كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

وهو ميقات لأهل المدينة ، ومن مرّ عليها ، وهو معروف.

وقد يتوهّم بعض الناس بمسجد آخر يُسمّى مسجد عليّ عليه‌السلام.

والظاهر دخول السقائف فيه ، والأولى تجنّبها ، والإحرام في الموضع المكشوف منه.

وهو قطعة من ذي الحليفة بضمّ الحاء ، وفتح اللام وبالفاء ماء من مياه بني جشم ، ثمّ سمّي به الموضع.

وقد يُطلق على مسجد الشجرة على ستّة أميال من المدينة. وقيل سبعة (١). وقيل : أربعة (٢). وقيل : خمسة (٣). وقيل : ثلاثة (٤). وقيل : ميل (٥). وقيل : مرحلة (٦). وسمّي ذا الحليفة لتحالفهم فيه ، أو تصغير حَلَفَة واحدة الحلفاء نبت معروف ، وهو عن مكّة على بعد عشر مراحل.

الثالث : الجُحفة ، وهي بجيم مضمومة ، فحاء مهملة ففاء على سبع مراحل من المدينة ، وثلاث من مكّة ، وبينها وبين البحر ستّة أميال ، وقيل : ميلان (٧).

وقيل : كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلاً من مكّة (٨).

وهي ميقات أهل الشام ، ومصر ، والمغرب ، وكلّ من مرّ عليها اختياراً إن لم يمرّوا بمسجد الشجرة. تُسمّى المهيعة ، بفتح الميم ، وإسكان الهاء ، وفتح الياء ، والعين.

وقد يقال : مهيعة ، كمعيشة من الهيع ، وهو السيلان.

__________________

(١) معجم البلدان ٢ : ٢٩٥ مادة «حلف».

(٢) حكاه عن ابن حزم في خلاصة الوفاء : ٥٤٢.

(٣) سفرنامه ابن بطوطة ١ : ١٣١.

(٤) نقله عن الإسنوي في خلاصة الوفاء : ٥٤٢ ، وذكره في المصباح المنير : ١٤٦.

(٥) المبسوط ١ : ٣١٣ ، المنتهي ٢ : ٦٦٧.

(٦) المصباح المنير : ١٤٦.

(٧) ذكره في كشف اللثام ٥ : ٢١٢.

(٨) القاموس المحيط ٣ : ١٢١ مادة جحفة.

٥٤١

وسمّيت جُحفة ؛ لأنّ السيل أجحف بها وبأهلها ، وهي ميقات أهل المدينة ، ومن مرّ عليها ، وعلى ذي الحليفة ، مع الاضطرار.

وإن مرّ عليها من دون دخول المدينة أو مع دخولها ، وعدم الدخول بمسجد الشجرة ، جاز الإحرام منها اختياراً ، على تأمّل في الأخير.

الرابع : يلملم ، وألملم ، قيل : والثّاني أصل ، فرجع بتخفيف الهمزة إلى الأوّل (١) ، وقد يقال : يرمرم.

والمعروف أنّه جبل (٢) ، وقيل : وادٍ (٣) ، فإن أمكن الجمع فيهما ، وإلا وجب تكرير الإحرام.

واشتقاقه من اللمم بمعنى الجمع.

وهو على مرحلتين من مكّة ، ميقات لأهل اليمن ، ومن يمرّ عليه من جهتها.

الخامس : قرن المنازل بفتح القاف ، وسكون الراء خلافاً للجوهريّ : حيث زعم الفتح ، وزعم أنّ أُويساً القرني بفتح الراء منسوب إليه (٤).

واتّفق العلماء على تغليطه فيهما ، وأنّ أُويساً منسوب إلى بني قرن بطن من مراد. ويقال له : قرن الثعالب ، وقرن بلا إضافة وهو جبل مشرف على عرفات ، على مرحلتين عن مكّة (٥).

ونقل : أنّ قرن الثعالب غيره ، وأنّه جبل مُشرف على أسفل منى ، بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع (٦).

وقيل : هو قرية عند الطائف ، أو اسم الوادي كلّه (٧) ، وقيل : القرن بالإسكان اسم

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٢٤٦ ، وذكره في كشف اللّثام ٥ : ٢١٥.

(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٧٧ مادة (لمه).

(٣) إصلاح المنطق : ١٦٠ ، ونقله عنه في كشف اللثام ٥ : ٢١٥.

(٤) الصحاح ٦ : ٢١٨١ مادة «قرن».

(٥) انظر النهاية لابن الأثير ٤ : ٥٤.

(٦) ذكره في كشف اللثام ٥ : ٢١٦.

(٧) القاموس المحيط ٤ : ٢٥٨ مادة «قرن».

٥٤٢

الجبل ، وبالفتح الطريق (١) ، والذي ينبغي الأخذ بالاحتياط ، وربّما وجب عدم الترجيح.

السادس : موضع مكّة القديم الكائن وقت توجّه الخطاب أو مطلقاً في وجه ، ولا اعتبار بالبنيان ، ولا بالموضع الجديد ، ولا بالمشتبه بين الأمرين.

وما عدا الأخير ممّا تقدّم ميقات لكلّ عابر عليها ، قاصد قراناً في الحجّ ، أو إفراداً ، أو عمرة تمتّع أو عمرة إفراد غير تابعة الحجّ.

ومكّة ميقات لحجّ التمتّع لساكنيها وغيرهم ، والعمرة المفردة ما لم يكن بعد الحجّ ، فيكون ميقاتها أدنى الحلّ ، ولحجّ الإفراد والقران لأهل مكّة المتوطّنين بها ، ومَن في حكمهم.

السابع : مُحاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة ، لمن يؤمّ مكّة ، ويلزمه الإحرام ، ولم يمرّ بميقات ، وتكفي المحاذاة العرفية ، ولا تشترط الحقيقيّة ، ويكتفي مع البعد بالمظنّة.

والبصير وغير الخبير يقلّدان في ذلك ، ويحتمل اعتبار محاذاة الأبعد ، والتخيير ، والأقرب إليه ، ويختصّ التخيير بصورة تساويهما بالنسبة إليه ، ومن جهل المحاذاة تقدّم احتياطاً ، ومن انكشف فساد زعمه ، فظهر له عدمها ، رجع إليها مع الإمكان ، وإلا مضى ، وقد يقال : بالمضيّ مطلقاً ، ومن حجّ أو اعتمر بالبحر راعى المحاذاة.

الثامن : مَنزل من كان منزله أقرب إلى موضع مكّة القديم ، أو مطلقاً في أحد الوجهين ، ولو بأقلّ القليل من أقرب ميقات إليها ، وأقرب جزء منه ، في حجّ كان أو عمرة على الأقوى ، بشرط كونه وطناً ، داراً أو صهوة أو غيرهما.

ولو اختصّ القرب ببعضه أجزأ.

ولو كان له طريقان : أحدهما أقرب ، والأخر أبعد ، اعتبر الأقرب. والظاهر أنّ المدار على قرب الفضاء.

ولو كان من الأعراب يبعد ويقرب ، لوحظ وقت القصد ، مع احتمال تقديم

__________________

(١) ذكره في كشف اللثام ٥ : ٢١٦.

٥٤٣

القرب على البعد ، والعكس.

ولو كان له وطنان ، لوحظ الأكثر سكنى ، ومع التساوي يتخيّر ، ويحتمل ترجيح القرب على البعد ، وخلافه. والظاهر أنّ أهل مكّة من هذا القسم ، ويشاركون في الحكم. وأنّ هذا رخصة ، فيجوز له ، بل يستحبّ الإحرام من الميقات.

والتابع يجري عليه حكم المتبوع في التوطّن وعدمه ، ولو اشتبه الأقرب ، تعيّن الميقات ، مع البناء على الرخصة ، وإلا لزم الجمع من باب الاحتياط ، ويكتفي بالمظنّة في ذلك ، ولو من خبر الأعراب. ومع مساواته مع بعض المواقيت يتعيّن الميقات.

والمدار على توطّن البقعة ، فلا فرق بين المنزل المملوك ، والمستأجر ، والمستعار ، والمغصوب وإن كان مع البقعة. والوطن الشرعي مع العدول عن العرفي لا يفيد ، وتنزيل الإقامة حينئذٍ منزلة المتوطّن في الأخبار (١) لا يجري في هذا الحكم ، وفي مبدأ العدول عن الوطن قبل الخروج منه إلى سفر يقوى إلحاق خروجه بخروج المتوطّن.

التاسع : فَخّ بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة بئر معروف على رأس فرسخ من مكّة ، والظاهر أنّه الموضع الذي قتل به الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقيل : موضع بمكّة (٢) وقيل : عند مكّة (٣) ، وقيل : واد دفن به عبد الله بن عمر (٤) ، والأصحّ الأوّل ، وربّما رجعت المعاني الأخر إليه وهو ميقات للصّبيان.

ولا يلحق بهم المجانين إذا حجّ بهم الأولياء على طريق المدينة ، لبعد الميقات عن مكّة ، فيعسر عليهم طول الإحرام ، وإن كان عبورهم على المواقيت الأُخر أحرم بهم منها.

والمراد بالصبي : من لم يُفطم ؛ لأنّه المتيقّن ، وغيره يبقى على حكم غيره ، وهو

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ح ٣٢٨ ، الوسائل ٨ : ١٩١ أبواب أقسام الحجّ ب ٨ ح ٣ و ٤.

(٢) لسان العرب ٣ : ٤٢ مادة فسخ ، القاموس ١ : ٢٧٥.

(٣) نهاية ابن الأثير ٣ : ٤١٨ باب الفاء مع الخاء.

(٤) القاموس ١ : ٢٧٥ باب الخاء فصل الفاء ، معجم البلدان لياقوت الحموي ٤ : ٢٣٧.

٥٤٤

ميقات التجريد ، والإحرام معاً على الأقوى.

ولا يجب على الأولياء الإحرام بهم ، ولا تكليف من دون البلوغ مميّزاً ، فضلاً عن غيرهم بالإحرام. ولهم أن يدخلوهم مكّة من غير إحرام ، ولا تجريد ثياب ، وإن جاز ، بل استحبّ لهم ذلك ، لكنّهم إذا أحرموا بهم أجروا عليهم أحكام المحرمين ، والتزموا بما يلزمهم من هدي تمتّع أو كفّارات ، تعمّدوا فيها أو أخطأوا ؛ وأدّوا عنهم أقوالاً وأفعالاً لا يمكن صدورها منهم.

العاشر : محلّ الإمكان لمن تعذّر عليه الإحرام من ميقاته من دون تعمّد لتركه ، كمن تجاوز ميقاته ناسياً ، أو جهل بالموضوع ، أو بالحكم في وجه ، أو صدّ صادّ ، أو خوف ، ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات ، ولا بقي له ميقات يحرم منه ، فإنّه يلزمه البدار في محلّ ارتفاع الأعذار.

فإن لم يرجع ، أو كان تركه في المبدأ عن عمد ، أو لم يُبادر بالإحرام في مكان العُذر ، فسد عمله ، لفساد إحرامه. وأمّا المريض والمبطون ، فيقوى عدم وجوب العود عليهم ، وإن كان الاحتياط فيه.

ولو أمكنه دفع العدو بمالٍ لا يضرّ بالحال ، وجب. ولو لم يمكن إلا بالقتال مع الاطمئنان بعدم ترتّب ضرر على البدن والمال في مقاتلة الكفّار أو المسلمين والمخالفين والموالين وجب على إشكال ، ولا سيّما في القسم الأخير.

الحادي عشر : المكان المنذور فيه الإحرام ، وهو متقدّم على المواقيت. وفي تسرية الحكم إلى من نذر ذلك على عبده أو مولى عليه آخر إشكال ، والأقوى العدم ، كأن ينذر الإحرام لحجّ أو عمرة من الكوفة أو خراسان ونحوهما ، فيكون المنذور ميقاتاً له.

ويختصّ الحكم بالنذر من بين الالتزام ، بل بنذر الشكر دون الزجر ، ودون التبرّع. ولا يبعد أن يقال بالتسرية إلى باقي ضروب الالتزام من العهد واليمين ، وإن كان الأقوى ما ذكرنا.

ثمّ إن كان ما أحرم له حجّا أو عمرة تمتّع ، لم يجز الدخول في الإحرام المنذور إلا في أشهر الحجّ ، فإن كانت الأشهر تفي له بالوصول صحّ ، وإلا فلا ، والقول بالصحّة

٥٤٥

مطلقاً غير بعيد الوجه. ثمّ إذا أحرم لزمه أحكام المحرم.

الثاني عشر : مكان خوف تقضّي رجب ، فلا (١) يدرك عمرته ، سواء كان تأخّره عن اختيار أو لا.

ولو بان عدم الضيق بعد الإحرام أعاده ، والأحوط أن يعيد مطلقاً عند بلوغ الميقات.

ولو كان إحرامه لحجّ أو عمرة غير رجبيّة ، لم يجز التقدّم ، والحكم مختصّ بخوف الفوت للضيق ، أمّا إذا خاف لجهة أُخرى فلا. وفي تسرية الحكم إلى النائب مجّاناً أو بأُجرة وجهان.

الثالث عشر : رأس مسافة تساوي أقرب المواقيت إلى مكّة لمن لم يكن له مُحاذاة لبعض المواقيت ، وقيل : أبعدها (٢) ، وقيل : بالتخيير (٣) ، وقيل : برجوعه إلى أدنى الحلّ ؛. (٤) ويمكن القول بوجوب سلوكه طريقاً يمرّ بالمواقيت ، أو يحاذيها ما لم يكن له مانع يمنعه.

ولو زعم المساواة فأحرم ، ثمّ انكشف الخلاف ، فإن كان أتمّ العمل تمّ ، وإن حصل له العلم قبل الدخول في العمل عاد ، وفي الأثناء وجهان ، ومع الاضطرار لا كلام.

الرابع عشر : أدنى الحلّ إلى الحرم ، فيخرج من الحلّ المتصل بالحرم ، ثم يدخل الحرم ، ويُعتبر الاتّصال العرفي بالحرم. ولو أحرم مع الفصل الطويل ، أعاد عند قرب الحرم.

وهو ميقات للعمرة المفردة بعد الحجّ قراناً أو إفراداً أو تمتّعاً ، وكلّ معتمر عمرة مفردة من بطن مكّة لأهل مكّة ، وغيرهم على طريق الرخصة لا العزيمة. فلو خرج إلى أحد المواقيت ، وأحرم منه ، فلا بأس ، بل هو أفضل.

__________________

(١) في «ص» : فلم.

(٢) المنتهي ٢ : ٦٧١.

(٣) إرشاد الأذهان ١ : ٣١٥.

(٤) القواعد ١ : ٤١٧ الرسائل العشر لابن فهد : ٢٠٣.

٥٤٦

فإن وقع إحرامها من مكّة ، أو وسط الحرم ، بَطَلَ ؛ لأنّه لا بدّ في النسك من الجمع بين الحلّ والحرم. والحاجّ المتمتّع يجمع بينهما بالخروج إلى عرفات.

وكلّ من لم يتمكّن من المواقيت وأراد الدخول إلى مكّة ، فميقاته أدنى الحلّ.

ويستحبّ لمن أراد العمرة من أهل مكّة ومجاوريها الإحرام من الجِعرانة ، بكسر الجيم ، وإسكان العين ، وتخفيف الراء. وقيل : بفتح الجيم ، وكسر العين ، وتشديد الراء (١) ، وهي موضع بين مكّة والطائف من الحلّ ، بينها وبين مكّة ثمانية عشر ميلاً ، وقيل : سبعة أميال (٢) ، قيل : هو سهو (٣).

أو من الحديبية بضمّ الحاء ، وفتح الدال المهملة ، ثمّ ياء مثنّاة تحتانيّة ساكنة ، ثمّ باء موحّدة ، ثمّ ياء مثنّاة تحتانيّة ، ثمّ تاء تأنيث وهي في الأصل اسم بئر خارج الحرم على طريق جدّة ، عند مسجد الشجرة ، الّتي كانت عند بيعة الرضوان.

قيل : هي دون مرحلتين من مكّة (٤) ، وقيل : على نحو مرحلة منها (٥) ، وقيل : على تسعة أميال من المسجد الحرام (٦). وقيل : اسم شجرة حدباء ، سمّيت بها قرية هناك ليست بالكبيرة (٧) ، قيل : إنّها من الحلّ (٨) ، وقيل من الحرم (٩) ، وقيل : بعضها في الحلّ ، وبعضها في الحرم (١٠) ، يقال إنّه أبعد أطراف الحلّ إلى الكعبة (١١).

أو من التنعيم على لفظ المصدر ، قيل : سمى به موضع على ثلاثة أميال من مكّة أو

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٤١.

(٢) المصباح المنير ١ : ١٤١ مادة جعر.

(٣) كشف اللثام ٥ : ٢٢٠.

(٤) المصباح المنير ١ : ١٦٩ مادة «حدب».

(٥) تهذيب الأسماء : القسم الثاني : ٨١. ونقله عن النووي في كشف اللثام ٥ : ٢٢٠.

(٦) نقله عن الواقدي في المصباح المنير ١ : ١٦٩ مادة «حدب» ، وفي كشف اللثام ٥ : ٢٢٠.

(٧) تهذيب الأسماء : القسم الثاني : ٨١ ، وانظر القاموس المحيط ١ : ٥٥ ، ومعجم البلدان ٢ : ٢٢٩.

(٨) حكاه في كشف اللثام ٥ : ٢٢٠.

(٩) حكاه في كشف اللثام ٥ : ٢٢٠.

(١٠) المصباح المنير : ١٦٩ ، ونقله عن مالك بن أنس في معجم البلدان ٢ : ٢٣٠.

(١١) المصباح المنير : ١٦٩ ، معجم البلدان ٢ : ٢٢٩.

٥٤٧

أربعة (١) ، وقيل : على فرسخين على طريق المدينة به مسجد أمير المؤمنين ، ومسجد زين العابدين ، ومسجد عائشة. وسُمّي تنعيماً ؛ لأنّ عن يمينه جبلاً اسمه نعيم ، وعن شماله جبل اسمه ناعم ، واسم الوادي نعمان (٢) ، ويقال : هو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة (٣).

ومعرفة الحلّ موقوفة على معرفة. مقدار الحرم ، وهو بريد في بريد ، وعلى معرفة حدوده من الأطراف. وعن الصادق عليه‌السلام : «أنّ الحجر الأسود لمّا أُنزل من الجنّة ، ووضع في موضعه ، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقها نور الحجر ، عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال» (٤).

ونقل : أنّ آدم لمّا أهبط إلى الأرض لم يأمن مكر الشيطان ، فبعث الله له ملائكة أحاطوا بمكّة ، من جوانبها يحرسونه ، فمواضعهم حدود الحرم ، فلمّا بنى إبراهيم الكعبة علّمه جبرئيل المناسك وحدود الحرم. فأُعلمت بالعلائم ، حتّى حدّدها قصي.

ثمّ هدم بعضها قريش ، فأعادوها بعد أن أخافهم الله والملائكة معهم. وفي عام الفتح حدّدها تميم بن أسد الخزاعي ، ثمّ في زمان عمر ، ثمّ في زمان عثمان (٥).

وقد اختلف الأنقال في التحديد ، وبعضها لا يلائم ما أجمعوا عليه ، من أنّه بريد في بريد ، إلا أن ينزّل على أنّ التحديد في السهل ، والحدود في الجبل ، أو العكس. والمدار على الحدود المعروفة بين الناس ، ويكفي في معرفة المجهول سؤال الأعراب ونحوهم.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٨٢ مادة النعيم.

(٢) معجم البلدان ٢ : ٤٩ مادة التنعيم ، وليس فيه «مسجد أمير المؤمنين ومسجد زين العابدين».

(٣) المصباح المنير ١ : ٨٤٣ مادة «نعم».

(٤) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٢ ، علل الشرائع : ٣١٨ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٢ ، الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب القبلة ب ٤ ح ٢.

(٥) أخبار مكّة لأبي الوليد الأزرقي ٢ : ١٢٧ ـ ١٢٩.

٥٤٨

المقام الثاني : في أحكامها

وفيه أبحاث :

الأوّل : في أنّ المواقيت بأسرها عبارة عمّا يساوي الأسماء من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، فلو أحرم من بئر أو سطح فيها راكباً أو ماشياً أو مضطجعاً وفي جميع الأحوال فلا بأس.

الثاني : في أنّه إذا أحرم ، وبعض من بدنه في الميقات ، وبعض خارج اتّبع العرف ، ويحتمل اعتبار المداقّة ، وعدم التعويل على المساهلة العرفيّة.

الثالث : في أنّ الإحرام من أبعد المواقيت إن يتمكّن من غيره ومن أبعد قطع الميقات الواحد ، أفضل من القريب.

الرابع : أنّ كلّ من يمرّ على ميقات قاصداً دخول مكّة في حجّ إفراد أو قران أو عمرة تمتّع ، فترك الإحرام منه عمداً ، ثمّ أحرم من دون ميقات آخر سواء كان من أهله أو لا ، أمكنه الرجوع أو لا عصى. ثمّ إذا فعله من ميقات آخر صحّ. وإن لم يكن شي‌ء من ذلك ، تحلّل بعمرة مفردة من أدنى الحلّ.

ولو كان معذوراً لصدّ أو مرض أو إغماء أو دهشة أو جنون أو نوم أو نسيان أو جهل بالموضوع والظاهر لحوق جهل الحكم به أو لغير ذلك ، ثمّ ارتفع العذر ، وأمكنه الرجوع رَجَعَ. وإن تعذّر وتمكّن من ميقات آخر أحرم ، وإلا فمن محلّه.

ويحتمل عدم وجوب الرجوع على المريض ، وتجوز النيابة عن المريض ونحوه في الإحرام ، بل تستحبّ.

ومن تجاوزه قاصداً غير مكّة ، أو خالياً عن القصد ، أو كائناً ممّن لا يلزمه الإحرام ، ثم أراد حجّا أو عمرةٍ تمتّع خَرَجَ إلى ميقات. فإن تعذّر ، فمن أدنى الحلّ. فإنّ تعذّر ، فمن محلّه.

ومن قصد عمرة مفردة ، خرج إلى أدنى الحلّ ، من أهل مكّة أو غيرها.

ومن أحرم قبل الميقات لنذر مثلاً ، اجتزئ به لحجّ أو عمرة.

الخامس : في أنّه لو بعثته التقيّة على ترك الإحرام من الميقات ، أضمره في نفسه ، وبقي

٥٤٩

على صورة المحلّ حتّى ترتفع عنه. وإذا استمرّت إلى آخر المناسك ، فلا بأس.

السادس : في أنّه إذا أحرم من ميقات فأفسد ، لم يكن له تجديد الإحرام في ميقات ، ولا في غيره ، بل يبقى على حاله ، بخلاف التارك المعذور.

السابع : في أنّه تكفي المظنّة في معرفة المواقيت الناشئة من قول الأعراب ، ولو من واحد.

والأحوط : طلب العلم ، ثمّ أقوى الظنون ، مع التمكُّن ، من دون عسر.

ولو حصل التعارض ، أخذ بالترجيح. ومع التساوي ، وحصول التردّد من غير مخبر ، يلزم الجمع بين المحتملات إن أمكن ، ومع عدم الإمكان يتخيّر ، ويذهب إلى ميقات آخر احتياطاً.

الثامن : في أنّه لو نذر أو عاهد أو حلف على أن يحرم من ميقات ، فمرّ بغيره ، انحلّ نذره.

وفيما لو كان مستأجراً ، مع اشتراط غير ما مرّ عليه ، يحتمل ذلك ، والبقاء على حكمه السابق ، وفساد الإجارة ، والأوّل أولى.

التاسع : في أنّه لو حصل جهل في مبدأ الميقات ، قدّم الإحرام واللبس والتلبية ، واستمرّ على النيّة والتلبية حتّى يعلم مصادفتها الميقات.

العاشر : في أنّه لو كانت دويرة أهله مسامتة للميقات ، جازت المحاذاة من خارجها ، والأحوط الإحرام بها. ولو كانت في الميقات ، لم يكن لها خصوصيّة بالنسبة إلى مواضعه الأُخر.

الحادي عشر : لو نوى بزعم أنّه ميقات ، فظهر الخلاف بالتقدّم ، عاد.

وإن ظهر بالتأخر ، لم يعُد على إشكال. ولو انعكس الأمر ، وأمكن حصول نيّة القربة منه ، صحّ.

الثاني عشر : في أنّه لا يجوز إدخال إحرام على إحرام ، وليس العدول منه ، ولا إدخال عمل في عمل ، تجانس أو اختلف ، إلا ما استثني.

الثالث عشر : في أنّه تجوز نيابة الرجل والمرأة والخنثى بعض عن بعض في الإحرام وغيره ، ويتبع النائب المنوب عنه في الأنواع ، وفي الصفات الخارجة له حكم نفسه.

الرابع عشر : في أنّه لا يجوز الجمع بين نيّتي إحرامين ، ولا بين نسكين في غير الولي والمولّى عليهم ، ممّن يجوز للمولى القيام عنهم ، بما لا يصحّ وقوعه منهم.

٥٥٠

الفصل السادس : في محرمات الإحرام

والبحث فيها في مقامين :

الأوّل : في أقسامها ، وما يلحقه من صفات المحرّمات ، وهي من أحكام الإحرام ، والحرم.

ويختصّ الإحرام بحرمة أُمور سبعة عشر قسماً : الصيد ، والنساء ، والطيب ، والادهان ، ولبس المخيط ، ولبس الخفّين ، والاكتحال بالسواد ، والنظر في المرأة ، وإخراج الدم ، وقصّ الأظفار ، وإزالة الشعر ، والفسوق ، والجدال ، ولبس الخاتم للزينة ، والحنّاء للزيتة ، وتغطية الرأس للرجل ، والتظليل ، ولبس السلاح.

ويلحق بها قلع السنّ ، وليس في دليله سوى لزوم الكفّارة ، وتغسيل الميّت ، وليس من محرّمات الإحرام الاغتسال للتبريد ، وهو ضعيف ، وقطع الحشيش ، والشجر ، مع أنّه من أحكام الحرم دون الإحرام.

فينحصر الكلام في مباحث :

أوّلها : الصيد

وأصله : ركوب الشي‌ء رأسه ومضيّه غير مُلتفت (١).

ثمّ جُعل ابتداء أو نقلاً مصدراً بمعنى الاصطياد ، أو اسماً بمعنى المصيد يعمّان المحلّل والمحرّم في كتاب الصيد ، كما يؤذن به التقسيم فيه ، فللكتاب وضع خاصّ.

أو الخلاف الجاري هنا جارٍ فيه ؛ إذ القوم بين معمّم للحرام والحلال ؛ استناداً إلى مثل قول أمير المؤمنين عليه‌السلام :

صيد الملوك ثعالب وأرانب

وإذا ركبت فصيدي الأبطال (٢)

وقول العرب : سيد الصيد الأسد (٣). وقولهم : ليث تزبّى زبية فاصطيدا (٤).

__________________

(١) مقاييس اللغة ٣ : ٣٢٥ مادة «صيد».

(٢) نقله عنه الراوندي في فقه القرآن ١ : ٣٠٦ ، والفاضل في كشف اللثام ٥ : ٣٢٠.

(٣) حكاه الفاضل في كشف اللثام ٥ : ٣٢١.

(٤) تهذيب اللغة ١٥ : ٤٠ ، لسان العرب ٦ : ١٨ مادة «زبي».

٥٥١

وقول الصادق عليه‌السلام إذا أحرمت ، فاتّق صيد الدوابّ كلّها ، إلا الأفعى والعقرب والفأرة (١). وإلى عموم الأخبار في الكفّارات للمحلّلات وبعض المحرّمات.

وبين مخصّص بالمحلّل ؛ نظراً إلى أنّه الفرد الظاهر عند الإطلاق ، ولمقابلته بالجزاء ، ولترتّب منع الأكل ، وكونه ميتة على ذبحه في الحرم أو من المحرم ، إلى غير ذلك ممّا يظهر من تتبّع الأخبار (٢).

وبين معمّم للحلال ، وبعض أفراد الحرام ، من الأسد ، والثعلب ، والأرنب ، واليربوع ، والقنفذ.

ويمكن أن يقال : إنّه عبارة عن الحلال في الشرع كائناً ما كان ، فلأهل مكّة صيد ، فالخنازير صيد عند النصارى دون غيرهم.

أو يقال : هو عبارة عن المستحلّ وإن لم يكن حلالاً ممّا يأكله الأعراب مُستحلّين له صيد عندهم ، أو يقال : هو عبارة عمّا يؤكل ، وإن كان حراماً باعتقاد اكله.

والظاهر التعميم ، غير أنّ الشائع الحلال ، فيحرم من الصيد وهو الممتنع بالأصالة ، من حلال اللحم مطلقاً ، على تأمّل في صدقه على مثل الجراد ، أو من كبار حرامه (٣) على المحرم في حلّ أو حرم ، ومن في الحرم محلّا أو محرماً جميع أنواع المحلّل ، وكبار المحرم إلا ما استثني.

أما ما تعلّق بالحرم (٤) فلما يظهر من تتبّع الأدلّة أنّ الحرم موضع الأمن لآحاد الإنسان والحيوان ؛ ، وأن تحريم التعدّي فيه للاحترام.

وأمّا ما تعلّق بالإحرام ؛ فلما يظهر من تعليل الاستباحة لبعض المحرّمات بكونها

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ح ٢ ، العلل : ٤٥٨ ح ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب كفارات الصيد ب ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

(٣) في «ح» كباره حرامه.

(٤) انظر الوسائل ٩ : ١٧٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨٨.

٥٥٢

صارت مؤذية للحيوان أو الإنسان ، ومن قول الصادق عليه‌السلام : «اتّقِ قتل الدواب كلّها إلا الأفعى والعقرب والفأرة» (١).

وقول أبي الحسن عليه‌السلام في جواب من سأله عن المحرم ، وما يقتل من الدواب : «يقتل الأسود ، والأفعى» (٢) إلى أخره ، إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

ووردت الرخصة في عدّة حيوانات من الحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والسبع ، والذئب إذا أرادتك ، وكلّما تخاف أذيّته ، ورمي الغراب ، والحداءة ، وتنفيرهما عن ظهر البعير (٤).

ويحرم من المحرم التعرّض له مُباشرة أو تسبيباً ، فيحرم اصطياده ، وذبحه ، وأكله ، وقتله ، والإشارة إليه ، والدلالة عليه ، والإغلاق عليه ، وتنفيره ، وتخويفه ، وربطه ، وحبسه ، وإحداث أُمور تقتضي تفطّن الناس إليه ، من ضحك ، وحركات ، وأوضاع تُنبئ عنه ، أو التماسِ أن يذهب إلى مكان هو فيه ، أو شجرة أو صخرة هو حولها ، لمن يُريد صيده ، ولا يعلم مكانه ، أو إعطاء سلاح ، أو ندبه ، أو غيرها ، مع قصد ذلك ، إلى غير ذلك.

وإن ذبحه أو نحره حيث تكون ذكاته بذلك كان ميتة ، ولو صاده المحلّ.

وإن قبض الجراد ، كان قبضه تذكية ، وإن فعل حراماً على إشكال.

ولو رماه محرماً ، فصاده بعد الحلّ ، عصى وإن حلّ ؛ بخلاف العكس ، فإنّه يحرم به. وكذا لو قطع به بعض الأوداج مُحرماً ، فأتمّها مُحلًّا والعكس كالعكس ، على إشكال في الجميع. ولا فرق بين العالم بالحكم ، والجاهل به ، أو بالموضوع ، والناسي ، والغافل

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ح ٢ ، العلل : ٤٥٨ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ح ١٨٦ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ح ١١٠٩ ، الوسائل ٩ : ١٦٨ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١٠.

(٣) انظر الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ح ١٢٧٣ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

٥٥٣

الأعمى ولا بين المذبوح في الحلّ ، والمذبوح في الحرم.

والفرخ والبيض كالأصل.

وإحرام فاسد الحجّ كإحرام صحيحه.

ولو ألقاه في بئر ؛ أو استعصى بسببه ، فطعنه المحلّ ، عصى ، وحلّ.

ولو استندت تذكيته إلى مُحلّ ومحرم ، فكان كلّ واحد جزء علّة ، حُرم. وإن كان كلّ واحدة علّة مستقلّة ، حلّ في وجه قوي.

ولو كان في يد مُحرم ، فأخبر بأنّه ذكّاه المحلّ ، حلّ للمحلّ.

ولو اصطاده المحرم ، أو أغلق عليه ، أو أشار إليه ، فعصى الله بفعله ، ثمّ ذبحه المُحلّ ، حلّ للمحل ، وليس عليه غرامة للمحرم ؛ لأنّه لم يملكه.

ولو وكلّ وكيلاً محلا في الذبح عصى ، ووكالته باطلة ، وحلّت لغيره ، وله بعد الحلّ. ولو ذبحه وبقيت حياته إلى أن أحلّ (١) ، فجدّد ذبحه حلّ على إشكال.

ويجري في إحرام الصبيّ المميّز ما يجري في البالغ.

ولو ذبحه أو أصابه محلّا ، فمات بعد إحرامه ، حرم ، وبالعكس بالعكس.

ويُستثنى من ذلك شيئان :

أحدهما : الصيد البحري ، وهو : ما يبيض ويفرخ في الماء ، من بحر أو نهر أو هور أو عين أو بئر ونحوها ، عكس البرّي ، فإنّه يراد به ما يبيض ويفرخ في البرّ. وذو النوعين المختلفين كالسلحفاة يُلحق كل نوع منه ما يوافقه.

وما كان منصوصاً كالجراد ، والنعام ، والحمام ، وشبهها غنيّة عن البحث. فالجراد إذا كثر ، فإن خصّ طريقاً اجتنبت ، مع عدم لزوم العسر. وإن عمّ الطريق ، لم يجب الاجتناب ، كما في عموميّة غيره من المحرّمات. وإن اختلفت قلّة وكثرة ، اختار الأقلّ.

وإنّما الثمرة في غير المنصوص ، والمشكوك فيه يجري فيه الاحترام ، فعلى الأعمى

__________________

(١) في «ح» : حل.

٥٥٤

والماشي في الظلمة تجنّب ما يجده من حيوان أو لحم ونحوهما.

ولو وجده في يد مسلم محرم ، حكم بأنّه بحريّ ، ولا يبعد إلحاق ما يحصل بمحلّ لمحلّه.

وما يعيش في البر ، وتكوّنه في البحر بحري ، كالسرطان ، ونوع من السلحفاة يلحق بالبحر.

وما تكوّنه في البرّ ، وتعيّشه في البحر كالبطّ ، ونحوه من صيد البرّ ، وربّما يقال : بأنّ التعيّش يسبّب الإلحاق.

وقد يقال : بتحريم صيد البحر من المحرم.

والمتولّد من بريّ وبحريّ يتبع الاسم ، والمشكوك فيه يلحق بالبريّ على إشكال.

وغير الممتنع بالأصالة في برّ أو بحر وحشيّاً كان أو لا ليس بصيد ، فيخرج عنه الدجاج الوحشي ، والقرقر ، ونحوهما ؛ لأنّهما لا يدخلان في الممتنع كالدجاج الأهلي.

ثانيها : الحيوان الأنسي بالأصالة ، وإن توحّش بالعارض ، كما أنّ ما كان على العكس يجري عليه حكم العكس ، ولا فرق في المقامين بين المملوك والمباح غير أنّ الأوّل يزيد بضمان قيمة لصاحبه ولا بين الصغير ، والكبير ، ولا بين المجتمع ، والأبعاض المتفرّقة.

والمتولّد بين الوحشي والإنسي يتبع الاسم ، والمشتبه تغلب عليه الحرمة من جهة الاحترام.

وما (لم يكن) (١) له اسم آخر ، كالسبع المتولّد بين الذئب والضبع ؛ أو المتولّد بين الحمار الوحشي والأهلي إن دخل في الوحشي كالسمع ، حرم ، وإلا فلا. والمتولّد بين المتماثلين ومخالفة الاسم يتبع الاسم ، ويحتمل تبعيّتهما.

وعلى ما استفدناه من بعض الروايات حرمة اصطياد (٢) ومن بعض التعليلات

__________________

(١) في «ص» : كان.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨١ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ح ١٩ وص ٣٦٥ ح ١٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠٣ أبواب كفارات الصيد ب ١٣ ح ٦.

٥٥٥

حرمة قتل جميع الحيوانات المتوحّشة ، وإيذائها (١) ، وجميع الحيوانات الصغار إلا ما قام الدليل على خلافه ، والحيوان البحري إذا باض في البرّ ، وأفرخ فيه ، وبالعكس لم ينتقل حكمه إلى أولاده ، بل يتبعون مكان ولادتهم كالجراد.

ولا يدخل في ملك المحرم وهو معه ، لا ببيع ، ولا بميراث ، ولا بهبة ، ولا صداق ، ولا غير ذلك. وإذا صحب ما يملكه من الصيد معه ، زال ملكه عنه. ولو كان بعيداً عنه (٢) في بيته أو غيره ، لم يزل عنه. وإذا أحلّ دخول الموروث إن كان بعيداً أو أحلّ قبل القسمة وما في الشبكة المغصوبة.

ولا يجوز الأكل من الصيد اختياراً ، ومع الاضطرار لا مانع منه ، ولحم الميتة مقدّم عليه إن لم يعط مطلقاً ، بخلاف العكس ، وبخلاف المغصوب ، ونجس العين من الحيوان في حياته ومماته ، والنجاسة العينيّة كالخمر ، وشبهه.

ولا يجوز لمن في الحِلّ أن يضرب ما في الحرم ، وبالعكس. ولو ضرب ما في الحلّ ، وذكّاه المحلّ ، عصى وحلّ. وإذا صاد المحرم ، وذبح المحلّ ، حلّ للمحلّ ، والجزاء على المحرم.

وحمام الحرم حرام في الحلّ على المحلّ ، دبسياً أو قمريّاً أو غيرهما.

ولو حفر بئراً أو وضع حجراً أو مزلقة قاصداً بها أذيّة الصيد ، للانتفاع أو غيره ونحو ذلك ، عصى ، وضمن. وإذا عدا الصيد ، فخاف منه ، وفعل به ما لا يمكن دفعه إلا به ، فلا عصيان ، ولا ضمان.

ويكره صيد ما يؤمّ الحرم ، وما في حريم الحرم ، وهو بريد من كلّ جانب من جوانب الحرم ، ولا فرق في الحكم بين الدبسي ، والقمري ، وغيرهما.

ومذبوح الحرم وإن كان بعضه فيه ميتة ويستحبّ دفنه.

ولو أثبت يده عليه محرماً فأحلّ ، أرسله ، وزال ملكه عنه على إشكال.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ ح ١٧١ وص ٤٤٩ ح ٢١٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨٨ ح ٢ و ٣.

(٢) في «ح» : منه.

٥٥٦

ولو كان وديعة أو عارية ، سلّمه الحاكم أو عدول المؤمنين (١) قبل الإحرام. ودخول الحرم. وإن لم يسلمه ، أرسله ، وضمنه.

ولو باعه المحرم فخرج معيباً ، فليس له تسليمه إلى المحرم. نعم له الفسخ ، والتسليم إلى الحاكم ، أو نائبه. وإن كان الخيار للمشتري وهو محرم ، كان له الفسخ على إشكال.

والقاهر على القبض يضمن ، دون المقهور.

ومن أخرج صيداً من الحرم لزمه ردّه ، وإن كان مقصوصاً أو مريضاً أبقاه حتّى يتمكّن من الطيران ، وفي وجوب بذل الدواء إشكال.

ولا يجوز نتف شعره ، وصوفه ، ونحوهما ، ولا حلقهما ، ونحوهما ، ولا التنفير ، ولا التخويف ، ولا فرق بين القمريّ والدبسي ، وغيرهما.

والفهد وكلّ سبع إذا دخل (٢) إلى الحرم أُخرج منه ، وروى : «أن ما كان من الطير لا يصف فلك إخراجه» (٣).

الثاني : من المحرّمات ، ممّا لا يُسمّى لصغرها ، وحقارتها أو لعدم امتناعها صيداً ، وهو مشترك بين الحرم والمحرم كالسابق من هوامّ جسد الإنسان كالقمل والبرغوث ، وما يتولّد في الجروح من صغار الحيوان ، أو جسد الحيوان من قراد أو حلم ، أو ما يتولّد في دبرها أو خروجها ، أو ما تولّد في غيرهما ، كالمتولّد في التمر ، والفواكه ، والمياه ، والأطعمة المنتنة ، وغير المتولّد كالذباب ، والبعوض ، والخنفساء ، وسام أبرص ، والزنبور ، والدود ، والدباء ، وجميع الحيوانات الصغار.

وإذا عمّ شي‌ء منها الطرق ، وتساوت كثرة وقلّة ، تخيّر ولا مانع. وإن اختلفت قلّة وكثرة ، رجّح الأقلّ. وإن اختصّت بطريق ، يجتنب المختصّ ، وسلك الخالي.

ولو دار بين ركوب ما يكثر القتل ، وخلافه ، قدّم الأخر. وفي لزوم المشي حيث لا يترتّب عليه قتل ، أو كان ما يترتّب عليه أقلّ ، أو كان ما يترتب عليه أضر

__________________

(١) في نسخة : المسلمين.

(٢) في «ص» زيادة : أسيراً.

(٣) الكافي ٤ : ٢٣٢ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٧ ح ١٢٨٠ ، الوسائل ٩ : ٢٣٦ أبواب كفّارات الصيد ب ٤١ ح ٢ ، ٤.

٥٥٧

ممّا يترتّب على غيره بعده.

ولو دار الأمر (بين الأضر) (١) كالقتل مع الجرح والكسر ، أو هما مع التنفير في النوع الواحد وبين أيسر ، تجنّب الأضر ، ومع الاختلاف في غير ما مرّ.

ولا يجوز إلقاء القمل عن جسد الإنسان ، بل ينقلها (٢) إلى مكان أحرز منه أو مساو له ، ولا الحلم عن البهائم ، ولا نقلها إلى الأحرز أو المساوي ، والأحوط تجنّبه من رأس.

قيل : أوّل ما يكون القراد قمقاماً ، ثمّ جماناً ، ثمّ قراداً ، ثمّ حلماً (٣).

ولا يختصّ التحريم بما يُسمّى صيداً ، ولا بخصوص الممتنع ، بل يعمّ جميع الحيوانات محللة ومحرمة ، سوى المؤذيات ، كالحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، إلا ما قامت البديهة على جواز ذبحه ، وأكل لحمه للمحرم وفي الحرم ، كالنعم الثلاث.

وكما لا يجوز القتل ، لا يجوز الجرح ، والإضرار ، والتنفير ، والإلقاء في مهلكة ، والوضع في محلّ وطء الأقدام ونحوها.

الثالث : النساء ، فيحرم الوطء لذكر أو أُنثى أو خنثى ، في فرج أو دبر ، من إنسان أو حيوان ، حيّ أو ميّت ، مع بلوغ الختان وعدمه ، مع الشهوة وبدونها ، مكشوفاً أو ملفوفاً ، منزلاً أو لا ، قويّاً أو ضعيفاً.

وموطئة الأنثى والخنثى من واطئ كذلك.

واللمس ، والنظر ، والإسماع ، والضمّ من وراء الثياب مع الشهوة ، لمحلّل أو محرّم ، ذكراً أو أُنثى ، والتقبيل لمحلّل أو محرّم ، من النساء ، غير محرّم ، بشهوة أو بدونها ، وفي الذكر مع الشهوة ، والتفكّر في محرّم بشهوة.

ولا يبعد تمشية الحكم إلى مسّ (٤) الصور أو تقبيلها بشهوة ، كلّ ذلك مع العلم بالحكم والجهل. ويجري الحكم في المحرم مع المحلّة ، وبالعكس.

__________________

(١) ليس في «ح».

(٢) في «ص» زيادة : من مكان.

(٣) نقله عنه في تهذيب اللغة ٥ : ١٠٨ مادة حلم ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٥ : ٣٧٤.

(٤) في «ح» : حسن.

٥٥٨

وفي معناه : الاستمناء باليد ، أو التفخيذ ، أو الملاعبة ، أو التخيّل ، أو النظر إلى الصور ، أو غير ذلك.

ويحرم العقد دواماً ومتعة ، وأصالة أو ولاية أو وكالة ، لو كان العقد منه لغيره محلّا أو مُحرماً ، أو من غيره له ، أو فضولاً. ويقوى دخول التحليل فيه ، ويفسد العقد. والوكالة على تأمّل في الأخير.

ولو وقع بعض الإيجاب أو القبول حال الإحرام ، كان كوقوع الكلّ على إشكال. ولو وكّل محرم محرماً أو محلا ، فوقع العقد حال إحرام الموكّل ، بَطَلَ العقد. ويقدّم قول مدّعي الوقوع. وتحرم الشهادة عليه ، وإقامتها بين محرمين ، أو محلّ ومحرم ، وحمل الغير على الوكالة أو الإقامة على إشكال.

ولو تحمّل محرماً ، وادّى محلّا ، فلا مانع.

وليست الرجعة منه ، ولا مانع من الفسخ والطلاق ، وشراء الجواري ، وإن قصد جعلها من السراري. والخبر لا يلحق بالشهادة. وفي تخصيص الشهادة بشهادة العدل ، ولو عقد قبل التلبية أو في أثنائها وأتمّه قبل تمامها ، فلا بأس.

ولا مانع من الشهادة على العقد الفاسد ، ولا عقد الوكالة ، ولا الصداق ، ولا القسم ، ونحو ذلك.

وتكره للمحرم الخطبة.

الرابع : فعل المحرّمات ، وترك الواجبات من المحرم حين الإحرام ، ومنه ومن المحلّ في الحرم ، فيكون الحرام لنفسه حراماً لغيره.

فإنّ فعل المعصية من المحرم حال الإحرام ، والمصلّي حال الصلاة ، وكل عابد حال العبادة يضاعف وزر المعصية عليه ؛ لأنّه أقام نفسه مقام العبد الذليل ، بين يدي المولى الجليل ، وأقام نفسه مقام الحضور.

ويتضاعف في الحرم ، وفي سائر المحترمات من المشاهد ، والمساجد ، على مقدار الشرف والفضل ؛ لاشتمال ذلك على زيادة هتك الحرمة ؛ بل في الأزمان ، من الشهور المعظّمة ، والأيّام.

٥٥٩

ولذلك زادت دية القتل في الحرم ، وفي الأشهر الحرم.

فكلّ واجب أو محرّم يشتدّ وجوبه وتحريمه ، إمّا باعتبار شرف فاعله أو زمانه أو مكانه ، ويتزايدان بزيادة الشرف ، ويضعفان بضعفه. وكذا يشتدّ الندب ، والكراهة ، ويتزايدان على ذلك النحو.

والظاهر اشتداد الوجوب والتحريم بزيادة الشرف في بُقَع الحرم. ولو دار أمر المضطر بين ارتكاب الأشدّ والأضعف ، قدّم الأضعف.

فمن أتى بمعصية من قتلٍ أو نهب أو سلب أو غيرها من المعاصي محلا في الحِلّ ، عوقب عقاباً واحداً. وإن كان محرماً في الحِلّ أو محلّا في الحرم ، تضاعف عقابه. وإن كان محرماً في الحرم ، زاد استحقاقه.

ثمّ يزداد في المسجد ، ثمّ في المقام ، والحِجر ، ثمّ تحت الميزاب ، وبين الركن والمقام ، ثمّ عند الحجر الأسود ، ثمّ عند الركن اليماني والمستجار ، وهكذا.

ولو (١) اختلف الزوجان في فساد العقد ، لوقوعه حال الإحرام ، وصحّته ، قدّم قول مُدّعي الصحّة مع اليمين ، ويقضى على الأخر بلوازم الزوجيّة.

فيجب المهر كُمّلاً لمدّعية الصحّة ، والنفقة ، والقسم ، وجميع اللوازم. ويجب على الزوج الامتناع عن مقاربتها ، واحتسابها بحساب الأجانب ، إلا إذا أجبره (٢) الحاكم على المنام معها ، والقيام بالحقوق.

وليس لها المطالبة قبل الدخول ، والقبض بمهر ، ولا بعض مهر ، وليس له الرجوع عليها إلا مع الطلاق ، فيأخذ النصف من المهر المدفوع.

الخامس : الطيب ، ويحرم استعماله شمّاً من متّصل أو منفصل ، أو لمساً ، ورشّاً ، ولطخاً ، وبخوراً ، وسعوطاً ، وتقطيراً ، واحتقاناً ، وشرباً ، واكتحالاً واتصالاً (٣) ببدن أو ثوب ، ابتداء أو استدامة ، علوقاً أو أصالة ، مباشرة أو بواسطة ، قليلاً أو كثيراً ،

__________________

(١) في «ح» ، «ص» زيادة : ادّعت الزوجة وقوع العقد حال الإحرام ولو.

(٢) في «ح» : أخبره.

(٣) في «ح» : إيصالاً.

٥٦٠