ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد علي العلوي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-077-5
الصفحات: ٩٠٨
الجزء ١ الجزء ٥

في غاية الضعف ، فتندرج في عموم قوله عليه‌السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (١) وعموم التعليل في رواية عمر بن حنظلة الواردة في علاج المتعارضين بقوله : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » (٢) بناء على أنّ الريب المنفيّ هنا هو الريب الإضافي ، وأنّ العبرة في باب التراجيح إنّما هو بمطلق الوثوق والاطمئنان ، كما هو المحقّق المقرّر في محلّه.

وثانيا : لأنّ الاولى أظهر في إفادة الحصر ـ من حيث ورود الخطاب فيها بصورة الجملة الشرطيّة الظاهرة في السببيّة المنحصرة أو مطلق التلازم وجودا وعدما ـ من الثانية من حيث ورود الخطاب فيها بصورة القضيّة الحمليّة ، الّتي يكون الأصل في حملها حمل المتعارفي الغير المفيد للحصر ، إلّا أن يقال : بأنّ ورودها مورد التحديد والبيان شاهد حال بإرادة الحصر أيضا ، إذ لولاه لما حصل الغرض فيكون الحمل فيها من باب المواطاة ، أو يقال : بكفاية الحمل المتعارفي أيضا في ثبوت المطلوب ، نظرا إلى أنّ النزاع في أنّ ثلاثة أشبار هل هو ممّا يصدق عليه عنوان الكرّيّة أو لا ، وقضيّة الحمل المفروض هو الصدق ، وهو المطلوب.

وثالثا : لأنّ مرجع ما فرض من التعارض إلى تعارض المطلق والمقيّد في موضع العلم بوحدة الحكم ، فتندرجان في قاعدتهم المقرّرة المحكّمة من حمل المطلق على المقيّد ، وقضيّة ذلك تعيّن العمل بالرواية الاولى.

ورابعا : لأنّ الثانية تتوهّن بمصير الأكثر بل المعظم إلى خلافها فتقوّى به الاولى وتضعّف الثانية ، فيسقط عن رتبة الحجّيّة أو المعارضة.

وأمّا على التقدير الثاني فأوّلا : لأنّ الرواية الاولى إنّما تدلّ على المطلب من جهة مفهوم الشرط ، بخلاف الثانية إذ ليس فيها إلّا تعليق الحكم بالعدد ، ومن المقرّر في محلّه أنّ مفهوم الشرط حجّة دون مفهوم العدد ، فلا مفهوم للثانية ليكون معارضا لمنطوق الاولى.

وثانيا : لأنّ مفهوم الشرط أقوى من مفهوم العدد ـ لو قلنا به مطلقا أو في خصوص المقام ـ بملاحظة قرينة المقام من ورود الخطاب مقام التحديد والبيان ، فيجب تقديمه.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، ب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٤٣ ـ تفسير جوامع الجامع : ٥ ـ بحار الأنوار ٢ : ٢٥٩.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي ح ١ ـ الكافي ١ : ٥٤ / ١٠.

١٦١

وثالثا : بمنع إرادة المفهوم من الثانية هنا لو قلنا بالمفهوم مطلقا وسلّمنا تساويه مع مفهوم الاولى ، أو لا بدّ من حمل مفهومها على نفي الكرّيّة عن الأقلّ من ثلاثة أشبار صونا لها عن مخالفة الإجماع ؛ ضرورة أنّ ما زاد على ذلك كرّ مع زيادة فكيف يعقل نفي الكرّيّة عنه ، ومعه ارتفع المعارضة بينهما كما لا يخفى.

إلّا أن يقال بأنّ : المنفيّ في الثانية بالنسبة إلى جانب الزيادة إنّما هو الكرّ بشرط لا ، لا مطلق الكرّ ، ولا ريب أنّه يصدق على ثلاثة أشبار ونصف على تقدير تحقّق الكرّيّة بأقلّ منه : أنّه ليس من الكرّ بشرط لا ، أي الكرّ بشرط عدم الزيادة.

وفيه : مع أنّه لا ينافي مفاد منطوق الاولى كما لا يخفى ، أنّ الالتزام بذلك التقييد مع عدم إشعار في الرواية به ليس بأولى من التزام عدم اعتبار المفهوم هنا بالمرّة ، أو تخصيصه بجانب القلّة مع صلاحيّة منطوق الاولى مع انضمام الإجماع المشار إليه قرينة على هذا التصرّف في الثانية.

ورابعا : لأنّ مفهوم الاولى ممّا يعضده الشهرة ومصير المعظم إلى خلاف مفهوم الثانية.

ثمّ ، إنّه ربّما يحتجّ على قول القمّيّين بالأصل ، وبالاحتياط ، وبمقاربته للأرطال ولأكثر من راوية والحبّ والقلّتين ، المذكورات في الروايات المتقدّمة.

ولا يخفى ما في جميع ذلك من الخروج عن السداد ، والاعتماد في استنباط الحكم الشرعي على ما لا ينبغي عليه الاعتماد ، فإنّ الأصل والاحتياط ـ مع أنّهما معارضان بمثليهما ، ضرورة أنّ الأصل بقاء الحدث والخبث فيما لو اريد التطهير بما دون ثلاثة أشبار ونصف الملاقي للنجاسة ، وأنّ الاحتياط واستصحاب الاشتغال بمشروط بالمائيّة يقتضيان عدم الاكتفاء بذلك المفروض ـ يندفعان بعدم صلوحهما لإحراز الحكم الواقعي ولا الحكم الظاهري بعد قيام الدليل الاجتهادي السليم عن المعارض على خلافهما كما عرفت ، وكما أنّهما لا يصلحان معارضين لدليل اجتهادي فكذلك لا يصلحان معاضدين له لو وافقهما.

فلو اريد بهما تأييد ما تقدّم من الرواية المقامة حجّة على هذا القول ، يدفعه : توجّه المنع إلى صلوح الأصل العملي معاضدا للدليل الاجتهادي كما قرّر في محلّه.

ومحصّل بيانه على وجه الإجمال : أنّه كما يعتبر في المتعارضين تواردهما على

١٦٢

موضوع واحد ، فلأجل ذلك لا يقع المعارضة بين الأصل والدليل لتعدّد موضوعيهما ، فكذلك يعتبر في المتعاضدين كونهما واردين على موضوع واحد ، ولا ريب أنّ موضوع الأصل يغاير موضوع الدليل فكيف يعقل معه كونه معاضدا له.

وبالجملة : فالدليل الاجتهادي الموافق للأصل إن صلح مخرجا للمورد عن موضوع الأصل فلا يشمله حكم الأصل حتّى يكون معاضدا لذلك الدليل ، وإلّا فالحكم منحصر في حكم الأصل فلا شي‌ء معه حينئذ يكون معتضدا به ، هذا كلّه إذا اريد بالأصل ما يرجع إلى استصحاب الطهارة ، وأمّا لو اريد به قاعدة الطهارة المستفادة عن عمومات الأدلّة فهو وإن كان أصلا اجتهاديّا غير أنّ حكمه حكم الأصل العملي من حيث كونه دليلا تعليقيّا ، فيكون اعتباره منوطا بموضع عدم قيام الدلالة على الخلاف ، والمقام ليس منه لما عرفت من قيام الدلالة الشرعيّة السليمة عمّا يعارضها.

وأمّا البواقي فهي على فرض تسليم موجبها وما ادّعي فيها مقرّبات لا تجدي بنفسها نفعا في إثبات المطلب ، ولا تقوية للدليل الموافق بعد رجحان الدليل المخالف عليه لذاته ، أو بعد عدم معارضة بينهما في الحقيقة ، بناء على كثير من الوجوه المتقدّمة في تقديم دليلنا على المطلب ، الّذي مرجعه في الحقيقة إلى الجمع بينهما.

مضافا إلى عدم منافاة المذكورات للمذهب المشهور ، بناء على ما قيل من إمكان اختلافها في الصغر والكبر على وجه يكون بعض أفرادها موافقا لذلك المذهب ، وبعضها الآخر موافقا لمذهب القمّيّين ، والثالث مخالفا لهما معا.

ومن هنا يعلم أنّ هذه الروايات موهونة بمنافاتها حكمة الشارع ، فإنّها لاختلاف أفرادها غاية الاختلاف ليس بجائز في حكمة الحكيم أن يجعلها مناطا لما يقصد بجعله إعطاء ضابط كلّي لا ينبغي في مثله الاختلاف وعدم الانضباط ، ومعه كيف تصلح لإثبات المطلب أو تأييد ما خرج عن كونه دليلا.

مضافا إلى ما في بعضها من قوّة احتمال الخروج مخرج التقيّة ، مع كون ظواهر جميعها معرضا عنها الأصحاب ، مع توجّه المنع إلى دعوى كون التحديد بالأرطال وزنا مقاربا للتحديد بثلاثة أشبار ، بل إنّما هو يقرب بناء على ما قيل ـ وسيأتي بيانه ـ ممّا رجّحه صاحب المدارك استنادا إلى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّم بيانها ، الآتي

١٦٣

بعض الكلام فيها وعليها.

وأمّا سائر الأقوال فقد عرفت أنّ منها : قول ابن الجنيد ولم نقف له على مستند ، كما اعترف به غير واحد من فحول أصحابنا ، مع ما فيه من شذوذه ومخالفته الشهرة العظيمة القريبة من الإجماع بل الإجماع في الحقيقة ، حيث لا موافق له منهم مع ما قيل فيه من أنّه ما أبعد بين ما ذهب إليه باعتبار المساحة وما ذهب إليه في الوزن من اعتبار بلوغه القلّتين مع كون مبلغ تكسيره ألفا ومائتي رطل ، وقد تقدّم عن العلّامة في المختلف (١) ما يقرب من هذا الكلام على هذا القول ، وبالجملة فهو ممّا ينبغي الجزم بسقوطه ، وعدم كونه ممّا يعبأ به.

ومنها : قول الراوندي ولم نقف له أيضا على مستند ، نعم في جواهر شيخنا : « أنّ مستنده دليل المشهور من رواية أبي بصير ونحوها ، إلّا أنّه فهم منها أنّ « في » ليست للظرفيّة بل بمعنى « مع » فتبلغ عشرة ونصفا » (٢) وهو كما ترى ، فإن أراد ببلوغه إليه بلوغه بطريقة الضرب فإنّما يبلغ اثنى عشر وربعا ، وإن أراد به بلوغه بطريقة الجمع فإنّما يبلغ سبعة ، وعلى التقديرين لا ينطبق المذكور على هذا القول ، بل الوجه في هذا القول ما أشرنا إليه سابقا ـ على الظاهر ـ من ابتناء كلامه على أنّه فهم ممّا حدّ الكرّ بثلاثة أشبار ونصف في كلّ من أبعاده الثلاث من الأخبار أو فتاوى الأخيار إرادة اعتبار الجمع فيما بين بعض هذه الحدود مع بعض آخر ، خلافا للمشهور في فهم إرادة ضرب بعض في بعض ، ومثل هذا الاشتباه يتّفق كثيرا للإنسان ، كما رأيناه وسمعناه عن بعض أهل عصرنا من تلامذتنا المتردّدين إلينا ، حيث إنّه فهم عمّا حدّده المشهور طريق الجمع ، على وجه سبقت إليه من أجل ذلك شبهة أتعبتنا رفعها.

وممّا ينبّه على صدق ما فهمناه ظاهر سياق كلام العلّامة في المختلف حيث قال ـ بعد الفراغ عن ذكر احتجاجات القولين الأوّلين في المسألة ـ : « تنبيه : الظاهر أنّ الأشبار يراد ضرب الحساب فيها ، فيكون حدّ الكرّ تكسيرا اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر ، وقال القطب ليس المراد ذلك بل يكون الكرّ عشرة أشبار ونصفا طولا وعرضا وعمقا » (٣) انتهى.

وبالجملة : فالّذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنّ هذا اشتباه في فهم المراد بالتحديد بثلاثة

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٨٣.

(٢) جواهر الكلام ١ : ٣٥٧.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ١٨٤.

١٦٤

أشبار ونصف طولا ، في ثلاثة أشبار ونصف عرضا ، في ثلاثة أشبار ونصف عمقا ، فزعمه أنّه لبيان ما يعتبر تكسيره بطريق الجمع ، فلذا عبّر عمّا يحصل بالتكسير بعشرة أشبار ونصف.

فهل هو حينئذ يخالف المشهور في المقدار الواقعي بالكلّيّة أو يوافقه بالكلّيّة أو يخالفه في بعض الفروض ويوافقه في البعض الآخر؟ وجوه ، من أنّ المراد به بلوغ المجموع من الأعداد المذكورة ذهنا وخارجا هذا المبلغ ، على معنى كون ذلك مبلغا لنفس المعدود الموجود في متن الخارج ، فيراد بالعشرة والنصف المبلغ من الماء الموجود في الخارج الّذي لو قسّم على كلّ واحد من الأبعاد على نحو السويّة لأخذ منه كلّ واحد ثلاثة ونصفا.

أو أنّ المراد به ما لو فرض كون كلّ من هذه المقادير الثلاث مفصولا عن الآخر في نظر الحسّ لكان المجموع منها عشرة ونصفا ، كما أنّه لو اعتبرنا الجمع بين ثلاثة أعداد متفاصلة في الخارج مقدار كلّ ثلاثة ونصف كان الحاصل عشرة ونصفا حتّى يكون ذلك مبلغا حقيقيّا للأعداد على فرض انفصال كلّ عن الآخر دون المعدود الّذي هو الماء.

أو أنّ المراد به بلوغ هذه المقادير حال اتّصالها وتداخل بعضها في البعض المبلغ المذكور ، وإن لزم التكرار في جملة من الفروض ودخول طائفة منها في الحساب مرّات عديدة من جهة ما فيها من التداخل والاتّصال ، كما في الحدّ المشترك بين كلّ بعدين بداية ونهاية ، فإنّه لو جمع حينئذ أحدهما مع الآخر لدخل ذلك الحدّ المشترك في الحساب مرّتين كما لا يخفى.

فعلى الأوّل : يكون هذا المذهب مخالفا للمشهور كلّيّا ، ومن فروض مقدّره حينئذ ما لو كان طول الماء عشرة أشبار ونصفا ، وكلّ من عرضه وعمقه شبرا واحدا.

ومنها : ما لو كان طوله خمسة أشبار وربعا ، وكلّ من عرضه وعمقه شبرين (١).

ومنها : ما لو كان طوله واحدا وعشرين شبرا ، وكلّ من عرضه وعمقه نصف شبر.

ومنها : ما لو كان عرضه شبرين ونصفا وثمن شبر ، وكلّ من طوله وعمقه أربعة أشبار.

ومنها : ما لو كان كلّ من طوله وعرضه أربعة أشبار ، وعمقه شبرين ونصفا وثمن شبر.

ومنها : ما لو كان طوله تسعة أشبار ، وعرضه شبرا ، وعمقه نصف شبر.

__________________

(١) ولا يخفى عدم بلوغ هذه الصورة حدّ الكرّ حتّى على مذهب الراوندي قدس‌سره ، والله العالم.

١٦٥

ومنها : ما لو كان الطول ثمانية أشبار ، والعرض شبرا ونصفه ، والعمق شبرا وهكذا إلى آخر ما يمكن فرضه ، ولا يذهب عليك أنّ اختلاف هذه الفروض ليس اختلافا في مقدار الماء ، بل هو اختلاف يحصل في أوضاعه وأشكاله على حسبما يفرض.

وعلى الثاني : يكون موافقا له كلّيّا فلا اختلاف بينهما حينئذ في المعنى ، بل هو اختلاف في اللفظ والاعتبار.

وعلى الثالث : قد يوافقه وقد يخالفه ، وقد يقرب منه وقد يبعد منه ، ومن هنا قد يقال : إنّه قد يكون كالمشهور كما إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة ونصفا ، وقد يقرب منه كما لو فرض طوله ثلاثة أشبار وعرضه ثلاثة وعمقه أربعة ونصفا ، فإنّ مساحته حينئذ أربعون شبرا ونصف ، وقد يبعد منه جدّا كما لو فرض طوله ستّة وعرضه أربعة وعمقه نصف شبر ، فإنّ مساحته اثنا عشر شبرا ، وأبعد منه ما لو فرض طوله تسعة أشبار وعرضه شبرا واحدا وعمقه نصف شبر ، فعلى كلامه يكون مثل ذلك كرّا وإن كان تبلغ مساحته على تقدير الضرب أربعة أشبار ونصف.

وبجميع ما ذكر ينقدح أنّه لم يتبيّن مخالفته للمشهور ، فإن رجع دعواه إلى ما يوافقه كلّيّا كما يرشد إليه أنّهم لم يذكروه مخالفا للمعظم ، وإنّما ذكره في المختلف (١) وغيره في فروع التحديد بثلاثة أشبار ونصف وأنّ المعظم يعتبرون في الأبعاد الضرب وهو لا يعتبره ، لا أنّه يعتبر عدمه وإلّا فيردّه ظاهر الأخبار وصريح فتاوي الأخيار من اعتبار الضرب في تقدير الكرّ ، مضافا إلى أنّه لو بنى على ما فهمه لكان منافيا لحكمة الحكيم ، من حيث إنّه أناط الكرّيّة العاصمة للماء عن الانفعال بما يختلف أفراده اختلافا شديدا ، وما لا يستقرّ على شي‌ء ولا ينضبط في حدّ ، فيكون التحديد الّذي تعرّض له الشارع واحتاج إليه المحتاجون من المكلّفين والسائلون عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام بمنزلة عدمه وهو كما ترى نقض للغرض وتعمية للمكلّف ، وإرشاد له إلى ما يعسر معرفته على التعيين ، بل ما يتعذّر تعيينه على وجه يرتفع به الحاجة.

ومنها : ما عرفت عن صاحب المدارك (٢) مع مستنده ، وهو صحيحة إسماعيل ابن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الماء الّذي لا ينجّسه شي‌ء؟ قال : « ذراعان عمقه في

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ١٨٤.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٥١.

١٦٦

ذراع وشبر سعته » (١).

وقد يقال : إنّ تكسيره يبلغ إلى ستّة وثلاثين شبرا ، لأنّ المراد بالذراع القدمان ـ كما يظهر من أخبار المواقيت (٢) ـ والقدم شبر ، وقد صرّح هو بأنّ المراد بالسعة كلّ من جهتي الطول والعرض ، فيكون كلّ منهما ذراعا وشبرا فيضرب الثلاثة في مثله يبلغ المرتفع تسعة ، ثمّ يضرب في أربعة فيبلغ المقدار المذكور ، والخطب في ذلك بعد خروجه على خلاف الشهرة ـ لو خالف المشهور ـ هيّن ، لأنّه يتوهّن بذلك ، وإن كان صحيحا بل في أعلى مرتبة الصحّة ، والعجب عنه كيف استوجه العمل به ، والمشهور منه استشكاله في العمل بالصحيح إذا خالف عمل الأصحاب ، مع أنّه قابل للتأويل وإرجاعه إلى ما لا يخالف المشهور إلّا يسيرا ، قال في المنتهى : « وتأوّلها الشيخ على احتمال بلوغ الأرطال ، وهو حسن لأنّه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار » (٣).

وعن الفاضل الأسترآبادي ـ محمّد أمين ـ في تعليقاته على شرح المدارك : « قد اعتبرنا الكرّ وزنا ومساحة في المدينة المنوّرة فوجدنا رواية ألف ومائتا رطل مع الحمل على العراقي قريبة غاية القرب من هذه الصحيحة » (٤).

نعم في الحدائق : « والظاهر أنّ اعتباره بناء على ما ذكره يرجع إلى سبع وعشرين شبرا » (٥) وقضيّة ذلك انطباق الصحيحة على ما تقدّم من رواية استند إليها القمّيّون ، وهو كما ترى استظهار في غير محلّه ، وكأنّه وهم نشأ عمّا سبق الإشارة إليه في تحديد الكرّ وزنا من احتجاج بعضهم على حمل « الرطل » ثمّة على العراقي بأنّه المناسب لرواية ثلاثة أشبار الصحيحة.

وأنت خبير : بأنّ ذلك توهّم فاسد ، بل هذه الرواية إمّا توافق مذهب المشهور أو تخالفه ومذهب القمّيّين معا ، كما أشار إليه المحقّق الخوانساري بقوله : « الذراع إن كان شبرين كما في بعض الأفراد فحينئذ لا ينطبق على شي‌ء منهما ، بل هو أمر متوسّط

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٦٤ ، ب ١٠ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ التهذيب ١ : ٤١ / ١١٤.

(٢) الوسائل ٤ : ١٥٠ ، ب ٨ من أبواب المواقيت ح ٣٤ ـ الكافي ٣ : ٢٧٧ / ٧.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٣٨.

(٤) حكى عنه في الحدائق الناضرة ١ : ٢٧٦.

(٥) الحدائق الناضرة ١ : ٢٧٦.

١٦٧

بينهما إذ تكسيره يبلغ ستّة وثلاثين ، وإن كان أزيد منهما كما في البعض الآخر فيمكن أن ينطبق على المذهب المشهور ، وإن لم ينطبق فيقاربه جدّا ، وعلى أيّ حال يكون أقرب إلى المشهور منه إلى القول الثاني » (١) انتهى.

وممّا يؤيّد كونه مخالفا للقولين أنّ صاحب المدارك (٢) اعتمد عليه مع عدم اختياره بشي‌ء منهما ، ولو صحّ ما توهّم فيدفعها ما دفعها حسبما تقدّم بيانه.

ومنها : ما عرفت عن الشلمغاني (٣) ، ومستنده على ما ذكره بعضهم الرضوى ، « وكلّ غدير فيه الماء أكثر من كرّ لا ينجّسه ما يقع فيه من النجاسات ، والعلامة في ذلك أن يؤخذ الحجر فيرمى به في وسط الماء ، فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبي الغدير فهو دون الكرّ ، وإن لم يبلغ فهو كرّ لا ينجّسه شي‌ء » (٤) ، وهو كما ترى أضعف الأقوال ومستنده أضعف الأدلّة ، ويكفي في ذلك موافقته لمذهب أبي حنيفة على ما تقدّم بيانه في صدر باب الكثير ، فيقوى فيه احتمال وروده مورد التقيّة بعد سلامة السند عن المناقشة ، ومع الغضّ عن ذلك فإعراض الأصحاب عن العمل به ممّا يسقطه عن درجة الاعتبار.

ومنها : ما عرفت عن ابن طاوس (٥) من العمل بكلّ ما روى ، ومستنده على ما قيل اختلاف روايات الباب ، وقيل : بأنّ مرجعه إلى العمل بقول القمّيّين وجوبا مع استحباب الزائد الّذي عليه المشهور ، وكأنّه ـ لو صحّ ـ مبنيّ على مصيره في مسألة التخيير بين الأقلّ والأكثر إلى وجوب الأقلّ واستحباب الأكثر ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

وربّما يظهر من صاحب المدارك الميل إليه ، كما نبّه عليه عند حكاية هذا القول بقوله : « وكأنّه يحمل الزائد على الندب وهو في غاية القوّة لكن بعد صحّة المستند » (٦).

وفيه : مع أنّ الحقّ في مسألة التخيير بين الأقلّ والأكثر وجوب الزائد والناقص معا ، أنّ التخيير إن اريد به ما يكون في المكلّف به نظير ما هو الحال في خصال الكفّارة فهو فرع الدلالة ، لأنّه خلاف الأصل ـ على ما قرّر في محلّه ـ وهي منتفية على الفرض ، وإن اريد به ما يكون في الإسناد على قياس ما هو الحال في الأدلّة المتعارضة فهو فرع

__________________

(١) مشارق الشموس : ١٩٩.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٥١.

(٣ و ٥) تقدّم في الصفحة ١٥٠ التعليقة ٦ و ٧.

(٤) فقه الرضا : ٩١.

(٦) مدارك الأحكام ١ : ٥٢.

١٦٨

التكافؤ وفقد المرجّح وعدم إمكان العمل ، وقد عرفت في تتميم دليل المشهور المنع عن جميع ذلك ، فإنّ أقلّ المراتب في ذلك قيام المرجّح من جهات شتّى من الداخليّة والخارجيّة وهو كاف في علاج التعارض.

نعم ، ينبغي أن يعلم أنّ هذا المذهب من المعظم مع مصيرهم في تحديد الكرّ إلى ما تقدّم ، إنّما يستقيم إذا لم يحصل بين الحدّين تفاوت بحسب المقدار ولو يسيرا ، وإلّا ـ كما هو توهّمه غير واحد ، حتّى أنّ منهم من يدّعي في ذلك دوام كون الوزن أقلّ ، كبعض مشايخنا (١) في شرح الشرائع ـ أشكل الأمر إشكالا لا يندفع إلّا بتكلّف إناطة ذلك باختلاف المياه وزنا في الثقل والخفّة ، كما ارتكبه بعضهم.

ثمّ إنّ تحديد الكرّ بكلّ من الجهتين مبنيّ على التحقيق ، ولا يكفي فيه التقريب كما قرّر في الاصول ، ونصّ عليه هنا غير واحد من الفحول ، وليس الحال فيه بل في جميع التحديدات الشرعيّة ـ كما في الموازين وغيرها ـ من المقادير الّتي يتسامح فيها عرفا ، فلو نقص الماء عن أحد الحدّين ولو بيسير من مثقال بل أقلّ وجزء من شبر ينفعل بالملاقاة ، ولا يلحقه أحكام الكرّ جزما.

ثمّ إنّ المعتبر في الأشبار إنّما هو شبر مستوى الخلقة ، فلا اعتداد بشبر من قصر شبره عن الحدّ المذكور لصغر يده ، ولا بشبر من زاد شبره على ذلك الحدّ لكبر يده أو طول أصابعه ، وكلّ ذلك قضيّة لانصراف المطلق في نظر العرف والعادة ، ولأنّه لو لا ذلك خرج الحدّ الشرعي عن الانضباط ، وأفضى إلى الهرج والمرج لغاية وضوح الاختلاف ، وقد نصّ على ما ذكرناه أيضا غير واحد من الفحول ، وحكي التصريح به عن السرائر (٢) والمنتهى (٣) والقواعد (٤) والتحرير (٥) وجامع المقاصد (٦) والذكرى (٧) والمسالك (٨) ، بل عن الذكرى (٩) أنّه عزاه إلى الأكثر ، وإلّا فالعلم عند الله الأكبر.

* * *

__________________

(١) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري قدس‌سره ـ ١ : ١٩١.

(٢) السرائر ١ : ٦١.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٤٠.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ١٨٤.

(٥) تحرير الأحكام ـ كتاب الطهارة ـ (الطبعة الحجريّة) : ٤.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١١٨.

(٧ و ٩) ذكرى الشيعة ١ : ٨٠.

(٨) مسالك الافهام ١ : ١٤.

١٦٩

ينبوع

الماء إذا كان دون الكرّ فله أنواع ، كالراكد والجاري والمطر والحمّام والبئر وستسمع البحث عن جميع هذه الأنواع ، ولنقدّم البحث عن الأوّل لكونه ممّا يعلم به ما لا يعلم بتقديم البواقي كما لا يخفى ، فالكلام فيه يقع في مقامين :

المقام الأوّل :

في انفعال القليل من الراكد بملاقاة النجاسة في الجملة ، والمعروف من مذهب الأصحاب ـ المدّعى عليه إجماع الفرقة تارة ومقيّدا باستثناء من يأتي من أصحابنا اخرى ـ أنّه ينفعل بمجرّد الملاقاة تغيّر أو لم يتغيّر ، خلافا للعماني ـ ابن أبي عقيل الحسن من قدماء أصحابنا (١) ـ لمصيره فيه إلى عدم الانفعال إلّا في صورة التغيّر كالكرّ ، ثمّ وافقه على ذلك المحدّث الكاشاني (٢) وغيره من جماعة من المتأخّرين على ما حكي عنهم ، وعن العامّة في منتهى العلّامة (٣) اختلافهم في ذلك ، فعن أبي حنيفة (٤) وسعيد بن جبير (٥)

__________________

(١) نقله عنه في مختلف الشيعة ١ : ١٧٦ ـ الحسن بن عليّ بن أبي عقيل : أبو محمّد العماني الحذّاء ، فقيه متكلّم ، ثقة ، وعرّفه الشيخ بالحسن بن عيسى ، يكنّى أبا علي ، وجه من وجوه أصحابنا ، وهو أوّل من هذّب الفقه واستعمل النظر وفتق البحث عن الاصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ، وله مؤلّفات منها : كتاب المتمسّك بحبل آل الرسول ـ الفهرست للطوسي : ٥٤ ، رجال النجاشي : ٤٨ ، خلاصة الأقوال : ٤٠ ، تنقيح المقال ١ : ٢٩١.

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٨١.

(٣) منتهى المطلب ١ : ٤٤.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٧١ ، شرح فتح القدير ١ : ٦٨ ، نيل الأوطار ١ : ٣٦.

(٥) سعيد بن جبير الوالبي : أبو محمّد مولى بني والبة ، تابعيّ كوفيّ ، نزيل مكّة. الفقيه المحدّث ، روى عن ابن عبّاس وعديّ بن حاتم ، وروى عنه جعفر بن أبي المغيرة والأعمش وعطاء بن السائب وغيره ، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام عليّ بن الحسين ، وكان يسمّى جهبذة العلماء ، قتله الحجّاج بعد محاورة طويلة معه. رجال الطوسي : ٩٠ ـ خلاصة الأقوال : ٧٩ ، تذكرة الحفّاظ ١ : ٧٦.

١٧٠

وابن عمر (١) ومجاهد (٢).

وإسحاق (٣) وأبو عبيدة (٤) اختيارهم القول الأوّل ، خلافا لحذيفة (٥) وأبي هريرة (٦) وابن عبّاس (٧)

__________________

(١) عبد الله بن عمر بن الخطّاب بن نقيل القرشي العدويّ ، أبو عبد الرحمن ، روى عن النبيّ وأبيه وأبي بكر وأبي ذر ومعاذ وغيرهم ، وروى عنه عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيّب وعون بن عبد الله ، ولد سنة ثلاث من المبعث ، ومات سنه ٧٤ ه‍. الإصابة ٢ : ٣٤٧ ـ تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧ ، شذرات الذهب ١ : ٨١.

(٢) مجاهد بن جبر المكيّ : أبو الحجّاج المخزوني مولى السائب بن أبي السائب المخزومي ، سمع سعدا وعائشة وأبا هريرة وأمّ هاني وعبد الله بن عمرو وابن عبّاس ولزمه مدّة ، وقرأ عليه القرآن ، روى عنه قتادة والحكم بن عتيبة وعمرو بن دينار ومنصور والأعمش وغيرهم ، مات سنة ١٠٣ ه‍. شذرات الذهب ١ : ١٢٥ ؛ تذكرة الحفاظ ١ : ٩٢.

(٣) أبو يعقوب إسحاق بن ابراهيم بن مخلّد الحنظلي التميمي المروزي ، نزيل نيشابور وعالمها ، يعرف بـ (ابن راهويه) سمع من ابن المبارك وفضيل بن عياض ، وأخذ عنه أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو العبّاس بن السّراج ولد سنة ١٦٦ ه‍ وقيل : ١٦١ ه‍ مات سنة ٢٣٨ ه‍. تذكرة الحفّاظ ٢ : ٣٥ ـ الفهرست لابن النديم : ٣٢١ ، شذرات الذهب ٢ : ٨٩.

(٤) القاسم بن سلّام ـ بتشديد اللام ـ أبو عبيد البغداديّ اللغوي الفقيه ولي القضاء بمدينة طرسوس ، سمع شريكا وابن المبارك وحدّث عنه الدارمي وأبو بكر بن أبي الدنيا وابن أبي اسامة ، أخذ عن الاصمعي والكسائي والفرّاء وغيرهم ـ مات سنة ٢٢٤ ه‍. بغية الوعاة : ٣٧٦ ، تذكرة الحفّاظ ٢ : ٤١٧ ، شذرات الذهب ٢ : ٥٥.

(٥) حذيفة بن حسل ، ويقال حسيل اليمان بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث ، يكنّى أبا عبد الله العبسي ، شهد حذيفة وأخوه صفوان أحدا وكان من كبار الصحابة ، معروف فيهم بصاحب سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تمييز المنافقين ، روى عن النبيّ ، وروى عنه ابنه أبو عبيدة وعمر بن الخطّاب وقيس بن أبي حازم ، وأبو وائل وزيد بن وهب وغيرهم ، مات بالمدائن سنة ٣٦ ه‍. الإصابة ١ : ٣١٧ ، الاستيعاب بهامش الاصابة ١ : ٣٧٧ اسد الغابة ١ : ٣٩ ، شذرات الذهب ١ : ٤٤.

(٦) أبو هريرة الدوسي ، ودوس هو : ابن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث ، اختلفوا في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا لا يحاط به ولا يضبط في الجاهليّة والإسلام ، وقيل : اسمه عبد شمس في الجاهليّة ، صحب النبيّ وروى عنه الإصابة ٤ : ٢٠٢ ـ الاستيعاب بهامش الإصابة ٤ : ٢٠٢ ـ تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٢.

(٧) عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ـ

١٧١

وسعيد بن المسيّب (١) والحسن البصري (٢) وعكرمة (٣) وعطا (٤) وطاوس (٥) وجابر بن زيد (٦)

__________________

ـ ومعاذ بن جبل ، وروى عنه جمع كثير منهم عبد الله بن عمر وأنس وأبو أمامة وعكرمة وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وسعيد بن المسيّب وطاوس ووهب بن منبّه وأخوه كثير بن عبّاس وابنه عليّ ابن عبد الله بن عبّاس ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفّي سنة ٦٨. تذكرة الحفّاظ ١ : ٤٠ ـ شذرات الذهب ١ : ٧٥ ـ اسد الغابة ٣ : ١٩٢.

(١) سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم القرشي المدني : أبو محمّد ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر ، سمع من عمر وعثمان وزيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وسعد بن أبي وقّاص ، واختلف في سنة وفاته ، فقيل : ٩٤ وقيل : ٨٩ وقيل : ٩١ وقيل ١٠٥ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٥٤ ، شذرات الذهب ١ : ١٠٢ ، وفيات الأعيان ٢ : ١١٧.

(٢) الحسن بن أبي الحسن يسار : أبو سعيد البصريّ مولى زيد بن ثابت الأنصاري ، وأمّه خيرة مولاة أمّ سلمة ، حدّث عن عثمان وعمران بن حصين والمغيرة بن شعبة وابن عبّاس ، مات سنة ١١٠ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٧٢ ، شذرات الذهب ١ : ١٣٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٦٣ ، ميزان الاعتدال ١ : ٥٢٧.

(٣) أبو عبد الله : عكرمة بن عبد الله مولى عبد الله بن عبّاس ، أصله من البربر ، روى عن مولاه وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأبي سعيد وأبي هريرة وعائشة ، واستبعد الذهبي روايته عن عليّ عليه‌السلام ، وكان ينتقل من بلد إلى بلد ، مات سنة ١٠٧ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٩٥ ، شذرات الذهب ١ : ١٣٠ ، وفيات الأعيان ٢ : ٤٢٧.

(٤) عطاء بن أبي رباح : أبو محمّد بن أسلم القرشي ، مفتي أهل مكّة ومحدّثهم ، روى عن عائشة وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن عبّاس وأبي سعيد وطائفة ، وروى عنه أيّوب وعمرو بن دينار وابن جريح وأبو إسحاق والأوزاعيّ وأبو حنيفة وخلق كثير ، مات سنة ١١٤ ه‍ ، وقيل : ١١٥ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٩٨ ، شذرات الذهب ١ : ١٤٧ ، وفيات الأعيان ٢ : ٤٢٣ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠.

(٥) طاوس بن كيسان اليماني الجنديّ الخولانيّ : أبو عبد الرحمن من أبناء الفرس ، روى عن ابن عبّاس وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وروى عنه ابنه عبد الله والزهري وإبراهيم بن ميسرة وحنظلة بن أبي سفيان وكان شيخ أهل اليمن وكان كثير الحج مات بمكّة قبل يوم التروية سنة ١٠٤ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٩٠ ، شذرات الذهب ١ : ١٣٣.

(٦) جابر بن زيد الأزدي البصري : أبو الشعثاء صاحب ابن عبّاس وروى عنه ، روى عنه قتادة وأيّوب وعمرو بن دينار وكان من فقهاء البصرة ، مات سنة ٩٣ ه‍ ، وقيل : ١٣٠ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٧٢ ـ شذرات الذهب ١ : ١٠١.

١٧٢

وابن أبي ليلى (١) ومالك (٢) والأوزاعي (٣) والثوري (٤) وابن المنذر (٥) فإنّ المرويّ عنهم المصير إلى القول الثاني وللشافعي (٦) قولان وعن أحمد (٧) روايتان.

ولا يذهب عليك أنّ الأصل في المسألة اجتهادا وفقاهة من وجوه شتّى كاستصحاب الطهار وأصلي البراءة والإباحة عن وجوب الاجتناب واستعمال هذا الماء مطلقا في جانب القول الثاني فلذا قد يؤخذ حجّة لأصحابه ، وليس في جانب القول الأوّل أصل يوافقه.

نعم قد سبق إلى بعض الأوهام الضعيفة جريان أصل الشغل واستصحابه في مشروط المائيّة في جانبه ، ولكن يدفعه : أنّ الضابط الكلّي في باب الاصول أنّها تجري حيث لم يكن أصل موضوعي في أحد طرفي الشكّ واستصحاب الطهارة أصل موضوعي لا يجري معه الأصلان المشار إليهما ، والسرّ في ذلك أنّه حيثما يجري علم

__________________

(١) محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري : أبو عبد الرحمن ، مفتي الكوفة وقاضيها ، حدّث عن الشعبي وعطاء والحكم بن عيينة ونافع وطائفة ، وحدّث عنه شعبة وسفيان بن سعيد الثوري ووكيع وأبو نعيم ، مات سنة ١٤٨ ه‍ ـ تذكرة الحفّاظ ١ : ١٧١ ـ شذرات الذهب ١ : ٢٢٤ ـ ميزان الاعتدال ٣ : ٦١٣ ـ وفيات الأعيان ٢ : ٣٠٩.

(٢) مالك : أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الحميري الأصبحي المدني ، إمام المذهب المالكي ، حدّث عن نافع والمقبري والزهري وغيرهم ، ولد سنة ٩٣ ه‍ ، ومات سنة ١٩٧. شذرات الذهب ١ : ٢٩٢ ـ تذكرة الحفّاظ ١ : ٢٠٧.

(٣) أبو عمر الرحمن بن عمر بن محمّد الدمشقي الأوزاعي الفقيه ، حدّث عن عطاء بن أبي رباح والقاسم بن مخيمرة وربيعة بن يزيد وشدّاد بن أبي عمّار والزهري وقتادة ويحيى بن أبي كثير ، وحدّث عنه شعبة وابن المبارك والوليد بن مسلم ، ولد ببعلبك ونشأ بالبقاع ثمّ نزل بيروت فمات فيها سنة ١٥٧. تذكرة الحفّاظ ٢ : ٣١٠.

(٤) أبو عبد الله سفيان بن مسروق الثوري الفقيه الكوفي ، حدّث عن أبيه وزبيد بن الحارث وحبيب بن أبي ثابت وزياد بن علاقة ومحارب بن دثار ويحيى القطّان وابن وهب ووكيع وقبيصة وجمع كثير ، مات بالبصرة بعد أن كان مختفيا من المهدي سنة ١٦١ ه‍. تذكرة الحفّاظ ١ : ٢٠٣ ، شذرات الذهب ١ : ٢٥٠ ، الفهرست لابن النديم : ٣١٥.

(٥) إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الحزامي الأسدي : أبو إسحاق المدنيّ محدّث المدينة ، روى عن مالك وسفيان بن عينية والوليد بن مسلم وابن وهب وأبي ضمرة ، وروى عنه البخاري وابن ماجة ومحمّد بن إبراهيم البوشنجي وخلق كثير ، مات سنة ٢٣٦ ه‍ ، وهو غير أبي بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر من فقهاء الشافعية. تذكرة الحفّاظ ١ : ٤٧٠ ـ شذرات الذهب ٢ : ٨٦ ، ميزان الاعتدال ١ : ٦٧.

(٦ و ٧) المغني لابن قدامة ١ : ٥٣.

١٧٣

شرعي يحرز به الواقع تعبّدا من الشارع يرتفع معه الشكّ في البراءة ارتفاعا شرعيّا.

ومن هنا ينقدح أنّه لو قرّر هنا في بعض الفروض النادرة أصل آخر مخالف لكلا القولين كقاعدة الشغل الجارية عندنا عند الشكّ في المكلّف به ودوران الأمر بين المتباينين ، فيما لو فرض انحصار الماء في القليل الملاقي للنجاسة عند الاشتغال بمشروط بالطهارة المردّدة في الفرض بين المائيّة والترابيّة المقتضية للجمع بينهما لم يكن في محلّه ، لارتفاع ذلك الشكّ والتردّد بواسطة الأصل الموضوعي المذكور ، وبالجملة : لو كان في المسألة أصل فهو مختصّ بالقول الثاني.

وتظهر فائدته في أمرين أحدهما : أنّ المطالب بالدليل في المسألة أصحاب القول الأوّل ، لمصيرهم إلى مخالفة الأصل دون أهل القول الثاني ، فلو وجدتهم حينئذ مستندين إلى دليل آخر فهو تفضّل منهم.

وثانيهما : كونه المرجع جدّا عند فقدان الدليل ، أو وجوده مجملا أو معارضا بمثله ، المساوي له من جميع الجهات ، الموجب للعجز عن الترجيح.

وأمّا ما يتراءى عن بعض العبائر من ظهور فائدته في مقام الترجيح ، لأنّه يوجب اعتضاد الدليل المقتضي لما يوافقه وتأيّده به ، فهو كلام ظاهري منشؤه عدم التأمّل في مفاد الأصل ، وموضوعه المغاير لموضوع الدليل ، والغفلة عمّا قدّمنا الإشارة إليه من أنّ المعاضد كالمعارض يشترط فيه وحدة الموضوع فيما بينه وبين ما يتعاضد به ، وهي ممّا يمتنع فيما بين الاصول العمليّة والأدلّة الاجتهاديّة ، وقضيّة ذلك امتناع كلّ من التعاضد والتعارض ، كما أنّ الأخير ممّا يعلمه كلّ أحد ، فهو مع الأوّل من واد واحد لا يعقل الفرق بينهما أصلا.

وبجميع ما قرّرناه يتبيّن : أنّ العمدة في المقام الواجب مراعاته إنّما هو النظر في أدلّة القول الأوّل ، فإن تمّت دلالة وسندا وسلامة عن المعارض المساوي أو بالأصول المعتبرة.

فنقول : إنّ العمدة في أدلّة الباب إنّما هو الأخبار المرويّة عن أئمّتنا الأطهار الأطياب سلام الله عليهم أجمعين ، وأمّا نقل الإجماعات وإن ادّعى استفاضتها واعتمد عليها غير واحد من الأصحاب ، ولكنّ التعويل عليها عند التحقيق لا يخلو عن إشكال ، كما أنّ الاحتجاج بالضرورة الّذي يوجد في بعض العبارات غير خال عن الإشكال.

١٧٤

أمّا الأوّل : فلأنّ هذا الإجماع لو فرضناه محقّقا لا يفيدنا في خصوص المقام شيئا فضلا عن كونه منقولا ، لعلمنا بأنّه ليس إلّا عن الأخبار الواردة في المقام الّتي صارت من مزالّ بعض الأقدام ، فلا بدّ من النظر في تلك الأخبار وكيفيّة دلالتها وصحّة أسانيدها ، وخلوّها عن معارض أقوى ، استعلاما لصدق المجمع عليه ، لعدم ثبوت حجّيّة أصل النقل من حيث هو تعبّدا ، ولا حجّيّة أصل الاتّفاق كذلك ، وإنّما يصير حجّة لو كشف عن الواقع كشفا علميّا ، أو عن وجود دليل غير علمي للمجمعين ، بحيث لو عثرنا به ووجدنا لعملنا به ولم نبعّده ، وهذا ليس منه للعلم التفصيلي بالمستند الّذي لم يتحقّق عندنا حاله بعد ، نعم لا مضايقة في أخذها مؤيّدة لتلك الأخبار في مقام ترجيحها على معارضاتها إذا حصل الوثوق بالمنقول ، لكشفه حينئذ عمّا يستقيم به الدلالة لو فرض فيها قصور ، ويتقوّم به السند لو كان معه ضعف ، أو حزازة اخرى ممّا يوجب الوهن في أسانيد الأخبار.

وأمّا الثاني : فللقطع بأنّ انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة ليس حاله كحال سائر الضروريّات كوجوب الصلاة على وجه يعرفه كلّ أحد حتّى الرساتيق والبدويّين من الأمّة أو الشيعة ، كيف ولم يعهد عن أحد من هؤلاء أنّهم يتحرّزون عن ماء قريب من الكرّ بمجرّد ما لاقاه قطرة بول أو ولغة كلب أو نحوه ، بل نرى عملهم على خلافه كما لا يخفى على البصير.

غاية ما في الباب أن تقول : إنّه ينشأ عن قلّة المبالاة والمسامحة في الدين ، غير أنّه احتمال أو مع الرجحان ، ولا ريب أنّه لا يجامع الضرورة لمجامعته احتمال كون منشأه الجهل وعدم الاطّلاع بأصل الحكم ، وإن اريد بالضرورة ما هي بين الخواصّ وأهالي المعرفة بالمسائل والأحكام فمنعها أوضح ، كما يرشد إليه استنادهم عند السؤال عن وجه المسألة إلى فتوى المجتهد ، ومن خواصّ الضرورة كون الحكم معلوما لكلّ أحد بعلم ضروري لا يستند إلى قول المفتي كما لا يخفى ، بل إحالة الوجه إلى الفتوى ممّا يكشف بنفسه عن عدم العلم الضروري كما لا يخفى.

ثمّ إنّ هاهنا وجهين آخرين استند إليهما العلّامة ، مضافا إلى روايات المسألة أحدهما : ما ذكره في المنتهى : « من أنّ النجاسة امتزجت بالماء وشاعت أجزاؤها في

١٧٥

أجزائه ، ويجب الاحتراز عن أجزاء النجاسة ، وقد تعذّر إلّا بالاحتراز عن الماء المختلط أجزاؤه بأجزائها » (١) ، وهو كما ترى من أوهن ما لا ينبغي الاستناد إليه في أمثال المقام ؛ فإنّه ـ مع أنّ فيه نوع مصادرة لتوجّه المنع عن وجوب الاحتراز عن أجزاء النجاسة بعد شيوعها في الماء ، بل هو أوّل المسألة ـ منقوض بالكرّ وما فوقه إذا شاعت فيه أجزاء النجاسة ، ولا سيّما إذا فرضنا القليل أقلّ منه بيسير كالمثقال بل المثاقيل ، إذ لو لا الحكم على فرض ثبوته تعبديّا صرفا فأيّ عاقل يدرك الفرق بين ألف ومائتي رطل وما نقص عنه بمثقال بل مدّ بل رطل ونحو ذلك ، حتّى يدّعي في الثاني وجوب الاحتراز عن مجموع هذا الماء مقدّمة للاحتراز عن أجزاء النجاسة الشائعة فيه دون الأوّل ، هذا كلّه مع ما فيه من عدم جريانه في جميع صور المسألة حتّى ما لا يكون للنجاسة جزء كعضو الكافر أو أخويه ، أو شي‌ء من أجزائها الساقطة من عظم ونحوه.

وثانيهما : ما قرّره في المختلف : من « أنّ القليل مظنّة الانفعال غالبا ، فربّما غيّرت النجاسة أحد أوصافه ولا يظهر للحسّ ، فوجب اجتنابه » (٢).

وفيه : مع أنّه مبنيّ على اعتبار التغيّر التقديري وقد تقدّم المنع عنه ، وعلى وجوب الاحتياط في مواضع الشبهة سيّما إذا قابله أصل موضوعي اجتهادا وفقاهة حينما عرفت أنّه منقوض أوّلا بالفرض المتقدّم ، وثانيا بعدم جريانه في النجاسات الغير المغيّرة لذواتها أو لقلّة ونحوها ، ولو قيل بأنّ ذلك تعبّد من الشارع فسقط اعتبار هذا الوجه ويطالب القائل بدليل ذلك ، فلا بدّ له من التشبّث بالأدلّة السمعيّة ، وقضيّة ذلك انحصار المستند حقيقة في الأخبار فلا بدّ من النظر فيها.

فنقول : إنّها حسبما احتجّ به أهل هذا القول كثيرة جدّا ، ومنقول فيها البلوغ حدّ التواتر معنى ، بل ربّما يدّعى بلوغها نحو مائتين رواية أو أزيد ، غير أنّ جملة منها صحاح ، واخرى موثّقات ، وثالثة حسان ، ورابعة ضعاف منجبرة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، مع نقله المدّعى فيه الاستفاضة.

ثمّ إنّ جملة منها ما هو صريح أو ظاهر كالصريح في المطلوب ، واخرى ما هو ظاهر فيه منطوقا ، وثالثة ما هو ظاهر فيه مفهوما ، ونحن نراعي في ذكرها هذه الأنواع الثلاث ،

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٤٨.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ١٧٧.

١٧٦

فنذكرها بالترتيب المذكور غير مراع فيه مراتب الصحّة وغيرها من الأنواع الأربع الأوّلة.

فأمّا النوع الأوّل : فروايات ، منها : ما في التهذيب والاستبصار ـ الموصوف بالصحّة في كلام جماعة ـ عن الفضل أبي العبّاس قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه ، فقال : « لا بأس به » ، حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء » (١).

ومنها : ما فيهما أيضا عن معاوية بن شريح ، قال : سأل عذافر أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن سؤر السنّور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغال والسباع يشرب أو يتوضّأ منه؟ فقال : « نعم اشرب منه وتوضّأ » ، قال : قلت له الكلب؟ قال : « لا » ، قلت أليس هو بسبع؟ قال : « لا والله إنّه نجس ، لا والله إنّه نجس » (٢) وفيهما (٣) أيضا مثله بطريق آخر إلى معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي الرجال (٤) اتّحاده مع معاوية بن شريح.

ومنها : ما عن التهذيب في كتاب الأطعمة والأشربة عن أبي بصير ، قال : « دخلت أم معبد العبديّة على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، قالت : جعلت فداك أنّه يعتريني قراقر في بطني ، إلى أن قالت : وقد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق وقد وقفت وعرفت كراهتك له فأحببت أن أسألك عن ذلك ، فقال : وما يمنعك عن شربه؟ قالت : وقد قلّدتك ديني فألقى الله حين ألقاه فاخبره أنّ جعفر بن محمّد أمرني ونهاني ، فقال : « يا أبا محمّد ألا تسمع إلى هذه المرأة وهذه المسائل ، لا والله لا آذن لك في قطرة فلا تذوقي منه قطرة ، إلى أن قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يبلّ منه الميل ينجّس حبّا من ماء يقولها ثلاثا » (٥).

__________________

(١ و ٢) الوسائل ١ : ٢٢٦ ، ب ١ ـ من أبواب الأسآر ح ٤ و ٦ ـ التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ و ٦٤٧ ـ الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ و ٤١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٨.

(٤) وفي منتهى المقال : « معاوية بن شريح : له كتاب ... ـ إلى أن قال ـ : والظاهر أنّه ابن ميسرة بن شريح ، وفي التعليقة : هذا هو الظاهر كما يظهر من الأخبار ، وقال الصدوق عند ذكر طرقه : وما كان فيه عن معاوية بن شريح فقد رويته ... إلى أن قال : معاوية بن ميسرة بن شريح هذا وصرّح مولانا عناية الله باتّحاده مع ابن ميسرة ، وهو الظاهر ». منتهى المقال ١ : ٢٨٠ ـ مجمع الرجال ٦ : ٩٩ ـ تعليقة الوحيد البهبهاني : ٣٣٦ ـ الفقيه ـ المشيخة ٤ / ١٦.

(٥) نقل ذيله في الوسائل ٣ : ٤٧٠ ، ب ٣٨ من أبواب النجاسات ح ٦ ـ الكافي ٦ : ٤١٣ / ١.

١٧٧

وجه الاستدلال بالخبر الأخير واضح لا حاجة معه إلى البيان ، وأمّا الأوّلان فلأنّهما يقضيان بالصراحة أنّ السبعيّة ليست عنوانا يقتضي المنع عن الماء ، بل المقتضي له إنّما هو النجاسة الّتي يمتاز بها الكلب عن غيره من سائر الأنواع المذكورة في الخبرين ، ولا ريب أنّ تعليق الحكم بالنجاسة ليس إلّا من جهة أنّها تؤثّر في النجاسة ، ثمّ إنّ الحكم على الكلب بكونه رجسا نجسا وارد مورد التعليل وإن كان مقدّما في الخبر الأوّل على ما علّل به كما يشهد به التأمّل الصادق ، فيعمّ سائر النجاسات ومعه يتعدّى إليها الحكم ، فيندفع به جملة من الاعتراضات الآتية ، نعم هنا بعض آخر من الاعتراضات يعلم اندفاعه بما يأتي إن شاء الله.

وأمّا النوع الثاني فروايات كثيرة منها : ما في زيادات التهذيب في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال عليه‌السلام : لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ » (١).

ومنها : ما فيه في باب آداب الأحداث في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة قال عليه‌السلام : « يكفئ الماء » (٢).

ومنها : ما في الكافي في الموثّق بسماعة بن مهران في باب « الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها » عن أبي بصير عنهم عليهم‌السلام قال : « إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس ، إلّا أن يكون أصابها قذر بول ، أو جنابة ، فإن أدخلت يدك في الإناء وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء » (٣).

ومنها : ما في باب آداب الأحداث من التهذيب في القويّ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه؟ قال عليه‌السلام : إذا كانت يده قذرة فأهرقه وإن كان لم يصبها قذر فيغتسل منه هذا ممّا قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤).

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٥ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ١٣ ـ التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٣ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ٧ ـ التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٥ وفيه : « الإناء » بدل « الماء ».

(٣) الوسائل ١ : ١٥٢ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ٤ ، الكافي ٣ : ١١ / ١.

(٤) الوسائل ١ : ١٥٤ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ١١ ـ التهذيب ١ : ٣٠٨ / ١٠٣ ـ رواه ـ

١٧٨

ومنها : ما في باب الماء إذا ولغ فيه الكلب من التهذيب والاستبصار في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء » الحديث (١).

ومنها : ما في باب تطهير الثياب من التهذيب في الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات » (٢).

ولا يذهب عليك أنّ في هذا الخبر دلالة على المطلب زيادة على ما في سوابقه ، من حيث ظهوره في كون أصل التنجّس مفروغا عنه معتقدا للسائل ، وإنّما وقع السؤال عن كيفيّة تطهير الإناء ، فقرّره الإمام عليه‌السلام على ما اعتقده وبيّن له الكيفيّة ، والمفروض أنّ السائل هو عليّ بن جعفر ، وهو من أهل الوثاقة والفضل والفقاهة ، كما يشهد بها تكثيره في الرواية عن أخيه ، ومن البعيد المقطوع ببطلانه أن يعتقد بما لم يكن أخذه من أخيه ، أو ثبت له من ضرورة أو غيرها من الطرق العلميّة المتحقّقة له في عصره.

ومنها : ما في نوادر كتاب الطهارة من الكافي ـ في الصحيح ـ عن عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال : وسألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ ، فقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « لا » (٣).

ومنها : ما في باب المياه من التهذيب ـ في الصحيح ـ عن عليّ بن جعفر عليه‌السلام إنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام؟ قال عليه‌السلام : « إذا علم أنّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام ، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض ، فيغتسل ثمّ يغتسل » الحديث (٤).

ومنها : ما في باب آداب الأحداث من التهذيب ـ في الموثّق ـ عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل يمسّ الطست أو الركوة ، ثمّ يدخل يده في الإناء قبل أن

__________________

ـ في الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٦ بسند آخر.

(١) الوسائل ١ : ٢٢٥ ، ب ١ من أبواب الأسآر ح ٣ ـ التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٤.

(٢) الوسائل ١ : ٢٢٥ ، ب ١ من أبواب الأسآر ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠.

(٣) الوسائل ١ : ١٥٠ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ مسائل عليّ بن جعفر ١١٩ / ٦٤.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٢١ ، ب ١٤ من أبواب النجاسات ٩ ـ التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٩٤٠.

١٧٩

يفرغ على كفّيه؟ قال عليه‌السلام : « يهريق من الماء ثلاث حفنات ، فإن لم يفعل فلا بأس ، وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المنيّ ، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه فليهرق الماء كلّه » (١).

ومنها : ما في بابي المياه وتطهير المياه من التهذيب ، وباب القليل يحصل فيه النجاسة ، وعن الكليني أيضا في الكافي ـ في الموثّق ـ عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر ، لا يدري أيّهما هو؟ وليس يقدر على ماء غيره؟ قال : « يهريقهما ويتيمّم إن شاء الله » (٢).

ومنها : ما في بابي تطهير المياه وأحكام التيمّم ، من الزيادات من التهذيب ـ في الموثّق ـ عن عمّار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل ، قال : سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر ، لا يدري أيّهما هو؟ وليس يقدر على ماء غيره ، قال عليه‌السلام : « يهريقهما جميعا ويتيمّم » (٣).

وفي هذين الخبرين مضافا إلى موافقتهما للأخبار الاخر في جهة الدلالة ، دلالة اخرى تستفاد من ملاحظة سياق السؤال ، بتقريب ما بيّنّاه في خبر عليّ بن جعفر المتقدّم ، كما يشهد به التأمّل ، بل فيهما دلالة من جهة ثالثة وهو أمره عليه‌السلام بالتيمّم ، وظاهر أن ليس ذلك إلّا من جهة نجاسة الماء بوقوع القذر فيه ، ثمّ اشتباه الطاهر بالنجس من باب الشبهة المحصورة الّتي يجب الاجتناب عنها ، كيف ولو لا ذلك لمّا سوّغ العدول من المائيّة إلى التيمّم ، لمكان كونه طهارة اضطراريّة ، واحتمال كون ذلك لأجل التغيّر ـ كما جنح إليه بعض المتأخّرين ـ لا ينشأ منه أثر بعد مراعاة قاعدة ترك الاستفصال ، فتأمّل.

ومنها : ما في الكافي في باب السؤر ـ في الموثّق ـ عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عمّا يشرب منه الحمامة؟ قال : « كلّما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره واشرب ، وعن ماء شرب منه باز أو صقر ، أو عقاب؟ فقال : كلّ شي‌ء من الطير

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٥٤ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ١٠ ـ التهذيب ١ : ٣٨ / ١٠٢.

(٢) الوسائل ١ : ١٥١ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٣ الكافي ٣ : ١٠ / ٦ ـ التهذيب ١ : ٢٢٩ / ٦٦٢.

(٣) الوسائل ١ : ١٥٥ ، ب ٨ من أبواب الماء المطلق ح ١٤ ـ التهذيب ١ : ٢٤٨ / ٧١٢ وفي ١ : ٤٠٧ / ١٢١٨ بسند آخر.

١٨٠