كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

بحكم المطيع ، سواء ادّعى الصرف في الطاعة أولا ، ولا يجب الفحص عنه.

ولو جهل الحاكم حاله فأعطاه ، وهو يعلم أنّه صرف في معصية ، حَرُم عليه الأخذ. ولو نسي حال نفسه ، جاز له الأخذ. ولو دفع سهمه إليه ، فصرفه في غير الدين ، أو إبراء الديّان ذمّته ، أو أُعطي فبانَ أنّ صرفه كان في معصية ، أو أنّه لا دين عليه ، وعلم أنّ المدفوع إليه من سهم الغارمين ، استُعيد منه (١) مع العزل ، ومع عدمه لا يؤخذ منه مع التلف وعلم الدافع ، ويؤخذ بدون ذلك ، ومع جهله يؤخذ مطلقاً.

ولو زعم المدفوع إليه أنّها هبة وتلفت ، أو كان رحماً للدافع ، حكم له. ولو كان بعد العزل والتلف ، وقامت البيّنة به ، تخيّر وليّ الفقراء بين الرجوع إلى المعطي والآخذ ، ويرجع الأخذ بغرامته على الدافع.

ولو لم يعلم المدفوع إليه بالحال ، رجع على العين مع البقاء دون التلف. ولو كان له دين ، جاز احتسابه على المدين حيّاً أو ميّتاً من سهم الغارمين ، مع الفقر في الحيّ ، وعدم وفاء التركة في الميت ، أو كان وفاء وامتنع الاستيفاء في وجه.

ولو كان له على الديّان دين ، جاز له الاحتساب من الزكاة ، وإسقاط ما على المدين.

ولو استدان لطاعة ، فصرفه في معصية ، أو بالعكس ، فالمدار على المصرف ، دون القصد على إشكال. وكذا لو كان متردّداً في الصرف.

ولو استدانَ بقصدهما معاً ، قوي التوزيع ، والأحوط الحرمان.

ولو كان المديون ذا مال ، ولم يكن عنده مال حين المطالبة ، وتعذّر عليه القرض ، قوي القول بجواز إعطائه من هذا السهم.

السابع : في سبيل الله

الشامل لجميع القُرَب ، من بناء خانات ، أو قناطر ، أو تعمير روضة ، أو مدرسة ،

__________________

(١) في «ص» زيادة : مطلقاً.

١٨١

أو مسجد ، أو إحداث بنائها ، أو وقف أرضها ، أو تعميرها ، أو وقف كُتب علمٍ أو دعاءٍ ونحوها ، أو تزويج عزّاب ، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي‌ء من الات العبادة ، أو إحجاج أحد ، أو إعانته على زيارة ، أو في قراءة ، أو في تعزية ، أو تكرمة علماء ، أو صلحاء ، أو نجباء ، أو إعطاء أهل الظلم أو الشرّ لتخليص الناس من شرّهم (وظلمهم ، أو إعطاء من يَدفع ظلمهم ، ويخلّص الناس من شرّهم) (١) ، أو بناء ما يتحصّن المؤمنون به عنهم ، أو شراء الأسلحة لدفاعهم ، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات ، أو خدمة المساجد ، والأوقاف العامة ، أو غير ذلك من الأشياء ، فيداخل جميع المصارف ، ويزيد عليها ، وإنّما يفارقها في النيّة ؛ فلا يُعتبر في المدفوع إليه إسلام ، ولا إيمان ، ولا عدالة ، ولا فقر ، ولا غير ذلك.

الثامن : ابن السبيل

ويُراد به : المسافر الّذي لا نفقة عنده ولا يقدر على الاستدانة ، وإن كان غنيّاً في محلّه.

ويُشترط جواز سفره ، بأن يكون داخلاً تحت حكم من الأحكام الأربعة ، إمّا الوجوب ، أو الندب ، أو الكراهة ، أو الإباحة. فلو كان سفر معصية لنفسه أو لغايته ، لم يُعطَ شيئاً.

ويُعطى بمقدار حاجته.

ولو أُعطي ثمّ جاءه ما يكفيه ، فالظاهر الارتجاع مع البقاء ، ومع التلف فلا رجوع.

ولو حصل له من يقرضه من المال ما يدخل عليه بسببه النقصان ؛ لنفع يُطلب منه ، أو لأخذ جنس إذا باعه بالنقد حصلت له غرامة ، فإن كان ضارّاً بحاله أو فيه إجحاف ، لم يمنع من أخذ الزكاة ، وإلا منع. وكذا لو حصل له من الصدقات ، فلم يقبل ، لم يخرج عن الاستحقاق.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م».

١٨٢

والظاهر أنّه لا يجوز إعطاؤهم زائداً على حاجتهم ، ولو لم يكن من الزكاة ، إلا ما يخصّ سهماً من السهام استحبّ له تقديم ما فيه الرجحان. ولا تلزم فيه الخصوصيّة في الدفع ، وإن توقّف ثوابها عليها. ولو نوى سهماً فظهر غيره ، فلا بأس.

المطلب السادس : في أوصاف المستحقين

وهي أُمور :

أحدها : الإيمان ، ويتحقّق بالإقرار والاعتقاد من دون عناد بالله ، وبالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، من دون إنكار ضروري ، أو كُفر نعمة ، أو هتك حرمة الإسلام بقولٍ صادق أو كاذب ، أو فعل يقضي بالإهانة حتّى لو نقل كيفيّة بعض الأفعال المباحات القاضية بالاستخفاف عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلاً كفره أو بُغض من تجب ولايته ومحبّته على جميع أهل الإسلام. والجاهل والشاكّ في شي‌ء منها كالمنكر لها ، وضعيف الاعتقاد كقويّه.

والجاهل المطلق القاصر عقله عن الإدراك ، أو البعيد بحيث لا يمكنه الوصول والسؤال ، أو المربّي بين كفّار ونحوهم لا

يمكنه الخروج عنهم للاستعلام ، أو كان مشغولاً بالنظر حيث يقبل عذره لو اعتذر ، ليسوا من العُصاة ، ولا يُعطون من الزكاة ، في وجه قويّ. ويُشترط ذلك فيما عدا صنفين : المؤلّفة وفي سبيل الله.

ويكفي في ثبوت وصف الإيمان ادّعاؤه ، وكونه مندرجاً في سلك أهله ، أو ساكناً أو داخلاً في أرضهم ، ما لم يعلم خلافه. والأطفال يلحقون بآبائهم وأُمّهاتهم ، ويكفي في الإلحاق إيمان أحد الأبوين ، والجدّ القريب ، والمالك بعد حصوله في يده ، من دون (مصاحبة) (١) أحد أبويه.

ويُعطى سهم الطفل والمجنون بيد الوليّ الشرعي. وفي إلحاق البالغ المجنون بعد (كفره بأبيه) (٢) المسلم إشكال.

__________________

(١) في «م» : مصاحبته.

(٢) في «م» ، «ح» : : كفر أبيه.

١٨٣

ثانيها : العدالة ، ويكفي في إثباتها المظنّة الحاصلة من النظر إلى ظاهر حاله ، بحيث إذا سئل عنه من عاشَره وخالطه ، من أهل محلّته أو غيرهم ، احتسبوه من أرباب الديانات والأمانات.

وهي شرط في العاملين حيث يعطون من سهم العمالة ، وأمّا لو جعلوا بإجارة أو جعالة أو نحوهما ، فالنظر إلى الحاكم. ولا تُشترط في غيرهم ، ولا مانع من إعطائهم إلا أن يكون الحرمان مانعاً عن العصيان ، فيدخل في باب النهي عن المنكر. والأحوط مُراعاتها في سهم الفقراء ، وسهم المساكين ، ثمّ الأحوط على تقدير إعطائهم الاقتصار على غير فاعلي الكبائر ، خصوصاً شاربي الخمور.

والظاهر أنّه كلّما هانت معصيته ، كانت عطيّته أرجح. ولا شكّ في عدم اشتراطها مع الإعطاء من سهم في سبيل الله ، بل يتبع حصول القربة.

ويُعطى أولاد فسّاق المؤمنين ، دون الكفّار وباقي فرق المسلمين.

ثالثها : أن لا يكون واجب النفقة على المالك ، كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة الدائمة ، والمملوك ، فإنّهم لا يُعطون من سهم الفقراء والمساكين من ماله ، ويُعطون من السهام الأُخر إذا دخلوا تحت مستحقّيها. والحكم فيما عدا الأخيرين بطريق الندب وموافقة الاحتياط.

ولو كان أحدهم تجب عليه نفقة هو عاجز عنها ، كنفقة عبده أو زوجته ، أو آبائه ، أو أولاده ، جاز إعطاؤه لينفق عليهم ، وإعطاؤهم بأيديهم. والعبد لا يُعطى ، وإنّما يُعطى مولاه فيما يراد تمليكه في وجه قويّ. وكذا لو احتاجوا بعض الحوائج الضروريّة لأجل التوسعة في وجه قويّ.

ومن نذرَ ، أو عاهدَ ، أو حلفَ أن ينفق عليه بحكم واجب النفقة من الأنساب. أمّا الخادم الّذي وجبت نفقته بخدمته بمعاملة صلح أو غيره ، أو الّذي كانت الخدمة حرفة له ، فلا يجوز له الأخذ من مخدومه ولا غيره ، إلا في حوائج ضروريّة ، أو للتوسعة مع

١٨٤

دخولها في الحاجة.

ومن وجبت نفقته على الغير ، فإن كانت زوجته أو مملوكاً أو أجيراً للخدمة ، أو كانت (١) له صنعة كما مرّ لم يجز إعطاؤه ، إلا إذا وجبت عليه نفقة آخر وعجز عنها ، أو لزمته حاجة ، أو جاءه ضيف يلزمه إكرامه ، أو ضاق عليه أمر فأراد التوسعة.

وإن كان من الأنساب ، أو وجب بالنذر ونحوه ، فالجواز مطلقاً قويّ ، والأحوط الترك فيما عدا المستثنى. والزوجة الناشز حكمها في المنع حكم غيرها ، وكذا العبد الابق ، والأجير الممتنع.

ويجوز إعطاء زكاة الزوجة ، والأجير ، والمنذور له ، وشبهه للزوج ، والمستأجر ، والناذر ، ونحوه مع استحقاقهم.

ولو نذر ما وجب عليه من زكاة وغيرها ممّا يعود أمره إليه لشخصٍ ، لم يجز إعطاؤها لغيره ، ولو أعطاها لم تحتسب له.

وتُعطى زكاة القريب لقريبه ما لم يكن واجب النفقة ، بل هو أفضل من غيره ، سواء أدخله في عياله أو لا. ولو أخذ واجب النفقة زكاة أو غيرها من الحقوق بحيث حصلت له الكفاية ، سقط وجوب الإنفاق عليه من جهة القرابة. ومن أخذ للتوسعة أو لبعض الحوائج فاكتفى بها ، سقطت بذلك نفقته أيضاً.

رابعها : الحرية ، فلا يُعطى مملوك من سهم الفقراء ؛ لأنّه لا يملك شيئاً ، ويُعطى من سهم في سبيل الله مع رضا مولاه ، ومع عدم رضاه واضطرار العبد يدفعها حاكم الشرع إليه. ولو كان مولاه عاجزاً عن نفقته ، وكان فقيراً ، أخذها لنفسه ودفعها إليه. ولو أُريد تعيّنها للعبد ، جعل دفعها إليه مشروطاً على المولى ، ولزم ذلك على الأقوى.

ولو دفعت حصّته إلى المبعّض ، صحّ منها ما قابل الجزء الحرّ ، وكان الباقي بحكم

__________________

(١) في «م» ، «س» : كاسب.

١٨٥

المدفوع إلى العبد. ولو قبض حرّا فعاد رقّاً ، ملكها وصارت لمولاه مع بقائها إلى حين الرقيّة.

خامسها : أن لا يكون هاشميّاً من ذريّة هاشم بن عبد مناف إذا أخذها من غير هاشمي. وأمّا من كان من ذريّة أخيه المطّلب فكسائر الناس.

وذريّة هاشم مخصوصة بذرية عبد المطّلب وأولاده على ما نقل الصدوق أحدعشر (١). وذريّة عبد المطلب مُنحصرة من بين أولاده بذريّة أبي طالب ، وأبي لهب ، والعبّاس ، والحارث. والمعلوم منهم اليوم ذريّة أبي طالب عليه‌السلام ، وذريّة العبّاس.

ويعمّ المنع سهم الفقراء ، والمساكين ، والعاملين غير المستأجرين ، والغارمين ، وأبناء السبيل. وأمّا سهم (الْمُؤَلَّفَةِ) و (فِي الرِّقابِ) مع فرضهما بارتداد الهاشمي ، أو كونه من ذريّة أبي لهب ، ولم يكن في سلسلة مسلم ، والحاجة إلى الاستعانة به (٢) ، وبتزويجه الأمة واشتراط رقيّة الولد عليه على القول به وفي سهم سبيل الله ، فعلى تأمّل.

ويجوز إعطاؤهم من الصدقات المستحبّة والواجبة عدا الزكاة المفروضة (٣) ، والأحوط الترك ، ولا سيّما في الأخير. ويجوز لهم الأخذ من الزكاة إذا قصر الخمس عن كفايتهم ، واشتدّت حاجتهم ، ولا تقدّر بقدر على الأقوى. والأحوط الاقتصار على ما تندفع به الضرورة.

ويثبت النسب بالشياع بما يُسمّى شياعاً ، أو قيام البيّنة. والظاهر الاكتفاء بادّعائه أو ادّعاء آبائه لها ، مع عدم مظنّة الكذب ، والأحوط طلب الحجّة منه على دعواه. أمّا ادّعاؤه في الفقر فمسموع.

__________________

(١) الخصال ٢ : ٤٥٣.

(٢) في «ص» زيادة : مع عدم التمكن من قتله.

(٣) في «ص» زيادة : وفي الزكاة المستحبّة يقوى الجواز.

١٨٦

وحكم الادّعاء للنّسب الخاص ، كالحسنيّة ، والحسينيّة ، والموسويّة ، والرضويّة ، حكم الادعاء للعام. ولا مانع من إعطائها لموالي بني هاشم من عتقائهم ، وخدّامهم.

ومن انتسب إلى هاشم بالأُمّ (١) لا يلحق ببني هاشم ، فله من الزكاة كما لغيره. ومن جهل نسبه وجهلته الناس أيضاً كاللّقيط مثلاً يأخذ من الزكاة ، لا من الخمس ، والأحوط تجنّب ما عدا زكاة الهاشمي.

ولبني هاشم أخذ الزكاة بهبة ونحوها ممّن أخذ منها ، والتصرّف في الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل الله.

المطلب السابع : في كيفيّة الإخراج

يجوز للمالك أو وليّه أو وكيله الإخراج ، ولا يجب حملها إلى الإمام ونائبه الخاصّ مع عدم طلبه ، ولا إلى الفقيه الجامع للشرائط مطلقاً مع عدم الاستدعاء ، على الأقوى فيهما. والأحوط ذلك خروجاً من خلاف المفيد ؛ (٢) والحلبي ؛. (٣) ويُستحبّ تحويل أمرها إلى الإمام ، ونائبه الخاصّ أو العامّ.

ولا يجب بسطها على الأصناف الثمانية ، ولا التعميم في صنفٍ منها. نعم يُستحبّ البسط على الأقوى ، ويجوز ترجيح بعض المستحقّين على بعض بجهة مرجّحة ؛ (٤) وبدونها. ويُستحبّ مع وجود المرجّح ، من حاجة ، أو علم ، أو تقوى ، أو رحم ، أو جوار ، أو صداقة ، أو نحوها. وينبغي أن لا يُخصّ بها الأرحام ، بل يجعلها بينهم وبين باقي المسلمين ، وأن يخصّ المتجمّلين بصدقة المواشي ؛ لأنّها أعزّ لهم ، وغيرهم بصدقة النقدين والغلّات.

ولا يجوز تقديم الزكاة على وقتها ، إلا على وجه القرض ثمَّ إن بقي المقترض على

__________________

(١) في «ص» زيادة : أو الجدّة للأب أو الأُمّ.

(٢) المقنعة : ٢٥٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٤) في «س» : من حجّة.

١٨٧

حاله من القابلية لأخذها ، جاز احتسابها عليه ، وأخذها منه. ولا فرق بين أن يحصل له الغني أو لا ، وإن حصل له الغنى من أرباحها ، أو من خارج ، أو خرج عن القابلية من وجهٍ آخر ، استُعيدت منه.

وتجب المبادرة بإعطائها حين حلول وقتها على نحو مبادرة الأداء للغريم المطالب. ويجوز التأخير شهراً أو شهرين أو ثلاثة مع عزلها ، وطلب الأفضل. ولو لم يجد المستحقّ عزلها ، وانتظر حصوله. ولو أخّرها من غير عذر ضمنها. ولو فقد المصرف ، وتعذّر النقل عزلها ، وأوصى بها. والأحوط صرفها حينئذٍ في سبيل الله من مصارف القربات ، ولا تقف على حدّ.

ولا يجوز نقلها لغير المجتهد إلى مواضع بعيدة ، مع وجود المستحق في البلد ، أو موضع قريب منها. ولو أخرجها ونقلها لفقد المستحق ، وعدم مصرف آخر في البلد ، فلا بأس ، ولا ضمان مع التلف.

ولو نقلها إلى بعض المواضع القريبة مع وجود المستحقّ جاز ، وعليه ضمانها مع التلف ، ما لم يكن مجتهداً أو مأذوناً منه. ولو عصى وأخرجها في غير صورة الجواز ووصلت إلى أهلها ، أجزأت.

والأفضل صرفها في البلد ، مع فقد المرجّحات في الخارج ، بل إلى خصوص أهل البلد.

ويجوز التسليم بيد المستحقّ ، وبيد وكيله ، أو وليّه. وللمجتهد أن يدفع عن الغائب (وأن يقبض عن الغائب) (١) ، وأن يبدّل الصنف المستحقّ بغيره (٢) مع مراعاة المصلحة ، وأن يسقط شيئاً منها عوض نقل أو محافظة أو غيرها ، وأن ينقل زكاة إلى مستحقّ الخمس وبالعكس بطريق المعاوضة مع المصلحة على إشكال.

ويجوز الأكل من مالٍ فيه زكاة غير مضمونة بقصد الاستنقاذ ، وتسليم قيمتها إلى المجتهد. وما يُعطى للمولّى عليه لا يُسلّم إلا إلى وليّه أو المأذون من وليّه ، ولو سلّم بيده

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س».

(٢) في «م» ، «س» : لغيره.

١٨٨

فأتلف لم يضمن ، وعلى المالك دفعها مرّة أُخرى.

ولو دفع إلى وكيله زكاة أو نحوها ليفرّقها ، وكان مستحقّاً لها ، لم يجز له أن يأخذ منها سهماً ، إلا إذا علم بالفحوى إذنه بالأخذ لنفسه ، فيجوز (١) أخذ ما تقضي الفحوى بجوازه ، ويستحقّ أُجرة على عمله إن لم يعلم أنّ قصده العمل تبرّعاً ، كما تقضي به العادة في هذه الأزمان ، ولو شرط الأُجرة فلا بأس ، إلا أن يكون مجتهداً ، فالأحوط له التبرّع.

فلو مات ولم يؤدّ زكاته ، أُخرجت من أصل ماله ، كالديون ، أوصى بها أو بعدمها أو لم يوص. ولو جهل حاله في الإيصال وعدمه ، فلا يجب الإخراج.

ويجوز أن يعطى الفقير من الزكاة كثيراً أو قليلاً ، نقص عمّا يجب في النصاب الأوّل من النقدين أو الثاني ، أو لا. والأحوط أن لا ينقص عمّا يجب في النصاب الأوّل من نصف دينار أو خمسة دراهم ، وأدنى منه في الاحتياط أن لا ينقص عمّا يجب في النصاب الثاني من النقدين من درهم أو قيراطين.

ولو اجتمعت في واحد أسباب متعدّدة من وجوه الاستحقاق جاز إعطاؤه من كلّ الجهات المجتمعة.

والأقوى في العبد المشترى من الزكاة أنّ ميراثه للفقراء ، ترجيحاً لسهمهم على باقي السهام.

ولو عيّن المجتهد الشراء من سهم الفقراء مثلاً دون المساكين أو بالعكس ، قوي اختصاص الإرث بذلك الصنف. ولو جعل وقفاً خاصّاً من سهم سبيل الله. فميراثه للموقوف عليهم ؛ وفي الوقف العام يقوى القول بأنّ ميراثه للإمام ، ورجوع ميراثه للموقوف عليهم غيرُ خالٍ من الوجه.

ويُستحبّ الإعلان بإخراج الزكاة واجبة أو مندوبة من الّذي يقتدي به الناس ، حتّى ينبعثوا على أدائها ، ويرغبوا في إعطائها ، ولو لم يكن كذلك ، فإن كانت مفروضة ،

__________________

(١) في «ص» زيادة : إذا.

١٨٩

رجّح إظهارها ، أو مندوبة رجّح إسرارها.

وينبغي للدافع زيادة الشكر لله على ما أجرى على يده هذه العبادة العظيمة ، وجعل الناس محتاجين إليه ، ولم يجعله محتاجاً إليهم ؛ وللأخذ الشكر له على ما جعل له من يعينه على دنياه ، والدعاء للمالك ، والشكر له في مقابلة إحسانه ، وأن يقتصر في مصارفه على مقدار حاجته ؛ ليكون الفاضل من بعد أخذه للإخوان ، أو لبعض أسباب الرجحان. وهذه السنن جارية في الأخماس ، والزكوات ، وسائر الصدقات.

الباب الرابع : في زكاة الفطرة

وسُمّيت بذلك لتأثيرها في الخُلُق ، أو في الدين ، أو في الصوم ، أو في المركّب من الاثنين والثلاثة ، ولكلّ وجه ، وله أثر. ووجوبها مقطوع به. والكلام فيها في مقامات :

الأوّل : في شروطها وهي أُمور

الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبي ، والمجنون المطبق ، والأدواري إذا صادف وقت ابتداء الخطاب ، ووقت الجنون ، ولا تُستحبّ لهما.

الثاني : عدم الإغماء ، فلو كان مُغمى عليه ابتداء وقت الخطاب ، لم تكن واجبة ولا مندوبة.

الثالث : الحريّة حين ابتداء الخطاب ، فلا تجب ولا تُستحبّ للمملوك ، قنّاً كان أو مكاتباً ، مطلقاً أو مشروطاً أو مدبّراً أو أُمّ ولد ، مُبعّضاً أو لا. والأحوط أن يؤدّي هو عن الجزء الحرّ ، والمولى عن الجزء الرقّ ، ويوزّع بالنسبة.

الرابع : الغنى ، وهو من شرائط الوجوب ، كما أنّ ما سبق من شرائطه وشرائط الصحّة. ويحصل بملكه مئونة السنة لنفسه وعياله الواجبي النفقة شرعاً أو عُرفاً ،

١٩٠

فلا تجب على الفقير وإن استحبّت له ، ملكَ صاعاً بعد قوت يوم وليلة أو لا ، ملكَ عين نصاب تجب فيه الزكاة أو لا ، ملك قيمة النصاب أولا.

والضابط : أنّ كلّ من جاز له أخذها لفقره لم يجب عليه إعطاؤها. وتحقيق معنى الفقر تقدّم في حكم زكاة المال.

المقام الثاني : فيمن تجب عليه وعنه

يجب على كلّ مكلّف جامع لشرائطها صائماً شهر رمضان أو لا إخراجها عن نفسه ، وعمّن يعوله ، مع صومه أو إفطاره ، عالماً بعيلولته ، مختاراً فيها ، في المأكول والمشروب كلّا أو غالباً ، بحيث يُسمّى مُعيلاً ، فرضاً أو نفلاً ، راجحاً أو مباحاً أو مرجوحاً ، ما لم يكن محرّماً.

والأحوط إعطاؤها عمّن يعوله (١) مسلماً أو لا ، مؤمناً أو لا ، قريباً أو لا عيلولة تكليفية تبرّعية فقط. فلو عالَ من غير طلب وجبت ، ولو لم يعُل لم تجب. وإن وجبت ، بقي الوجوب كما في الزوجة المطيعة إذا قصّر ولم يعُلها ، أو ارتفع كما في الناشز ، فلا تجب عن الزوجة والعبد والإباء والأولاد ما لم يعُلهم.

ولو وفد عليه وافد ، فإن أدخله في العيال ، ولم يذُق شيئاً ، وجبت وإن لم يقصد عيلولته. وأمّا الضيف ، فالظاهر لزوم فطرته بمجرّد الضيافة ، وليس المدار على الأكل ، فلو لم يأكل ، أو قاءه من حينه ، جرى عليه الحكم. والداخل غصباً ليس بضيف. والخادم إذا أُخذ أجرته وقام بنفسه. لم يلزم من جهته شي‌ء ، ولو كان تعيّشه من المخدوم تبرّعاً أو شرطاً ، كانت فطرته عليه.

والعبد المشترك بين جماعة ، وكلّ من تعدّد المعيل به ، إن تبرّع أحدهم بالإنفاق عنه أجزأ ، وإن قاموا بها جميعاً سقطت في وجه ، والأقوى وجوب قيامهم بها على نسبة الحصص. أمّا من كانت نفقته شيئاً من نفسه وشيئاً من غيره فعلى نفسه.

__________________

(١) في «ص» زيادة : محرماً.

١٩١

وفطرة العبد في زمن الخيار على من له العبد.

ولو عالَ أحداً ندباً ، تبرّعاً من قرابة أو أجنبي ، أو وجوباً كزوجة موسرة ، فالزكاة على المعيل ، وليس على المعال شي‌ء. ولو امتنع المعيل عن الأداء ، وجب على المعال على الأقوى ؛ ولو جهل الحال ، فلا شي‌ء على المعال.

وكلّ من فقد المانع من تعلّق الزكاة قبل غروب الحمرة المشرقية من ليلة هلال شوّال ، ثمّ استمرّ على حاله إلى ما بعد المغرب ، ولو بجزء من الزمان جامعاً للشرائط ، تعلّقت به الزكاة ، فمن بلغ ، أو أسلم ، أو أعتق ، أو صحا من الإغماء وجبت عليه. وكلّ من دخل فيمن يُزكّى عنه كذلك وجبت الزكاة عنه ، كالمولود قبل الغروب ، والضيف الوافد كذلك.

ولو دخل بعض العيال من ضيف أو غيره في عيال آخر قبل الغروب ، واستمرّ إلى ما بعده ، وجبت فطرته على الثاني. فالمدار إذن على الانضمام إلى العيال ، لا على كونه عيالاً. ويُستحبّ الأداء عن كلّ من دخل في العيال أو انضمّ إليهم قبل صلاة العيد ، بل قبل الزوال في أقوى الأقوال.

وكلّ من شكّ في ارتفاع مانعه قبل الوقت المعلوم لم تجب فطرته. ومن شكّ في حدوث مانعه بنى على عدمه. (وكلّ من غاب عنه من تجب فطرته بنى على بقائه) (١) وأدّى عنه ، عبداً كان أو غيره. ولو غابَ المعيل ، أدّى عن عياله حيث كان. ولو وكّل أحدهم في التأدية عنه وعنهم فلا بأس. وكذا لو وكّل أجنبيّا ، وتُعتبر العدالة في الوكيل أو حصول الاطمئنان بفعله.

ويُستحبّ للفقير تأديتها إذا لم تضرّ بحاله. وأدنى من ذلك في الفضل أن يكتفي بإدارة ما يلزم للرأس على عياله ، كلا أو بعضاً ، مديراً على الجميع ما يلزم للرّأس الواحد ، أو على كلّ اثنين أو كلّ ثلاثة وهكذا ويزداد النفع في الآخرة بمقدار زيادة الدفع ثمّ يدفع المدار إلى المستحقّين. وأدنى من ذلك أن يرد بعد تمام الدور إلى بعض

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س».

١٩٢

السابقين ، وإذا كان بعض المدار عليهم من الأطفال ونحوهم ، فالأحوط إنفاق الوليّ ما يقابله مضاعفاً بمقدار عددهم عليهم.

المقام الثالث : في جنس المخرج

والأقوى فيه أنّ المدار على القوت المتعارف في مكان الإخراج ، حنطةً كان ، أو شعيراً ، أو تمراً ، أو زبيباً ، أو أُرزاً أو ذرّة ، أو أقطاً (١) ، أو لبناً ، أو ثمر البلوط ، أو سمكاً ، أو نحوها : والأحوط الاقتصار على سبعةٍ : التمر ، والزبيب ، والحِنطة ، والشعير ، والأرز ، والأقط ، واللبن. وأحوط منه الاقتصار على خمسة : الأربعة الأُوَل مع الأقط. وأحوط منهما الاقتصار على الأربعة الأُوَل.

والظاهر أنّ الأربعة الأُوَل تجزي مع غلبتها وندرتها. وما عداها بشرط غلبة القوت. وما عدا الغالب بالقيمة (٢) لا بعينها.

ولو تعدّدت أفراد القوت تخيّر ، ويجزي أن يخالف بين أفراد الأنواع مع اختلاف الرؤوس ، فيُعطي عن كلّ رأس من نوع ، ولا يعطي من نوعين عن رأس واحد إلا مع احتساب القيمة. وكذا ما كان من الدقيق أو الخبز ، وما كان خارجاً عن الأقوات. وإخراج التمر أفضل ، ثمّ الزبيب ، ثمّ ما كان أغلب قوتاً. ولو علم زيادة انتفاع الفقير بنوع خاص أو بالقيمة ، كان أرجح.

المقام الرابع : في قدر المخرج

وهو صاع بصاع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عبارة عن تسعة أرطال عراقية ، وقد تقدّم بيانها. والمقادير بحسب الوزن في النجف مختلفة ، فبناءً على أنّ الأوقية بالعيار العطاري خمسة وسبعون مثقالاً صيرفيّاً يكون حقّتين وأربعة عشر مثقالاً

__________________

(١) الأقط : يتّخذ من اللبن المخيض ، يطبخ ثم يُترك حتّى يمصل ، وهو بفتح الهمزة وكسر الفاء ، وقد تسكّن القاف للتخفيف مع فتح الهمزة وكسرها. المصباح المنير : ١٧.

(٢) في «م» ، «س» : القيمة.

١٩٣

وربعاً. وبعيار البقالي حيث إنّ المشهور أنّ الأوقية مائة مثقال صيرفيّة يكون جاركا وأربعة عشر مثقالاً وربعاً ، فالصاع ستمائة مثقال صيرفي وأربعة عشر مثقالاً وربع.

وبالمنّ التبريزي القديم : وهو عبارة عن ستمائة مثقال صيرفية منّ وأربعة عشر مثقال وربع. وبالمنّ التبريزي الجديد العطّاري : وهو عبارة عن ستمائة مثقال وأربعين مثقالاً صيرفيّاً منّ إلا خمسة وعشرين مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال ، وبالجديد البقالي : وهو عبارة عن ستمائة مثقال صيرفي وثمانين مثقالاً منّ إلا ثمن منّ وخمسة عشر مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال عن كلّ رأس.

ولو كان شخصان على حَقوٍ (١) واحد دفعا صاعين ، ويجوز الدفع من أيّ نوع كان من الأنواع السابقة. ولو دفع الأعلى مساوياً بالقيمة ، جاز احتسابه بضعفه من الأسفل ، وبدون المساومة لا يحتسب إلا على نحو احتساب الأسفل.

والمدار على المسمّى في المدفوع ، لا على خصوص ما يُؤكل منه ، فنوى التمر ونخالة الشعير دون قشور الأرز مثلاً داخلان في التقدير. ويدخل التبن والتراب والشعر والرمل ، ونحوها ما لم يكن فاحشاً. وإدخال شي‌ء منها لإتمام الوزن لا وجه له. والأحوط إضافة ما قابل الخليط من النوع المطلوب ، وإعطاؤه ، أو تقويمه صافياً إذا أُريد دفع القيمة.

والحمل على أرطال المدينة فيكون صاعاً ونصفاً ، أو مكة فيكون عبارة عن صاعين بعيد كلّ البعد.

والمُعتَبرُ في القيمة حين الدفع في مكانه ، لا حين التعلّق.

وتُعرف القيمة بالشياع ، أو بتقويم عدلين ، أو عدل واحد على الأقوى. ولو اختلف المقوّمون أُخذ بالراجح ، ومع التساوي والاشتباه يؤخذ بالأكثر. وفي الاكتفاء بتعيّن القيمة حين الضمان بحث. والفروع كالمخبوز ، والمطبوخ ، والعنب ، والبسر ، ونحوها تُحسب بالقيمة مطلقاً.

__________________

(١) الحقو : موضع شدّ الإزار ، وهو الخاصرة. المصباح المنير : ١٤٥.

١٩٤

المقام الخامس : في مبدأ وقت الوجوب وجواز الأداء وآخر وقت الأداء

أمّا مبدأ وقت الوجوب فهو غروب الحمرة المشرقية ، وبه يدخل شوّال ، على أصحّ الأقوال. والمدار في ذي العيال على المعيل لا المعال ، فلا يجوز دفعها قبل ذلك على أنّها فطرة.

ولو دفعت قرضاً فحسبت فطرة بعد دخول الوقت مع بقاء المقترض على صفة القابلية جاز. ولو عدل فأراد الردّ منه والإعطاء لغيره ، كان له ذلك.

ولو ذهبت قابليّته ، استعادها وأعطاها ، أو أعطى بدلها. ولو دفعها زكاة مع علمه بعدم الجواز ، مشتبهاً كان أو لا ، كان له الردّ ، مع بقاء العين دون التلف.

ومع العزل يستوي الحالان في جواز الردّ ، ولكن يتولاها المجتهد بعد خيانته. ولو لم يعلم الأخذ بالقرض ، لم يجز الاحتساب إلا مع بقاء العين.

وأمّا منتهى وقت وجوب الإخراج : فهو الدخول في صلاة العيد ، قدّمها عند طلوع الشمس ، أو أخّرها إلى قرب الزوال ؛ وإن لم يصلّها ، فإلى الزّوال.

ولو أخّرها عن الصلاة ، فظهر فساد الصلاة ، جاز دفعها. ولو فات الوقت ، فلا قضاء لها ، وإنّما تُعطى صدقةً.

هذا إذا لم يعزلها ، فإن عزلها جاز له تأخيرها ؛ وإن عزل بعضها ، جاز له تأخير المعزول ، وكانت زكاة. ومع العزل تكون أمانة يجب حفظها ، فلو أتلفها أو فرّط فيها ضمن.

ولو سلّمها إلى المجتهد ، أو نائبه بَرِئ منها ، وأتى بالرّاجح ، وخرج عن محلّ الخلاف.

ومع وجود المصرف تجب المبادرة إلى تسليمها ، إلا أن يؤخّرها لحكمة ، فيجوز التأخير حيث لا يدخل في الإهمال والتهاون.

المقام السادس : في مصرفها ومقدار ما يعطى منها

أمّا الأول ؛ فمصرفها مصرف الزكاة الماليّة. والأحوط إخراج المؤلّفة والعاملين منها

١٩٥

وإعطاء الباقين ، وأحوط منه الاقتصار على الفقراء والمساكين. ولا تُعطى زكاة غير الهاشمي إلا لمثله أو لهاشميّ مضطر. وزكاة الهاشميّ تُعطى لمثله ولغيره. وقد مرّ في الزكاة المالية ما يغني عن الإطالة.

وأمّا الثاني ؛ فالظاهر أنّه لا يجوز إعطاء أقلّ من صاع أو قيمته للفقير ، إلا إذا تعذّر ، كأن تلف منه شي‌ء بلا تفريط ، أو تعدّدت الملّاك للعبد مثلاً ، فلزم كلّ واحد بعضُ صاع. والأحوط أن يجمعوا ممّا لزمهم مقدار صاع إذا أمكن ثمّ يدفعونه ، ومع النقص عنه يلحظ ما هو الأقرب إليه في وجه قويّ. ويُستحبّ حملها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ. والقول بالوجوب ضعيف.

المقام السابع : في أحكامها

وتُشترط فيها النيّة كما تُشترط في سائر العبادات. وقد مرّ الكلام فيها بما يغني عن الإعادة. والمتولّي للنيّة المالك أو وكيله إذا دفع إلى الفقراء أو غيرهم من المصارف ، وكذا إذا دفع إلى المجتهد ، وليس على المجتهد نيّة ، حتّى لو أوصلها إلى محلّها من غير نيّة كفى إن قبض بولايته ، لا بوكالته.

والاكتفاء بالنيّة وقت العزل دون الدفع أقوى ، وذلك جارٍ في جميع ما يتولاه المجتهد ويقع فيه العزل.

ولو وجبت على حيّ أو ميّت زكاة مال أو خمس ، ولم يمكن الجمع بين الفطرة وبينهما ، احتمل التوزيع بالحصص ، وتقديمهما عليها ؛ لقوّة وجوبهما.

ولو عزلَ الفطرة ثمّ امتزَجَت بماله ولم يضمنها ، حرُمت تصرّفاته ، كغيرها من الحقوق المعزولة.

ولو اجتمعت فطرة إذا أُعطيت للفقير أغنته أو زادت على غناه ، جازَ دفعها دفعة واحدة.

ولو دفع شيئاً من جنس فظهر ناقصاً ، لم يجز إتمامه إلا من ذلك الجنس.

ولو خرج معيباً ، جاز إعطاء الأرش من جنس آخر على إشكال.

١٩٦

ويُستحبّ فيها ملاحظة الرجحان من جهة الرّحم ، أو الجوار ، أو الفضيلة ، أو الصلاح أو الأحوجيّة ، وهكذا.

الباب الخامس : في الخمس

وهو واجب في الجملة ، بالضرورة من الدين على نحو وجوب الزكاة ، والحكم في تركه مثله في تركها ، وفيه بحثان :

البحث الأوّل : فيما يجب فيه الخمس

وهو سبعة أُمور : غنائم دار الحرب ، والمعادن ، والكنوز ، والغوص ، والمكاسب ، وأرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم ، والحرام المختلط بالحلال.

ولا يجب في غير ذلك ، من هبة ، أو هدية ، أو صِلة ، أو خمس ، أو زكاة ، أو صدقة مندوبة ، أو مملوك (١) بوصيّة ، أو التقاط ، أو نماء وقف ، أو ربح ، أو زيادة في عين أو قيمة من غير قصد الاكتساب فيها ؛ فلو اشترى داراً ، أو أرضاً ، أو بستاناً ، أو حمّاماً ، أو دكّاناً ، أو ثياباً ، أو ظروفاً ، أو فراشاً ، أو حيواناً ، لا للاكتساب ، فزادت قيمته ، أو ظهر نماؤه ، فلا خُمسَ فيه ؛ ولو قصد الاكتساب به ولو بالأخرة فزاد بعد ذلك ، دخل في حكم المكاسب على الأقوى.

ولو شراه بقصد الاكتساب ، ثمّ عدل إلى قصد القنية (٢) قبل ظهور الربح ، خرج عن المكاسب. ولو قصد الاكتساب بالنماء دون المثمن (٣) ، دخل النماء في المكاسب ، دون زيادة المثمن. وطريق الاحتياط غير خفيّ.

وينحصر البحث في سبعة مقامات :

__________________

(١) في النسخ المخطوطة : مملوكة.

(٢) القنية : من قولهم : اقتنيت قنيةً حسنةً ، وهو المال الذي احتجنته. جمهرة اللغة ٢ : ٩٧٩.

(٣) في «س» : الثمن.

١٩٧

المقام الأوّل : في غنائم دار الحرب

كلّما أُخذ من الكفّار الحربيّين من محمول ، وغير محمول ، أرض أو غيرها ، ولم يكن مغصوباً من مسلم ، أو ذميّ ، أو معاهد ، أو معتصم بأمان ، أو عهد بجهاد وعسكر مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ أو الإمام ؛ أو منصوبهما ، أو بإذنٍ من أحدهما ، ففيه الخمس. ومن الغنيمة فدائه المشركين ، وما صُولحوا عليه.

وأمّا ما أُخذ بسرقة أو خدعة ، بمعاملة أو بحيلة ، أو دعوى باطلة ، أو باسم الربا ، أو نحو ذلك ، فهو لأخذه ، وفيه الخمس على الأصحّ.

وما أُخذ بالنحو الأوّل من غير إذن الإمام فالكلّ للأئمّة عليهم‌السلام.

وقد أحلّوا سلام الله عليهم جميع ما هو مختصّ بهم من الأنفال أو مشترك بينهم وبين ذراريهم من الخمس لشيعتهم الاثني عشرية ، من عقارات ، أو مملوكين ، أو مملوكات ، أو أجناس ، أو نقود ؛ تملّكوها بهبات أو بمعاوضات أو بغيرها من المملكات ، من الغاصبين لحقوق الأئمّة الهُداة ، أو ممّن تفرّع عليهم ، وانتقل إليه لبعض الجهات. ومن حلّل منهم عليهم‌السلام حقّهم كلا أو بعضاً لشيعتهم كلّ أو بعض ، مضى تحليله.

والظاهر أنّ ما حواه العسكر من البُغاة عن إذن الإمام يُخرَج منه الخمس أيضاً.

وما كان من أموال المخالفين وغيرهم ممن لا يرى رأي الإماميّة ممّن لم ينصب العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام لا يجوز أخذه. بل يجري عليهم أحكام المسلمين في الدنيا. وأمّا من نصب العداوة لأحدهم عليهم‌السلام ، فقد ورد في بعض صحاح الأخبار إلحاقهم في إباحة المال وإخراج الخمس بالكفّار (١) ، غير أنّ إلحاقهم بهم في غير حكم النجاسة ، ممّا اضطربت فيه الأفكار. وتنزيل الناصب فيها على الكفّار كما ذكره الحلّي (٢) وجه وجيه.

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٧ ح ١١٥٣ و ١١٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٢٢٢ أبواب ما يكتسب به ب ٩٥ ح ١ و ٢.

(٢) السرائر ١ : ٨٤.

١٩٨

والكفر أقسام :

الأوّل : ما يُستحلّ به المال ، وتُسبى به النساء والأطفال ، وهو كفر الإنكار ، والجحود ، والعناد ، والشكّ في غير وقت النظر مقدّراً بأقلّ قدر في حقّ الملك الجبّار ، أو النبيّ المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو المعاد مطلقاً. وكفر الشرك بإثبات إله آخر ، أو نبيّ آخر ، مع إثبات ما عداها وبدونه (١).

القسم الثاني : ما يُحكم فيه بجواز القتل ، ونجاسة السؤر ، وحرمة الذبائح ، والنكاح من أهل الإسلام ، دون السبي والأسر وإباحة المال ؛ وهو كفر من دخل في الإسلام ، وخرج منه بارتداد عن الإسلام ويزيد الفطري منه في الرجال بإجراء أحكام الموتى أو كفر نعمة من غير شُبهة ، أو هتك حُرمة ، أو سبّ لأحد المعصومين عليهم‌السلام ، أو بغض لهم (٢) ، أو بادّعاء قِدَم العالم بحسب الذات ، أو وحدة الوجود أو الموجود على الحقيقة منهما ؛ أو الحلول ، أو الاتحاد ، أو التشبيه ، أو الجسميّة ، أو المحلّيّة للأعراض والأحوال أو (٣) المكان على نحو الأجسام فيهنّ ، أو الرؤية على نحو المرئيّات ، أو الزوجة ، أو الوالد ، أو الولد ، أو النسب ، أو تفويض الخلق إلى بعض المخلوقات ، أو الوعيد ، أو إنكار الشفاعة ، أو عدم عود الأجسام ، أو عدم تأليم جهنّم ، أو إنكار وجوب الصلاة اليوميّة ، أو الطهارة لها ، أو الصوم ، أو الزكاة ، أو الخمس ، أو الحجّ ، ونحوها من ضروريّات الدين ، مع عدم السبق بشُبهة ، ولكن مع انتحال الإسلام.

القسم الثالث : كفر النفاق ، وهو عكس الجحود ، ويجري عليه أحكام الإسلام ، ما لم يظهر الخلاف ، فيخرج عن ظاهر الإسلام ، ويلحق بالقسم الثاني.

والظاهر أنّ إخراج الخمس من الغنيمة بعد المؤن والسلب والجعائل وما يرضخه (٤)

__________________

(١) في «ص» زيادة : ومنها كفر الغُلاة وشبههم من المثبتين لإله غير الله.

(٢) في «ص» زيادة : أو إنكار ضروري من الدين من غير شبهة.

(٣) في «س» ، «ص» : و.

(٤) رضخت له رضخاً : أعطيته شيئاً ليس بالكثير ، والمال رضخ. المصباح المنير : ٢٢٨.

١٩٩

الإمام للنساء والعبيد والكفّار وإن قاتلوا مع المسلمين ، ولا نصاب هنا.

المقام الثاني : في المعادن

جمع معدن ، من عَدَنَ ، أي أقام ، لإقامة ما يحمل منه فيه ، أو لإقامة الناس فيه لأخذ ما فيه. وهو هنا ما كان من الأرض ، وخرج عنها في الجملة لخصوصيّة فيه.

وهي جامدة منطبعة ، كالنقدين ، والحديد ، والرصاص ، والصفر ، ونحوهنّ ؛ وغير منطبعة ، كالياقوت ، والعقيق ، والفيروزج ، والبلور ، والكحل ، والملح ، واللؤلؤ ، والمرجان ، والمغرة ، والأحوط إلحاق النورة ، وطين الغسل ، وحجارة الرحى والملاحة ، وحجر النار ، ونحوها ؛ ومائعة ، كالقير ، والنفط ، والكبريت ، ونحوها.

وإنّما يجب إخراج الخمس فيها بعد وضع المصارف ، وحصول أوّل نصابي الزكاة على الأصحّ فيهما. والأحوط اعتبار الدنانير هنا.

ولا يُشترط إخراج النصاب دفعةً ، بل يجب مع التعاقب ، وإن حصل بين الدفعات إعراض.

ولو اشترك جماعة في إخراج معدن ، اعتُبر النصاب في نصيب كلّ واحدٍ منهم. ولو كان في البين حائز وناقل وسابك ، اختصّ به الحائز مع اشتراكهم في النية ، والناقل دون السابك مع اشتراكهما فيها دون الحائز ، واختصّ السابك مع خلوّهما عنها ، وكان للنّاقل المأمور الأُجرة ، إلا إذا قصدوا الشركة بتوكيل بعضهم بعضاً ؛ فإنّه يوزّع عليهم جميعاً.

ولا يصحّ إخراج الخمس من تراب المعدن ؛ لقيام احتمال الاختلاف. ولو علم التساوي أو زيادة المدفوع على الحقّ ، لم يجز أيضاً ؛ لأنّ الظاهر أنّ الخمس إنّما يجب بعد ظهور الجوهر.

ولو وجد معدن في أرض مملوكة فهو للمالك ، وفي المباحة للواجد.

ولو بلغ النصاب حين الأخذ ، ثمّ نقصت قيمته عنه أو بالعكس ، فالمدار على حين الاستنباط. ولو حصل النصاب من معادن متعدّدة ، وجب الخمس.

٢٠٠