كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-033-5
الصفحات: ٦٨٠

المساجد (١) ، والمدارس ، والربط ، ونحوها من الموقوفات ، ترجع ملكاً للموقوف عليهم ؛ لأنّه بعد انسلاخ الوقفيّة لا محيص عن الملكيّة ، فتكون من أملاك الموقوف عليهم.

فما كان موقوفاً على المساجد ونحوها يكون مملوكاً للمسلمين ، وما كان على المدارس ملك للمشتغلين ، فيُباع بحكم الشرع ويجعل وقفاً على نحو ما كان إن أمكن.

فلو كان صفراً أو نحاساً فعلاً ، جُعل على نحو ما كان ، أو يُبدّل بوقف آخر ، وإلا كان كالآلات يُصرف ثمنه وفي التعارض بين صرف الأعيان في غير محلّها وصرف الأثمان فيه يقُدّم الثاني على إشكال. وإذا اختلفت أبعاضه ، أُعطي كلّ حكمه على خصوص ذلك الموقوف ، أو على غيره الأقرب فالأقرب ، كما نقول ذلك في الفاضل ممّا عيّن للوقف إذا يُرى (٢) احتياجه في المستقبل إليه.

وما يختصّ التصرّف بالحاكم لعدم انحصار الملّاك فلا يقوم مقامه أحد سواه. ولو عدم الموقوف ، أو كان بمنزلة العدم ، كأن استولى عليه الماء مثلاً ، رجعت آلاته إلى غيره عيناً أو قيمة.

ثالثها : فيما يثبت به

يثبت بأُمور :

أحدها : حصول العلم ؛ لأنّه مدرك الأحكام ، أُصولها وفروعها ، موضوعاتها وأحكامها.

ثانيها : البيّنة الشرعيّة ، ولا حاجة إلى الرجوع في قبولها إلى الشرع إلا في القضاء والحكومة.

ثالثها : خبر العدل ، ويُقبل في الأوقاف العامّة ، كالمساجد والمدارس ونحوها ، مع

__________________

(١) كذا في «ح» ، «ص» : والأنسب : بالمساجد.

(٢) في النسخ : يرد.

٢٦١

خلوّها عن المعارض ، دون الأوقاف الخاصّة.

رابعها : إقرار صاحب اليد ، مع مقبوليّة إقراره.

خامسها : استقلال يد الموقوف عليه ، وبذلك يثبت جميع ما أضيف إلى المساجد من أراضي ، وجدران ، وفرش ، وآلات ، وسرج ، وظروف ، ونحوها داخلة في يد المسلمين بالدخول في مساجدهم ومدارسهم مثلاً.

ويُبنى على دخولها في الوقف ما لم يعلم الخلاف ، فالمشكوك فيه منها محكوم بوقفه ، وما عُلِم وضعه فيها وعدم إجراء صيغة الوقف عليه ، وما لم يقبل الوقف ، كالشمع والأدهان المتّخذة للتطييب والإسراج ، فهي من باب الاختصاص بالمسلمين ، بل من أملاكهم ؛ لأنّ الله تعالى أمر بالإعطاء ، ويكفي في التمليك المجّاني الإيجاب والقبول الفعليّين ، وقد حصلا.

سادسها : الشياع الباعث على الظنّ المتاخم مع العلم ، وإن لم يبلغ العلم ؛ لأنّه أحد السبعة الّتي تثبت بالشياع ، على ما ذكروه ، وفي الحقيقة هي كثيرة.

سابعها : استعمال المسلمين لها على نحو ما يستعملون الأوقاف من دفنهم ، وصلاتهم. ومنهم تلقاهم فيه طبقة بعد طبقة على نحو الوقفية.

ثامنها : حكم المجتهد به ، فإذا حكم بوقفيّته ، جرى حكمه على سائر الفقهاء ومقلّديهم ، وإن كان مفضولاً وهم فضلاء.

تاسعها : وجدان علامة الوقف على وجه تطمئنّ النفس به ، من محاريب على نحو المساجد ، أو وضع أماكن للكتب مثلاً بحيث يفيد أنّها مدرسة.

عاشرها : الكتابة إذا كانت مضبوطة مرسومة ، بحيث تظهر منها الصحّة وإن لم تبلغ العلم.

حادي عشرها : أن يرى منهم من الاحترام والتعظيم ما لا يكون إلا للمساجد والمشاهد العظام.

ثاني عشرها : أن يرى بناءً لا يناسب غير الأوقاف كالقناة والأشكال المخروطة الّتي لا تعتاد إلا للمقامات ، كما جرت عليه العادة.

٢٦٢

رابعها : في قسمته لمّا كان المستحقّون جميع البطون ، ولا تُعرف سهامهم ، ولا يُعرفون لمن ، يكون للقسمة وجه بأيّ نحو يكون.

وبيان الحال على وجه التفصيل دون الإجمال : هو أنّ الموقوف من دارٍ أو بستان ونحوها ممّا يقبل القسمة ، إمّا أن يكون وقفه من متعدّد أو متّحد ، على موقوف عليه ، متعدّد الجهات أو متّحدها.

فما كان من القسمين الأوّلين تصحّ قسمته ، سواء كان في الوقف العام كأن يوقف على المسجد والمدرسة والعلماء والفقراء وهكذا ، أو بالمناصفة مثلاً من غير تشريك في الابتداء ، ولا عَود إليه في الأثناء أو في خاصّ ، كأن يقف على أولاده نصفاً وعلى أرحامه النصف الأخر من دون عَود كذلك ؛ إذ لا مانع ولا منافاة لها مع الوقف ، وفي الصورتين الأخيرتين لا تصحّ لما ذكرناه.

ولو قال : وقفته موزّعاً على نحو ما اختاره أو يختار فلان ، أو وقفته على وضع الأرصاد الّتي يقسّمها فلان ، ففي إدخاله تحت السهام المنفيّة نظراً إلى الأوّل ، فيصير كوقتين ، وينكشف بالاختيار ، والقسمة ؛ لأنّ الشرعيات والقربات مبنيّة على المسامحة وجه (١).

فإذا حصل شقاق ، دار أمرهم بين المهايأة (٢) وإيجار بعضهم شريكه حصّته من النصف الشمالي مثلاً بحصّته من النصف الجنوبي إلى ما شاؤوا من السنين ، أو اصطلاحهم على ذلك ، وإن امتنعوا جبرهم الحاكم على أحد الأمرين.

ولو عيّن سهاماً مختلفةً باختلاف الأجناس أو الأنواع أو الأصناف أو الأشخاص أو الطبقات أو الأمكنة أو الأوقات أو غيرها من الجهات ، وجعل لكلّ فريق من الرجال

__________________

(١) في النسخ : زيادة : وفي مثل. إشكال وأولى.

(٢) قد تقرأ في النسخ : المهانة ، قال الفيومي : تهايأ القوم جعلوا لكلّ واحد هيئة معلومة ، والمراد النوبة. المصباح المنير : ٦٤٥.

٢٦٣

والنساء في كلّ سنة أو في سنة كذا سهماً معيّناً ، أو كان ناذراً قبل الوقف إن لم نجعل النذر مخرجاً عن الملك أو حالفاً أو معاهداً على قسمته في كلّ سنة بين الفريقين ، على نحو كذا ، ثمّ وقف ، قُسّم. وقسمة المشترك بين الوقف وغيره بإفرازه عن غيره لا مانع منها ، ولا يلزم بيع الوقف ؛ لأنّها إفراز شرعاً لا بيع.

وفي موضع جواز القسمة يتولاها الخاصّ أو الولي أو الموقوف عليه أو الوصيّ أو الناظر ، إن دخلت في عموم ولايتهما ، وإلا تولاها الحاكم ، وإلا العدول.

ويتمشّى الحكم بمنع القسمة في المشتركات من طرق ونحوها ، لنحو المانع منها في الوقف. ولو تعدّدت الجهة فيها ، كما إذا جعل نصف سوقاً ونصف طريقاً على وجه الإشاعة ، أو نصف وقف عاما ونصف خاصّاً ، ونصف وقفاً ونصف طريقاً ، صحّت القسمة.

ولو ظهر غبن في القسمة أُعيدت ، ولعلّها مبنيّة على الكشف أو أنّ الوقف يعود ملكاً.

والمتولّي لقسمة المشتركات وللوقف مع عدم المتولّي المجتهد.

ولو اشترط القسمة حيث لا تصحّ ، بطل الشرط والعقد ، بناءً على أنّ الشرط في الوقف متّصل.

خامسها : وقف المشاع منه كأن يقف نصفاً مُشاعاً من أرض أو حيوان (١) ناطق أو صامت ، ولا مانع منه ، كما أنّه لا مانع من بواقي النواقل ، كبيع وصلح ، أو هبة وتصدّق ، ونحوها ممّا تتوقّف صحّته على القبض وغيره. ويكفي في القبض هنا التخلية ، ويجوز بيع النصف الملكي. ولا تترتّب القربة على حصّة الوقف في عتقه ، عامّاً كان أو خاصّاً ، وليس كالملك. ويجوز شراء حصّة من عبد يكون موقوفاً ، وإعتاق الموقوف باطل ، عامّاً كان أو خاصّاً

__________________

(١) في النسخ زيادة : أو.

٢٦٤

على الأقوى في خصوص الوقف العامّ.

ثمّ إن بقي على حاله فلا كلام ، وإن أراد القسمة اقتسموه ، فإن بأن الفساد في البعض فَسَدَ الوقف ، وإن ظهر غَبن أو ظهر غيره فكذلك فسدت ، لعدم تحقّق معناها على إشكال.

ولو وقف شيئاً فظهر الفساد في حصّة (١) منه ، جاءه حكم الإشاعة ، وإذا وقف جزءاً مُشاعاً على فريق ، ثمّ وقف آخر عليهم على ذلك النحو ، أو عليهم وعلى غيرهم وشرّك بينهم في بعض الطبقات ، امتنعت القسمة.

وتصحّ بين الموقوف والجزء المملوك ، وبين الموقوفين عامّين أو خاصّين أو مختلفين ، مع عدم الاشتراك في شي‌ء من الطبقات. ودعوى أنّ وقف المشاع يقتضي كون الوقف ابتداء أو بالأخرة (٢) بعد القسمة ملكاً ووقفاً ، لا وجه لها بعد قيام الأدلّة على فسادها.

والفرق بين الإفراز والتمليك غير خفيّ على ذكيّ.

ولو وقف جزءاً مشاعاً أو مقسوماً وظهر الخلاف صحّ على إشكال.

سادسها : أنّه لا شفعة في الوقف ، فلو وقف أحد جزءاً مشتركاً ، عامّاً أو خاصّاً ، فلا شفعة فيه ، كسائر التمليكات ، ممّا عدا البيع.

وتثبت الشفعة فيه وفي آلاته في مقام جواز البيع إذا بيع ، وكان ممّا تتعلّقت به الشفعة وتجتمع فيه شرائطها ، وهل لصاحب الوقف شفعة إذا اجتمعت شرائطها؟ وجوه ، ثالثها : الفرق بين العامّ والخاصّ ، فتثبت في الثاني دون الأوّل ، أو بين ما إذا كان الموجود من الطبقة واحداً أو متعدّداً ، فتثبت في الأوّل دون الثاني ، ويتوجّه مع الوحدة ، والقول بأنّ الانتقال إلى الطبقة الثانية بعد فقد الأُولى ولا شركة ، أو على القول بثبوتها مع الشركة ، وهو ضعيف ، أو القول بأنّ شركة المعدومين كلا شركة.

__________________

(١) في النسخ : حصّته.

(٢) في «ح» : بالأُجرة.

٢٦٥

سابعها : أنّ المستنبط من نفس الموقوف قد يملك بالفصل ، مع أنّه كان وقفاً حال الوصل ، كالتراب المفصول من أراضي الأوقاف العامّة عدا المساجد فإنّه يعود ملكاً ، ويُباع على حاله أو بعد صيرورته أجراً (١) أو ظروفاً أو نحوها ، وعظام الفيل ، وبعض الحيوانات.

فلا بأس ببيع التربة الحسينيّة مع الفصل ، حيث نقول بأنّ أرض كربلاء وقف ، ولا بملكية الظروف المصنوعة ، والآجُرّ المتّخذ من أرض النجف ، وإن صحّ أنّها وقفها الدهاقين (٢).

كما أنّه لا بأس بصنيع مثل ذلك من المشتركات ، كالطرق النافذة ، والأسواق ، والمقابر ، والأرض المفتوحة عنوة ، فإنّها إذا فصلت تغيّر حالها كتغيّر الات الوقف إذا بطل الانتفاع بها.

ثامنها : أنّ الوقف العامّ إذا تمّ وقفه انسلخ عن حكم الواقف ورجع إلى الله على نحو المباحات ، ولا يمضي له حكم إلا فيما شرطه ؛ لأنّه بعد الانسلاخ من الملكيّة ، والخروج عن يد المالك ساوى من لم يكن مالكاً.

والاستصحاب بعد تغيّر الموضوع لا يُنظر إليه ، والتقييد لا يفيد شيئاً ، فمرجعه على تقدير التقييد فضلاً عن الإطلاق إلى المجتهد ؛ لأنّه بعد الخروج عن يد الواقف وفقد المتولّي لا متولّي سواه.

فإذا رأى الصلاح في هدم دار وجعلها حمّاماً ، أو حمّام وجعله داراً ، كان له ذلك ، أمّا بعد الخراب أو التعطيل فلا تأمّل ، ويقوى في غيره ذلك. وأمّا مع الشرط

__________________

(١) الآجرُ : اللّبن إذا طُبخ ، بمدّ الهمزة والتشديد أشعر من التخفيف الواحدة آجرّة ، معرّب. المصباح المنير : ٦.

(٢) الدهقان : يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر وعلى من له مال وعقار ، والجمع دهاقين بضم الدال وكسرها. المصباح المنير : ٢٠١.

٢٦٦

المنصوص أو المفهوم ، كوضع المدارس والربط مثلاً ، فللمجتهد الوضع على غير الهيئة السابقة مع الخراب ، مع تعسّرها أو تعذّرها لعدم المتولّي ، ولا يزيد حكمها على مال الغائب إذا حصل ضرر عليه ببقاء ما وضعه على حاله.

وإذا شكّ في الشرطيّة وعدمها ، بنى على عدمها ، وأنّ للواقف سلطاناً باقياً ؛ لتعذّر تعمير المشاهد المشرفة والمساجد المعظمة وجميع الأوقاف ؛ لأنّه غالباً يتوقّف على الهدم ، وقد علم أنّ الواقف إنّما أراد بوقفه بقاء جدارها على ذلك الحال على وجه التعبّدية التعليلية دون الشرطية.

وكذا سقفه وأوضاعه ، ليبقى انتفاعه على مرور الأيّام ، وإلى ما بعد سنين وأعوام ، وعلى ذلك لا يجوز النقض ؛ لأنّ فيه نقضاً لغرض الواقف ، ولا وضع شي‌ء من الات السقف في الجدران ، ولا العكس.

نعم إذا ثبت الاشتراط بحكم الشرع ، كما في أصل المسجدية ، أو العرف كما في المدارس وكثير من الأوقاف ، فإنّه يجوز هدمها وتغيير أوضاعها من دون تغيير موضوعاتها.

وأمّا الأوقاف المعدّة لاكتساب الفوائد والمنافع ، كالأوقاف الخاصّة ، فإن الظاهر منها الإذن في تغييرها والمنع عن تعطيلها ، وندرة منفعتها ، فضلاً عن عدم الدلالة على تخصيصها.

وعلى ما ذكرنا يجوز للناس النوم في المساجد والمدارس ، أو التردّد فيها ، والأخذ من مائها ، والاكتساب فيها بأعمال الدنيا والآخرة من غير تخصيص بالمصلّين والمشتغلين مثلاً ، كما يُصنَعُ في المباحات ، إلا أنّ الغرض المعدّة له مقدّم على غيره.

فلو أخلّ المكتسبون والمتعبدون بالأغراض المعدّة لها كأن يعمل عملاً أو يقرأ قراءة رافعاً لصوته ، أو يدرّس كذلك ، أو يعمل صنعة تشتمل على أصوات عالية فيخلّ بصلوات المصلّين فرضاً أو نفلاً في المساجد ، أو يخلّ بدرس المدرّسين أو فهم المتعلّمين أو مطالعتهم حرم ذلك.

والسبب في ذلك أن تقدّم المنفعة المعدّ له شرطاً مفهوم في الوقف ، ومعلوم من

٢٦٧

الشرع في السيرة والإجماع ، كما لا يخفى.

تاسعها : أنّ القبض إن نجعله عبارة عن التخلية في جميع المقامات ، فلا بدّ من القول بذلك فيما إذا حصل مانع عن غيره أصلي ، كأن يكون ما لا يُنقل ولا يُحوّل ، أو شرعيّ كما إذا كان مشتركاً ، فإنّ قبض المشترك يتوقّف على الاستئذان.

وربّما حصل بسبب ذلك من النقصان ما لا يرضى به إنسان أو بذل المال ، وقد لا يتمكّن منه ضعيف الحال ، وباب التوكيل قد ينسد ، فلا يقوم به أحد.

فالذي يظهر بعد إمعان النظر أنّ التخلية التامّة كافية في تحقّق معناه ؛ إذ ليس معنى القبض فيه سوى قيام الموقوف عليه مثلاً مقام الواقف ، ويكون تسلّطه كتسلّطه.

وقد يقال بالفرق بين أن تكون الشركة مع الواقف وبينها (١) مع غيره ، أو يقال بالفرق بين ما فيه الإذن من غير سؤال وما يتوقّف على السؤال.

عاشرها : أنّ أُمّ الولد لمّا لم يجُز نقلها إلى مالكٍ بشي‌ء من النواقل لم يجُز وقفها ، وفيها وجوه ثلاثة ، ثالثها الفرق بين العامّ والخاصّ.

والّذي يظهر بعد إمعان النظر أنّا إن قلنا بعدم انتقال الوقف إلى المخلوق مطلقاً ، وإنّما يرجع إلى المالك الأوّل الّذي بيده الملك على نحو ما كان ، إن لم يحدث شي‌ء سوى الخروج من يد المالك الصوري ، التحقيق كالعتيق ، وهذا مبني على أنّ الممنوع في أُمّ الولد هل هو نقلها من صاحبها أو انتقالها إلى خارج ، وعلى الأوّل لا مانع ، وعلى الثاني يمتنع. وإن فرّقنا ، بين الوقفين في المقام ، اختصّ المنع بالوقف ، الخاصّ ، وعمّ الجواز العام.

__________________

(١) في «ص» : بينهما.

٢٦٨

حادي عشرها : أنّه إذا قامت البيّنةُ على أنّ الشي‌ء الفلاني وقف بهذه العبارة ، وأقوال المالك كذلك ، بُني على أنّه صحيح جامع للشرائط ، سواء قلنا بأنّ لفظ الوقف موضوع لما قام به الأثر ، فيكون مدلولاً له ، أو قلنا بأنّه موضوع للصيغة ؛ لأنّ الظاهر منه الصيغة المؤثرة ؛ لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع ، والفرد الكامل.

ولو شهدَت على أنّه أجرى الصيغة على نحو كذا ، وقال : قال : هو وقف أو أقرّ بذلك ، فالظاهر أنّه ذكر ذلك قبل التصرّف ، بني على مجرّد الصيغة ؛ وإن تمادى الوقف ، بني على جمعه الشرائط على إشكال.

ويجري مثل هذا الكلام في جميع ما يتوقّف على القبض ، من الهبات ، والصدقات والصرف ، والسلَم ، وفي جميع المعاملات والعقود والإيقاعات.

ثاني عشرها : وقف المريض في مرضٍ نشأ عنه الموت يخرج من الثلث ، مع دخوله تحت اسم المرض عرفاً ، فلا يدخل في الحكم ما استند الموت فيه إلى قتل أو مرض مستقلّ لم ينشأ عنه.

نعم لو نشأ عنه كان بحكمه ، ولا يدخل فيه بعض الأمراض التي لا يعرفها سوى الحُذّاق ، وأهل البصيرة من الأطبّاء.

ومن قُدّم إلى الصلب ، أو أشرف على الغرق ، أو السقوط من السطح ، أو أكل شي‌ء من السم فمات ، وقد كان وقف بعد حصول السبب لا يسري إليه حكم المرض.

وفي حكمه جميع التبرّعات من الهبات ، والصدقات ، وجميع زيادات المعاوضات ، وتكفي المظنّة في استناد الموت إلى ذلك المرض.

ولو شكّ في حدوث مرض جديد ، بنى على عدمه. ولو أوقع الصيغة صحيحاً وأقبض مريضاً ، كان المدار على الإقباض ، ولو كان في أثناء الصيغة بجميع الأقسام صحّ كان أولى.

٢٦٩

ولو رتّب في أداء ، أو بينه وبين غيره من القربات ، بدأ بالأوّل فالأوّل ، ولو اشتبه الترتيب أُقرع ، وهكذا جميع ما يتوقّف على القبض.

ولو وقف الفضولي وأقبض ، فأجاز المالك حال المرض ، كان من الأصل على الكشف في وجه ، ومن الثلث على النقل. ولو زاد على الثلث ، صحّ فيما ساواه وبطل في الزائد ، إلا مع إجازة الوارث.

ثالث عشرها : أنّ كلّ وكيل ترك قيداً اعتبره المالك ، من صفة ، أو زمان ، أو مكان ، أو شرط إنّما عهد به المالك إليه ، رجع فضوليّاً ، يتوقّف على الإجازة.

رابع عشرها : أنّ كلّ من تعلّق به ضمان الوقف ، عامّاً أو خاصّاً ، لتلفٍ أو تعدّ أو تعويض ، من أهله أو لا ، وفي ضمان من كان من أهله بنيّة الغصب وجه قوي ، لزمه ضمانه بمثله إن كان منه مِثليّ ، وبقيمته في القِيميّ ، أو يجعل وقفاً على النحو السابق إن عامّاً فعامّا ، أو خاصّاً فخاصّاً على نحو ما كان ، ولا يحتاج إلى صيغة جديدة ، ولا قبض جديد ، فقد يُغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، ويجري في التوابع ما لا يجري في المتبوعات.

خامس عشرها : أنّه لا يدخل فيه خيار ، ولا خيار الشرط ، فلو شرطه فيه فسد الشرط والعقد وإن قصد به الاستقلال ففي فساد العقد إشكال.

ولا خيار الاشتراط ، فلو اشترط شرطاً سائغاً كان ثمرته وجوب الوفاء به ، ومع التخلّف عنه يكون غاصباً ويُجبر عليه ، ولا فساد ، ولا خيار من جهته.

ولا خيار الحيوان ، ولا خيار التبعيض ، ولا خيار العيب ، ولا خيار التدليس ، ولا خيار الغَبن ، ولا غيرها على إشكال في بعض الأقسام.

٢٧٠

سادس عشرها : أنّ نفقة الموقوف تلزم الموقوف عليه في الوقف الخاصّ ، أمّا على القول بالملك فواضح ، وعلى الأخر باعتبار انحصار منافعه فيه فهو كالمملوك ، وعند ذلك يمكن أن يقال في الوقف العام ، فيؤخذ من سهامهم من الحقوق إن كانوا من أهلها ، وإلا وجب الإنفاق من بيت المال.

سابع عشرها : ملك المنافع للموقوف عليهم ، في عامّه للعموم ، وخاصه للخصوص ، ويجري فيها حكم الأملاك ، ومنها نتاج الحيوان وفُسلان (١) الشجر وما يتبعها ، مع عدم اشتراط الوقف فيها ، فإن شاءوا باعوا ، وإن شاءوا أجروا كما يصنع الملّاك.

ثامن عشرها : لا يجوز للموقوف عليهم نكاح الموقوف ، مع القول بالملكية وعدمه ، عامّاً كان أو خاصّاً ، فلو وطئ أحدهم كان ضامناً للعُقر (٢) ، وقيمة الولد ، ويكون مصرفه مصرف النماء. والفوائد تعطى لأهل الوقف ، وينقص منه مقدار حصّته على الأقوى.

تاسع عشرها : وقف الحامل لا يدخل فيه الحمل المتكوّن قبل العقد ، وما كان بعد تمام العقد من الفوائد ، ولا ثياب المملوك ، ولا سرج الفرس ، ورحلها ، ولا الطلع المؤبّر (٣) ،

__________________

(١) الفسيل صغار النخل ، وهي الوَديّ ، والجمع فُسلان. المصباح المنير : ٤٧٣.

(٢) عُقرُ المرأة : بُضعها ، والمراد دية فرج المرأة إذا غُصب. جمهرة اللغة ٢ : ٧٦٨ ، العين ٢ : ١٥٠.

(٣) يقال أبرت النخل آبره ، إذا لقحته ، والنخل مأبور. جمهرة اللغة ٢ : ١٠٢٠.

٢٧١

ولا الثمرة الخارجة عن الأكمام (١) ، ولا ما كان في السفينة أو الصندوق ، ولا قراب السيف ونحوه ، ولا ما يوضع فيه المصاحف والكتب والأجناس والنقود ، وكلّ مظروف بالنسبة إلى ظرفه ممّا لم يحكم العرف بكونهما بمنزلة الواحد.

العشرون : أنّه إذا جُني على الموقوف ، كانَ الاستيفاء للموقوف عليه ، قصاصاً كانَ أو دية ، أو مثلاً أو قيمةً ، إن كان خاصّاً ، وكان من القصاص إلى الحاكم ، والدية في مصرف الموقوف عليهم إن كان عاما. وفي المقامين إن كانت الدية دية نفس اشتري عوضها وجُعل وقفاً ، وإن كانت دية جارحة كانت كالنماء ، ويحتمل لحوقها بالسابق.

الحادي والعشرون : أنّه لو كان الموقوف وصياً ، أو مجتهداً ولم يكن ناظر شرعي أو كان ، فهل يكتفي بنفسه عن غيره أو لا؟ الأقوى عدم الاكتفاء ، ولا فرق بين القن والمبعّض.

الثاني والعشرون : أنّ الموقوف لا يملك شيئاً ، وجميع ما بيده للموقوف عليهم. وإذا أبقى شيئاً بعد موته كان للموقوف عليهم ، وحاله حال النماء ، وفي المبعّض يوزّع.

الثالث والعشرون : إذا اختلط الوقف بالحرام وجهل الصاحب والمقدار ، أُخرج الخمس لبني هاشم

__________________

(١) قد تقرأ في النسخ الإشمام : والكِمّ بالكسر وعاء الطلع وعطاء النَّور والجمع أكمام. المصباح المنير : ٥٤١.

٢٧٢

وحلّ ، أو يرجع فيه إلى القرعة ، أو إلى الصلح القهري.

الرابع والعشرون : أنّه لو دار بين الأنواع من عامّ وخاصّ ، ومطلق ومقيّد ، وتشريك وترتيب ، ومما يعمّ الذكور والإناث ، وما يخص أحدهما ، أو ما يعمّ الرحم وغيره والوارث وغيره ، وما يخصّ أحدهما ، فالحكم تقديم الأوائل على الثواني ؛ فلو دارَ بين الملك لمن في يدهم وبين الوقف ، حكم بالملك ، وقد مرّ بيان شطر منه.

الخامس والعشرون : أنّه لو أخذ من مال الزكاة شيئاً ، وجعله المجتهد وقفاً في سبيل الله ، كان ميراثه إذا أعتق لأهل الزكاة.

السادس والعشرون : أنّه لا يجوز وقف المشتركات على أرباب الحصص جميعاً من مجتهد وغيره ؛ لأنّه من الوقف على المالك ، والتخصيص رافع للشركة ، والوقف على أربابها سائغ من المجتهد.

السابع والعشرون : أنّه لو وقف على جماعة ، فقبلَ بعض ، وردّ بعض ، جرى الوقف في القابل وأعقابه وأعقاب الرادّ ، دونه.

الثامن والعشرون : أنّه لو وقف على غير القابل ، فصار قابلاً في أثناء العقد أو بعده قبل القبض وكذا فاقد الشرط وصحّته إذا وجدها كذلك بَطَلَ.

٢٧٣

التاسع والعشرون : أنّه إذا وقف شيئاً على جهة ، فزادت فوائده على مصارفه ، جعل الزائد في أمثاله الأقرب فالأقرب ، وإذا وقف مرتّباً أو وقفه جماعة كذلك ، فكان المتقدّم مجزياً والأخر لا مصرف له ، احتمل البطلان فيه ، وقصر الصحّة على المتقدّم ، والصحّة فيه ، وصرفه على أمثاله.

الثلاثون : أنّه إذا نذر أو عاهد أو حلف أن يقف شيئاً معيّناً على نحوٍ ، فنسي فجعله على نحوٍ آخر ، قوي البطلان ، ولزوم الإعادة. ولو نذره على نحوٍ مطلق ، فنسي ، فجعله بنحوٍ آخر ، احتمل البطلان ولزوم البدل ، والصحّة ، ولزومه.

الحادي والثلاثون : أنّ نفقة الموقوف من المالك على الموقوف عليهم إن قلنا بملكهم ، وإلا ففي كسبه ، فإن عجز رجع إليهم ، ولو عتق معارض كانت نفقته على نفسه.

الثاني والثلاثون : أنّه إذا قتل الموقوف عليه قصاصاً بَطَلَ الوقف ، وإذا قتل بوجه تضمن ديته إلى الموقوف عليهم ، فالأقوى أنّه يلزم شراء عوضه ووقفه.

الثالث والثلاثون : أنّه إذا أجر بطن من البطون الوقف إلى مدّة ، ثمّ انقرض المؤجر قبل انقضاء المدّة ، انفسخت الإجارة ، ورجع المستأجر بمقدار مقابل ما بقي له من المدّة عل تركة المؤجر.

٢٧٤

وإذا أجره الناظر وكان عامّاً ، أو المجتهد والمنصوب من الواقف على العموم ، مضت إجارته على البطون ؛ وإن كان ناظراً خاصّاً بسنين معدودة أو أوقات مخصوصة معيّنة في السنين ، مضت الإجارة على مقدار سلطانه ؛ فإن زاد ، رجع كالأوّل.

الرابع والثلاثون : أنّه بعد أن تبيّن أنّ الوقف يصحّ من بعض أقسام الكفّار ، وأهل الباطل من المسلمين ، كان ذلك بين قسمين : ما عُيّن للعبادة من البيع والكنائس والمساجد والمدارس ونحوها ، وما ليس كذلك.

فالقسم الثاني يشترك (١) فيه الجميع ، وأمّا الأوّل فالظاهر تحريمه عليهم ، لأنّه عُيّن للعبادة ، ومعناها الصحيحة التي تُطلب شرعاً ، ولا تكون إلا من أهل الحقّ ، وتكون مخصوصة بهم ، وإن أجريناهم لاقتضاء الحكمة مجراهم.

الخامس والثلاثون : أنّه ليست الوقفية كالحريّة في أنّ الأصل ثبوتها حتى يعلم خلافها ، وإنّما الحال في الوقفيّة بالعكس ، فهي كحال الحريّة العارضية.

ولو وجد شي‌ء مكتوب عليه الوقفيّة ومعه رسوم معتبرة ، حكم بوقفيته ، وإن لم يبلغ حدّ العلم ، وإلا ضاعت الأوقاف ؛ لأنّ الكثير منها كالكتب ونحوها لا يحصل فيها شياع ، ولا تقوم عليها بيّنة ، وإنّما طريقها الكتابة ، والظاهر من أحوال السلف استمرار سيرتهم على ذلك.

السادس والثلاثون : أنّه إذا وجد شي‌ء في يد مسلم قد تصرّف به تصرّف الملّاك في أملاكهم ، أو ادّعى

__________________

(١) في «ص» : تشترك.

٢٧٥

ملكيته ، وقد علم أنّه كان وقفاً ، حكمنا بالوقفيّة على قولنا ، واحتمال تقليد الغير قبل ثبوته لا اعتبار به. وعلى قول من جَوّز بيع الوقف لبعض الجهات ، مع احتمال شي‌ء منها يحكم لصاحب الدعوى وللمتصرّف بالملك.

السابع والثلاثون : أنّه لو علم أن على شي‌ء يداً متصرّفة ، ثمّ جهل صاحبها جهلاً مطلقاً بحيث لا ترجى معرفته ، ولم يعلم أنّه وقفه أو لا؟ دخل في حكم مجهول المالك ، يتصدّق به على الفقراء.

الثامن والثلاثون : أنّه لا بأس بأخذ شي‌ءٍ للتبرّك من الأوقاف بعد أولها إلى الخراب ، كنقض المساجد دون ترابها وحصاها والمشاهد المشرّفة ، والكعبة ، وثيابها ، وفرشها ، وآلاتها ، ونقض صناديقها ، ونحو ذلك ، ويقوى جواز بيعها ونقلها وانتقالها ، وفي تسرية ذلك إلى فاضل الشمع والأدهان وجه قوي.

التاسع والثلاثون : أنّ جميع الأوقاف العامّة من مساجد ، ومدارس ، ومقابر ، ورُبُط ، ونحوها إذا خربت وتعطّلت ، جاز للحاكم إيجارها لو منع آخر ، مع ضبط الحجج والإشهاد ؛ ليغلب وضعها على أصلها.

الأربعون : إنّ الأوقاف كالمساجد ونحوها للحاكم أو من قام مقامه التصرّف فيها لمصالحها ، كحفر بئر ، وغرس شجر للاستظلال ، وبناء بيت للخدّام ، ووضع مكان مرتفع للأذان ، ونحو ذلك.

٢٧٦

وكلّ شي‌ء لا ينتفع به يجوز إخراجه ، وتراب المسجد وحصاه إن دخل في الكناسة أُخرج.

الباب الثاني : في الحبس

وفيه مطالب

الأوّل : في بيان حقيقته الحبس في اللغة : المنع عن الحركة أو التصرّف بعينٍ أو منفعة ، وقد يُعبّر عندهم بالوقف.

وفي العرف العامّ : المنع عن الحركة بقيدٍ أو سجنٍ أو نحوهما ، وقد يقال أو نظر ونحوه.

وفي الشرع على وجه الحقيقة المبتدئة أو المنقول أو المجاز : عبارة عن حبس المنفعة وبقاء العين على حالها ، فنسبته إلى الوقف كنسبة الإجارة إلى البيع ونحوه ، ممّا تنقل فيه العين وتتبعها المنفعة.

وسُمّي حبساً ؛ لأنّه تحبيس المالك عن التصرّف في المنفعة ، أو تحبيس المنفعة عن تصرّف المالك بها ، وبعد تحقيق أنّه معنى جديد شرعيّ يكون بمنزلة المجمل.

فكلّما يحتمل دخوله على وجه الشطرية أو الشرطية يحكم بدخوله ؛ لأنّ الأصل بقاء الشي‌ء على حاله ، وعدم تأثير العقد ، فيحكم باعتبار القربة فيه ، وفي التعبير عنه بالوقف وإدخاله في أقسامه وفي أقسام الصدقات أبيَنُ شاهد على ما قلناه.

الثاني : في بيان صيغته :

يُعتبر في الإيجاب فيها ما هو صريح فيها بنفسه ، كحبست وعمرت وأرقبت ؛ أو مع القرينة ، كأسكنت ، وسبّلت ، وخصّصت ، ووقفت ، وتصدّقت ، ونحوها ، ولا تصحّ من دونها.

٢٧٧

ولا يجوز ما كان من الألفاظ بعيداً منه ، مع القرينة وبدونها ، كلفظ بعت ، وآجرت ، ووهبت ، ونحوها.

وكذا في القبول ، فمن القسم الأوّل : قبلت ، ورضيت. ومن القسم الثاني : سمعت وأطعت ، وامتثلت. ومن القسم الثالث : اشتريت ، واتهبت.

ويُشترط فيهما : القصود المذكورة في صيغة الوقف ، والإنشائية ، والماضويّة وترتيب القبول ، وعدم الفصل الطويل بينهما ، وعدم نثر الحروف ، وتغني الجملة الاسمية مُفيدة معنى الماضوية من الصريحين ، ولا تُشترط العربيّة ، بل يكتفى بجميع اللغات ، ويجزي القبول الفعلي عن القولي على أصحّ الوجهين.

وفي اشتراط إباحة القول في ذاته ؛ لصدوره من مستقلّ أو مأذون ، وبالعارض ولا يقرر في الغناء ، وسماع غير المحارم ، وعدم رفع الصوت خارقاً للعادة وجه.

ولا يكفي قول «نعم» في جواب من قال هل حبست؟ عن الإيجاب ، ويقوى الاكتفاء بها في جواب من قال هل قبلت؟ ويجري هنا مثل ما ذكرنا في صيغة الوقف.

الثالث : في بيان مطلق المتعاقدين ، ويُشترط فيهما ما مرّ في باب الوقف ، فيجري فيهما الثمانية عشر المذكورة هناك.

الرابع : في بيان ما يختصّ بالموجب ، ويجري ما ذكرناه في حكمه.

الخامس : فيما يختصّ بالقابل ، ويجزي عنه أيضاً ما جُوّز هناك.

السادس : في الحابس : وشروطه شروط الواقف ، من ملك العين والمنفعة ، فلا يصحّ حبس المحبوس عليه ، ولا المستأجر ، ولا جميع ما كانت عينه أو منفعته لغير الحابس. وتماميّة الملك ، فلا يجوز حبس الوقف ، والرهن ، ومال المفلس ، وما فيه خيار أو شفعة ، وإن كان القول بالصحّة مع الكشف فيهما غير خالٍ عن الوجه.

٢٧٨

ويجري في الفضولي وأحكامه مثل ما مرّ ، وباقي الشرائط المذكورة هناك جارية هنا.

السابع : في المحبوس ، ويُعتبر فيه مثل ما ذكرناه ، من كونه مذكوراً ، فلا ينعقد بإطلاق قوله : حبست ؛ وموجوداً حين الحبس ، فلا ينعقد في المعدوم ؛ ومتعيّناً بذاته أو الأول إليه ، ومعلوماً ، وعيناً لا منفعة ، ولا ديناً ، وحلالاً قابلاً للتطهير إلا ما استثني ، ونافعاً نفعاً معتبراً ، وقابلاً للانتقال إلى المحبوس عليه ، وغير مُعِين على معصية ، وقابلاً للبقاء بمقدار زمان الحبس ، وطلقاً ، وغير داخل في مشتركات المسلمين.

الثامن : في المحبوس عليه ، ويجري فيه من الشروط ، وحكم المفاهيم والمصاديق نظير ما جرى في الموقوف عليه.

التاسع : في الناظر ، ويجري هنا حكم القسمين : أمّا الأصلي فحيث يكون المحبوس عليه ناقصاً ولا ولي له ، وأمّا الجعلي فلا أرى مانعاً منه ، فله أن يشترط ناظراً عامّاً وخاصّاً مطلقاً ومقيّداً.

ويعتبر في المقامين ما اعتبر في ناظر الوقف شرعاً في الشرعي ، وفي الجعلي حيث يكون متعلّقاً ببعض الأعقاب ، ويجزي مثل أحكامه في الأُجرة وغيرها نحو ما جرى هناك.

العاشر : في الشروط ، وهي قسمان كما ذكر هناك أصليّة شرعيّة ، وجعلية مالكية.

القسم الأوّل : الشروط الأصلية ، وهي مع الإضافة إلى ما اعتبر في الصيغة ، وفي الموجب ، والقابل ، والواقف ، والموقوف عليه ، والموقوف ، فإنّه يجري في صيغته ، ومن حبسه ، وقابله ، والحابس ، والمحبوس عليه أُمور :

أحدها : عدم الخروج عن ملك الحابس أو قصد الخروج ، واعتبار الانقطاع ،

٢٧٩

فينقلب انقلاباً تقييديّاً ، فلو جعله دائماً مع الخروج دخل في الوقف ، وخرج عن كونه حبساً. وفي جواز الانقطاع من الابتداء أو المركّب أو الوسط بحث ، والأقوى جوازه.

وكلّ وقف منقطع الأخر عادة راجع إلى حكم الحبس ، ولا بأس بدوام الحبس ودوام المحبوس عليه ، مع عدم النقل من الحابس إلى غيره أو إليه ، ولا فرق في قطع الابتداء والوسط والآخر والمركب بجميع وجوه التراكيب بين أن يترك الذكر أو يذكر غير القابل من مملوك ونحوه.

ثانيها : القبض على نحو ما ذُكر في الوقف ، لتسميته وقفاً ، وفي انقلابه وقفاً إشارة إليه ، ودخوله في قسم الصدقات ، وقبض الوليّ. ولو تعدّد المحبوس عليهم ، وقبض بعض دون بعض ، صحّ للقابض دون غيره ، وقد مرّ بيان معنى القبض ، وجريان حكم الفضولي فيه وبيان أحكامه.

ثالثها : القربة ، لمثل ما ذكرناه في مسألة القبض ، وقد تبيّن حالها بما لا مزيد عليه.

رابعها : إخراج الحابس نفسه عن الحبس ، فإن حبس على نفسه شيئاً ، بطلَ الحبس فيه ، إن كلا فكلّ ، وإن بعضاً فبعض.

خامسها : الرجحان لتمكّن نيّة القربة على نحو ما مرّ ، ولو جمع بين جامع الشرائط وغيره اختصّ الوقف بالجامع.

القسم الثاني : في الشرائط الجعلية ، ومنها صحيحة ، ومنها فاسدة.

القسم الأوّل : الصحيح منها ، وهي أُمور :

منها : اشتراط النظارة للحابس أو أولاده وأرحامه ، أو غيرهم ، مرتّباً أو مُشتركاً أو منضمّاً للزّمان أو المكان ، ونحوهما على نحو ما سبق.

ولو أطلق فلا ناظر ، ومع عدم كمال المحبوس عليه يتولاها الولي الإجباري ، ثمّ الوصيّ ، ثمّ الحاكم.

ومنها : اشتراط الترتيب أو التشريك ، أو الصنفين في زمانين ، أو القسمين ، ومنها : اشتراطه في المحبوس عليه ، من علمٍ أو صلاح أو مذهب أو طريق خاصّ ، وهكذا.

٢٨٠