كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

كتاب العبادات

 الداخلة في العقود وما يتبعها من الملحقات

وفيه أبواب :

الباب الأوّل : في الوقف

وفيه أبحاث :

الأوّل : في حقيقته

الوقفُ : هو الحبس ، ومأخذه من الوقوف بمعنى القيام بلا حركة في مقابلة المشي ؛ لأنّه يحبس المال عن تصرّف صاحبه ، أو صاحبه عن التصرّف فيه.

ويُستعمل في الشرع على وجه الحقيقة بطريق الوضع الابتدائي والهجري ، أو على وجه المجاز المرسل ، لعلاقة الكلّ والجزء ، أو الإطلاق والتقييد ، على اختلاف الوجوه للحبس الخاصّ ، أو لما دلّ عليه من الألفاظ المعتبرة في صحّته أو مطلقاً ، أو للدليل والمدلول على وجه الاشتراك اللفظي أو المعنوي على بُعدٍ ، أو الحقيقة و؛ (١) المجاز.

__________________

(١) في النسخ : أو.

٢٢١

ومن مقوّماته على الأقوى : اعتبار القُربات ؛ لاحتسابه من الصدقات ، وظهوره من كلام أهل اللّغة (١) ، والرّوايات (٢) ، وفي الاستناد إلى الأصل وجه قوي (٣) ، لا يخفى على ذوي الفضل.

ومن جملة المقوّمات : اعتبار الدوام على مرّ الأوقات ؛ إذ بدونه يكون من المحبوسات لا من الموقوفات ، وهو مُعتَبر في الحبس ، دون المحبوس ، ودون آحاد المحبوس عليه (٤) ، ونقله إلى ثالث خارج منه (٥) مخرج عنه ، كإضمار نقله ببيعٍ ونحوه ، أو غيره من النواقل ولو بطريق المجاز.

وما وُضِع على الانقطاع ، أو توقّفَ الانتفاع بمنفعته على الفناء ، كالمطعوم والمشروب ، أو على الزوال بنذر وشبهه ، أو على التزلزل بخيار أو شفعة ونحوهما ؛ لا يصحّ فيه.

وهو من الأحكام القديمة الّتي جرت عليها الشرائع السابقة في وضع الكنائس ، والبِيَع ، والمساجد ، والربُط (٦) ، والموارد ، والكتب ، والمماليك ، ونحوها.

وهو محرّر لرقبة العقار وغيره على نحو تحرير العبد والجوار ، فإنّه ناقل للعين ، مسلّط على المنفعة ، كالعتق للعتيق المشروط عليه الخدمة.

وهو بقسميه عامه وخاصه مفيد للاختصاص دون الملك ، فإنّه لله. والقول بانفصال الملك في القسم الثاني ، الموقوف عليه ، غيرُ بعيد ، كما مال أعاظم الفقهاء إليه (٧) ، وإن كان الأقوى خلافه ، وجريان الأحكام فيه على نحو جريانها في الوقف العام ، وفي متعلّقات النذور ، فإنّ الأقوى خروجها عن ملاكها ، ورجوعها كباقي

__________________

(١) انظر المصباح المنير : ٦٦٩.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٢٩٢ أبواب الوقوف ب ١.

(٣) كلمة «قوي» : غير موجودة في «ص».

(٤) في «ح» : ودون آحادها.

(٥) في «ح» : منه.

(٦) الرباط : الموضع الذي يبنى للفقراء مولّد ، ويجمع في القياس رُبُط بضمّتين ورباطات. المصباح المنير : ٢١٥.

(٧) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٥٣٩ المسألة ٣ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ١٧٢.

٢٢٢

الكائنات إلى من بيده أزمّة الأُمور ، وملك الفوائد والمنافع ليس بمقتضى لملك العين ، ولا مانع.

وفي ذلك دفع لمنافاته ، لقولهم عليهم‌السلام : «الناس مسلّطون على أموالهم» (١).

ولا يبعد دخول التقييد بالصحّة في معناه ، لقُربه من العبادات بدخول القُربة ، كما أنّ القصود الاتي تفصيلها لا يبعد بعد إمعان النظر دخولها.

البحث الثاني : في صيغته

وقد يكون معنى ثانياً له ، فيقابل باقي الصيغ ، كما قابل معناه معانيها ، ولا بدّ من صيغة يحكم بدخولها تحت مدلوله ، أو دخوله تحت مدلولها ، إمّا من دون ضميمة لصراحتها فيه ، كوقفتُ وقد يقال فيها : «أوقفتُ» في الإيجاب ، و «قبلتُ ، ورضيتُ» في القبول ، حيث يلزم الإتيان بها. وقد يقال : بأنّ في المسجديّة ونحوها لا تحتاج إلى قبول.

أو مع ضميمة تجعلها بمنزلة الصريحة ؛ لقُرب معناها بدونها ، فيزداد بها قرباً كـ «سبّلت وتصدّقت» في الإيجاب ، و «أجزت ذلك وأمضيت» في القبول ، فيكتفى بها بشرط أن يكون مع القرينة الصريحة ، وفي الاكتفاء بقرينة الحال إشكال. وفي لفظ «حرّمت ، وملّكت ، وقبلت التحريم والتمليك» معها بحث.

ولا يصحّ بالألفاظ البعيدة عن مدلوله : كبعت ، واشتريت ، وآجرت ، واستأجرت ، ووهبت ، واتّهبت ، ونحوها ، ولو مع القرائن المصرّحة.

ولو بدّل ضمير المتكلّم بضمير المخاطب أو الغيبة ، قوي البطلان. ولا بدّ فيها من الماضوية ، وإرادة الإنشائية ، فلا تجزي صيغة المضارع ، ولا الصيغة الأمرية ، وتجزي الجملة الاسميّة بلا قرينة في الصريحة ، ومعها في غيرها ما يلزم مقامها معها.

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ح ٩٩ ، وص ٤٥٧ ح ١٩٨ ، وج ٢ : ١٣٨ ح ٣٨٣ ، وص ٢٠٨ ح ٤٩.

٢٢٣

والأولى الاقتصار على قول : «هذا وقف» ، دون قول : «هذا موقوف» ، ولا يجزي فيهما قول : «نعم» في جواب من قال : هل وقفت؟ أو هل قبلت؟ ولا لفظ الخبر ، مع إرادة الخبر ، ولا كلّ ما شُكّ في دخوله تحت المصداق ولو تبانا قُدّم على وضع لفظ له في الابتداء أو بسبب الهجر بعد عصر أهل اللغة.

ولو أتى بها بصيغة عربيّة محرّفة ، أو عجميّة ، أو يونانية ، أو سريانية ونحوها جامعة للشرائط السابقة ، صحّ.

ولا بدّ من تأخّر القبول عن الإيجاب ، وعدم الإتيان بشي‌ء منه ولو بحرف حتّى يتمّ الإيجاب ، وليس سكوت الوقف بمنزلة الحرف.

ولو اختلف الطرفان الفارسيّة والعربيّة مثلاً ، قوي الإجزاء ، وهو شرط بالنسبة إلى الطبقة الأُولى.

ولو عجز عن الألفاظ الصريحة مباشرة ، جاز له الإتيان بغيرها ، ولم يجب عليه التوكيل ، ويلزمه تحرّي الأقرب فالأقرب.

ولو عجز عن اللفظ ، أجزأت الإشارة مع الكتابة وبدونها ، ولا تجزي الكتابة إلا مع تعذّرها ، ولو اختصّ العجز بجانب أو ببعضه ، اختصّ الجواز به.

ولو أمكن تحصيل القدرة من حينه من دون فوت غرض ، تعيّن عليه التعلّم. ولو طرأ العجز في الأثناء ، كان لكلّ حكمه.

والظاهر أنّه يغتفر (١) في الثواني ما لا يغتفر (٢) في الأوائل ، فلا حاجة إلى الصيغة في التوابع من النماء ونحوه مع اشتراط وقفيّته ، بل يقال بالنسبة إلى كلّ شرط.

ويُشترط فيها عدم الفصل المخلّ بينهما ، وعدم تفكيك الحروف ، حتّى تخرج عن الهيئة العربية ، وليس فصلُ السعال ، والتثاؤب ، والتنفس ، وكلّ اضطرار عارض مُخلا ، ما لم تذهب الصورة.

ولو جاءتا بالصيغة بوجه محرّم كصوت رقيق لطيف من غير محرم ، أو مشتمل

__________________

(١) في «ص» : يفتقر.

(٢) في «ص» : يفتقر.

٢٢٤

على الترجيع ، داخل في مصاديق الغناء ، أو في صلاة الفريضة ، أو غير ذلك قوي القول بالصحّة ؛ لأنّ التقرّب بالمعنى لا ينافي العصيان بالتلفّظ ، على إشكال. ولو رفعا الصوت زائداً على المتعارف ، كان احتمال الصحّة فيه أقوى ممّا تقدّمه.

وجميع ما تقدّم تستوي فيه صيغ العقود ، وفي الوقف أشدّ اعتباراً ؛ دخول القربة فيه.

واعتبار الإيجاب والقبول القوليين في الوقف الخاصّ قويّ ، والقول بالاكتفاء بالفعلي في القبول لا يخلو من وجه ، وفي العام يكتفي بالقبول الفعلي ، والقول بعدم الاحتياج إلى القبول مطلقاً لا يخلو من وجه.

وذو الرأسين لبدنين على حقوٍ واحد لواحدٍ إن علمت أصالتهما ، اكتفي بلسان أحدهما ؛ وإذا علمت زيادة أحدهما ، أو كانت محلّ شكّ ، أجزأ الواحد منها على الأقوى. ولا سيّما على القول بأنّ صدق المشتقّ يتحقّق بالخلق والفعل دون القيام.

ولو توزّع الإيجاب أو القبول على اللسانين ، فالظاهر البطلان في الجانبين. ولو خاطبه اثنان أحدهما موجب والأخر قابل ، فأوجب بلسان وقبل بلسان صحّ العقد.

ولو كان وليّاً أو وكيلاً لاثنين ، فأوجب بلسان عن أحدهما وقبل بلسان ، صحّ ؛ وربّما كان الأمر فيه أسهل من غير مكان.

ولو جوّزنا عليه وقوع النيّتين ، لأنّه ذو قلبين وإن كانت اليقظة والنوم فيهما متلازمان ، أو نوى القربة في أحد القلبين دون الأخر ، صحّ. ولو نوى في الأخر ما ينافيها ، فالمسألة ذات وجهين.

البحث الثالث : فيما يتعلّق بمطلق المتعاقدين

وهو أُمور :

أحدها : قصد اللفظ منهما جنساً ، ونوعاً ، وصنفاً ، وشخصاً ، وإن حصل الجميع دفعة ؛ فلو ألقياه عن جنون أو صبا مانعين عن الإدراك ، أو غلط ، أو سهو ، أو سُكر ، أو إغماء ، أو دهشة ، أو جوع ، أو عطش ، أو مرض ، أو همّ ، أو فرح ، أو جبر سالبة

٢٢٥

للإدراك ، مخرجة عن الشعور ، لم يصحّ.

ولو قصد لفظاً فجاء بغيره فسد. ولو قصد بعضاً منه في إيجاب أو قبول ، أو بعضاً منهما أو من أحدهما ، فسد الفاقد وصحّ الواجد وأتمّ إن لم يترتّب خلل من جهة الفصل.

ولو قصد لفظاً من ألفاظه فجاء بغيره منهما ، قام احتمال الصحّة ، والأقوى البطلان. ولو كرّر اللفظ مراراً مردداً في القصد ، بطل ، مجّاناً كان أو لا.

ولو عيّن الجميع صحّ الأوّل ولغا الثاني ، ولو قصد المجموع إشكال.

ثانيها : بناء كلّ منهما على قصد صاحبه ، فلو علم أحدهما بعدم قصد صاحبه بطل وإن كان في الواقع قاصداً ؛ لأنّ حقيقة قصده موقوفة على قصده ، ويكفي في معرفة قصده ظاهر الحال ، وبناء المسلم على الوجه الصحيح في الأقوال والأفعال.

ثالثها : قصد الإنشاء في تحصيل مضمون العقد ، فلو قصدا أو أحدهما إخباراً أو إنشاء من غير ذلك من ترجّ أو تمنّ أو دعاء أو نحوها بطل.

ولو قال : وقفت هذا الإبل ووقفت ذاك ، ولكن قاصداً للإنشاء ، صحّ.

رابعها : قصد الدلالة ، فلو زعم الإهمال وأتى به بطل ، وإن كان موافقاً غير مهمل ، ولا تجب معرفة الدلالة التفصيلية ، ويكفي في مقاصده المعجم بالنسبة إلى صيغ المعرب ، وبالعكس القصد الإجمالي ، ولا حاجة فيه إلى التفصيل.

خامسها : قصد المدلول ، بأن يقصد استعمال اللفظ في معناه ، فإن قصد اللفظ والدلالة ، ولم يقصد خصوص المدلول ، أو ردّه في المدلول مع اتحاد الصيغة أو تعدّدها ، بطل ، ولو قصد بلفظ معنييه ، أو مجازيه ، أو حقيقته ومجازه على وجه الترديد ، بطل.

سادسها : قصد التأثير من الصيغة المعيّنة ، فلو ألقاها من دون قصد ، أو مع قصد حصول من غيرها بَطَلَ. ولو أوقع الصيغة معلّقاً لها بما يحتمل التأثير احتياطاً في تحصيل المطلوب ، صحّ.

ولو قصده مردّداً بين الألفاظ المتكرّرة فَسَدَ. ولو كرّر وقصد التأثير بالجميع ، صحّ

٢٢٦

ما تقدّم ، ولغا ما تأخّر ، وفي العقد بالمجموع إشكال.

سابعها : قصد الأثر وطلبه وإرادته ، فلو قصد التأثير من دون إرادة منه لما يترتّب عليه من الأثر ، لم يصحّ. والمراد بقصد التأثير والأثر العرفيان ، لا الشرعيان ، حتّى لو صدر ممّن لا يعرف المسائل الشرعية كان صحيحاً.

ثامنها : قصد كلّ منهما في خطابه شخصاً معيّناً بالاسم أو الإشارة ، فلا يجزي قصد المبهم ، وفي الاكتفاء بالتعيّن مع الأوّل إلى التعيين وجه.

وهذه القصود بجملتها تُعتبر فيها المقارنة ، فلو وقع إيجاب أو قبول أو بعض منهما أو من أحدهما خالياً عنها أو عن بعضٍ منها بَطَلَ.

وهي جارية في جميع العقود الجامعة للإيجاب والقبول ، وفي إيجاب الإيقاعات ، ويجري مثلها إلا ما شذّ في العبادات.

ولو قصد بإجرائها الاحتياط في تحصيله صحّ.

تاسعها : أن يكونا أصليين (١) ، أو وليّين ، أو وكيلين ، أو مختلفين ، فمن كان خارجاً منهم وتولّى طرفاً من الطرفين ، كان فضولياً فيه ، وإن تولاهما كان فضوليّاً فيهما.

ومن كان ذا وكالة مقيّدة وأهمل القيد ، أو ذا ولاية لكلّ غائب فعقد حيث لا مصلحة مثلاً ، دَخَلَ في قسم الفضولي.

ومثل ذلك صاحب المال المحجور عليه لَفلَس أو سَفَه أو رِهانة أو حقّ مقاصّة أو نحو ذلك.

ثمّ صحّة الفضولي في هذا الباب ، وفي كلّما يدخل في قسم العبادات الصرفة أو الداخلة في المعاملات لا تخلو من إشكال لو (٢) كان من غير الغاصب ، وأمّا فيه فالإشكال أشدّ.

وإذا عقد الوقف عن المالك فالإشكال فيه أضعف ممّا إذا عقد لنفسه ، وإذا عقد لنفسه زاد الإشكال ؛ لبُعده عن تحقّق القربة فوق ما سبق. وعلى فرض صحّته تتضمّن

__________________

(١) كذا في النسخ ، والأنسب : أصيلين.

(٢) في «ص» : ولو.

٢٢٧

الإجازة أمرين : ملكيته لتوقّف الوقف عليها ، وثبوت الوقف عنه.

ولا يبعد القول بأنّ صحّته هنا أقرب من صحّته في غيره من العبادات ، كالأخماس ، والزكوات ؛ نظراً إلى أنّ القربة هنا ليست كباقي القربات ، ولدخوله في قسم المعاملات.

وفي استحقاق الوليّ أو الوكيل الأُجرة مع إطلاق الأمر وعدم ظهور التبرّع من خارج ، وجه قريب.

عاشرها : تعيين النائب ، فلو كانت الولاية على متعدّدين ، أو الوكالة كذلك ، لزم تعيين من عقدوا عنه بالاسم أو الإشارة ، ويكفي الأول إلى العلم اليقيني (١).

ويجري الحكم في الوكلاء عن الوكلاء ، فلو وقفوا حصّة مشاعة تصلح أن تكون لأداء متعدّدين لو قبلوا عن واحد من المنوب عنهم ولا تعيين ، ولا أوْلَ إلى التعيين ، بطل الوقف. ولو عيّن ما زعم أنّه غيره فأصابه ، فالأقوى البطلان.

حادي عشرها : سماع كلّ واحدٍ منهما ما أوقعه صاحبه ، أو علم الصدور بالقرائن على وجه الفور مع العجر ، فلو علم الصدور لا من طريق السماع مع القدرة عليه ، بطل على إشكال.

وفي لزوم الاستماع بالإصغاء وجه قوي.

ثاني عشرها : قصد كلّ منهما إسماع صاحبه أو إفهام ما يوجهه إليه ممّا يقوم مقام اللّفظ ، فلو استرّ بالخطاب فوافق السماع ، فلا عبرة به ، على تأمّل. ويُعتبر في جميع ما مرّ مقارنته ، فكلّ ما كان مفصولاً لم يكن مقبولاً.

ثالث عشرها ، رابع عشرها ، خامس عشرها ، سادس عشرها ، سابع عشرها ، ثامن عشرها : البلوغ ، والعقل ، واليقظة ، والتذكّر ، والصحو ، والإفاقة ، والاختيار ، والشعور ، فلا يصحّ ممّن فقد شيئاً منها.

فلا يصحّ من غير البالغ ، مميّزاً أو لا ، بلغ عشراً أو لا ؛ ولا من المجنون ، إطباقيّاً أو

__________________

(١) في «ص» : التعيين.

٢٢٨

أو أدواريّاً حال الجنون ، أصالة وولاية ووكالة وفضولاً ؛ فلو صادف (١) أحد الطرفين أو بعض منهما أو من أحدهما أحد النقصين ، وَقَعَ باطلاً.

ومع الشكّ في عروض الجنون يبنى على العقل ، وفي عروض البلوغ يبنى على الصبا ، وكذا في عروض كلّ كمال ونقص. وإذا حصل الشكّ في الوقوع حال النقص أو الكمال ، فإن كان حين العقد ولم يعتضد أحدهما بأصل ، بني على الفساد ، وأصالة صحّة العقد لا تثبت صحة العاقد.

فلو تقدم له حالان : حال عقل ، وحال يعتوران على الدوام ، وشكّ فيه ، بني على الفساد. وإن كان بعد التفرّق والدخول في حال آخر ، بني على الصحّة ، وقد يُستفاد من قوله : «إذا شككت في شي‌ء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» (٢).

والخنثى المشكل والمثقوب الّذي لا يعلم حاله يبنى في بلوغ العدد فيهما على حكم الذكر.

ولو كان لأحدهما وكيلان : ناقص لم تصحّ وكالته ، وكامل ، ووقع الاشتباه في مصدره ، بني على الصحّة على إشكال.

ولو وقع شي‌ء منهما مرّةً حال الكمال ، ومرّة حال النقصان على وجهين مختلفين ، ولم يتميّز أصلاً ، احتمل الحكم بالبطلان ، والأقوى القرعة ، وجميع ما ذكر من شرائط الوجود ، فلا يغني العلم فيهما عن الواقع.

البحث الرابع : فيما يتعلّق بخصوص الموجب

وهو أُمور :

أحدها : نيّة التقرّب بإيقاع الصيغة وقصد معناها وتأثيرها وأثرها على وجه يترتّب عليها الأثر الأُخروي مع إيمانه في أحد الوجهين ، ومع الاكتفاء بالصورة مع عدمه.

وهي شرط بالنسبة إلى الأصيل ، والولي ، والوكيل ، والفضولي على الوجه

__________________

(١) في «ص» : صادق.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ح ٤٧ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

٢٢٩

القويّ ، فلا يكفي اقترانها بالإجازة. ولو جاء بها الأصيل ، وقام بالصيغة الوكيل ، لم يجز في وجه قوي. ويحتمل الإجزاء مع المقارنة ، وتُشترط فيها ، فلو أتى بها متقدّمة منفصلة أو متأخّرة جاء الفساد.

والوجه عدم اعتبار الوجه ، كما في سائر المعاملات الّتي أُريد بها الثواب ، على القول باعتبار الوجه في غيره.

ولا بدّ من تعيين جهة الوقف فيها في العموم والخصوص والتشريك والترتيب ونحوها ، فلو ردّد فيها لم يصحّ.

ولو أطلق ثمّ عيّن ، فلا تبطل (١) الصحّة. ولو حصل الشكّ في تعيين المراد من الصيغة المتقدّمة ، بني على الأقلّ من كلا القسمين. ولا يُنافيها هنا من جهة الصيغة بحسب غصب مكان أو الات أو لسان أو قلب أو محلّ ، كصلاة ونحوها.

ولو نوى جهةً فليس له العدول إلى غيرها بعد الشروع في الصيغة حتّى يُعيد ما أتى به معها.

ونيّة القطع أو الإبطال أو الترديد بعد تمام الصيغة قبل الإقباض من الطرفين أو في أثنائهما لا تقتضي فساداً. وقبل الشروع في العقد يقوى كونها مُنافيةً لها.

وكذا في مسألة العُجب والرياء من الموجب المقارنين لا المتأخّرين ، ومسألة التبعيض ، ومسألة اختلاف المراتب باختلاف الجهات ، وهي ثمرة تقدّم بحثها.

ثانيها : قصد الدوام من الوجوه (٢) ، فلو قصد الانقطاع عالماً أو جاهلاً أو خلا عن قصده بطل ، وإن كان ممّا لا ينقطع.

ثالثها : أنّه يجوز له إدخال نفسه (٣) في الوقف إذا كان مأذوناً بالخصوص أو العموم على وجه يشمله من الواقف أو من الشرع ، وليّاً كان أو وكيلاً.

ولا ينبغي التأمّل في الشمول مع إرادة الجهة ، وفي غيرها كقوله : قف على أهل بلد

__________________

(١) كذا في النسخ والأنسب : تبعد.

(٢) كذا في النسخ والأنسب : الموجب.

(٣) في «ح» : نفيه.

٢٣٠

كذا ، وعلى بني تميم ، وهو داخل فيها إشكال. والأقوى في مثله الدخول.

ولو أطلق الأمر بالوقف ، كانَ الأقوى عدم جواز إدخال نفسه. ولو أدخل نفسه ولم تكن قرينة تفيد دخوله ، جاءه حكم الفضولي.

رابعها : أنّ الإذن بالوقف أو الأمر به بصيغة «قف» يفيد الإذن بالوقف التام بتبعيّة الإذن بالمقدمات ، كتخليصه من الموانع ، والإقباض ، ونحوها.

بخلاف ما لو قال : أجز بصيغة الوقف ، فإنّه لا يفهم منه سوى إحالة قصد القربة وباقي القصود إليه.

البحث الخامس : فيما يتعلّق بخصوص القابل

وهي أُمور :

أحدها : أنّه يلزم أن يقبل ما أُلقي إليه على نحو ما وُجّه إليه ، فلو وجّه إليه مطلق فقبله مشروطاً ، أو مشروط فقبله مطلقاً ، أو عام فقبله خاصّاً ، أو بالعكس ، أو تشريك فقبله ترتيباً أو بالعكس ، لم تصحّ.

ثانيها : أنّه لو تعلّق الإيجاب بجماعة ، فقبل بعضهم ، احتمل القول بالصحّة في الجميع ، والبطلان فيه ، والتوزيع.

ولو تقدّم القبول على الإيجاب ، ثمّ جاء به بعده ، فإن قصد به التأسيس صحّ ، وإن قصد به التأكيد لما مرّ ففيه الوجهان. ويجري الكلام في كلّ صيغة أُعيدت بعد الفساد بوجه صحيح في عقد أو إيقاع على أيّ نحو كان.

البحث السادس : في الواقف

والمراد منه : من يعود الوقف إليه ، ويجري مع تولّي الإيجاب ما يجري في الموجب.

وشروطه قسمان :

أحدهما : ما تتوقّف الصحّة على اتّصافه به ، ويجري فيه مع ما جرى

٢٣١

(في إذا توالي) (١) الإيجاب أُمور :

أحدها : أن يكون مالكاً ؛ إذ لا وقف إلا في ملك ، فلا يصحّ وقف غير المالك ، ولا الوقف عنه ، وإن كان مختصّاً كالمحجر عليه ، والوقف العام إذا سبق إليه ، والمباح قبل الحيازة إذا وقع عليه أو وصل إليه ، والحريم المتعلّق بأملاكه ، وما تعلّق به عقد موقوفة صحّته على قبض بناءً على لزوم الوفاء به وإن لم يكن مملكاً.

ثمّ إن يكن ملكاً لأحدٍ بطل من أصله ، وإن كان ملكاً لأحد توقّف على إجازته ، مع الغصب وبدونه ، ومع نيّته عنه وعن نفسه ، وفي صحّتها بقول مطلق إشكال ، ومع الغصب بقسميه أيضاً ، أو الأخر منهما أشدّ إشكالاً.

وتستتبع الإجازة في القسمين الأخيرين حكمين : نقل الملك ، وحصول الوقف ، وصحّة الفضولي فيما تُعتبر فيه القربة مخصوصة بما تجزي الوكالة في نيّته.

ولو أجاز عقده دون نيّته بطل ، ولو أجاز العقد أولا (٢) الفصل بإجازة القربة لم تصحّ. ولو قصد الفضوليّ وجهاً ، كالوجوب مثلاً ، فأجازه ندباً ، أمكن القول بالصحّة.

أمّا لو قصد العموم أو التشريك ، فأجاز الخصوص أو الترتيب ، حكم ببطلانه ، ويهون الأمر من جهة الغصب ونحوه أنّ القربة هنا أوسع منها في باقي العبادات.

ولا تجزي نيّة القربة في الإجازة عن نيّة الفضولي ، والجمع بين النيّة فيها وفي الإقباض بعد نيّة العقد أولى ، واعتبار النيّة في الإجازة على النقل أقرب من الكشف ، ويجري مثل ذلك في فضولي الإجازات.

ولو باع أو وقف بين الإجازتين ، صحّ على النقل ، وفسد على الكشف.

ولو تكثّرت العقود من الفضوليين دفعة فأجاز الجميع بَطَلَ ، ويحتمل القول ببقاء حكم الإجازة ، ويجري ذلك في تعدّد الوكلاء ، ومع الترتيب يصحّ الأول ويلغو الباقي ، ولو أجاز واحداً مردّداً بطل.

__________________

(١) الظاهر فيما إذا تولّى.

(٢) كذا في النسخ.

٢٣٢

ولو ترامت العقود ، فإن كانت متجانسة ، كانت إجازة الأعلى مقتضية لصحّة ما هبط عنها ، دون ما عليها ، وفي المختلفة ينعكس الحال.

ويجري في كلّ من قيّدت وكالته بعقد ، فأتى بالعقد خالياً عن القيد كان فضولياً ، وتجري الفضولية في العقد والإقباض وفيهما معاً ، وإجازة العقد لا تستلزم إجازة الإقباض ، بخلاف العكس.

ولو وقف ما يملك وما لا يملك ، صحّ الأوّل ، وتوقّف الثاني على الإجازة. ولو وقف عامّاً ، فأجاز خاصّاً مشمولاً له ، صحّ في وجه ، ولو انعكس الحال قوي القول بالصحّة في الخاص ، ونحوه ما لو جمع بين ما يصحّ الوقف عليه ، وما لا يصحّ.

ثانيها : أن يكون تامّ الملك ، بثبوت سلطان تامٍ لا معارضَ له ، فلا يصحّ لراهن ، ولا مفلَس ، ولا محجور عليه ، لسفهٍ ، أو جهة مقاصّة ، أو تعلّق حقّ خيار لغيره ، أو تعلّق حقّ شرعي مُنافٍ ، من نذر أو عهد أو يمين ، أو وقفية خاصّة على القول بالملكية فيها ، ويكون فضوليّاً في الخمسة الأُول ، وباطلاً في البواقي.

ثالثها : عدم الفساد عليه ، بل وصول النفع في الدنيا أو الآخرة إليه ؛ فلو وقف ما فيه فساد عليه بنفسه أو بوكيل الولي مولّى عليه ، كان فاسداً. ولو جمع بين ما فيه الفساد وغيره ، اختصّ حكم الصحّة بغيره.

رابعها : عدم المعارض الشرعي بالنسبة إليه ، ولو قال : أوقف مالي عنك ، أو أوقف مالك عنّي ، قضي بملكية الموقوف عنه ، ثمّ وقفيته عنه. وفي تنزيله على التملّك المجّاني أو مع العوض فيضمنه وجهان. ولعلّ الأخير أقوى. ومع الفضولية في ذلك وتحقّق الإجازة يقوى عدم الضمان. ولو وقف ثمّ ملك لم يصحّ ، وتحتمل الصحّة مطلقاً ، وفي خصوص ما إذا أجاز.

القسم الثاني : ما يتحقّق فيه الشرط منه أو من وليّه أو وكيله باتصافه أو اتصاف نوّابه ، وهو أُمور :

أحدها : القدرة على التسليم ولو بشفاعة شفيع لا تبعث على نقصان لا يرضى به

٢٣٣

إنسان ، أو بذل مال يضرّ بحاله.

فلا يصحّ وقف الطير في الهواء ، والسمك في الماء ، والحيوان الوحشي إذا ذهب مع الوحوش ، والبحري إذا دخل في البحر ، مع عدم رجاء العود فيها.

ويقوى إلحاق البعير الممتنع ، والعبد الابق ، والمال في يد الغاصب القوي ، وتغني القدرة على التسليم عنها. ولو كانت القدرة مختصّة بالبعض ، خصّ بالصحّة.

ولو جمع المملوك وغيره ، وتامّه وغيره ، صحّ في القابل دون غيره.

ولا بدّ من القدرة الشرعيّة والفعلية ، فلو منع من التسليم مانع شرعيّ ، كان بمنزلة المانع العقلي.

والظاهر أنّ دائرة التسليم والإقباض هنا أوسع من دائرة الرافع للضمان ، فيجري فيه احتمال الاكتفاء بالتخلية.

ولو منعناه هناك ، والقدرة من نوّابه مُغنية عن قدرته ، فلا تكون من الشرائط المختصّة به.

ثانيها : العلم بالرجحان أو مظنّته (١) منه مع قابليته ، أو وليّه ، أو وكيله ، ومع الشكّ أو الوهم لا يصحّ إلا مع قصد القربة الاحتياطية. والظاهر أنّ الرجحان على نحو ما سيجي‌ء من الشرائط الواقعيّة. ولو جمع من معلوم الرجحان وغيره ، صحّ دون غيره.

ثالثها : السلامة من النقص ؛ سواء كان البلوغ أو العقل ، والعوارض الرافعة للشعور ، فإنّه يجزي حصولها فيه مع المباشرة ، وفي نوّابه مع عدمها.

رابعها : الاختيار ؛ فإنّه يجزي حصوله فيه أو في نوّابه. ولو جمع في جميع الصور السابقة بين القابل وغيره ، صحّ في القابل دون غيره.

خامسها : السلامة من الحجر ؛ فلا مانع من جهته مع إطلاق نوّابه. ولو شكّ في

__________________

(١) في «ح» : مظنّة.

٢٣٤

سبب الحجر ، نفي بالأصل. ولو سبق له حالان في أحدهما له قابليّة دون الأُخرى ، بنى على الصحّة ، وهو أقوى ههنا من باب النقصان ، ولا وجه لاعتبار التاريخ.

البحث السابع : في الموقوف

ويُعتبر فيه أُمور :

أحدها : أن يكون مذكوراً ، فلو قال : وقفت ، ولم يذكر شيئاً ، أو ذكر لفظاً مهملاً ، أو ممّا لا يُراد وقفه ، بطلَ.

ثانيها : أن يكون موجوداً حين الوقف ؛ إذ المعدوم لا يتعلّق به حكم ، إلا ما دلّ الدليل عليه ، فلو قارن حرف منهما أوّلاً أو آخراً عدمه بطل ، ويلزم تقدّمه عليها ليحصل العلم بالاقتران ، والأول إلى الوجود لا يفيد في الأُصول (١) ، ويفيد في التوابع.

فلو وقف ما يكون من الحمل ، أو النماء المستعدّ للبقاء ، أو النخل أو الشجر ، بطل بخلاف ما إذا وقف الأُصول ، وشرط بعضها.

وهو شرط وجودي لا يغني عنه العلم مع مخالفة الواقع ؛ فإذا وقف ما علم وجوده فانكشف عدمه ، انكشف فساده.

ولو وقف معدوماً وموجوداً ، صحّ في الموجود ، ولو شكّ في طرف الوجود بعد العدم أو بالعكس ، بنى على الحال السابق.

ولو وقف شيئاً فظهر من غير الجنس ، كجماد ظهرَ حيواناً ، أو حيوانٍ ظهرَ إنساناً ، أو فضةٍ ظهرَت ذهباً ، أو حمارٍ ظهرَ فرساً ، أو جملٍ ظهرَ فيلاً وهكذا ، التحق (٢) بالمعدوم على الأقوى ، ولعلّ أخبار النيّة تشهد به.

ولو اختلف بالسنّ اختلافاً فاحشاً مع وحدة الجنس ، كأن وقف جَذَعاً (٣) ، فظهر

__________________

(١) في «ح» : الوصول.

(٢) في «ص» : التحقق.

(٣) الجَذَع من الدوابّ قبل أن يُثنِيَ بسنة ، ومن الأنعام هو أوّل ما يستطاع ركوبه ، والأُنثى جَذَعة. العين ١ : ٢٢٠.

٢٣٥

بازلاً (١) ، أو طفلاً ، فظهر شيخاً ، ففيه وجهان كفرسي رهان.

ولو كان الاختلاف بالعيب المفرط والصحّة ، أو بسبب القيمة مع الغبن الفاحش ، فترتّب الضرر العظيم عليه ، حكم بالصحّة على إشكال. ولا سيّما فيما إذا كان الضرر مسبّباً عن تدليس الموقوف عليه.

وربّما رجعت المسألة إلى تعارض الاسم والإشارة ، وفي أصل الحكم وجوه واحتمالات القول بالفساد وبالصحّة مع اللّزوم ، وبها مع الخيار.

ويتمشّى الحكم في جميع الصدقات المندوبة ، وأمّا الواجبة فالظاهر فيها خلاف ذلك ، فلو دفع في خمس أو زكاة شيئاً رجع به وأعطى بدله ، وكذا القربات المنضمّة إلى باقي المعاملات على الأقوى.

ثالثها : التعيّن بذاته أو بالتعيين ، فلو وقف عبداً من العبيد أو بهيمة من البهائم ، أو قال : هذا العبد أو ذاك ، بطل ، وكذا لو علّقه بمفهوم الفرديّة ؛ لأنّه لا ربطَ له بالوقفيّة.

ولا فرق بين أن يكون التعيين بالاسم أو الإشارة أو الصفات والقيود المعيّنة للشخص.

ولو علّق الصيغة بكلّي موصوف بما يرفع الجهالة ، قوي القول بالصحّة إن لم يُقم الإجماع على خلافه ؛ لأنّ الحقيقة تتعيّن بتعيين الشخص ، وتعيينه يتمّ بالإقباض ، وفي الاكتفاء بالكلّيات في العبادات وأمر الصدقات ، من الواجبات والمندوبات ، نظر.

ولو رتّب فقال : وأَمَتي الفلانية وقف وإن لم تكن فالاخرى ، بَطَلَ الوقف فيهما.

ولو جمع بين المعيّن وغيره ، اختصّ الفساد بغيره. ولو وقف بهما بَطَلَ. والظاهر أنّ لفظ الجزء ، والسهم ، والشي‌ء ، والكبير ، والقديم هنا من المبهم ؛ قصراً لما خالف القاعدة عن المتيقّن.

رابعها : أن يكون معلوماً حين العقد أو أدّى إلى العلم بعده. ولو وقف متعيّناً غير آئلٍ إلى التعيين ، كعبد حكم به فلان مثلاً وقد مات الحاكم قبل أن يعلم حكمه ، أو أكبر

__________________

(١) يقال بزل البعير يبزل بزولاً ، إذا فطر نابه في تاسع سنينه ، والذكر بازل ، والأُنثى بازل لا تدخلها الهاء. جمهرة اللغة ١ : ٣٣٤.

٢٣٦

العبدين سنّاً ، ولا يعلم ذلك إلا في بلاد النوب أو الحبشة ، بَطَلَ.

والظاهر أنّ الأول إلى التعيين مُجزٍ في التبرّعات ، والصدقات الواجبات والمندوبات ، فإنّ المداقّة فيها لخوف الغبن فيها ليس على نحو البيوع والإجارات. ولو جمع بين المعلوم وغيره ، بَطَلَ في غيره.

خامسها : أن يكون عيناً ، لا منفعة ، ولا دَيناً ، فلو وقف منفعة أو ديناً أو جمع بينهما بَطَلَ. ولو جمع بينهما أو بين أحدهما وبين العين ، وزّع على نحو ما سبق. وفي إلحاق الطبيعة الكلّية بالعين إشكال.

سادسها : أن يكون محلّلاً يجوز الانتفاع به في نفسه ، وبالنسبة إلى خصوص الموقوف عليهم ، فلا يصحّ وقف الأصنام ، والصلبان ، وآلات اللهو ، وآلات السحر ، والشعبذة ، وكتب الضلال ، ونحوها ولو كان لرضاضها نفع.

ولو قصد مادّتها بانياً على إتلاف الصورة ، أو شرط إتلافها (١) ، توجّه القول بالصحّة.

سابعها : أن لا يكون نجساً أو متنجساً لا يقبل التطهير ، فلا يجوز وقف الخنزير ، ولا كلب الهراش ، ويقوى جواز وقف كلب الصيد ، دون الكلاب الثلاثة في وجه قويّ.

ثامنها : أن يكون له منفعة في حدّ ذاته وفي حقّ الموقوف عليه ، وإن لم تكن بالنسبة إلى الواقف ، فلا يجوز وقف السنانير ، والسباع ، والوحوش ، والحشار ، وحيوانات البحر ممّا لا نفع فيها.

تاسعها : أن يكون ممّا يُنتفع ببقائه ، ولا يختصّ نفعه بفنائه ، كمطعوم ، ومشروب ، ووقود ، وسراج ، وطيب ينتفع به برشّ ، أو لطوخ ، أو بخور ، أو شمّ ، أو وضع على مطعوم أو مشروب ونحوه ، وعقاقير ، وأدوية ، وآلات الغسل كصابون ونحوه.

عاشرها : أن يكون قابلاً للانتقال إلى الموقوف عليه أو الموقوف له ، فلو لم يكن جائز النقل ، كالوقف عامّه وخاصّه لمصحف أو عبد مسلم وسائر المحترمات

__________________

(١) في النسخ : ولو قصد مازلها ثانياً على إتلاف الصورة شرطاً إتلافها.

٢٣٧

الإسلاميّة على كافر ، لم يصحّ وقفه.

وفي إلحاق المملوك المؤمن ، وسائر المحترمات الإيمانية في الوقف على غير أهل الحقّ وجه قويّ ، والوقف على المستباح المال من الكفّار لا يجوز.

وأمّا المعتصم بشي‌ء من العواصم لوجهٍ راجح ، فلا بأس بالوقف عليه ، ما لم يكن من المحترم ، ولو كان المانع عهداً أو يميناً صحّ دون النّذر.

حادي عشرها : أن لا يكون مُعِيناً على معصية مقارنة لوقفيته ، كوقف السيف وغيره من الات السلاح على أعداء الدين والحرب قائمة ، ولا سيّما وقت انعقاد الصفوف ، ووقف الات معدّة لعمل اللهو ، وقول الزور ، وكتابة المظالم ، ونحوها ، وكذا غير المعدّة مع شرطيتها أو علّيتها ، ومع العلم مجرّداً إشكال.

ثاني عشرها : أن لا يكون من الأراضي المشتركة بين المسلمين ، كالمقابر ، والأسواق ، وطرق المسلمين ، والأرض المفتوحة عنوة ؛ لكونها بمنزلة غير المملوك ، ولجهل الحصّة ، واحتمال خروجها عن التموّل.

البحث الثامن : في الموقوف عليه

وفيه مقامان :

الأوّل : في شروطه ؛ وهي كثيرة :

منها : أن يكون مذكوراً ، فلو قال : هو وقف وأطلق بَطَلَ ، ولو قامت قرينة حالٍ أو مقالٍ على تعيّنه (١) صحّ.

ومنها : وجوده ، فلو ذكر معدوماً في أوّل الطبقات أو وسطها أو آخرها ، ولم يشاركه غيره ، بَطَلَ الوقف. وهو شرط في مبدأ الوقف ، فإنّه لا مانع من الوقف على

__________________

(١) في «ص» : تعيينه.

٢٣٨

موجود ، ثمّ من يوجد ، كما أنّ القبول والقبض كذلك.

ومنها : أن لا يكون مرتدّاً فطريّاً من الذكور المعلومة ذكوريتهم.

ومنها : أن يكون غير الواقف ؛ فلو اختصّت الطبقة الأُولى به ، كان منقطع الأوّل باطلاً ، وفي الوسط منقطع الوسط ، وفي الأخير منقطع الأخير. وإن شاركه غيره ، بطلَ فيه وصحّ في غيره ، كما في كلّ عقد جامع بين جامع للشروط وغير جامع.

ولو أدخل أحد الشخصين على حَقوٍ واحد صاحبه ؛ فإن ظهرت الوحدة ، جاء الحكم ، وإلا صحّ الوقف ، ولو تعلّق بعام وقصدت آحاده بطل في حقّه وإن كانت له جهة وقصدت جهته ، ووجدت فيه ، دخل في الوقف. ولو دخل في الجهة ثمّ خرج ، ثمّ دخل ثمّ خرج ، وهكذا ، دخل حين دخل ، وخرج حين خرج.

ومنها : أن يكون قابلاً للتمليك ، فلو أوقف على جماد أو ناقة أو بقرة أو مملوك ، جرى فيه مع الاتحاد والاشتراك ما جرى فيهما فيما سبق. ولو حصلت في مثلها جهة رجع إليها وصحّ الوقف ، فالوقف على المساجد ، والربط ، والمدارس ، ونحوها وقف على المسلمين. والوقف على المبعّض موزّع ، وعلى أُمّهات الأولاد بوجهٍ يوافق العتق صحّ ، لا بدونه.

ومنها : أن يكون موجوداً حين العقد ، فلا يجوز ابتداء الوقف على من سيوجد ، ولو في أثنائه.

منها : أن يكون قابلاً لبقاء التملّك ؛ فلو وقف مملوكاً على أحد عموديه ، بَطَلَ الوقف ، والظاهر بطلان الملك إن قلنا به ، والعتق أيضاً.

ومنها : أن يكون بارزاً ، فلا يجوز الوقف على الحمل وإن كان قابلاً لملك الميراث بشرط ترتّب الخروج حيّاً. والفرق بينه وبين الوصيّة أنّ الانتقال فيه حين المقال ، وفي الوصيّة بعد حلول المنيّة ، فالملكيّة فيها تعليقيّة لا تنجزيّة.

ومنها : أن لا يترتّب عليه تقوية أهل الباطل في أُصول أو فروع ، مع العذر وبدونه ، فلا يصحّ الوقف على الزناة ، والفواحش ، والسرّاق ، والمحاربين ، مع ملاحظة الوصف ، ولا الكفار ، والمحالفين ، والأخباريين القاصرين أو المعاندين للمجتهدين ،

٢٣٩

والمحرّمين لشرب الدخاخين ، كما لا يجوز الوقف على (١) التوراة ، والإنجيل ، والبيع ، والكنائس ، وبيوت النار.

ولو وقف الذمّي على الكنيسة ، أمضينا وقفه بمقتضى جزيته ، وفي صورة الجمع بين القابل وغيره نظير ما مرّ.

ومنها : أن يكون ممن ينتفع بالوقف ، ولا مانع له شرعاً ، ولا عقلاً ، ولا عادة ، فلو كان عبثاً بالنسبة إليه وإن لم يكن كذلك في نفسه بَطَلَ. ومنه ما لو وقف قليل على كثير ، فيكون لكلّ منهم سهم لا ينتفع به لقلّته ، فلا يمكن وصول المنفعة منه إليه.

ومنها : أن يكون متعيّناً في نفسه أو بالتعيين ، فلا يصحّ على مُبهم صرف لا يؤول إلى التعيين. فلو وقف ذلك ملاحظاً في أوّل الطبقات ، انقطع أوّله ، وفي الوسط وسطه ، والآخر أخره ، وفي صورة الاشتراك ما مرّ من التوزيع.

ومنها : أن يكون قادراً على التسليم مع عجز الواقف عن التسليم ، فلو سلبت قدرتهما بَطَلَ.

ومنها : أن يكون ممّن لا يُرجى انقطاعه ، وبطؤ استمراره ؛ فلو لم يكن كذلك ، رجع حبساً. ولو اتفق انقطاع ما لا يرجى انقطاعه ، فالأقوى صحّة الوقف ولم يرجع حبساً ؛ فلو أكل البحر مسجداً أو رباطاً أو مدرسة أو مقاماً ، لم يتخلّف عن الوقفيّة فيما مضى. وكذا إذا انقطع أهل بلد الموقوف عليهم مع التخصيص لهم ، وفي مسألة المتّحد والجامع يجي‌ء ما مرّ.

ولا يُشترط إيمانه ، بل ولا إسلامه ، مع عدم مُنافاته القربة ، كما إذا قصد تأليفهم ودفع عداوتهم للمؤمنين ، ولو تأمّلنا في صحّته خصّصنا ذلك بالوقف المتعلّق بهم بالخصوص ، أو بالداخلين في الوقف المخصوص.

ولا ينبغي البحث في دخولهم تحت الموقوف على المستطرفين مثلاً ، من رُبُط ، وقناطر ، وموارد ، وهكذا.

__________________

(١) في نسخة زيادة : أهل.

٢٤٠