كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

ثلاثين يوماً ، والعاصي بالسفر ، وكثير السفر ، يلزمهم الصيام. وفي مواضع التخيير يجب الإفطار.

المبحث السابع

شهر رمضان ليس عملاً واحداً ، بل كلّ يوم منه عبادة مستقلّة ؛ فلا تجزي نيّة الشهر بالتمام عن نيّة تفصيل الأيّام ، كما عداه من ضروب الصيام. ونيّة يوم الشكّ من شعبان تقتضي الإجزاء إذا بانَ من شهر رمضان ، ونيّته من شهر رمضان كنيّة التردّد تبعث على البطلان.

المبحث الثامن

وجوب صيام شهر رمضان من ضروريّات الإسلام ، فضلاً عن الإيمان ؛ فمن استحلّ تركه ، وهو مسلم أصليّ ، فهو مرتدّ فطريّ ، يقتل ، وتُقسّم مواريثه ، إن كان في الإسلام مُعاشراً للمسلمين ، غير ممنوع عن مواجهتهم ، دون من لم تبلغه أُمورهم.

والشاكّ على الفرض المذكور بمنزلة المُستحلّ.

ولو ترك ولم يستحلّ ، عُزّر مرّتين ، وقتله الحاكم في وجهٍ في الثالثة ، والاحتياط في الرابعة. وهكذا فاعل كلّ كبيرة يجري عليه ذلك.

ولا يجري الحكم في غيره من الصيام ، ولا فيما عدا الجماع ، والشراب ، والطعام ، مع الكون على النحو المعتاد بين الأنام.

ومن فعل لشُبهةٍ تُعدّ شُبهةً عُرفاً ، فلا يُحكم عليه بالتكفير ، وإنّما يُحكم عليه بالتعزير مع التقصير. ويعزّر المُجامع والمُجامعة عن تقصير بخمسة وعشرين سوطاً ، والمُكرِه منهما يتحمّل ما يلزمهما.

المبحث التاسع

يُستثنى من كراهة السفر في شهر رمضان ما كان لتشييع المؤمن أو لاستقباله ، ولو

٦١

يومين أو ثلاثة أو أكثر ، وما كان لحجّ أو عمرةٍ أو حاجةٍ لا بدّ منها ، فإنّ الخروج إلى السفر في ذلك كلّه أفضل.

والظاهر إلحاق زيارة المشاهد ، بل زيارة الإخوان ، وقضاء حوائجهم ، وما روي من رجحان الصوم على زيارة الحسين عليه‌السلام (١) محمول على التقيّة ، أو على حالة العزم على الجمع بينهما ، أمّا مع الدوران فالزيارة أولى.

المقام الثاني : في صوم النذر والعهد واليمين

يجب الوفاء مع جمع شرائطها ، من اشتمالها على الألفاظ المخصوصة ، المقرونة بالقصد ، والكمال ، والاختيار ، والرجحان ، ونيّة القربة في خصوص النذر ، وعدم المرجوحيّة في الدين والدنيا للأخيرين ، وحصول الإذن من المولى والزوج والأب دون الأُمّ ، والأجداد ، على الأقوى.

ولو عيّن مكاناً أو زماناً راجحين تعيّنا ، والأقوى إلحاق المرجوحين.

ولو التزم بصومٍ ، لزم تفريقه أو جمعه أو خصوص عدده ، فأتى به بخلاف ما سُنّ متقرّباً بالخصوصيّة وبالمُلزم ، عصى من ثلاثة وجوه ؛ وإن لم يكن مسنوناً في الأصل ، عصى من وجهين ؛ ومع عدم الالتزام ، من وجه واحد. ويبطل في الجميع ، مع قصد الخصوصيّة.

والمكروه من الصيام كالمندوب في هذا المقام.

ولو انقلبَ الرجحان ، انحلّت النذور والعهود والايمان. ولو علّق شيئاً منها بواجبٍ ، تضاعف وجوبه. ولو علّق الجميع بواحد ، وجبَ من الوجوه الثلاثة.

ولو كرّر الواحد ، وقصد التأسيس دون التأكيد ، تكرّر حكمه. ولو علّقها بصوم يوم ، وكان قبل الزّوال ، وجبَ صومه ؛ ولو علّقها بصوم معيّن ، جرَت فيه أحكام صوم شهر رمضان ، فيجب تبييت النيّة لغير المعذور.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٦ ح ٩٦١ ، الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣ ح ٧.

٦٢

ويجري حكم الجنابة نسياناً ونوماً ، وحكم المفطر مع الاعتبار وعدمه ، وغير ذلك على نحو شهر رمضان.

ولو علّقها بالعيدين ابتداء أو تعلّقت اتفاقاً أو وافق اليوم المعيّن حيضاً أو نفاساً أو سفراً ، سقطَ وجوب المعيّن.

وأمّا القضاء فسيجي‌ء حكمه بحول الله.

ولو علّقها على شرط فلم يحصل ، فلا وجوب. وكلّ من نذر لغير الله تعالى. أو عاهد ، أو حلف لغيره صياماً أو غيره من العبادات ، فلا حكم لفعله وقوله.

ولو علّقها بـ «أيّام» ، امتثل بصوم ثلاثة فصاعداً. والأحوط لمن التزم بصوم «حين» صيام ستّة أشهر ، ولمن التزم بصوم «أيّام كثيرة» صيام ثمانين يوماً. ولو التزم بصوم «شي‌ء أو جزءٍ أو سهم من الشهر» أجزأه اليوم الواحد ، وفي المقام أبحاث كثيرة تجي‌ء في محلّها إن شاء الله تعالى.

المقام الثالث : في صوم بدل هدي المتعة

فإنّ الحاجّ المتمتّع يلزمه الهدي ، وهو واجب عليه ؛ فإن عجز عن ذلك ، صامَ ثلاثة وسبعة أيّام ، كما سيجي‌ء تفصيله في كتاب الحجّ إن شاء الله تعالى.

المقام الرابع : في صوم النيابة بالإجارة ونحوها من العقود

وفيه مسائل :

منها : أنّه يُشترط الإخلاص للنائب ، بأن يكون قصده فراغ ذمّته من الواجب لوجه الله تعالى ، كما في غيره ممّا أوجبته الأسباب من النذور ونحوها.

ومنها : أنّه لو علم أنّ المعاملة وقعت على تأدية قضاء عن الميّت ، جازَ له أن ينويه ، أو على تبرّع عنه ، نواه. وإن لم يُعلم الوجه ، نوى ما يُراد منه. ولو أطلق في جميع الصور ، فلا بأس عليه.

ومنها : أنّ النائب لا يستحقّ الأُجرة إلا بعد العمل مع الإطلاق ، لكن شاعَ في

٦٣

زماننا إرادة تقديمها عليه ، فكانت كالمشروطة يُطالب بها قبل العمل.

ومنها : أنّه لا بدّ من مُباشرة النائب بنفسه مع شرطها عليه ، إلا أن يأذن الوصيّ ونحوه ؛ فلو تعذّر فعله بنفسه ، انفسخت الإجارة. ولا يلزم مع الإطلاق أو اشتراط جواز الاستنابة. والأحوط المحافظة عليها مع الإطلاق.

ويجوز للنائب الاستنابة بإجارة ، والأحوط أن لا ينقص من الأُجرة المعيّنة له إلا بعد انقضاء بعض العمل ، وتكفي نيابة المتبرّع عن النائب. ولو ماتَ أخرج (الوارث من) (١) المسمّى مقابل ما بقي من العمل في المباشرة ، ومقدار ما يستأجر به عنه في المطلقة من أصل المال.

ومنها : أنّه لو شُرطَ لهُ زمان معيّن أو مكان معيّن ، راجحاً أو مرجوحاً ؛ لزم ؛ كما أنّه لو شُرط للصلاة زمان معيّن أو مكان معيّن أو نوع معيّن ، كالجماعة ونحوها ، أو كيفيّة معيّنة ، كالتسبيحات الثلاثة بدل القراءة ، أو تثليث التسبيح في الركوع والسجود ، لزم الشرط ، وإلا فالإطلاق يُنزّل على المتعارف في الزيادة والنقص.

وأمّا الخصوصيّات ، كالسور الخاصّة والقنوتات الخاصّة ، فلا لزوم فيها ما لم تُشترط.

ومنها : أنّه لا يجب البدار إليه بعد الاستئجار ، ولا التأخير المؤذن للإهمال ، بل يكتفى بعدم عدّه متهاوناً عُرفاً. ولو شُرط شي‌ء ، اتّبع الشرط.

ومنها : أنّه يلزم النائب القيام بما لزم المنوب عنه ، من خصوص نوع العبادة ، ومقوّماتها ، وشرائطها المتعلّقة بذاتها ، دون ما تعلّق لخصوص الفاعل ، فإنّ لكلّ حكمه.

ومنها : أنّه يجوز لمن في ذمّته قضاء عن نفسه أو عن غيره أن يشغل ذمّته بغيرهما ، ويأتي بالمتأخّر قبل المتقدّم ، مع عدم اشتراط وقت معيّن يلزم فواته ، وعدم لزوم الإهمال.

__________________

(١) في «س» ، «م» : للوارث عن.

٦٤

ومنها : أنّه لو تعدّد المنوب عنه ، عيّن كلّ عملٍ لصاحبه. وإذا نسيهما ، وكانا مختلفين بالتقدّم أو التأخّر ، أو الصغر والكبر ، أو الصفة أو بعض الصفات ونحوها ، عُيّن بأحد القيود. وإن تعذّر عليه من جميع الوجوه ، تعذّرت النيابة ، وانفسخت الإجارة.

ومنها : أنّه لو تعدّد المنوب عنه ، وقد صام عن بعضهم من غير تعيّن ، أعادَ ما صام. ولو علم أنّه صام بقصد واحد معيّن عن اثنين ثمّ نسيه ، بنى عليه ، ونوى من لم يصم عنه. ولو كان مستأجراً للتبرّع عن جماعة دفعة على وجه الشركة ، نوى الجميع ؛ ولو انحصرت النيابة بواحدٍ ولم يشخّصه ، نوى صاحب الحقّ.

ومنها : أنّه لو كانت الإجارة مطلقة ، جازَ أن ينوي الصوم في أثناء النهار قبل الزوال والأحوط تبييتها.

ومنها : أنّه لا تجوز النيابة عن الحيّ في الصوم ، وإن جازَ في بعض الصلوات في الحجّ والزيارات ، سوى ما يأتي من صوم النيابة عن الشيخ أو عن الشيخين.

ومنها : أنّه لا تفرغ ذمّة المنوب عنه بمجرّد الاستئجار ، وإنّما تفرغ بفعل النائب العمل.

ومنها : أنّ لكلّ من النائب والمنوب ثواباً تامّاً ؛ لطفاً من الله تعالى ، وربّما يقال : إنّ للنائب تسعة أعشار الأجر ، وللمنوب عنه العُشر الأخير.

ومنها : أنّه تُستحبّ النيابة عن الأموات ، من الأنبياء ، والأوصياء ، والعلماء ، وكافّة المؤمنين ، تخصيصاً وتشريكاً. وأمّا الإهداء ؛ فتستوي فيه الأموات والأحياء.

ومنها : أنّه تُستحبّ المبادرة إلى عمل النيابة ، والإتيان به على أحسن الوجوه ، مُحافظاً على الاداب الشرعيّة.

ومنها : أنّه لا مانعَ من استئجار الفاسق مع الاطمئنان ، ولا يجوز للوصيّ استئجار العدل مع عدمه لغلبة النسيان مثلاً.

ومنها : أنّه تصحّ الإجارة بطريق المُعاطاة من غير صيغة خاصّة ، ويلزم بفعل بعض العمل أو التصرّف ببعض الأُجرة ، فينوي الندب عند الدخول ، وإذا دخل ولو في

٦٥

شي‌ء من المقدّمات أو تصرّف بشي‌ء ، نوى الوجوب.

ويجوز فيها اشتراط الخيار. ولو ظهر غبن للنائب أو المنوب عنه ، تسلّط النائب والوصيّ مثلاً على الفسخ ، على إشكال. وفي ثبوت خيار الغبن في جميع الحال إشكال.

ولو قال له : صُم مُقتصراً على ذلك ففعل ، كان لهُ أُجرة المثل.

ومنها : أنّ صوم الإجارات داخل في قسم المعاملات ، فلا يمنع من صوم النفل ، ولو قلنا بالمنع فيما عداه.

ومنها : أنّه تصحّ معاوضة صوم بصوم بين النوّاب ، كغيره من العبادات ، بعقد الصلح ، مع عدم اشتراط المباشرة.

ومنها : جواز ضمان العبادة ، إذا كانت في الذمّة ، وإبراء الذمّة منها مطلقاً.

ومنها : أنّ النائب وإن أُخذت عليه المباشرة لا يلزم أن يكون عارفاً قبل الاستئجار ، وإنّما يُلزم بالتعلّم.

ومنها : أنّه لو ادّعى فراغَ الذمّة ، قُبِلَ قوله.

ومنها : أنّه لو عجزَ بعد القدرة ، استأجر لما بقي في الذمّة ، وردّ بالنسبة من الأُجرة مع التعيين.

ومنها : أنّ النائب إذا ماتَ ، ولم يعلم أنّه أدّى ما عليه أولا ، لم يرجع على ماله بشي‌ء.

ومنها : أنّه بعد موته لا يلزم ولده أداء ما عليه ، ثمّ إن كان معيّناً تعلّق بماله ما قابلَ الباقي ؛ وإن كان في الذمّة ، لزمَ الاستئجار له ، وجرى عليه حكم الديون.

ومنها : أنّه إن نواه عن شخص فأراد العدول إلى غيره في أثناء النهار ؛ لظهور فراغ ذمّته من الأوّل وغير ذلك ، لم تصحّ.

ومنها : أنّه لو استأجر الفضوليّ شخصاً ، فأجازَ الوصيّ صحّ.

ومنها : أنّه من اتّخذ صوم النّيابة وغيره مَكسباً ، وحصلت به مئونة العام ، فالزكاة عليه حرام ، وعليه الخمس فيما زاد على المئونة.

٦٦

ومنها : أنّه لا يجب على الوصيّ ولا وكيله طلب الأقلّ والأفضل ، بل يبني على الأُجرة المتوسّطة والشخص المؤدّي. ولو زادَ في الأُجرة طلباً للأفضل من الشخص أو الزمان أو المكان ، مع مُراعاة الغبطة ، فلا بأس.

ومنها : أنّه يجوز للوصيّ أن يستأجر نفسه وللوكيل أيضاً ، إن دخلا تحت اللفظ ، أو دلّت القرائن على إرادة الفعل دون الفاعل.

ومنها : أنّه تجوز نيابة الرجل عن المرأة ، والعبد عن الحرّ ، وبالعكس ، ونيابة الصبيّ المميّز ، واستئجاره من الوليّ ، لكن لا يُعتمد عليه في أداء الواجب. وتجوز النيابة في كلّ الطاعات عن الصبيّ المميّز ، وعن غير المميّز ، بمعنى إهداء الثواب إلى المنوب عنه. وهذه الأحكام كلّها بالتمام جارية في الصلاة والصيام.

ومنها : أنّه لا حاجة إلى تسمية المنوب عنه ، بل يكفي تعيّنه وتميّزه بوجهٍ من الوجوه.

المقام الخامس : في بيان صوم النيابة بالقرابة

إذا ماتَ الذكر المسلم المؤمن بعد استقرار القضاء عليه ، أومأتَ وهو مسافر ، أو فاته الأداء ، ولا تقصير عليه فيهن ، وكان له قريب نَسَبيّ ، وجب على الولد الذكر الأكبر. والأحوط مُطلق الوليّ الذكر الأكبر ، وهو الأولى بالميراث ، أي بأصله لا بقدره ، مختصّاً به مع الانفراد ، أو لكونه أكبر الأولياء ، مع بلوغه وعقله حين موت المنوب عنه ، ورث أو لا. ومع عدم الوليّ يتصدّق من أصل ماله عن كلّ يوم بمدّ على من دخل في مصرف الصدقات.

وإن مات الوليّ ولم يقض ، فإن لم يكن متمكّناً من القضاء ، فلا شي‌ء على وليّه ؛ وإن تمكّن ، فالظاهر الوجوب عليه. وتحتمل الصدقة من تركته ، وجواز الاستئجار عنه.

ولو تعدّد المتساوون في السنّ المتوافقون بالرتبة ، قسّم القضاء عليهم بالحصص على حسب الرؤوس ، دون السهام. ولو زادَ عدد الأولياء على عدد الأيّام ، كانَ الوجوب كفائيّاً ، كما لو كانا اثنين واليوم واحد ؛ فلو أتى به أحدهما ، سقطَ عن الأخر ،

٦٧

ولو جاء باثنين مُقترنين ، أجزأ.

ولو أفطرا فيه بعد الزوال ، قوي القول بعدم الكفّارة. وفي القول بالاكتفاء بالواحدة أو لزوم التعدّد إشكال ، وعلى الأوّل تكون كالصوم. ولو استأجر أحدهما صاحبه على النصف ، صحّ ، وعلى الجميع صحّ في النصف.

وليس للوليّ أن يجتزئ بالصدقة من ماله أو مال الميّت. نعم في الواجب من شهرين متتابعين يقوى القول بجواز صيام الشهر الأوّل ، والتصدّق عن الثاني. وفي الكفّارة المخيّرة يقوى التخيير بين الصوم ، والإخراج من أحد المالين ، والأقوى تعلّق الوجوب بمال الميّت ، وفي الترتيب يلحظ الترتيب. ومن كانا على حقوٍ واحد يشتركان.

ولو اشتبه العُذر وعدمه ، وقابليّته عند الموت وعدمها ، لم يجب. وفي اجتماع العبد مع الحرّ والمبعّض ، أو الحرّ مع الأخير إشكال.

ويقتصر في المقدار على المتيقّن ، كما في صوم الإجارة ؛ وصوم الإجارة يرجع إلى التركة ، على الأقوى.

ومع اشتباه الأكبر يُحتمل السقوط ، والقرعة ، والتوزيع. وفي كفّارة الجمع إنّما يلزم بصومها.

وللتسرية إلى المقصّر في ترك الأداء ، ولزوم النيابة عن الأُمّهات من النساء ، وتعدّي الحكم إلى إباء الإباء ، وإلزام غير البالغ ، والمجنون بعد البلوغ والعقل ، وقسمة القضاء على نسبة السهام وجه. والأوجه ما ذكرناه.

ولا يتحمّل صوم نيابة الإجارة على الأقوى ، ويتحمّل ما عداه من قضاء أصليّ أو تحمّليّ بالقرابة أو غير ذلك.

ولو أوصى الميّت بإخراج صيام عنه ، فأخرج ، سقط عن الوليّ ، على الأقوى ، وللولي أن يستأجر ولا يُباشر ، على إشكال.

ومن لم يتيقّن شُغل ذمّة الميت ، فلا شي‌ء عليه. وليس قول الميّت حجّة على ولده ، وطريق الاحتياط لا يخفى.

ولو تبرّع مُتبرّع عن الميّت ، سقطَ عن الوليّ على الأقوى. ولو اعتبرنا مطلق

٦٨

الوليّ ، وتعدّد المنوب عنهم ، نابَ عن الجميع ، ويقوى لزوم الأقرب فالأقرب مع تعذّر الإحاطة بالكلّ.

وولد الزنا لا يُنسب إلى الزاني ، ولا يُلحق به ، ولا يتحمّل عنه.

ولا شي‌ء للممسوح والخنثى المشكل ، ولا عليهما ، إن قصرنا النائب والمنوب عنه على الذكر من الأولاد والأبوين. وإن عمّمنا في المنوب عنه وفي النائب للولد وغيره أو قصرنا على الولد ، وقلنا بأنّ الخنثى يكون والده ومولده ، جرى فيها الحكم.

وفي التوزيع لو ساوينا بين الابن والبنت إشكال.

ومن علم أنّ على المنوب عنه صوماً لا يَعرف كمّيته ، وجبَ عليه الإتيان منه حتّى لا يبقى عالماً ببقاء شُغل ذمّته. والأحوط بلوغ المظنّة المعتبرة بالوفاء.

ولا يُتحمّل عن المرتدّ ، ولا عن المخالف ، ولو كان بصفتهما.

ومن اجتمع عليه قضاء النفس ، وتحمّل القرابة والإجارة كانَ له الابتداء بما شاءَ منها.

وما ذكرناه من الأحكام جارٍ في الصلاة والصيام ، ويظهر ممّا مرّ حكم النيابة التبرّعية الندبيّة.

المقام السادس : في صوم القضاء

وفيه مطالب :

الأوّل : فيمن يسقط عنهم القضاء

وهم أقسام عديدة :

الأوّل : الكافر الأصليّ الّذي لم يتشبّث بالإسلام إذا تاب ، فإنّه لا يقضي ما فاته من صلاة وصيام. ولو كان مرتدّا عن فطرة أو ملّة ، لزمه القضاء. وأمّا المتشبّثون بالإسلام كالغلاة ، والخوارج ، والمجسّمة بالحقيقة ، ونحوهم فالأقرب لزوم القضاء عليهم.

الثاني : المخالف لطريقة الحقّ ، من أيّ صنف كانَ من أصناف المسلمين ، إذا تاب ،

٦٩

فإنّ صومه وصلاته باطلتان على الأصحّ ، لكن لا يجب القضاء عليه مع الإتيان بالصحيح على مذهبه ؛ أمّا الصحيح على مذهبنا فقط ، والفاسد على المذهبين ، فيجب قضاؤه. ولو كان خلافه ارتداداً ، احتمل وجوب القضاء ، والسقوط أقوى (١).

الثالث : غير البالغ ، فلا يجب قضاء ما فات قبل البلوغ ، وإن كان بعد التمييز ، ويقوى استحباب قضاء ما فات بعد التمييز قبل البلوغ ؛ لتوجّه الخطاب إليه بناءً على ما ذهبنا إليه من صحّة عباداته. وبناءً على القول بالتمرين يُستحبّ للوليّ تمرينه قبل البلوغ.

الرابع : المجنون ، والمُغمى عليه ؛ فمتى حصلَ شي‌ء منهما في جزءٍ من النهار ، فسدَ صوم ذلك اليوم ، ولم يجب قضاؤه. ولو حصلا بعلاج واختيار قبل تعلّق الخطاب منجّزاً أو بعده ولو بقصد الاحتيال في التخلّص ، فتتعدّد جهة المعصية فالظاهر عدم وجوب القضاء أيضاً بعد الإفاقة ، والأحوط القضاء في القسم الأخير ، لا سيّما الأخير منه.

الخامس : الصوم عن المريض والحائض والنفساء إذا ماتوا قبل وقت القضاء ، أو بعده مع عدم التمكّن من فعله.

السادس : المريض إذا استمرّ به المرض إلى شهر رمضان المُقبل ، من غير فرقٍ بين رمضان واحد ومتعدّد ، فإنّه لا يجب عليه القضاء ، وإن صحّ بعد ذلك. ويُستحب له القضاء.

أمّا لو كان المانع عند الأداء المرض ، ومانع القضاء غيره ، أو بالعكس ، أو كان المانع ابتداء واستدامة غير المرض ، فإنّه لا يسقط عنه القضاء على الأقوى.

السابع : من وجبَ عليه صوم موقّت ، ولم يكن من شهر رمضان ، ولا من النذر والعهد واليمين ، فلا قضاء عليه مع تركه.

الثامن : من صامَ في سفره ، ولم يكن عالماً بأنّ المسافر حُكمه الإفطار ، مضى صومُه ، ولا قضاء.

__________________

(١) في «ح» : قوي ، بدل أقوى.

٧٠

التاسع : تُستحبّ المبادرة إلى القضاء مع عدم خوف الفوت ، وإلا وجبت.

ولا يكره في عشر ذي الحجّة ، والرواية عن عليّ عليه‌السلام ؛ (١) مدخولة.

ولو اجتمع عليه قضاء وكفّارة ، تخيّر في التقديم ، وإن اختلفت في السبق واللحوق ، والأحوط تقديم الأوّل مع اتحاد السبب.

ولو نذر إتمام الندب ، لزم القضاء. ولو نذرَ التتابع في غير المتتابع ، تابعَ قضاءه كأدائه ، على إشكال.

المطلب الثاني : فيما يُقضى ويُتدارك من أقسام الصيام

وهو ضروب :

أحدها : صوم عقدَ النذر والعهد واليمين المتعلّقة بوقتٍ معيّن مع فوت الوقت ، عمداً أو سهواً أو نوماً ، مختاراً أو مضطرّاً ، ولو مع امتناع صدوره من الملتزم لحيضٍ أو نفاس أو جنون أو إغماء أو مُصادفة وقت يتعذّر فيه الصوم كالعيدين وأيّام التشريق في منى من غير قصدٍ لها حال النذر ، على إشكال يقوى في الأخير.

ولو عقدَ صوم الدهر ، وصحّحناه ، فلا قضاء لو أخلّ بشي‌ء منه ، وينعقد في غير المحرّم.

ولو عقدَ بأحدها صوماً مندوباً لا قضاء له ، كيوم الغدير والمولود ونحوهما ، تعلّق به القضاء بسبب العقد. ولو عقد شيئاً من القضاء ، كان قضاءً في نفسه ، أداءً من جهة العقد. ولو عقد وقتاً ففاتَ الوقتُ ، كان قضاءً من الوجهين.

ولو عقدَ يوماً من شهر رمضان ، وجبَ قضاؤه من وجهين ، كما وجب أداؤه كذلك. ولو تعدّدت جهات الوجوب فتعلّق بشهر رمضان ونحوه ، جاز ؛ فيصحّ الترامي مع اتحاد نوع الملزم واختلافه والجمع بين الأمرين ، كما يصحّ التكرار تأسيساً وتأكيداً ، ويختلف الحكم.

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ٢٨٠.

٧١

ولو ترتّبت جهات الالتزام في الابتداء ، لم يجب الترتيب في القضاء. ولو عقدَ صوم شهر مُعيّن ففاتَ ، قضاهُ كما فات ، هلالياً أو عدديا ؛ بخلاف ما لو عقدَ شهراً مطلقاً ، فإنّه يتخيّر في القضاء كالأداء بين صوم ما بين الهلالين ، وبين العددي. ولو التزم بسنة ، احتسب الشهور هلاليّة ، وأكمل المنكسر من الأيّام في وجه.

وقضاء النذر وشبهه لا يتوقّف على الإذن من الوالدين ونحوهما ، وإن توقّف أصله.

ولو عقد صوماً مُعيّناً في مكانٍ معيّن ففاتَ وقته ، قضاهُ في مكانه ، فإن تعذّر ، قضاهُ حيث شاء. ولو جعلهما أصلين في التزامين ، أو جعل الصوم قيداً ، اختلفَ الحكم.

ولو عقده متتابعاً أو متفرّقاً ، قضاهُ على نحو ما عقد ، على الأقوى. ولو أطلق العقد ، لم يجب التتابع في الأصل ولا في الفرع ، على الأصحّ ، ولا فوريّة فيه.

ولو عقدَ صوماً جائزاً في السفر ، كثلاثة أيّام الحاجة في المدينة في وقت معيّن ، ففاتَ الوقت وأمكن قضاؤها في محلّها ، قضاها ، وإن كان مسافراً ، على إشكال. وإن تعذّر وأوجبنا قضاءها في غير محلّها ، قضاها في الحضر دون السفر. وفي القسم الأوّل مع عدم قصد الحاجة إشكال.

ولو علّق العقد بالجائز والمحظور ، صحّ في الأوّل دون الثاني. ولو علّق بلفظ «زمان» كان خمسة أشهر ، وبلفظ «حين» كان ستّة.

ومن نذر صوماً معيّناً لم يحرم عليه السفر. ولو سافر ، قضى وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، إلا أن يقيّد الحضر. ويحتمل سقوط الكفّارة. ولو تعلّق أصالةً بالحضر وبالصوم تبعاً ، أو بهما أصالة ، لم يجز السفر.

ثانيها : صوم شهر رمضان ؛ فإنّه يجب قضاؤه على كلّ من فاته عمداً أو نسياناً ، أو بنومٍ ، أو مرضٍ ، أو سفرٍ معتبر ، أو حيض ، أو نفاس ، مع يقين الفوات ؛ فلو ظنّه من غير طريق شرعيّ أو توهّمه ، فلا يجب عليه. ولو تيقّنه وشكّ في حصول الموجب

٧٢

حينئذٍ من بلوغ أو عقل ونحوهما ، فلا قضاء مع جهل تاريخهما ، أو العلم بتاريخ أحدهما ، وإن كان المعلوم هو الموجب على الأقوى.

ولو علم الفوات ، وشكّ في فعل القضاء ، أو ظنّه من غير طريق شرعيّ ، قضى ؛ إلا إذا كان للقضاء وقت محدود ، كما بين رمضانين ، فشكّ بعد مضيّه ، والأحوط القضاء فيه أيضاً.

وكثير الشكّ لا عِبرة بشكه ، ولا ترتيب في القضاء ما لم يُقيّد في الإلزام. فلو نوى قضاء اليوم الأخير من الشهر قبل الأوّل ، أو قضاء الشهر اللاحق قبل السابق ، فلا مانع.

ولا فورية في القضاء ، فيجوز التراخي فيه كغيره من الواجبات الموسّعة ، ما لم يظنّ الوفاة ، أو يدخل في صفة الإهمال ، فيتضيّق. ومن كثرَ عليه القضاء أتى منه إلى حيث يظنّ الوفاء ، ومُراعاة العلم أولى. وكثير الشكّ يراعي حال أهل الاستواء.

ولا تُعتبر نيّة القضائيّة ، ولا الخصوصيّة إذا اختلفت الجهة من الأصالة والنيابة ونحوهما ، إلا إذا لم يكن مشخّص سوى تعيين تلك الجهات ، كما مرّ في مباحث النيّات.

ثالثها : ما يقضى استحباباً ، وهو صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، فإنّها تقضى إذا أُخّرت. وصوم النيابة عمّن استمرّ به المرض من شهر رمضان إلى شهر رمضان الأخر ؛ وفي إلحاق باقي الأعذار وجه. وقضاء الولد ثمّ الأقرب إلى الشيخين إذا أفطرا وكانا حيّين. وقضاء الولي عن المريض إذا ماتَ قبل البرء ، والحائض والنفساء قبل الطهر ، أمّا عن المسافر فواجب على الوليّ مطلقاً.

المطلب الثالث : في أحكام القضاء

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الشيخ والشيخة ، أي : الكبيران اللذان يتعذّر ، أو يتعسّر عليهما الصيام لكبرهما ، يفطران ، فإذا قويا فليس عليهما قضاء. والأحوط لزومه ، كما عليه

٧٣

معظم الفقهاء. ولا يجب عليهما الاقتصار في الإفطار على ما يَندفع به الضرار.

المسألة الثانية : ذو العطاش ، وهو مرض لا يروى صاحبه ؛ فإنّه يجوز له الإفطار ، ولا يجب فيه الاقتصار على ما يدفع الضرار ، والأحوط الاقتصار ، والأقوى عدم وجوب القضاء ، والأحوط القضاء ، خصوصاً ممّن يرجو البرء.

المسألة الثالثة : الحامل المُقرب والمرضعة القليلة اللبن لهما الإفطار مع الخوف على النفس أو الولد ، وإن لم يبلغ المظنّة الموجبة. ويلزمهما القضاء إذا تمكّنتا.

والضابط في هذه المسائل الثلاثة : وجوب الإفطار إذا بلغ حدّ الإضرار ، وجوازه إذا بلغ المشقّة ، و (١) لم يبلغ ذلك المقدار. ويلزم القضاء في الإفطار لخوف الضرار ، دون ما عداه ، ما عدا المسألتين السابقتين ، ولا يُرخّص في الإفطار في كلّ مشقّة ما عدا الثلاثة ، إلا إذا بلغ الغاية.

وهذه المسائل الثلاثة لا تجري فيما عدا شهر رمضان ، وإن كان معيّناً ، ولكن يلزم القضاء مع جواز الإفطار.

الرابعة : لا ترتيب ولا موالاة بين أنواع القضاء ، ولا أفراده كما مرّ ، ولكن يُستحبّ تقديم الأهمّ فالأهمّ ، فقضاء رمضان أولى بالتقديم من غيره في حدّ ذاته.

ولو أتى بواجب غير رمضان وعليه قضاؤه فلا بأس. والقول بالخلاف (٢) مردود. أمّا التطوّع فلا ، ويجوز لو كان الواجب موسّعاً غير قضاء شهر رمضان ، على الأقوى. ولو امتنع الإتيان بالواجب مُقدّماً ، ككفّارة التتابع في شعبان ، أو لزم تأخير الواجب لنذرٍ أو غيره ، فلا إشكال.

الخامسة : يُستحبّ تحرّي أوقات فضيلة الصيام لصوم القضاء ، فالأولى لمن كان عليه قضاء أن يأتي به في الأوقات المُعدّة لندب الصيام ، غير أنّه لا يقصد الإتيان بالصوم الموظّف.

السادسة : يجوز إفساد كلّ صوم مندوب وواجب موسّع ، قبل الزوال أو بعده ، سوى

__________________

(١) في «ح» زيادة : إن.

(٢) لابن إدريس في السرائر ١ : ٤٠٥.

٧٤

قضاء شهر رمضان ، فإنّه لا يجوز إفساده بعد الزوال ، فلو علم بالزوال تعيّن الإتمام.

السابعة : من أرادَ صوم التطوّع ، وعليه قضاء شهر رمضان أمكنه نذره ، فيخرجه عن التطوّع إلى الوجوب ، فلا يبقى المنع.

الثامنة : لو أتى بالواجب الموسّع من الصيام ، من القضاء وغيره ، في وقت واجب معيّن منه بنذرٍ أو غيره ، فالأقوى فساد الموسّع.

التاسعة : لو كانَ عليه قضاء نفسه وقضاء النيابة ، فالأولى تقديم النيابة ؛ لأنّها من حقوق الناس ، والأولى تقديم كلّ سابقٍ على لاحقٍ مع تساوي الجهات.

العاشرة : قد تقدّم أنّ صيام القضاء أصالة ونيابة ما لم يتعيّن بسبب ، وجميع الموسّعات الواجبات تجوز نيّتها قبل الزوال ، ولا يجب تبييتها كالمعيّن.

الحادية عشرة : من أخّر قضاء شهر رمضان إلى الشهر المُقبل عن عُذر ، لم يكن عليه سوى القضاء ، وكذا كلّ معذور في إفطاره. ولو كان من غير عُذر ، كفّر عن كلّ يوم بمدّ ، وفي تعدّد الأمداد بتعدّد السنين وجه قويّ ، والأقوى خلافه.

الثانية عشرة : كلّما ذكرناه من المُفطرات فهو سبب للقضاء في الصوم المستتبع للقضاء ، وأمّا ما لم يكن لهُ قضاء فقد فاتَ فيه الصيام إلى يوم القيامة.

الثالثة عشرة : إذا دخل رمضان الثاني ، وشكّ في أنّه أتى بما فاتَ من رمضان السابق أو لا ، بنى على الإتيان ، كما مرّ. والأحوط الإتيان من غير كثير الشكّ.

الرابعة عشرة : لا يجوز لوليّ الميّت أخذ الأُجرة من مال الميّت أو من غيره على فعل ما وجب فعله عليه ، ولو أخذها على فعل مستحبّات العبادة ، فلا بأس.

الخامسة عشرة : لا يجب على نائب القرابة سوى الإتيان بمجرّد الواجب ، وأمّا نائب الإجارة فمرجعه إلى المُتعارف في جميع العبادات.

السادسة عشرة : لو دخلَ في صيام وقد شكّ في تعيّنه ؛ لتعدّد جهات شُغل ذمّته كقضاء عن نفسه وغيره ، أبطله ولم يحتسب لشي‌ءٍ من تلك الجهات.

السابعة عشرة : لو نوى قِسماً من الصيام فدخلَ فيه ، فبانَ أنّ اليوم مُعيّن لصوم مُعيّن غيره ، احتملَ القول بصحّته عن المُعيّن ، والأحوط القضاء في محلّه.

٧٥

المقام السابع : في صوم الكفّارات

وفيه بحثان :

الأوّل : في بيان أقسامها

وقبل الشروع فيها لا بدّ من تمهيد مقدّمة ، وهي : أنّ الصيام على أنواع :

منها : ما خُوطب فيه بالأداء ، ولا قضاءَ في تركه ولا كفّارة ، كصوم الكافر الّذي أسلمَ بعد خروج وقت الأداء ، وكالأجير في وقت مُعيّن إذا فاتَ الوقت ، والمُخالف الّذي استبصرَ كذلك.

ومنها : ما خُوطب فيه بالقضاء فقط ، كناسي غسل الجنابة ، ومُستعمل الإفطار قبل الاعتبار في الصوم المعيّن ، ومطلقاً في غيره ، ومكرّر النوم جُنباً عازماً على الغسل قبل الصبح فغلبه الصبح ، والمرتمس على إخراج نفس محترمة ونحوها إذا توقّف عليه ، وكلّ مأذون لهُ في الإفطار ، ومُدخل الماء في فمه فسبقه إلى جوفه في غير مضمضة الصلاة ، والمُفطر تقيّةً أو خوفاً ، ومن عرضَ لهُ السفر أو المرض أو الحيض أو النفاس من غير علاج ، وناسي نيّة الصيام إلى ما بعد الزوال في الصوم الواجب ، ومَن دَخلَ عليه النهار مُسافراً فدخل قبل الزوال وقد تناول المفطر سابقاً ، أو دخل بعد الزوال مطلقاً ، ومن ماتَ بعد أن أفطر لعُذرٍ بعد تمكّنه من القضاء ، ولم يتضيّق عليه رمضان المُقبل ، ومن برأ بين الرمضانين فعرضَ لهُ مانع عن القضاء قبل دخول رمضان المُقبل.

ومنها : ما خُوطب فيه بالكفّارة فقط ، كالشيخ والشيخة وذي العطاش على الأقوى فيها ، ومن استمرّ عليه المرض من رمضان إلى رمضان المُقبل.

ومنها : ما خُوطب فيه بالأداء والقضاء ، كالواجبات الموسّعة ، كصوم النذور ونحوها إذا ماتَ عنها ، فإن وجبَ أداؤها على المنوب عنه ، يجبُ قضاؤها على الوليّ ، ولا كفّارة.

ومنها : ما وجبَ عليه الأداء والكفّارة دون القضاء ، كمن تعمّد الإفطار ثمّ عرضَت لهُ في أثناء النهار بعض الأعذار المسقطة للقضاء ، كالجنون والإغماء في وجهٍ قويّ.

٧٦

ومنها : ما وجبَ فيه القضاء والكفّارة ، ولم يكن وجب فيه الأداء ، كمن برأ بين الرمضانين وأخّر إلى رمضان المُقبل من غير عُذر.

ومنها : ما وجب فيه القضاء والأداء والكفّارة ، وهو من أفطر عمداً في شهر رمضان ونحوه بأيّ مُفطر كان ، من أكلٍ ، وشربٍ ، وجماعٍ ، وقي‌ءٍ ، وارتماسٍ ، وترك نيّةٍ ، ورياءٍ ، وعُجبٍ ، وغيرها ، فكلّ محرّم مُفسد ، وكلّ مُفسد فيه قضاء ، وكلّ مَقضيّ فيه كفّارة ، وسيجي‌ء تفصيله.

ومنها : ما سقط فيه الجمع ، وهو المَغميّ عليه ، والجنون من غير علاج أو مطلقاً في وجه ، وإن ترتّب الإثم.

وأمّا أقسام الكفّارات فهي أنواع :

الأوّل : كفّارة شهر رمضان ، وتجب على من أفسد صومه عمداً بأيّ مُفسد كان ، أو أخلّ بشرطٍ أيّ شرط كان ولو بالنية ، سواء حصلَ لهُ عارض يُنافي الصيام بعد الإفساد أو لا. ومنه ما إذا عزَم على السفر وأفطر قبل بلوغ محلّ الترخّص ، ومثله ما إذا رجع وأفطر بعد تجاوز محلّ الترخص ، سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً به من غير عُذر ، وإلا فالقضاء فقط.

ففيه مع عدم الإذن شرعاً كفّارة كُبرى ، مُخيّرة بين العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، سواء كانَ على مُحلّل أو مُحرّم. والأحوط في الإفطار على المحرّم كفّارة الجمع بين هذه الخصال الثلاثة المذكورة.

ويجب لكلّ يوم كفّارة واحدة. وإن تعدّدت فيها المُفطرات.

ولا كفّارة في إفطار صوم واجب سوى رمضان وقضائه ، والنذر وشبهه ، والاعتكاف الواجب.

ولو ازدرد المُحلّل والمُحرّم دفعةً ، فالعمل على ما سبقَ إلى الجوف ؛ وفي الدفعة يغلب المحرّم ، ومع الشكّ يغلب المحلّل ، وللعكس وجه. ولا يثمر رضا المالك بعد الإفطار ، والحكم يتبع الواقع.

٧٧

ولو عُذر في الإفطار أو المحرّم ، لم يتعلّق به حكم.

الثاني والثالث : كفّارة النذر والعهد لمن أخلّ بالوفاء عمداً ؛ وهي كفارة مخيّرة رمضانيّة ، على الأصحّ.

الرابع والخامس : كفّارة الظهار ، وقتل الخطأ ، ومنه هنا شبيه العمد ؛ وهي مثل كفّارة شهر رمضان ، إلا أنّها مرتّبة : الصيام بعد العَجز عن العِتق ، والإطعام بعد العَجز عن الصيام.

السادس : كفّارة قتل المؤمن عمداً ظُلماً ؛

ويجب فيها الجمع بين الخصال الثلاثة الرمضانيّة.

السابع : كفّارة خُلف اليمين ، ويجب فيها العتق ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، مُخيّراً بينهنّ ؛ فإن عجزَ عن الجميع ، وجبَ صيام ثلاثة أيّام مرتّباً بينهنّ.

الثامن : كفّارة الإيلاء ؛ وهي كفّارة اليمين.

التاسع : كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ؛ وهي إطعام عشرة مساكين ؛ فإن عجز ، صامَ ثلاثة أيّام. ومن أخّر قضاء شهر رمضان بين الرمضانين من غير عُذر ، فكفّارته عن كلّ يوم مدّ من طعام في أوّل عام ، والأحوط تسريته إلى كلّ عام.

العاشر : كفّارة الاعتكاف ؛ وهي مخيّرة رمضانيّة.

الحادي عشر : الشيخ ، والشيخة ، وذو العطاش وهو داء لا يروى صاحبه والحامل المقرب ، والمُرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على الولد ؛ فإنّ الجميع يفطرون ، ويتصدّقون عن كلّ يوم بمدّ. ويُشترط فقد المتبرّعة ، والقابلة للأُجرة المتعارفة مع حصول الغرض والقدرة على البذل.

ومع استغناء الولد بالغذاء من دون إرضاع يقوى عدم الجواز ، ويسري الحكم إلى المتبرّعة ، والمستأجرة.

وفي تسرية الحكم فيما لو أرضعت من أولاد الكفّار وشبههم إشكال.

والأحوط التكفير مع الخوف على أنفسهما أيضاً.

٧٨

وهذه الكفّارة في مال الزوجة ، على الأقوى.

الثاني عشر : كفّارات الحجّ وهي مفصّلة في محلّها.

الثالث عشر : باقي الكفّارات من المفردات ، ولها أفراد :

أولها : جزّ المرأة شعرها في المُصاب

بالنحو المتعارف بين النساء ، ولا يُشترط التمام ، والظاهر إلحاق الحلق والإحراق به. ويستوي جزّها وجزّ غيرها عن أمرها. ولو قصرت في الدفع ففي لزومها إشكال. ولو كان الجزّ لا للحزن ، بل لدفع الوسخ أو القمل مثلاً ، لم يلزم فيه. ولو خلا عن العُذر ، احتمل اللّحوق ، وفيه كفّارة مخيّرة رمضانيّة.

ثانيها : نتف المرأة شعرها في المُصاب بما يصدق عليه اسم نتف الشعر عُرفاً ، كلا أو بعضاً ، وخدش وجهها مع الإدماء وهي وسابقتاها مُختصّة بالنساء ، ولو فعل شي‌ء منها في غير المصاب فلا كفّارة وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته خاصّة وإن كانت متعة ، ولا يتسرى إلى الأمة. والظاهر عدم التسرّي إلى القلنسوة (١) والخُفّ ، ونحوهما ، وفيها كفّارة يمين.

ثالثها : النوم عن صلاة العشاء حتّى ينتصف الليل ، وفيها الإصباح صائماً إن لم يكن مانع من الصوم ، وإلا سقط. ولا يلحق به الناسي والسكران والعامد على الأقوى. ولو أفطر في ذلك اليوم عمداً ، فليس عليه تداركه ، ولا كفّارة. ولو وافقَ السفر أو العيد ، سقطَ.

رابعها : الوطء في الحيض مع العلم به ، على الواطئ دينار في ثلث زمانه الأوّل ، ونصفه في الثلث الثاني ، وربعه في الثلث الأخير. وإن كانت الموطوءة جاريته ، يتصدّق بثلاثة أمداد طعام على ثلاثة مساكين ، وقد مرّ الكلام فيها مفصّلاً في بحث الحيض.

__________________

(١) يقال : قلنس الشي‌ء ، إذا غطّاه وستره ، والنون فيه زائدة ؛ قال ابن دريد : ويمكن أن يكون اشتقاق القلنسوة منه. جمهرة اللغة ٢ : ١١٥٦.

٧٩

خامسها : نكاح المرأة في عدّتها ، فعلى الناكح خمسة أصواع من دقيق.

سادسها : تزويج امرأة لها زوج ، وعليه خمسة أصواع من دقيق أيضاً ، وقيل : خمسة دراهم (١). ويحتمل التقييد بالعلم والجهل بالحكم مع عدم العُذر.

سابعها : الحلف بالبراءة كاذباً ، وفيه إطعام عشرة مساكين ، وقيل : كفّارة نذر (٢) ، وقيل : كفّارة يمين مع العجز ، وكفارة ظهار مع القدرة (٣) ، وقيل غير ذلك (٤). والحلف بالبراءة صدقاً وكذباً حرام.

ثامنها : العجز عن الوفاء بصوم يوم منذور ، وفيه إطعام مسكين مدّين ؛ فإن عجزَ ، تصدّق بما استطاع ؛ فإن عجَز ، استغفرَ الله تعالى.

تاسعها : ضرب العبد فوق الحدّ الشرعي لمن كان عليه حدّ أو مطلقاً ؛ وفيه إطلاقه من الرقّ ، وعتاقه ، وربّما يخصّ المسلم بل المؤمن.

عاشرها : من نذر أيّاماً من الصوم فعجز ، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ ، والاستحباب أظهر في جميع أفراد الثاني عشر.

ومنها : كفّارة ترك النوافل الرواتب ممّن لا يقدر على قضائها ، وهي مدّ لكلّ ركعتين من صلاة الليل ، وكذا لكلّ ركعتين من صلاة النهار ؛ فإن لم يقدر ، فمدّ لكلّ أربع ركعات ؛ فإن لم يقدر ، فمدّ لصلاة اللّيل ، ومدّ لصلاة النهار.

ومنها : كفّارة من أخّر القضاء (لاستمرار) (٥) مرضه إلى ما بعد رمضان آخر ، وهي عن كلّ يوم مدّ ، وربّما أُلحق به سائر الأعذار.

وروى عن الصادق عليه‌السلام : أنّ كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج

__________________

(١) هذا القول للسيّد المرتضى في الانتصار : ١٦٦.

(٢) قال به ابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٩.

(٣) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٥٧٠.

(٤) قال سلار : كفّارة ظهار فقط ، المراسم : ١٨٥ ، وكذا العلامة في تحرير الأحكام ٢ : ٩٧ ، وقال يحيى بن سعيد : في البراءة إن كذبت كفّارة ظهار ، وروى كفّارة يمين ، الجامع للشرائع : ٤١٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في «س» : واستمرّ.

٨٠