيين. أو باقية على ملك الكفّار وإن تعلّق بها حقّ الاختصاص. أو منتقلة عنهم ، ومالكها الملك الجبّار ، كالأوقاف العامّة. أو هي ملك بلا مالك إن كان معقولاً. وأوّلها أولاها. كما أنّ نصف الخمس مع اشتراكه بين فقراء الهاشميّين ، والزكاة مع اشتراكها بين الفقراء والمساكين ، إنّما تختصّ بالمعين بالتعيين.

وفي كونه كاشفاً أو ناقلاً وجهان ، أقواهما الثاني ، على نحو الماء المشترك بين أصحاب الدور مثلاً ؛ فيكون مصرف بعض الغانمين ببعض الغنيمة في غير ما استثنيت بعضيّته مستتبع لضمان حصص الباقين ، على نحو تصرّف الشريك.

الثاني : في أنّ البناء على الاشتراك هو الموافق للحكمة المقتضية للمصلحة المانعة عن المفسدة ؛ لأنّه لو كان الحكم مبنيّاً على الاختصاص ، لاشتغل المجاهدون بجمع المال عن القتال ، وعن مُبارزة الرجال ، ولقامت الحرب فيما بين المجاهدين ، واختلّ نظامهم ، وتفرّقت كلمتهم ، ولانحرف الكفّار عنهم ، ثمّ مالوا عليهم ميلة واحدة ، بعد اشتغالهم بجمع المال ، ويكثر الحسد فيما بينهم ، وزادت البغضاء والشحناء كما يُدّعى ذلك فيمن وقعت بينهم الحرب ، ولم يكن بناؤهم على الاشتراك.

الثالث : أنّه لا بدّ من اتّباع سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء الراشدين في القسمة ، للزوم التأسّي بهم في أقوالهم وأفعالهم.

ولأنّ من تولّى الأمر من الخلفاء ، استند في عمله إلى سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولأنّه لو كان طريق آخر أوفق بالحكمة ، وأقرب إلى الصواب ، لمالوا إليه ، ولم يكن لهم عمل إلا عليه.

٤١١

الرابع : أنّ الحكم متمشّ فيما بعد الغيبة وشبهها ، حيث لا يكون للخلفاء يد مبسوطة بالنسبة إلى ما عدا الجهاد للجلب إلى الإسلام ؛ لأنّ ذلك مخصوص بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه عليهم‌السلام ، وبمن نصبوه بالخصوص ، دون العموم.

وأمّا الأقسام الأُخر ، فالحكم فيها أنّه إذا لم يمكن الرجوع إلى الخلفاء الراشدين ، قام المنصوب العام من المُجتهدين مقامهم. وإن عجزوا وامتنعوا عن الإذن ، قام الأُمراء والرؤساء مقامهم ؛ وإلا لانهدم ركن الدين ، واستحلّت الدماء ، والأعراض ، والأموال من المسلمين.

وأيّ مصلحة للمسلمين تُصرف فيها أموالهم أعظم من حفظ دمائهم وأعراضهم ، وأيّ محلّ أولى لصرف مال الأنفال مع غنى ولي الأمر عنه من حفظ بيضة الإسلام ، وحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ، وتقوية مذهبهم.

الخامس : في القاسم

ويتعيّن وليّ الأمر أو نائبه الخاصّ أو الوكيل من أحدهما فيما يترتّب على الجهاد للجلب إلى الإسلام ، وفي الأقسام الأُخر كذلك مع الإمكان.

ومع التعذّر كما في الغيبة ، يرجع الأمر إلى النائب العامّ. ومع عجزه عن القيام بما يصلح النظام ، يرجع الأمر بإذنه مع إمكانها ، وبدونها مع عدمها إلى السلاطين من أهل الحقّ والحكّام.

فلا يجوز لأحدٍ من المهاجرين والمجاهدين ولا من غيرهم تولّي ذلك من غير إذن ؛ فإن تبرّع متبرّع ، مضى مع المصلحة والإجازة ممّن له الاختيار.

وتعتبر في القاسم المعرفة ، وزيادة البصيرة ، والعدالة ، مع فقد الناظر العدل ، وإلا ففي عدالة الناظر كفاية. ويجزي الواحد ، والأحوط مراعاة الاثنين.

ولو تبرّع القاسم بلا أُجرة فلا كلام ، وإن جعل له شي‌ء ، كانَ له الأمر ، وإن أُمر

٤١٢

على الإطلاق ، كان له أُجرة المثل. ولو تعدّد القاسمون ، اشتركوا في الأُجرة ، واقتسموا على قدر عملهم.

السادس : في المقسوم له

لا سهم للعبيد ، والنساء ، والخناثى المُشكلة ، والممسوحين ، والكفّار ، والمعتصمين ، وغيرهم ؛ ولا للمتشبّثين بالإسلام من الغلاة ، والخوارج ، والأقسام الثلاثة من النواصب ، والمشبّهة ، والمجسّمة على الحقيقة ، والمجبّرة ، والمفوّضة في أمر الخلق ، والقائلين بالحلول ، والاتّحاد ، ووحدة الوجود ، ووحدة الموجود ، ونحوهم في وجه قويّ.

ومن كان من أهل الباطل ، ولم يدخل في اسم الكفّار ؛ يقوى دخوله مع أهل السهام. ومن كان مُبعّضاً يستحقّ من السهم ما قابل جزأه الحرّ ، ويدخل جزء الرق في حكم الرضح. ومن زال مانعه قبل الاستيلاء أو بعده قبل القسمة ، فالظاهر دخوله معهم ، ويرضح الوالي لهؤلاء على نحو ما يرى من المصلحة.

ولا رضح للمخذّل ، وهو من يخذّل المجاهدين ، ويسعى في حلّ عزمهم عن الجهاد ؛ ولا للمُرجف ، وهو المخيف للمسلمين ، حتّى يمتنعوا عن الجهاد ؛ ولا لمن كان عيناً للكفّار ، يرسل لهم الأخبار لطمع الدنيا ، وإن لم يكن منهم ؛ ولا للمُحتال الّذي لا يُريد القتال ؛ ولا لمن يرغّب الكفّار على الحرب والنزال ، ونحوهم. ويُعتبر حضور المقسوم لهم أو وكلائهم ؛ وإذا رأى وليّ الأمر فساداً بالحضور ، لم يحضرهم.

السابع : في المقسوم

لا يقسّم إلا ما فيه الاشتراك بين الغانمين ، وأمّا ما كان مختصّاً كالأنفال ، والرضح ، والجعائل ، ونحوها فلا قسمة فيه.

وفي جواز تعيين وليّ الأمر شيئاً معيّناً قبل الأخذ في الحرب لمعيّن أو لجماعة مخصوصة على وجه الشركة غير السلب إشكال.

٤١٣

وبعد الأخذ في الحرب ، ثمّ بعد فراغه أشدّ إشكالاً ، ولا تجوز القسمة في المشترك بينهم ممّا لا يُنقل ، كالأرضين المفتوحة عنوة أو بالصلح ، على أنّ الأرض للمسلمين ؛ لاشتراكها بين المسلمين ، من وجد وقت الغنيمة ، ومن لم يوجد.

ولا يقسم ما كان من المُحرّمات ، كالخمر ، والخنزير ، وآلات الملاهي ، وكتب الضلال ، وإن جاز إبقاء الخمر للتخليل ، وحفظ كتب الضلال للردّ. وكذا جميع ما يتوقّف على التذكية من الجلود ، وما يُعمل منها ، واللّحوم ، والشحوم ما لم يعلم بأنّ المسلم ذكّاه ؛ فما يُعمل من الجلود والعصب للسيوف أو لغيرها من الأسلحة وغيرها محكوم بأنّها جلود ميتة.

الثامن : في مكان القسمة

يستحبّ ترك القسمة في أرض الحرب ؛ حذراً من اشتغال المسلمين بها ، فيجد الكفّار لهم فرصة ، والأولى أن يكون فيما يبعد من أرض المسلمين عنهم.

وينبغي اختيار المناسبة للغنيمة ، فإن كان فيها بهائم من بعير وغنم ، فينبغي اختيار مواضع النبت ؛ وإن كان فيها إبل ، اختير مواضع الشجر ، كلّ ذلك مع كثرتها ، ولزوم طول قسمتها.

وإن كان فيها سبي ، استحبّ اختيار أرض سالمة من الجبال والشجر ؛ خوفاً من هربهم ، وكذلك إذا كانت أجناساً أو نقوداً ؛ خوفاً من السرّاق ، وهكذا.

التاسع : في زمان القسمة

ينبغي تأخير القسمة إلى أن تجتمع الغنيمة ، ولو قسّمت أوّلاً فأوّلاً ، بأن يقسم ما حصل بالمناضلة الأُولى أو اليوم الأوّل ، ثمّ يقسّم ما حصل بالمناضلة الثانية أو اليوم الثاني ، جاز على كراهة.

ولو علم زيادة رغبة المسلمين بذلك ، أو كثرة احتياجهم ؛ إذ لم يكن عندهم ما يموّنهم ، كان ذلك أرجح ، وينبغي أن يكون ذلك بعد إخراج الصفايا لوليّ الأمر ،

٤١٤

والرضح ، والجعائل ، ونحوها.

ولو كانت الجعالة جزءاً مُشاعاً ، فأراد وليّ الأمر انتزاعها بعد القسمة ، بأن يعطي كلّ صاحب حقّ مقدار ما يخصّه ، جاز على إشكال.

وينبغي تأخيرها حتّى يحصل الاطمئنان التامّ من جهة هجوم الكفّار ، وإلى وقت النهار السالم من الثلوج والأمطار.

العاشر : في كيفيّة القسمة

يلزم تعديل السهام بحيث لا يحصل حيف على جانب ، فما كان من المكيل والموزون من المُتجانس ، قسّم كيلاً أو وزناً ، وفي غير المتجانس يُعتبر التعديل ، فإن حصل فيها ، وإلا احتاج أحد الطرفين إلى أن يضمّ إليه ما يبعث على التساوي.

وليس لأحد الغانمين اختيار في تعيين شي‌ء ، بل يبنى الأمر على القرعة بعد التعديل.

ويلزم التقويم فيما يحتاج إلى التعديل ، ويكتفى بقول العدل الواحد ، والأحوط الاثنان.

ولا يجوز التفضيل لبعض على بعض ، إلا مع توقّف حفظ بيضة الإسلام أو ردّ العدوّ عليه.

الحادي عشر : في مقدار السهام

للراجل سهم وإن زاد نفعه على الفارس ، وللفارس سهمان : سهم له ، وسهم لفرسه. ولصاحب الأفراس ممّا زاد على الواحدة ، وإن كثرت ثلاثة أسهم ، لا يزاد ذلك ، وإن بلغت المائة ؛ من غير فرق بين العتيق الذي أبواه عربيان ، والبرذون الّذي أبواه عجميّان ، ولا بين الهجين الّذي أبوه عتيق وأُمه عجميّة ، والمفرق الذي أبوه برذون وأُمّه عربيّة.

٤١٥

ولا سهم للحطم من الخيل ، وهو الذي ينكس ، والقحم ، وهو الكبير الهرم ؛ والضرع ، وهو الصغير ؛ والأعجف ، وهو المهزول ؛ والرازح ، وهو الّذي لا حراك به.

ولو دخل المعركة راجلاً ، ثمّ ملك فرساً قبل الاستيلاء أو بعده قبل القسمة ، أُسهم لها في وجه قويّ.

ولو قاتل فارساً ، ثمّ تلفت فرسه ، أو باعها ، أو أخذها المشركون قبل الحيازة ، أو بعدها قبل القسمة ، لم يسهم لها على إشكال.

ولا سهم للمغصوب مع غيبة صاحبه ، ومع حضوره يُسهم له ، ويكون لصاحبه دون الغاصب. والمترصّد للجهاد يُعطى من بيت المال ، فلو كانوا في السفن وأتوا بخيل ، فلو جُعلت في البرّ أُعطوا لها سهاماً.

ويسهم للمريض مع صدق اسم الجهاد عليه.

الثاني عشر : في الأحكام ، وفيها مطالب :

الأوّل : أنّه لا يجوز التصرّف لأحدٍ بشي‌ءٍ من الغنيمة قبل القسمة ، لا بركوب دابّة ، ولا بلبس لباس ، أو فرش فراش ، ولا بأخذ سلاح ، ونحوها إلا مع الاضطرار.

ويجوز فيما كان من الطعام أو الدهن أو اللحم ، مع ردّ الجلود ، والصوف ، وعلف الدواب ، مع ردّ الزائد ممّا ذكر في الغنيمة.

الثاني : إذا وجد شيئاً من الغنائم في غير محلّ الحرب ، أو فيه بعد التفرّق ، كان له.

الثالث : أنّه لا قسمة إلا بعد إخراج الخمس ، ويجب تسليم نصفه إلى المجتهد بعد غيبة الإمام.

الرابع : أنّه إذا توقّف حفظ بيضة الإسلام ، ودماء المسلمين ، وأعراضهم على ترك قسمة الغنائم ، وصرفها في دفع الكفّار ، صُرِفَت.

الخامس : لو غَنِمَ المسلمون شيئاً ، وعليه علامة مسلم ، دخل في الغنيمة ، إلا أن تقوم القرائن القاطعة على مدلولها.

٤١٦

السادس : أنّه إذا جاء صاحب العين المحترم المال قبل القسمة ، أخذها ، وبعدها يغرم الإمام لأهلها شيئاً على إشكال ؛ وأمّا لو أُخذت بهبة أو سرقة ، ردّت إلى أهلها.

السابع : أنّه إذا غلّ من له سهم مع الغانمين ، لا يجري عليه حكم السارق ، ومن لم يكن له تعلّق معهم يجري عليه حكمه ، وفي أهل الأنفال إشكال.

الثامن : أنّه لا يجوز لصاحب سهم بيعه إلا بعد القسمة وتميّز سهمه ، ويجوز الصلح بعد الاستيلاء ، وفيما قبله إشكال. وحال الرضح والجعائل قبل القبض ، كحال ما قبل الاستيلاء.

التاسع : أنّه تكره التفرقة بين الأُمّ وولدها ، وإن رضيت الأُمّ ، وإن خفّت الكراهة ما لم يبلغ سبع سنين. وفي إلحاق الجدّة إشكال.

والظاهر تمشية الكراهة إلى كلّ مربّية إذا كان منعطفاً عليها ، ولا كراهة في باقي المحارم إلا مع الانعطاف.

ولو باعَ الولد ، وشرط بقاء أُمّه معه ، أو التزم بذلك ، ارتفعت الكراهة ، أو خفّت. ولا بأس بالتفرقة في العتق.

العاشر : أنّه يجوز الاستيجار على الجهاد ، كما يجوز على الرباط ، ما لم يتعيّن على الأجير ، ويأخذ ذلك زائداً على سهمه من الغنيمة. ولو شرط المستأجر عليه كون السهم له ، ففي الجواز إشكال.

الحادي عشر : لا يجب إخراج الزكاة والخمس المتعلّقين بالمال حال الكفر ، وإنّما يجب الخمس من حيث الاغتنام.

الثاني عشر : أنّه يجب إخراج الخمس قبل قسمة الغنيمة ، ولو كان الصلاح في أن يؤخّر بعد القسمة ، ثمّ يخرج من كلّ سهم خمسه عمل عليه ، ولا يجب إخراجه من الرضح والجعائل على إشكال.

الثالث عشر : أنّه لو وضع صاحب السهم سهمه الّذي اختصّ به بعد إخراج الخمس في تجارة أو صناعة أو زراعة ، فاجتمعت في فوائده شرائط الخمس والزكاة ، وجب إخراجهما ، ووضعهما في محالّهما.

٤١٧

خاتمة

وفيها مباحث :

الأوّل : في أحكام الارتداد

وفيه مقامان :

أحدهما : فيما يتحقّق به الارتداد

الارتداد بالمعنى المُتعارف : الكُفر بعد الإسلام ، كما أنّ الارتداد الإيماني هو الإتيان بما يُخرج عن الإيمان.

وحيث كان الإسلام عبارة عن الاعتقاد بمضمون كلمتي الشهادة ، وهي : «أشهد أن لا إله إلا الله ، ومحمّداً رسول الله» ، أو مع قولهما ، وكان مقتضى ذلك الاعتراف بجميع ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثبت عنه ضرورة ، ترتّب الارتداد على نقض الإسلام بإنكارٍ ، أو جحودٍ ، أو نفاقٍ ، أو شكّ ، أو عناد.

أو إنكار ضرورة في حقّ الواجب تعالى ، أو نبيّه ، أو المعاد.

أو إنكار ضروريّ من ضروريّات الدين ، كاستحلال ترك الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، أو صوم شهر رمضان ، أو شرك ، أو كُفر نعمة.

أو هتك حرمة بقولٍ ، كسبّ لله ، أو لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لخلفائه الراشدين.

أو فعل ، كإلقاء القذارات في الكعبة ، أو عليها ، أو على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو على القرآن ، أو وضع الأقدام عليه ، أو على أحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخفافاً ، وكذا فعل جميع ما يقتضي الاستخفاف بالإسلام.

ولا حكم بصدور ما يقضي بالردّة من الصبي ، والمجنون حال جنونه ، والنائم ، والغافل ، والساهي ، والغالط ، والجاهل بالموضوع أو الحكم ، والمجبور ، والمغمى

٤١٨

عليه ، والسكران وإن كان عاصياً في سكره ، والغضبان الخارج عن الاختيار.

ولو صدر قول أو فعل باعثان على الردّة من دون علم بحاصل ما يراد منهما ، فلا ردّة ، وكذا إذا ادّعى شُبهة أو تقيّة مع قبول احتمالهما عند العقلاء ، أو حصل معه غضب أخرجه عن الاختيار ، درأ عنه.

ولو علق السبّ بما يراه عند الله تعالى من أب أو أُمّ أو ولد أو زوجة وهكذا ، أو علّقه بمالا يقضي سبّه بارتداد ، كأُمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو زوجته ، فإن قصد بسبّ المضاف سبّ المضاف إليه ، كما هو المتعارف ، كان ارتداداً ، وإلا كان عاصياً ، ويعزّر لسوء الأدب ، وإن كان هازلاً.

ولا فرق في كلمة السبّ بين أن تكون عربيّة ملحونة أو لا. ولو قصد السبّ بلفظٍ لا يفيده زاعماً إفادته ، كان ساباً.

ولو صدرت بعض كلمة الردّة حال الكمال ، وأتمّها حال النقص ، لم تكن ردّة ؛ وفي العكس إشكال ، كما أنّ كلمة الإسلام لا تقبل منه في تلك الأحوال ، وكذا لا تقبل عقوده وإيقاعاته في تلك الحال.

وتقبل دعواها منه ، مع قيام الاحتمال المرضيّ عند العقلاء.

ويثبت بالإقرار ولو مرّة ، ويقبل منه التنزيل ، مع احتمال التأويل ؛ وبشهادة العدلين عند الإمام أو نائبه الخاصّ أو العام. ولو كذّبهما لم يسمع تكذيبه. ولو وجد للإقرار وجه محتمل في نظر العقلاء ، لم يكن مثبتاً.

ويعتبر ثبوت عدالتهما عند الحاكم ، ولا يكفي الثبوت عنده ، ولا عند غيره.

ولو عُرضت على المسلم كلمة الشهادتين ، فأبى عن النطق بها ، لم يحكم عليه بشي‌ء إلا مع القرينة.

ولو نسب إلى الله بعض الصفات المستلزمة للحدوث ، كالجسميّة ، والعرضيّة ، والحلول ، والاتّحاد ، والكون في زمان أو مكان عامّين أو خاصين ، أو الأكل ، أو الشرب ، أو اللبس ، أو الفرش ، أو الغطاء ، أو الرؤية ، أو اللمس ، أو الظلّ على وجه الحقيقة ، أو الأُبوّة ، أو البنوّة أو الزوجيّة ، ونحوها ، وأراد لوازمها ، حكم بارتداده.

٤١٩

ولو أسند إليه الظلم حالاً ، دخل في حكم فاعل الكبيرة ، يُستتاب ثلاثاً أو أربعاً ، ويقتل ، ومع الهزل يعزّر للتجري.

ولو وقعت كلمة الردّة من اثنين فما زاد ، لم يحكم على واحد منهما بشي‌ء ، وإنّما يحكم بتنجيسهما فيما يقضي بدخولهما معاً فيه ، ويحتسبان بواحد في عدد الشهادة ، والجمعة ، والجماعة.

والاثنان على حقو واحد إن علم تعدّدهما ، اختصّ الارتداد بصاحبه ، وإلا كانا مرتدّاً واحداً.

وإنكار الكتب المنزلة من السماء ، وجملة الأنبياء والأوصياء السابقين ، وخصوص ما قامت الضرورة على نبوّتهم كنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونحوهم يقضي بالارتداد.

ولو خيّر بين القتل والردّة ، واختار الردّة ، فلا شي‌ء عليه ، ووافق ظاهر الشرع ، وإن اختار القتل عليها أخطأ ، وأجره على الله.

ولو ردّده الجابر بين ردّتين ، كبرى وصغرى ، فاختار الأخيرة ، أصاب ، وإلا عصى ، وفي احتسابه مرتداً إشكال. وإن أمكنه قصد خلاف الظاهر بالتورية ، وجب.

المقام الثاني : في أحكامه

المرتد : إمّا فطريّ ، قد انعقدت نطفته من مسلم أو مسلمة حال إسلامها مبدأ إنسان سبق كفره حال الاتصال أو الانفصال ، قبل البروز أو بعده ، قبل الوصول إلى الرحم أو بعده قبل الانعقاد.

وإن تعقّب إسلام أحد الأبوين الانعقاد لم يقضِ بالفطريّة ، وإن كان حال الحمل على إشكال ، وجعل مدار الفطريّة على بقاء صفة الطبيعيّة بعيد.

ويُقابله الملّي ، فمن انعقد من كافر أسلم بعد بلوغه ، ثمّ ارتدّ ، أو أسلم أحد أبويه بعد انعقاده قبل بلوغه ، ثمّ ارتدّ ، كان ملّياً.

ثمّ الوصفان إمّا أن يكونا في ذَكَرٍ معلوم الذكوريّة ، أو أُنثى كذلك ، أو مشتبه الحال

٤٢٠