أحوط. ولا يغني التعيّن عن التعيين في النوع ، فيبطل الإطلاق والترديد ، والأول إلى التعيين لا يغني عنه ، فلو أهلّ بما يعمّ نوعين أو أكثر ، أو قال : «كإهلال فلان» لم يصحّ.
وإهلال عليّ عليهالسلام قضيّة في فعل ، ولا ريب أنّ علمه البشري تعلّق بهذه المسائل وغيرها من ظهر الغيب ، أو بتعليم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل وقوعها.
ولا فرق بين أن يهلّ كإهلال فلان ، وبين أن يقول : أصلّي كصلاة فلان أو أصوم كصومه ، ولا اعتبار بالنطق ، كما في غيره من العبادات ، وإن استحبّ فيه وفي الاعتكاف ، ولا ثمرة في الإظهار إذا خلا عن الإضمار.
ولو جمع بين الأمرين في جميع العبادات فلا بأس ، إلا في الصلاة بعد قول : «قد قامت الصلاة ؛ وإن ردّد بين نوعين أو أكثر أو جمع بَطَلَ. ولو نطق بشيء عمداً أو سهواً ، وأضمر غيره منع الحكم الإضمار ، وألغى الإظهار.
ولو شرط في الاستئجار أو قضى عُرف الأُجراء به ، لزم كسائر السنن ، ولا يلزم فيها الاشتراط ، وصورته الإحلال من الحبس إذا عرض عارض.
ولو شرطه مطلقاً أو معلّقاً له بمشيّته أو بمشيّة غيره ، أو قيّده بعدم العُذر ، أو بمشيّة الله تعالى في أحد الوجهين ، بَطَلَ. وتظهر ثمرته في الصدّ أو الحصر عن الحجّ أو العمرة المندوبتين ، أو ما اختصّت استطاعته بذلك العام. ويجري ذلك في جميع الموانع ، فلا يبقى عليه حجّ واجب ، ولا إحرام لازم.
وفي خصوص الحجّ يقول : «إن لم يكن حجّة فعمرة» ولو كان الحجّ والعمرة مستقرّي الوجوب ، بقي الالتزام ، وإنّما الثمرة في عدم استمرار الإحرام ، فيحلّ ويقضي.
المبحث الرابع : في بيان حقيقته
وهو عبارة عن حالة تمنع عن فعل شيء من المحرّمات المعلومة ، ولعلّ حقيقة الصوم كذلك ، فهما عبارة عن المحبوسيّة عن الأُمور المعلومة ، فيكونان غير القصد ، والترك ،
والكفّ ، والتوطين ، فلا يدخلان في الأفعال ، ولا الأعدام (١).
بل هما حالتان متفرّعتان عليها ، ولا يجب على المكلّفين من العلماء فضلاً عن الأعوام الاهتداء إلى معرفة الحقيقة ، وإلا للزم بطلان عبادة أكثر العلماء وجميع الأعوام.
الفصل الثاني : في التلبية
تثنية اللب ، بمعنى الملازمة أو الإقامة أو الإجابة أو القصد أو المحبّة أو الإخلاص ، وقد جمع بين الاثنين ، فما زاد من باب الجمع بين معاني المشترك ، أو الحقيقة والمجاز.
والمراد : أنّ الله ناداه بالحجّ مثلاً فلبّاه.
والكلام فيها في مواضع :
الأوّل : في بيان كيفيّتها الموظّفة
والأقوى أنّ الواجب أربع تلبيات ، يأتي بهنّ كيف شاء من الصور الواردة في الروايات (٢).
ولو أخذ بعض التلبيات على نحو ما في رواية ، وكمل الباقي من غيرها ، فلا مانع ، وهي كثيرة :
منها : لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك.
ومنها : لبّيك اللهمّ لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، إلى أن قال : واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع الّتي كنّ أوّل الكلام ، وهي الفريضة ، والتوحيد ، وبها لبّى المرسلون.
__________________
(١) في نسخة : الإعلام.
(٢) انظر الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠.
ومنها : لبّيك اللهم لبّيك ، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك بحجّة تمامها عليك.
ومنها : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك لبّيك ، وهذه الأربعة مفروضات.
ومنها : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد ، والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك.
(ومنها : لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك) (١).
ومنها : لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ (٢).
وفي كلام بعض الفقهاء ما لا يوافق الروايات من الهيئات (٣) ، ويظهر من بعض كلماتهم وجوب ما يزيد على الأربع (٤) وهو مردود بالإجماع والأخبار (٥).
ولا حاجة إلى الإتيان بفتح «إنّ» مرّة في وجه ضعيف وكسرها أُخرى ، وتقديم «لك» على «الملك» ثمّ تأخيرها ، ولا إلى الإتيان بالتلبية مرّة قبل قوله : «إنّ الحمد لك» إلى أخره ، وبعدها أُخرى ، والتلبية بعد «لا شريك لك» وقبلها.
__________________
(١) ليس في «ص».
(٢) انظر الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠.
(٣) الدروس ١ : ٣٤٧ ، إرشاد الأذهان ١ : ٣١٥.
(٤) الاقتصاد : ٣٠١.
(٥) انظر الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠.
ويجب الإتيان بها على الوجه المشروع ، فلو عصى بها مولاه ، أو عنى للإشارة إلى الطعن على مؤمن ، أو أزعج بها العاملين أو غيرهم حتّى خيف عليهم [لم يصحّ].
ثمّ الإتيان بها على النحو المألوف ، فلو فصل الحروف أو بدّل حرفاً أو حركة بغيرها أو بسكون ، أو سكوناً بحركة ممّا يدخل في الصيغة ، أو فكّ إدغاماً ، أو بدّل فتح الكاف بحركة أُخرى ، أو جمع بين حركتها وهمزة اللهمّ في الدرج ، فتدور الصحّة حينئذٍ بين الوقف مع السكون ، وكذا مع الحركة في وجه آخر وإبقاء الهمزة ، وبين الدرج وحذفها.
والممنوع عن الإتيان بها لنقصٍ فيه أو لغير ذلك يعقدها بقلبه ، ويحرّك لسانه ، ويُشير بيده قاصداً لمعناها. فتلبية الأخرس ، وتشهّده ، وقراءته القرآن في الصلاة : تحريك لسانه ، وإشارته بإصبعه.
ومن عجز عن بعضها أتى بالبعض الأخر مع العقد ، ومقارنته ، ويحتمل قصر هذا الحكم على خصوص مؤوف اللسان.
وإذا عجز عن الجميع ، أتى بالترجمة الموافقة للأدب. ولسان العرب مقدّم على باقي الألسن ، ويحتمل تقديم العجمي على البواقي ، وفي تقديمها على المحرّف العربي أو المحرف العربي عليها إشكال.
ويقوى القول بوجوب الاستنابة ، ثمّ القول بوجوب الأمرين معاً غير بعيد ، ويجزي إيقاع صورتها ، وقصد معناها مجملاً عن تصوره مفصّلاً. ولو قصد بالخطاب غير الله من نبي مرسل أو ملك مقرّب ، وقعت لاغية.
الثاني : فيما يستحبّ من الإضافة إليها
يُستحبّ بعد التلبيات الأربع أن يقول : «إنّ الحمد ، والنعمة لك ، والملك ، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك ، مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ المعاد إليك لبّيك ، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك».
وفي بعض الأخبار بعد قول : لبّيك تبدأ المعاد إليك لبّيك : «تستغني ونفتقر إليك لبّيك ، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك إله الحقّ لبّيك ، لبّيك ذا النعماء والفضل والحسن الجميل لبّيك ، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك» (١).
وزيادة : «بمتعة بعمرة إلى الحجّ» (٢) أو زيادة : «بحجّة تمامها عليك» (٣) ، وزيادة : «أتقرّب إليك بمحمّد وآل محمّد لبّيك» (٤) وفي بعضها : «لبّيك في المذنبين لبّيك» (٥).
الثالث : فيما يستحبّ فيها
وهو أُمور :
أحدها : أنّه ينبغي للملبّي أن يرى نفسه بمحضر الخطاب ، حتّى كأنّه يرى عظمة ربّ الأرباب ، فيهتزّ من الخشية والهيبة عند ردّ الجواب ، وأن يعزم على الانقياد والامتثال عند تلبيته ، والقيام بما خاطبه به من عبادته.
ويلبس ثياب الحياء والوقار ، ويتذلّل كمال التذلل بين يدي العزيز الجبّار ، فإنّ اللفظ إذا تجرّد من هذه الأحوال ، كان شبيهاً بألفاظ المجانين والأطفال.
فكم من الفرق بين مخاطبة العشّاق ، ومخاطبة الكاذبين بالحبّ ، المتّصفين بالنفاق.
وكم من الفرق بين من أشبه في معرفته بالله بين من دخل النار فأحرقته ، ومن دخلها فمسّته ، ومن دنا منها وما أصابته ، ومن اهتدى إلى معرفتها بالآثار ، ومن لم يعلم بوجودها إلا من الأخبار ، جعلنا الله وإيّاكم من أهل الحبّ الصادق ، وشغل قلوبنا ، وألسنتنا عن ذكر المخلوقين بذكر الخالق.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٩١ ح ٣٠٠ ، الوسائل ٩ : ٥٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.
(٢) التهذيب ٥ : ٨٤ ح ٢٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٩ ح ٥٥٩ ، الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ ح ٣٠١ ، الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.
(٤) المقنع : ٦٩ ، مستدرك الوسائل ٩ : ١٨١ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٨.
(٥) الكافي ٤ : ٣٣٦ ح ٤ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٩.
الثاني : أنّه يستحبّ تجديدها في كلّ حين ؛ لأنّها شعار للإحرام ، ومتضمّنة لجواب الملك العلام ، مع كثير من الأذكار ، كما تضمّنه ما مرّ من مضامين الأخبار (١).
وقد روي : أنّ من لبّى سبعين مرّة في إحرامه إيماناً واحتساباً أشهد الله له ألف ملك ببراءته من النار ، وببراءته من النفاق ، وأنّه ما من مُحرم يُضحي ملبّياً حتّى تزول الشمس إلا غابت ذنوبه معها (٢) ، وفي مرفوع جابر : «ما بلغنا الروحاء حتى بحّت أصواتنا».
ويتأكّد استحبابها عند كلّ صعود على أكمة أو شجرة أو دابّة أو نحوها ، وهبوط منها أو من الوادي ، وحدوث حادث من نوم أو يقظة أو ملاقاة أحد ، وصلاة مكتوبة أو نافلة ، وفي الأسحار.
الثالث : أنّه يستحبّ الجهر بها للحاجّ من الرجال ، دون النساء والخناثى على طريق المدينة حين يحرم إن كان راجلاً ، وإذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، ولا مانع من العكس ، ولو أخّر التلبية إلى علوّ البيداء أو قبل ذلك راجلاً أو راكباً ، فلا بأس.
والأحوط أن يقرن التلبية بنيّة الإحرام ، والمراد بعلوّ البيداء مبدأ علوّها عند أوّل ميل على اليسار ، والحكم باستحباب تأخير الجهر عن زمن الإحرام بمقدار قليل من الزمان ، بل تأخير التلبية من الأصل للحاجّ على طريق المدينة وغيره متمتّعاً أو لا ، وللمعتمر متمتّعاً أو مُفرداً غير بعيد.
والمرجع في معرفة السرّ والجهر إلى العُرف ، والبيداء على ميل من ذي الحليفة ، وذو الحليفة ماء لبني جُشَم على ستّة أميال من المدينة (٣).
الرابع : ان تنتهي التلبية استحباباً ولا يبعد الوجوب للحاجّ متمتّعاً أو مقرناً إلى الزوال من يوم عرفة ، وإلى مشاهدة بيوت مكّة القديمة للمعتمر عمرة التمتّع ، ويحصل
__________________
(١) الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠.
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ ح ٨ ، الوسائل ٩ : ٥٦ أبواب الإحرام ب ٤١ ح ١.
(٣) انظر المصباح المنير : ١٤٦.
بالوصول إلى عقبة المدنيين ، وغير المبصر يرجع إلى المبصر ، والماشي في الظلام إلى الخبير.
والمعتمر بالعمرة المفردة (١) إذا خرج من مكّة إلى أدنى الحلّ يقطع عند مشاهدة الكعبة ، وإلا فمن حين دخول الحرم. ويستحبّ تأخير الجهر للحاج من مكّة إلى الإشراف على الأبطح.
ويظهر من بعض الأخبار استحباب ترك التلبية إلى بلوغ الردم (٢) ، والردم كالأبطح ، والظاّهر عدم لزوم موضع معروف ترى منه مكّة.
والذي يظهر من اختلاف الأخبار عدم لزوم الإسرار ولا الإجهار بالنسبة إلى الحدود ، ولا المقارنة للإحرام ، والأحوط الإتيان بالتكبيرات سرّاً عند عقد الإحرام ، ثمّ يجهر بها في موضع الإجهار.
الرابع : في حكمها
وينكشف بأُمور :
أحدها : النيّة ، والظاهر الاكتفاء فيها بنيّة الإحرام ، مُستدامة كسائر الأجزاء المرتبطة ؛ لأنّها من التوابع ، والأحوط أن ينوي التلبيات الأربع بعد (٣) إحرام عمرة التمتّع أو حجّه أو قسيميه أو العمرة المفردة لوجه الله ، فقد بانَ أنّه لا تجب النيّة من أصلها ، ولا تلزم قيودها ، ولا يفسد تركها عمداً ، ولا سهواً. ويغني استدامة نيّة الإحرام عنها ، فإن لم يستدم نيّته الإحرام ، وجبت نيّتها.
ولو نوى ما زاد على الأربع على وجه الجزئيّة أو ما نقص عنها على وجه التماميّة أو أدخلها في غير النوع الّذي وظّفت له على وجه العمد ، بطلت من أصلها. وإذا كان ذلك مع السهو ، صحّت ، وألغى الزيادة ، وأتمّ النقيصة ، وعدل إلى النوع المراد. ولو قصد إدخال الزائد في الأجزاء بعد الفراغ ، شرّع ، ولم يفسد الماضي.
__________________
(١) في نسخة : المتمتّع بها ، بدل المفردة.
(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ ح ١ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٤.
(٣) في «ص» : بعقد ، وفي نسخة فيه : لعقد.
ولو ترك نيّة الإحرام ونحوها من الأجزاء المنفصلة ولم (١) يكن مُستديماً لنيّة المجموع ، بَطَلَ ، ولو استدام ، احتملت صحّته.
ثانيها : أنّها في حجّ التمتّع والإفراد والعمرتين بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة ، غير أنّ التكبير يُعتبر فيه المقارنة دونها ، فلا ينعقد الإحرام بمحرّمات الإحرام من جماع ، وصيد ، وطيب ، ونحوها.
ويتخيّر القارن في عقد إحرامه بها ، أو بالإشعار المختصّ بالبُدن أو التقليد المشترك بينها وبين غيرها ، فإنّهما قائمان مقام التلبية. ولو جيئ بأحد القسمين ثمّ بها ، أو بالعكس ، كان (٢) الأخير سنّة.
ولبس الثوبين مجرّداً عنها لا يقتضي إحراماً ، ولا تحريماً.
ولو أتى بأحدهما ، ثمّ بالآخر على قصد السنّة ، ثمّ بانَ فساد الأوّل ، فالأقوى الصحّة.
ثالثها : أنّه يستحبّ بعد الإتيان بها أحد أمرين :
إما الإشعار للبُدن بشقّ الجانب الأيمن من سنامها ، ولطخ ذلك الجانب بذلك الدم ، قاصداً للإشعار ، بأنّه هدي ، وإذا تكثّرت البُدن أو زادت على الواحدة ، دخل بينها وأشعرها يميناً وشمالاً.
والظاّهر أنّ ذلك تخفيف ورخصة ، ولا بدّ من استغراقها بالإشعار ، وهو أن يشقّ جلدها ، أو يطعنها حتّى يخرج الدم ، ويظهر من الأخبار الاختصاص بالسنام (٣).
وإمّا التقليد ، وهو مشترك بين البُدن وغيرها ، ويتحقّق بتعليق نعل قد صلّى المقلّد فيه. ويستحبّ أن يكون خَلَقاً ، وأن يكون معقولاً ، والأحوط الاقتصار عليه ، وإن كان القول بإجزاء الخيط والسير ونحوهما لا سيّما إذا صلّى فيها قويّاً. وأقرب منها باقي ملابس القدم ، مع الصلاة فيها.
__________________
(١) في «ح» : ولو لم.
(٢) في «ح» : كما أنّ.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ح ٩٥٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١٤.
ولا فرق في الصلاة بين الفرض والندب ، ولا بين اليوميّة تماماً أو قصراً وغيرها ، ولا بين التحمّلية وغيرها. والظاهر عدم جريان الحكم في صلاة الجنازة ، وفي الاحتياطيّة يقوى الجواز. ولو صلّى بعض الصلاة ، لم يجز ، والفاسد من الصلاة لا عبرة به.
والظاهر اعتبار استمرار التقليد ، وعدم لزوم استمرار أثر الإشعار ، فلو غسل الدم وعوفي الجرح ، لم يحتج إلى إشعار ، ويستحبّ الجمع بينهما ، وإذا جمع فله حلّ القلادة في الأثناء على إشكال.
والأقوى اشتراط المباشرة إلا مع العجز ، وتُعتبر النيّة فيهما ، والأحوط تعيين العمل الذي أحرم له.
ويُستحبّ القيام في الجانب الأيسر للإشعار ، وأن تُشعر باركة ، وأن يستقبل بها القبلة ثمَّ تناخ ، ودخول المسجد ، وصلاة ركعتين ، ثمّ الخروج إليها ، وإشعارها ، وقول : «بسم الله ، اللهم منك ، ولك ، اللهمّ تقبّل منّي» ولو كان المشعر والمقلّد مغصوبين ، أو آلتا الإشعار والتقليد مغصوبتين بطلا. ولا يبعد ذلك في غصب المكان. ولو لم يعلم بالغصبيّة ، قويَ الجواز.
ولو علم في الأثناء بغصبيّة المُشعر أو المقلّد أو النعل ، استبدلَ به غيره ، ولا يبعد القول برجوع الحجّ إلى الإفراد. وفي المقام أبحاث كثيرة ، تجيء إن شاء الله تعالى في مسائل الهدي.
الفصل الثالث : في لبس ما يلزم المحرم
وفيه مباحث :
الأوّل : في حكمه
يجب اللبس على المحرم بجميع أقسامه ، فلا يجوز أن يحرم عرياناً.
والمدار على تحقّق اسم اللبس عُرفاً ، فلا يتحقّق بالتعصيب ، ولا بمجرّد الطرح ، ولا مع التجافي كثيراً. وفي الملصوق وما وضع نحو على الكيس إشكال.
وليس بشرطٍ في صحّة الإحرام ، بل هو واجب خارجي ، ويجوز تقدّمه
على التلبية ، وتأخّره ، ولا تجب المباشرة فيه ، بل تكفي فيه مباشرة الغير.
والمدار على كونه لابساً على نحو (١) اللّباس ، فلو سقط لباسه في بعض الأوقات أو نزعه بسبب ، لم يخلّ (٢) به ، ويلزم تداركه من دون فصل طويل. ولو كان لابساً سابقاً ، اكتفى به ، ولا حاجة إلى نزعه ثمّ لبسه.
الثاني : في عدد الملبوس
لا حدّ له في جانب الزيادة ، ولا يجوز الاقتصار على ثوب واحد مع الاختيار ، ولو بدّله مرّة أو مرّات ، بحيث لا يخرج عن اسم اللابس ، فلا بأس ، وإن كان الأفضل أن يطوف بما أحرم به.
ولو كان الثوب محشوّاً ، أو كانت ثياب متعدّدة خيط بعضها إلى بعض فتكاثفت ، كانت بحكم الواحد. ولو لبس ثوباً واحداً طويلاً ، فاتزر ببعضه و؛ (٣) ارتدى بالباقي لم يجتزِئ به في وجه قويّ.
الثالث : في شروطه
يُشترط أن لا يكون مذهّباً للرجال والخناثى ، ولا حريراً خالصاً لهم ، وفي الحرير للنّساء إشكال ، والأقوى الجواز.
وأن لا يكون مغصوباً ، ولا متنجّساً بغير المعفوّ عنه.
ولا من جلود الميتة ، ولا من أشعار أو أوبار أو جلود ما لا يؤكل لحمه ، ولا ممّا اتّصل به شيء من فضلاته ، أو دخل فيها شيء من أجزائه ، سوى الخزّ جلداً وصوفاً ، ومدار تحقيقه على العرف ، وفي الجلود كلّها إشكال.
ولا ممّا لا يستر البدن به وحده ، ولا من غير معتاد اللبس ، كالمصنوع من الحشيش والليف وباقي النباتات. والظاهر أنّه لا بأس به إذا صنع بصورة اللباس ، كما نقل عن
__________________
(١) في «ص» زيادة : لبس.
(٢) في نسخة من نسخ «ص» : يحل.
(٣) في «ح» : أو.
بعض صلحاء الناس.
وأن لا يكون من المخيط إلا مع التعذّر ، فيسوغ له إلقاؤهما عليه منكوساً ، وقلب ظاهرهما إلى باطنهما ، وسيجيء تمام الكلام فيه ، وتكفي استدامة اللبس عن ابتدائه ، ويجوز تقدّمه على التلبية ، وتأخّره ، ولا يتمّ الإحرام باللبس قبل التلبية ، فلهُ استباحة المحرّمات بعده وقبلها.
ومن شروطه النيّة ، وتجزي استدامة نيّة الإحرام عن نيّته ، ومع عدم الاستدامة لا بدّ منها ، ولا حاجة فيها بعد قصد القربة إلى شيء ، والأحوط فيها أن ينوي اللبس للإحرام بنوع خاصّ من أقسام الحجّ أو من قسمي العمرة.
الرابع : في كيفيّته
يكفي على الأقوى ما يتحقّق به مُسمّى اللبس عُرفاً ممّا (١) يدخل في اسم المئزر والرداء عرفاً. وقيل : يُعتبر في الإزار ستر ما بين السرّة والركبة ، وفي الرداء ستر المنكبين (٢).
ولها آداب :
منها : أن يتّزر بأحدهما كيف شاء ، ويتوشّح بالآخر ، بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ، ويلقيه على عاتقه الأيسر ، كالتوشّح بالسيف ، ويرتدي به فيلقيه على عاتقيه جميعاً ، ويسترهما به.
ولا يتعيّن شيء من الهيئتين ، بل يجوز التوشّح به بالعكس بإدخال طرفه تحت الإبط الأيسر ، وإلقائه على الأيمن ، والظاهر أنّ التوشّح يشملهما معاً.
ومنها : أن لا يعقد الإزار على رقبته ، ولكن يثنيه على عاتقه.
ومنها : أن يشدّ الإزار بشيء سواه من مكة (٣) أو غيرها ، وفي مكاتبة صاحب الزمان روحي له الفداء في جواب (من سأله) (٤) هل يجوز للمحرم أن يشدّ المئزر
__________________
(١) في «ص» : بما.
(٢) المدارك ٧ : ٢٧٤ ، الكفاية : ٥٨.
(٣) كذا ، ويحتمل : تكة.
(٤) في «ح» مسألة.
على عنقه بالطول ، أو يرفع من طرفيه إلى حقويه ويجمعهما إلى خاصرته ، ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه ، ويرفعهما إلى خاصرته ، ويشدّ طرفيه إلى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك ، فإنّ المئزر الأوّل كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله أو كشف ما هناك ، وهذا أستر ، فأجاب عليهالسلام «جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة يخرجه عن حدّ المئزر وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطّى السرّة والركبتين كليهما فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين ، والأحبّ إلينا والأكمل لكلّ أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة جميعاً إن شاء الله تعالى» (١) ، وتظهر بعض السنن منها.
ومنها : أن يكون من القطن ؛ لأنّه لباس النبيّ والأئمّة ، ولم يكن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يلبس الشعر والصوف ، إلا من علّة ، وقد أحرم بثوبي كُرْسُف (٢) ، عاميين ، عبري ، وأظفار (٣) ، وربّما يقال باستحبابهما لذلك.
ومنها : أن يكونا أبيضين ؛ لكونها خير الثياب ، وأفضلها ، وأحسنها ، وأطيبها ، وأطهرها.
ومنها : أن لا يكونا أسودين ، لكراهة لبس السود (٤) إلا في ثلاثة : الخفّ ، والعمامة ، والكساء ؛ ولأنّه لباس فرعون ، وللنهي عن الإحرام بالثوب الأسود (٥).
ومنها : أن لا يكونا مصبوغين بالعُصْفُر ونحوه ممّا فيه شهرة ، وزاد بعضهم كلّ مصبوغ بطيب غير محرّم (٦).
ومنها : أن لا تكون وسخة ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام : «في الإحرام بالثوب
__________________
(١) الاحتجاج : ٤٨٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ٣.
(٢) الكُرْسُف : القطن. المصباح المنير : ٥٣٠.
(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ ح ٩٧٥ ، الوسائل ٩ : ٣٦ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٢.
(٤) في «ص» : السواد.
(٥) الكافي ٤ : ٣٤١ ح ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ ح ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ ح ٢١٤ الوسائل ٩ : ٣٦ أبواب الإحرام ب ٢٦ ح ١.
(٦) الوسيلة : ١٦٤.
الوسخ لا أقول حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ» (١).
وروي : كراهة النوم على الفراش الأصفر ، والمرفقة الصفراء (٢) ، وألحق بعضهم كلّ مصبوغ (٣).
الخامس : فيما يتعلّق بأحكامه
يجب شراء الثوبين أو استيجارهما بثمن المثل أو ما زاد ما لم يلزم الضرر الكلّي إن لم يكونا عنده مملوكين أو مستعارين مثلاً وإذا عجز عن الاثنين ، لبس الواحد. وفي لزوم لبس شيء من الثوب ، والتستّر بالثياب ونحوه وجه.
ويُستحبّ أن يكونا سالمين من الشبهة والقذارة ، شريفين بالصلاة بهما أو بالتبرّك بالأماكن المشرّفة ، وعمّا على المحرم بهما ولو ثانياً إلا مع الشرط إلا في العبد والصبي ، وقد مرّت الإشارة إليه.
ويُستحبّ اتّخاذهما للكفن ، وجعلهما محلّا للعبادة ، ولا يخرجان عن الملك ، فإن شاء باعهما بعد الفراغ أو تصدّق بهما. ولو دار الأمر بين البقاء عرياناً ، وبين لبس المحرّم بالأصل كالمغصوب ، والحرير ، والمذهّب ، لمن يحرم عليه ، وجلد الميتة ، ونحو ذلك قدّم العراء ، وفيما حرم للإحرام يحتمل ذلك ، والتخيير.
وغير المكلّف يُشارك المكلّف فيما حرم للإحرام ، وفيما حرم لذاته إشكال ، والأحوط الاشتراك ، ومع الغفلة ، والسهو ، والنسيان ، والجهل بالموضوع يحصل العذر. وإذا ذكر ، عملَ بمقتضى الذكر.
ولو كان الثوبان مشتركين بين محرمين ، وأمكن استقلال كلّ واحد بواحد ، وجب. ويحتمل المهايا بهما ، والاقتراع. ولو كان المشترك واحداً ، وليس عندهما غيره ، قام احتمال وجوب القسم ، فيحرم كل واحد منهما ببعض ، والاقتراع ، والمهاياة.
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٤١ ح ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ ح ٩٨٠ ، الوسائل ٩ : ١١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣٨ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٣٥٥ ح ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ ح ١٠٠٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب تروك الإحرام ب ٢٨ ح ١ و ٢.
(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٢١٧ ، الجامع للشرائع : ١٨٥.
ولو نسي لبسهما ، لبسهما حيث ذكر. ولو تعذّر اللبس ، وأمكن الإتيان بما يشبهه من لصوق أو لفّ ، احتمل وجوبه. ولو استعار ثوباً أو ثوبين جاز للمستعير الرجوع بهما قبل لبسهما بقصد الإحرام ، وكذا بعده على إشكال.
ويقوى الإشكال فيما إذا أعار ثوباً للصلاة ، لا سيّما إذا كانت فرضاً.
ولو تعذّر جمعهما ، ويمكن من الواحد ، ففي الحكم بالتخيير.
أو ترجيح المئزر على الرداء أو بالعكس إشكال. ولو طال ، وأمكن جعله اثنين ، وجب.
الفصل الرابع : في أحكامه
وفيه مطالب :
الأوّل : في أنّه يجب الإحرام مقيّداً بنوع من أنواع الحجّ ، والعمرة وجوباً أصليّاً ، لمن تقدّم وجوب النسك عليه ، وشرطيّاً لغيره على كلّ من أراد دخول موضع مكّة القديم ، دون الجديد ، بكلّه أو بعضه ، حيث يُسمّى دخولاً ، بل دخول الحرم أيضاً في وجه قويّ ، أراد الوصول إلى الكعبة أو لا ، من أهل مكّة أو من خارج.
ويجوز أن يتولّى الإحرام عن المجنون ، والصبي ، والمغمى عليه ، وليّه أو غيره ، ولا يلزم الإحرام عنهم ، ولا عن المريض ، والمبطون ، وكلّ معذور.
ومن أفسد إحرامه أتمّه ، وفصل به ، وقضى ما فعله. وإذا لم يتعيّن عليه نوع ، كانَ مخيّراً في عمله ، وإن تعيّن تعيّن.
وإذا نسي الإحرام أو جهله أو تعمّد عدمه ، وجب عليه الإتيان به من محلّ ينعقد إحرامه فيه ، وإلا فمن موضع الإمكان. ومن فعل ذلك مرّة أو مراراً. عصى ، ولا قضاء عليه ، إلا أن يكون واجباً عليه من قبل.
ولو اشتبهت الحائض والنفساء والمستحاضة ، فزعمت أنّها لا يلزمها الإحرام إلا مع الطهر ، وجب عليها الإحرام من أدنى المواقيت ، وإن تعذّر فمن محلّ الإمكان.
وإذا أحرم المخالف من الميقات على وفق مذهبه ، ثمّ استبصر قبل دخول مكّة أو
بعده ، اجتزأ بما فعل. وإذا أسلم الكافر بعد مجاوزة الميقات ، رجع إليه في وجه قويّ ، ويحتمل اختصاص الحكم بمن دخل من خارج الحرم.
وليس من البعيد أن يقال : إنّ الحكم لكلّ من خرج منها ، غير أن تمشيته إلى ما دون محلّ الترخّص محلّ كلام.
وإذا بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون ، أو عُوفي المريض ، أو ارتفع عذر المعذور بغير هذه الأُمور قبل الدخول في مكّة أو الحرم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات.
وإن دخل أو تعذّر عليه الرجوع إلى الميقات ، فإلى أدنى الحلّ ، فإن تعذّر فمن موضعه.
ولا يبعد أن يقال : إنّ المعذور لا يعود بعد الدخول ، ويختصّ العود بالعامد ، ولا يبعد لحوق الجاهل بالحكم به. وتخصيص الحكم بمن أراد حجّا أو عمرة تمتّع ، دون من أراد العمرة المفردة خصوصاً إذا قصد الدخول بعد مجاوزة الميقات غير بعيد.
ويُستثنى من ذلك أُمور :
أحدها : من يتكرّر دخوله في كلّ شهر من حطّاب ، وحشّاش ، وراع ، وناقل ميرة ، وصاحب ضيعة يتكرّر إليها دخوله وخروجه ، ومن عادته تلقّي الركبان لبيع أو شراء أو التنزّه أو الخروج للمحافظة أو العبادة في المساجد ، والدوران في محال الطاعة ، إلى غير ذلك.
ويشترط عودهم قبل مضيّ شهر. ولو مضى لهؤلاء شهر بين الإحرامين ، لم يجب عليهم على إشكال. ولو خرج من هؤلاء خارج لغير عمله المتكرّر ، وجب عليه الإحرام. ولو أُخذ منهم حلبهم أو حشيشهم أو حطبهم في الطريق ، لم يرتفع حكمهم. وإذا تجاوزوا محلّ تردّدهم ، وخالفوا مقتضى عادتهم ، ارتفع حكمهم ، حتّى يصير مُعتاداً.
والظاهر تمشية الحكم إلى من كان تردّده في معصية ، كعمّال الظلمة ، وتبديل الصنائع لا يغيّر الحكم. وإذا خرج في عمل عازم على تكرّره ، أُلحق بمن تكرّر منه على إشكال ، ولا يلحق بهم من تكرّر سفره إلى المواضع البعيدة.
ثانيها : من سبق له الإحرام قبل مضي شهر عددي ثلاثين يوماً ، ولا اعتبار بحساب الليالي من ابتداء إحرامه ، لا إحلاله على الأقوى ، فيعتبر من حين التلبية ، وقد يقال : باعتبار زمان النيّة.
ولو تجرّد الحجّ أو العمرة عن الإحرام مع النسيان ، حتّى دخل في العمل ، أجرى عليه حكم الإحرام. وكذا الكلام في تمشية الحكم إلى إحرام الحجّ والعمرة الفاسدين.
ولو شكّ أو ظنّ من غير طريق شرعي بانقضاء المدّة ، حكم بالعدم.
ويجري الحكم في إحرام المميّز على الأقوى ، فلو بلغ قبل الدخول بعد الإحرام اجتزأ به.
ويقوى الاكتفاء بإحرام الولي عن المجنون. فلو عقل قبل الدخول اجتزأ بإحرام الوليّ.
وهل الحكم على طريق العزيمة أو الرخصة وجهان ، أقواهما الثاني.
ثمّ الحكم يقتضي تخصيصاً بحكم الفصل بين العمرتين لو قلنا بوجوبه ، وبحكم وجوب الإحرام من مكّة في حجّ التمتّع ، إلا أن يقال : بأنّه يحرم بعمرة مفردة ، وبعد الإحلال ينوي الحجّ ، وفيه منافاة لارتباط عمرة التمتّع بالحجّ.
ثالثها : من دخل بقتال مُباح في زعمه أو في الحقيقة ، فلو انكشف له عدم الإباحة بعد الدخول ، دخل في غير المحرم. وفي أصل الحكم ، ثمّ في تعميمه لغير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولغير قتال الكفّار من قتال دفاع ونحوه إشكال.
وإلحاق العبيد الواجب عليهم خِدمة مواليهم والبريد بعيد.
الثاني : أنّه لا يجوز لمحرم إنشاء إحرام آخر بنسك آخر أو بمثله قبل إكمال الأوّل ، ويجب إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ، واجباً أو مندوباً ، إلا ما سيجيء في باب التقصير ، وفي العدول ، وفي مثل حدوث الحيض بعد الأربعة أشواط ، وفي الصدّ والحصر. وفي وجوب الإتيان بالحجّ بعد الإتيان بعمرته مع ندبه وقصد التمتع بها إليه وعدمه وجهان ، أقواهما الثاني.
الثالث : أنّه يجوز لمن نوى الإفراد قيل : وكذا القارن ، ولو (١) لم يكن متعيّناً عليه (٢) بعد دخول مكّة الطواف ، والسعي ، والتقصير ، وجعلها عمرة التمتّع ، بشرط أن لا يلبّي مرّة أو أكثر بعد الطواف أو السعي قبل التقصير. فإن لبّى ناوياً للمتعة أو ناوياً لخلافها ، أو ذاهلاً عن النيّة ، عاد إلى إفراده ، وبطلت متعته. ولا عبرة بالتلبية ، عن سهو أو غلط أو نحوهما ، ولا بما جيئ بها بوضع محرّم ؛ لاشتمالها على الغناء ، أو لمنع مفترض الطاعة عنها. ومجرّد تغيّر القصد غير مفيد إنّما المدار على التلبية.
الرابع : أنّه ممّا يرفع وجوب الإتمام اشتراط الحلّ (٣) على الله بعد الحبس من المحصور بمرض أو جرح أو كسر وشبهها من عوارض البدن ، فإنّ الشرط حيث يقيّد بالعذر يرفع وجوب إتمام المندوب والواجب في تلك السنة من حجّ أو عمرة ، ويرفع استدامة الإحرام ، ويحلّل المحرّمات من النساء وغيرها ، ويرجع إلى أهله حلالاً ، ويجزيه الهدي في محلّه. ثمّ إن كانت ذمّته مشغولة ، عاد البعيد في السنة الثانية.
وإن لم يكن اشترطَ ، أرسل بهديه ، ولا يحلق حتّى يبلغ الهدي محلّه ، ويبقى على إحرامه من النساء حتّى يأتي بحجّ أو عمرة ، ويحلّ منهما ؛ إلا في عمرة التمتّع ، فإنّه لا يلزم فيها طواف النساء.
ولو استقلّ كلّ من الصدّ والحصر بالسببيّة ، جاء حكم الحصر. وإن كان كلّ منهما جزء علّة ، احتمل ذلك ، وعكسه. والظاهر أنّ التحلّل رخصة لا عزيمة.
وأمّا المصدود ، فلمّا كان تحلّله بذبح الهدي في محلّ الصدّ ، فلا يبعد أنّ ثمرة الاشتراط سقوط الهدي.
وقد يقال : بأنّه مجرّد تعبّد ، وقيل : ثمرته سقوط الهدي (٤) ، وقيل : سقوط
__________________
(١) «لو» زيادة : من «ح».
(٢) الخلاف ٢ : ٢٦٤ و ٢٦٩.
(٣) الحل ليست في «ح».
(٤) الانتصار : ١٠٥.
القضاء (١) ، ويكتفى بهدي السياق عن غيره ، وسيجيء الكلام فيه.
الخامس : أنّه لا منافاة بين الحيض ، والنفاس ، والجنابة ، وسائر الأحداث كباراً وصغاراً ، وبين الإحرام.
وكذا غسل كلّ حدث لا ينافي وجوب الحدث الأخر ، سوى غسل الجنابة. وكذا جميع أغسال السنن ، لا منافاة بينها وبين الأحداث ، ويقوى ذلك في الوضوءات الغير الرافعة.
السادس : أنّه لا يجوز الجمع بين إحرامين لنسكين ، متماثلين أو متغايرين بالأصالة ، والنيابة ، والتلفيق ، إلا من الولي إذا أحرم بالصبي ، فيقصد نفسه ، والمولّى عليه معاً ، فيما يظهر من الأخبار (٢). فلو أحرم بحجّ وعمرة معاً ، أو بحجّ واجب عن نفسه ، وغيره ، أو عمرة كذلك ، أو عن متعدّد من المنوب عنه ، بَطَلَ. وفي المستحبّ لا يضرّ الاشتراك.
السابع : أنّ العزم على فعل المحرّمات في حال عقد الإحرام يُنافيه ، ويحتمل عدم المنافاة وأمّا علمه بالإجبار فيها أو وقوعها بأجمعها مع النسيان ، فلا منافاة فيه.
الثامن : في أنّ ترك لبس الثوبين أو لبس ما لا يسوغ للمحرم لا يفسد ، وإنّما هو واجب خارجيّ. فلو أحرم عرياناً أو لابساً ما لا يجوز لبسه عمداً ، فلا يخلّ بإحرامه.
التاسع : في أنّه إذا نوى نسكاً واجباً ، وأحرم ندباً ، وبعد أن دخل في الأفعال أو أتمّها ذكر أنّه مطلوب بواجب في ذلك العامّ ، ففي تنزيله منزلة من ترك الإحرام ، فيصحّ نسكه ، ويكون كالتارك ، أو يصحّ إحرامه وربّما تظهر الثمرة في النذر وشبهها وجهان ، ولعلّ الأقوى هو الأوّل.
العاشر : في أنّه إذا عقد لواحدٍ من التلبية أو الإشعار والتقليد ، كان الثاني سنّة.
الحادي عشر : في أنّه يكره دخول الحمّام ، ودلك الجسد ، وجمعهما أشدّ كراهة.
الثاني عشر : يكره الاحتباء (٣) للمحرم ، كما يكره في المسجد الحرام.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٩٥.
(٢) التهذيب ٥ : ٤١٠ ح ٧٠ ، ٧١.
(٣) احتبى الرجل : جمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره ، وقد يحتبي بيديه. المصباح المنير : ١٢٠.
الفصل الخامس : في مواقيت الإحرام
وهي جمع ميقات من الوقت ، وهو مقدار من الزمان. والمراد هنا على وجه النقل أو المجاز ، واحتمال الاشتراك لقدمها غير بعيد أماكن مخصوصة موظّفة لإحرام الحجّ والعمرة ، لا يجوز الإحرام للمختار في حجّ أو عمرة إذا مرّ بها إلا منها.
وهي ستّة : العقيق ، ومسجد الشجرة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، ومكّة.
واحتسبها بعضهم عشرة (١) بإضافة منزل مَن منزله أقرب إلى مكّة من الخمسة المذكورة ، ومحاذاة الميقات لمن لم يمرّ به وحاذاه ، وأدنى الحلّ ، وفخّ لإحرام الصبيان.
وإذا بُني على ذلك ، أمكن احتساب موضع الإمكان لمن تعذّر عليه الرّجوع إلى الميقات ، ومحل النذر ، وضيق عمرة رجب ، فيكون اثنا عشر (٢) ، فينحصر البحث في مقامين (٣) :
الأوّل : في أقسامها
وهي ثلاثة عشر قسماً :
الأوّل : العقيق ، كما مرّ ، ويُسمّى به عدّة مواضع ، وضع لكلّ موضع :
أحدها : ماء السيل ، ولخمسة مواضع ، كلّ واحد في مكان من خمسة أماكن : المدينة ، وتهامة ، والطائف ، ونجد ، واليمامة ، وستّة مواضع أُخر ، والمعني هنا موضع تهامة.
ويدخل فيه أربعة مواضع : أحدها بريد البعث ، ولعلّه سمّي بذلك ؛ لأنّه موضع بعث الجيش. والظاهر أنّ له معنيين ، يدخل في العقيق بأحدهما ، ويكون هو المسلخ أو
__________________
(١) الدروس ١ : ٣٤٠.
(٢) في «ص» زيادة : أو ثلاثة عشر.
(٣) بدلها في «ص» : مقامات.
أو بعضه ، ويخرج بالآخر جمعاً بين الأخبار (١).
ثانيها : المسلح بالحاء المهملة واحد المسالح ، وهي المراقب مأخوذة من السلاح أو من السلح ، وهو ماء الغدير ، أو بالخاء المعجمة ؛ لأنّه يسلخ وينزع فيه الثياب.
والمراد به : أوّل العقيق على الأصحّ فتوى ورواية (٢) ، وهو أفضل ما يحرم فيه من العقيق. والظاهر أنّ كلّ ما بَعُد منه ، وما بعد من المواقيت أفضل من القريب ، والظاهر اعتبار وجود المبدأ في مبدأ الشرع ، فلا يتبدّل.
ثالثها : غمرة على وزن ضربة وهي عقبة وسط العقيق ، مكاناً ، وفضلاً دون المسلح إلى مكّة مكاناً ، ودونه فضلاً.
رابعها : ذات عِرق بعين مهملة مكسورة ، فراء مهملة ساكنة آخر العقيق بحسب المكانيّة والفضل ، وهو كيلملم وقرن المنازل على مرحلتين من مكّة على الأقوى.
وسمّيت غمرة باسمها ، لغمرها بالماء ، وذات عرق لقلّة مائها ، والظاهر جواز الإحرام اختياراً واضطراراً من المواضع المذكورة ، والظاهر دخول «وحرة» فيه ، وعدم دخول «بريد أوطاس» (٣).
وكيف كان ، فالمدار على اسم العقيق في زمان صدور الأخبار ، ومع عدم العلم بالتغيير ، يبنى على مصطلح اليوم.
وهو ميقات لأهل نجد ، والعراق ، ومن في جهتهم إذا جاءوا على طريقهم.
الثاني : مسجد الشجرة ، وذكر بعضهم : أنّه اختبره ، فكان من عتبة باب المسجد النبويّ المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة سبعة عشر ألف ذراع ، وسبع مائة واثنان وثلاثون ذراعاً ، ونصف ذراع (٤).
ويحتمل أنّ اختلاف التحديدات ؛ لاختلاف محال المدينة والعمارات.
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ أبواب المواقيت ب ٢.
(٢) الفقيه ٢ : ١٩٩ ح ٩٠٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٧ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٤.
(٣) قال ابن شبيب : الغور من ذات عرق إلى أوطاس ، وأوطاس على نفس الطريق. معجم البلدان ١ : ٢٨١.
(٤) خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى : ٥٤٢ ، وحكاه عنه الفاضل الهندي في كشف اللثام ٥ : ٢١٢.