ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد علي العلوي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-077-5
الصفحات: ٩٠٨
الجزء ١ الجزء ٥

ـ فعلى ما حكي ـ من أنّه في باب تطهير الثياب قال : « فما مسّ الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة بسائر أبدانها إذا كانت رطبة ، أو أدخلت أيديها وأرجلها في الماء وجب غسل الموضع وإراقة ذلك الماء ، ولا يراعى في غسل ذلك العدد ، لأنّ العدد يختصّ بالولوغ ، وإن كان يابسا يرشّ الموضع بالماء ، فإن لم يتعيّن الموضع غسل الثوب كلّه أو رشّ ، وكذلك إن مسّ هذه (١) شيئا من ذلك وكان واحد منهما رطبا وجب غسل يده ، وإن كان يابسا مسحه بالتراب ، وقد رويت رخصة في استعمال ما يشرب منه سائر الحيوانات في البراري سوى الكلب والخنزير ، وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزغ أو وقعا فيه وخرجا حيّين ، لأنّه لا يمكن التحرّز من ذلك » (٢) انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ملاحظة هذه العبارة صدرا وذيلا تقضي باختياره التفصيل بين المقامين ، أي مقام ملاقاة ما يجب غسله في النجاسة من الثوب والجسد ، ومقام شرب الماء أو الوقوع فيه ثمّ الخروج حيّا ، ففي الأوّل يجب الاجتناب بالغسل والرشّ ، وفي الثاني لا يجب الاجتناب رخصة لعدم إمكان التحرّز ، غير أنّه بملاحظة هذا التعليل ليس بظاهر في القول بطهارة الماء حينئذ ، بل غايته الرخصة في استعماله من باب العفو الغير المنافي للنجاسة ، نظير ما قيل في ماء الاستنجاء.

وبذلك ارتفع المنافاة بين عبارته المذكورة في هذا الموضع وعبارته في بحث السؤر (٣) ، حيث إنّه بعد ما حكم بعدم جواز استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الإنسي استثنى منه الفأرة ونحوها ممّا يشقّ التحرّز عنه.

وبذلك يحصل الجمع أيضا بين عبارتيه في النهاية حسبما تقدّم ذكرهما في سؤر الفأرة ، فما في كلام غير واحد (٤) من استبعاد كون الاختلاف بين كلاميه في الكتابين مبنيّا على الفرق بين المقامين ليس في محلّه ، وكأنّه نشأ عن عدم الاطّلاع على ذيل العبارة المذكورة ، أو عدم إعمال النظر في فهمها صدرا وذيلا على ما ينبغي.

وعلى أيّ حال كان ، فالمنقول من حجّة هذا القول وجوه من الروايات.

__________________

(١) وفي النسخة المطبوعة : « بيده » بدل « هذه ».

(٢ و ٣) المبسوط ١ : ٣٧ و ١٠.

(٤) كما في جواهر الكلام ١ : ٦٩٠ حيث قال : بعد نقل كلاميه في النهاية والمبسوط ـ : « واحتمال الفرق بين الموضعين في غاية البعد ».

٨٨١

منها : صحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال : « ينزح منها ثلاث دلاء » (١) وجه الاستدلال ـ على ما وجّهه العلّامة في المختلف ـ : أنّه لو لا نجاسة الوزغة لما وجب لها النزح بالموت ، فإنّ الموت إنّما يقتضي التنجيس في محلّ له نفس سائلة لا مطلقا » (٢).

وكأنّ ذكر الموت مع خلوّ الرواية عنه لظهور « الوقوع » عرفا فيه ، أو لقرينة ذكر الفأرة في موضوع هذا الحكم الّذي لا توجبه إلّا بالموت ، لأنّها لا تنجّس إلّا بالموت لما فيها من النفس السائلة ، فما لم يفرض موتها لم يعقل لها نجاسة لكونها طاهرة العين ، فإذا كان الحكم معلّقا على موتها كان بالقياس إلى الوزغة أيضا مفروضا حال الموت ، ولا يمكن أن يكون ذلك لنجاستها الحاصلة بالموت ، إذ ليس لها نفس سائلة ، فيجب أن يكون لنجاستها العينيّة الثابتة لها في جميع الأحوال ، وقضيّة ذلك نجاسة سؤرها أيضا ، لكونه ماء قليلا أو مضافا لاقية النجاسة.

وملخّصه بالتقريب الّذي ذكرناه : أنّ وجوب النزح لا يكون إلّا لنجاسة ما يقع في البئر ، والنجاسة في الحيوان إمّا ذاتيّة كما في الكلب ، أو عرضيّة تحصل بالموت كما في الفأرة ، وحيث إنّ الوزغة لا يفرض لها نجاسة عرضيّة حاصلة بالموت لعدم كونها من ذوات الأنفس فلا بدّ وأن يكون نجاستها ذاتيّة كالكلب ، فحينئذ لا يتفاوت الحال في انفعال القليل أو المضاف بملاقاتها بين حياتها وموتها.

وجوابه : حينئذ منع بطلان التالي أوّلا ، فإنّ النزح في جميع موارد ثبوته مبنيّ على الاستحباب كما سبق تحقيقه ، فالوزغة حينئذ ليس نجسة ، والنزح لموتها أيضا ليس بواجب ، فتأمّل جيّدا.

ومنع الملازمة ثانيا : إذ ليس ثبوت وجوب النزح مع انتفاء النجاسة في سببه بعادم النظير فيما بين المنزوحات ، ألا ترى أنّ النزح لاغتسال الجنب ـ على القول بوجوبه ـ واجب ولو مع خلوّ بدنه عن النجاسة ، ولو سلّم فالرواية لا تقاوم لمعارضة ما سيأتي من الأخبار الخاصّة القاضية بالطهارة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٨٧ ب ١٩ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٨٨.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٤٦٦.

٨٨٢

ومنها : ما في موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام من أنّه سئل عن العظاية (١) تقع في اللبن؟ قال : « يحرم اللبن ، وقال : إنّ فيها السمّ » (٢).

وفيه : ما لا يخفى من عدم انطباق ذلك على البحث ، فإنّ المطلوب هو النجاسة ، والتعليل بالسمّية يأباها فتأمّل.

ولو سلّم فالكلام إنّما هو في الوزغة وليست العظاية بنصّ أهل اللغة منها ، قال الفيّومي في المصباح المنير : « أنّها دويبة على خلقة سام أبرص » (٣) قال ـ في مادّة « برص » ـ : « سام أبرص كبار الوزغ » (٤) ومثله المجمع (٥) في « سام أبرص » ، كما في شرح « العظاء » قال : « العظاء ممدود دويبة أكبر من الوزغة الواحدة عظاءة وعظاية ، وجمع الاولى عظاء ، والثانية عظايات » (٦).

وفيه أيضا في شرح الوزغ : أنّه « بالتحريك واحد الأوزاغ والوزغان وهي الّتي يقال لها سام أبرص ، وهي حيوان صغير أصغر من العظاية » (٧).

وعن القاموس : الوزغة محرّكة سام أبرص والجمع وزغ (٨).

كما أنّه في المصباح : « الوزغ معروف والانثى وزغة وقيل : الوزغ جمع وزغة مثل قصب وقصبة ، فيقع الوزغة على الذكر والانثى ، والجمع أوزاغ ، ووزغان بالضمّ والكسر والفتح ، حكاه الأزهري ، وقال : الوزغ سام أبرص (٩).

وفي المدارك : « الوزغ جمع وزغة به أيضا دابّة معروفة ، وسام أبرص من أصنافه » (١٠). وبالجملة المستفاد من كلام أهل اللغة وغيرهم أنّ العظاية مغايرة للوزغة ، فتخرج الرواية عن محلّ الكلام بالمرّة ، مع أنّ هذا الحكم في العظاية أيضا ممّا لم يثبت

__________________

(١) بتقديم العين المهملة على الظاء المعجمة على وزن كفاية (في هامش الأصل بخط مصنّفه رحمه‌الله) ـ وهي دويبة ملساء أصغر من الحرذون ، تمشي مشيا سريعا ثمّ تقف ، يقال له بالفارسية : « بزمجه » أو « مارمولك ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ ذيل الحديث ١١٩.

(٣) المصباح المنير ؛ مادّة « العظاءة » : ٤١٧.

(٤) المصباح المنير ؛ مادّة « برص » : ٤٤.

(٥) مجمع البحرين ؛ مادّة « برص ».

(٦) مجمع البحرين ؛ مادّة « عظا ».

(٧) مجمع البحرين ؛ مادّة « وزغ ».

(٨) القاموس المحيط ؛ مادّة « الوزغة ».

(٩) المصباح المنير ؛ مادّة « الوزغ » : ٦٥٧ وفيه : « وزغان بالكسر والضمّ حكاه الأزهري الخ ».

(١٠) مدارك الأحكام ١ : ١٣٧.

٨٨٣

به قائل عدا المقنع (١) ، لما قيل : من أنّه أفتى بمضمونها ، فلعلّها تسقط عن الحجّيّة من هذه الجهة ، هذا مع عدم صلوحها لمعارضة ما يأتي في حجج القول بالطهارة.

ومنها : حسنة هارون بن حمزة الغنوي المتقدّمة المذيّلة بقوله عليه‌السلام : « غير الوزغ ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه » (٢).

وفيه : أنّ عدم الانتفاع بما يقع فيه مبالغة في الكراهة ، وتأكيد في استحباب التنزّه بملاحظة الأخبار المبيحة الآتية ، مع أنّه لا ملازمة بينه وبين النجاسة كما هو محلّ النزاع ، فلعلّه من جهة السمّية أيضا كما عرفت القول به عن التذكرة (٣) واستحسنه المدارك (٤).

ومع هذا كلّه فهي غير صالحة لمعارضة الأخبار المشار إليها ، فإنّها عموما وخصوصا كثيرة جدّا ، فمن الأخبار العامّة صحيحة أبي العبّاس البقباق المتقدّمة (٥) المشتملة على نفي البأس عن فضل أشياء ، منها : الوحش.

ورواية ابن مسكان المتقدّمة (٦) عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب والسنّور ، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك ، أيتوضّأ منه أو يغتسل؟ قال : « نعم ، إلّا أن تجد غيره فتنزّه عنه » بالتقريب المتقدّم ، مع عدم قادحيّة خروج الكلب عن مدلولها بدليل ، وحمل الماء على الكرّ ـ مع أنّه مطلق ـ بقرينة ولوغ الكلب بعيد ، فتأمّل.

ومنها : الموثّق عن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال : سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك ، يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه؟ قال : « كلّ ما ليس له دم فلا بأس به » (٧).

ورواية حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : « لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة » (٨).

ورواية محمّد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تفسد الماء إلّا ما كانت له

__________________

(١) المقنع : ٣٥.

(٢) الوسائل ١ : ٢٤٠ ب ٩ من أبواب الأسآر ح ٤ ـ التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٩٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٤٤.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٣٧.

(٥) الوسائل ١ : ٢٢٦ ب ١ من أبواب الأسآر ح ٤.

(٦) الوسائل ١ : ٢٢٨ ب ٢ من أبواب الأسآر ح ٦.

(٧ و ٨) الوسائل ٣ : ٤٦٣ و ٣٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ١ و ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٣٠ و ٢٣١ / ٦٦٥ و ٦٦٩.

٨٨٤

نفس سائلة » (١).

والتقريب في هذه واضح ، بعد ملاحظة تسالمهم في أنّ الوزغة ليست من ذوات الأنفس ، كما تبيّن عن تقريب الاستدلال على النجاسة بصحيحة معاوية بن عمّار (٢). ومن الأخبار الخاصّة الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ في أثناء حديث ـ قال : وسألته عن العظاية ، والحيّة ، والوزغ يقع في الماء ، فلا يموت ، أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا بأس » (٣).

وهذا الحديث كما ترى يصلح لأن يخرج ـ مضافا إلى ما مرّ ـ دليلا على مغايرة العظاية للوزغ ، كما أنّه يصلح لأن يؤخذ قرينة على أنّ الحرمة في الموثّقة المتقدّمة ليست على معناها الظاهر المصطلح عليه شرعا ، ثمّ إذا انضمّ إليه ـ بعد استفادة الطهارة وجواز الاستعمال منه ـ عموم رواية الوشّاء المتقدّمة ، مضافة إلى الشهرة محقّقة ومحكيّة ، مع ضميمة قاعدة المسامحة ثمّ أمر الكراهة ، فهو الأقوى في المسألة إن شاء الله.

المسألة الثانية عشرة : ذهب من عدا الشيخ في النهاية وابن البرّاج وأبي الصلاح إلى طهارة ما مات فيه العقرب ، وجواز استعماله على كراهية.

فإنّ الشيخ قال : « وكلّ ما وقع في الماء ، فمات فيه ممّا ليس له نفس سائلة ، فلا بأس باستعمال ذلك الماء ، إلّا الوزغ والعقرب خاصّة ، فإنّه يجب إهراق ما وقع فيه وغسل الإناء » (٤).

وابن البرّاج حكم بنجاسته (٥) ، وأبو الصلاح أوجب النزح لها من البئر ثلاث دلاء (٦) ، وذلك آية كونه ينجّسها.

وعن المختلف : « قال ابن البرّاج : إذا أصاب شيئا وزغ أو عقرب فهو نجس ،

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٥ ـ الكافي ٣ : ٥ / ٤.

(٢) الوسائل ١ : ١٨٧ ب ١٩ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٨٨.

(٣) الوسائل ١ : ٢٣٩ ب ٩ من أبواب الأسآر ح ٩ ـ التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦.

(٤) النهاية ١ : ٢٠٤.

(٥) المهذّب ١ : ٢٦ حيث قال : « وليس ينجّس الماء ممّا يقع فيه من الحيوان إلّا أن تكون له نفس سائلة ، وأمّا ما يقع فيه ممّا ليس له نفس سائلة ـ غير العقرب والوزغ ـ فإنّه لا ينجّسه ».

(٦) الكافي في الفقه : ١٣٠.

٨٨٥

وأطلق ، وأوجب أبو الصلاح النزح لها من البئر ثلاث دلاء.

والوجه عندي : الطهارة ، وهو اختيار ابن إدريس ، وهو الظاهر من كلام السيّد المرتضى ، فإنّه حكم بأنّ كلّ ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد والزنابير وما أشبهها لا ينجّس بالموت ، ولا ينجّس الماء إذا وقع فيه قليلا كان أو كثيرا.

وكذا عليّ بن بابويه فإنّه قال : إن وقعت فيه عقرب أو شي‌ء من الحيّات (١) وبنات وردان ، والجراد ، وكلّ ما ليس له دم فلا بأس باستعماله والوضوء منه ، مات أو لم يمت » (٢) انتهى.

والأقوى ما صار إليه الجماعة المدّعى عليه الشهرة من الطهارة ، لنا على ذلك : بعد الأصل ، وعموم موثّقة عمّار ، ورواية حفص ، ومرفوعة محمّد بن يحيى المتقدّمة ، الحاصرة لإفساد الماء في ما له نفس سائلة ، خصوص المرويّ عن قرب الأسناد في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن الكاظم عليه‌السلام قال : سألته عن العقرب والخنفساء وأشباههما ، يموت في الجرّة أو الدّن ، يتوضّأ منه للصلاة؟ قال : « لا بأس به » (٣) وحسنة هارون بن حمزة الغنوي قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك ، يقع في الماء ويخرج حيّا ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ؟ قال : « يسكب منه ثلاث سكبات ، قليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ » (٤) إلى آخره.

وهذا الحديث وإن اختصّ بحالة الحياة ، غير أنّ الظاهر بملاحظة ما سبق في تقريب استدلال العلّامة (٥) على نجاسة الوزغة بصحيحة معاوية بن عمّار عدم اختصاص حكمه بها ، فإنّ نجاسة الحيوان إمّا ذاتيّة فلا يتفاوت الحال في تنجيس الغير بين حياته ومماته ، أو حاصلة بالموت فلا يوجب تنجّس الغير إلّا بعد الموت ، والثاني منفيّ هنا بفرض انتفاء النفس السائلة ، كما أنّ الثاني منفيّ بنصّ الحديث ، وعن مختلف العلّامة (٦) الاستدلال على الحكم هنا بما وصفه بالصحّة من رواية ابن مسكان قال :

__________________

(١) وفي مختلف الشيعة : « الخنافس » بدل « الحيّات ».

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٤٦٧.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٦٥ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٦.

(٤) الوسائل ١ : ٢٤٠ ب ٩ من أبواب الأسآر ح ٤ ـ وفيه : « ثلاث مرّات » بدل « ثلاث سكبات ».

(٥ و ٦) لاحظ مختلف الشيعة ١ : ٤٦٦ و ٤٦٨.

٨٨٦

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا يقع في الآبار ـ إلى أن قال ـ : « وكلّ شي‌ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك ، فلا بأس » (١).

ويشكل التعويل عليه : بأنّ البئر لا يقاس عليها غيره في الأحكام الثابتة لها ، خصوصا على مذهبه فيها وهو عدم انفعالها بالملاقاة وإن أوجب النزح تعبّدا.

حجّة القول بالنجاسة : موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جرّة وجد فيها خنفساء قد ماتت؟ ، قال : « ألقها وتوضّأ منه ، وإن كان عقربا فأرق الماء وتوضّأ من ماء غيره » (٢).

وموثّقة أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الخنفساء يقع في الماء أيتوضّأ منه؟ قال : « نعم لا بأس به » ، قلت : فالعقرب؟ قال : « أرقه » (٣).

والتقريب في ذلك ـ مع ظهوره في المباشرة عن حياة ـ ما تقدّم.

والجواب عن الكلّ : أنّ ما تقدّم في دليل الطهارة لاجتماعه جميع جهات الاعتبار والوثوق ينهض قرينة على [أنّ] الأمر فيهما مرادا به الاستحباب ، فمقتضاهما استحباب التنزّه عن هذا الماء ، وهو ليس بنكير ، مع ما فيهما من قوّة احتمال كون الجهة الداعية إلى ذلك وجود السمّية ، فلم يلزم من ذلك ثبوت النجاسة على ما هو المتنازع.

وبالجملة : العدول عن الطهارة إلى النجاسة مع ملاحظة ما ذكر ، لأجل ما ذكر ، خلاف الإنصاف.

وأمّا الكراهة : وإن استدلّ عليها في شرح الدروس (٤) بمرسلة الوشّاء ، ورواية ابن مسكان ، ومضمرة سماعة المتقدّمة ، لكن ليس شي‌ء منها بشي‌ء هنا.

أمّا الأولى : فلورودها فيما له لحم ، والعقرب ليست من ذوات اللحم.

أمّا الثانية : فلورودها في شرب الدابّة فلا يتعدّى منه إلى المباشرة ميّتا ، إذ ليس حكم الكراهة كحكم النجاسة ، بحيث إذا ثبت في حال الحياة ـ بتقريب ما ذكرنا ـ لكان ثابتا في حال الممات أيضا كما لا يخفى ، فلا يلزم من رجحان التنزّه عن سؤر العقرب رجحانه عن [ما] ماتت فيه ، هذا مع إمكان المناقشة في انصراف « الدابّة » إليها ، ويجري

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٣ ـ التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٤ ب ٣٥ من أبواب النجاسات ح ٤ ـ الكافي ٣ : ١٠ / ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٤.

(٤) مشارق الشموس : ٢٨٠.

٨٨٧

هذا الكلام بعينه في الثالثة أيضا.

فالإنصاف : أنّ إثبات الكراهة هنا من جهة السند في غاية الإشكال ، وإن أمكن إثباتها بملاحظة الشهرة.

المسألة الثالثة عشر : في سؤر الحائض الّذي اختلفت كلمتهم فيه حكما وإطلاقا ، وتقييدا وقيدا ، فعن ظاهر المقنع (١) ، والشيخ في كتابي الحديث (٢) المنع عن التوضّؤ به مطلقا ، كما عن الأوّل قائلا بأنّه : « لا تتوضّأ بسؤر الحائض » ، أو « إذا لم تكن مأمونة » (٣) كما عن الثاني قائلا ـ عند رفع التنافي عمّا بين الأخبار الآتية ـ : « فالوجه في هذه الأخبار ما فصّله في الأخبار الأوّلة ، وهو أنّه إذا لم تكن المرأة مأمونة فإنّه لا يجوز التوضّؤ بسؤرها »

ثمّ قال : « ويجوز أن يكون المراد بها ضربا من الاستحباب » (٤).

وأمّا الآخرون فقد أطبقوا على القول بالكراهة في استعماله مطلقا ، غير أنّه عن مصباح علم الهدى (٥) ومبسوط الشيخ (٦) القول بها في مطلق الحائض ، وعن المعظم القول بها في المقيّدة بغير المأمونة (٧) ، أو بالمتّهمة (٨) ، على الخلاف الآتي في ذلك أيضا.

وقد يمنع مخالفة القولين الأوّلين للأخيرين ، بمنع ظهور لفظ المقنع في الخلاف ، فإنّه وإن كان بنفسه يفيد التحريم ، غير أنّ الصدوق في الغالب يعبّر عن الحكم بلفظ الرواية ، والشيخ إنّما ذكر ذلك لمجرّد الجمع بين الأخبار المتنافية كما هو دأبه في غير المقام ، لا أنّه ذكره عن اعتقاد ، ولذا صرّح عقيب ذلك بإبداء احتمال آخر ، وهو : « كون المراد بالأخبار الناهية عن التوضّؤ بفضل الحائض مطلقا ضربا من الاستحباب » (٩).

ومن هنا ترى صاحب المدارك أنّه بعد ما نقل الكراهة المطلقة عن مبسوط الشيخ ، قال : « وجمع في كتابي الحديث بين الأخبار تارة بالمنع من الوضوء بسؤر غير المأمونة ،

__________________

(١) المقنع : ١٧ و ٤١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٢ ـ الاستبصار ١ : ١٧.

(٣) الاستبصار ١ : ١٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ذيل الحديث ٦٣٦.

(٥) حكاه عنه في المعتبر : ٢٥.

(٦) المبسوط ١ : ١٠.

(٧) كما في المقنعة : ٥٨٤ ـ والمراسم العلويّة : ٣٧ ـ والجامع للشرائع : ٢٠.

(٨) كما في النهاية ١ : ٢٠٣ ـ والوسيلة : ٧٦ ـ والسرائر ١ : ٦٢.

(٩) لاحظ التهذيب ١ : ٢٢٢.

٨٨٨

واخرى بالاستحباب » (١).

وهذا الاختلاف في كلماتهم كما ترى إنّما نشأ عن الاختلاف الواقع في أخبار الباب ، فإنّ منها ما يظهر منه المنع المطلق عن التوضّؤ ، ومنها ما يظهر منه المنع المقيّد عن التوضّؤ أيضا ، ومنها ما يظهر منه الكراهة المطلقة عن التوضّؤ أيضا ، ومنها ما يتردّد بين المنع المطلق عن التوضّؤ وبين جواز التوضّؤ مطلقا وجوازه مقيّدا.

فمن القسم الأوّل : رواية عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سؤر الحائض يشرب منه ولا يتوضّأ » (٢).

ورواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيتوضّأ الرجل من فضل المرأة؟

قال : « إذا كانت تعرف الوضوء يتوضّأ ، ولا يتوضّأ من سؤر الحائض » (٣).

ورواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الحائض : « يشرب من سؤرها ولا يتوضّأ منه » (٤).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته هل يتوضّأ عن فضل الحائض؟ قال : « لا » (٥).

ومن القسم الثاني : رواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يتوضّأ بفضل الحائض؟ قال : « إذا كانت مأمونة فلا بأس » (٦).

ومن القسم الثالث : رواية أبي هلال قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها ، ولا أحبّ أن أتوضّأ منه » (٧) بناء على أنّه يدلّ على نفي المحبوبيّة وهو أعمّ من المبغوضيّة ، فلا يستفاد منه ما زاد على الكراهة ، وربّما يقال : بظهور هذه اللفظة فيها.

ومن القسم الرابع : رواية عيص بن القاسم المرويّة في الكافي والتهذيبين ـ فعلى ما

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٣٤.

(٢) الوسائل ١ : ٢٣٧ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٦ ـ التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٤ وفيه : « تشرب منه ولا توضّأ ».

(٣ و ٤) الوسائل ١ : ٢٣٦ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٣ و ٢ ـ الكافي ٣ : ١١ و ١٠ / ٤ و ٣.

(٥ و ٦) الوسائل ١ : ٢٣٧ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٧ و ٦ ـ التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٦ و ٦٣٤.

(٧) الوسائل ١ : ٢٣٨ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٩.

٨٨٩

في الكافي ـ « قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد؟ فقال : « نعم ، يفرغان على أيديهما قبل أن يضعا أيديهما في الإناء ».

قال : وسألته عن سؤر الحائض؟ فقال : « لا توضّأ منه ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ، ثمّ تغسل يديها قبل أن تدخلهما في الإناء ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد ، [و] يغتسلان جميعا » (١).

وعلى ما في التهذيبين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سؤر الحائض؟ قال : « توضّأ منه ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة » (٢) إلى آخره.

والجنب هنا مراد بها المرأة ، على ما قيل : من أنّه لفظ يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، وقوله : « إذا كانت مأمونة » على نسخة الكافي لا يتحمّل قيدا لما حكم به لسؤر الحائض من قوله : « لا يتوضّأ منه » كما هو واضح ، فعليه يكون مفاد ذلك المنع المطلق على طبق القسم الأوّل من الروايات.

وعلى نسخة التهذيبين يحتمل كونه قيدا للجنب فقط ، فيكون مفاد الرواية حينئذ بالقياس إلى سؤر الحائض الجواز المطلق ، كما يحتمل كونه قيدا لها ولما قبلها على إرادة كلّ واحدة ، فيكون مفادها حينئذ الجواز المقيّد.

وكيف كان ففيما بين تلك الأخبار من التنافي ما لا يخفى ، ومعه لا يمكن العمل بالجميع إلّا بنوع من التصرّف يوجب الجمع بينها ، وهو يتصوّر من وجوه :

أوّلها : أن يحمل « لا يتوضّأ » في روايات القسم الأوّل ، وفي رواية القسم الرابع ـ على نسخة الكافي ـ على المنع ، مع حمل إطلاقه على المنع المقيّد المستفاد من مفهوم رواية القسم الثاني وكذلك رواية القسم الرابع على نسخة التهذيبين ، مع رجوع القيد إلى سؤر الحائض أيضا ، بناء على كون كلمة « لا بأس » مرادا بها نفي الحرمة خاصّة. ويحمل قوله : « لا احبّ » في رواية القسم الثالث على إرادة المبغوضيّة مع حمل إطلاقه على المنع المقيّد المذكور ، ليكون مفاد المجموع حينئذ المنع من سؤر الغير المأمونة خاصّة ، وهذا هو الّذي عزي إلى ظاهر التهذيبين ، واقتضاه ما ذكره أوّلا من وجه الجمع كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٣.

٨٩٠

وثانيها : أن يؤخذ بظاهر قوله : « لا أحبّ » في رواية القسم الثالث من إرادة الكراهة ، ثمّ يجعل قرينة على كون المراد بقوله : « لا يتوضّأ » في روايات القسم الأوّل وكذلك ما في رواية القسم الرابع ـ على نسخة الكافي ـ إنّما هو الكراهة ، مع حمل قوله : « لا بأس » في رواية القسم الثاني على نفي الحرمة الغير المنافي لثبوت الكراهة لمحلّ النطق وإلغاء المفهوم عن المسكوت عنه ، وحمل قوله : « يتوضّأ » في رواية القسم الرابع ـ على نسخة التهذيبين ـ على الإذن الموجودة في ضمن الكراهة مع عدم رجوع القيد إليه ، فيكون مفاد الجميع حينئذ الكراهة المطلقة ، وهذا هو الّذي نقل عن السيّد والشيخ في المصباح والمبسوط.

وثالثها : أن يحمل لفظة « لا بأس » في رواية القسم الثاني على إرادة نفي المرجوحيّة المطلقة ، حتّى الكراهة الغير المنافي لثبوتها في جانب المفهوم ، ثمّ يؤخذ بظاهر قوله : « لا احبّ » في رواية القسم الثالث ويجعل أيضا قرينة على إرادة الكراهة من قوله : « لا يتوضّأ » في الروايات الاخر ، لكن مع تقييد الجميع بغير المأمونة عملا بمنطوق رواية القسم الثاني ، وحمل « يتوضّأ » في رواية القسم الرابع ـ على نسخة التهذيبين ـ على الإذن المطلق الّذي هو القدر المشترك بين الكراهة والإباحة الخاصّة ، فيكون مفاد الجميع كراهة سؤر الغير المأمونة مع انتفائها عن سؤر المأمونة ، وهذا هو المشهور الّذي صار إليه المعظم.

وهاهنا احتمالات اخر يظهر بالتأمّل ، ولا ريب أنّ المصير إلى بعض ما ذكر من الوجوه الثلاث بعينه لا بدّ له من مرجّح عرفي يرجّح أحدها بعينه ، وظاهر أنّ مناط الترجيح هو الظهور والأظهريّة ، على ما هو مقرّر في المرجّحات الراجعة إلى الدلالة.

ولا يبعد أن يقال : بترجيح الوجه الأخير ، بل هو الأقوى ، وإن استلزم ذلك ارتكاب خلاف ظاهر في لفظة « لا بأس » ، بحملها على نفي المرجوحيّة المطلقة ، مع ظهورها عرفا في نفي الجهة المقتضية للمنع من نجاسة أو غيرها ، وفي لفظة « لا يتوضّأ » بحملها على الكراهة مع ظهورها في الحرمة ، وفيها مع لفظة « لا احبّ » بإلحاق التقييد بهما مع ظهورهما في الإطلاق.

لكنّ الإنصاف : أنّ لفظة « لا احبّ » أظهر في إفادة الكراهة ، والجملة الشرطيّة أظهر

٨٩١

في إفادة المفهوم من جميع الامور المذكورة في إفادة ظواهرها ، ومن البيّن وجوب تقديم الأظهر على غيره في مقام التعارض ، فلا يصار معه إلى الوجه الأوّل لاستلزامه العدول عن ظاهر لفظة « لا احبّ » ، مع مشاركته للوجه الأخير في اقتضاء التقييد ، ولا إلى الوجه الثاني لأدائه إلى إلغاء المفهوم عن الجملة الشرطيّة ، مع مشاركته للوجه الأخير في اقتضاء حمل « لا يتوضّأ » على إرادة الكراهة ، مع إمكان المنع من ظهورها في التحريم ، لأنّها جملة خبريّة وهي عند تعذّر الحقيقة ظاهرة في الإنشاء المطلق ومنه الكراهة.

ولو سلّم ظهورها فيه بالنوع فيتوهّن ذلك الظهور بمصير المعظم إلى خلافه ، إن لم نقل بكون فهمهم الكراهة موجبا لظهورها ، وبمثل ذلك أمكن منع ظهور لفظة « لا بأس » فيما ذكر.

بل قد يقال : « إنّ ظاهر نفي البأس في المقيّدات بعد العلم بعدم الحرمة في غير المأمونة نفي الكراهة رأسا » (١) ، فإنّ العلم بانتفاء الحرمة ـ لو فرض ـ يصلح قرينة على كون النظر في روايات الباب نفيا وإثباتا منطوقا ومفهوما إلى الكراهة خاصّة ، ومن هنا أمكن أيضا استظهار الكراهة من لفظتي « يتوضّأ » و « لا يتوضّأ ».

ثمّ يبقى ممّا يتعلّق بالمسألة امور :

الأوّل : قد عرفت أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار اختصاص الكراهة بالحائض الغير المأمونة ، على ما هو صريح رواية عليّ بن يقطين ، ورواية عيص بن القاسم على نسخة التهذيبين في أحد الوجهين ، وقد ورد التقييد به في كلام جماعة من المقيّدين كالشرائع (٢) وعن الذكرى (٣) ، والمراسم (٤) ، والجامع (٥) ، والمهذّب (٦). لكن في الدروس (٧) تبديل الغير المأمونة بالمتّهمة ، كما عن السرائر (٨) والمعتبر (٩) ، والمنتهى (١٠) ، والمختلف (١١) ، والتحرير (١٢) ،

__________________

(١) القائل هو الشيخ الأنصاري رحمه‌الله في كتاب الطهارة ١ : ٣٨٢.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٦.

(٣) ذكرى الشيعة ١ : ١٠٧.

(٤) المراسم العلويّة : ٣٦.

(٥) الجامع للشرائع : ٢٠.

(٦) المهذّب ٢ : ٤٣٠. (٧) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢٣.

(٨) السرائر ١ : ٦٢. (٩) المعتبر : ٢٥.

(١٠) منتهى المطلب ١ : ١٦٢. (١١) مختلف الشيعة ١ : ٢٣٢.

(١٢) تحرير الأحكام ـ كتاب الطهارة ـ (الطبعة الحجريّة) : ٥.

٨٩٢

والقواعد (١) ، والإرشاد (٢) ، واللمعة (٣) ، والجعفريّة (٤).

وفي كلام غير واحد أنّ الثمرة تظهر في الحائض المجهولة الحال ، فإنّ سؤرها مكروه على الأوّل دون الثاني ، لأنّ المتّهمة أخصّ من غير المأمونة ، حيث إنّها تشمل المجهولة دون المتّهمة ، ولعلّه كذلك بملاحظة مضمونها لغة ، فإنّ « المأمون » مأخوذ من الأمن أو الأمانة وهو : الوثوق والاطمئنان ، فالمأمونة : هي المرأة الّتي يوثق بطهارتها ويطمئنّ على تحفّظها عن النجاسة ، ولا ريب أنّ الوثوق والاطمئنان منحصر في صورة العلم أو الظنّ بالتحفّظ ، فغير المأمونة حينئذ من لم يعلم ولا يظنّ تحفّظها عن النجاسة ، سواء علم أو ظنّ بالعدم كما في المتّهمة ـ على تقدير الظنّ بالعدم ، نظرا إلى أنّ الاتّهام عبارة عن سوء الظنّ ، فالمتّهمة : من ظنّ بسوء تحفّظها عن النجاسة ـ أو لم يعلم ولا يظنّ كالمجهولة.

ومن هنا حكم في المدارك بأولويّة إناطة الكراهة بغير المأمونة من المتّهمة ، تعليلا : « بأنّ النصّ إنّما يقتضي انتفاء المرجوحيّة إذا كانت مأمونة ، وهو أخصّ من كونها غير متّهمة ، لتحقّق الثاني في ضمن من لا يعلم حالها دون الأوّل » (٥).

لكن قد يقال : باتّحادهما عرفا ، على معنى أنّ المتبادر عرفا من المأمونة هي الّتي لا تتّهم ، وكأنّه إلى ذلك يرجع ما عن بعض المحقّقين من أنّ غير المأمونة هي المتّهمة ، إذ لا واسطة بين المأمونة ومن لا أمانة لها ، والّتي لا أمانة لها هي المتّهمة. وعليه فلا يتوجّه إليه ما في المدارك من الاعتراض عليه بأنّ : « المتبادر من المأمونة من ظنّ تحفّظها من النجاسات ، ونقيضها من لم يظنّ بها ذلك ، وهو أعمّ من المتّهمة والمجهولة » (٦).

ومرجع ما ذكر إلى منع كون غير المأمونة أعمّ من المتّهمة ، بل هما متساويان في العرف ، وكما أنّ من لم يعلم حالها لا تدخل في مفهوم « المتّهمة » فكذلك لا تدخل في مفهوم « الغير المأمونة » ، فعلى التعبيرين لا يحكم عليها بشي‌ء من الكراهة والعدم واقعا ، وإن كان مقتضى استحباب الحالة السابقة الثابتة للماء هو عدم الكراهة في الحكم الظاهري.

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٨٥.

(٢) إرشاد الأذهان ١ : ٢٣٨.

(٣) اللمعة الدمشقيّة ١ : ٤٧.

(٤) الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي ١ : ٨٦).

(٥ و ٦) مدارك الأحكام ١ : ١٣٦.

٨٩٣

لكن يبقى الكلام في صحّة دعوى التبادر العرفي ولعلّها غير ثابتة.

وبالجملة مبنى الإشكال على دخول الظنّ في مفهومي « المأمونة » و « المتّهمة » لغة ، وقضيّة ذلك كون نقيض كلّ ـ وهو ما لا ظنّ فيه ـ أعمّ من عين الآخر.

نعم ، لو قدرت « المأمونة » الواردة في الروايات مأخوذة من « الأمن » بمعنى السلامة والحفظ والخلوص عن النجاسة ليكون أمرا واقعيّا من غير مدخليّة للعلم أو الظنّ فيه إلّا من باب الطريقيّة ، أمكن القول بدخول المجهولة بحسب الواقع إمّا في « المأمونة » أو في نقيضها ، فلا يحكم عليها بحسب الواقع بشي‌ء من الكراهة والعدم ، وإن وجب الحكم في الظاهر بعدمها استصحابا للحالة السابقة.

ولعلّه إلى ذلك يرجع ما قيل : من أنّا نمنع أخذ الظنّ في المأمونة ، بل المراد منها المتحفّظة عن النجاسة واقعا ، فتارة يظنّ وتارة يقطع ، وغير المأمونة غير المتحفظة في الواقع ، وعلى كلّ حال فمجهولة الحال لا يحكم عليها بشي‌ء وإن كان الواقع لا يخلو منهما ، كما يرشد إليه قول ابن إدريس في السرائر : « أنّ المتّهمة الّتي لا تتوقّى عن النجاسات » (١) وقول أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنّ سؤر الحائض لا بأس [به] أن يتوضّأ منه إذا كانت تغسل يديها » (٢).

لكنّه كما ترى لا يجدي نفعا في إصلاح التعبير بالمتّهمة عن غير المأمونة ، بل قضيّة هذا التوجيه إناطة الكراهة وجودا وعدما بموضع القطع بالتحفّظ والخلوص عن النجاسة وعدمه ، لا لأنّ القطع له مدخليّة في موضوع الحكمين ، بل لأنّه هو الطريق الموصل إلى الواقع على حدّ ما هو في سائر الموضوعات ، فيلزم أن لا يحكم في الّتي ظنّ تحفّظها والّتي ظنّ عدم تحفّظها ـ وهي المتّهمة ـ والّتي شكّ في حالها بشي‌ء من الكراهة والعدم في الواقع ، وإن قضى الظاهر بالحكم بعدمها حتّى في المتّهمة أيضا.

لكن هذا بناء على الاقتصار في العمل على الروايات المقيّدة بالمأمونة ، وأمّا بناء على العمل بالروايات الناهية على الإطلاق وأخذ الروايات المقيّدة مخصّصة لها ـ على ما هو مبنى الجمع بينهما ـ اتّجه الحكم بالكراهة في جميع الأقسام الثلاث المذكورة ، إذ لم يعلم بملاحظة المخصّص إلّا خروج المأمونة عنها ، وهي الّتي علم أمانتها في الواقع.

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٢.

(٢) الوسائل ١ : ٢٣٨ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٩.

٨٩٤

ومن هنا ربّما قيل : إنّ الروايات قد نهت عن الوضوء بسؤر الحائض مطلقا ، أقصى ما هناك أنّه خرجت المأمونة عن هذا الإطلاق فيبقى الباقي.

وعلى كلّ تقدير فالتعبير بالمتّهمة مع الاقتصار عليها ليس على ما ينبغي ، إذ النظر في الحكم بالكراهة هنا إن كان إلى إطلاق الروايات المطلقة في غير ما خرج بالدليل ، فهي مقتضية للكراهة فيما يعمّ المتّهمة وغيرها كالمجهولة إذا لم يؤخذ المتّهمة فيها عنوان الحكم بل العنوان هو الحائض ، غاية الأمر أنّه خرج عنها المأمونة هي الّتي يوثق بطهارتها ـ ولو ظنّا ـ أو الّتي يقطع بتحفّظها عن النجاسة بالخصوص ، وإن كان إلى مفهوم الروايات المقيّدة ، فهو على تقدير يوجب الحكم فيما يعمّ غير المتّهمة أيضا ، وعلى تقدير آخر لا يوجبه في المتّهمة أيضا.

وبملاحظة جميع ما ذكر آل الكلام إلى دعوى : أنّ الأقوى بملاحظة إطلاق الأخبار الناهية عن سؤر الحائض كراهة سؤر جميع أفرادها عدا المأمونة ، وهي المحفوظة عن النجاسة في الواقع ، فلا يحكم بها إلّا مع العلم بالحفظ ، بل ينبغي أن يستثنى من هذا الإطلاق الّتي علم بعدم سلامتها عن النجاسة الشخصيّة لثبوت المنع هنا بملاحظة أدلّة اخر ، وأمّا الّتي ظنّ بعدم سلامتها عن شخص النجاسة فاستثناؤها والعدم يدور على القول بالظنّ في ثبوت النجاسات وعدمه.

الأمر الثاني : قد عرفت بملاحظة ما تقدّم أنّ المأخوذ في موضوع حكم الكراهة إنّما هو الوضوء بسؤر الحائض مطلقة أو مقيّدة ، بل قد عرفت أنّها فارقة في النهي والترخيص بين الوضوء والشرب ، حتّى أنّه قد خرجت أكثرها مصرّحة بالشرب مع النهي عن الوضوء المحمول على إرادة الكراهة ، ومن هنا استشكل بعضهم في حكم الشرب ، لكن المعروف من مذهبهم عدم الفرق بينهما ، بل عن المحقّق البهبهاني : « أنّ الاقتصار على الوضوء لم نقل به فقيه » (١) ولعلّه من جهة التسامح ، وعليه يحمل النهي الوارد في الأخبار بالقياس إلى الوضوء على شدّة الكراهة لا على اختصاصها به ، ولا يخلو عن إشكال.

__________________

(١) حكاه عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٨٤ حيث قال : « وقال الاستاذ إنّ الاقتصار على الوضوء لم يقل به فقيه ، فالظاهر أنّ التعميم محلّ وفاق » انتهى.

٨٩٥

الأمر الثالث : مقتضى بعض الروايات المتقدّمة كون سؤر الجنب أيضا في حكم سؤر الحائض ، فيكون مكروها مع عدم المأمونيّة ، وقد يلحق بهما سؤر المستحاضة أيضا والنفساء ، بل عن غير واحد كالشهيدين في البيان (١) والروضة (٢) ، وظاهر الشيخين (٣) والحلّي (٤) والمحقّق (٥) إلحاق سؤر كلّ متّهم بها ، وعن المحقّق الشيخ عليّ المناقشة فيه بكونه تصرّفا في النصّ ، بل عنه بعين عبارته : « أنّه تصرّف في التصرّف » (٦) ولا يخلو عن قوّة ، وربّما يؤيّد ذلك بما يظهر من الأخبار من استحباب التنزّه عمّن لا يتنزّه ، بل قد يستظهر ذلك من رواية ابن أبي يعفور : أيتوضّأ الرجل من فضل المرأة؟ قال : « إذا كانت تعرف الوضوء يتوضّأ » (٧) بناء على أنّ الظاهر من الوضوء الاستنجاء أو إزالة مطلق الخبث.

* * *

__________________

(١) البيان : ١٠١.

(٢) الروضة البهيّة ١ : ٤٧.

(٣) وهما الشيخ المفيد في المقنعة : ٥٨٤ ؛ والشيخ الطوسي في النهاية ٣ : ١٠٦.

(٤) السرائر ٣ : ١٢٣.

(٥) المعتبر : ٢٥.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٢٤ العبارة الموجودة فيه هكذا : « وتعدية الحكم إلى كلّ متّهم تصرّف في النصّ » ولكنّه نقل العبارة في الحدائق عن بعض فضلاء المتأخرين بما في المتن. راجع الحدائق الناضرة ١ : ٤٢٤.

(٧) الوسائل ١ : ٢٣٦ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٣.

٨٩٦

ينبوع

وممّا حكم عليه بكراهة استعماله مطلقا ، أو في الطهارة مطلقا ، أو في الوضوء خاصّة ، الماء الّذي سخّنته الشمس ، نصّ عليه غير واحد من الأصحاب ، وعن الذخيرة : « أنّه مشهور بين الأصحاب » (١) بل عن الخلاف (٢) الإجماع على كراهة الوضوء بالمسخّن بالشمس إن قصد به ذلك.

والأصل فيه رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عائشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس ، فقال : يا حميرا ، ما هذا؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي ، قال : لا تعودي ، فإنّه يورث البرص » (٣).

ورواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الماء الّذي تسخّنه الشمس لا تتوضّئوا به ، ولا تغسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنّه يورث البرص » (٤).

وما في الخصال عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله : خمس خصال تورث البرص : النورة يوم الجمعة ويوم الأربعاء ، والتوضّؤ والاغتسال بالماء الّذي تسخّنه الشمس ، والأكل على الجنابة ، وغشيان المرأة في أيّام حيضها ، والأكل على الشبع » (٥) وإنّما حمل النهي في الروايتين الاوليين على الكراهة مع ظهوره في الحرمة لما في سنديهما من الضعف ، الموجب لعدم صلاحيتهما لإثبات الحرمة ، فحمل النهي على الكراهة مسامحة في دليلها.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ١٤٤.

(٢) الخلاف ١ : ٥٥ ، المسألة ٤.

(٣) الوسائل ١ : ٢٠٧ ب ٦ من أبواب الماء المضاف ح ١ ـ التهذيب ١ : ٣٦٦ / ١١١٣.

(٤) الوسائل ١ : ٢٠٧ ب ٦ من أبواب الماء المضاف ح ٢ ـ الكافي ٣ : ١٥ / ٥.

(٥) الخصال : باب الخمسة ، ص ٢٧٠.

٨٩٧

ويؤيّده الشهرة والإجماع المنقولان ، مضافا إلى أنّه مقتضى الجمع بين الروايات المذكورة وبين مرسلة محمّد بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بأن يتوضّأ [الإنسان] بالماء الّذي يوضع في الشمس » (١).

لا يقال : مقتضى الرواية الثالثة كالتعليل في الاوليين حرمة استعمال الماء لأنّ البرص ضرر أخبر به المعصوم ، ومن أحكام الضرر أن يجب دفعه ولو كان ممّا يرجع إلى الدنيا ، إذ لا يستفاد منها كونه علّة تامّة لإيراث البرص ، بل غاية ما يستفاد أنّه ممّا من شأنه ذلك ، فحين شخص الاستعمال لا يقطع ولا يظنّ بأنّه يؤثّر لا محالة ، بل قصارى ما هنالك الاحتمال ، وهو لا يقضي إلّا باستحباب التجنّب والاحتياط.

ثمّ في المقام فروع ينبغي التعرّض لها.

الأوّل : أنّه يستفاد من المحقّق في ظاهر الشرائع ـ حيث عبّر عن المسألة بأنّه : « تكره الطهارة بماء اسخن بالشمس في آنية » ـ (٢) اعتبار قصد التسخين في موضوع حكم الكراهة ، بل هو صريح الخلاف على ما تقدّم عنه من نقل الإجماع ، المذيّل بقوله : « إن قصد به ذلك » (٣) وصريح المحكيّ عن السرائر من : « أنّ ما أسخنته الشمس بجعل جاعل له في إناء ، وتعمّده لذلك ، فإنّه مكروه في الطهارتين معا فحسب » (٤) وحكي عن ظاهر غير واحد أيضا.

لكن يدفعه : إطلاق الروايات الشاملة لما لا قصد إلى تسخينه ، وليس فيها ما يخصّصها عدا ما يوهم الرواية الاولى ، المشتملة على قوله : « قد وضعت قمقمتها في الشمس » ، وفيه : ما لا يخفى.

وأضعف منه الاعتذار لهم بأنّه : من جهة الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن ، فإنّ ذلك إنّما يستقيم في موضع الإجمال الّذي هو منتف هنا جزما فالإطلاق لا صارف عنه هنا قطعا.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٠٨ ب ٦ من أبواب الماء المضاف ح ٣ ـ التهذيب ١ : ٣٦٦ / ١١١٤.

(٢) لشرائع الإسلام ١ : ١٥.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤ المسألة ٤ وفيه : « وأمّا المسخّن بالشمس إذا اريد به ذلك ، فهو مكروه إجماعا ».

(٤) السرائر ١ : ٩٥.

٨٩٨

فالأقرب : عموم الكراهة بالقياس إلى صورتي القصد وعدمه ، عملا بالإطلاق المنجبر ضعفه بعمل المعظم كما قيل ، مضافا إلى أنّ التعليل : بإيراث البرص أيضا ممّا ينفي هذا التوهّم ، لأنّ ذلك إنّما يترتّب عليه من باب الخاصّيّة ، فليس للقصد فيها مدخليّة.

الثاني : وممّا يستفاد من عبارة الخلاف المتقدّمة (١) اختصاص الكراهة بالوضوء ، كما أنّ المستفاد من عبارة الشرائع (٢) المتقدّمة اختصاصها بالطهارة ، ومن صريح ما تقدّم عن التحرير (٣) قصر الحكم على الطهارتين فحسب ، وعن الشهيد في الذكرى (٤) تخصيص الحكم بالطهارة مع العجين.

والأولى وفاقا لغير واحد من الأجلّة عدم الفرق بين سائر الاستعمالات أيضا ، لإطلاق الرواية الاولى المحفوف بترك الاستفصال ، وليس في المقام ما يوهم الخروج عنه إلّا ما في الرواية الثانية والثالثة.

وفيه : أنّ الأخذ به أخذ بمفهوم اللقب ، وهو من أصله فاسد ، ومعه فلا يقاوم إطلاق منطوق الرواية الاولى ، ومع الغضّ عن ذلك فثبوت المفهوم عند القائلين به في جميع موارده منوط بعدم ورود المنطوق مورد الغالب.

ولعلّ النكتة في عدم التعرّض لذكر سائر الاستعمالات الّتي منها الشرب أنّه قلّما يتّفق من سائر الاستعمالات ـ ولا سيّما الشرب ـ بما سخّنته الشمس ، بل النفوس تراها كارهة عن شرب هذا الماء.

نعم ، إنّما يغلب فيه الاستعمال في الطهارتين والعجين ، ولا سيّما في أوقات الشتاء ، بل الناس تراهم متعمّدين في تسخين الماء لهذه الاستعمالات خصوصا العجين ، فوردت الروايتان على طبق ما يغلب في عملهم ، ولا ينافي مثل ذلك ثبوت الحكم للمسكوت عنه أيضا.

والثالث : المستفاد من عبارة السرائر (٥) والشرائع (٦) المتقدّمتين ، وكذلك النافع (٧)

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٤ المسألة ٤.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٥.

(٣) تحرير الأحكام ـ كتاب الطهارة ـ (الطبعة الحجريّة) : ٥.

(٤) ذكرى الشيعة ١ : ٧٨.

(٥) السرائر ١ : ٩٥.

(٦) شرائع الإسلام ١ : ١٥.

(٧) المختصر النافع : ٤٤.

٨٩٩

والمنتهى (١) وكلام الشيخ عليّ في حاشية الشرائع (٢) اختصاص الحكم بالآنية وانتفاؤه عن غيرها ، بل عن التذكرة (٣) ونهاية الإحكام (٤) الإجماع على نفيها عن غيرها من الأنهار والحياض والمصانع ، وكأنّهم استفادوه عن الرواية الاولى المشتملة على ذكر القمقمة ، وإلّا فالنصوص الاخر مطلقة ، مع توجّه المنع إلى استفادته من الرواية المذكورة أيضا ، فإن ثبت ذلك إجماعا وإلّا فللمناقشة فيه مجال واسع ، إلّا أن تدفع بتعسّر الاجتناب عمّا أسخنته في غير الآنية. فتأمّل.

ثمّ على تقدير الاختصاص بالآنية ظاهرهم بل صريح غير واحد عموم الحكم للأواني المنطبعة ـ وهي المصنوعة من الصفر والحديد والرصاص والنحاس ونحوها ـ ولغيرها ، وعدم الفرق أيضا بين البلاد الحارّة وغيرها من البلاد المعتدلة ، وكلّ ذلك لعموم النصّ والفتاوي ، ونقل الإجماع أيضا وعن التذكرة (٥) القطع به ، خلافا لما عن النهاية من دعوى التخصيص ، قائلا : « بأنّ التعليل بكونه يورث البرص يقتضي قصر الحكم على الأواني المنطبعة غير الذهب والفضّة في البلاد الحارّة ، لأنّ الشمس إذا أثّرت في تلك الأواني استخرجت منها زهومة (٦) تعلو الماء ، ومنها يتولّد المحذور » (٧) ولا يخفى ما فيه من الاعتبار في مقابل النصّ.

الرابع : في كلام غير واحد بقاء الكراهية وإن زالت السخونة والحرارة الحادثة من الشمس ، وعلّل بالاستصحاب.

وعن بعضهم الاحتجاج عليه : بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتقّ.

وفيه أوّلا : فساد المبنى ، لما قرّر في محلّه.

وثانيا : فساد الابتناء ، إذ ليس الحكم في نصوص الباب معلّقا على المشتقّ ليترتّب عليه ما ذكر.

نعم ، التمسّك بالاستصحاب لا ضير فيه ، بناء على أنّ المستفاد من النصوص بملاحظة صيغة « تسخّنه » ليس إلّا سببيّة حدوث السخونة لحدوث الكراهة ، وأمّا كون

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٢٤.

(٢) حاشية شرائع الإسلام ـ كتاب الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ٦.

(٣ و ٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٣.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٢٦.

(٦) رسومة (منه).

(٧) نهاية الإحكام ١ : ٢٢٦ نقلا بالمعنى.

٩٠٠