كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

مستقِلا أو مضافاً ، ما لم تقض الإضافة بسلب الصفة ، من جميع ما يسمّى طيباً ، مع بقاء صفته ، وعدم زوال رائحته.

فالفارق العُرف فيما لا يستفاد من النصّ ، وما استفيد من النص كالمسك ، والعنبر ، والكافور ، والزعفران ، والعود ، والورس (١).

ثمّ إنّ ما رائحته طيّبة منه ما لا يُعدّ طيباً بنفسه ولا بدهنه من الثمار ، كالتفّاح ، والسفرجل ، ونحوهما من أقسام الفواكه ، ومن الأبازير كالكمّون ، والسعتر ، والحبّة السوداء ، والهيل ، ونحوها.

ومنه ما لا يكون بنفسه طيباً ، ودهنه طيب ، كالرارنج ، ونحوه.

ومنه : ما يعدّ طيباً بنفسه ، ولا يتخذ منه الدهن ، كأكثر أقسام الطيب.

ومنه ما يعدّ طيباً بنفسه ، وبدهنه ، كالورد ، والقرنفل ، والصندل.

ومنه : ما يعدّ دخانه دونه ، كالبنفسج ، ونحوه.

ويشتدّ التحريم بشدّة الرائحة ، وكثرة المستعمل ، ويضعف بخلافهما. وعند الاضطرار والتعارض يؤخذ بالترجيح.

وتفصيل الحال : أنّ غير المنصوص أقسام :

منها : ما نبت للطيب ، ويتّخذ منه الطيب ، كالورد والياسمين والخيري والكاذي والنيلوفر.

ومنها : ما نبت للطيب ، ولا يؤخذ ؛ (٢) منه ، كالفواكه من التفّاح ، والسفرجل ، والدارصين ، والمصطكى ، والزنجبيل ، والشيح ، والقيصوم ، والإذخر ، وحبق الماء ، والسعد.

ومنها : ما نبت للطّيب ، ويتخذ منه ، كالريحان ، ونحوه ، وكلّما شكّ في صدق الاسم عليه ، لا يجري حكم الطيب عليه ، وما شكّ في زوال صفته ، يحكم فيه بزوال صفته.

__________________

(١) انظر الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨.

(٢) في «ص» : يتخذ.

٥٦١

والمدار صدق الاسم عليه شائعاً ، وأمّا النادر كما يتّخذه بعض الأعراب مثلاً ، ويسمّونه دون غيرهم طيباً فلا عبرة به ، ويقوى تخصيص المنع بهم. وما اختلف حاله يقوى ملاحظة القصد به. وما تجدّد صدق الاسم عليه ، يتبع الاسم. ويحتمل أنّ المدار فيه على زمان صدور الأخبار ، ولا فرق فيه بين الصحيح وغيره في ثبوت صفته.

ويجوز العبور في مكان فيه الطيب ، ويجب أن يجعل في منخريه شيئاً يمنع وصول الرائحة ، أو يقبض على أنفه.

وإن كان على ثوبه أو بدنه شي‌ء من الطيب ، وجبت عليه إزالته بخارج عن ثيابه وبدنه إن أمكن ، وإلا فيهما فوراً.

ويجوز له العبور في مكان فيه الطيب ، مع قبض الأنف ، وعدم اكتساب الثياب والبدن. وإذا مات المحرم ، فلا يجوز أن يقرب إليه الكافور أو غيره من الطيب في تغسيل أو تحنيط أو غيرهما.

والأحوط أن يبعد عنه بحيث لا يشمّه لو كان حيّاً ، وإذا أصابه وجب على الوليّ ، ثمّ على الناس إزالته.

ولو لم يوجد من الماء سوى ما فيه الطيب ، يُمّم ودفن بلا غسل.

ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة ، وزعفرانها ، دون ما سواهما ، ويحتمل إلحاق جميع ما يعتاد تطييبها به بهما ، دفعاً للحرج.

ويقوى لحوق خلوق قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلوق الكعبة.

والخلوق ضرب من الطيب فيه صفرة ، وقيل : هو معروف مركب من ثلاثة دراهم زعفران ، وخمسة من الذريرة ، ودرهمان من الأشنة ، ومن كلّ واحد من القرنفل والقرنة درهم ، يدقّ ناعماً ، ويُنخل ، ويعجن بماء ورد ، ودهن ، حتّى يصير كالرهشي في قوامه ، والرهشي ، السمسم المطحون قبل أن يعصر ويستخرج دهنه (١).

وبعضهم ألحق تجمير الكعبة (٢) ، وبعض جوّز الجلوس فيها ، وهي

__________________

(١) نقله عن ابن جزلة المتطبّب في منهاجه في كشف اللثام ٥ : ٣٤٩ بتفاوت.

(٢) المنتهي ٢ : ٧٨٦ ، مجمع الفائدة ٦ : ٢٨٥.

٥٦٢

مطيبة (١) ، بخلاف الجلوس في سوق العطّارين ، وعند المتطيّبين.

وروى : نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا والمروة ، وأنّه لا يجب حبس أنفه (٢) ، ولا يبعد العمل بذلك ، والقول بجواز ذلك في كلّ موضع تردّدٍ يُوضع فيه الطيب من المشاعر ؛ دفعاً للحرج والضيق.

ويُكره له شمّ الرياحين ، وهي أطراف كلّ بقلة طيّبة الريح إذا خرج عليها أوائل الشروق.

وقيل : كلّ نبت طيّب الريح من أنواع المشموم (٣).

وقيل : هو ما لساقه رائحة طيّبة ، كالوردة وورد ، وما لورقه رائحة طيّبة كالياسمين (٤).

وقيل : هو نبت طيّب الرائحة أو كلّ نبت كذلك ، أو أطرافه أو ورقه ، واصلة ذو الرائحة ، وخصّ بذي الرائحة (٥) الطيّبة ، ثمّ بالنبت الطيّب الرائحة ، وحرم (٦) بعضهم غير ريحان مكّة ، للحرج (٧).

ولا يجوز التطيّب بما يبقى (٨) أثره من خصوص الرائحة مع الممازجة ، وبدونها.

السادس : حبس الأنف ، وعدم حبسه عن الرائحة المنتنة ، من جيفة ، أو غائط ، أو ماء متعفّن ، أو غير ذلك. ولو حصلت مع الطيب في مكان واحد ، غلب حكم الطيب حكم الخبيث ، فيسدّ أنفه على إشكال.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٤ ح ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ح ١٠٥٦ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ح ١٠١٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٠ ح ٥٩٩ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٣) النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٨٨ مادة «ريح» ، مجمع البحرين ٢ : ٣٦٣ مادة «الريح».

(٤) حكاه عن المطرزي في كشف اللثام ٥ : ٣٠١ ، وانظر العين ٣ : ٢٩٤.

(٥) القاموس المحيط ١ : ٢٢٤ مادة «روح».

(٦) في «ص» : حرمه.

(٧) المختلف ٤ : ٧٢.

(٨) في «ح» : ينقي.

٥٦٣

ولو كان أنفه مسدوداً قبل الوصول لأجل الدفع ، وجب الإطلاق. وإن لم يكن له فلا ، على إشكال.

ولو تجنّب الطريق فلا بأس ، وكلّ غالب من الرائحتين مضمحلّ للأخرى عمل عليه ، وألقى المغلوب. ولو اختصّ الطيب أو الخبيث (١) بمعدود ، فلا عمل عليه.

السابع : لبس المخيط وما أشبهه من ملصق ، وملبّد وغيرهما للذّكر والخنثى المشكل ، من نفسه أو من وغيره ، ابتداء أو استدامة ، مخيطاً بخيوط معتادة ، من قطن أو كتّان أو إبريسم أو صوف أو شعر أو غير معتادة من جلود أو من خوص أو ليف أو نبات أو نحوها والأحوط إلحاق الخصف بالخياطة قليل الخياطة أو كثيرها ، محيطها أو غير محيط (٢) ، كبيراً أو صغيراً مما يسمّى لبساً ، لا فراشاً ، ولا وِساداً ، ولا محمولاً ، ولا بيتاً ، ولا دثاراً ، ولا مجروراً ، ولا مرتفعاً فوق المعتاد ، ولا ملصوقاً ، ولا معلّقاً ، ولا مثبتاً في حزام ، ولا موضوعاً على الوجه خوفاً من وصول الهوام.

فالمحرّم اللباس المخيط ، وكلّ لباس يشبهه ، ممّا يُدعى قميصاً ، وقباءً ، وسراويل ، وعمامة ، وبرنساً ، وخفّاً ، وقلنسوة ، وجبّة ، ودرّاعة ، إلا أن يكون طيلساناً معوى بإنسان مزروراً أو غير مزرور ، والأخير أحوط ، وإن كان مزروراً ، فحلّ الأزرار أحوط وهو بفتح الطاء واللام ، وقد تُكسر اللام ، وقد تُضمّ نادراً ، وهو من لباس العجم ، مدوّر أسود ، أو يكون سراويل ، مع فقد الإزار ، أو يكون قميصاً مطروحاً على العاتق لفاقد الرداء ، أو قميصاً منكوساً ، من دون إدخال اليدين في الكمّين.

ولا يحرم على الأُنثى شي‌ء من المخيط ، سوى المستثنى.

الثامن : القفّاز ، إنّ القفّاز كرمّان ضرب من الحلي متّخذة للمرأة ، ليديها ، ورجليها (٣).

__________________

(١) في «ص» : الخبث.

(٢) في «ح» زيادة : مخيطاً أو غير مخيط ، وفي «ص» كلاهما.

(٣) كذا في جمهرة اللغة ٣ : ١٢ ، ومعجم مقاييس اللغة ٥ : ١٥ مادة قفز.

٥٦٤

وقيل : شي‌ء يلبسه نساء الأعراب في أيديهنّ يغطي أصابعهنّ وأيديهنّ مع الكفّ (١).

وقيل : القفاز أن تقفزها المرأة إلى كبوب المرفقين ، فهو سترة لها ، وإذا لبست برقعها ، وقفّازيها فقد تكنّنت ، أي استترت ، ويتّخذان من القطن ، فيُحشى له بطانة ، وظهره من الجلود واللبود (٢).

وقيل : هو شي‌ء يُعمل لليدين ، يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار ، يزر على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة في يديها (٣).

والظاهر أنّه أقسام ، وباختلافها اختلف الكلام.

ومن لبس المخيط غفلة أو نسياناً. وجب عليه نزعه فوراً. وإذا اضطرّ إلى لبس المخيط أو شبهه ، قدّم الأخير ، وكذا إذا دار بين الكثير والقليل.

وإذا دار بين أن يكون عرياناً أو يلبسه ، لبسه.

والظاهر عدم إلحاق المخصوف كالنعل بالمخيط. ويجب التجنّب عن المشتبه ، لعمى أو ظلمة أو شكّ في الموضوع.

ويجوز لبس المنطقة ، وشدّ الهميان وهو وعاء الدراهم والدنانير على الوسط ، وشدّ الدراهم بالثوب ، وفي التسرّي إلى ما يشبه ذلك وجه.

التاسع : لبس الخفّين ، وكلّما يستر ظهر القدم منضوداً أو مع الساق أو بعضه كالجورب والخفّ المنصوصين ، والشمشك ونحوها اختياراً ، ولا اعتبار بالبطن.

ولا بأس بساتر بعض الظهر ، إلا إذا عُدّ ساتراً عرفاً ، واعتبرنا المسامحات العرفيّة. ويجوز مع الاضطرار ، ولا يجب شقّه ، وإن كان الاحتياط شديداً فيه.

ولو كان مخيطاً حرم لبسه من وجهين ، ولا يجب مع الاضطرار قطعهما من أسفل الكعبين ، ومع وجود النعل أو عدم الاحتياج إلى اللبس بلا شقّ ، ولا قطع. وفي تعميم

__________________

(١) الصحاح ٣ : ٨٩٢ مادة قفز ، نهاية ابن الأثير ٤ : ٩٠.

(٢) تهذيب اللغة ٨ : ٤٣٧ مادة «قفز».

(٣) الصحاح ٣ : ٨٩٣ مادة «قفز».

٥٦٥

الحكم للنساء والخناثى المشكلة وجه ، والأوجه خلافه.

وهل يراد الستر من كلّ وجه ، فلو حكى ما تحته فلا بأس ، أو من حيث السعة وإن كان حاكياً ، وجهان ، ولعل الأقوى الثاني.

ولو حصل الستر بمجموع أشياء لو انفرد أحدهما لم يكن ، دخلت في حكم الساتر على الأقوى.

وبعض القدم بعد القطع ككله ، وفي إلحاق القليل إشكال.

والستر بالطين ، ونحوه ، وبغير طريق اللبس كوضعه عليها ، ووضعها تحت الغطاء ليس من الستر ، ولا فرق في المنع بين الابتداء ، والاستدامة ، ولو كان سالماً غافلاً ، ثمّ تفطّن لزمه النزع فوراً.

ولو اختلف صاحبا الحقو الواحد في الإحرام والحلّ ، فأراد المحلّ اللبس ، والمحرم خلافه ، قدّم الأوّل على إشكال.

العاشر : ستر الرأس بما فوق الرقبة ، عدا ما يُسمّى وجهاً في اللّغة والعرف وليس الأُذنان من الوجه بساتر مُعتاد ، أو غير معتاد ، من طين أو تراب أو شمع أو عسل أو دواء أو حناء أو وضع طبق أو خشب أو عصابة سوى عصابتي القربة والصداع أو ارتماس (١) بماءٍ أو وضع فيه أو في غيره من المائعات أو وضع تحت غطاء أو على وساد يشتمل على ستر غير المتعارف.

ولا بأس بصبّ الماء ، وغيره من المائعات وفيها وفي خصوص العجير منها إشكال ولا بوضع بعض اليدين ، كما يُرشد إليه مسح الوضوء.

وفي جواز التلبيد بالصمغ والعسل بجمع الشعر ، ووضع الحناء ، والدواء ونحو ذلك إشكال.

ولا فرق بين الابتداء والاستدامة ، فلو سها فاستدام ، وجب الرفع فوراً ، ويستحب له التلبية بعد الرفع ، والقول بالوجوب غير بعيد. وفي إجزاء كلمتها أو لزوم الأربع بالطور المخصوص وجهان ، أقواهما العدم.

__________________

(١) في «ح» : إرماس.

٥٦٦

ولا بين كونه بالمباشرة وفعل الغير.

وذو الرأسين الأصليّين يجري عليه الحكم فيهما وذو الأصلي وغيره كذلك في وجه. والأوجه الاختصاص بالأصلي ، ومع الضرورة يقتصر على أقلّ ما يندفع به ، وإذا اضطرّ ، اقتصر على الواحد ، ثمّ على البعض إن دفع الضرر.

ولو دار بين التجافي وغيره ، قدّم الأوّل. ولو دارَ بين الساتر عُرفاً وغيره ، كان الثاني أولى. ولو كان قد ألزم نفسه بملزم شرعي ، انحلّ. والظاهر جريان حكم المنع في غير الضعيف ممّا يحكي لون الرأس على إشكال.

وليس من الستر ما تجافى عنه كثيراً كالبيت ، والصهوة ، والخيمة ، وفي القليل إشكال. ولو وضع الساتر على الساتر ، تكرّرت معصيته. ولو اضطرّ ، اقتصر على القليل.

ولو اضطرّ إلى أصل الساتر لواجد الثخين ، احتمل وجوب تخفيفه. ولو أراد تغطية وجهه ، وجب عليه كشف ما يتوقّف عليه العلم بكشف رأسه.

الحادي عشر : ستر الوجه للمرأة ، فإنّ إحرامها فيما يُسمّى وجهاً عرفاً ، ووجب عليها كشف بعض رأسها.

ويجوز لها وقد يجب إذا أرادت التستّر عن الأجانب سدل القناع ، أي إرساله من رأسها إلى طرف أنفها ، والأقوى جوازه إلى الذقن ، وإلى النحر.

ولا يجوز العكس ، ولا إصابة الثوب وجهها إلا قدر ما يعسر التحفّظ عنه.

ولا يجب على الذكر الكشف على الأقوى.

وتحرم تغطية الوجه ابتداء ، واستدامة ، ومباشرة ، وبواسطة. ولو سترته سهواً أو نسياناً ، وجب عليها الكشف فوراً.

وذات الوجهين يجري عليها حكم ذي الرأسين ، ولو تعارضت مقدّمتا وجوب ستر الرأس للصلاة ، ووجوب الكشف للإحرام ، قدّم الأوّل.

ولو تعارض وجوب الستر عن الرائي بناءً على وجوبه فيه ، وبين الكشف ، قدّم الأوّلان في المقامين.

٥٦٧

ولو اضطرّت إلى قناع تسدله ، لتعمل بالوظيفتين ، وجب فيه بذل المال ما لم يضرّ بالحال ، وستر البعض كستر الكلّ ، والقليل كالكثير ، فأصل التحريم وإن تفاوت العقاب في المقدار ، على نحو التفاوت في المقدار.

ولا فرق بين الرقيق بأقسامه ، وبين الأحرار ، والحرائر.

ولو كان الستر ملتزماً ببعض الملتزمات الشرعيّة ، انحلّت ، ولو قطع أعلى الوجه والرأس ، قام الأسفل مقامه.

ولو كان حرج أو جرح أو كسر في موضع من الرأس ، فتوقّف على وضع الجبيرة لمسح ما فوقها في غسل أو وضوء ، وضعت مع الاقتصار على موضع الحاجة ، وفي الشعر المتدلّي الخارج عن حدود الرأس إشكال.

واللحم المتدلّي من الرأس والمرتفع إلى الرأس بحكم مصدره ما لم يعفر.

وفي وجوب حلق لحية المرأة وشاربها للإحرام مع ستر بعض الوجه احتمال ضعيف.

والظاهر وجوب الاختبار على الخنثى لمعرفة هذا التكليف ، بل سائر التكاليف. وتأخذ بالأشق ، مع تعذّر الاختبار. وفي هذا المقام عند الصلاة يجب على الحدّ أن تستر رأسها ، وتكشف وجهها ، وفي غير الصلاة تكشفهما معاً.

الثاني عشر : التظليل للذكر أو الخنثى فوق رأسه سائراً ، بأن يجلس في محمل أو كنيسة أو عمارية مظلّلة أو شبهها.

وفي التظليل من الجوانب والمشي تحت الظلال سائراً إشكال ، والأقوى في الأوّل الجواز ، وفي الثاني المنع.

وأمّا المشي تحته في المنزل ، وفي الطريق ، مع الوقوف في الأثناء فجائز ، والأحوط في الأخير الترك. ولو كان ناسياً فذكر ، وجب عليه رفعه فوراً.

ولا فرق بين أن يكون مع بروز الشمس وخفائها ، ولا يبعد أن يقال : بتكرّر المعصية مع البروز.

ولو سار حاملاً شيئاً يظلّله من خشب أو حطب أو فراش ونحوها ، لم يكن مظلّلاً ،

٥٦٨

والتظليل فوق نصف الرأس فيه من الإثم بنسبته ، وهكذا على إشكال.

ولو اضطرّ إلى التظليل ، تظلل ولو كان الستر تحت ما يسير معه ، من بناء وغيره ، فلا مانع منه. ولا فرق في تحريم ما يتحرّك بحركته بين أن يكون خارج المساكن أو داخلها ، ولا في إباحة ما لا يتحرّك كذلك.

ولا مانع من التظليل للنساء ، ولا من التظليل ببعض بدنه ، وفي بدن غيره إشكال.

والظاهر دخول التظليل بما يحكي في التظليل. وأمّا ما كان على نحو الشبّاك والشبكة ، فالظاهر عدم دخوله ولو وضع عليه ، غير أنّه يلزمه الاقتصار على مقدار الضرورة ، فيقتصر في الوقت والكم على مقدارهما ، وفي الكيف من جهة الثخن والرقّة يحتمل ذلك.

ولو سكن الظلال ، فتحرّك تحته أو بالعكس فلا بأس.

ولو توقّف تظليل المضطرّ على وجود آخر معه ، كما أنّه لو دار بين القليل والكثير ، قدّم الأوّل. والمحاذي للرأس من الجانبين بحكم ما عليه في وجه قويّ.

ولو دار بين الأمرين ، قدم الأوّل ، أمّا لو تعدّدت فالظاهر تعدّد المعصية.

الثالث عشر : الاكتحال بالسواد بنفسه أو بمباشرة الغير مطيّباً أو لا ، للزينة أو لا ، بميل كان أو ورود ، ابتداء دون الاستدامة ، فلا يجب الإزالة على الأقوى ، وقد يلحق به جميع ما أُعدّ لزينة العين ، قصدت به أو لا. ويعمّ الحكم الرجال ، والنساء ، والخناثى. ولو كرّر الاكتحال مع بقاء أثر الأوّل ، وحصول أثر جديد من الجديد ، تكون الإثم. ومع عدم حصول الأثر يقوى التحريم أيضاً ، وعلى جعل المدار على الزينة يقوى الخلاف.

ولو اكتحل بزعم عدم السواد ، فبان الخلاف ، توجّه لزوم الإزالة.

ويظهر من بعض تعليلات منع الاكتحال بالسواد تحريم مطلق الزينة ، في العينين كانت أو في غيرهما.

ولو اكتحل قبل الإحرام ، فإن بقي أثره من غير قصد البقاء فلا بأس ، ومع القصد إشكال. ولو كان الكحل أحمر أو أصفر ولا زينة ، فلا بأس.

٥٦٩

الرابع عشر : النظر إلى وجهه أو سائر بدنه دون بدن الغير بمرأة تكشف عن الحال مع قصد الزينة ، والأحوط الاجتناب مع القصد وبدونه ، إلا إذا كان للاجتناب ونحوه.

ولو نظر في جسم صقيل حاك أو ماء بقصد الاهتداء إلى طريق الزينة كان عاصياً على الأقوى.

ولو جعلها الغير أو اتفقت في مقابلة وجهه ، قوي القول بوجوب تغميض النظر ، أو صرفه عن مقابلتها.

ولا فرق فيه (١) وبين الابتداء ، والاستدامة ، فلو كان قبل الإحرام ناظراً إليه ، واستمرّ وجب صرفه عنها. وكلّما كانت المرأة أقوى في كشف المرئي ، كانت حرمتها أشدّ في وجه قوي.

الخامس عشر : قصّ الأظفار أو إزالتها بوجهٍ آخر قطعاً أو حكّا أو أسّاً أو غيره جميعها أو بعضها أو ببعض منها أو بالأسنان كلا أو بعضاً وإن وزع الإثم على النسبة ، بنفسه أو بغيره بعد الإحرام ، فإن فعله قبل الإحرام فلا بأس ، وإن كان المقصود بقاءه بعده ، ولا يدخل قطعها مع غيرها من الكفّ أو الإصبع أو طرفه.

ولا فرق بين قصّها بقصد الزينة ، وبدونه ، ومع الاضطرار لا مانع منه ، ويقتصر على أقلّ ما يندفع به الضرورة ، ولو فصل منه شيئاً لينفصل بعد الإحرام عصى في وجه قوي.

ولو قطع شيئاً من الظفر ، وبقي معلّقاً لم يدخل في حكم القطع وإن قصد انفصاله بعد ذلك ، ولا بأس بثقبها ، وسرحها ، وحكّها ، وتخفيفها من فوقها ، ولو نسي فقطع بعضاً منها أو بعضاً من بعضها ، ثمّ ذكر ، ترك الباقي على حاله ما لم يكن منه أذيّة.

السادس عشر : إزالة الشعر تنوّراً أو حلقاً أو نتفاً أو قصّاً ، بنفسه أو بغيره ، للزينة أو

__________________

(١) في «ح» : ولا فرق بينه و.

٥٧٠

غيرها ، عن الرأس أو اللحية أو غيرهما ، من الأصل أو الأطراف أو بعضاً ، قليلاً ولو نصف شعرة أو كثيراً.

ولو قطع عضو فيه شعر ، لم يجر عليه الحكم.

والظاهر عدم الاختصاص بالظاهر ، فلا يُزال شعر باطن الأنف ، والأُذن على الأقوى.

ولو حصل ضرر من نفس الشعر ، كالنابت في أجفان العين ، وفي الحاجب مع الطول وتغطية العين ، ونحو ذلك ، فلا بأس بإزالته ، ويقتصر على أقلّ ما يندفع به الضرر.

ولو اضطرّ إلى الحجامة ، وتوقّفت على الإزالة ، أزاله. ولو كان مفصولاً (١) بالعارض ، فلا بأس بفصله. ولا يجوز وضع النورة قبله ، إذا ترتّب عليها الإزالة بعده.

ولو اضطرّ فدار الأمر بين القصّ والحلق ، قدّم الأوّل.

السابع عشر : الادهان بالدهن مُذاباً أو مستنبطاً من اللبن ، مطيّباً أو لا وإن تكرّر الإثم في الأوّل بالمباشرة أو بفعل الغير ، في الرأس أو غيره من أعضاء ظاهر البدن ، في الشعر أو البشرة ، ولا منع في الباطن.

ثمّ إن كان فيه طيب ، حرم استعمال ما يبقى أثره إلى ما بعد الإحرام ، وإلا جاز.

ولو باشر دهناً بفمه أو يده ، أو باقي بدنه ، فانبعثت إلى مثل الادهان ، لم يكن منه.

ولا فرق بين أن يدهن للزينة كما يصنع الأعراب أو لغيره ، ولا بين الأدهان مأكولها وغيره ، طاهرها ونجسها ، عيناً أو بالعارض.

ولو كرّر الادهان ، تكرّر الإثم.

ولو اضطرّ لوسخٍ أو قمل يضرّ بقاؤه ، وتتوقّف إزالته عليه ، ودار بين القليل والكثير ، والمطيب وغيره ، قدّم الأوّل ، والأخير على الأخيرين.

ولا بأس بأكل غير المطيّب من الدهن ، والتسعّط ، والاحتقان به. ولو توقّفَ

__________________

(١) في «ص» : موصولاً.

٥٧١

طهارته الاختياريّة على الادهان ، مع ضرر الماء ، احتمل جوازه ، والرجوع إلى حكم الجبائر في محلّه أو التيمّم.

ولو خالط الدهن غيره ، فإن أخرج استعماله عن اسم الادهان فلا بأس به. ولا يسري حكم البدن إلى الثياب وإن كانت من جلود.

ولو نسي فأدهن ، فإن كان فيه طيب ، وبقي أثره ، وجبت إزالته. وإن خلا عن الطيب ، فالظاهر عدم الوجوب.

وكلّما كان منه أطيب رائحة ، كان أشدّ تحريماً. وكريه الرائحة أولى من السالم ، ولا بأس على المحرم إذا أدهن بدن الغير بدهن وإن سرى إلى بدنه.

الثامن عشر : إخراج الدم بنفسه أو بغيره اختياراً ، بحجامة أو حكّ رأس أو بدن أو سواك أو قلع سنّ أو غير ذلك ابتداء ، ولا بأس بالاستدامة ، ما لم يحدث ما يقضي بالزيادة ، فلا يجب قطعه. وإذا اضطرّ ، اقتصر على أقلّ ما تندفع به الضرورة.

ولو فعل قبل الإحرام ما يقتضي الإدماء بعد الدخول ، عصى في وجه قوي ؛ بخلاف ما إذا فعل فيه ما يقتضي الإدماء بعده. ولا يلحق القيح بالدم ما لم يكن مخلوطاً به.

ولو شكّ في كونه دماً لم يحرم إخراجه ، والأحوط اجتنابه. ولا يجب ترك الحرب للدفع عن المال ، فضلاً عن الدم والعرض خوفاً من الإدماء.

ولا فرق بين الظاهر ، والباطن.

ومن كان معه بواسير ، وأمكنه الانتظار في التخلّي الإحلال ، لم يجب عليه ذلك ، خصوصاً مع خوف الضرر ، ولا يجوز له التكلّف بالتعصّر ، ونحوه.

ووضع بعض الحيوانات لمصّ الدم نوع من إخراجه ، وإن لم يظهر إلى خارج ، بل استقرّ في بطنه ، وكذا الاستفراغ دماً مختاراً.

ولو دخل من خارج إلى باطن فأخرجه ، لم يدخل في حكم الإخراج. ولو حركه من الباطن إلى محلّ آخر من الباطن ، لم يكن عليه حرج.

٥٧٢

التاسع عشر : الفسوق ، وهو الكذب في الشرع أو عند المتشرّعة ، أو مجازاً تعلّق به الحكم ، عبارة عن الإخبار بخلاف الواقع ، متعمّداً على وجه يترتّب عليه العصيان.

لا خصوص الكذب على الله ورسوله أو أحد الأئمّة ، ولا على الله خاصّة ، ولا على ما يعمّ الكذب والسباب ، ولا ما يعمّ الكذب والمفاخرة ، ولا ما يعمّ الكذب والبذاء واللفظ القبيح. ولا ما يعمّ المعاصي الّتي نهي المحرم عنها ، ولا ما يعمّ جميع المعاصي الّتي نهي المكلّفون عنها ، كما هو أظهر المعاني اللغويّة.

والخبر المخالف للاعتقاد ليس من الكذب ، وإن عصى بسببه من جهة التجرّي ، ويتحقّق بالقضيّة الواحدة ، ويزداد الإثم إذا تعدّدت.

وما كان من الإنشاء يتضمّن الإخبار ، كإنشاء المدح والذمّ في غير المحل.

وألفاظ الوعد والوعيد مع عدم العزم على مداليلها يجري عليها الحكم في وجه وإن خلت عن الاسم.

وليس الهزل وحكاية الكذب من الكذب. ومن نقل قصّة متضمنة لأخبار يظنّ صدقها ، فظهر له في الأثناء خلافه ، وجب عليه قطعها.

ولا يجب عليه أن يعترف بالكذب بعد زوال العذر ، وكذا مع التعمّد إذا لم يكن ممّا يترتّب عليه ضرر ، وإن توقّف رفع الضرر على الاعتراف بالكذب لزمه الاعتراف.

العشرون : الجدال ، وهو في الشرع أو عند المتشرّعة أو مجازاً في الأوّل دون الثاني أو فيهما قول : لا والله ، وبلى والله ، ويترتّب الحكم على إحدى الصيغتين ، لا بشرط اجتماعهما على الأقوى.

ولو سبّ أو اقتصر على القسم ، أو بدل لا أو بلى أو الاسم الأعظم أو «واو» القسم بمرادفها ، أو أتى بالمرادف من لغة أُخرى ، لم يقع منه جدال.

وفي اللّغة : أقوى المعاني : مطلق الخصومة.

ولو أتى بالصيغتين لا بقصد القسم ، لم يكن مجادلاً. ولو جاء به بقصده في غير مقام الخصومة ، أُلحقت بالجدال على إشكال.

٥٧٣

ولو أتى بهما ملحونتين ، قوي القول بعدم جريان الحكم فيهما. ولا فرق بين الاقتصار عليهما ، وبين إضافة فعلت أو لم أفعل.

ويتعدّد الجدال اسماً وحكماً بتعدّد الصيغة.

ولا يلحق به قول : لاها ، فإنّه يتضمّن طلب الاسم ، ولا ياهناه ، وأما قول : بل شأنيك ، فهو من قول الجاهليّة.

ويُضاف إلى تحريمه لذاته تحريمه للإحرام ، وبالنسبة إلى الحرم كسائر المحرّمات.

ولو كرّر القسم ، زاد في الجدال ، واستحقّ خوف ما كان عليه من الوبال.

ولو توقّف عليه إثبات حقّ أو إبطال باطل ، لم يكن فيه بأس على الأقوى.

الحادي والعشرون : لبس الخاتم بقصد الزينة ، وقد يُلحق به الحلقة ، وما يُوضع في الإصبع للزينة ، من أيّ نوع كان ، ويستوي في الحكم الرجال ، والنساء ، والخناثى.

ولو قصد غير الزينة سنة أو غيرها ، أو خلا عن القصد ، فلا بأس. ولو كان اللبس بفعل الغير ، من دون طلب أو معه ، غير قاصد للتزيين ، قاصداً به التزيّن أو لا ، فلا بأس على اللابس ، ولا على الفاعل ، وإن كان محرماً.

وإن قصد اللابس محرماً التزيّن ، استحقّ المؤاخذة. ولو قصد باللبس قبل الإحرام الزينة ، واستمرّ على هذا الحال إلى حال الإحرام ، أو لبس قبله غير قاصد لها ، ثمّ قصدها حين الإحرام ، حرم اللّبس في وجه قويّ.

ولو وضعه في غير محلّ اللبس من الإصبع ، فلا يبعد تحريمه ، وإن تعدّد الملبوس تعدّد العصيان ، كما إذا تعدّد اللبس واتّحد الملبوس.

وكلّما كان أدخل (١) في الزينة ، كان أشدّ تحريماً ، وتظهر الثمرة في الملجإ إذا دار أمره بين الأدخل ، وغيره.

الثاني والعشرون : لبس النساء الحلي للإحرام ، والملبوس للزينة مع المشهوريّة والظهور ، كالقرط والقلادة المشهورتين ، وإظهار المُعتاد دواماً ومتعة ، وقد يلحق بها

__________________

(١) في «ح» : داخلاً.

٥٧٤

المحلّلة ، ويقوى إلحاق الأجانب به ، وفي إلحاق المحارم وجه قويّ.

ويجري المنع في حقّ الرجل والخنثى المشكل والممسوح على الأقوى ، فتكرّر المعصية من وجهين ، ولا فرق بين الابتداء والاستدامة ، ولا بين المباشرة وفعل الغير.

ولا بأس بالمحمول والموصول ما لم يدخل في حكمه ، كالموضوع والقرامل من ذهب أو فضّة ، ولا يدخل في الحكم للبس قباء مذهب أو مفضّض ، وإن دخل في النسج.

الثالث والعشرون : الحنّاء للزينة في الكفّين ، والرأس ، والقدمين ، ويُلحق بها جميع ما يتزيّن به إذ لا خصوصيّة لها من حمرة أو كتم أو خطاط أو وشم أو نحوها.

ولو كانت للتداوي أو لقصد السنّة أو مع الخلو عن القصد ، فلا مانع. ولو تقدم الخضاب على الإحرام ، لم يكن بأس ، قصد الزينة حال الإحرام أو لا ، على إشكال في الأوّل. والمدار على حصول الزينة المتعارفة ، وفي غيرها مع قصدها إشكال ، ولو وضعها ، ولم يكن قابلة للتأثير أو كان دونها ما يمنع التأثير أو رفعها قبله فلا بأس.

وكلّما اتّسع محلّها أو اشتدّ لونها زاد وزرها ، وتختلف في احتسابها زينة ، وعدمه باختلاف المحال ، ولا فرق بين أن يضعها بنفسه ، وبين أن يضعها له غيره ، ولو قصد الزينة في الابتداء ، ثمّ عدل عن القصد لم تجب الإزالة ، وقد يقال : بأنّ إخفاءها أولى من إظهارها ، ويجري ذلك في كلّ زينة في وجهٍ قويّ.

الرابع والعشرون : لبس السلاح أو حمله بنفسه أو على غيره ، مع قصد الدفع به على إشكال ، وهو إله الحرب ، وأظهر أفرادها السيف ، والرمح ، والسهم ، فتحرم مطلقاً.

وقد يُلحق بها إله البندق اختياراً ، ابتداء واستدامة ، مباشرة أو بفعل. وليست البيضة والدرع منه ، وإن حرما من وجه آخر ، وكذا جميع ما أعده للحفظ ، دون الضرب. ولو صحبت منها شيئاً للتجارة أو سائر أنواع التمليك أو على وجه الوديعة أو الرهانة من دون لبس في الملبوس ، لم يكن بأس ، ومع اختلاف العادة أو المحال في جعله سلاحاً يتبع كلّ عادته.

٥٧٥

وما كان من الات الحرب غير ملبوس ينبغي إخفاؤه خصوصاً ما كان مُعدّاً للبس ، ويشترك في الحكم الإحرام والحرم ، ومع الاضطرار لا بأس به. ويلزم إخفاؤه في الحرم.

الخامس والعشرون : قلع السنّ في نفسه ، مع عدم الإدماء ، وإن تعمّد الإدماء تعدّدت المعصية ، ولا فرقَ بين قلعه بنفسه ، أو مُباشرة الغير ، مع العلم والإذن. ولو قطع معه لحم ، ولم يخرج عن مصداق قلع السنّ ، حُرم. وفي إلحاق الكسر به وجه ، ويتعدّد العصيان بتعدّد الأسنان.

السادس والعشرون : قطع الشجر والحشيش النابتين في الحرم ، مشتركين مع شي‌ء من الأرض أو منفردين ، مباشرة أو بواسطة حجر ونحوه ، من قرب أو بُعد.

وكذا جميع أنواع الإتلاف من إحراق وغيره ، وأسباب الإعداد لحصول شي‌ء من ذلك. وما يمكن إنباته بعد قلعه ، ووصله بعد قلعه ، يُلزم به الفاعل في وجه قويّ.

وما قلع بنفسه أو بسبب غير الإنسان لم يبقَ لهُ حرمة الحرم بالنسبة إلى غير الفاعل ، بل إليه ، وإن عصى بفعله. ولا يلحق به الكمأة ، والفقع (١) ، وما كان من المعادن.

ويستوي البرّي والبحري. وتحترم الأغصان الخارجة بنبات الأُصول في الحرم ، والأصول الخارجة بالأغصان الدّاخلة فيه.

ويُستثنى من ذلك أُمور :

منها : ما يكون بالإنبات ، فإنّ للمُنبت التصرّف بكلّ الوجوه في وجه ، والأقوى المنع من ذلك إلا أن يكون قد نبت في ملكه بعد تملّكه ، والأحوط اعتبار خصوص داره ، والأحوط منه أن يكون بإنباته.

ويُلحق به على الظاهر إنبات غيره عن إذنه ، بل غير إذنه على إشكال.

وإن دخل شي‌ء منها في الملك ، وشي‌ء من مباح الحرم ، قويت الحرمة ، للحرمة. وكذا لو توقّف قلع ما يجوز قلعه على قلع ما لا يجوز قلعه حرُم القلع ، وإن

__________________

(١) الفقع : الأبيض الرخو من الكمأة. لسان العرب ٨ : ٢٥٤.

٥٧٦

فات النفع ، وللقول بالجواز حينئذٍ وجه. ومع ترتّب الضرر يقوى الجواز ؛ لحديث الضرر (١).

ولو كان الوضع قبل تملّك الدّار ، والنبات بعده ، اعتبر حال النبات ولو نبت حال الخيار ، جرى عليه الحكم وإن فسخ.

ولو زعم الملك ، فظهر الخلاف بعد النبات أو الإنبات ، فالمدار على الواقع دوره زعم. والدار المغصوبة ، والمستأجرة ، والمعارة لا يلحق بدار الملك.

والشجرة والحشيش النابتان في إناء أو حجر من غير طين الحرم وأحجاره ، أو على حصر وبواري ، أو على خشب ونحوه لا يلحق بحكم الحرم.

ويقرب أن لا يلحق بحكمه ما كان منه أيضاً ، والظاهر دخول ما نبت على السطح والجدران.

ومنها : شجرة الفواكه من النخل ، والرمّان ، نبتَ بنفسه أو أُنبت ، متعارفة أو لا ، فثمرة العوسج وشبهه منها.

ويلحق بذلك كلّما اعتاد المخلوق إنباته ، ولو لم يكن له ثمرة ينتفع بها ، كالشجر الذي ينبت للسقوف ، والأبنية ، والأبواب ، والأعتاب.

ومنها : الإذخر ، وهو حشيش طيّب الريح معروف. ولو خالطه حشيش ، ولم يمكن فصله عنه ، اجتنب الكلّ ، ومع الاشتباه يجتنب على الأقوى ، ولا يبعد تحريم قطعه لغير ثمره.

ومنها : عود المحالة ، وهي البكرة التي يُستقى بها من شجر الحرم ، وفي استثنائها بحث ، والأقوى عدم الاستثناء ، وعلى القول بالاستثناء ، يحتمل الاقتصار على حال الانحصار. ولو توقّف حال المحالة على أعواد متعدّدة أو أبعاض يضمّ بعضها على بعض ، دخلت في الرخصة.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٧ ح ٦٥١ ، العوالي ٣ : ٢١٠ ح ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٤١ أبواب إحياء الموات ب ١٢ ح ٣ ، ٤ ، ٥ ، مسند أحمد ١ : ٣١٣.

٥٧٧

المقام الثاني : في أحكامها

وفيه أبحاث :

الأوّل : في أنّ ما ذكر من الحرام ينقسم إلى أقسام :

منها : ما يشترك بين الحرم والإحرام ، والذكور وغيرهم ، وهو أربعة أقسام : الصيد ، وقتل المحرّمات ، وارتكاب المعاصي بترك الواجبات وفعل المحرّمات ، ولبس السلاح. وإن قلّ صدوره من الإناث.

ومنها : ما يخصّ الحرم ، ويجري في الذكور وغيرهم ، وهو قِسم واحد يجمعه قطع النبات والشجر.

ومنها : ما يخصّ الإحرام والذكور ، وهو أربعة أقسام : لبس المخيط ، وستر الرأس ، والاستظلال ، ولبس الخفّين.

ومنها : ما يخصّ الإحرام والإناث ، وهو ثلاثة أقسام : لبس القفّازين ، ولبس الحلي ، وكلّما يكونان في الذكور ، وتغطية الوجه.

ومنها : ما يشترك بين الذكور وغيرهم ، ويخصّ الإحرام ، وهو خمسة عشر قسماً : النساء على الرجال ، وبالعكس ، والطيب ، والادهان ، وقبض الأنف من الرائحة الخبيثة ، والاكتحال ، والحناء ، وإزالة الشعر ، والنظر في المرأة ، وقصّ الأظفار ، وإخراج الدم ، ولبس الخاتم ، وقلع السنّ ، والفسوق ، والجدال ، وتغسيل المحرم بالكافور بل مطلق الطيب ، وإن كان في غير ماء الغسل.

ويتعلّق الخطاب بالولي ومن يقوم مقامه ، ويبطل الفعل ، وتلزم إعادته ، وليس الميّت محرماً ، وإنّما ذكرناه إلحاقاً ، كما ذكرنا قطع الشجر في محرّمات الإحرام ، وإنّما هو من محرّمات الحرم على المحلّ والمحرم. وألحق بعضهم بمحرّمات الإحرام الاغتسال بالماء البارد (١) ، وهو ضعيف.

البحث الثاني : في أن كلّما حرم على المحرم فعله بنفسه ، يحرم على الغير فعله به مع

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

٥٧٨

جبره ، ومع القدرة على منعه ، ويحرم ذلك في جميع المعاصي ، كبارها وصغارها ؛ لأنّ الظاهر من منع الشارع كراهة وجودها من المكلّف بإيجاده أو إيجاد غيره ، كما يظهر من تتبّع الآثار ، واستقراء مضامين الأخبار (١).

البحث الثالث : في أنّه إذا التزم بأحد الملزمات الشرعيّة بفعل ما يرجح في نفسه من المحرّمات الإحراميّة ، كوطء ، وحلق (٢) ، وتطيّب ، وإخراج دم ، وقصّ أظفار ، ونحوها في وقت يتعيّن للإحرام ، ثمّ وجب عليه الحجّ أو العمرة ، انحلّ نذره.

واحتمال إلحاقه بغير المستطيع ، لا وجهَ له ، كما إذا نذر شيئاً يُنافي السعي أو غيره من المقدّمات. وفي امتناع انعقاد إحرام الحجّ والعمرة المندوبين وجه ، والأوجه خلافه.

البحث الرابع : في أنّه إذا اضطرّ إلى واحد من محرمين أو محرّمات وجب عليه الاجتهاد في غير ما هو أشدّ إثماً ، وغيره ، فيقدّم الثاني على الأوّل ، وإذا اختلفت مراتب الواحد ، والأقوى والأضعف قدّم الثاني فيه كالسابق ، وإذا لم يكن مميّزاً يرجع إلى أهل التمييز.

البحث الخامس : في أنّ جميع المُحرّمات إنّما تحرُم بعد إتمام التلبيات الأربع ، فلو أتى بشي‌ء منها قبل الدخول فيها ، أو قبل تمامها وإن بقي من الرابعة كافها ؛ (٣) فلا بأس. وكذا مندوبات الإحرام ومكروهاته إنّما تثبت أحكامها بتمامها.

البحث السادس : في أنّه يلزم على الأولياء إذا أحرموا عن المولّى عليهم أو جعلوهم مُحرمين أن يجنّبوهم ما يتجنّبه المُحرمون ، وأن يأمروهم بما يجب على المُحرمين.

البحث السابع : في أنّه ليس منها مُفسداً للحجّ أو العمرة ، وإنّما يتضمّن استعمالها عصياناً ؛ سوى الجماع قبل الوقوف بالمشعر ، مقروناً بالنيّة ، فلو كان قبل الوقوف أو قبل نيّته ، أفسدَ.

البحث الثامن : في أنّ التحريم فيها مَبنيّ على حصول ما يجري عليه حكم الإحرام

__________________

(١) انظر الوسائل ٩ : ١٨٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

(٢) في «ح» : حلف.

(٣) في النسخ : رأيها.

٥٧٩

في حجّ وعمرة ، صحيحتين أو فاسدتين ، سواء كان في أثناء أجزاء مستقلّة كالطواف والسعي والوقوفين ونحوها أو لا ؛ لكنّها تتفاوت في زيادة الإثم ونقصه ، بنسبة زيادة الفضل ونقصه في محلّ وقوعها.

الفصل السابع : في كفّاراته

وفيها مقامات :

الأوّل : في بيان ما ليس فيه كفّارة أو يجوز التعرّض لهُ من الحيوان للمُحرم وفي الحرم ، وهو أقسام :

الأوّل : كل مؤذٍ قَصدَ المُحرم بأذيّة في الحلّ أو الحرم ، فإنّه يجوز له قتله ، ولا يجب عليه تحرّي الأدنى فالأدنى في دفع الأذيّة ، فلو أمكن دفعه بالنهر ؛ ، (١) جاز له قتله ، فضلاً عمّا دونه من المراتب على الأقوى.

وإن ظنّ بل شكّ في إرادته ، جازَ لهُ ذلك أيضاً ، فإنّ المَدار على الخوف. ولو توقّف دفعه بالقتل على قتل غيره من الحيوانات ، جاز قتلها.

ولو أرادَ فعدل قبل الوصول ، لم يكن بحكم المُريد إن حصل الاطمئنان بعدوله ، وإلا كان بحكمه.

ولو أراد قتل مُحترم مُحرم أو غير مُحرم جازَ للمُحرم قتله ؛ للدفع عن المحترم ، وإن كان صامتاً. وإن أراد قتل مُباح القتل ، فلا يجري عليه حكم المُريد. وإن أراد قتل ما يحرم قتله على المحرم من صيد البرّ ، جاز قتله للدّفع عنه في وجه قويّ.

ولو أذى المُحرم أو غيره ، ثمّ انصرف حال الانتقام منه ، أو ؛ (٢) كان وجوده سبباً لوجود مُؤذٍ سواه ، كان بحكم المؤذي. وإن كانت الأذيّة جزئيّة ، حتّى لا تُعدّ في العُرف أذيّة ، لم تكن بحكم الأذيّة.

وإذا تعرّض الحيوان ، فحمله على قصد الأذيّة ، قتله وإن عصى. وللفرق بين

__________________

(١) بالنهر : يعني بالزجر.

(٢) في النسخ : ولو بدل أو.

٥٨٠