كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

وعنه عليه‌السلام : أنّه يُحبس بقاعٍ قرقر أي سهلة لينة لا يوجد فيها مخبأ ، ولا يُمكن الفِرار فيها ، ويُسلّط عليه شجاع (١) أقرع يريده ، وهو يحيد أي يميل عنه ، فإذا رأى أنّه ما يمكن التخلّص منه ، أمكنه من يده فقضمها (٢) أي عضّ عليها بأطراف أسنانه كما يقضم الفحل (٣) ، والظاهر أنّ المراد : أنّه يكسرها كما يكسر فحل الإبل الشي‌ء إذا عضّ عليه.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّ من بقي حقّ الله في أموالهم يُبعثون من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم ، والملائكة يعيّرونهم ، يقولون : هؤلاء الّذين منعوا خيراً كثيراً بسبب خير قليل (٤). وهذه الأخبار تُبنى على ظاهرها.

وعن الصادق عليه‌السلام : ما ضاعَ مال في برّ أو بحرٍ إلا بتضييع الزكاة ، ولا صيد طير إلا بتركه التسبيح (٥) ، إلى غير ذلك من الأخبار (٦).

المبحث الرابع : علّتها

عن الصادق عليه‌السلام وأبي الحسن عليه‌السلام : أنّ الله تعالى جعل في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء ، وإنّما يُؤتون من مَنعِ مَن منعهم حقوقهم (٧).

وعن الصادق عليه‌السلام : أنّ الله تبارك وتعالى علم أنّ نسبة الفقراء إلى الأغنياء ربع عشرهم ، فللفقراء من كلّ ألف خمسة وعشرون (٨).

__________________

(١) الشجاع ضرب من الحيّات لطيف دقيق ، وهو أجروها كما زعموا. لسان العرب ٨ : ١٧٤ (شجع).

(٢) القضم : الأكل بأطراف الأسنان. الصحاح ٥ : ٢٠١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠٥ ح ١٩ ، الفقيه ٢ : ٥ ح ١٠ ، معاني الأخبار : ٣٢٥ ح ١ ، الوسائل ٦ : ١١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٠٦ ح ٢٢ ، عقاب الأعمال : ٢٧٩ ح ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٦ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٠٥ ح ١٥ ، الفقيه ٢ : ٧ ح ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٣ ح ١٩.

(٦) الوسائل ٦ : ١١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٤٩٦ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٢ ح ١ ، دعائم الإسلام ١ : ٢٤٥ ، الوسائل ٦ : ٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ٩.

(٨) انظر الوسائل ٦ : ٩٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٣.

١٤١

وعن الرضا عليه‌السلام : أنّ علّة الزكاة الاختبار للأغنياء ، وحثّهم على المواساة ، وتذكيرهم فقر الآخرة (١).

وفي بعض الروايات : أنّ من أسبابها نموّ المال ، وحصول البركة فيه (٢). إلى غير ذلك.

المبحث الخامس

إنّه لا يجب في المال حقّ بالأصالة سوى الزكاة والخمس.

وما ورد ممّا ظاهره وجوب إعطاء الضغث بعد الضغث (٣) وهو لغةً القبضة من الحشيش المختلط رطبها بيابسها (٤) ، والمراد : القبضة من الزرع السنبل وممّا ظاهره وجوب الحفنة بعد الحفنة (٥) محمول على الاستحباب ، جمعاً. وكذا ما دلّ على أنّ من الواجب على الإنسان أن يفرض في ماله شيئاً مُقرّراً يُعطيه إن شاء في كلّ يوم ، وإن شاء في كلّ جمعة ، وإن شاء في كلّ شهر (٦).

وأمّا ما وجب بالعارض بسبب الإنفاق أو النذور أو العهود والايمان ونحو ذلك ، فكثير.

المبحث السادس

أنّ الزكاة هنا متعلّقة بعين المال على وجه الشركة ، لا بالذمّة ، ولا بالعين على نحو تعلّق الرهن أو أرش الجناية ، وإن جاز الدفع من عين أُخرى ، ومن القيمة ، والدفع من نوع آخر في زكاة الإبل. وجواز التصرّف مع البناء على الأداء للدليل.

فليس للمالك التصرّف في المال مع بقاء الزكاة فيه إلا مع ضمانها ، فإن لم يضمن

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤ ح ٧ ، الوسائل ٦ : ٥ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ٧.

(٢) انظر الوسائل ٦ : ٣ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١.

(٣) الوسائل ٦ : ١٣٤ أبواب زكاة الغلات ب ١٣.

(٤) المصباح المنير ١ : ٣٦٢.

(٥) مثل ما في الكافي ٣ : ٥٦٥ ح ٢ ، والتهذيب ٤ : ١٠٦ ح ٣٠٣ ، الوسائل ٦ : ١٣٤ أبواب زكاة الغِت ب ١٣ ح ١.

(٦) المعارج : ٢٤.

١٤٢

ونقله عن ملكه ، تبعّضت الصفقة ، وكان للمُشتري مع جهله الخيار. ولو ترتّبت عقود عليها وعلى قيمتها وحصل ربح ؛ فإن أجاز المجتهد عن الفقراء تلك المعاملة ، ضرب الفقراء في الربح ، وإلا فللفقراء أصل السهم من أصل المال. والأحوط إدخالهم في الربح مطلقاً.

ولو ضمن البائع ، ولم يؤدّ ، انكشف فساد ضمانه ، ورجع حقّ الفقراء إلى نفس المال. وليس للمتملّك التصرّف في شي‌ء من المال قبل الإخراج ، مع العلم بعدم الإخراج وعدم الضمان ؛ لأنّ السهم مُشاع ، وتصرّفاته بأسرها حرام.

والظاهر عدم لزوم إخراج زكاة (ما انتقل) (١) من أهل الذمّة ، وما أُخذ من أهل الحرب ، والأحوط الإخراج.

وكذا المأخوذ من غير أهل الحقّ ، لا سيّما إذا دفعوا ، وإن نجز (٢) دفعهم ، على إشكال.

وحيث تعلّقت بالعين ، لزمَ تقديمها على الدين ، وعدم تكرّرها ببقاء مقدار ما ينطبق على النصاب أحوالاً ، وعدم الضمان لو تلف المال أو بعضه بلا تفريط ، وجواز أن يبيت الإمام قبل إخراجها من ماله ، لو عملنا برواية : «أنّ الإمام لا يبيت وفي ذمّته حقّ» وأبقيناها على إطلاقها ، وتقديمها على زكاة الفطرة عند التعارض ، واشتراكها مع الخمس في الإخراج مع التعارض ، وعدم استثناء ما يُستثنى للمديون في وجوب إخراجها ، ويتبع الساعي عن الإمام والفقراء العين أو عوضها مع التلف بتفريط ، وحرمة التصرّف بما تعلّقت به من دون ضمان ، وعدم تعلّق النّذر وشبهه بذلك السهم لو نذر التصرّف بماله من دون ضمان. واستحقاق السهم من الأرباح والنماء (٣) مع إجازة المجتهد ، وتبعيّة حصّة الفقراء بالإعراض ، كما لو أعرض المالك عن بعض المتساقط من سنبل ، أو تمر أو زبيب ، أو نحوها (وبالهبة من قبضة سنبل أو طعام أو تمر أو نحوها) (٤)

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «س» ، «م» : لم يجز. وفي «ص» : لم نجز.

(٣) في «ص» زيادة : على القول بالشركة.

(٤) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٤٣

والشركة فيما يحصل من البذر المتخلّف لاعن إعراض ونحوه ، وعدم جواز التصرّف بها على القول بالرهن ؛ لأنّ فوائد الرهن ونماءه رهن ؛ وعدم تعلّق أحكام المدينين به ، فلو نذر لهم ناذر أو وقف عليهم واقف لم يدخل فيهم ، وعدم لزوم الإعطاء بحساب الأصل لو تبدّلت من غير ضمان إلى أنواع أُخر لأجل الحفظ أو لغيره من المصالح ، ولزوم قيمة المثل لما تبدّلت إليه لا أصله مع الإعواز ، وتعلّق حكم الوديعة ، فلا يسافر إلا بعد الضمان أو التأدية أو الوضع عند أمين ، وإعطاء المؤن المصروفة بعد التعلّق ، وجواز التأخير ، وعدم الضمان لو دفعها من غير اختيار كالوديعة ، وتخصيص الفقراء بها دون الغرماء في مال الميت والمفلس ، وعدم دخولهم في التقسيط مع القصور ، وعدم الدخول في إرث الورّاث ، ولا في أمر الديون والوصايا ، وتبعّض الصفقة وثبوت الخيار لو باع الجملة. وعدم لزوم محذور لو التزم بأن لا يكون مشغول الذمّة مع عدم إخراجها ، وعدم جواز أخذ الرهن على ما في الذمّة مع وجودها ، وعدم جواز ضمان من طلب منه قبل ضمانه ، وطلب عوض النفقة ، والمصرف مع الصرف عليها ، واشتراك ضمان الجناية في بعض الوجوه ، ووجوب الحفظ لها كالوديعة ، ولزوم الحلف في النذر وشبهه مع التعلّق بملك أربعين شاة وليس عنده سواها ، (وجواز بيعها بحالّ ومؤجّل ، وجواز جعلها رهناً ، وجواز المصارفة ونحوها ، ممّا يُشترط فيه القبض في التقدير عليها مع الغير) (١) فإنّ الدين غير مقبوض ، وجواز المضاربة عليها (٢) باقية على حالها.

وكون الدعوى للفقراء مع الغاصب أو السارق ، وجواز الإنفاق عليها من مال الفقراء مع الغبطة ، (وجواز أخذ الأرش عن عيبها في وجه) (٣) وجواز أن يأخذ المالك من الساعي أُجرة عليها لو تأخّر عن القبض ، وصدق قوله لو قال : ليس في يدي من مال الناس شي‌ء.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) في «م» ، «س» زيادة : في النقدين.

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٤٤

المبحث السابع

لو اشترى أو تملّك بوجهٍ آخر ، أو باعَ أو ملكَ مالاً فيه حقّ من زكاة ولم تكن مضمونة ، كان الأخذ عاصياً ، تجري عليه أحكام الغصب ؛ حتّى لو كان في ثمن ما قيمته قنطار من الذهب قيراط منه أو درهم حرم الكون فيه ، وفسد ما يتبعه من العبادات ، واستخدامه إن كان مملوكاً ، ووطؤها إن كانت جارية ، وهكذا. ووجب تجنّب ما شُري بالذمّة مع العزم على الأداء منه ، على قول ، وتجنّب مال القرض مع العزم على الوفاء منه. والأحوط تجنّب ما كان أداؤه منه ، ولو مع عدم العزم. ولو أجاز المجتهد التصرّف صحّ.

المبحث الثامن

لا يُشترط الإيجاب والقبول ، ويكفي مجرّد الدفع والإقباض في دفع الزكاة ، لكن يُشترط أن يكون ذلك من المالك أو وليّه أو وكيله ، فإذا امتنع ، قَهَرَه الحاكم على الدفع. وإن لم يُمكن ، تولاه المُجتهد أو من يقوم مقامه.

وليس للفقير الأخذ إلا عن إذنه. ولو تعذّر الاستئذان أخذها الفقير أو غيره وسلّمها إلى المجتهد ؛ فإن تعذّر ، سلّمها إلى عدول المسلمين ليدفعوها إلى المستحقّين ؛ فإن لم يكونوا ، احتسبها على نفسه.

المبحث التاسع : فيمن تجب عليه

إنّما تجب على من جمع عدّة صفات :

أحدها وثانيها : العقل ، والبلوغ ببلوغ خمس عشرة سنة تامّة من حين سقوطه بتمامه من بطن أُمّه ، أو صدور حمل عنه في الذكر (١) ، وفي اعتبار اليوم المنكسر والهلالي

__________________

(١) في «ح» : الذكور.

١٤٥

والعددي من الشهر بحث. وتسعٍ كذلك ، أو حيض ، أو حمل في الأُنثى ، أو احتلام ، والمراد خروج المني بأيّ نحو كان ، أو نبات شعر خشن على العانة بمقتضى الطبيعة فيهما.

والخنثى المشكل بحكم الذكر في العدد. ويُعتبر في حصول العلامة فيها أن يكون من الفرجين ، أو على الفرجين ، أو من أحدهما وعلى الأخر ، ويقع على قسمين (١).

ويكتفى بواحد من ذي الفرجين المتساويين مع العلم بالتساوي من كلّ وجه إن أمكن على إشكال. ومع العلم بزيادة أحدهما المدار على الأصلي ، وربّما يقال بالملازمة بين الحصول من الزائد وبين البلوغ ، ومع الشكّ يُعتبر التعلّق بهما.

ولا تجب على الصبي والمجنون ، ولا وليّهما ، من غير تأمّل في النقدين ، وعلى الأصحّ في الغِت والمواشي ، وإن استحبّت فيهما ، والمشكوك في بلوغه أو عقله مع عدم ثبوته سابقاً محكوم بعدمهما فيه.

ويُعتبر البلوغ والعقل من ابتداء الحول إلى انتهائه في ذوات الحول ، وحين التعلّق في غيرها ، حتّى لو جُنّ في أثناء الحول في القسم الأوّل ثمّ عقل وقت التعلّق ، أو جنّ حين التعلّق في القسم الثاني ، لم تجب الزكاة. أمّا لو كان عاقلاً حين التعلّق ثمّ جُنّ ، وجب على الوليّ الإخراج.

ويُستحبّ للولي الإخراج من غلات الصبيّ ومواشيه. وربّما يقال بتوجّه الاستحباب إليه أيضاً مع تمييزه ، وهو بعيد بالنسبة إلى العبادات الماليّة.

وأمّا المجنون ؛ فالحكم بالاستحباب فيه مُشكل ، والأحوط الترك فيهما.

وأمّا الاستحباب في مالهما إذا اتجر به الوليّ أو مأذونه فالقول به أقوى ، وسيجي‌ء البحث فيه إن شاء الله تعالى.

وما وجب في مال المجنون من زكاة أو حقّ سابق على الجنون ، أو استحبّ فيه ، أو

__________________

(١) في «ص» زيادة : ولو خرج الدم من فرج النساء على وجه يحكم بكونه حيضاً لو كانت امرأة ، والمني من فرج الذكر ، ثبت البلوغ أيضاً ، وفي اشتراط دوران الشعر على العورتين معاً وجه قويّ.

١٤٦

في مال الطفل ، يتولّى الوليّ إخراجه. ولو تعدّد الأولياء ، جاز (١) لكلّ واحد منهم ؛ فإن تشاحّوا وأمكن التوزيع ، وزّع عليهما ، وإلا فالمرجع إلى القُرعة ؛ فإن لم يرضوا ، جبرهم الحاكم عليها ؛ فإن أتلفا شيئاً منها مع تفريط الوليّ ، كان الضمان عليه ، ومع عدمه يكون الضمان عليهما ، فيؤدّي الولي العوض من مالهما.

ولو طرأ الجنون مع التعلّق بالبعض ، كأن يجنّ بعد اصفرار البعض أو احمراره ، أو صيرورة بعض الحبّ شعيراً مثلاً ، رُوعي فيه النصاب ، فيجب فيه مع بلوغه ، ولم يجب في الباقي.

وإذا بلغ الطفل لم يمكّنه الوليّ من دفع زكاته حتّى يأنس منه الرشد بالاختبار لأحواله بالتصرّف بأمواله. ولو دفع شيئاً إلى الفقير ، جاز الاحتساب عليه من الوليّ مع بقاء العين وتلفها.

ولو سلّمها معزولة ، أو في ضمن المال إلى القابض ، فتلفت بإتلافه أو بآفة سماوية ، ضمنها ، وأدّاها من مال نفسه إلى الوليّ ليسلّمها إلى أهلها.

وكلّ من تعلّق به ضمان شي‌ء ، فإن كان مثليّا ، دفع المثل إن أمكن ؛ وإن لم يمكن ، أو كان قيميّاً وتلف ، ضمن القيمة وقت الدفع في الأوّل ، والتلف في الثاني ، على أصحّ الوجوه.

ولو دفعها غير مَن تعلقت به عن المالك من مال المالك ، فأجاز قبل التلف ، أجزأت ، وكذا بعده ؛ لأنّ القول بالكشف أقوى.

ولو دفعها عنه من مال نفسه فأجاز ؛ فإن كان قاصداً للتبرّع فلا شي‌ء له ؛ وإن نواها قرضاً ، رجع. والأحوط ترك الاحتساب في جميع هذه الصور. ولو أمر الوليّ الناقص بالدفع ، وتولّى هو النيّة غير مُكتفٍ بنيّة الناقص ، فلا بأس.

ولو كانت عليه زكوات من جهات متعدّدة ، لم يلزم تعيين جنس المال في النيّة. ولو كان عن جماعة ، لزم عليه تعيين المدفوع عنه. ولو كان واحداً ولم يعيّنه ، دَفَعَها بنيّة

__________________

(١) في «ص» زيادة : الإخراج.

١٤٧

صاحبها ، وأجزأت عنه.

ثالثها : الحرّية ، فلا تجب على العبد ، قنّاً كان أو مدبّراً أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً من الضريبة ، ولا على الأمة متّصفة بتلك الصفات ، أو أُمّ ولد. ولو تحرّر بعض منهما ، وجب (١) ما قابل الجزء الحرّ.

ويُشترط استمرار الحريّة من مبدأ الحول إلى حين التعلّق فيما يُعتبر فيه الحول ، وحصولها قبل التعلّق مستمرّاً إلى حينه في غيره ، ويجري هذا القول على قول من نفى ملكية المملوك ، وقول من أثبتها على الأصحّ.

ولو أتلف المملوك عيناً فيها الزكاة من غير تفريط المولى ، كان الضمان على العبد يُتبع به بعد العتق ، ولا رجوع على المولى. ولو كان مغروراً من جانب المولى ، ورجع الفقراء على العبد بعد عتقه فأدّى لهم ، رجع على الغارّ ، واستقر الضمان على مولاه. وإن لم يكن مغروراً من جانب المولى ، فلا رجوع له عليه ، إلا إذا كان المولى جابراً له ، فالضمان عليه ، ولا رجوع له على عبده.

ولو دفع بزعم أنّه حرّ ، فبان عبداً ؛ أو عبد ، فبان حُرّاً ، فسدَ ؛ لفساد النيّة في الأخير ، ولانكشاف عدم السلطان في الأوّل. وكما لا يجوز له الإعطاء ، لا يجوز له القبول إلا بإذن سيّده سابقاً أو لاحقاً ، فإذا قبل ، كان للسيّد ، وإن كان مأذوناً في القبض لنفسه على أصحّ الوجهين ، فتشترط قابليّة المولى لأخذها ولو كان في سبيل الله لا بقصد التمليك ، لم تدخل في ملك المولى. ولو كان مشتركاً ؛ فإن كان مأذوناً ، ملكَ كلّ واحد من الموليين من المال بنسبة حصّته ؛ وإن كان وكيلاً ، كان بينهم بالسوية ؛ وإن اختلفوا في الاستحقاق وعدمه ، ملكَ المستحقّ مقدار حصّته دون غيره.

ولو دفع إلى القابل وغير القابل من أيّ جهة كانت ؛ فإن تعدّد الدفع ، أو كان مع الجهل بالموضوع أو الحكم مع المعذورية ، صحّ في القابل دون غيره ، وفي غير ذلك

__________________

(١) في «ص» ، «ح» زيادة : منها.

١٤٨

يقوى ذلك ، والأحوط الإعادة.

ولو ارتفع المانع فيما مرّ من الأقسام قبل الإقباض ، عادَ الولي فضولياً ، وتولاه مولاه ، وبالعكس يحتمل ذلك ، والإجازة للمولّى عليه دون مولاه.

رابعها : إمكان التصرّف بما يُطلق عليه ذلك عُرفاً ، فلا يكفي التمكّن من بعض التصرّفات النادرة ، ولا يشترط جميع التصرّفات مستمرّاً من أوّل الحول إلى أخره ، إمّا منه ، أو من وليّه مع نقصه حيث يتعلّق بالمولّى عليه ، أو من وكيله.

فلا زكاة في مغصوب ، ولا بعيد ، ولا ضائع ، ونحوها ، ولو في بعض من الحول. ولا عبرة بتمكّن الوليّ الشرعيّ بالنسبة إلى الغائب أو المستور مثلاً.

والظاهر اعتبار التمكّن ممّا في يد الغاصب (مجّاناً أو بالعوض اليسير في وجه قويّ. ولو أمكنه الغاصب) (١) من التصرّف ، مع بقاء يد الغصب ، فلا زكاة. ولو كان في يد المالك وفي البُعد والخفاء ؛ إن أمكن الوصول إليه بمالٍ لا يضرّ بحاله ، ولا يزيد على ماله ، صدقَ التمكّن ، وإلا فلا.

ولو أمكن أخذه بسرقة ونحوها من غير عُسر ، دَخَلَ في المتمكّن على إشكال. ولا يخرج عن التمكّن بعروض شي‌ء من قبله ، كإغماء أو جنون أو نَذر أو عهد أو نحوها من الموانع الشرعيّة الاختياريّة المانعة عن التصرّف ، في وجه قوي.

أمّا ما يتعلّق بالمخلوق ، كأن يشترط عليه في عقدٍ لازم أن لا يتصرّف حيث يصحّ ، فالظاهر الحكم بانقطاع الحول به ، واستئنافه (٢) بعد ارتفاع المانع.

ولو كان مريضاً مرض الموت ، فهل يلحق بالممنوع من التصرّف فيما زاد على الثلث ، أو لا؟ وجهان ، أقواهما الثاني.

ولو زعم التمكّن أو خلافه فبانَ الخلاف ، بنى على الواقع دون الزعم. ولو رهنه أو

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «س» ، «م» : استيفائه.

١٤٩

حجر عليه في أثناء الحول ، انقطع الحول. ولو آجرَ (١) أو صالحَ على المنافع ، لم يخرج عن صدق التمكّن.

ولا زكاة على الديّان والمقرض ، سواء تمكّنا من الأخذ والاستيفاء ، أو لا. ومع الاستيفاء يُعتبر الحول من حينه. وإذا قبض المُقرض أو الديّان من المُستدين أو المُقترض (٢) ، اعتُبر به الحول من حين القبض. ولو عزلاه مع الامتناع عن أخذه ، وقبضه الحاكم أو عدول المسلمين ، كان بحكم المقبوض ، وإلا كان على حكم المُقترض والمُستدين ، ومع عدمهم يقوى الاكتفاء بالعزل.

ولو زعم القبض فبانَ الخلاف ، أو العدم فبان القبض ، دارَ الحكم مدار الواقع ، على إشكال في الأخير.

والقدرة على تسليم الزكاة ليست بشرط في وجوبها ، فإن لم يقدر على تسليمها ، عَزَلَها ، وترقّب الإمكان ، وإلا أوصى بها ، وأشهدَ عليها مقبولَ الشهادة.

ولا تتعلّق الزكاة بالوقف عامّاً أو خاصّاً ؛ لتعلّق حقّ الغير به ، وتتعلّق بنمائه حيث يكون خاصّاً ؛ لأنّه مملوك لصاحب الوقف ، وكذا المحبوس بأقسامه ، ولو في بعض الحول ، في وجه قويّ.

خامسها : ملكيّة النصاب لمالكٍ واحد ، فلو اشترك النصاب أو الأكثر منه بين اثنين أو جماعة ، ولم يبلغ سهم أحدهم نصاباً ، لم تجب الزكاة ؛ ولا تجب فيما يملك بالقبض قبله ، كالموهوب ، ومال القرض ، والسلم ، والصرف ، وهكذا. وتجب فيما للبائع فيه الخيار ؛ لأنّه ملك من في يده على الأقوى ، وكذا الموهوب قبل التصرّف بالنسبة إلى المتّهب ، والقرض بالنسبة إلى المقترض كذلك ، وغير ذلك ، ولا بدّ من ذلك في تمام العام ؛ فلو باعه أو وهبه في أثنائها ثمّ عادَ إليه ، احتسبَ العام من حين العَود.

__________________

(١) في «م» ، «س» : أجبر.

(٢) في «م» ، «س» زيادة : أو من قام مقامهما.

١٥٠

ولو بلغ النصاب مع الرطوبة الأصليّة ثمّ نقص للجفاف ، فالمدار على وقت التعلّق ، ولا اعتبار بالرطوبة العارضيّة بحصول النصاب.

والأقوى اعتبار التصفية من الخليط كالتراب ونحوه أصليّاً أو عارضيّاً. والأولى مُراعاة الاحتياط في القليل في الأوّل (١).

ولو شكّ في حصول النصاب ، لم يجب البحث ، والأحوط ذلك.

ولو اختلفت الموازين فيه ، أخذ بالراجح كثرة أو ضبطاً ، ومع عدم الرجحان فلا وجوب.

ويستحبّ أن يزكّى «المال الغائب عن صاحبه سنين ولا يعلم مكانه» عن سنة واحدة. ولو كان له طريق إلى العلم ولو ببذل يسير ، لم يدخل في حكم الغائب (٢). وتُستحبّ زكاة الديّان لدينه إن أمكن تحصيله ، بل القول بالاستحباب مطلقاً (٣) لا يخلو من وجه.

سادسها : أن لا يكون مخلوطاً بالحرام على وجه لا يعرف مقدار الحرام ولا صاحبه ، وإن علم أنّ الحلال أكثر من النصاب. ولو مرّت عليه أعوام بتلك الحال ، لم يجب فيه إلا الخمس ؛ لأنّه لا يسوغ له التصرّف. وربّما أُلحق باشتراط إمكان التصرّف ، ويقوى أن يقال : هو متمكّن من التصرّف بعد إخراج الخمس ، فتتعلّق به الزكاة.

المبحث العاشر : فيما تجب فيه من المال

لا تجب إلا في تسعة أشياء : الغِت الأربع ، وهي : الحِنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ؛ والبهائم الثلاث ، وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ؛ والنقدين ، وهما الفضة والذهب ، فينحصر البحث في مطالب :

__________________

(١) في «ص» زيادة : ولو لم يعلم بحصول النصاب.

(٢) في «م» : الفائت.

(٣) كما في الجامع للشرائع ٢ : ٤٩٢ ، والمعتبر ٢ : ٤٩٢.

١٥١

المطلب الأوّل : في الغلّات

وفيه مقاصد :

الأوّل :

أنّه لا يجب في الغلات ممّا عدا الأربع من ذرّة أو أُرز أو سمسم أو ماش أو عدس أو حمّص أو باقلاء أو غيرها ممّا يُكال أو يُوزن ، فضلاً عن غيره. ولا تجب ولا تُستحبّ فيما لا يدخله الكيل والوزن من البقول أو الخضروات ، وإن عرض له ذلك في مثل هذه الأيّام. ويُستحبّ فيما عداها ممّا يدخله الكيل والوزن على الأقوى.

ولو اختلفت البلدان فيهما ، لحق كلّ واحدة حكمها.

والمدار على ما يُسمّى شعيراً أو حنطة أو تمراً أو زبيباً. وكلّ منها له نصاب مُستقلّ ، فلو اجتمع ممّا زاد على الواحد منها نصاب لا من أحدها ، فلا زكاة.

ولو دخل قليل من الحنطة في الشعير أو بالعكس مثلاً ، اعتبر الاسم ؛ فإن تساويا ولم يبقَ له اسم مخصوص ، لوحظا منفردين في إجراء الحكم ؛ وإذا دخل المغشوش في اسم أحدهما ، فالمدار عليه ، وطريق الاحتياط لا يخفى.

المقصد الثاني

في أنّه يُشترط في تعلّق وجوب الزكاة بها النصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستّون صاعاً ، فهو ثلاثمائة صاع.

والصاع : أربعة أمداد ، فهو ألف ومائتا مدّ.

والمدّ : رطلان وربع ، فالصاع تسعة أرطال عراقيّة قديمة ، فهو ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي.

والرطل : مائة وثلاثون درهماً ، على الأصحّ ، كلّ عشرة منها سبعة دنانير.

والدينار الذهب الصنمي ، ووزنه مثقال شرعي.

١٥٢

فالرطل العراقي وهو نصف المكّي وثلثا المدني واحد وتسعون مثقالاً شرعياً. والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، فيكون الرطل ثمانية وستّين مثقالاً صيرفيّاً وربعاً.

والدرهم : ستّة دوانيق.

والدانق : ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير. فالدرهم ثمان وأربعون حبّة.

فلو بنينا الأُوقيّة المتعارفة على مقدار وزن الرطل العراقي ، لكان النصاب ثمان وعشرين وزنة وثلاث حُقق ، عبارة عن تغار وثمان وزنات ورطل. وإن بنيناها على خمس وسبعين مثقالاً ، فهو خمس وعشرون وزنة ونصف وتسع أواقٍ. وإن بنيناها على بقالي المشهد الّذي أُوقيّته مائة مثقال ، كان تسع عشرة وزنة وأربع حقق وأُوقيّتين وثلاثة أرباع أُوقيّة.

وبالمن التبريزي القديم الّذي هو عبارة عن ستمائة مثقالٍ صيرفي ثلاثمائة منّ وسبعة أمنان وثمن المنّ. وبالتبريزي العطّاري الجديد ، وهو عبارة عن ستمائة (وأربعين مثقالاً صيرفيّاً. مائتين وثمانية وثمانين مَنّ إلا خمسة وأربعين مثقالاً صيرفيّاً ، وبالمنّ التبريزي الجديد البقالي الّذي هو عبارة عن ستمائة) (١) مثقال صيرفي ، وثمانين مثقالاً ، مائتين (وستّة) (٢) وخمسين مَن إلا خمسة وأربعين مثقالاً.

وبناء معرفتها على الدنانير ؛ لأنّها أقرب للضبط من حبّ الشعير ، لشدّة اختلافه ، وأنّ الدنانير لم تختلف في الجاهليّة والإسلام على ما قيل ، ونقل فيه الإجماع (٣). لكن بعد النظر الدقيق يفرّق بين العتيق وغيره ، فتنبغي مُراعاة العتيق.

وهذا التقدير تحقيق في تقريب ؛ لأنّ الاختلاف في الجملة لازم.

ويسقط مقدار الخليط من تراب أو غيره من الوزن. وفي عدم مراعاة اليسير لو كان ممزوجاً من الأصل دون العارض وجه قويّ.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ليس في «س».

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٣٤٠ ، الحدائق ١٢ : ٨٩.

١٥٣

ويُعتبر فيها الجفاف وقت الاعتبار ، لا وقت التعلّق ، ولا بأس بالرطوبة الجزئيّة من الأصل.

ولا يُضاف شي‌ء من الأنواع إلى غيره ، وإنّما لكلّ نصاب على انفراده.

ولا تجب إلا فيما بقي منه نصاب بعد إخراج حصّة السلطان ، إماميّاً أو غيره ، أخذها بعنوان الخراج بضرب الدراهم ونحوها ، أو بالمقاسمة وأخذ الحصّة الموظّفة له ، أو باسم الزكاة.

وأمّا المؤن السابقة على التعلّق أو اللاحقة ، من بذرٍ ، أو أُجرة أرض ، أو أُجرة حفر الأنهار الصغار المتّخذة لتلك السنة ، أو تنظيف الكبار ؛ وقيمة العوامل ، والآلات ، والماء ، وأُجرة الناطور ، والوكلاء ، والمقاسمين ، والكيّال ، وأُجرة الحيوان العامل والمركوب للحفّاظ ، وما يبذل لدفع المضارّ والمفاسد أو للحفّاظ من ثياب وغيرها ممّا يتوقّف عليه حصول الغرض ، ونحو ذلك فالنصاب مُعتبر قبل إخراجها (١). وكلّما تصرّف به المالك بعد تعلّق الزكاة تتعلّق به الزكاة.

ولو شكّ في بلوغ النصاب ، بنى على العدم ، ولا يجب التفحّص. ولو علم بوجوده وشكّ في نقصانه ، بنى على البقاء ، بخلاف ما إذا علم ، وشكّ في المقدار ، فإنّه يجب عليه الاختبار. ويصدّق الوكيل في ثبوته ونفيه ، وإخراج الواجب ، ومقدار الخارج من المؤن وغيرها ، والأحوط الاقتصار على العدالة.

والحبوب والثمرات المتفرّقة زماناً أو مكاناً كغيرها ممّا تتعلّق به الزكاة يضمّ بعضها إلى بعض ، فيحصل النصاب من الضمّ (٢) في العام الواحد. ولا يضمّ شي‌ء من الأربعة إلى غيره ، بل لكلّ نصاب.

وخليط الشعير والحنطة يُلحظان فيه على انفراده مع كثرة الخليط تخميناً إن لم يعزل ، فإن عزل فما بلغ منهما النصاب وجب فيه دون غيره.

والشركاء يلحظ النصاب في حصّة كلّ على انفراده ، دون المجموع ، وإن كانوا في

__________________

(١) في «ص» زيادة : وأما اجرة

(٢) في «ص» زيادة : وإن لم يحصل من الانفراد.

١٥٤

بيت واحد ومأكل واحد ، أو كان أباً مع ولده أو زوجاً مع زوجته.

ويُعتبر النصاب حال التمرية ، والزبيبيّة والحنطية ، والشعيريّة بعد البروز من السنبل ، وما كان من ثمر النخل والعنب لا يكون تمراً أو زبيباً يلحظ بالنسبة إلى غيره.

المقصد الثالث

 في أنّ الوجوب مشروط بالدخول في الملك بملكية أرض أو بذر ، أو عمل بزراعة ، أو غرس ، أو مساقاة ، أو بابتياع ، أو هبة ، أو مهر ، أو صلح ، أو غير ذلك ، فعمّال الزروع والبساتين من نجّار أو حدّاد أو حِق أو حافظ ، ونحوهم إن ملكوا الحصّة من العين قبل التعلّق تعلّقت بهم الزكاة ، وإلا فلا ، كما إذا استحقّوا مطلقاً لا من خصوص الزرع أو من غيره فقط ، أو استحقّوا منه بعد تعلّق الزكاة ، فمن كان له سهم في أصل الزراعة من العمّال أو غيرهم ، أو حصل له ذلك قبل تعلق الزكاة باحمرار أو اصفرار أو نحوهما ، واستمرّ إلى حين التعلّق ، وجبت عليه ، وإلا فلا.

المقصد الرابع : في بيان وقت تعلّق الزكاة في الغلات الأربع

لا كلام في أنّه لا يجب إخراج الزكاة وتسليمها إلا بعد التصفية ، والأقوى أنّ تعلّقها يكون ببدوّ صلاحها ، ويحصل في ثمر النخل بالاحمرار ، والاصفرار ، وما قام مقامهما ، وفي ثمر الكرم بصدق العنبيّة ، وفي الزرع بانعقاد الحبّ بحيث يسمّى شعيراً وحنطة ، فمتى حصل ذلك في شي‌ء منها ، وكان بحيث يبلغ النصاب بعد التسمية تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ، أو بعد فرضه كذلك ، وإن لم يكن معدّاً لذلك ، تعلّقت به الزكاة.

ولو شكّ في حصول سبب التعلّق ، أو شكّ في البلوغ على تقدير التصفية ، لم يجب الاختبار والاحتياط فيه ؛ أمّا لو علم البلوغ فلا يجوز التصرّف بشي‌ء منه إلا مع الضمان. ويجوز التسليم منه على الحساب ، وإخراج الحصّة منه بالتمام ، إلى غير ذلك من الأحكام.

١٥٥

المقصد الخامس : في جنس ما يؤخذ

لا يجوز أخذ الردي‌ء عن الجيد ، ولا يجب تسليم الجيّد عن الردي‌ء ، بل يؤخذ من كلّ واحد مقدار ما يجب فيه ؛ فلا يؤخذ الجعرور (١) ، ولا معى فأرة ، ونحوهما عوض الجيّد ، والأحوط إعطاء الحصّة من الفاضل أو المساوي.

ويجوز الدفع من العنب والبسر والزرع قبل التصفية على الحساب ، ولا يجوز أن يعطي من جنسٍ من الأجناس الأربعة عوض جنس آخر ، إلا بالقيمة ، وتحتسب القيمة فترجع إلى مسألة إخراج القيمة.

ولو دفع في محلّ آخر من الجنس ، فلا بأس وإن تفاوتت القيمة ؛ وإن أعطى من القيمة ، أعطى قيمة محلّ الدفع ، والأحوط أعلى القيمتين.

والأقوى أنّ للمجتهد ومأذونه الأخذ من غير الجنس ، ويرجع إلى الصلح بالولاية. ولو اختلف الساعي والمالك في جنس المزكّى أو قيمته ، قدّم قول المالك من غير يمين ، وله الدفع من القيمة ، وإن أمكنت العين.

ولو حصلت مصلحة للفقراء بأخذ الردي‌ء جاز. ولو أخذ جيّداً فظهر رديئاً ، كان للعامل أو الفقير ردّه. ولو احتسب بالقيمة وأُضيفت إليه التتمّة ، فلا بأس.

ولا يجب الإعطاء من العين ، فلو أعطى المماثل أو الأعلى من خارج ، فلا بأس. ولو وكّل على الإعطاء في محلّ آخر ، جاز الإعطاء فيه من الجنس أو من قيمته فيه. ولو وكّل أميناً على الإعطاء ، اكتفى ، والأحوط استخباره.

المقصد السادس في القدر المخرج :

وهو «العُشر» فيما سُقي سيحاً من الماء الجاري على وجه الأرض أو في نهر أو قناة أو ثلج من عينٍ أو غيرها ، أو كان عذياً بفتح العين أو كسرها

__________________

(١) جعرور وزان عصفور نوع ردي‌ء من التمر. انظر المصباح المنير : ١٠٢ مادة جعر.

١٥٦

وسكون الذال زرع لا يسقيه إلا ماء المطر ، أو بَعلاً بفتح الباء وسكون العين النخل والشجر والزرع تشرب عروقه من الأرض من غير أن يُسقى.

و «نصف العشر» فيما سقي بالدوالي والدالية : المنجبون ، أعني الدولاب الّذي تديره البقر ، والظاهر إلحاق غير البقر بها والناعورة الّتي يديرها الماء ، وشي‌ء من خوص يشد في رأس جذع طويل ، والنواضح : وهي السواني ، والسانية : الناقة الّتي يُستسقى عليها.

وليس المدار على خصوص هذه الأشياء ، بل المراد أنّ العُشر لازم في كلّ ما لا يخرج بالآلات ونحوها. ويدخل في ذلك مضافاً إلى ما سبق ما يخرجه بالمتح (١) بدلوٍ أو بظرف غيره ، أو بغير متح ولو بكفّيه. ولا فرق بين أن يقع منه أو من غيره ، عن تبرّع أو عن أُجرة ، من غاصبٍ أو غيره.

وإذا اجتمع الأمران ، عمل على الأغلب زماناً ، لا عدداً ولا نفعاً على الأقوى ، ومع التساوي «ثلاثة أرباع العشر» ومع الشكّ يخرج «نصف العشر». والأحوط ثلاثة أرباعه ، والأحوط من ذلك «العشر».

ولو كان بعض من الزرع الواحد يسقى بالنحو الأوّل ، والبعض الأخر يُسقى بالنحو الثاني ، كان (لكلّ حكمه. ولو كان الزرع مشتركاً ، واختلف الشركاء في كيفيّة السقي ، كان) (٢) على من سقى موافق حصّته من غير علاج العشر ، وعلى الثاني نصفه. ويصدّق قول المالك في كيفيّة السقي.

ولو سقي بالماءين دفعةً ، بنهرين أو نهرٍ واحدٍ ، لوحظ الاختلاف في القلّة ، والكثرة ، والمساواة. وحكم الشكّ عُلم ممّا تقدّم.

ولو سقى زارع بالدوالي مثلاً ، فجرى الزائد على زرعٍ آخرَ من دون علاج ، احتمل فيه الوجهان ، ولعلّ نصف العُشر أقوى.

__________________

(١) المتح : جذبك الرشاء تمدّ بيد وتأخذ بيد على رأس البئر. المصباح المنير : ٥٥ ، العين ٣ : ١٩٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

١٥٧

ولو أُخرج الماء بالدوالي مثلاً على أرض ، ثمّ زرعت فكان الزرع بعلاً ، احتمل أيضاً ، والأقوى نصف العشر.

ولو سقي البعل أو العِذي بالدوالي عفواً من غير تأثير ، لزم العشر ، وبالعكس بالعكس (١). ولو شكّ في كيفيّة السقي ، هل هو من موجب العشر ، أو من غيره؟ بنى على الثاني ، والأحوط الأوّل.

المقصد السابع : في الخَرص (٢)

وهو جائز وإن كان على غير القاعدة.

ومصلحته : أنّه إن ضمن حصّة الفقراء ، جاز له التصرّف كيف شاء ، وكان الكلّ بحكمه ، ومع (٣) الضمان يكون أمانة في يد المالك ، وله أن يتصرّف بمقدار ما يُريد مع ضبطه.

ومحلّه : ثمرة النخل والكرم من غير إشكال ، ويقوى جوازه في الحِنطة والشعير فراراً من لزوم الحرج والضيق ، ويُحتمل قويّاً جوازه فيما تتعلّق به الزكاة استحباباً ممّا يدخله الكيل والوزن ، محافظةً على السنّة.

ووقته : زمان أمن الافة باحمرار واصفرار ، وصيرورة عنبٍ ، وانعقاد حبّ على الأقوى.

ولو ظهر في الخرص غبن فاحش ، كان للمغبون الرجوع. ولو كان في عدّة أُمور ، فليس له سوى فسخ (٤) الجميع.

والظاهر جواز اشتراط الخيار ، وجواز أن يقبل الساعي القبض مع الخرص عليه ،

__________________

(١) بالعكس الثانية غير موجودة في «س».

(٢) الخرص : الحرز في العدد والكيل. والخارص يخرص ما على النخلة ، ثمّ يقسم الخراج على ذلك. العين ٤ : ١٨٣ خرص.

(٣) في «ح» ، «م» زيادة : عدم.

(٤) في «م» ، «س» : مسح.

١٥٨

والظاهر أنّ التراضي شرط فيه. ولو رضي بعضُ الشركاء فقط ، خُصّ بالخرص ، ولو وقع الرضا على البعض دون البعض جاز ، وفي توقّفه على احتمال الضرر وجهان.

وفاعله الإمام أو نائبه الخاصّ أو العام ؛ لولايته على مال الفقراء. ويجوز للمالك ذلك مع تعذّرهما ، ومع عدم التعذّر الأحوط الرجوع إليهما. وإن كان القول بجوازه من المالك مع ذلك أقوى.

ولا يُشترط في الخرص صيغة ، بل هو معاملة (خاصّة ، يكتفى فيها بعمل الخارص وبيانه. ولو جيئ بصيغة الصلح كان أولى. وهو معاملة) (١) غريبة ؛ لأنّها تتضمّن وحدة العوض والمعوّض ، وضمان العين.

ثمّ إن زاد ما في يد المالك فله ، وإن نقص فعليه ، وإن تلف بآفة سماوية كلا أو بعضاً فنقص فليس على المالك. ويُحتمل القول بأنّ المالك لا يضمن ما تلف أو نقص ، ولعلّ الأوّل أقوى ، ولكلّ من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش.

ويُشترط في الخارص إن لم يكن مالكاً أن يكون عدلاً ضابطاً. واعتبار العدلين أوفق بالاحتياط.

ولو رجع الخارص من جانب الشرع عن خرصه بدعوى أنّه زادَ فيه ، قبل قوله. ولو ادّعى أنّه أجحف بالفقراء ، لم يُقبل بغير البيّنة في وجه قويّ. ولو ادّعى العلم على المالك ، كان له الحلف في نفي علمه. ولو ظهر فسق الخارص ، بطل خرصه. ولو تجدّد بعد الخرص فلا بأس. ولو زاد من ربح الزراعة على مئونة السنة ، وجب إخراج الخمس بعد إخراج الزكاة.

المقصد الثامن

في أنّه لا يرفع وجوب إعطاء الزكاة وجوب الخمس ، بل يجب فيما زاد على مئونة السنة والمصارف ، وليس على نفس حصّة الزكاة خمس ، كما أنّه ليس في حصّة الخمس

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

١٥٩

ولو بقيت معزولة أعواماً غير معيّنة لأحدٍ زكاة.

والخمس هنا أعمّ من الزكاة ؛ لأنّه يلزم الزارع ، والعامل ، والأجير ، ومالك الأرض ، ومستأجرها ، ومشتري الزرع ، وجميع من دخل في قسم المكتسبين ، والمحترفين (١). وإخراج الزكاة مقدّم على إخراج الخمس ؛ لأنّ الخمس يجب في مال المكتسب ، لا في أمانةٍ من مال الفقراء.

المقصد التاسع

أنّها لا تجب إلا بعد إخراج حصّة السلطان في مقاسمته أو خراجه أو أخذه بعنوان الزكاة ظلماً ، وبعد إخراج المؤن المتعلّقة بزرعه الّذي تعلّقت به الزكاة ؛ من تنقية الأنهار الكبار ، والقنوات ، وسدّ الثلَم ، وقيمة البذر إن أخذ بالثمن ، وعينه إن لم يكن بالشراء ، وأُجرة اللّقاح والتكبيس ، والتركيس ، والتعكيس ، والنواطير ، والمقاسمين ، والكيّالين والوكلاء ، والكتّاب ، وأُجرة الأرض ، وقيمة الآلات ، والعوامل ، وما يُعطى لدفع الظلم ، ويوضع للهيبة ، ولاعتبار حفظ الزرع ، كإكرام الضيوف ، وأُجرة الحفّاظ ، والدواب المستأجرة ، وأُجرة العمّال ، كالحلاقين ، والنجّارين ، والحصّادين ، والدوّاسين ، والحدّادين ، حيث لا يكون لهم سهم بالزرع متقدّم على وقت تعلّقها ، وجميع المصارف المتعلّقة قبل التعلّق وبعده ممّا عدا ما اتخذ للانتفاع به على الدوام ، كحفر القنوات والأنهار الكبار ، وبناء الجدران ، و (فراخ) (٢) الأشجار ، ونحوها.

ولا يُحتسب منها ما ازداد على المُتعارف ، وبذل ما لا يُحتاج إليه ، وما دفعه إلى السلطان مع عفوه عنه ، وما بذل من قيمة أو أُجرة زائدَين لعدم التفحّص ، وما تبرّع به من عمل أو مال أو تبرّع به غيره ، ولا ببذرٍ نبتَ لنفسه أو أعرض عنه صاحبه. ولا تخرج المُؤَن في غير الغلّات.

__________________

(١) في «ص» زيادة : بخلاف الزكاة.

(٢) في «م» ، «س» : إخراج.

١٦٠