سادسها : عدم تكرّر هتك أعراض المسلمين والمسلمات أو قتلهم.
الثاني : ما يفيد تركه مع الشرط ، ويمنعون عنه مع عدم الشرط ، من دون نقض ، فإن قاتلوا انتقضت ذمّتهم من أجله ، وهو أُمور :
أحدها : ترك الزنا بالمسلمات.
ثانيها : ترك نكاح المسلمات.
ثالثها : ترك اللواط بأولاد المسلمين.
رابعها : ترك فتنة المسلمين عن دينهم.
خامسها : عدم قطع الطريق على المسلمين.
سادسها : عدم إيواء عيون المشركين.
سابعها : عدم المعاونة على المسلمين ، بدلالة المشركين على عوراتهم ، ومكاتبتهم ، وإرسال الرسل إليهم في ذلك.
ثامنها : استعمال ما فيه غضاضة ونقص على الإسلام من دون إظهار سبّ للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن هو بمنزلته ، فإنّه ناقض مطلقاً كما عرفت.
تاسعها : أن لا يبيعوا سلاحاً على الكفّار مكرّراً وقت الحرب.
عاشرها : ترك تكرّر دخول المساجد.
الثالث : ما يجب عليهم ، شُرطَ أو لم يُشرط ، ولا ينقض الذمّة ، شُرط أو لم يُشرط. وهو أُمور :
أحدها : أن لا يبنوا كنيسة أو بيعة في بلدةٍ مصرها المسلمون ، ولا في بلدةٍ ملكوها منهم قهراً أو صُلحاً ؛ وإن أحدثوا شيئاً نُقِضَ. ولهم الاستمرار على ما كان سابقاً ، وكذا إصلاح المنهدم. ويكره للمسلم بأن يؤجر نفسه للإصلاح.
ولو وجد في بلد المسلمين شيئاً منهما أُبقيا على حالهما ؛ لاحتمال بنائهما على الوجه المأذون فيه ، بأن كانت بعيدة ثمّ اتّصلت ، أو قديمة.
ولو شرطوا في عقدهم إبقاء الكنائس ، أُبقيت. وإن صولحوا على أنّ الأرض لهم ، كان لهم بناء كنائسهم وبيعهم. ولو شرطوا عليهم النقض ، نقضوا.
ثانيها : عدم تعلية بنائهم المستحدث على جاره المسلم ، مؤمناً كان أو لا ، داخلاً في حقيقة الإسلام أو صورته. وفي جواز المساواة بحث. والمرتدّ لا حُرمة له ، ولا يدخل في المتشبّثين هنا.
ويختصّ الحكم بأهل محلّته ، دون غيرهم ، ولو خرج عن البلاد فعل ما أراد.
ولو كان بناؤه على أرض عالية أو بناء المسلم في سرداب ولذلك حصل ارتفاعه فلا بأس.
ولو اشترى داراً عالية من مُسلم ، لم يجب عليه الهدم. ولو اشتراها من ذمّي ، لم يكن بناؤه على الوجه المأذون فيه ، هدمت. ولو انهدمت لنفسها ، فلا يجوز رفعها. والظاهر أنّ الأمر يجري في بيعهم وكنائسهم ، كما يجري في دورهم.
ثالثها : ترك ضرب النواقيس ونحوها.
رابعها : ترك الدخول في المساجد من دون استدامة.
خامسها : عدم استعمال الزينة.
سادسها : ترك بيع الخمر والخنزير على المسلمين.
سابعها : ترك شراء القرآن والعبد المسلم ، وكذا الكتاب المشتمل على أخبار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو الخطب ، أو المواعظ ، أو الدعوات ، أو الزيارات ، أو بعض المشرّفات ، كقطعة من ثوب الكعبة ، أو تراب يتخذ للعبادة والتبرّك من الأماكن المشرّفة. ثامنها : ترك استرهان شيء من المذكورات ، مع الوضع في أيديهم ، وكذا الحال في استئجارهم لها. والضابط أن يتركوا التسلّط على جميع ما فيه إهانة الشرع من جهة سلطانهم.
تاسعها : أن لا يجلسوا للمسامرة والمعاشرة ، أو يطيلوا الجلوس في معبر المسلمات من شوارع أو مشارع أو محلّ يجتمعن فيه لبيع غزل أو غيره ، كما أُعتيد في العراق ، إلى غير ذلك ممّا فيه غضاضة على المسلمين.
الرابع : ما لا يجب إلا بالشرط ، ولا ينقض العهد وإن شرط ، وينبغي اشتراطه.
وهو التمييز عن المسلمين بأُمور أربعة : في اللباس ، والشعر ، والركوب ، والكنى.
ففي اللباس ؛ لبس ما يخالف لون لباس المسلمين ، وشدّ الزنار فوق ثوبه إن كان نصرانيّاً ، وبجعل خرقة في عمامته ، أو خاتم رصاص أو حديد في رقبته ، وأن لا يلبسوا الثياب الفاخرة ، كالشال ونحوه.
وفي الشعر ؛ بحذف مقاديم الشعور ، أو إطالة بعض شعر الرأس بما يغاير وضع المسلمين ؛ وعدم فرق شعورهم.
وفي الركوب ؛ المنع من ركوب الخيل ، والسروج ، وركوبهم عرضاً ، ووضعَ الرجلين من جانب واحد ، وعدم اتخاذ السلاح ، وعدم لبسه.
وفي الكُنى ؛ ألّا يكنُوا بكُنى المسلمين.
ويستوي هؤلاء مع غيرهم من المعتصمين فيما يتعلّق بضعف المسلمين ، وهتك أعراضهم ، وإضلالهم.
الباب الخامس : في باقي أقسام الكفّار ومن بحكمهم
وفيه فصول :
الفصل الأوّل : في الكفّار المُتشبّثين بالإسلام ،
الداخلين في مبناه ، الخارجين عن معناه ، وهم أقسام :
أحدها : الخوارج ، وهم المتديّنون ببُغض عليّ أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين عليهالسلام. والمعروف منهم اليوم قوم يسكنون المسقط ، والبنادر التي حولها ، ودينهم مبنيّ على حُبّ الشيخين ، وبُغض الصهرين : عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وعثمان بن عفّان.
وهم قسم من الكفّار ، لإنكارهم ضروريّاً من أكبر ضروريّات الدين ، وقد هتكوا حُرمة الإسلام بهتكهم حُرمة من كان أصله وأُسّه ، وطعنوا على رسول الله بطعنهم على من جعله الله نفسه.
وقد كذّبوا الآيات المُتكاثرة ، والأخبار المتواترة ، وردّوا على كتاب الله ، وكذّبوا أخبار رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وجحدوا ما صدر منه من المُعجزات ، وظهرَ منه من الكرامات ، الّتي لهجت بها ألسُن أهل الحَضَر ، والبوادي ، وغنّى بها الحادي في كلّ وادي ، ونادَت بها الخُطباء على منابرها ، وأذعنت بها الملوك من أكاسرها وقياصرها ، وأقرّت بها الأعداء ، حيث لم يسعهم إنكارها ، وسلّمت لها الأضداد ، فلم يمكنهم إلا إظهارها.
تقاصر عن وصفه من عداه حتّى زعم الغُلاة أنّه الله.
لا تُحصى صفاته ، ولا تُحصر مفاخره وكراماته ، متى وقعت على أحد الشدّة أو بعض المتاعب نادى باسم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
فلو أنّ البحر مداد ، والأقلام من جميع أشجار الوهاد ، والإنس والجنّ حُسّاب ، والملائكة كتّاب ، ما أحصوا فضائله ، كما هو مضمون قول سيّد العباد (١).
ثانيها : النواصب ، والناصب يطلق على معانٍ :
أحدها : المتديّن ببُغض عليّ أمير المؤمنين ، أو أحد الخلفاء الراشدين ، فيتّحد مع المعنى المتقدّم ، أو يكون أعمّ منه.
ثانيها : المتظاهر ببُغض عليّ عليهالسلام ، أو أحد الخلفاء ، وإن لم يتّخذه ديناً ، وهو أعمّ ممّا تقدّمه.
ثالثها : المُبغض كذلك مطلقاً ، مُتظاهراً أو لا ، وهو أعمّ من القسمين السابقين. وهذه الأقسام مُشتركة في تحقّق الكُفر في الحقيقة ؛ لتواتر الأخبار النبويّة بأنّ مُبغض
__________________
(١) ينابيع المودّة : ١٢١ ، المناقب للخوارزمي : ٢ ، ٢٣٥.
عليّ أو أحد الخلفاء كافر (١).
وقد يقال : باستلزامه إنكار ضروري الدين.
وهذه الأقسام الثلاثة تستباح دماؤهم ، دون أعراضهم ونسائهم وأموالهم ، كالمرتدّ على الأقوى ، وفي النجاسة كالكفّار.
ثالثها : الغُلاة ، وهم القائلون بأنّ واجب الوجود وخالق الخلائق هو عليّ عليهالسلام أو غيره ، والمعروف منهم هو القسم الأوّل.
وهؤلاء كفّار ، وكفرهم أظهر من كفر من تقدّم ، لكن يُدخلون أنفسهم في الإسلام ، وهو بريء منهم ، فهم مُتشبّثون ؛ لإقرارهم بنبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإجرائهم أحكام المسلمين على أنفسهم ، ودخولهم في ضمنهم.
وهؤلاء في إفراطهم أعجب من السابقين في تفريطهم ، أين من تعرضه الأعراض ، وتغلب عليه الأمراض ، وتؤلمه الأوجاع ، ويؤذيه الصداع ، وتخطفه المنيّة عن الاتصاف بكونه ربّ البريّة؟! ثمّ أين من يلد ويولد عن النسبة إلى الواحد الأحد؟! وإذا وقعت حرب بين المتشبّثين بالإسلام ، وبين من لم يتشبّث به من الكفّار ، أعانَ المسلمون المتشبّثين ؛ لأنّ في ذلك تقوية الإسلام.
وإذا وقع فيما بينهم ، أعانوا من عدا الغُلاة على الغلاة ، ثمّ غير المتظاهر بالنصب على المتظاهر ، ثمّ المتظاهر على المتديّن.
ويمنع الجميع عن دخول المساجد ، والحضرات المنوّرة.
وبعض أقسام المسلمين وإنْ خرجوا عن الطريقة الحقّة في بعض الأُصول والفروع ، داخلون في عنوان المسلمين ، ويجري عليهم ما يجري على أهل الحقّ من عِصمة الدماء ، والأعراض ، والسبي ، والمال ، وطهارة السؤر ، وحلّية الذبائح ، إلى غير ذلك.
__________________
(١) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ٥١ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ذخائر العقبى : ٦٥ ، ينابيع المودّة : ٢٥١ ، فرائد السمطين ١ : ١٣٨ ، المناقب للخوارزمي : ٢١٥.
فهم مسلمون في الدنيا ، يجري عليهم أحكام الإسلام ؛ لُطفاً من الله ، لحفظ أهل الحقّ منهم ، فإذا ماتوا خرجوا من حكم الإسلام.
وأوّل مراتب الخروج التجهيز ، من التغسيل ، والتحنيط ، والتكفين ، والصلاة ، والدفن إلا مع الخوف ، واخره الخلود. وقد يدخلون في اسم النواصب ، وإن لم يكن الإطلاق شائعاً ، وهم أربعة أقسام :
أحدهم : من نصب خليفة لرسول الله على غير حقّ ، ولذلك يُدعون بالنواصب.
ثانيهم : من نصب العداوة لأهل الحقّ ؛ لنصبهم خليفة حقّ ، أو عدم إقرارهم بما نصبوه من خليفة باطل ، فسمّوا بالنواصب ، وهم قسمان :
قسم دخلوا في اسم أهل الحقّ ، وخرجوا عنهم بإنكار بعض ما ثبت عند أهل الحقّ ، كالواقفيّة ، أو بإثبات غير ما ثبت عندهم ، كالفطحيّة ، أو بالجمع بين الأمرين.
وقسم خرجوا عن الاسم ، وكان بينهم وبين أهل الحقّ كمال المباينة والمضادّة.
والأقسام الثلاثة السابقة الأوّل والثالث والثاني بأقسامها الثلاثة مشتركة في الحكم بالتنجيس ، وعدم إباحة الذبائح ، وعدم عصمة الدماء بعد الاستتابة في وجه قوي. وأمّا الأعراض والذراري والأموال ، فمعصومة على الأقوى ، كما في المرتدّ ، ولا عصمة لمال الغُلاة.
ولا يجري في جميعهم حكم الفطري من جهة الارتداد ، ولا من جهة الانعقاد ، على إشكال في الأخير. وإذا أظهر أحدهم التوبة قبل الاستيلاء عليه أو بعده فقد حقن دمه.
وأمّا المنافقون المكتوم أمرهم ، فيلحقهم أحكام المؤمنين ، ويُعاملون كمعاملة النبيّ لهم من قبول شهاداتهم ، وإجراء جميع أحكام المؤمنين عليهم. وإذا ظهر منهم ما أبطنوه من الخلاف ، جرى عليهم حكم ما أظهروه.
والخارجون عن الإيمان بردّة عن فطرة إيمانيّة أو ملّة كذلك ، أو بإنكار ضروري من ضروريّات الإيمان يلحقون بغير النواصب من أهل الباطل.
وأمّا السابّ للخلفاء الراشدين ، فهو كالسابّ للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يُحكم عليه بحكم المرتدّ الفطري ، وإن كان إسلامه ملّياً على الأقوى.
الفصل الثاني : في البغاة
البغي : هو الظلم ، والتعدّي ، وكلّ ظالم باغٍ.
وإعانة المظلوم على الظالم في دفع الظلم عنه فيما يتعلّق بالأعراض والنفوس واجبة على المكلّفين وجوباً كفائيّاً ، فتجب المحاربة في دفعه عنها وجوباً كفائيّاً مع ظنّ السلامة.
ويجب النهي عن التعرّض للأموال ؛ لأنّه نهي عن المُنكر. وتستحبّ المحاربة في الدفع عن أموال المظلومين ، مع ظنّ السلامة.
ولو علم أنّ ذهاب مالهم مُستتبع لذهاب نفوسهم ، رجع إلى الأوّل.
وفي إجراء الحكم فيما لو كان الظالم من المؤمنين ، والمظلوم من الكفّار المعتصمين ، أو الكفّار المتشبّثين ، أو المسلمين الخارجين عن طريقة الحقّ ، فيما لو توقّف على قتل نفس مؤمنة ، ولم يغنِ مجرّد النهي عن المنكر ، يقوى العدم.
ثمّ لو بغت فرقة من المؤمنين على أُخرى منهم ، فغلبت المظلومة الظالمة ، فليس لهم أن يجهزوا على جريحهم ، ولا يتبعوا مُدبرهم ، إلا مع بقاء احتمال رجوعه.
ولا يجوز لمن أضمر البغي أو أظهره بلسانه التعرّض له قبل الشروع فيه.
وكلّ مال اغتنمه المظلومون وجب ردّه إلى الظالمين ، ولو كانوا من غير الفِرَق المُحقّة ، والمظلومون من أهل الحقّ.
وإن كانوا مُستحلّين لدماء أهل الحقّ أو أموالهم لأمر صدر مثله منهم ، جاز لأهل الحقّ معاملتهم بمذهبهم ، وأن يستحلّوا دماءهم ، وأموالهم في حرب وغيره. وأمّا الأعراض والذراري ، فلا يجوز التعرّض لها.
ويدخل في البُغاة كلّ باغٍ على الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، ممتنع عن طاعته فيما أمر به ، ونهى عنه ، فمن خالف في ترك زكاة أو خمس أو ردّ حقوق حاربوه.
ولحاكم المسلمين الحامي لبيضة الإسلام ، والدافع عن دماء المسلمين وأعراضهم إذا اضطرّ إلى ذلك مُحاربته. ولو استنصر لطائفة منهم لحفظ بيضة الإسلام فامتنعوا ،
جاهدهم ، وجبرهم على النصرة. وإذا قتل منهم قتيل ، فلا وزر ، ولا غرامة.
والمتبادر من إطلاق الباغين : الباغون على أحد الخلفاء الراشدين بعد أن تُثنى له الوسادة ، وتكون عصا الشرع بيده قائمة بشروط :
أحدها : تفرّدهم عن الإمام ، والامتناع عن التبعيّة ، والدخول في ضمن الرعيّة ، في بلدة كانوا أو قرية أو صحراء.
ثانيها : أن يكون لهم قوّة ، وكثرة ، وشوكة ، فلا يفلّ جمعهم إلا بعد جمع الجموع ، وإقامة الحرب ، وإلا لزم الدفع بالأسهل.
ثالثها : أن يكون لهم شُبهة ، لا يعذرون فيها ، بسببها خرجوا عن طاعة الإمام.
رابعها : أن لا يُمكن ردّهم بالمُناظرة ، وإلقاء الحُجج.
خامسها : ألا يمكن دفعهم وردّهم إلى الطاعة بإيقاع الفتنة بينهم أو بغير ذلك ، سوى الحرب.
ويجب على الخليفة المنصوب من الله مُحاربتهم ، ومُقاتلتهم ، حتّى يرجعوا إلى الحقّ ؛ وله أن يستعين عليهم بأهل الذمّة ، وبباقي فِرَق المُعتصمين من الكفّار.
ولا يجوز له قتلهم قبل المُقاتلة ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا يتبع مُدبِرهم ، إن لم يكن لهم رئيس يرجع إليه ، كأهل البصرة ، وأهل النهروان.
وإن كان لهم رئيس ، كأهل الشام في صفّين جهز على جريحهم ، وأُتبع مُدبِرهم ، ولا تُسبى ذراريهم ، ولا نساؤهم ، وتحرم أموالهم ممّا لا يحويه العسكر ، وممّا حواه ، ولا ضمان فيما تلف منها حال الحرب.
وإذا تابوا وأنابوا رُفِع عنهم الحرب ، وصاروا كحال باقي الرعيّة.
وإذا قُبِض أحد منهم في حال الحرب ، عُرِضت عليه التوبة ، فإن قبل خرج عن حكم البغي ، وإلا انتُظر به الفراغ من الحرب ، وتُعرض عليه التوبة ، فإن تابَ فيها ، وإلا فإن لم يُخَف منه وقوعُ شر أُطلِق ، وإلا حبس.
ولو استعانوا ببعض الكفّار من المعتصمين وغيرهم ، أو ببعض المؤمنين ، أو أدخلوا النساء والأطفال منهم ، قوتلوا معهم.
ومن قُتِل من المؤمنين في المعركة ، فهو من الشهداء ، فإذا أدركه أصحابه وليس به رَمَق الحياة ، دفنوه بثيابه ودمائه من غير تحنيط بعد الصلاة عليه.
ومقتولُ أهلِ البغي لا يُصلّى عليه ، ولا يغسّل ، ولا يكفّن ، ولا يُدفن ، وحكمه حكم الكفّار.
وتُقام الحدود على أهل البغي إن صدرت أسبابها حال البغي ، وليسوا بمنزلة الكفّار الأصليين.
ولا ينبغي الطول في هذا المقام ؛ لأنّ المسألة مبنيّة على وجود الإمام ، وهو أدرى بتكليفه.
ويمنعون عن دخول المساجد المشرّفة ، وعن دخول حضرات الأنبياء والأوصياء. وفي بيع المصحف والعبد المسلم عليهم إشكال.
الفصل الثالث : في الكفّار الخالين عن أسباب الاعتصام
وهو التشبّث باسم الإسلام ، من المليّين كانوا أو غيرهم.
ومن أشقى أشقيائهم ، وألعن لعنائهم ، فإنّها شديدة العناد ، كثيرة البغي والفساد ، كافرون بالنعمة ، ونساؤهم خالية عن العصمة ، الطائفة الشقيّة المدعوّة بالأُروسيّة ، وهؤلاء الخالون عن الاعتصام ، لا احترام لدمائهم ، ولا لنسائهم ، ولا لأعراضهم ، ولا لأطفالهم ، من بناتهم أو أبنائهم.
وتفصيلُ الحال في المقام : أنّ ما يقع استيلاءُ المسلمين عليه إنْ توقّف على إقامة الحرب والخصام ، فهو داخل في باب الاغتنام ، المُستند إلى مُحاربة أهل الإسلام ، وسيجيء تفصيل الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وإنْ كان من دون وقوع حرب وخصام ، مع الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ اللئام ، فالحكم فيه أنّه إذا استولى مسلمٌ من الفرقة المُحقّة أو غيرها على كافرٍ غير معتصم ، كان له إراقة دمه ، وأخذ ماله ، وسبي عياله ، وأسر أطفاله.
وإذا استولى على شيء من العيال أو الأطفال أو المال ، جازَ له تملّكه ، بسرقةٍ كان
أو سلب أو غلبة أو التقاط. ولا يجوز قتل النساء ، ولا الخناثى ، والممسوحين ، والمجانين ، والمعتوهين.
ولو أسلم قبل الاستيلاء على ماله أو أطفاله أو نسائه ، عَصَمَ نفسه وماله ، وما يتبعه من النساء والأبناء ، دون الأقارب ، حتّى الأُمّهات والآباء.
وأمّا بعد الاستيلاء ، فإنّما يسلّم نفسه وما عداه لمن أخذه.
ويجب على الأخذ إعطاء الخمس لبني هاشم ، ويجب تسليمه نصف الخمس وهو حقّ الإمام بيد المجتهد ، وهو النائب العام.
ولا يجوز التوصّل إلى الأخذ بإنكار الوديعة والعارية ، ويجوز بإنكار الدين إذا كان عن مُعاملة لا بالقرض الحسن ؛ لئلا ينقطع سبيل المعروف وبإنكار الرهن ، والمُضاربة ، والمزارعة ، والإجارة ، ونحوها.
ولو أخذه المسلم مُستأمناً ، فليس داخلاً تحت الإيداع ، فيجوز له جحوده. ولو كان الحربي أباً للمسلم أو أُمّا ، قوي عدم الجواز في حقّهما. وفي تمشية ذلك إلى الأجداد والجدّات وجه قريب ، وفي تمشيته إلى مُطلق القرابات بُعد.
ولو طلب الكافر يمينه حلف ؛ لأنّه لا شيء له بعد أن جَعَلَه المسلم لنفسه. وفي لزوم البيّنة في التملّك وجه.
ولو كان المأخوذ مُشتركاً بينه وبين المسلم ، أو بينه وبين المعتصم ، اقتصرَ في الأخذ على سهمه ، وردّ الباقي إلى صاحبه ؛ وكذا لو شاركوه في الأخذ.
ولو ظهر أنّه كان مغصوباً من مُسلم ، ردّه عليه إن أمكنت معرفته. وإن أَيِسَ منها تصدّق عنه.
ولو ادّعاه المُسلم أو المُعتصم ، لم تُقبل دعواه إلا بالبيّنة.
ولو أُخذت امرأة منهم ، فبذلوا مالاً في ردّها ، فإن بقيت على كُفرها ، جازَ ردّها ؛ وإن أسلمت ، لم يجز ردّها.
وكذا المملوك والصبي لا يُردّ ، وصف الإسلام أو لا ؛ لأنّه محكوم بإسلامه ، تبعاً للسابي.
ولو استولى جماعة على المسروق أو السلب مثلاً ، اشتركوا فيه. ولا يجوز لأحدهم التصرّف بالوطء بعد الاستبراء.
ويجب على المالك الاستبراء بحيضة قبل الوطء ، إلا إذا كانت المرأة آيسة ، أو علم عدم الدخول بها.
ولو أسلمت بعد الاستيلاء ، بقيت على الرقيّة. ولو ادّعت بعد الاستيلاء أنّها كانت مُسلمة من قبل ، لم يُسمع قولها ، إلا إذا قامَت بيّنة شرعيّة ، أو حصلَ العلم.
ولو علم وجود أولاد صغار مع أولاد المسلمين ، وأمكن عزلهم. عزلوا. وإن توقّف على الأخذ جملة ، مع العزم بعد ذلك على العزل ، حَرُم إن كان فيه إدخال الرُّعب على أولاد المسلمين ، ولكن يترتّب الملك.
ولا يجوز التصرّف بالبنات قبل أن يتمّ لها تسع سنين ، فإن تصرّف بها فأفضاها ، فإن جعل مَخرج بولها مع مخرج غائطها أو مخرج حيضها واحداً ، فالأحوط تجنّبها مع الدوام ، وإن قوي القول بأنّها ليست بحرام.
وكلّ حربي زعم الاعتصام ، وظهر عليه الخلاف ، فالتعرّض له حرام ، حتّى يرجع إلى مأمنه.
ولو دخل الكفّار في أراضي المسلمين ، واختلطوا معهم ، لم يجز التعرّض لأحدٍ قبل معرفته. ويجري على اللقطة حينئذٍ حُكمها المقرّر لها ، ويحكم بتذكية الجلود إذا ظهر عليها استعمالها. ويحكم بإباحة ما في الأسواق.
ولو كان بعضُ أولادِ المسلمين في أراضي الكفّار ، امتنع السبي منهم ، حتّى يتميّز الكافر منهم ، وفي استباحة المال إشكال ؛ وفي الطهارة يحكم بها حتّى يعلم الكُفر ، وكذا في النكاح وباقي الأحكام ، إلا مع الاشتباه في محصور.
ومتى انعقد الولد وأحد أبويه مسلم ، حُكِمَ بإسلامه إن كان من زنا على إشكال. وإن كان من كافِرَين ، حُكِمَ بكُفره ، وإن كانا زانيين على إشكال.
ولو زنى المُسلم بزوجة الكافر ، فولدت ، حُكِمَ بكُفره تبعاً لأُمّه ، وقضاءً لحقّ الفِراش. ولو كان لقيطاً يتبع من استلحقه ، مُسلماً كان أو كافراً.
الباب السادس : فيما يتعلّق بالمحاربة والمقاتلة
وفيه فصول :
الفصل الأوّل : في أنّه ينبغي الاستعداد ،
وتهيئة أسباب الجهاد ، ممّا يترتّب عليه إرغام أهل الكُفر والعناد ، وهو أُمور :
منها وهو أهمّها وجود الرئيس المُطاع ، وصاحب الرأي الحريّ بالاتباع ، والجامع لمحاسن الأقوال والأفعال ، المُتلذّذ ببذل المال ، وإعطاء الأموال ، ذي هيبة تخضع لها الأبطال ، وتذلّ لها فحول الرجال ؛ القابل للرئاسة ، الخبير بفنون السياسة ، حَسَن السيرة ، جيّد البصيرة ، إذا غضب هابه الأسد الضرغام ، وفي سائر الأحوال طلق (١) ذلق بسّام ؛ العادل في الرعيّة ، القاسم بالسويّة ، لا بالمتهوّر في الحرب ، ولا بالجبان المضطرب ، إذا اشتدّ الجدال وسمع الضرب ، ذي تدبير وحكمة ، وعزم في الأُمور وهمّة ؛ سلاحه الدعاء ، وقوّته من الاعتماد على ربّ الأرض والسماء ، لهُ في آخر الليل حنين ، وصُراخ ، وبكاء ، وأنين ؛ مُحافظ على أوقات الصلاة ؛ مُلازم للعمل بأحكام الله تعالى ، راغب في الحرب ، طلباً للأجر والثواب ، ورجاء للفوز بالجنّة ، والسلامة من أليم العقاب.
وينبغي لرئيس المسلمين أن لا يخرج معه مُخذّلاً ، وهو المزهد في الخروج ، ويتعلّل في الحرّ والبرد أو نحوهما ؛ ولا المُرجِف ، وهو القائل : هلكت سرية المسلمين (٢) ؛ ولا مَن يتجسّس على عورات المسلمين ، لغير الكافرين ، ولا من يُوقع العداوة بين المسلمين ؛ ولا من يأمن إليه الكفّار ؛ ولا الجبان الذي يُخشى مِن فراره ،
__________________
(١) طَلِق الوجه : أي فرح ظاهر البشر ، متهلّل ، وطلق اليدين سخي ، وطلق اللسان : أي فصيح عذب المنطق. المصباح المنير : ٣٣٧ ، أقول : المراد هنا المعنى الأوّل أو الأعمّ منه ومن الثاني.
(٢) قال الفيومي : أرجف القوم : أكثروا من الأخبار السيئة واختلاف الأقوال الكاذبة حتّى يضطرب الناس منها ، وعليه قوله تعالى (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ). المصباح المنير : ٢٢٠.
فيختلّ العسكر باختلاله.
ومنها : اجتماع العساكر والجنود من أهل الإسلام ، بمقدار ما يجزي في إذلال الكفرة اللئام ؛ فإن لم يحصل الاجتماع منهم ، مع عدم الغَنَاء عنهم ، كانوا مخلّين بالواجب بالنسبة إليهم ، واستحقّوا غضب الملك الجبّار عليهم.
ويجب عليهم السعي على الرؤوس فضلاً عن الأقدام ، إذا طلبهم الرئيس للمحاربة والخصام ، وعليهم امتثال أوامره في كيفيّة مَواقِف جنوده وعساكره.
إن أمرهم بلقاء الأعداء بانفرادهم ، سمعوا قوله ؛ أو اختار الدخول معهم ، اتّبعوا فعله. وإذا أمر جمعاً منهم بالانفراد انفردوا ، أو بالاتحاد مع أصحابه اتّحدوا ، وإذا أمر بتقدّم صفّ أو تأخّره ، لم يتخلّفوا عن مقتضى طلبه وأمره ، وإذا عيّن لهم حدوداً لم يتجاوزوها ، أو أوقاتاً اقتصروا عليها ، ولم يتعدّوها.
وعليهم أن يقوموا له على الأقدام ، إذا كان في ذلك تقوية كلمة المسلمين والإسلام ، والله يدخلوا في الحرب إلا بعد استجازته ، ولا يعملوا عملاً مُهمّاً إلا بعد العلم بإرادته ؛ وأن يحيطوا به إحاطة الثياب بالبشر ، ويدوروا عليه دوران الهالة على القمر ، فإنّهم خيمة ، وهو عمودها ، إذا قام قامت ، وإذا مال مالت ، وما استقامت.
وإذا نصب لهم رؤساء مُتعدّدين على كلّ ألف أو مائة أو خمسين أو أقلّ أو أكثر رئيس ، وجبَ اتّباعهم ، كما وجب اتّباعه.
ويجب عليهم الرجوع في أُمورهم إلى وزير أقامه مقامه ، وأمرهم بالرجوع ، وفوّض أمر المناصب إليه.
وإذا حصل فيهم زيادة على الكفاية وأراد بعضهم الانصراف إلى أهله ، لم يجز ذلك إلا بإذنه ، نعم لو تمّ العمل ، واستغنى عن الجميع ، ولم يبقَ له حاجة إلى بعض منهم ، جاز لهم الانصراف من دون إذن.
ومنها : إعداد الأسلحة ، والخيول ، والدروع على مقدار الحاجة إليها ، فإنّها من شروطه ، ويلزم الترتيب فيها ، كترتيب الطهارة للصلاة.
منها : طهارة اختياريّة كبرى ، كالبندق ، والسيف ، والرمح ، والسهم ، والخشب ،
فهو كالأغسال الرافعة للحدث الأكبر ، ويختلف في المرتبة كاختلافها.
ومنها : ما هو كالطهارة المائية الاختياريّة الصغرى ، الرافعة للحدث الأصغر ، كالخنجر ، والسكين ، وما صنع من الحديد على وضع العصا.
ومنها : ما هو كالطهارة الترابيّة الاضطراريّة الغير الرافعة ، كالحجارة ، والعصا من الخشب ، والضرب بالكفّين أو القدمين ، ونحو ذلك ، على اختلاف مراتبها.
فلا يسوغ للمجاهد اختيار المرتبة المتأخّرة ، مع التمكّن من المتقدّمة ، ولا بدّ من طهارتها ، كطهارة الماء والتراب ، فلا يجوز استعمال النجس منها ، كالة البندق ، وباقي الات السلاح إذا لم يكن لها صلاحيّة وقابليّة ، فإذا أمكن تطهيرها من النجاسة بإصلاح أو صيقل وجب ؛ وإذا تعذّر عذر ، كمن صلّى بالثوب النجس.
ومنها : إعداد الجُنَن الواقية من لباس الحديد ونحوه ، فإنّ هذا اللباس واجب على القادر إذا كان فيه حفظ للنفس ووقاية ، وتسلّط على الكفّار أهل الشقاوة والغواية.
وهي شرط عند مُلاقاة أعداء الله ، كشرط اللباس للصلاة ، ويترتّب بترتّبه ، فبعضه كاللباس المُحيط بتمام العورة ، وبعضه كالمُحيط ببعضها ، وبعضها كاللباس المُعتاد ، وبعضها كالخارج عن الاعتياد إنّما يسوّغه الاضطرار ، كوضع الحشيش ، وورق الأشجار ، فإنْ فَقَدَ القدرة صلّى وجاهد بلا لباس.
ومنها : إعداد الخيل والمراكب ، فإنّها مكان المُجاهد ، وهو كمكان الصلاة. فيختار من الخيل الجياد السالمة من العيوب المخلّة بالاستقرار لاضطرابها ، وعدم استقرارها ، فيشتغل المجاهد عن التوجّه إلى الجهاد ، ومن العيوب الأُخر المانعة عن النفع ، والباعثة على الضرر ، كما لا يجوز الصلاة على المكان المتحرّك ، المانع عن الاستقرار ، من بيت تبن أو رملٍ لا يتلبّد أو دابة ونحوها.
ومنها : إعداد الطعام والشراب ، ووفورهما ، وحمل آلاته ، وأوضاعهما. وكلّما كان الزاد أدسم ، فهو لجلب القوّة أحكم ، ولذلك دخل في التقوية على جميع العبادات من الصلاة وغيرها ، وفي ذلك قال سيّد الأوصياء مخاطباً للغذاء : «لولاك ما عبدت ربّ الأرض والسماء».
ومنها : أنّه لا يجوز القتال بجمع الجنود والعساكر ونصب الرايات في جهاد الكفّار لجلبهم إلى الإسلام إلا مع الإمام أو نائبه الخاصّ دون العامّ ، وفيما عداه من الأقسام يُشارك الإمام في الحكم المنصوب العامّ ، ومن قام بهذا الأمر من الأُمراء ، والحكّام ، مع عدم تمكّن الإمام والنائب الخاصّ والعام.
ومنها : أنّه تُستحبّ البدأة بالأصلح ؛ ، (١) فيغلب على الاستحباب.
ومنها : أنّه إذا التقى الصفّان ، لم يجز الفرار ، إلا مع عدم ظنّ السلامة ، إلا أن يكون لمصلحة الحرب ، كطلب السعة ، واستدبار الشمس والهواء والغبار وشعلة النار أو طلب موارد المياه ، أو المواضع المرتفعة ، أو تسوية لامة الحرب ؛ ، (٢) ونزع شيء يفسد أمره ، أو لبس شيء يصلحه ، أو تحيّزٍ إلى فئة ، قليلة كانت أو كثيرة ، قريبة أو بعيدة ، يتقوّى بها في القتال أو يستنجدها ؛ (٣) على إشكال.
لا يُشارك في الغنيمة الحاصلة بعد مُفارقته ، ويُشارك في السابقة.
ويجوز الفرار عمّا زاد على المثلين ، كالمائة عمّا زاد على المائتين في جهاد جلب الإسلام ؛ وفي بواقي الأقسام لأحدّ له سوى القدرة.
وفي القسم الأوّل لو زادت قوّة المائة على المائتين ، حرُم الفرار على الأقوى ، ومع ظنّ السلامة فيه بقول مُطلق يستحب الثبات.
وفي إلحاق مُراعاة الضعف في الواحد والاثنين بمحاربة العساكر ، وجه قويّ.
ومنها : أنّه تجب مُواراة الشهيد ، دون الحربي ، ولو اشتبها ، عُرف المسلم بأنّه كميش الذكر صغيره ، والكافر بامتداده.
ثمّ إن أمكن استعلامه باللمس من وراء الثياب ، أو رؤية حجمه من خلفها ، أو بوضع الطين أو النورة ، لزم ؛ وإلا جاز النظر ، والأحوط دفن الجميع.
وإذا اشتبه لمقطوعيّة الذكر ، أو لكونه خُنثى أو ممسوحاً إلى غير ذلك ، دُفنَ
__________________
(١) في النسخ : البدأة به أصلح
(٢) اللأمة : الدرع. المصباح المنير : ٥٦٠.
(٣) في نسخة في «ص» : يستنجد بها.
الجميع ، احتراماً للمُسلم.
وتجوز المحاربة بجميع الأنواع المرجوّ فيها الفتح ، كهدم الحُصون والبيوت ، والحصار ، ونصب المجانيق ، ومنع السابلة من الدخول والخروج ، وإن كان فيهم صبيان أو نسوة أو بعض المسلمين.
ومنها : أنّه يُكره في الجهاد للجلب إلى الإسلام إرسال الماء ، وإضرام النار ، وقطع الأشجار إلا مع الضرورة وإلقاء السم ، والتبييت ، والقتال قبل الزوال ، وتعرقب الدابة ، وإن وقعت به.
ويكره في الجميع نقل رؤوس الكفّار ، إلا مع نكاية (١) الكفّار بجرح أو غيره بالناقل ، خصوصاً إذا كان من الرؤوس.
ومنها : أنّ الشروط في المبارزة مُعتبرة ، فإن شرطا الوحدة لم تجز الإضافة ، وإلا جازت. ومع الشرط وفرار المسلم لضعفه تجوز إعانته ، وإذا استنجد أصحابه انحل الشرط الواقع بينه وبين خصمه.
وتجوز الخُدعة في الحرب للمبارز وغيره. ولا تجوز ابتداء (٢) من دون إذن الرئيس.
ومنها : أنّه تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وغيرهم من المُعتصمين ، والمشركين المأمونين ، والعبيد المأذون لهم ، والمراهق.
ومنها : أنّه لا يجوز الغدر بالكفّار ، ولا الغلول حال الحرب ، ولا التمثيل ، ولا قتل أحد من نسائهم أو صبيانهم أو الخناثى أو الممسوحين المجهولي الحال ، وإذا قاتلوا قوتلوا ، وكذا إذا جعلوهم ترساً.
وتنبغي شدّة المحافظة على ترك قتل النساء ، وإذا تترّسوا بالمعتصمين جبراً فكذلك ، ولا ينقض ذلك العقد بينهم وبين المسلمين ، ومهما أمكن التحرّز من قتلهم لزم.
وإذا تترّسوا بالمسلمين جبراً ، ولا مندوحة في التحرّز عنهم ، قوتلوا ، وتلزم الكفّارة فقط ، ومع المندوحة يلزم القَود والكفّارة معاً.
__________________
(١) النكاية : الغلبة. لسان العرب ١ : ١٧٤.
(٢) في النسخ : ولا يجوز ابتداء.
ومنها : أنّه لا يجوز ابتداؤهم بالحرب مع قلّة المسلمين وضعفهم ، ولا يجوز التأخير مع انقطاع المساعدين وترادف (١) المعينين للكفّار.
ومنها : أنّه يُتبع مُدبرهم ، ويُجهز على جريحهم ، ولا يُمثّل بهم. ومنها : أنّه ينبغي الدعاء عند الحرب بما يجري على اللسان ، ممّا يتضمّن طلب النُّصرة ، وأفضله الدعاء المنسوب إلى سيّد الأوصياء (٢) ؛ وأن تؤخذ قبضة من التراب ، وتُرمى في مُقابلة وجوههم ، مع قول : شاهت الوجوه.
الفصل الثاني : في الاستيلاء بالحرب والجهاد
وكلّما يؤخذ بجمع الجنود والعساكر ونصب الرايات ، ولم يكن عن إذن ولي الأمر ، مع حضوره واستقلال كلمته ، لم يكن للغانمين فيه شيء ، وإنّما هو له خاصّة ؛ لأنّ المحاربة بهذا الوجه بدون إذن الأمير لا تُباح ، ولا يُستباح بها.
وكذا إذا كانت المُحاربة حال الغيبة ، وكانت للجلب إلى الإسلام ، فإنّ إقامة الحروب وجمع الجنود لذلك غير مُباحة ، ولا يُستباح بها.
وأمّا إذا كان لحفظ بيضة الإسلام ، أو الدفع عن المسلمين من الأقسام الثلاثة الأُخر ، فيقوم الرئيس فيها مقامه ؛ تأسّياً به في الحرب المأذون فيه ، ولتوقّف حفظ المسلمين والإسلام على إجراء هذه الأحكام ؛ لأنّها إن تركت اختل النظام ، ولزم الفساد العامّ ، وتقوية كلمة الكفر ، وضعف كلمة الإسلام.
ومحصّل القول في ذلك : أن من يستولي عليه من البالغين الذكور لا يجوز قتل المجنون منهم ، والمعتوه ، والشيخ الفاني ، والمُقعد ، والأعمى ، وكلّ من لا قابليّة له في الحرب ، ولا تترّسَ به الكفّار.
وأمّا البالغون العاقلون ، فإن استولى عليهم والحرب قائمة ، قتلوا ، وأمّا بعد
__________________
(١) ترادف القوم : تتابعوا. المصباح المنير : ٢٢٥.
(٢) الكافي ٥ : ٤٦ ح ١ ، الوسائل ١١ : ١٠٤ أبواب جهاد العدوّ ب ٥٥ ح ١.
انقضاء الحرب فيحرم قتلهم ، ويتخيّر رئيس المسلمين بين المنّ ، بشرط أن يكون فيه صلاح المسلمين ، وليس على وليّ الأمر شرط وبين الفداء ، والاسترقاق. ولا يسقط هذا التخيير بالإسلام بعد الأسر.
وأمّا الإسلام قبل الأسر ، فمُلحق لهم بالمسلمين.
ولا يكفي في الإلحاق أن يقول : أنا مثلكم أو أنا مسلم ، حتّى يأتي بالشهادتين. ولا فرق في الحكم المذكور بين أن يكون قد علم منه قتل بعض المسلمين أو لا ، ولا يُطالب بديّة ولا قصاص بالنسبة إلى ما سبق.
والخناثى المُشكلة والممسوحون من البالغين لا يجري عليهم حكم الذكور في القتل في محلّه ، والظاهر جريان حكم النساء فيهم.
والاثنان على حقو واحد ، مع علم تعدّدهما ، بإسلام أحدهما يعتصم الأخر من القتل كباقي جهات الاعتصام ؛ خوفاً من سرايته دون المال.
ولو أسلم أحدهما ، ودخل في جيش المسلمين ، فاستولى على صاحبه ، ملكه. ولو استأسره غيره تشاركا في منافع محلّ الاتحاد ، وتتبعه أحكام كثيرة.
ولو تزوّجا فوطئا بشُبهة ، فأولدا رجّح جانب الإسلام ، ومع الشكّ في البلوغ يحكم بالعدم ، ولا يقبل إقراره بالاحتلام في هذا المقام.
ويجب الاستعلام بالسن أو نبات الشعر مع الإمكان ولو علم بلوغه أو عدمه ، فظهر الاشتباه ، بني الحكم على الواقع.
وكلّما في أيدي أهل الحرب ملك لهم ، وليس بمنزلة المُباحات تُملَكُ بالحيازة ، بل إنّما يُملك بالقهر ، والغلبة ، والأخذ ، والنهب ، وضروب الاستيلاء ، فمجرّد الحصول في أيدي المسلمين لا يثمر ملكاً. والاستقلال إن كان لواحد اختصّ به ، وإن كان لمُتعدّد اشتركوا فيه.
ولمّا كان الحاصل بالحرب مُستنداً إلى القهر والغلبة ، وهي مشتركة بين جميع المجاهدين ، اشتركوا في الغنيمة ، وليس لغيرهم فيها شيء.
ولا يخرج عن الاختصاص بالمجاهدين إلا فيما دلّ الدليل على تعميمه للمسلمين ،
أو تخصيصه لبعض المجاهدين.
وما كان خارجاً عن محلّ الحرب ، واختصّ به واحد ، كان له خاصّة ، كالسلب.
ومن هربَ من الأطفال أو النساء قبل الاستيلاء ، واستولى عليه أحد من المجاهدين ، اختصّ به.
ولو قبض على المغتنم اثنان أو أكثر ، اشتركوا على التساوي في المركب ، وإن كان أحدهما أقوى من الأخر ، أو قابضاً على الأقلّ.
ولو أزمن شخص ، وقبض آخر ، كان للمُزمن.
وكلّ من سبق كان أولى ، ولو اختلفوا رجع إلى مسألة التداعي ، وسيجيء تفصيل الكلام في سائر الأحكام عند بيان أحكام الاغتنام.
الفصل الثالث : في بيان نُبذة من الأحكام ، ممّا يتعلّق بغير القسم الأخير من أقسام الجهاد ،
وهي أُمور :
أحدها : أنّه يجوز صرف الصدقات الواجبات كزكاة المال ، وزكاة الفطرة ، وما به ردّ المَظالم ، ومجهول المالك ، والمال المنذور لوجه الله ليُصرف في محالّ القُربات ، وغيرها ، والصدقات المندوبات في جميع الأقسام ، مع توقّف كمالها عليها ، بل صرفها فيها أفضل من صرفها على الفقراء ، والمساكين ، والرقاب ، وأبناء السبيل.
وأمّا مع (١) التوقّف ، فلا يجوز صرفها في غيرها.
ثانيها : أنّه يجوز لمقوّم العساكر ورئيسها المُطاع الأخذ من خراج الأراضي والأشجار والمزارع ، ومال الجزية ، ومال الصلح مع الكفّار ، وصرفه في تقوية الجنود ، بخيل ، وأسلحة ، وزاد ، ودواب تَحمل الأسباب.
ثالثها : أنّه يجوز له أن يدفع من مال الخراج ، ومال الجزية ، والزكاة ، وردّ
__________________
(١) في «ح» زيادة : عدم.
المظالم ، لبعض طوائف الكفّار ، فضلاً عن المسلمين ؛ لتأليف قلوبهم ، والاستعانة بهم على أعداء الدين.
رابعها : أنّه يجوز جبر الناس من المسلمين وغيرهم على الحرب ، والجهاد ؛ والمُحاربة معهم (١) على ذلك حتّى يقهرهم على إعانته ومُساعدته ، ومنعهم عن الرجوع إلى أهلهم ؛ إلا مع الاستغناء عنهم بغيرهم ، أو اليأس من عَودهم ؛ لتفرّقهم ، وتشتّت كلمتهم.
خامسها : أنّ من قتل في محلّ الحرب من الأقسام الأربعة ، [يجري عليه ما يجري على الشهيد بين يدي الإمام.]
وأدركه المسلمون ميتاً (٢) يجري عليه في الدنيا من جهة التغسيل والتكفين ما يجري على الشهيد بين يدي الإمام.
فلا يجب تغسيله ، ولا غسل بدنه من النجاسة ، تقدّمت أو تأخّرت ، دماً أو غيره ، ويدفن بثيابه الطيب (٣) ، مع إحرامه أو لا ، متأثّرة أو لا ، مات بالقتل حين الحرب أولا قتله كافر أو مسلم ، عمداً أو خطأً.
ويُنزع عنه الفرو والجلود ، كالنعلين ، والخُفّين.
ولا يجب بمسّهم غسل المسّ في وجه قوي.
وأمّا بحسب الآخرة ، فجميع الأقسام يحشرون في زُمرة الشهداء ، مع النبيّ ، والإمام عليهماالسلام.
سادسها : أنّه يجوز استعمال الات اللهو ، واللعب ، والغِناء ، والأُمور المُشجّعة للنّاس إذا توقّف عليها نَظمِ الجنود ، وقطع دابر المعاندين إخوان الشياطين.
سابعها : أنّه تجب صلاة الفريضة مع الخوف من تسلّط العدوّ لو أُتمّت قصراً في الكم ، فيصلّي ركعتين في الوطن ، والحضر ، والسفر ، وإذا خاف مع القيام جلس ، وإذا خاف من الجلوس ، صلّى ماشياً ، ثمّ راكباً ، أو يتخيّر ، ولعلّه الأقوى ، مومئاً برأسه لركوعه وسجوده ؛ وإن مَنع عن الإيماء بالرأس مانع ، أومأ بعينيه.
__________________
(١) يعني : وتجوز المحاربة مع الناس.
(٢) في النسخ : متى بدل ميّت.
(٣) كذا ، ويحتمل كونه تصحيف : والطيب ، أو مع الطيب ، أو يوضع له الطيب ، أو الطيبة.