كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

يجب عليه الاقتراض عليها ، دون ما امتنع أخذها شرعاً ، للإفلاس مثلاً ، أو لمانعٍ آخر.

والظاهر دخول منافع الوقف الخاصّ ونمائه ، وإن تعدّدت السنون ، واحتمل موته ورجوعه إلى غيره ، على إشكال.

ولو كان ملكه الكثير رهناً على شي‌ء يسير ، واطمأنّ بالقدرة على فكّه ، حكم باستطاعته.

ولو وهب مالاً ، أو تحصّل مبيعاً يشتريه ويفضل فيه ، أو عرض عليه أن يكون أجيراً في طريق الحجّ ، أو بذلت امرأة لرجل ، أو رجل لا مرأة على الزوجيّة ، دواماً أو متعة ، عقداً مجرّداً أو مع الدخول ، لم يجب القبول ، وبعد تحقّق القبول في الهبة أو البيع أو الإجارة تتحقّق الاستطاعة.

ولو بذل له على الحجّ ، عدلاً (١) كان أو زاداً أو راحلة ، عيناً أو قيمة ، أو وهب له بخصوصه ، أو بالعموم في وجه ، من واحد أو أكثر ، دفعةً أو تدريجاً ، من دون ضمّ عبادة من زيارة ونحوها. ولو تمكّن من أخذ ما يكفيه من وقفٍ عامّ أو مُباحٍ كذلك ، لم يستطع.

ولا يمنع الدين من استطاعة البذل ، وعلى خصوص الحجّ ، وعمّ البذل ذهابه وإيابه ، زاده وثيابه وراحلته ، ومئونة عياله إلى الرجوع إليهم ، ويحصل له اعتماد على الباذل وجب عليه. وإن كان البقاءُ على البذل غير لازم للباذل ، ويجوز له الرجوع فيه إلا مع التزامه بِنَذر وشبهه. ولا حاجة فيه إلى التزامه (٢) بنَذر أو شبهه.

ولو بذل له بعض وعنده زائد على المستثنى ، يجب عليه ، ولا يتوقّف الوجوب على القبول. ولو بذل له بشرط خدمة أو عمل ، لم يجب. ولو كان بصيغة ملتزمة وجب. ولو ترتّب نقص عظيم على القبول لم يجب. والقول بالفرق بين العبادات وغيرها ، وبينها وبين مقدّماتها ، وبين واجباتها ومندوباتها في اعتقاد النقص ، لم يكن بعيداً.

__________________

(١) عِدلُ الشي‌ء بالكسر : مثله من جنسه أو مقداره وبالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه. المصباح المنير : ٣٩٦.

(٢) في «ص» : إلزامه.

٤٨١

ولو مات الباذلُ أو جُنّ أو حُجر عليه ، فَسَدَ البذلُ ، ويجب تخصيص المبذول بطريق الحجّ حتّى قيمته ، فلا يجوز صرفه فيما يخرج عن الطريق إلا ما قضى العرفُ بدخوله.

ولا يُشترط غنى الباذل ، وإنّما يُشترط أن لا يكون ممنوعاً من التصرّف.

وفي اعتبار تحقّق الاستطاعة بدخول السنة بعد انقضاء أيّام الحجّ من السنة الماضية ، فيجب الحفظ إلى وقت ذهاب القافلة ، أو بحصولها ولو من قبل بسنين ؛ فإن لم يتمكّن في السنين الماضية ، أخّر ما عنده إلى زمان المكنة ، أو يوقف مسير القافلة.

وهذا البحث إنّما يجري فيمن يقطع طريقه إلى مكّة بأقلّ من سنة ، وأمّا غيره فيُعتبر فيها منه حصولها في وقت يسع الوصول. وقد يكتفى فيه بمجرّد الحصول.

ولو تعلّق حصول الاستطاعة أو البذل على سلوك طريق مخصوص ، تعيّن.

ثمّ الاستطاعة شرط وجوديّ ، فلو ذهب المالُ أو عَدَل الباذلُ قبل الرجوع إلى الوطن ، ولم يكن عنده تتمّة ، لم يكن مستطيعاً. ولو أتلف ماله أو مال الباذل أو ردّه على صاحبه ، وتسكّع ، لزمه الحجّ ، وأجزأ عن حجّة الإسلام. ولو أتلف ماله أو حصل الورود بعد الوقوف بالمشعر ، احتمل الإجزاء في وجه ضعيف.

ولو خرج إلى الحجّ بقصد الندب راكباً أو ماشياً ، فقلّ مصرفه لمرضٍ قلّل أكله ، أو رجاء (١) ، أو عدم الاحتياج إلى بذلٍ لدفع خوف ونحو ذلك قبل الدخول في الحجّ ، كان بحكم المستطيع. وإذا كان بعد التمام أو الدخول لم يكن.

ولو خاف على أهله أو ماله المعتبر وإن لم يكن في تلفه عليه ضرر من التلف ، أو من جحود الغارمين ، أو من تعدّي الظالمين إذا سافر ، ولا يندفع بالتوكيل ، جاز له التخلّف.

وصداقُ النكاح يدخل في الاستطاعة ، إلا مع لزوم الضرر.

__________________

(١) كذا ، والرجاء يأتي بمعنى الخوف ، انظر المصباح المنير : ٢٣١.

٤٨٢

ولا يجب عليه الطلاق قبل الدخول ليستطيع بالنصف ، ولا قبول بذل الزوجة عليه ، وإن كان كارهاً لها ، ولا الصلح على إسقاط الرجعة ، ولا الفسخ في مقام الخيار ، ولا الرجوع بالهبة ، بخلاف الإباحة.

ولا يجب على الولد البذل لوالده ، ولا النيابة إذا كان معضوباً وإن تعذّر غيره ، ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجّلاً عند سير الرفقة.

ولو حجّ المستطيع متسكّعاً ، أو بمال غيره ، مأذوناً فيه أو مغصوباً ، صحّ.

ولو سبقت (١) الاستطاعة في الأعوام الماضية ، فسعى إلى الحجّ مع الخوف ، عصى وصحّ حجّه.

ولو طاف أو صلّى أو سعى أو وقف أو رمى الجمار على مغصوب من الغصب ، ومعه من لباس أو غيره ، أو لبس ثوباً للإحرام ، أو اشترى بعين مغصوبة ، بَطَلَ ما عمل.

ولو جمع من الحرام قناطير من الذهب ، أو بُذِل له ذلك ، لم يستطع ، إلا إذا كان عنده من الحلال ما تقوم به الاستطاعة. ولو حصلت له الاستطاعة ، وهو مسافر ، فإن كانت ثابتة لو كان في وطنه ، فهو مستطيع ، وإن ضاقَ الوقت عن قطع مسافة ما بين الوطن وموضع أعمال الحجّ.

وإذا اختصّت بمحلّة دون منزله ، نوى ذلك. ولو تعدّدت الطرق برّاً أو بحراً ، واختصّت الاستطاعة بواحدٍ ، لزم حكمها. ولو استطاع فحجّ وترك عملاً يجب الرجوع إليه ، وليس عنده مئونة الرجوع ، بقي على حكم الاستطاعة.

ولو افتده (٢) المواشي ، ووجد ما يمضي عنها من المشاة وتعارف ذلك ، كما هي عادة أهل الهند ، حصلت الاستطاعة في وجه قوي.

والسفينة بحكم الراحلة ، ولو توقّف على عمل سفينة عملها.

__________________

(١) في «ص» زيادة : له.

(٢) كذا في النسخ ، ويحتمل كونه تصحيف : افتقد.

٤٨٣

ولو كان له عبيد لا يمكنه بيعهم أو خدم عليهم حمله ، لم يكن مستطيعاً.

والتمكّن بالقدرة الإلهيّة بتسخير بعض الوحوش مثلاً ليس من الاستطاعة.

والاستطاعة الشرعيّة مخصوصة بالحجّة الإسلامية ، ولا يُعتبر في غيرها من أقسام الحجّ الواجب سوى الاستطاعة العرفيّة.

ولا يستطيع والد بمال ولده ، ولا العكس ، فضلاً عن باقي الأنساب والأسباب. ولا يجب على واحد منهم بذل الاستطاعة لآخر. وليس البذل للبذل من البذل إلا مع قصد التوكيل ، أو فضولاً مع الإجازة ، وفي لزوم القبول للبذل عن الغير إشكال.

ويُعتبر في الاستطاعة مضافاً إلى ما سبق وجودُ المحرم مع المرأة إن كانت ممّن تحتاج إليه ، لنجابتها ، أو من جهة الخوف على هتك حرمتها ، وإلا اكتفت بنفسها مع استغنائها ، عن غيرها أو بمن يقوم بخدمتها ، ويجب عليها.

وعلى جميع من احتاج إلى خادم أو زوجة أو سريّة أو غيرها القيام بمئونته. ويلزم بذل ما لا يضرّ بالحال لدفع من يخافه في طريقه قلّ أو كثر.

ويختلف مقدارُ ما تحصل به الاستطاعة باختلاف الأشخاص والدخول واختلاف العوارض. والظاهر أنّ سببَ الاستطاعة وإن تأخّر مقدّم على الواجبات الأُخر ، وإلا لارتفع الحكمُ عن المستطيعين بسبق نَذر في عدم الخروج عن أوطانهم أو عهد أو يمين ، كما أنّ من علّق شيئاً منها بعدم الخروج عن بيته يوم الجمعة لا يرتفع وجوب الجمعة عنه.

ولو تضرّر بركوبِ الراحلة ، وقدر على المشي من دون ضرر ، أو النفع به في وقع موضعه و (١) كان مالكاً لها ، سقطَ الحجّ على إشكال أمّا (٢) لو نذر المشي إلى الحجّ في عام الاستطاعة فامتنع عليه الركوب شرعاً كان مستطيعاً.

ثانيها : عدم المعارضة بشي‌ء من الواجبات المخاطب بها في الابتداء. وأمّا ما يعرض

__________________

(١) في «ح» زيادة : ما.

(٢) في «ح» : أو.

٤٨٤

في الأثناء ممّا يسوّغه الاضطرار ، كالتيمّم للوضوء والغسل ، والصلاة مع نجاسة البدن أو الثياب ، وأكل المحرّمات للزوم الاضطرار المبيح له فلا يضرّ.

ثالثها : أن يتيسّر المسير ، ويتوقّف على أبحاث :

منها : إحراز الصحّة والقوّة ، مع التضرّر المعتبر مع عدمها في الركوب بكلّ نوع يتيسّر له ، وإن تيسّر له ذلك بمصاحبة طبيب استصحبه ، وقام بما يلزمه أولا يلزمه إذا لزمه به ، وتوقف اصطحابه عليه ، وصحب الدواء معه.

والعمى ، والعرج ، والإقعاد ، ونحوها غير مانعة مع عدم المنع ، وإن احتاج إلى القائد ، والمعدّل ، والحامل ، وجب اصطحابهم ، والقيام بما أرادوه.

وليس الحجر للسفه من الموانع ، غير أنّه يلزم الولي أن يجعل له صاحباً محافظاً ، ويقوم بما يطلبه.

ومن عجز عن ركوب البرّ ، تعيّن عليه البحر ؛ أو طريق أحدهما ، تعيّن عليه الطريق الأخر. وإن لم يقدر على الركوب ابتداء وأمكنه التطبّب قبله ، لزمه ذلك. وإذا قضى الطبيب العارف أو التجربة بضرر الحركة ، ولم يمكن ذلك ، سقط عنه الحجّ. وإذا اختلف الأطبّاء ، أُخذ بقول أعلمهم أو أكثرهم عدداً مع ارتفاع الخوف بقوله.

ومنها : التثبّت على الدابّة ، وعدم الخوف الشديد من الركوب مع صحّة البدن ، أو مرض وضعف لا يضرّهما الركوب. وإذا احتاج إلى رديف أو نحوه ، وجبَ عليه البذل له على نحو ما أراد ، إن لم يبلغ الضرر.

ولو توقّف الوصول على حركة عنيفة لا قابليّة له أن يتحمّلها ، ويحصل عليه العسر الشديد بسببها ولا علاج لها ، لم يكن مستطيعاً. ولو كان الإمكان موقوفاً على قلّة المسافة ، وكان ذلك موقوفاً على حمل خيام والانضياف إلى قافلة عظمى ، وأمكنه القيام بذلك ، وجب عليه فعله. ولو توقّف على قوم يحفّون به من جوانبه ، وأمكنه تحصيلهم ، وجب.

ومنها : اتّساع الوقت لقطع الطريق ، بحيث إنّه يظنّ أنّه يدرك واجبات الحجّ أركاناً و

٤٨٥

غيرها ، ويحتمل الاكتفاء بإدراك المفسد تركها عمداً ، ويحتمل الاكتفاء بإدراك ما يفسد تركه عمداً وسهواً ، ولعلّ الأوّل أولى.

ولو توقّفت سعته على ركوب راحلة سريعة المشي ، أو سائق مخصوص ، وجب تحصيله ، ما لم يترتّب على ذلك ضرر عليه ، أو ظلم الحيوان.

فلو استطاع في ذلك العام ، ولم يبقَ من الوقت ما يسع ، ارتفع الوجوب في عامه. ولو مات ، يُقضَ عنه. ولو زعم السعة ، فبانَ خلافها ، لم يستقرّ في ذمّته ؛ وفي العكس يُحتمل الاستقرار ، فيأتي به في المستقبل إن لم يوافق الإتيان به ، وإن وافق مع قصد الاحتياط ، وجهان ، أقواهما الثاني.

ويجري (١) في كلّ من زعم عدم المال أو حصول المانع أو عدم التكليف فبانَ خلافه. ويُلحق به كلّ من زعم حصول شرط فرتّب عليه حكماً فبانَ خلافه.

ولو اتّسع الوقت للحجّ وحده ، أو للعمرة كذلك ، لزم الإتيان بما تعلّق به الإمكان. ويجب عليه ترك السنن والإتباع بالأعمال إذا توقّف عليها الإدراك.

ومنها : خلوّ الطريق عمّا يمنع من سلوكه ، فلو حصل المانع ، ولم يمكن رفعه بما لا يضرّ بالحال فلا وجوب ، من دون فرق بين ما يضرّ بالنفس قتلاً أو جرحاً مضرّاً أو العرض أو المال ، على طريق القهر والإذلال ، من عدوّ أو لصّ أو سَبُع أو ظالم متغلّب أو نحو ذلك. وإن وجد طريقاً سالماً ، لزم سلوكه وإن بَعُد ، مع التمكّن من أسبابه برّاً أو بحراً.

ولو توقّف دفعه على دفع المال باختياره أو إجباره من دون إضراره وجب. ولو كان الدافع غيره ، كان مستطيعاً وإن لم يملك مقدار المدفوع. ولو وجد بدرقة (٢) يندفع بها العدوّ ، وتوقّف اصطحابها على بذل مال غير ضارٍّ ، لزم بذله.

ولو افتقر في المسير إلى القتال ، واطمأنّ بالسلامة ، وجب عليه السير والمقاتلة ،

__________________

(١) في «ص» : ويجزي.

(٢) البدرقة : كلمة فارسيّة عربتها العرب ، وهي تفيد الحراسة والخفارة. حاشية ابن برّي على كتاب المعرّب : ٥١. وبعضهم يقول بالذال وبعضهم بالدال وبهما جميعاً : المصباح المنير : ٤٠.

٤٨٦

مسلماً كان العدوّ أو كافراً. ولو علم بأكثريّة نفر المانعين من المسلمين ، سقط الحجّ ، ولو خاف من العدوّ بسبب سفره أن يقتل مؤمناً أو يهتك عِرض مؤمن ، سقط الوجوب ، وفي وجوب البذل إشكال.

البحث الخامس (١) : في أنّه إذا اجتمعت الشرائط وأهمل ، أَثِمَ ، واستقرّ ما استطاعة من الحجّ والعمرة في ذمّته ، فيجب عليه أداؤه فوراً متى تمكّن منه ، ولو لم يتمكّن إلا مشياً ، ويجتزئ بأقلّ ما يمكنه من مأكول وملبوس وفراش وغطاء ونحوها. فإن امتنع عليه بعد ذلك ، أو أمكنه وتركه حتّى مات ، فلا يخلو من قسمين :

الأوّل : أن يموت قبل الإحرام ؛ ودخول الحرم. فإن كان ذلك ، وجب فوراً على الوليّ الشرعيّ من وصيّ أو حاكم أو من يقوم مقامه حال غيبته من عدول المسلمين إخراج حجّة وعمرة قضاءً عنه ، ومع الوفاء بأحدهما فقط يتخيّر بين الأمرين ، والأقوى تقديم الحجّ. ويتعيّن ما فرض عليه ، من تمتّع أو قران أو إفراد من الميقات المجزي له ، ولا يلزم إخراجها من بلد الموت ، ولا بلد الاستطاعة ، ولا الوطن ، إلا مع الوصيّة ، فيخرج مقدار الميقاتيّة من الأصل ، والتفاوت من الثلث.

ولو كان عليه دَين ووفّى المال بهما معاً فلا كلام ، وإن قصر وزّع عليهما ؛ فإن وفى بأصل الحجّ فقط دون العمرة أو بالعكس ، اختصّ به ما وفى. وإن وفى بكلّ منهما مفرداً عن الأخر ، قُدّم الحجّ إفراداً أو قِراناً على الأقوى ، ويحتمل التخيير. وإن لم يفِ بشي‌ءٍ منهما ، رجع إلى الدين ؛ فإن زاد رجع إلى الوارث. وإن علم الوفاء مع التأخير بواحد ، ومع التقديم لا يفي بذلك ، أو علم الوفاء بواحد مع التقديم ، وبكليهما مع التأخير ، أخّر.

والزكاة ، والخمس ، ومجهول المالك ، ونحوها مع بقاء العين مقدّمة عليه ، وعلى الدين. وبعد فقد العين يكون كالدين ، وفي النذور والعهود والأيمان ذات وجهين ،

__________________

(١) في «ص» : الثاني.

٤٨٧

وتقديمه عليها أقوى الوجهين.

ولو كانت عليه حجّات إسلاميّة ، قضائيّة ، وتحمّليّة ، ونذريّة ، وعُمَر كذلك ، ولم يفِ بالجميع ، بنى على الترجيح للأهمّ فالأهمّ ، أو الأقدم فالأقدم ، أو من زادت جهات وجوبه على غيره. وصور اختلاطه كثيرة تظهر ، ويظهر حكمها بعد التأمّل.

القسم الثاني : أن يموت بعد الإحرام ، والكون في الحرم آناً ما بعده ، منويّاً أو لا ، بجميع بدنه أو ببعضه على وجه يتحقّق الصدق العرفي ، محرماً أو محلّا ، في الحلّ ، بعد الخروج من الحرم ، أو في الحرم ، مختاراً في حصوله فيه أو مجبوراً ، عالماً به أو جاهلاً ، عالماً بالحكم أو جاهلاً عاصياً في دخوله أو مطيعاً ، مستقرّاً عليه الحجّ فيما سبق من الأعوام أو في عامه مع الإهمال والتمكّن من الإكمال.

وفي إلحاق التمكّن من دخول الحرم ، والإهمال بذلك التمكّن ممكن ، وفي إلحاق باقي أقسام الحجّ الواجب والمندوب سوى حجّ النيابة لمشاركته حجّ الإسلام في أخذه من الأدلّة إشكال.

والظاهر أنّ المتمتّع بالعمرة بمنزلة الحاجّ ، وفي تمشية الحكم إلى العمرة المفردة ، والمحجوج به ، أو الحاجّ به بُعد. وفي إلحاق الجنون بالموت. حتّى إذا عادَ إليه العقل بعد مضيّ وقت الحجّ أو العمرة لم يُعدّ خروج عن قواعد الإماميّة ، وفي تمشية الحكم على من استمرّ على إحرام العام السابق إشكال.

الموضع الثاني : في الواجبات بالأسباب الخارجيّة ، وهي ضروب :

الأوّل : النيابة

وفيها أبحاث :

الأوّل : في النائب ، ويُشتَرَطُ فيه أُمور :

منها : ما تتوقّف عليها الصحّة ، ومنها : ما يتوقّف عليها الإجزاء.

أمّا ما تتوقّف الصحّة عليه : فهو العقل حين العمل ، فلو كان الجنون أدواريّاً ،

٤٨٨

وصادف ردّ العقل في وقوف المشعر ، أجزأ.

والتمييز ؛ فغير المميّز كالبهيمة لا يصحّ منه شي‌ء.

والإسلام ، والإيمان ، وعدم اشتغال ذمّته بواجبٍ مضيّق يتمكّن منه ، وإذن السيّد لعبده ، وإذن الزوج لزوجته ، وإذن الوليّ للمميّز ، ولا يتوقّف على إذن الوالدين.

وأمّا ما يتوقّف عليه الإجزاء وإن كان صحيحاً. فهو البلوغ ، فإنّ عمل المميّز صحيح ، لكن لا يُجتزأ به في فراغ الذمّة ؛ لعدم ظهور النيّة ، وعدم اقتضاء العقد وجوبه عليه ، فلا يكون مؤتمناً عليه ، ولا يقوم المندوب مقام الواجب فيما لم يقُم عليه دليل. ومثله العدالة إن كان الاستئجار لفراغ الذمّة ، ولخفاء النيّة ، وعدم العدالة الموجبة للوثوق ، وإن كان المندوب فلا بأس ، واحتمال الإجزاء كما في عدد الجمعة ، وانعقاد الجماعة ، وكلّ فعل يتوقّف على القصد والنيّة أو يؤخذ فيه ذلك كذبح الهَدي والعقيقة والأُضحيّة ، والذهاب إلى مكان كذا بقصد كذا ، والنيابة في الأذان والإقامة عن المصلّين ، ونحو ذلك لا يخلو من قوّة ، وليس ذلك بحكم الولاية والنّيابة ؛ لأنّ الخطاب توجّه إليه ، فالفعل فعله ، وليس نائباً فيه ، فإذا حصل الاطمئنان ، قوي القول بعدم البطلان ، وبمثل ذلك يقوى جواز نيابة الألثغ ، والفأفاء والتأتاء عن الصحيح مع دخول صلاة الطواف. ولا بأس بنيابة الرجل عن المرأة ، وبالعكس.

الثاني : في المنوب عنه ، ويُشترط فيه أُمور :

الإسلام ، فلا تجوز النيابة عن كافر ، ملّيّاً كان أو لا.

والإيمان ، فلا تجوز النيابة عن غير الإمامي ، من فِرق الشيعة كان أو لا ، رحماً كان أو لا ، ناصبيّاً أو لا ، مستضعفاً أو لا. وفي استثناء الأب خاصّة دون الأُمّ وغيرها وجه ، والأوجه خلافه ؛ لظاهر الكتاب والسنّة (١). وما دلّ على جوازه وإن صحّ سنده شاذّ (٢).

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٩ باب الحجّ عن المخالف.

٤٨٩

والتعيين بالقصد ، ويُستحبّ باللفظ ، فلو استأجر أحد شخصين مع الإبهام ، لم يصحّ.

وقابليّته للنّيابة ، فلا يجوز استئجار غير القابل ونيابته.

الثالث : في العمل

ويُشترط فيه : المعلوميّة ، وتعيين أنّه عمرة أو تمتّع أو قران أو إفراد عند وقوع العقد. ولو عرض له لزوم العدول بسبب من الأسباب أجزأ. وأن لا يعارض واجباً آخر قد شغل الذمّة سابقاً ، وهو قادر على الإتيان به ، ويمتنع اجتماعه معه. وأن يكون ممّا يجزي عن المنوب عنه لو كان حيّاً.

الرابع : في عقد النيابة

وهو قسمان : إجارة وجعالة ، ويجري (١) فيهما التأصيل والتوكيل ، والفضوليّة ، والمعاطاة ، ويتمشّى فيهما الشروط والأحكام على نحو ما إذا تعلّقت بغير الحجّ والعمرة.

ولو تبرّع متبرّع بالحجّ أو العمرة عن حيّ أو ميّت ، صحّ عنهما في المندوب وفي الواجب عن الميّت ونائبه ، ما لم يشترط عليه المباشرة ، وعن الحيّ مع عجزه في وجه ، وتجوز النيابة في السنة تبرّعاً عن واحد ومتعدّدين ، وكذا يجوز عقد الاستئجار في المستحبّ من واحد ومتعدّدين.

الخامس : في أحكام النيابة :

وفيه مطالب :

الأوّل : أنّ النائب في حجّة الإسلام أو مطلقاً في وجه إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم على نحو ما مرّ في المستطيع نفسه تكون حجّته تامّة ، ويجزي عن

__________________

(١) في «ص» : يجزي

٤٩٠

المنوب عنه ، ويستحقّ الأُجرة بتمامها ، ولا نيابة بعمل مسقط لما في ذمّة المنوب عنه ، كما لو استأجر على حجّ تمتّع فعدل إلى الإفراد أو بالعكس ، وكما في نائب الصلاة إذا نقص منها شيئاً لا يخلّ بها.

ولا يجري (١) في غير الموت من الأعذار ، من جنونٍ ، أو صدّ من عدوّ ، أو حصر من مرض ، ونحوها. ولا في غير حجّة الإسلام ، من واجب وندب. وفي تمشية الحكم إلى النائب في حجّة الإسلام عن المستطيع العاجز وجه قوي.

ولو شرط عليه أنّه لو مات قبل الإتمام ولو بعد الدخول في الحرم والإحرام لم يستحقّ شيئاً ، اتّبع الشرط على إشكال.

المطلب الثاني : في أنّ النائب إذا مات بمرض قبل أن يحصل له مجموع الأمرين :

الإحرام ودخول الحرم ، أو جُنّ ، أو صُدّ بعدوّ ، أو حصر بمرض ، ونحو ذلك ، فلا يخلو من أحوال :

الأوّل : أن تكون الاستنابة بعقد إجارة أو جعالة أو غيرهما صرّح فيه بالتعلّق بمجرّد العمل ، فتكون المقدّمات لمصلحة النائب ، وليس للمنوب عنه فيه مدخليّة. وفي هذا القسم لا يستحقّ النائب شيئاً في هذا العمل ، وليس عليه الإتيان به في عام آخر إن تعلّق العقد بخصوص العام الّذي حصل العارض فيه. وإن ضمن الإتيان به ، لم تجب إجابته ؛ وإلا بقي في ذمّته ، يأتي به أو يُستناب عنه.

الثاني : أن يصرّح بالتعلّق بالعمل في مقاماته ، فهاهنا تُوزّع الأُجرة على النسبة مع ملاحظة المصارف والتعب ونحوها إن تعلّق بالعامّ المخصوص ، ومع الإطلاق يبقى الحجّ في ذمّته يأتي به أو يستناب عنه.

الثالث : أن يطلق في العقد ، وهنا إنْ تعلّق العقد بتلك السنة المعيّنة ، انفسخ العقد ، وبني على التوزيع على نحو ما مرّ ؛ لأنّ ظاهر الإطلاق ينصرف إلى التعلّق بالجميع.

__________________

(١) في «ص» : يجزي.

٤٩١

وإن لم يقيّد بتلك السنة ، بقي مشغول الذمّة بالحجّ ، يأتي به أو يُستناب عنه ، ولو اختلفا في الإطلاق والتقييد ، بُني على التقييد.

ويجري مثل ذلك في الزيارات ، ومقاصد التجارات ، والعبادات ، وجميع ما يترتّب من مصارف داخلة ، كثوبي الإحرام ، والهَدي في التمتّع والقران ؛ أو خارجة ، كالكفّارات ، والبذل لدفع الصد ونحو ذلك على النائب إلا مع الشرط. وفي التوزيع يقتصر على الأوّلين : هَدي التمتّع والثوبين.

ولو استنيب مؤمناً ، فارتدّ أو رأى مذهب أهل الخلاف في الأثناء وعاد قبل الدخول في العمل ، قويَ القول بالصحّة فيهما ؛ وبعد الفراغ منه أو في أثنائه ، ولا يمكن العود إلى ابتدائه ، قامَ احتمال الصحّة في الثاني دون الأوّل ، ولو رجع عن المقصد من دون عذر ، فلا شي‌ء له.

ولو استؤجر على عملين : حجّ وعمرة ، فأتى مختاراً بحجّ غير تمتّع ، أو بعمرة مفردة ، وكان خالياً عن شرط الجمع ، أخذ من الأُجرة ما قضى به التوزيع.

ولو أتى بحجّ تمتّع أو عمرته ، لم يستحقّ شيئاً ، إلا مع الانقلاب.

ولو استؤجر على أحدهما فقط ، جاءه حُكمُ المقدّمات.

ولا يجب على المستأجر إكمال نفقة الأجير إذا قصرت ، ولا على الأجير ردّ الفاضل إذا زادت ، وإن استحبّ له ذلك ، ما لم يضيّق على نفسه.

والتبرّع في المندوب والواجب عن الميّت لا بأس به ، وتبرأ ذمّته ، وعن النائب فيه إشكال. ويجوز التبرّع في المندوب عن الحيّ والميّت.

ولو سبق المتبرّع الأجير ، احتمل : انفساخ الإجارة ، وبقائها ، ورجوعه ندباً. ولو استأجر نائباً ، فنسي فاستأجر آخر ، فحجّا معاً ، كانت الثانية ندباً. ولو اقترنا من الوكيلين في حجّة معينة كإسلاميّة مثلاً احتمل البطلان والصحّة ؛ لتحقّق الحقيقة فيهما.

المطلب الثالث : في أنّ الأجير إذا اشترط عليه شروط ، فلا يخلو إمّا أن يوافق من جميع الوجوه فلا كلام ، وإن خالف فلا يخلو من أقسام :

٤٩٢

الأوّل : أن تكون مخالفته في تبديل النوع ، ولا يخلو من قسمين :

إمّا اختياري كما إذا استؤجر على تمتّع ، فأفردَ ، أو بالعكس ، وفي هذا القسم لا يستحقّ أُجرة على الغايات ولا المقدّمات.

واضطراري ، وفيه يستحقّها على المقدّمات والغايات. ولو كان في الإتيان بالنوع الأخر صلاح للميّت فقط فقد استحقّ الأُجرة تامّة بدلالة الفحوى والرواية (١) ، إلا مع التصريح بالعدم.

الثاني : أن تكون مخالفته في المقدّمات ، ويقع على أنحاء :

منها : الاختلاف في الطريق ، كأن يشترط عليه الحجّ من طريق البصرة ، فيحجّ من طريق الكوفة ، وفي هذا يحتمل وجوه :

منها : عدم استحقاق شي‌ء على الغايات والمقدّمات ؛ لأنّ المقيّد ينتفي بانتفاء القيد.

ومنها : الفرق بين أن يكون أفضل من المشروط ، فيستحقّ الجميع ؛ وأن يكون مفضولاً ، فلا يستحقّ شيئاً. وقد يلحق المساوي بالأفضل.

ومنها : عدم الاستحقاق على قطع الطريق إذا كان مفضولاً ، بخلاف الفاضل. وقد يلحق به المساوي.

ومنها : عدم الاستحقاق على الجميع مطلقاً ؛ لأنّ المدار على الغاية ، دون الطريق.

ومنها : أنّه إن علم أنّ الاشتراط لطلب الصلاح ، فسلكَ أصلح منه ، استَحقّ على الطريق والغاية ، وإلا لم يستحقّ شيئاً ، أو استحقّ مع نقص التفاوت من الجميع أو الطريق. والقول بعدم الاستحقاق على الطريق مطلقاً سوى محلّ الاجتماع والاستحقاق على مقدار الغاية وجيه لولا ما يظهر من الرواية المنجبرة بالعمل الدالّة على استحقاق الأُجرة على الجميع بقول مطلق (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٧ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ ح ١٢٧٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ح ١٤٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٢٣ ح ١١٤٥ ، الوسائل ٨ : ١٢٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٧ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ح ١٤٤٥ ، الوسائل ٨ : ١٢٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ١١ ح ١.

٤٩٣

ولا بدّ من تقييدها بما إذا لم يشترط عليه في ضمن العقد إلا أُجرة له على الطريق إن خالف شرطه وإن شرط عدم الأُجرة على الغاية أيضاً فلا يبعد الجواز وبما إذا لم يضطرّ إلى طريق آخر ، فإنّ الظاهر من إطلاق الإجارة أنّ الشرط مشروط بالاختيار ، إلا أن يدخل في الشرط الاضطرار.

الثالث : أن (١) يكون الاختلاف في شروط أُخر ، كخروجه من بلدٍ مُعيّن ، أو في زمانٍ مُعيّن ، أو على ميقاتٍ مُعيّن ، أو مع أصحابٍ مُعيّنين ، أو راكباً حيواناً ، أو لابساً لباساً معيّنَين ، أو طوافه أو سعيه أو شي‌ء من أعماله بكيفيّةٍ مُعيّنة ، إلى غير ذلك ممّا ليس فيه نصّ ، قام احتمال : لزوم إعطاء الأُجرة تماماً مطلقاً ؛ لحصول الغاية المقصودة بالأصالة ، وفي خصوص ما إذا عدل إلى الأفضل ، وقد يُلحق به المساوي.

وعدم (٢) استحقاق شي‌ء ؛ لأنّه بالمخالفة صار متبرّعاً ، فلا يستحقّ شيئاً.

والرجوع إلى أُجرة [المثل] ؛ لأنّ المعاملة قضت بالمسمّى في خصوص الموافقة ، وتضمّنت حصول الإذن من غير تسمية على تقدير المخالفة ، والنقص من المسمّى بمقدار التفاوت.

والفرق بين أن يكون الشرط من المستأجر ، فيجي‌ء فيه ما مرّ ، وأن يكون من المؤجر فيستحقّ المسمّى.

والظاهر أنّ الشرط إن أخذ في الاستحقاق ، فلا شي‌ء ؛ وإن أخذ على وجه الإلزام الخارجي ، أخذ من المسمّى بمقدار النقص. والظاهر في هذا المقام هو الأوّل ، والمسألة في غاية الإشكال. والله أعلم بحقيقة الحال.

المطلب الرابع : في أنّ الأجير إذا صُدّ أو أُحصِرَ ، فتحلّلَ بذبح الهَدي ، لم يُجبر على القضاء ، وإن كانت الإجارة مطلقة على إشكال. ثمّ إن كان الحجّ ندباً عن

__________________

(١) في «ح» زيادة : لا.

(٢) هذا معطوف على قوله : «لزوم إعطاء الأُجرة تماماً» المتقدّم.

٤٩٤

المستأجر ، تخيّر المستأجر في الاستئجار ثانياً ، وإن كان واجباً ، وجب الاستئجار ؛ ويردّ الأجير ما قضى به التوزيع من الأُجرة. ولو اشترط عليه استحقاق الجمع على العمل إن تعلّقت به الإجارة ، وعلى المجموع إن تعلّقت به ، صحّ. ومع اشتراط عدم الاستحقاق إلا بالتمام لا استحقاق. ومع اشتراط التوزيع مع النقص يقوى الجواز ، ويحتمل العدم ؛ لترتّب الجهالة. ويضمن الصادّ ما ترتّب عليه من الغرامة.

المطلب الخامس : في أنّ من تعدّدت عليه حجّات لتعدّد أسبابها ، فوجبت عليه الاستنابة لعجزه ، جاز أن يستنيب نوّاباً متعدّدين في سنة واحدة.

ومن كانت عليه حجّة واجبة تجب عليه فيها المباشرة ، لم يجز له الإتيان بمندوبة ، وفي النيابة عنه فيها وجهان ، أقواهما الجواز.

المطلب السادس : في أنّه لو وجب عليه حجّ لنفسه ، فنواه ابتداء عن غيره أو بالعكس ؛ أو لواحدٍ ، فنواه عن آخر ، عمداً أو سهواً ، لم يجزِ عن أحدهما. وإن عدل بقصده في الأثناء عمداً ، فكذلك. ومع العدول سهواً ، يبقى على حكم نيّته الأُولى. ويجري مثل ذلك في نوّاب العبادات من صلاة وغيرها.

المطلب السابع : في أنّ الإقالة مع التراضي من الحاكم جائزة ، وكذا من الوصي ؛ لأنّ الوصاية ولاية ، عمّم في الوصاية فلا يبقى إشكال أو أطلق ؛ لأنّ الوصاية ولاية على الأصحّ ، لا وكالة. ثمّ إن كان الفسخ قبل التلبّس فلا كلام ، وبعده توزّع الأُجرة على النسبة. ويُراعى في جواز الإقالة صلاح المنوب عنه ، كما إذا وجد نائباً خيراً من الأوّل.

وأمّا لو كان المستنيب حيّاً ، فالإقالة منه أو من وكيله عليها ، ولا تجوز مع النقص

٤٩٥

ولا مع الزيادة.

المطلب الثامن : في أنّه يجوز للنائب أن يستنيب مع الإذن ، ومع الإطلاق وعدم اشتراط المباشرة أو فهمها ؛ (١) من قرينة الحال ، كزيادة الأُجرة ونحوها ، مع عجزه عن العمل ، وقدرته على الأقوى ، على نحو النائب في سائر العبادات ؛ لجريان حكم المعاملات في هذا الباب ؛ لدخوله فيها ، من غير فرقٍ بين إتيانه ببعض العمل وعدمه ، وبين الاستئجار بالأقلّ والأكثر ، ما لم يعلم من حال المستنيب عدم الرضا بذلك ، كما هو الظاهر من حال المستنيبين. ومع القصد في ابتداء الأخذ يدخل في الحيل والتزوير ، ومن يتعاطى ذلك من الناس لا اعتماد عليه في أمر الدين.

المطلب التاسع : في أنّ الثالث في العبادات في حجّ أو غيره عليه الإتيان بالشرائط المعتبرة في حقّه ، لا في حقّ المنوب عنه ؛ لأنّ المطلوب منه بالذات الأعمال ، والمقدّمات تُطلب من الفاعل لصحّة فعله. فما يطلب من جهة الفاعل يلحق فيه كلا حكمه ، وما يطلب للفعل يشتركان فيه. فعلى النائب ذكراً أو أُنثى ، ناقصاً أو كاملاً ، عن ناقص أو كامل حكم نفسه. وأمّا في نوع العمل ؛ فيلزمه الإتيان بما يلزم المستنيب ، فعلى القريب النائب عن البعيد أن يتمتّع ، وعلى البعيد النائب عن القريب أن يأتي بأحد القسمين الأخيرين.

المطلب العاشر : أنّه يجري في عقد النيابة ما يجري في عقد البيع والإجارة ، من خيارِ وصفٍ ، وشرطٍ ، وغبنٍ ، وعيبٍ ، واشتراط ، وتدليس ، وهكذا ، فلو استأجره على أنّه عالم عارف ، أو شرط عليه الخيار ، أو ذكرت أُجرة كليّة على العمل مع أنّها تقابل أضعافه ، أو ظهر عيب فيه ، أو اشترط فيه شروط ، أو دلّس نفس ، جاء الخيار ، وترتّب عليه أحكامه.

__________________

(١) في «ح» : فهمهما.

٤٩٦

المطلب الحادي عشر : في أنّه لو استطاع بأُجرته ، فإن شاء عاد ورجع إن أمكنه ذلك ، وإلا أقام حتّى يأتي بحجّة الإسلام.

المطلب الثاني عشر : في أنّه لا يلزم النائب سوى الإتيان بالمسمّى ، فلو أتى بالطواف وركعتيه مرّة فرغت ذمّته ، وكان له أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، متبرّعاً أو أجيراً.

ومثله نائب الزيارات ، فليس عليه سوى زيارة من استؤجر على زيارته مرّة واحدة ، وليس عليه زيارة من حوله ، أو من كان بعيداً عنه من نبي أو وصيّ أو مقرّب ، ولا صلاة زيارة ، ولا استئذان ، ولا تكبير ، ولا عمل كعمل عاشوراء ، ولا دعاء منصوص في وداع أو غيره ، إلا مع قيام شاهد حال أو مقال على اعتبارها فيها. وقد يختلف الحال باختلاف المحالّ ، فيكون من قرائن الأحوال.

المطلب الثالث عشر : في أنّه تجوز النيابة تبرّعاً ، من دون استئذان من له الولاية ، في واجب إسلامي وغيره ومندوب ، من حجّ وعمرة.

وعن الأحياء خصوص المندوب ، مع الإذن وبدونه ، على المنع وبدونه. ولا تجوز في واجب إسلامي وغيره عن المغصوب وغيره.

ويجري نحو ذلك في الزيارات ؛ فتجوز بأقسامها عن الأموات ، ولا يجوز عن الأحياء منها ، إلا ما كان من المندوبات.

وتجوز النيابة عن الأموات بجميع المندوبات من قراءات ، وأذكار ، ودعوات ، وصلوات ، مرتّبات وغير مرتّبات ، مبتدات وغير مبتدات. ولا يجوز عن الأحياء إلا ما نصّ عليه في الروايات ؛. (١)

المطلب الرابع عشر : في أنّه إذا أوصى الميّت بحجّ واجب أُخرج من الأصل ، إسلاميّاً كان أو لا ، على الأصحّ.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ ح ١ ، الوسائل ٨ : ١٣٣ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٨ ح ١.

٤٩٧

ثمّ إن عيّن القدر ، ووسع البلديّة ، أُخرجت من البلد ، واحتسب قدر الميقاتيّة وهو ما كان أقرب من المواقيت إلى مكّة من الأصل ، والزائد من الثلث. وإن لم يسع ، أُخرجت ميقاتيّة.

وجميع ما يوصى في الندب يخرج من الثلث ميقاتيّاً ، إلا مع القرينة وسعة الثلث. ومع إجازة الوارث يخرج جميع ما يخرج من الثلث من الأصل.

ولو قصر عن الوفاء بالقسمين ، تصدّق به عن الميّت ؛ لعزله عن حكم الوارث ، وجعله له ، وللرواية (١) ، سواء كان القصور حين الوصيّة أو بعدها.

المطلب الخامس عشر : في أنّه يستحقّ الأجير الأُجرة بالعقد إذا وافق ، وإن خالف فلا يستحقّ شيئاً ، ولا يجب تسليمه إلا بعد العمل ، إلا مع قرينة تدلّ على تسليمه كلّا أو بعضاً قبل العمل ، ونحوه أجير الزيارات والصلاة والصيام ونحوها على نحو المعاملات.

ولو أوصى بحجّ وغيره ، قُدّم الواجب المالي على الواجب البدني ، والواجب البدني على المستحبّ ، ومع الضيق في القسمين الأخيرين يُقدّم كلّ سابق على لاحقه. ومع التعارض في القسم الأوّل يقوى تقديم الحجّ ؛ حجّة الإسلام على عمرته ، ثمّ هما على غيرهما منهما ، ثمّ غيرهما على غيرهما. ومع التساوي في المرتبة يوزّع ، ومع عدم إمكانه يتخيّر. ويضعف احتمال القرعة.

ولو لم يعيّن العدد في حجّ أو عمرة أو عبادة أُخرى ، اكتفى بالواحد ، اشتمل على صيغة أمرٍ أولا. ولو صرّح بالتكرار مقدّراً ، اقتصر عليه ، وإن عمّم أو أطلق ، كرّر من الثلث حتّى يفنى. ولو قصر عن التكرار المقدّر. جعل ما لسنتين أو أكثر لسنة.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٥٤ ح ٥٣٤ ، الوسائل ١٣ : ٤١٩ أبواب أحكام الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

٤٩٨

المطلب السادس عشر : في أنّه يُشترط علم الأجير بمقدار الأُجرة والأعمال في الجملة ؛ لئلا تلزم الجهالة ، واتّساع الوقت لما استُؤجر له. ولا تلزمه المبادرة مع التعيين مع أوّل دفعة ، بل يجوز له التأخّر مع الاطمئنان بالإدراك مع الرفقة الأُخرى. ولو قال له : حجّ عنّي ، وأطلق ، أو من حجّ عنّي فله جزاؤه ، أو حُجّ عنّي بما شئت ، فحَجّ ، استحقّ أُجرة المثل. وكذا لو ردّد بين حجّ وعمرة ، وإن صرّح بالتسمية.

المطلب السابع عشر : في أنّه لو لم يتمكّن الأجير في السنة المعيّنة ، انفسخت الإجارة ؛ فإن أُريد منه العمل في سنة أُخرى ، لزمَ تجديد الإجارة. ولو كانت مطلقةً ، بقيت في ذمّته. ومع الإطلاق واشتراط الفور أو التراخي ، يعمل بالشروط. ومع الإطلاق ، يُنزّل عرفاً على الفور. فإن أهمل في الأُولى ، صار فوراً في الثانية ، ممتدّاً مع صحّة الإجارة في العام المتقدّم ، وفي صحّتها مع التأخير أو الإطلاق ؛. (١)

المطلب الثامن عشر : في أنّه يجوز للأجير في حجّ أن يعتمر عن نفسه ، وفي عمرة أن يحجّ عن نفسه ، أو عن منوب آخر ، مع إمكان الجمع ، ويعود إلى الميقات مع إمكان العود إليه ، ومع عدمه يحرم من حيث ما أمكنه.

ولو أحرم من غير الميقات الموظّف مع المكنة ، فسد عمله ، وفي احتساب المسافة على نفسه فيردّ إليه بمقدار ما قصد من الطريق لنفسه وجه ، غير أنّ الفرق بين من قصد نفسه بالأصالة ومن قصدها بالتبع أوجه.

المطلب التاسع عشر : في أنّه لو فاته الحجّ بتفريطه ، تحلّل بعمرة عن نفسه ، وليس له شي‌ء.

وإن لم يكن عن تفريط ، كان له من المسمّى بمقدار ما عمله قبل الفوات.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ويحتمل سقوط كلمة «وجه» أو «إشكال».

٤٩٩

ويحتمل إضافة أجرة عمرته لتسبّبها عن حجّه ، ولعلّ الأوّل أولى. واحتمال أُجرة المثل ضعيف.

المطلب العشرون : في أنّه لو أفسد حجّه ، كان عليه قضاؤه عن نفسه في القابل.

ثمّ إن كانت الحجّة معيّنة انفسخت. وعلى المستأجر استنابة أُخرى يستأجر هو بها أو غيره. وإن كانت مطلقة ، بقيت في ذمّته ، وليست الفوريّة تعيّنيّة ، وعليه حجّة ثانية ، والقول بوجوب الثالثة غير بعيد.

المطلب الحادي والعشرون : لو عيّن النائب والقدر تعيّنا ؛ فإن زاد القدر عن الثلث ولم يُجز الوارث ، أُخرج ما يحتمله الثلث ؛ فإن رضي به المعيّن ، قدّم على غيره ، وإلا استُؤجر غيره. ويحتمل الاقتصار فيه على أُجرة مثله من الميقات أو البلد على اختلاف الرأيين.

ولو عيّن النائب فقط وأطلق القدر ، فإن رَضي بما يخرج من الثلث ، قُدّم على غيره ، وإلا استُؤجر غيره. وفي العكس يتخيّر في النائب ، ومع إطلاق القدر فالظاهر أنّه لا يجب الاقتصار على أقلّ المجزي ، ولا طلب أعلى الأفراد من النوّاب ، بل يجوز اعتبار الوسط. ثمّ لا يجب عليه البحث والفحص عمّن يرضى بالناقص.

المطلب الثاني والعشرون : في أنّه إذا شرّك في النيابة ، وجعل قطع الطريق لواحد ، والعمل لواحد ، أو شرّك في الطريق أو في العمل مع إمكان فصله ، لم يكن بأس. وفي الاستنابة في عام الطريق أو بعضه لمن لم يكن من قصده الذهاب إلى القصد إشكال. أمّا لو قصد فمُنع أو عدلَ ، فلا إشكال.

المطلب الثالث والعشرون : في أنّ المنوب لو ظنّ نفسه بالغاً ، فظهر الخلاف ؛ فإن

٥٠٠