كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

وإذا خاف من الطول قصر في الكيف ، فينقص ما شاء من الإتيان به من السورة. ثمّ من الفاتحة ، ثمّ تركها ، ثمّ الاقتصار على ما أمكن من الركوع أو السجود ، إلى أن ينتهي الحال وقت القتال إلى عدم التمكّن إلا من التكبير ، فيبدل كلّ ركعة بتكبيرة ، ولا تلزمه مُراعاة القبلة مع عدم التيسر ، وتلزم مُراعاتها في تكبيرة الإحرام إن أمكن.

ثامنها : أنّه إذا كان في بدنه أو بعض ثيابه نجاسة ، ولم يتمكّن من الغسل ، أو لبس البدل ، صلّى بها ، وجاز له التعرّي إن أمكن.

و (١) إذا كان الماء عنده أو قريباً منه ، وخاف من استعماله ، تيمم بالتراب ، ثمّ بالأرض الخالية منه ، ثمّ بغبار السرج والرحل ، ثمّ بالطين ، ثمّ بالثلج احتياطاً.

تاسعها : أنّه يجوز لبس ما لا تجوز الصلاة به في الصلاة ، من حريرٍ ، وذهب ، وجلد ميتة ، ونجس العين ، وغير مأكول اللحم ، ولباس الغصب ، ونحو ذلك حيث يتوقّف الجهاد على اللبس ، وكان مُتعيّناً ، دون غير القسم الأخير.

ويجوز لبس الحرير لإرهاب العدوّ وإخافته.

عاشرها : أنّه يجوز التوصّل إلى دفعهم بجميع أنواع الحِيَل ، من إرسال الرسل ، والمكاتيب الكاذبة الدالّة على هرب المسلمين ، وقلّتهم ، وذلّتهم ؛ ليأمنوا ، ويتركوا الحذر ، حتّى تقع عليهم جنود المسلمين ، وهم غير مُستعدّين.

وبحفر آبار ، ونحوها ، وطم أفواهها ، حتّى إذا توجّهت جنودهم ، ووصلوا إليها وقعوا فيها ، وبإحراقهم ، كأن يضعوا تحتهم مكاناً خالياً من دون شعورهم ، ويضعوا فيه البارود ، ويضعوا فيه النار.

وبإغراقهم بالماء ، وبإدخال السم في طعامهم ، وشرابهم ، وهدم الحصون ، واستعمال المنجنيق ، وغير ذلك. والاقتصار على الحرب بالنحو المتعارف أولى.

حادي عشرها : أنّه لا مانع من مُقاتلتهم وفيهم مسلمون لا يمكن عزلهم عنهم ، سواء كانوا مجبورين أو مختارين. ولو عُرف المسلم بعينه ، وعلم أنّه مقوّم للكفّار

__________________

(١) في النسخ : وإلا.

٣٨١

ومؤيّد لهم ؛ جاز قتله.

ثاني عشرها : أنّه إن ظنّ أنّهم يندفعون بالقول بحيث لا تزيد جرأتهم على المسلمين ، قدّمه على غيره حفظاً.

وإن ظنّ أنّ الكلام الخشن والتهديد والتخويف يدفعهم ، أتى به ، واقتصر عليه. وإن ظنّ عدم التأثير ، أو زيادة جرأتهم ؛ قدم السيف.

ثالث عشرها : أنّه لو أمكن التحصّن منهم بالقلاع ، وحفر الخنادق ، مع استيلائهم على أرض المسلمين أو مع خوف بقائهم ، فيؤول إلى كسر بيضة الإسلام ، لم يجز ذلك ، وتجب مقاتلتهم ، والخروج إليهم لحفظ بيضة الإسلام.

رابع عشرها : أنّه يجب على العلماء إعانة الرئيس المتوجّه لدفع الكفّار ، وحفظ بيضة الإسلام ، مع ضعف المسلمين ، ووعظ الناس ، ونصحهم ، وأمرهم بالمعروف ، والاجتهاد في الجهاد.

ومن خالف ، وقدروا على تعزيره ، عزّروه ، وإذا توقّف على الضرب ضربوه.

وأن ينادوا في الناس : أين غيرة الإسلام ، والمجتهدون في نصرة خاتم الأنبياء أين الآخذون بثار شهيد كربلاء.؟ أيّها الناس ، الدنيا دار فناء ، ليس لكم فيها مقرّ ، والموت أمامكم ، ولا خلاص لكم منه ، فبيعوا أنفسكم برضا الله ، والجنّة ، قبل أن تموتوا مع الخيبة ، والخسران ، والحرمان من الجنّة ، ونعيمها ، والحور ، والولدان.

خامس عشرها : أنّه كما يجب على الرئيس المُطاع نظم الجنود والعساكر ، وجعل كلّ في مقامه المناسب له ، كذلك يجب عليهم استماع كلامه ، وإذا حصل له اشتباه ، وجب عليهم تنبيهه.

ويجب عليه الاحتياط في حفظهم ، وأن لا يتقدّم في الحرب إلا مع الاضطرار ؛ حذراً من حدوث علّة ، فتنكسر شوكة المسلمين.

سادس عشرها : أن يجعل له من أصحاب الرأي ، والتدبير ، والديانة ، والأمانة جمعاً يستشيرهم في الأُمور ، فإنّ من استشار ضمّ إلى عقله عقولاً أُخر.

سابع عشرها : أن يُكثر البشاشة والتبسّم في وجوه أصحابه ، ويزيد اللطف على من له مزيّة على أصحابه ، ويكثر اللوم على من قصر في المحاربة أو فرّ ؛ ليقع المجاهدون في الغيرة.

٣٨٢

ثامن عشرها : أنّ يتخذ خطيباً واعظاً ينادي عسكر المسلمين ، ويزهدهم في الدنيا ، ويرغّبهم في الجنّة ، وحورها ، وقصورها ، ويبيّن لهم مراتب الشهداء وقُربهم عند باسط الأرض ورافع السماء.

تاسع عشرها : أن يجعل الحرّاس في جميع أطراف العسكر ، حوله ، وبعيداً عنه ؛ حذراً من هجوم العدوّ ، (١) بحيث يبقى بعد وصولهم ، وقبل وصول العدوّ ، (٢) فرصة تأهّبهم واستعدادهم.

العشرون : أنّ لهم أن يتوصّلوا إلى إذلال العدوّ بما شاؤوا من الطرق ، كقطع الشجر ، وسدّ المياه ، وسدّ طرق المؤن ، وهكذا.

ويأتون بما أمكن من الحِيَل من إظهار القلّة في الجنود ، وتفريق العساكر ، والموعد معهم في وقت مخصوص ، فيهجموا عليه بجملتهم ، أو يظهروا حصول الخُلف بينهم ، وقيام العداوة ، وتفرّق الكلمة أو بالخروج في الليل ، للهجوم على العدوّ ، مع إبقاء الفوانيس والنار المضرمة في الخيام ، ليزعم العدوّ أنّهم فيها.

أو بإرسال من يمكنه الوصول إليهم ؛ ليخبرهم بضعف المسلمين أو قوّتهم على نحو ما تقتضي المصلحة.

أو بإرسال من يظهر الحرب من المسلمين ، وعداوته معهم ، فيجعلهم إلى مكان ، ويكون بينه وبين المسلمين موعد في وقت معيّن ، حتّى يدور عليهم الدوران.

الحادي والعشرون : أنّه ينبغي للرئيس المُطاع إذا علم توقّف التسلط على الكفّار على أن يأمر جنوده وعساكره أن يلبسوا لباس الكفّار ، أمرهم بأن يلبسوا لباسهم ، ولا يجوز لهم التخلّف عن قوله ، واتّباع قوله.

الثاني والعشرون : أنّه ينبغي للرئيس المُطاع أن ينصب للعسكر رؤساء ، مترتّبين ، ويأخذ عليهم العهد والبيعة ، على أنّه إن فقد الأوّل لا يحصل فيهم اختلال ، ويكونون

__________________

(١) في «ح» زيادة : : ويكون.

(٢) في «ح» زيادة : و.

٣٨٣

مع الثاني ، كما كانوا مع الأوّل على تلك الحال ، ويجري على هذا المنوال.

الثالث والعشرون : أنّ الحرب فيما عدا القسم الأخير لا يختصّ بالواحد مع العشرة فما دون ، ولا بالواحد مع الاثنين ، بل يتبع مظنّة القدرة ، ولا يحدّ بمرّة في السنة ، ولا أقلّ ، ولا أكثر.

وفيما يتعلّق بالدفع عن العرض أو النفس لا يفرّق بين الرجال ، وغيرهم عليه ، مع الإمام أو بدونه في إجراء حكم الشهيد من عدم وجوب تغسيله.

الرابع والعشرون : أنّه لا مانع من قتل النساء ، والصبيان ، والمجانين ، والمرضى ، والمشايخ الفانين من الكفّار إذا كانوا معهم في الحرب ، تترّسوا بهم أو لا ، إذا أخلّ عزلهم بطريقة الحرب ، وكلّ من قاتل يقتل ، وكذا من كان دليلاً أو مُعيناً برأي أو فتنة ، ونحو ذلك.

الخامس والعشرون : أنّه لا مُؤاخذة في قتل المسلمين إذا دخلوا مع الكفّار وتترّسوا بهم ، وكان عزلهم مُخلا بإقامة الحرب ، ولا قصاص في قتلهم ، ولا دية ، ولا كفّارة على القاتل ، ويؤدّى من بيت المال.

السادس والعشرون : أنّه يجب دفن المقتول من المسلمين في المعركة ، مع اليقين بدخولهم في القتلى ، وترك الكفّار.

وإذا حصل الاشتباه ، فرق بين كميش الذكر وغيره كما مرّ. والأحوط دفن الجميع ؛ احتراماً للإسلام ، ولا اعتبار بالقرعة.

السابع والعشرون : أنّه يُستحبّ مؤكّداً المُرابطة ، وهي الإرصاد في قُرب مواضع الكفّار ؛ خوفاً من هجومهم بغتة على المسلمين والظاهر وجوبها كفاية مع ظنّ حصول الضرر بدونها ، مع الخوف المُعتبر.

ويُعتبر المقدار الذي تحصل به الثمرة ، ويترتّب عليه الغرض ، وأقلّه ثلاثة أيّام ، وأكثره أربعون يوماً ، وكلّما زاد ، زاد أجره. وسكان (١) الحدود إذا أعدّوا أنفسهم للإعلام ، رزقوا ثواب المُرابطين.

__________________

(١) في النسخ : مكان.

٣٨٤

ويجري حكم المرابطة ، مع حضور الإمام ، وغيبته ، ولا حاجة فيه إلى طلب الإذن.

ويلحق بها بتحصيل الثواب من أعدّ جواسيس ، يذهبون إلى الحدود ، ويخبرون حال العدوّ ، ويتوقّعون وصول الخبر إليهم بأحواله ، من ضعف وقوّة وعزم على غزو المسلمين وعدمه.

ومن يعدّ بعض خدّامه ، وغلمانه أو خيله أو بعض دوابّه للمُرابطين ، ومن فعل ذلك ، لنفع المجاهدين من عسكر المسلمين ، فله ذلك الأجر العظيم. وكلّما زاد في حُسن المدفوع ، وزيادة قابليّته ، أو اشتدّت الحاجة إليه ، زادَ أجره بمقدار زيادة قابليّته ، والحاجة إليه.

الثامن والعشرون : أنّه يجب على كلّ ذي رئاسة في إقامة جنود أو سياسة عساكر أو أمر أو نهي في الرعيّة على نحو يوافق الشريعة من السلاطين وغيرهم أن يُعلم من حُسن سيرته أنّه مأذون من صاحب السلطنة الإلهيّة ، الذي نصبه حاكماً على الخلق ربّ البريّة صاحب الزمان أطال الله بقائه ، وجعلني فداءه ، وعجّل فرجه أو من المنصوبين عنه على وجه العموم ، من المُجتهدين الحافظين للشريعة المحمّدية.

التاسع والعشرون : أنّ من علم الإذن له بسبب قابليّته ، كان له منع من عداه من الرئاسة ، فلو أنّ بعض من لم يكن له قابليّة أراد التقدّم في أمر الرئاسة ، وليس له قابليّة السياسة ، كان ظالماً للمقتول ، مُخلا في النظام ، باعثاً على كسر شوكة الإسلام.

الثلاثون : أنّه ينبغي للمُجاهدين حُسن التوكّل على الله ، والاعتماد والوثوق به ، والاطمئنان بقوله تعالى (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) (١) وأن لا يعتمدوا على قوّتهم وأسلحتهم ، وكثرتهم ، وحسن تدبيرهم ؛ فإنّ الله حسب من توكّل عليه ، واستند إليه.

الحادي والثلاثون : أنّه يجب على من قامَ هذا المقام ، ورأى أنّه منصوب (٢) من

__________________

(١) البقرة : ٢٤٩.

(٢) في النسخ : مطلوب.

٣٨٥

الإمام والعلماء الأعلام أن يحسن سيرته بالعدل في الرعيّة ، والقسمة بالسويّة ، وأن يساوي شفقته وحُسن سيرته بين العدوّ والصديق ، والقرابة والغريب.

ويتحذّر من تلبيس العمّال الذين يصوّرون له صورة الحرام بصورة الحلال ، وينصرون الظالم على المظلوم بأخذ القليل من المال.

فما الرعيّة إلا غنم لها صاحب ، هو الله ، قد أحال التصرّف فيها إلى الأنبياء ، والأئمّة ، ثمّ جعلت أمانة في يد الأُمراء ، وصاروا رُعاتها ، ولها حساب بعدد معدود ، فيطلب منهم المُحافظة عليها ، وعلى منافعها ، من نتاجها ، وصوفها ، وألبانها ، وأدهانها ، وأذنوا لهم بالتصرّف ببعض فوائدها على مقدار حاجتهم ، وأخذوا عليهم حفظها من الذئاب ، فمتى قصّروا في شي‌ء من ذلك ، استحقّوا المؤاخذة من المالك. ومن أعظم الذئاب شرار العمّال ، الذين لا يفرّقون بين الحرام والحلال.

الثاني والثلاثون : أنّه ينبغي لرئيس عسكر المسلمين أن يأمرهم بحسن النيّة ، والاعتماد على ربّ البريّة ، والمُحافظة على طاعة الله ، وقراءة التعويذات ، وآيات الحفظ ، والدَّعوات المشتملة على طلب النُّصرة والظفر من الله ، وحمل الهياكل والعُوذ وتربة سيّد الشهداء ، إلى غير ذلك من الأشياء.

الثالث والثلاثون : أن يرفعوا الأضغان والعداوة فيما بينهم ، ويكونوا كنفس واحدة ، ويتناسون ما وقع بينهم من الفتن ، ويروا أنفسهم كأنّهم خلقوا الان من كتم العدم. وإذا وقعت بينهم فتنة ، تداركوها بالإصلاح ؛ لئلا يطمع بهم عدوّهم.

الرابع والثلاثون : الدعاء عند التقاء الصفّين بالمأثور ، ومنه دعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم مُنزل الكتاب ، سريع الحساب ، مجري السحاب ، اهزم الأحزاب ، يا صريخ المكروبين ، يا مُجيب دعوة المضطرّين ، يا كاشف الكرب العظيم ، اكشف كربي وغمّي ؛ فإنّك تعلم حالي ، وحال أصحابي» (١).

__________________

(١) الجعفريات : ٢١٧ ، مستدرك الوسائل ١١ : ١٠٩ أبواب جهاد العدوّ ب ٤٦ ح ١٧ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٩٥ ح ١٦٧٨ ، التاج الجامع للأُصول ٤ : ٣٧٠ بتفاوت.

٣٨٦

الخامس والثلاثون : أنّه يحرم الفرار عند التقاء الصفوف ، مع مظنّة الظفر بالعدوّ ، ومع الشكّ في ذلك.

الفصل الرابع : في المرابطة

الرباط فيه فضل كثير ، وثواب جزيل ، روى سلمان عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات ، جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتّان (١) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ كلّ ميّت يختم على عمله ، إلا المُرابط في سبيل الله ، فإنّه يدوم له عمله إلى يوم القيامة» (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عينان لا تمسّهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام في ليلها ويُصام في نهارها» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار.

ويختلف مراتبه في الفضل ، فالمرابط بنفسه وماله وعياله مع عدم الحرب عليهم أفضل الأقسام ، ثمّ النفس وحدها ، ثمّ المال وحده من العبيد والخيل والإبل ونحوها ، ثمّ الأُجراء.

وكلّما كان أكثر نفعاً أو أكثر عدداً أو أعلى وصفاً أو أعلى قيمة ، كان أكثر ثواباً. وكلّ ثغر أكثر خطراً ، والمجاورون له من الكفّار أشدّ بأساً ، يكون الرباط فيه أفضل. وكلّما اشتدّ الاحتياج إليه ، زاد فضله.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ١٨٣ ح ٧ ، صحيح مسلم ٤ : ١٦٩ ح ١٩١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٢٤ ح ٢٧٦٦ ، ٢٧٦٧ ، كنز العمّال ٤ : ٢٩٤ ح ١٠٥٦٣ بتفاوت يسير.

(٢) كنز العمّال ٤ : ٣٢٨ ح ١٠٧٤٣ ، رياض الصالحين : ٣٦٦.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٩٧ ح ١٠٥٧٤ ، رياض الصالحين : ٣٦٩.

(٤) كنز العمّال ٤ : ٢٩٧ ح ١٠٥٧٢ ، ١٠٥٧٣.

٣٨٧

وإن توقّف عليه حفظ بيضة الإسلام أو نجاة المسلمين ، وجب كفاية ، فتجب طاعة الإمام مع حضوره ، والمتولّي لمقاتلة الكفّار من أُمراء المسلمين مع التعيّن (١).

والمرابطة الموظّفة لا تنقص عن ثلاثة أيام ، ولا تزيد على أربعين ، ولكن لو زاد زاد الأجر ، ولو نقص نقص ، ولا تدخل الليلة الأُولى ، والأخيرة منهما ، والمنكسر في البداية يكمل من الغاية.

وكلّما زاد في التفحّص عن حال المشركين ، وكثر به الإخبار عن أحوالهم على المسلمين ، كان ثوابه أعظم.

ولو اشترك اثنان أو أكثر في عبد أو دابّة تشاركا في الأجر على نسبة السهام. ولو ارتفع العدوّ بطلت المُرابطة ، ولو نقصت عن ثلاثة أيّام.

ولو زاد المُرابطون على قدر الحاجة ، فإن ترتّب على الزيادة ضرر ، اقتصر على مقدار الحاجة.

وفي إعانة المرابطين بالإنفاق وإعطاء السلاح ثواب المرابطة.

وقد يزيد فضل المرابطين في زمان الغيبة مع الأُمراء ، والحكّام لحفظ بيضة الإسلام ، أو لحفظ دماء المسلمين أو أعراضهم من الكفرة اللئام على المُرابطين ، بل المُجاهدين مع الإمام لمجرّد جلب الكفّار إلى الإسلام.

وينبغي للقائم بتدبير عساكر المسلمين أن يوزعهم على الثغور ، على وجه يندفع به المحذور. ويجب على المُرابطين طاعة رئيس المسلمين.

وإذا احتاج المرابطون إلى ضمّ بعض الكفّار إليهم مع الأمن منهم ، فعلوا ذلك.

وإذا افتقروا إلى بناء الحصون أو حفر الخنادق ، فعل لهم وصرف في ذلك وجه الزكاة والخراج ونحوهما.

ويشارك الرباط في الثواب إن لم يكن منه الإقامة في مكان لحفظ بعض المسلمين من السرّاق أو بعض المضارّ ، وربّما زاد أجره عليه لبعض العوارض.

ولو ألزم نفسه بمُلزم من نذر أو شبهه برباط مُطلق أو مقيّد بمدّة معيّنة ، فذهب العدوّ

__________________

(١) في «ح» : التعيين.

٣٨٨

قبل الدخول فيه ، انحلّ ولو كان بعد الدخول في المدّة ، انحلّ فيما بقي.

ولو استؤجر عليه في مدّة معيّنة ، فذهب العدوّ قبل الدخول فيه ، انفسخ من أصله ، وبعد الدخول ينفسخ فيما بقي ، ويأخذ من الأُجرة مقدار ما عمل ، وإن تمّ أخذ تمامها ، ولا يجب ردّها عليه ، ولا على وارثه إن مات.

وليس للمُرابطين إقامة الحرب بغير إذن الإمام أو منصوبة في ذلك المقام في الجهاد الباعث على الجلب إلى الإسلام.

وأمّا ما كان لحفظ بيضة الإسلام ، أو حفظ المسلمين من أعداء الدين ، فيجوز لكلّ أحدٍ ، بل يجب ويلزم الاستئذان من رئيس عساكر المسلمين إن كان.

وإذا وجب الجهاد والرباط كفاية ، ولم يقُم به أحد ، لم يجُز أخذ الأُجرة عليه.

ولو قامت الحرب بين المُرابطين ، والكفّار ، كان المقتول منهم من الشهداء ، ويجري عليه حكم الشهيد في التجهيز إذا قتل بين الصفين.

وما وقع به الرباط من غلام أو فرس ونحوهما باقيان على حكم المالك ، وإن جعل وقفاً على المُرابطين استمرّ باستمرار الرباط وإن انقطع الرباط كان الوقف حبساً ، ورجع إلى ملك الحابس ثمّ ورّاثه.

ويُستحبّ اتخاذ السوّاعين المُجدّين في السير ، والخيل السريعة ، حتّى إذا حدث عندهم أمر وصل سريعاً إلى المسلمين. وإن أمكنهم اتخاذ الطيور المُعلّمة لأنّها أسرع وصولاً كان أولى.

وأولى من ذلك اتخاذ طبول وآلات ذوات أصوات عالية في مواضع متعدّدة في جهة واحدة أو متعدّدة ، ليسمع الأوّل الثاني ، ثمّ الثاني الثالث ، وهكذا.

وفوق ذلك أن يكون بينهم ، وبين باقي المسلمين علامات ، كالات يجعل فيها نار تتصاعد إلى جوّ السماء ، فيراها القريب ، ثمّ منه إلى مَن بعده ، وهكذا.

أو إيقاد نار على مواضع مرتفعة ، فيراها القريب ، ثمّ يصنع مثل ذلك ، وهكذا ، إلى غير ذلك.

وينبغي للمُرابطين أن يلبسوا لباساً ، ويركبوا أفراساً ، ويضعوا لهم معلّماً يعلّمهم

٣٨٩

كيفيّة الحرب والضرب.

وينبغي لرئيسهم أن يختبر أسلحتهم في أكثر الأوقات ، ويتعرّف حالهم في معرفتهم بالضرب ، ويمتحنهم ببعض الأخبار ، ويزيد الراجح منهم في التواضع ، والدرهم والدينار.

وكلّ من وطّن نفسه على إيصال الأخبار ، فله فضل المُرابطين ، وإن لم يكن معهم ، لكنه لا يستحق ممّا جعل نذراً لهم ؛ لخروجه عن حقيقتهم.

الباب السابع : في الغنائم

وفيها فصول :

الأوّل :

في أنّ المُباحات إذا لم تَسبِق عليها يد مالك من نباتات ، وأشجار ، وما في حكمها من كماً ، وحيوانات بحر أو برّ ، وأطيار ، ونحوها لا تدخل في أحكام الغنائم ممّا يشترك فيه المجاهدون ، بل يختصّ كلّ من حازه.

نعم إذا حازه الكفّار ودخل في أموالهم ، ولم يخرج عنهم بالإعراض منهم دخل في حكم الغنائم.

وإذا شكّ في تملّكه ، وظهرت عليه أمارات التصرّف ، كشجر مقطوع ، وعسل مجموع ، وطير مقصوص ، حكم بملكيّته ، واحتسب غنيمة ، وإلا حُكِمَ ببقائه على أصله.

ولو ملكوا شيئاً ، وأعرضوا عنه ، جرى عليه حكم المُباح ، ولو شكّ في إعراضهم عنه ، جرى عليه حكم أملاكهم.

الفصل الثاني : في الأُسارى المملوكين بالأسر

وهم قسمان :

أحدهما : الذراري ، من الذكور الذين لم يبلغوا حدّ التكليف ، والمجهولين الذين

٣٩٠

لا يمكن الاطّلاع على حالهم ، فيحكم بعدم بلوغهم.

ثانيهما : النساء والخناثى المُشكلة ، والممسوحون ، من غير فرق بين البالغ منهم وغيره ، ولا بين الصغير والكبير ؛ فإنّهم يملكون بالأسر والقهر ، دون مجرّد النظر أو وضع اليد.

ولا يُشترط استمرار القهر ، فيبقى على الملك إذا فرّ.

ولو قبضه المسلم أو حمله على ظهره ، أو على دابّته من دون قهر ، بانياً عدم تملكه أو واكلاً إليه الأمر ، لم يملكه.

وإذا حصل القهر ، قضي بالملكيّة ، وإن لم تكن بيّنة على الأقوى.

كلّ ذلك إذا كانوا من ذراري الكفّار الحربيّين ، غير المعتصمين إلا إذا خصّ الاعتصام بما عداه من الأحكام.

وحال الاعتصام العام كحال الإسلام ، وحال المتشبّثين ، واعتصام الأب ، وتشبّثه ، كحال إسلامه يسري إلى الذراري ، ويُعتبر حصوله في رأي مقطع (١) من الزمان كان ، من حين انعقاده إلى حين بلوغه ، ويسري من الأجداد والجدّات أيضاً ، فتكون السراية من الأعلى إلى الأسفل ، دون العكس ، واعتصام الذراري بعصمة الأُمّ تتّبع الشرط.

ولو شكّ في البلوغ ، اعتبر ببلوغ العدد إن أمكن أو بوجود الشعر الخشن على العانة. ويُعتبر باللمس وبالنظر ما لم يستلزم النظر إلى العورة ، ومع انحصار الطريق ، والتوقّف عليه لا مانع منه. ولا اعتبار باخضرار اللحية أو الشارب ، وبالشعر الخشن تحت الإبط ، وحول الدبر ، وعلى الصدر ، أو اليدين ، أو الرجلين ، ولا بغير ذلك من الرائحة الكريهة في المَغابن ، وغلظة الصوت ، وانتفاخ الثدي ، وشدّة الميل إلى النساء ، إلى غير ذلك ، إلا مع إفادة العلم.

والخُنثى المشكل والممسوح يُعتبر عدد بلوغ الذكر. وفي الشعر يُعتبر محلّ العانة

__________________

(١) في النسخ : فرأى مقلّد.

٣٩١

في الأوّل ، ودَوره على الفرجين في الثاني.

ولو تعلّل باستناد الشعر إلى العلاج ، لا إلى الطبيعة ، لم يُقبل منه إلا مع قرينة دالّة على تصديقه.

وتسترقّ نساء الكفّار الذين أسلموا قبل الظفَر بهم. والحمل من المسلم إن كان زوجاً أو مُسترقّاً لا يمنع من ملكها ، إلا أنّ الولد لا سلطان عليه.

وينفسخ النكاح بأسر الزوجة ، كبيرة أو صغيرة ، أُسر زوجها أو لا ؛ وبأسر زوجها الصغير ، أُسرت أو لا ؛ وبأسر الزوجين ، كبيرين أو صغيرين ؛ وباسترقاق الزوج الكبير ، لا بمجرّد أسره.

ولو أُسرت زوجة الذمّي ، بطل النكاح إلا مع الشرط ، ولو كانا مملوكين تخيّر الغانم ، ولا ينفسخ حقّ المسلم في المنافع بإجارة أو جعالة أو صلح ، أو بوجوه أُخر من رهانة أو حجر فلس أو حقّ خيار أو شفعة دار ونحوها.

ولا يسقط دَين المسلم ، والذمّي ، وسائر المُعتصمين ، والمتشبّثين عن الحربي بالاسترقاق ، إلا أن يكون الدين للسابي ؛ إذ لا يكون لصاحب المال على ماله مال.

ويقضى الدَّين من ماله المغنوم إن سبق الرقّ الاغتنام ؛ لتقدم الدَّين على الاغتنام ، وبالعكس يُطالب به بعد العتق.

ولو اقترنا ، فالأقوى تقديم حقّ الاغتنام ، ويطلب بعد العتق.

ولو صولح أهل المرأة المسبيّة على إطلاقها بإطلاق أسير مسلم ، فأطلقوه ، لم يجز إعادتها.

ولو كان بعوض جاز ، ما لم يكن استولدها مسلم.

والطفل المسبيّ تابع لإسلام أبويه ، فإن أسلم أحدهما ، تبعه في الإسلام ؛ وإن سبى مُنفرداً ، تبع السابي في الإسلام.

وكلّ حربيّ أسلم في دار الحرب أُلحق أولاده به الذين لم يكن سبيهم قبل إسلامه ، دون زوجاته وأولاده الكبار ، وحقن دمه ، وعصم ماله المنقول ،

٣٩٢

دون الأرضين والعقارات ، فإنّها للمسلمين ، كما سيجي‌ء ، وحَمل المسبيّة يتبعها في الملك.

ولو كانت كافرة ، ووطئها المسلم بالزنا ، أو شكّ في الحمل بأنّه من المسلم أو الكافر حكم بملكه التبعي. ولو سُبيت امرأة ، فلحقها ولدها ، فأسره غير من أسر الأُمّ كان لمن أسره.

ولو أُسرت مع ولدها ، كره التفريق بينهما ، ولا يجوز لمن أسر امرأة أن يطأها أو يمسّها أو ينظرها بلذّة وشهوة مع دخولها في الغنيمة ؛ للاشتراك فيها.

ولو اختصّت به ، فلا يجوز وطؤها في الفرج قبل الاستبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوماً إن كانت من ذوات الحيض ، إلا إذا علم عدم وطئها ؛ لعدم قابليتها ، أو كانت لامرأة ، أو يائساً ، أو حائضاً ، أو حاملاً.

لكن لا يجوز وطء الحامل ، إلا أن يعلم أنّه كان من زنا ، ولو أخبر الثقة على فرض إمكانه جاز ، ويجوز ما عداه على إشكال.

ويجوز الصلح عن حقّ بعض الغانمين من الأُسراء بشي‌ء بعد الاغتنام دون بيعه ، لنظر الرئيس فيه ، وفيما قبل الاغتنام إشكال.

وأمّا النذر ، والعهد ، واليمين فتصحّ في الحالين ، ولو فرّ الأسير بعد الأسر والتملّك ، فوجد في غنيمة أُخرى لمجاهدين أُخر ، كان للأوّلين.

ولو ادّعى الإسلام السابق على الاغتنام قُبل ، وإن ادّعاه بعده لم يقبل.

ولو أثبته قوم ، فقبضه آخرون ، كان للمُثبتين على إشكال.

وحكم الأُسراء حكم باقي الأموال ، يخرج منها الخمس بعد إخراج المؤن ، ويجعل نصفين : نصف لبني هاشم ، ونصف لصاحب الأمر روحي فداه.

وهذا القسم يجب تسليمه بيد المُجتهد ؛ لأنّه وكيل الإمام ، ولو عصى الرئيس ولم يؤدّ ، واشترى منه أحد ، أو اتّهب ، حلّ له.

ولو كان في الأُسراء من يُعتق قهراً على من أسرَه ، عتق نصيبه منه ، وقوّم باقيه عليه في وجه قويّ ، ولا يُعتق على غيره.

٣٩٣

الفصل الثالث : فيما لا ينقل كالأراضي وما يتبعها من سقوف ، وبنيان ، وبيوت ، وجدران ، ومياه ، وأنهار ، ونخيل ، وأشجار ، ونحوها ، وهي أقسام :

الأوّل : أرض من أسلم أهلها طوعاً قبل الاستيلاء عليها ، وهي لهم ، وليس عليهم سوى الزكاة مع الشرائط ، والخمس في فوائدها على نحو غيرها من أراضي المسلمين.

ولو أسلمَ بعض من أهلها ، وبعض لم يُسلم ، جرى على كلّ حكمه.

ولو أسلموا بعد الاستيلاء ، خرجت من أيديهم. ولو تركوها ، وذهبوا عنها ، كانت للمسلمين.

ويعتبر في الإسلام الإقرار بالشهادتين ، مع التوحيد في الأُولى ، ويكفي الإطلاق في الثانية.

ولو صرّح بنفي التوحيد في النبوّة ، لم يدخل في الإسلام.

ولو كان كفره بسبب تخصيص في أمر التوحيد والرسالة ، كأن زعم أنّ الله ربّ الإنس أو الجنّ فقط ، أو أنّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَبعوث إلى العربِ فقط ، توقّف الإسلام على التعميم.

وكذا لو كان بسبب الاشتراك في الرسالة توقّف على نفي الشريك ولو كان مع إنكار ضروري كنفي الملائكة والأنبياء ، ونفي وجوب الصلاة مثلاً توقّف على إثباته. ولا يجب الفحص عن حال الصفات ، ثبوتيّها وسلبيّها.

نعم لو صرّح بنفي ما يتوقّف التوحيد على إثباتها أو إثبات ما يتوقّف على نفيها لم يكن مسلماً.

الثاني : الأرض التي ترك أهلها عمارتها للمسلمين كانت أو للمعتصمين أو للمتشبّثين ، فإنّ للإمام أن يسلمها بيد من يعمرها ، ويأخذ طسقها ؛ وهو ما ينبغي أنّ يقرّر عليها لأربابها. ولو منعهم عنها مانع ، جاز له ذلك أيضاً ، وليس لأربابها منعه عنها.

٣٩٤

الثالث : الأرض الموات بالأصل ، وما في حكمها من أرض خربة أو رؤوس الجبال ، أو بطون الأودية ؛ فإنّها للإمام في أيّ أرض كانت.

ويُعنى بها : ما لا قابليّة لها للتعمير بالفعل ، لبُعدها عن الماء ، أو ارتفاعها عنه ، أو لغلبته عليها ، أو لاستيجامها ، أو كثرة نبتها أو شجرها ، أو غلبة الرمل أو التراب عليها ، بحيث يستدعي تعباً كلّياً في إحيائها. والمدار على ما يُسمّى مواتاً.

ثمّ إنْ أحياها مُحيي كائناً من كان بعد الغيبة ، كانت ملكاً له ، يملكها من شاء ، ويوقفها ، ويجري أحكام الملك عليها.

ومثلها الأرض الحيّة في نفسها كالأراضي الخارجة في بُطون الأنهار ، أو الّتي تخرّبها الأمطار ، أو الرطوبة السارية إليها من بطن الأرض ، ونحو ذلك.

فإنّ كلّ من عمل بها عملاً كان أولى بها.

ويتحقّق الإحياء بأنحاء مُختلفة على ما يُناسبها ، ففي المزارع بالإصلاح ، أو حفر الابار أو الأنهار ، أو التسوية ، أو رفع الشجر أو الماء الغامر لها ، ونحو ذلك.

وفي المساكن بالبناء والتسقيف بخشب أو حُصُر أو نبات ونحوها ، ولا يشترط نصب الباب.

وفي الغرس بنحو ما في الزرع.

ولو فعل دون ذلك ، بإدارة حفر ، أو وضع أحجار دائرة عليها ، أو نحو ذلك ، كان تحجيراً مُفيداً أولويّة ؛ لا ملكاً ، فلا يصحّ بيعه ، ولكن يورث كسائر الحقوق.

نعم لو كان في أرضٍ حيّة في نفسها ، قوي القول باقتضائه التمليك ، ويصحّ الصلح عليه.

ولو أهمل الإتمام ، فلوليّ الأمر إلزامه بالإحياء ، أو رفع اليد عنها ، ولو امتنع ، أذنَ لغيره فيها ؛ فإن اعتذر بشاغل ، أُمهل مدّة يزول بها العُذر.

ولو نصب بيتاً من الشعَر أو خيمة ، كانَ له الأولويّة ، ولا يثبت لهُ ملك.

ويُعتبر فيه أُمور :

أحدها : القصد ، فلو فعلَ شيئاً وهو عابر سبيل ، لم يثبت به ملك.

٣٩٥

ثانيها : إذن الإمام مع الحضور عموماً أو خصوصاً ، ومع الغيبة أو ما في حكمها يملكها المُحيي بالإذن العامّة ، ويجري عليها أحكام الملك ، حتّى يظهر صاحبها.

ثالثها : أن لا تكون مملوكة لمُسلم أو كافر مُعتصم أو مُتشبّث بالإسلام ، إلا إذا ترك عمارتها ، فإنّ الإمام يقبلها ممّن شاء ، ويعطي المالك ما يضربه عليها ، ممّا يُناسبها.

رابعها : أن يكون المُحيي مُسلماً ، لا كافراً ، وفي تمشية حكم الإحياء إلى المتشبّثين إشكال. ولو فرض إذن الإمام ، فالأمر لمن له الأمر.

خامسها : أن لا يتقدّم تحجير محجّر ، ولا عمل عامل يضيع بالإحياء ، فمتى شرع في التحجير ، ولزم الضرر عليه ، لم يجز الإحياء.

سادسها : أن لا يكون مَشعراً للعبادة ، كعرفات ومنى ؛ ولو كان يسيراً غير مُخلّ.

سابعها : أن لا يكون من الحِمى ، كما يَحميه النبيّ أو الإمام لإبل الصدقة وخيل المهاجرين ، وليس لآحاد المسلمين الحمى إلا في أملاكهم ، فإنّ لهم المنع من رعي الكلاء النابت فيها. ولو زالت المصلحة عن الحمى ، جاز الإحياء من دون إذن الحاكم على الأقوى.

ثامنها : أن لا يكون ممّا يحصل إحياؤه من المجاورة ، كمجاري الماء المنحدرة من أرضٍ إلى ما يقرب منها يتمّ به الإحياء لها ، أو الخراب الّتي لا مجرى للماء إليها من النهر إلا منها.

تاسعها : أن لا تكون حريماً مرفقاً لعامر يجري منه ماؤها أو ينحدر عليها لإصلاحها ، ولا وضعت عليه يد سابقة ، وأ لا تكون حريماً لعامر.

فحريم الدار : مطرح ترابها ، وكناستها ، ومصبّ مائها من ميزاب أو نحوه ، وثلوجها ، ومسلك الدخول والخروج إليها ، وموضع وقوف الدابة الحاملة ، والشخص القائد ، والجلوس عند باب الدار ، وكلّ شي‌ء يقتضي الإضرار بالدار ، كحفر بئر أو بالوعة أو نهر ضارّة بها ، ونقص الاعتبار من تغوّط أو وضع كسافة.

وحريم القرية : مطرح القمامة والتراب والرمل ، ومناخ الإبل ، وموضع البصاق ، والمجالس ، وملعب الصبيان ، ومكان الاحتطاب ، ومسيل المياه ، ومرعى الماشية ، فلهم

٣٩٦

المنع عن جميع ما يضرّ بذلك.

ولا فرق في ذلك بين المؤمنين ، وباقي المسلمين ، والمتشبّثين ، وأهل الذمّة ، وسائر المعتصمين.

وحريم الشرب : مطرح ترابه ، ومحلّ الجواز ، والوقوف على حافتيه.

وحريم العين : ألف ذراع في الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة ، والتوزيع على النسبة ، في المختلفة. والظاهر أنّ حال القناة كحالها.

وحريم بئر الناضح للزرع : ستّون ذراعاً ، وحريم بئر المعطن لسقي الإبل وشبهها أربعون ذراعاً ، ولا فرق فيهما بين أن تكونا مختصّتين أو مشركتين بين المسلمين.

والأظهر أنّ المدار على الضرر ، لا على مجرّد التعبّد ، والمدار على ما بين القعر إلى القعر ، لا ما بين الظهر إلى الظهر ، وفيما بينها تعتبر مرافقها ، ولو اجتمعت أجزاء ، اعتبر الأكثر ، ويحتمل الجمع.

وروي : أنّ حريم المسجد من كلّ جانب أربعون ذراعاً ، وحريم الطريق في المباح سبع أذرع (١) ، ويلزم المحيي ثانياً بذلك ، فإن فعلا دفعة أُلزما معاً. ولو زادوا على السبع ، قوي جواز إحياء الزائد ببناء أو غرس.

ولا فرق في الطريق العامّ بين ما كان في بلدٍ أو قرية. ولو اتفق أهل القرية على الاقتصار ، منعوا عنه. ولو تُرك الاستطراق ، واحتمل العَود ، بقيَ حكم الحريم ، وإلا فلا.

عاشرها : أن لا يكون مُقطعاً من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام ، كما أقطع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلال بن الحارث العقيق ، وأقطع الزبير حُفر فرسه بضمّ الحاء عدوه ، فأجراه حتّى قام ، فرمى بسوطه ، فقال : أعطوه من حيث وقع السوط ، وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت.

حادي عشرها : ألا يتعلّق بها حقّ لأموات المسلمين الساكنين في أرضهم ، فلو

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٦ ح ٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ ح ٦٤٣ ، الخصال ٢ : ٥٤٤ ح ٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب أحكام المساجد ب ٦ ح ١.

٣٩٧

كانت مقبرة للمسلمين ، لم يجز إحياؤها بزراعة وغيرها ؛ لأنّها محياة بالدفن فيها مملوكة للمسلمين.

ثاني عشرها : أن لا يكون مكان سوق المسلمين الساكنين عندهم.

وفي هذين لو ذهبت حالته الّتي كان عليها ، مع ضعف احتمال العَود جدّاً ، جازَ إحياؤهما ، بشرط أن يكون الأموات رفاتاً.

ثالث عشرها : ألا يكون من الأوقاف العامّة ، فلو كان وقفاً عامّاً ، لم يجز إحياؤه.

رابع عشرها : أن لا يترتّب على إحيائها ضرر على المسلمين ، من حفر يخشى وقوعهم فيه ، أو نحو ذلك ، وهذا شرط في الجواز ، وفي توقّف الصحّة عليه إشكال.

الرابع : الأرض الّتي صُولح عليها أهلها ، وهذه إن وقع الصلح مع أهلها ، بأنّها كانت لهم باقية على ملكهم ، ويملكونها على الخصوص ، ويتصرّفون فيها بالبيع وغيره. ولو باعوا على مسلم ، كان مال الصلح على الكافر. ودخول الموات وخروجه مبنيّ على الشرط.

وإن صولحوا على أنّها للمسلمين ، ولهم السكنى ، وعليهم الجزية ، أو بدون جزية ، كان العامر منها للمسلمين ، والموات للإمام خاصّة ، كالمَفتوحة عَنوة ؛ وللإمام أن يشترط عليهم حصّة من الأرض أو من خارجها.

الخامس : الأرض الّتي جلي عنها أهلها وتركوها ، وهي لوليّ الأمر خاصّة ، إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء قبلها بالنصف أو الثلث أو الأقلّ أو الأكثر ، إلى أيّ مدّة شاء ؛ ولهُ نزعها بعد انقضاء المُدّة ، وتقبيلها من آخر.

وكلّما يحصل للمتقبّل من مال القبالة فيه العشر ، ونصف العشر ، والظاهر أنّه يلزمه الخمس فيما زاد على مئونته ، ومئونة عياله.

ولو جلي بعض دون بعض ، كان لكلّ حكمه. ولو خرجوا منها لا بقصد الجلاء ،

٣٩٨

ثمّ رجعوا قبله ، جرى عليهم ما يكون بينه وبينهم.

السادس : الأرض التي كانت مُحياة في أيدي الكفّار ، ثمّ ماتت ، وهي في أيديهم ، والحكم فيها كالحكم في أرض الموات من الأصل يحكم عليها بحكم الأنفال خاصّة لوليّ الأمر.

السابع : الأرض الّتي كانت مُحياة بأيدي المسلمين ، والحكم فيها : أنّها إن كانت مملوكة بالإحياء ثمّ ماتت ، كان إحياؤها كإحياء موات الأصل ، يملكها المُحيي ، كما أنّ سبب التحجير فيها إذا اندرس ، رجعت إلى أصلها.

وإن كان الملك لا عن أحياء ، بل عن بيع وشراء أو ميراث أو غير ذلك من الأسباب ، فإن عمرها المالك فهو أولى بها ، وإن ترك عمارتها أعطاها وليّ الأمر لمن يعمرها ، وعيّن عليه قدراً من الحاصل لصاحبها.

الثامن : الأرض المفتوحة بالقهر والغَلَبة ، كأرض سواد الكوفة وما ماثلها ، والحكم فيها أنّها للمسلمين كافّة ، أهل الحقّ منهم ، وكذا أهل الباطل على إشكال ، لا يختصّ بها واحد منهم.

ويستوي فيها ذكورهم وإناثهم ، ويدخل فيهم الخناثى المُشكلة والممسوحون ، كبارهم وصغارهم ، عقلاؤهم ومجانينهم من الأحرار وللمبعّضين سهام على مقدار ما فيهم من الحُرّية وفي إلحاق المماليك وجه الحاضرون منهم مع المجاهدين ، والغائبون الموجودون منهم حال الاغتنام ، والمتجدّدون على نحو الوقف المشترك بين الذراري ينقطع فيه ملك من مات ، ويتجدّد لمن هو آت.

غير أنّ ذلك مخصوص بالمُحيي حال الفتح ، وإن مات من بعد ، فلا يجري فيه حكم الموات بحيث يملكه المُحيي ؛ لسبق ملك المسلمين له.

ولا يختصّ بشي‌ء منها أحد من المسلمين إلا تبعاً لآثار التصرّف في المساكن ،

٣٩٩

والحمّامات ، والبساتين ، ونحوها ، فإنّها تكون للمتصرّف ما دامت الآثار باقية يتصرّف فيها ببيع وشراء ، وباقي أنواع التمليك شاء ، ويدخلها في الوصايا ، والأوقاف ، عامّة كمدارس ومساجد ورُبُط أو غير ذلك وخاصّة ، فإذا زالت الآثار ، رجعت إلى حالها الأُولى.

وأمّا التصرّف فيها بالزراعات ، والإجارات للزرع ، فمرجعها إلى الإمام ، يقبلها لمن أراد ، مع مُراعاة مصالح المسلمين.

ويصرفها في المصالح العامة ، وإن دخل فيها غيرهم بالتبع من سدّ الثغور ، وبناء القناطر ، والربط ، وإصلاح الطرق ، ومَعونة الغزاة والمجاهدين والمرابطين ، وأرزاق الولاة والقضاة.

وما كان منها ميتاً قبل الفتح فهو لوليّ الأمر ، لا يجوز التصرّف فيه إلا بإذنه ، فإن تصرّف فيها أحد بغير إذنه أعطى طسقها.

وفي حال الغيبة ، أو عدم بسط الكلمة ، مع عدم إمكان الرجوع يملكها المُحيي ؛ لحصول الإذن في ذلك ، حتّى يظهر وليّ الأمر.

وكلّ أرض فتحها المسلمون حال الحضور وحال الغيبة مأذون في فتحها عموماً ، فتدخل في الاغتنام عن إذن وليّ الأمر.

ولو توجّه الغزاة إلى أرض ، فاختلف حال أهلها في الإسلام ، والجلاء ، والعنوة ، والصلح ، كانَ لكلّ حكمه.

التاسع : الأرض المفتوحة بغزو الكفّار عن إذن المسلمين للمسلمين ، وحكمها حكم ما فتح بغزو المسلمين عنوة ، وجلاءً ، وصلحاً ، وهكذا.

العاشر : ما فتح بغزوِ الكفّار للمُسلمين من غير استئذانهم ، والظاهر أنّ حكمها حكم السابقة.

الحادي عشر : ما فتح بغزوِ الكفّار بقصد أن يكون لهُم ، ثمّ يجعلونها للمسلمين من غير قتال ، ويجري فيها أنّها كسابقتيها ، ويحتمل إلحاقها بأرض الجلاء ، ودخولها في الأنفال ، فيكون لوليّ الأمر.

٤٠٠