ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد علي العلوي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-077-5
الصفحات: ٩٠٨
الجزء ١ الجزء ٥

على حدّ الضرورة ، بل لأنّ زوال المعلول مع بقاء العلّة غير معقول ، وقد ثبت عن الأدلّة أنّ التغيّر حدوثا وبقاء علّة للنجاسة ومعه كيف يمكن اعتبار العموم أو الإطلاق في المقدّرات المطلقة ، وقضيّة ذلك اختصاص اعتبارها بغير حالة التغيّر.

فإن قلت : غاية ما يلزم من ذلك تقييد المطلقات بما إذا لم يكن المقدّر أقلّ من مزيل التغيّر ، فالمتّجه حينئذ اعتبار أكثر الأمرين من المقدّر ومزيل التغيّر عملا بنوعي أخبار الباب.

قلت : أخبار المقدّرات بناء على إطلاقها قابلة لأن يتصرّف فيها بأحد الوجهين ، تخصيصها بغير حالة التغيّر مطلقا ، أو تقييدها بما إذا لم يكن المقدّر أقلّ من مزيل التغيّر ، غير أنّ هذا التصرّف الثاني ممّا يأباه كثير من المقدّرات الواردة لعدم كونها صالحة لإزالة التغيّر بالذات لمكان كونها أقلّ من مزيله كالثلاث والخمس والسبع والعشرة والعشرين غالبا وما أشبه ، فلا بدّ في مثله من تطرّق أوّل التصرّفين ، وقضيّة ذلك كون التطرّق إلى البواقي هو هذا التصرّف لمكان ورود أخبار الباب بأجمعها في متفاهم العرف على نمط واحد ، واعتبار أحد التصرّفين في جملة والتصرّف الآخر في جملة اخرى كما ترى بعيد عن العرف والوجدان ، ويزيد ذلك البعد في جملة مشتملة على مقدّرين في نوعين من النجاسات أحدهما لا يصلح مزيلا للتغيّر والآخر صالح له في الجملة ، ومن هذه الجملة رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة ، أو نزل فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه » (١).

ورواية عمرو بن سعيد قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة؟ فقال : « كلّ ذلك يقول سبع دلاء ، حتّى بلغت الحمار والجمل ، قال : كرّ من ماء » (٢) ، ونظير ذلك كثير فيما بين روايات الباب.

ولا ريب أنّ الالتزام بالتخصيص صدرا والتقييد ذيلا في أمثال ذلك في غاية الغرابة ، بل المتعيّن في متفاهم العرف اعتبار التخصيص مطلقا لعدم جريان التقييد فيهما معا.

وممّا يؤيّد عدم تناول أخبار المقدّرات لحالة التغيّر كون التقدير الوارد فيها بأعداد

__________________

(١ و ٢) الوسائل ١ : ١٧٩ و ١٨٠ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ١ و ٥ ـ التهذيب ١ : ٢٤١ و ٢٣٥ / ٦٩٥ و ٦٧٩ ـ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٣ و ٩١.

٦٢١

معيّنة لا يمكن أن يناط بها زوال التغيّر في المتغيّر لعدم انضباطه وتعيّنه في عدد معيّن ، وبالجملة فالّذي يقتضيه التدبّر اختصاص روايات التقدير بغير حالة التغيّر ، فيبقى الروايات المتضمّنة لحالة التغيّر في الدلالة على اعتبار إزالته سليمة عمّا يزاحمها من غير فرق في ذلك بين كون النجاسة المغيّرة ممّا لم تقدّر وغيره ، أمّا الأوّل : فلما في جملة من تلك الأخبار من الاستفصال وأمّا الثاني : فلإطلاق صحيحة ابن بزيع.

فتحصّل من جميع ما قرّرناه : أنّ الأقوى ممّا بين أقوال المسألة ـ بناء على القول بنجاسة البئر بالملاقاة ـ إنّما هو القول المذكور ، وهو اعتبار زوال التغيّر في تطهير البئر مطلقا عند التغيّر.

وثانيها : ما عن الصدوقين (١) والمرتضى (٢) والشيخ (٣) وعليه المحقّق في الشرائع من أنّه ينزح الجميع ومع التعذّر فالتراوح ، وعدّ الشيخ من أهل هذا القول بناء على القول بالنجاسة بمجرّد الملاقاة ليس في محلّه ، لما مرّ من أنّه قائل بوجوب النزح تعبّدا لا للنجاسة.

نعم ، يصحّ ذلك ممّن لا يخصّص الاختلاف في تطهير المتغيّر بأهل القول بالنجاسة كالعلّامة في المختلف.

وكيف كان فمستند هذا القول بالنسبة إلى نزح الجميع ما تقدّم من الروايات القاضية به ، المعارضة لما مرّ من أخبار اعتبار نزح المزيل للتغيّر ، وقد يعلّل بكون النجاسة الحاصلة بالتغيّر غير منصوص المقدّر بناء على ظهور أخبار المقدّرات في الاختصاص بغير صورة التغيّر ، وبالنسبة إلى التراوح مع التعذّر موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال : وسئل عن البئر وقع فيه كلب أو فأرة أو خنزير؟ [قال :] « تنزف كلّها ، ثمّ فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ، ثمّ يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين ، فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت » (٤).

وفي كلام الشيخ في التهذيبين ـ بعد قوله عليه‌السلام : « تنزف كلّها » ـ يعني : إذا تغيّر لونه أو طعمه بدلالة ما تقدّم من أربعين دلوا في هذه الأشياء ، وقد يعلّل بأنّه قائم مقام نزح

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩ ، حكى عنه وعن والده في مختلف الشيعة ١ : ١٩.

(٢) الانتصار : ١١.

(٣) المبسوط : ١ : ١١.

(٤) الوسائل ١ : ١٩٦ ب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ التهذيب ١ : / ٢٨٤ / ٨٣٢.

٦٢٢

الجميع فيما يكون واجبا مع تعذّره.

وقد يستدلّ على الحكمين معا بأنّه : ماء محكوم بنجاسته فيجب إخراجه أجمع ، ومع التعذّر التراوح كما في غيره من النجاسات المقتضية لنزح الجميع.

والجواب عن الجميع : بأنّ ترك العمل بما تقدّم من الأخبار الدالّة على كفاية زوال التغيّر في التطهير مع كونها أظهر دلالة وأكثر عددا والمصير إلى هذا القول عملا بالوجوه المذكورة ـ مع تبيّن ضعف بعضها ـ خلاف الإنصاف ؛ وحمل الأخبار المشار إليها على الاستحباب أو على صورة توقّف الزوال طريق الجمع ، فوجوب نزح الجميع لإزالة التغيّر غير ثابت ليقوم مقامه التراوح عند التعذّر.

والاستدلال بالموثّقة لإيجاب التراوح ليس في محلّه ، لعدم اعتبار كونه في الرواية للتغيّر ، وتنزيلها إليه تأويل يلتزم به لمجرّد الجمع فلا يصلح مستندا لإيجاب الجميع ، ودعوى كون النجاسة الحاصلة بالتغيّر غير منصوص المقدّر مع ورود الأخبار المتقدّمة المعتبرة الواضحة الدلالة في غاية الغرابة ، والوجه الأخير القائم على الحكمين معا لا يرجع إلّا إلى المصادرة فلا يلتفت إليه ، ولو اريد الاستناد فيه إلى الاستصحاب فيردّه : ورود الدليل على كفاية زوال التغيّر كما عرفت.

وثالثها : ما عزى إلى الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) وعن كاشف الرموز : (٣) أنّه نقله عن المقنعة من أنّه ينزح الجميع ومع تعذّره فإلى زوال التغيّر ، ومستنده على ما قيل الجمع بين النوعين المتقدّمين من أخبار التغيّر ، بحمل ما دلّ منها على نزح الجميع على صورة الإمكان وما دلّ منها على اعتبار زوال التغيّر على صورة تعذّر نزح الجميع.

وفيه : أنّ حمل النوع الثاني على صورة تعذّر نزح الجميع ليس بأولى من حمل النوع الأوّل على صورة توقّف زوال التغيّر على نزح الجميع ، بل الأولى هو هذا لكونه في الحقيقة تصرّفا في خبر واحد وهو صحيحة أبي خديجة ، لما عرفت من أنّ الدالّ على نزح الجميع خبران أحدهما لقصور سنده ـ وهو رواية منهال ـ غير صالح لمعارضة ما سبق من المعتبرة بخلاف الأوّل فإنّه تصرّف في عدّة أخبار معتبرة.

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٩.

(٢) المبسوط ١ : ١١.

(٣) كشف الرموز ١ : ٥٧ ـ ٥٦ وفيه : « قال الشيخان : مع تعذّر نزح الكلّ ، ينزح حتّى يطيب ».

٦٢٣

ورابعها : ما عزى إلى ابن الزهرة (١) وتبعه الشهيد في الذكرى (٢) من أنّه ينزح الأكثر ممّا يحصل به زوال التغيّر واستيفاء المقدّر ، ومستنده الجمع بين أخبار التقدير وأخبار زوال التغيّر ، وكأنّ المراد بهذا الجمع ليس معناه المصطلح عليه المستلزم لطرح ظاهر أو ظاهرين بل العمل بالدليلين معا من غير طرح وإسقاط ، بناء على ما قدّمنا توجيهه من أنّ الأخذ بأكثر كلّ من الجانبين عمل بأقلّ الجانب الآخر من حيث أنّه مندرج فيه.

وعلى هذا فلا وقع لما يعترض عليه بما في الحدائق من : « أنّه لا منافاة بين ما دلّ على نزح مقدار مخصوص مع عدم التغيّر وما دلّ على نزح ما يزول به التغيّر وإن اتّحدت النجاسة ليحتاج إلى الجمع بين أخبارهما ، لتغاير السببين الموجب لتغاير الحكمين » (٣). فإنّ مراعاة اتّحاد السبب إنّما تعتبر في قاعدة الحمل لا الجمع بالمعنى المذكور.

ثمّ على فرض شمول أخبار التقدير لجميع أحوال زوال التغيّر حتّى ما لو كان المزيل أقلّ من المقدّر أو بالعكس فلازمه دلالة دليل الأقلّ على كفايته في التطهير ، ودلالة دليل الأكثر على خلاف ذلك وهو عين التعارض ، فكيف ينفي المنافاة عمّا بينهما ، ولو لا ما قدّمنا ذكره من منع تناول أخبار التقدير لحالة التغيّر كان ذلك القول جيّدا متعيّنا للقبول جدّا ، وإن كان قد أهمل قائلوه في حكم ما لم يكن للنجاسة المغيّرة تقدير ، فمن هنا كان القول الآتي أجود منه لتعرّضه لبيان حكم ما لا تقدير له من اعتبار إزالة التغيّر ، ويمكن إرجاع ما ذكر إلى هذا القول فلا يكون حينئذ قولا على حدة.

وخامسها : ما نسب إلى صاحب المعالم (٤) وظاهر جملة من تأخّر من أنّه ينزح أكثر الأمرين ممّا يزول معه التغيّر أو يستوفى به المقدّر إن كان للنجاسة المغيّرة تقدير ، وإلّا اكتفى بزوال التغيّر ؛ واستظهره الخوانساري (٥) ، وصاحب الحدائق (٦) ، وهذا هو الحقّ الذي لم يكن محيص عن اختياره لو لا ما تقدّم ، وعليه اتّضح ضعفه مع حجّته وهو الجمع بين النصوص الدالّة على الاكتفاء بزوال التغيّر والنصوص الموجبة لاستيفاء المقدّر في الحكم الأوّل ، وعموم النصوص الأوّلة في الحكم الثاني حيث لا معارض لها فيما لا مقدّر له.

__________________

(١) غنية النزوع : ٤٨.

(٢) ذكرى الشيعة ١ : ٨٨.

(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٧٨ (حجريّة) ـ سقط هذا الفقرة من الحدائق ط مؤسّسة النشر الإسلامي لاحظ الحدائق الناضرة ١ : ٣٦٧ و ٣٦٨. ولذا أرجعناه إلى الطبعة الحجريّة.

(٤) فقه المعالم ١ : ٢٦٣.

(٥) مشارق الشموس : ٢٣٩.

(٦) الحدائق الناضرة ١ : ٣٦٨.

٦٢٤

وسادسها : ما عن ابن إدريس (١) ، والمحقّق الشيخ عليّ (٢) ، من نزح أكثر الأمرين من المقدّر ومزيل التغيّر إن كان للنجاسة المغيّرة مقدّر وإلّا فالجميع ، فإن تعذّر فالتراوح ، وعن ثاني الشهيدين في الروض (٣) أنّه اختاره.

وحجّته على الأوّل ما تقدّم من قضيّة [الجمع] (٤) وعلى الثاني والثالث توهّم كونه ممّا لا نصّ فيه ، ومذهبهم أنّ ما لا نصّ فيه يجب فيه نزح الجميع ، وبدليّة التراوح مع تعذّره ففي صورة التغيّر بتلك النجاسة بالطريق الأولى ، ويظهر الجواب عن الكلّ بملاحظة ما سبق.

وسابعها : ما صرّح به الشهيد في الدروس (٥) من وجوب نزح الجميع ، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين من مزيل التغيّر والمقدّر ، واستظهره الخوانساري (٦) من المعتبر ، ثمّ احتمل في كلامه كون مراده في صورة تعذّر الجميع وجوب نزح ما يزيل المتغيّر ثمّ استيفاء المقدّر ، ثمّ قال : « وهذا القول أيضا غير صريح فيما إذا تعذّر نزح الجميع ولم يكن له مقدّر ، لكن الظاهر الاكتفاء بزوال التغيّر » (٧) انتهى.

وحجّته : ظاهرا الجمع بين ما دلّ على وجوب نزح الجميع مع ما دلّ على التقدير ، وما دلّ على اعتبار زوال التغيّر ، وبملاحظة ما سبق في تقريب القول الأوّل وتزييف الأقوال الاخر يظهر الجواب عنه فلاحظ وتأمّل.

وثامنها : ما نسبه الخوانساري (٨) إلى بعض الأصحاب ، وقوّاه بعض مشايخنا ـ دام ظلّه ـ (٩) من نزح ما يزيل التغيّر أوّلا ثمّ المقدّر بعده إن كان لتلك النجاسة مقدّر ، وإلّا فالجميع ، وإن تعذّر فالتراوح.

وحجّته : أنّ وقوع النجاسة الّتي لها مقدّر موجب لنزحه بمجرّده ، فإذا انضمّ إليه التغيّر الموجب لنزح ما يزول به التغيّر صارا سببين ، ولا منافاة بينهما فيعمل كلّ منهما عمله ، وتقديم مزيل التغيّر لكون الجمع بين الأمرين لا يتمّ إلّا به ، وأمّا ما لا مقدّر له

__________________

(١) السرائر ١ : ٧١.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٣٧.

(٣) روض الجنان : ١٤٣.

(٤) أضفناه لاستقامة العبارة.

(٥) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢٠.

(٦) مشارق الشموس : ٢٣٨ ، المعتبر : ١٨.

(٧ و ٨) مشارق الشموس : ٢٣٨.

(٩) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمه‌الله ـ ١ : ٢٦٦.

٦٢٥

فلوجوب نزح الجميع فيما لا نصّ فيه وبدليّة التراوح مع تعذّره.

وجوابه : منع سببيّة مجرّد الوقوع إذا صادفه التغيّر ، لما عرفت من عدم تناول النصوص الدالّة على سببيّته إلّا حال التغيّر ، فانحصر السبب في التغيّر الّذي يكتفى فيه بزواله عملا بالنصوص الواردة فيه.

وتوهّم جريان الاستصحاب المقتضي لاستيفاء المقدّر ، يدفعه أوّلا : أنّه لو صحّ لقضى بوجوب نزح الجميع أو بدله.

وثانيا : أنّ اعتبار ما زاد على زوال التغيّر ممّا ينفيه وروده غاية في النصوص الواردة فيه ، فإنّ ورودها مورد التعليم يقضي باعتبار المفهوم فيها ، كيف ولو وجب نزح المقدّر بعد إزالة التغيّر لوجب التنبيه عليه والمفروض خلافه ، وبالجملة ظاهر نصوص زوال التغيّر ـ كما يظهر لمن تأمّل فيها جيّدا ـ أنّه لا يعتبر شي‌ء بعد زوال التغيّر ومعه لا معنى للاستصحاب.

وأمّا الجواب عن تقدير نزح الجميع أو بدله فيظهر ممّا مرّ ، هذا كلّه فيما لو توقّف زوال التغيّر على النزح ، وأمّا لو زال من قبل نفسه أو بعلاج فمقتضى ما حقّقناه في بحث تطهير الكرّ المتغيّر وغيره عدم طهرها به كما صرّح به غير واحد من أصحابنا ، بل في كلام جماعة نفي الإشكال عنه.

نعم ، الإشكال يقع فيما يطهّره حينئذ ، وينبغي النظر فيه تارة على القول المختار من عدم انفعال البئر بمجرّد الملاقاة ، واخرى على القول الآخر.

أمّا الجهة الاولى : فالظاهر أنّه لا فرق في طريق التطهير حينئذ بينها وبين سائر المياه المتنجّسة ، فيجري فيها جميع ما تقدّم من الطرق المطهّرة من إلقاء الكرّ ، وإجراء الجاري ، وإنزال الغيث عليها.

وضابطه اعتبار وجود الماء المعتصم فيها منضمّا إلى مائها مراعيا للشرائط المتقدّمة في تطهير القليل ، إحرازا لموضوع الملازمة المتقدّمة المجمع عليها ، ومن جملة ذلك ظاهرا تجدّد الماء من المادّة ، بناء على ما تقرّر عندنا من عدم انفعال مائها كائنا ما كان في غير صورة التغيّر ، فإذا تجدّد الماء من المادّة واتّحد مع الباقي صار موضوعا لتلك الملازمة ، ضرورة أنّ المتجدّد غير قابل للنجاسة حينئذ بمجرّد ملاقاة

٦٢٦

الباقي المتنجّس ، فلو بقي ذلك على نجاسته بعد حصول الاتّحاد بينه وبين المعتصم لزم تبعّض الماء الواحد في الطهارة والنجاسة وهو منفي بحكم الملازمة المذكورة.

ومن هنا اتّجه أن يقال : بكفاية مسمّى النزح على نحو يستتبع تجدّد شي‌ء من ماء المادّة وامتزاجه مع الباقي لو توقّف تجدّده على النزح.

وممّا يمكن أن يستدلّ به على هذا المطلب نفس الروايات الدالّة على طهرها بالنزح المزيل لتغيّرها ، نظرا إلى أنّ الطهر لا يحصل إلّا بالدلو الأخير المستتبع للزوال ، لقيام المقتضي لبقاء النجاسة قبله حتّى بالقياس إلى ما تجدّد بالدلاء السابقة لو فرض تغيّره بممازجة المتغيّر ، ومن البيّن أنّ الطهر حينئذ لا يستند إلّا إلى الجزء الأخير المتجدّد بنزح ذلك الدلو ، وليس ذلك إلّا لما ذكرنا من كفاية المسمّى.

ولأجل ذلك أمكن الاستدلال بتلك الروايات على الملازمة المشار إليها كما أشرنا إليه أيضا في بعض ما سبق ، وعليه يمكن الاحتجاج بنفس تلك الروايات على المختار من عدم انفعال ماء البئر بمجرّد ملاقاة النجس أو المتنجّس ولو قليلا.

وما تقدّم في ذيل البحث عن تلك المسألة من المناقشة فيه باحتمال كون النزح مطهّرا تعبّديّا في البئر.

يدفعه : ورود النزح في الروايات مقيّدا بزوال التغيّر الّذي لا يتأتّى إلّا بمقارنة النزح تجدّد الماء ، فالماء المتجدّد مع عدم انفعاله بملاقاة المتنجّس له مدخل في التطهير من باب العلّيّة التامّة أو جزء العلّة ولو بحكم الاستصحاب.

وبملاحظة وجود الاستصحاب في مثل مسألتنا لا يبعد القول بكون الأحوط اعتبار التقدير هنا ، وهو اعتبار نزح المقدار الّذي كان يزول معه التغيّر على فرض ثبوته وعدم سبق زواله بنفسه أو بعلاج.

وأمّا إذا تعذّر العلم بذلك المقدار ـ كما يتّفق في بعض الصور ـ فالأحوط اعتبار نزح الجميع ، لأنّ العلم بنزح المقدار المذكور لا يحصل إلّا بذلك.

وأمّا الجهة الثانية : فالظاهر عدم الفرق بينها وبين الجهة الاولى بملاحظة ما تقدّم ترجيحه من أنّ تطهير البئر في صورة التغيّر ـ على القول بانفعالها في غير صورة التغيّر ـ إنّما هو بالنزح المزيل للتغيّر أيضا ، عملا بالنصوص المتقدّمة الّتي لا يعارضها نصوص

٦٢٧

المقدّرات ، فيجري في تلك الجهة حينئذ جميع ما تقدّم في الجهة الاولى.

فالأقرب حينئذ كفاية نزح المسمّى المستتبع للتجدّد من المادّة ، والأحوط نزح المقدار الّذي كان يزول معه التغيّر إن أمكن العلم به وإلّا اعتبر نزح الجميع ، لكنّ المنقول في ذلك عن الأصحاب قولان :

أحدهما : ما عن العلّامة في التذكرة (١) من إطلاق القول بنزح الجميع ، وعن ولده فخر المحقّقين (٢) أنّه صحّحه ، وعن الذكرى (٣) أنّه قوّاه ، وعن بعض المتأخّرين (٤) أيضا موافقتهم على ذلك.

وثانيهما : ما عن ثاني الشهيدين (٥) ، وصاحب المعالم (٦) وظاهر البيان (٧) من الاكتفاء بمزيل التغيّر على تقديره.

وعن الأوّلين الاحتجاج بأنّه : ماء محكوم بنجاسته وقد تعذّر ضابط تطهّره ، فيتوقّف الحكم بالطهارة على نزح الجميع.

واجيب عنه : بمنع إطلاق دعوى التعذّر ، فإنّه يمكن في كثير من الصور أن يعلم المقدار الّذي يزول معه التغيّر تقريبا ، نعم لو فرض عدم العلم في بعض الصور توقّف الحكم بالطهارة حينئذ على نزح الجميع ، إذ لا سبيل إلى العلم بنزح القدر المطهّر إلّا به.

واحتجّ على القول الثاني بأنّه : إذا اكتفى بنزح ذلك المقدّر من الماء للتطهير مع وجود التغيّر فلئن يكتفى به مع ذهابه طريق الأولويّة ، والأقرب هو ما ذكرنا وإن كان الأحوط هو التفصيل كما عرفت ، هذا.

وهل يطهّر البئر حينئذ على هذا القول بسائر المطهّرات الجارية في سائر المياه أو لا تطهّر إلّا بالنزح؟

والظاهر أنّ فيه خلافا وإن لم يصرّح به هنا بالخصوص ، بناء على كونه من أفراد

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٣٠.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢١ ، ٢٢.

(٣) ذكرى الشيعة ١ : ٨٩.

(٤) حكاه عنهم في فقه المعالم ١ : ٢٦٩.

(٥) حكاه عنه في فقه المعالم ١ : ٢٦٩ بقوله : « ففي وجوب نزح الجميع حينئذ أو الاكتفاء بما يزول به التغيّر ـ لو كان ـ قولان ـ إلى أن قال ـ : « والأقرب الثاني وهو الظاهر من كلام الشهيد رحمه‌الله في البيان ، واختيار والدي رحمه‌الله ».

(٦) فقه المعالم ١ : ٢٦٩.

(٧) البيان : ٩٩.

٦٢٨

العنوان الّذي حكي الخلاف فيه على القول بالنجاسة المتوقّف رفعها على نزح المقدّرات الواردة في الشريعة من قيام سائر الطرق المطهّرة للماء مقام نزح المقدّر هنا وعدمه.

فعن جماعة أنّهم صرّحوا بعدم انحصار طريق تطهير البئر حيث حكم بنجاسته في النزح ، بل هو طريق يختصّ به ، وهو يشارك غيره من المياه في الطهارة بوصول الجاري إليه أو وقوع الغيث عليه أو إلقاء الكرّ على ما مرّ تفصيله ، وهو ظاهر العلّامة في المنتهى قائلا : « لو سبق إليها نهر من الماء الجاري وصارت متّصلة فالأولى على التخريج الحكم بالطهارة ، لأنّ المتّصل بالجاري كأحد أجزائه فخرج عنه حكم البئر » (١) ، ويوافقه عبارته المنقولة عن القواعد قائلا : « لو اتّصلت بالنهر الجاري طهرت » (٢) ، بل قد يقال : كما أنّها تشارك غيرها في المطهّر فكذلك قد يشاركها غيرها في التطهير بالنزح كالغدير النابع على ما هو ظاهر صحيحة ابن بزيع الشاملة لكلّ ذي مادّة ، وأفتى به الشيخان أيضا.

وعن ظاهر المعتبر انحصار طريق تطهيرها في النزح حيث قال : « إذا أجرى إليها الماء المتّصل بالجاري لم تطهر ، لأنّ الحكم متعلّق بالنزح ولم يحصل » (٣) ، ووافقه عليه المحقّق الخوانساري محتجّا عليه : « بأنّ التطهير أمر شرعي لا بدّ له من دليل ولا دليل ظاهرا على ما عدا النزح فيستصحب حكم النجاسة » (٤).

وذهب الشهيد في الدروس بعد ما وافق الأوّلين في القول بالمشاركة في البيان ـ قائلا : « وينجّس ماء البئر بالتغيّر ويطهّر بمطهّر غيره وبالنزح » ـ (٥) ، « والأصحّ نجاسته بالملاقاة أيضا وطهره بما مرّ وينزح كذا وكذا » (٦) فذكر المقدّرات إلى تفصيل في المسألة ، قائلا : « ولو اتّصلت بالجاري طهرت ، وكذا بالكثير مع الامتزاج ، وأمّا لو تسنّما عليها من أعلى فالأولى عدم التطهير ، لعدم الاتّحاد في المسمّى » (٧).

ويوافقه عبارته في الذكرى قائلا ـ على ما حكي ـ : « وامتزاجه بالجاري مطهّر ، لأنّه أقوى من جريان النزح باعتبار دخول ما ينافي اسمه ، وكذا لو اتّصل بالكثير ، أمّا لو وردا من فوق عليها فالأقوى أنّه لا يكفي ، لعدم الاتّحاد في المسمّى » (٨).

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٠٩.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٨٩ ـ ١٨٨.

(٣) المعتبر : ١٩.

(٤) مشارق الشموس : ٢٤١. (٥) البيان : ٩٩.

(٦) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩ مع تغيير يسير في العبارة.

(٧) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢٠ ـ ١٢١.

(٨) ذكرى الشيعة ١ : ٨٩.

٦٢٩

وله في بحث الواقف القليل من الدروس كلام ربّما يتوهّم كونه مدافعا للعبارة المذكورة ، حيث قال : « ولو اتّصل الواقف بالجاري اتّحدا مع مساواة سطحيهما ، أو كون الجاري أعلى لا العكس » (١).

ويمكن دفع توهّم المدافعة بإبداء الفرق بين المقامين ، حيث إنّ المعتبر في محلّ البحث ـ وهو مقام الرفع عن ماء البئر ـ صيرورة الماءين واحدا بأن يخرج المجموع عن مسمّى البئر ليزول عنه الحكم المخصوص بها وهو النزح ، ولا ريب أنّه لا يكفي فيه مجرّد الجريان من فوق ما دام مسمّى البئر باقيا ، والمقصود في المقام الآخر ـ وهو الدفع عن الواقف القليل ـ مجرّد الاتّصال بالمعتصم ، لقيام الدلالة على كفايته في اتّحادهما في الحكم ، كما هو مذهب من يقول في الكرّ الغير المتساوي السطوح بتقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس ، فالمثبت هنا إنّما هو الاتّحاد في الحكم والمنفيّ في الأوّل هو الاتّحاد في الاسم ، ولذا صدر العبارة مقيّدة بالمسمّى.

وأنت إذا تأمّلت في عبارة العلّامة ـ المتقدّمة ـ (٢) لم تجدها مخالفة لتلك العبارة ، ويرجع إليهما ظاهرا كلام المعتبر (٣) في المنع عن الكفاية ، إذ لا يظنّ أنّه يقول به حتّى في صورة خروج العنوان عن مسمّى البئر كما لا يخفى.

فينبغي القطع حينئذ بعدم الخلاف في الكفاية في تلك الصورة ، ومنشأ احتجاج المعتبر على عدم الكفاية بما مرّ هو الحصر المستفاد من نصوص المنزوحات الّتي أصرحها دلالة عليه صحيحة ابن بزيع ـ المتقدّمة ـ (٤) في أدلّة القول بالنجاسة ، المشتملة على قوله عليه‌السلام : « ينزح دلاء » في جواب قول السائل : « ما الّذي يطهّرها »؟

واجيب عنه : بظهور ورودها مورد الغالب من تعذّر التطهير بغير النزح أو تعسّره ، ولي في المسألة تأمّل.

وقد يعترض ـ على القول بتطهيرها بإلقاء الكرّ عليها ـ : بأنّ اللازم من القول بذلك الالتزام أيضا بصيرورة ماء البئر معتصما لا ينفعل بما يقع فيه ، لأنّ دليل التطهير بإلقاء

__________________

(١) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٨٨.

(٣) المعتبر : ١٩.

(٤) الوسائل ١ : ١٧٦ ب ١٤ من أبواب الماء المطلق ح ٢١ ـ الكافي ٣ : ٥ / ١ ـ التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٥ ـ الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٤.

٦٣٠

الكرّ عدم قبول الكرّ للانفعال ، واتّحاد ماء البئر معه بالامتزاج أو مجرّد الاتّصال على الخلاف المتقدّم ، وقضيّة ذلك عدم قبوله النجاسة الخارجيّة بعد ذلك ، فيكفي في اعتصام البئر دائما إلقاء الكرّ عليه.

ودفع بإمكان أن يقال : أنّه إن استهلك به الكرّ في البئر بعد وقوعه دخل في حكم البئر فيشمله أدلّة البئر ويخرج عن مورد أدلّة الكرّ ، وحصول التطهّر به إنّما هو بأوّل وقوع المطهّر ، وامتزاج البئر مع شي‌ء منه معتصم به ولا استهلاك في ذلك الآن ، وإنّما المستهلك هو الواقع بعد انقضاء حالة الوقوع ، فلا منافاة بين كونه رافعا وكونه غير دافع ، بل وغير معتصم لاختلاف زمانيهما ، وإن استهلك البئر بالكرّ الملقى لقلّتها جدّا كان لها حكم الكرّ لعدم صدق البئر عليها حينئذ ، وإن شكّ رجع إلى أصالة عدم استهلاك البئر ، أو إلى أصالة عدم الانفعال على اختلاف الأنظار في ذلك.

ولا يخفى ما في التعويل على أوّل هذين الأصلين ، لكونه في الحقيقة ترجيحا للحادث بالأصل ومعه كان أصالة عدم الانفعال واستصحاب الطهارة السابقة سليمتين عن المعارض.

ثمّ يبقى الكلام على القول بالنجاسة في تطهير البئر عن النجاسة الغير المغيّرة بطريق النزح ، وله حسبما يستفاد من النصوص المختلفة المتعارضة بعد الجمع بينها مقدّرات اعتبرها الشارع على حسب اختلاف أنواع النجاسات ، وتفصيل البحث في ذلك يقع في طيّ مسائل :

المسألة الاولى : ما يوجب نزح الجميع ، وهو على ما ضبطه غير واحد من الأصحاب وأفتوا به امور ، وهو موت البعير ، والثور ، ووقوع الخمر وكلّ مسكر ، والفقّاع ، والمنيّ ، وأحد الدماء الثلاث ، وفي حكم موت البعير وأخيه وقوعهما ميّتين كما تنبّه عليه بعض مشايخنا (١) ، للقطع باستناد الحكم إلى نجاستهما لا تحقّق موتهما في البئر.

ولا ينافيه اشتمال بعض العناوين بالموت الظاهر فيما يتحقّق فيها ، بعد ملاحظة التنزيل على الغالب.

و « البعير » على ما نقل عن الجوهري (٢) وغيره من أئمّة اللغة كالنهاية الأثيريّة (٣)

__________________

(١) جواهر الكلام ١ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٢) الصحاح ٢ : ٥٩٣ مادّة « بعر ».

(٣) النهاية في غريب الحديث ١ : ١٦ مادّة « إبل ».

٦٣١

والمصباح المنير (١) ومختصر الصحاح : (٢) « أنّه من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس » ، ومقتضاه أنّه يشمل الذكر والانثى ، كما هو المصرّح به في كلام غير واحد من الأصحاب كمنتهى العلّامة (٣) وغيره ـ على ما حكي ـ كالحلّي (٤) ، والمقداد (٥) ، والمحقّق الأوّل (٦) ، والثاني الشيخ عليّ (٧) ، والفاضل الهندي (٨) ، وثاني الشهيدين (٩) ، وغيرهم ، بل عن الفاضل دعوى اتّفاق أهل اللغة عليه (١٠) ، لكن يستفاد منه الميل ـ في كلام محكيّ عنه ـ إلى أنّ ذلك إنّما هو بحسب أصل اللغة وإلّا ففي العرف شاع استعماله في الذكر خاصّة ، كما إليه يرجع ما حكاه عن الشافعي من القول في الوصيّة بأنّه لو قال : « أعطوه بعيرا » لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ، فحمل « البعير » على الجمل ، لأنّ الوصيّة مبنيّة على عرف الناس لا على محتملات اللغة الّتي لا يعرفها إلّا الخواصّ (١١).

وعليه أمكن الجمع بين ما عرفت عن الأئمّة وما عن الغزالي في البسيط من : « أنّ المذهب أنّه لا تدخل فيه الناقة » (١٢) ، لكنّه لا يجدي نفعا في صحّة حمل الخطاب الشرعي على المطلق على فرض صدق دعوى الانصراف العرفي إلى الذكر ، لظهور عدم كون نظيره من الامور الحادثة بعد زمن الخطاب ، وعليه اتّجه القول بأولويّة إلحاق الناقة بما لا نصّ فيه.

ثمّ في شمول « البعير » كالإنسان للكبير والصغير كلام لهم تبعا لما عن أهل اللغة من الاختلاف في ذلك ، فعن النهاية الأثيريّة (١٣) كما عن ظاهر فقه اللغة (١٤) ـ للثعالبي ـ التعميم ، وعليه القطع في المنتهى (١٥) ، كما عن المعتبر (١٦) ، والذكرى (١٧) ، ووصايا التذكرة (١٨) ، والقواعد (١٩).

__________________

(١) المصباح المنير : مادّة « البعير » ، ص ٥٣.

(٢) مختار الصحاح : مادّة « ب ع ر ».

(٣) منتهى المطلب ١ : ٧٤.

(٤) السرائر ١ : ٧٠. (٥) التنقيح الرائع ١ : ٤٦.

(٦) المعتبر : ١٥. (٧) جامع المقاصد ١ : ١٣٨.

(٨ و ١٠ و ١١) كشف اللثام ١ : ٣٢١. (٩) روض الجنان : ١٤٧.

(١٢) حكى عنه في كشف اللثام بقوله : « وقال الغزالي في بسيطه : الخ » ١ : ٣٢٢.

(١٣) النهاية في غريب الحديث ؛ مادّة « إبل » ١ : ١٦.

(١٤) فقه اللغة ؛ مادّة « بعر » : ٨٦.

(١٥) منتهى المطلب ١ : ٧٤.

(١٦) المعتبر : ١٩. (١٧) ذكرى الشيعة ١ : ٩٩.

(١٨) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٨٥.

(١٩) قواعد الأحكام ١ : ١٨٨.

٦٣٢

وعن القاموس : « الجمل » : الباذل أو الجذع (١) ، وعن العين (٢) : أنّه الباذل. وعن الصحاح (٣) والمحيط (٤) وتهذيب اللغة (٥) أنّه يقال : لما أجذع.

وأمّا « الثور » فهو الذكر من البقر كما في المجمع (٦) ، ولا ينبغي الريبة في اختصاصه بالأهلي ، فاحتمال تناوله للوحشي في غاية الغرابة ، وقد يحتمل لحوق الوحشي بالأهلي بملاحظة العطف في الرواية الآتية عليه بلفظة و « نحوه ».

وكون الحكم في البعير ما ذكر هو المصرّح به في المنتهى (٧) والشرائع (٨) والدروس (٩) وغيره (١٠) ، المنفيّ عنه الخلاف في كلام جماعة (١١) ، بل عن الغنية (١٢) والسرائر (١٣) الإجماع عليه ، وأمّا لحوق الثور به فقد جعله جماعة مشهورا وغيرهم وصفه بالأشهر.

والحجّة فيهما صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سقط في البئر شي‌ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء ، وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلينزح الماء كلّه » (١٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام [قال] : « إن سقط في البئر دابّة صغيرة ، أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور ، أو صبّ فيها خمر ، نزح الماء كلّه » (١٥).

وأمّا ما في خبر عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة؟ فقال : « كلّ ذلك نقول سبع دلاء » ، قال : حتّى بلغت الحمار والجمل؟ قال : « كرّ من ماء » (١٦) فغير صالح لمعارضة ما ذكره لقصوره سندا بما في منتهى العلّامة (١٧) من أنّ عمرو هذا فطحيّ ، والأصحاب لم يعملوا بهذه الرواية.

__________________

(١ و ٤) القاموس المحيط ١ : ٣٧٥ مادّة « بعر ».

(٢) العين ؛ مادّة بعر : ٢ : ١٣٢. (٣) الصحاح ؛ مادّة « بعر » ٢ : ٥٩٣.

(٥) تهذيب اللغة ٢ : ٣٧٧. (٦) مجمع البحرين : مادّة « ثور ».

(٧) منتهى المطلب ١ : ٦٨. (٨) شرائع الإسلام ١ : ١٣.

(٩) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩. (١٠ و ١٢) غنية النزوع : ٤٨.

(١١ و ١٣) السرائر ١ : ٧٠.

(١٤) الوسائل ١ : ١٨٠ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٦ ـ التهذيب ١ : ٢٤٠ / ٦٩٤ ـ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٢.

(١٥) الوسائل ١ : ١٧٩ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ١ ـ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٣.

(١٦) الوسائل ١ : ١٨٠ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٥ ـ التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٧٩ ـ الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩١.

(١٧) منتهى المطلب ١ : ٦٩.

٦٣٣

أو بما في حواشي الاستبصار (١) ـ للسيّد صاحب المدارك ـ من أنّ عمرو بن سعيد بن هلال لم ينصّ عليه علمائنا بمدح ولا قدح.

وتصدّى الشيخ في الاستبصار لدفع التنافي بتخصيصه التقدير المذكور بالحمار قائلا : « بأنّه لا يمتنع أن يكون عليه‌السلام أجاب بما يختصّ حكم الحمار ، وعوّل في حكم الجمل على ما سمع منه من وجوب نزح الماء كلّه » (٢) ، وهذا التأويل كما ترى لا يلائم ما في المدارك (٣) عن الشيخين (٤) ، وأتباعهما (٥) ، من أنّهم أوجبوا في البقرة كرّا ، بناء على أنّ تاءها للوحدة والمجرّد عنها اسم جنس يقع على الذكر والانثى كما في المجمع (٦) ، وكأنّه وجد عن الشيخ في كتابه الآخر ، وعلى أيّ نحو كان فهو ضعيف وإن أرادوا بالبقرة خصوص الانثى كما يظهر عن صاحب المدارك (٧) ، ومثله في الضعف ما عن ابن إدريس (٨) من أنّه اكتفى في الثور بكرّ.

وكما أنّ الخبرين المتقدّمين يدلّان على حكم ما تقدّم فكذلك يدلّان على حكم وقوع الخمر على ما استدلّ عليه بهما الجماعة ، مصرّحين بعدم الفرق بين قليله وكثيره ، وجعله الشيخ مؤيّدا لصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله في البئر يبول فيها الصبيّ ، أو يصبّ فيها بول أو خمر؟ فقال : « ينزح » (٩).

وفيه نظر واعترض في تعميم الحكم بالقياس إلى القليل بمنع تناول الخبرين له ، لأنّ التعبير بالصبّ يفهم منه الكثرة ، ومن هنا ذهب ابن بابويه القمّي ـ على ما حكي

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٥ ذيل الحديث ٣ من ب ١٩ من أبواب المياه.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٦٦.

(٤) وهما المفيد في المقنعة : ٦٦ والشيخ في المبسوط ١ : ١١ ـ والنهاية ١ : ٢٠٨.

(٥) منهم ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢١ وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٠ والسلّار في المراسم العلويّة : ٣٥.

(٦) مجمع البحرين : مادّة « بقر ».

(٧) مدارك الأحكام ١ : ٦٦ حيث قال : « والأظهر إلحاق الثور والبقرة به » الخ.

(٨) السرائر ١ : ٧٢ حيث قال : « ما يوجب نزح كرّ ، وهو مرّت خمس من الحيوان : الخيل ، والبغال ، والحمير أهليّة كانت أو غير أهليّة ، والبقر وحشيّة كانت أو غير وحشيّة ، أو ما ماثلها في مقدار الجسم » ، ولا ريب في دخول الثور في ما ماثلها في مقدار الجسم.

(٩) الوسائل ١ : ١٧٩ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٤ ـ التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٦ ـ الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٤ ـ وزاد فيه : « ينزح الماء كلّه ».

٦٣٤

عنه ـ (١) في المقنع (٢) إلى التفصيل بين القطرة فخصّها بعشرين دلوا ، محتجّا بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بئر قطر فيها دم أو خمر؟ قال : « الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، وإن غلبت الريح نزحت حتّى تطيب » (٣).

وقد ورد لها التقدير بثلاثين أيضا كما في خبر كردويه ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم ، أو نبيذ مسكر ، أو بول ، أو خمر؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا » (٤) وأجاب في المختلف عن الاعتراض : « بمنع دلالة الأنصاب على الكثير ، بل مفهومه الوقوع لذي الأجزاء على الاتّصال سواء قلّ أو كثر ، والخمر الوارد في الحديث نكرة لا يدلّ على قلّة ولا كثرة ».

وعن الخبرين : « بالمنع من صحّة سنديهما ، لأنّ في طريقيهما من لا يحضرني الآن حاله » (٥) وعلى فرض الصحّة فإعراض المعظم عنهما يخرجهما عن الاعتبار.

وأمّا سائر المسكرات فإلحاقها بالخمر محكيّ عن المفيد (٦) ، والشيخ (٧) ، والمرتضى ، وقد يدّعي فيه الشهرة العظيمة ، بل عن الغنية (٨) ، والسرائر (٩) الإجماع عليه ، وقيّدها جماعة بالمائع بالأصالة احترازا عن الجامد كالحشيشة للاتّفاق على عدم نجاسته ، كما في كلام المحقّق الخوانساري (١٠) لكنّهم لم يذكروا هنا في أصل الحكم حديثا ، بل اعترف بعدم الظفر عليه غير واحد منهم العلّامة في المنتهى (١١).

نعم المصرّح به في جملة كلماتهم كما في المنتهى (١٢) ، وغيره ، وعن المعتبر (١٣) ، وغيره أنّ ذلك من جهة إطلاق الخمر على كلّ مسكر في كثير من الأخبار ، كرواية عطاء

__________________

(١) والحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣١٨.

(٢) المقنع : ٣٤ ، ولا يخفى أنّ الاحتجاج برواية زرارة يكون من الحاكي لا من المحكيّ عنه ، وإن كان استناد المحكيّ عنه إليه أيضا غير بعيد ولذا قال في مدارك الأحكام ١ : ٩٣ : « وربّما كان مستنده رواية زرارة ».

(٣) الوسائل ١ : ١٧٩ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٣ ـ التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ـ الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦.

(٤) الوسائل ١ : ١٧٩ ب ١٥ من أبواب الماء المطلق ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٨ ـ الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٥ ، و ١ : ٤٥ / ١٢٥.

(٥) مختلف الشيعة ١ : ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٦) والحاكي هو العلّامة في منتهى المطلب ١ : ٧٠ ؛ المقنعة : ٦٧.

(٧) النهاية ١ : ٢٠٧. (٨) غنية النزوع : ٤٨.

(٩) السرائر ١ : ٧٢. (١٠) مشارق الشموس : ٢٢٠.

(١١ و ١٢) منتهى المطلب ١ : ٧٠ و ٧١. (١٣) المعتبر : ١٣.

٦٣٥

ابن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ مسكر خمر » (١) ، ورواية عليّ بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام : « إنّ الله لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (٢).

ويعترض عليه تارة : بأنّه لو بنى على هذا العموم لزم عدم الفرق بين الجامد والمائع ، ولو بنى على ظهور التنزيل في حرمة التناول خاصّة خرج ما عدا الخمر ، لاختصاص ما فيه من الأمر بنزح الكلّ بالخمر.

واخرى : بما في المدارك (٣) من أنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، والمجاز خير من الاشتراك.

ويمكن دفع الأوّل : باختيار الشقّ الأوّل مع القول بموجب العموم المذكور لو لا ما يوجب الخروج عنه بالقياس إلى الجامد من الدلالة على عدم نجاسته ، وقد عرفت نقل الاتّفاق عليه ، وكلّ عامّ قابل للتخصيص.

ودفع الثاني : بأنّ التمسّك بالإطلاق ليس لغرض إثبات الوضع والحقيقة حتّى يقابل بما ذكر ، مع ما فيه من عدم جريانه بالنسبة إلى احتمال الاشتراك المعنوي كما قرّر في محلّه ، وإنّما المقصود به إثبات الإطلاق على نحو الاستعارة والتشبيه ليحرز به ما هو مناط قاعدتهم المعروفة من أنّ التشبيه يفيد المشاركة في الأحكام مطلقة أو الظاهرة منها خاصّة ، نعم يشكل ذلك بمنع كون وجوب نزح الجميع من الأحكام الظاهرة ، والمحقّق عدم اقتضاء التشبيه إلّا المشاركة فيها خاصّة ، ومن هنا اتّجه أن يقال : إنّه لو قيل بنزح الجميع فيما لا نصّ فيه عمّ الحكم لغير الخمر أيضا وإلّا فللتأمّل فيه مجال واسع.

وممّا ذكر تبيّن الحال في الفقّاع الّذي حكى عن الشيخ (٤) إلحاقه بالخمر ، وعن أبي الصلاح (٥) أنّه تبعه ، وكذلك ابن إدريس (٦) وغيره (٧) ، بل عنه (٨) كابن زهرة (٩) دعوى الإجماع عليه ، فإنّ ذلك أيضا ممّا لا مستند له في الأخبار عدا ورود إطلاق الخمر عليه

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٣٢٦ ب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ح ٥ ـ الكافي ٦ : ٤٠٨ / ٣.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٤٢ ب ١٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ح ١ ـ الكافي ٦ : ٤١٢ / ٢.

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٦٣.

(٤) حكى عنه في منتهى المطلب ١ : ٧١ ـ لاحظ المبسوط ١ : ١١.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٠.

(٦) السرائر ١ : ٧٢.

(٧) كالقاضي في المهذّب ١ : ٢١.

(٨) السرائر ١ : ٧٢. (٩) غنية النزوع : ٤٨.

٦٣٦

في كثير منها ، كرواية هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الفقّاع؟ فقال :« لا تشربه فإنّه خمر مجهول » (١).

وعن الرضا عليه‌السلام : « وهو حرام وهو خمر » (٢) وعن أبي الحسن الأخير عليه‌السلام قال : « هي خمر استصغرها الناس » (٣) والظاهر أنّ هذا هو مستند الحكم كما في كلام جماعة ، واعترض عليه أيضا في المدارك (٤) بنحو ما مرّ ، وقد تقدّم الجواب عنه مع المناقشة في أصل الاستدلال من وجه آخر ، بل النظر في سياق الأخبار وملاحظة صدرها وذيلها يعطي عدم ورودها إلّا لإفادة حكم التحريم ، وإن بنينا في أصل مسألة التشبيه على التعميم ، فالإشكال في الفقّاع هو الإشكال المتقدّم.

وأمّا موضوع الفقّاع فعن القاموس : « الفقّاع كرمّان ، هذا الّذي يشرب ، وإنّما سمّي بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد » (٥).

وفي المجمع : « شي‌ء يشرب يتّخذ من ماء الشعير فقط وليس بمسكر ولكن ورد النهي عنه » (٦).

وعن المرتضى في الانتصار : « أنّ الفقّاع هو الشراب المتّخذ من الشعير » (٧).

وفي حاشية الشيخ عليّ للشرائع : « أنّ المراد به ما يتّخذ من الشعير ويسمّى بالغبيراء » (٨).

وعن الشهيد في الذكرى إلحاق العصير العنبي به بعد ما غلى واشتدّ (٩) ، واستبعده في الروضة (١٠) ، ومنعه في المدارك (١١) عملا بالأصل السالم عن المعارض ، وعن حاشية المدارك للمحقّق البهبهاني : « أنّ ما نقل في المسكر والفقّاع وارد في العصير أيضا ، بل

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٣ ح ٧ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٥٤٤ ، الاستبصار ٤ : ٩٦ / ٣٧٣ ـ الوسائل ٣ : ٤٦٩ ب ٣٨ من أبواب النجاسات ح ٥.

(٢) التهذيب ٩ : ١٢٤ / ٥٣٦ ، مع اختلاف في العبارة.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٦٥ ب ٢٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ح ١ ، وفي المصدر : « خميرة ».

(٤) مدارك الأحكام ١ : ٦٣.

(٥) القاموس المحيط مادّة : « الفقع ».

(٦) مجمع البحرين : مادّة « فقع ».

(٧) الانتصار : ١٩٩.

(٨) حاشية شرائع الإسلام ـ للمحقّق الكركي (مخطوط) الورقة : ٤.

(٩) ذكرى الشيعة ١ : ٩٩.

(١٠) الروضة البهيّة ١ : ٣٥.

(١١) مدارك الأحكام ١ : ٦٥.

٦٣٧

وأشدّ ، يظهر ذلك من الأخبار الواردة في علّة حرمة الخمر ، لاحظ الكافي وغيره » (١).

وقد يجعل من تلك الأخبار المشار إليها ما ورد من « أنّ الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، البتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر » (٢) ، وفيه تأمّل.

وأمّا « المنيّ » ففسّره جماعة بمنيّ ذي النفس السائلة إنسانا كان أو غيره ، وقيل باختصاصه بمنيّ الإنسان وأنّ غيره ملحق بما لا نصّ فيه.

واعترضه : بأنّ كلا النوعين كذلك (٣) ؛ والوجه في ذلك ما اعترف به غير واحد كما في المنتهى (٤) ، وعن المعتبر (٥) ، وشرح النهاية لأبي عليّ (٦) من : أنّهم لم يقفوا فيه على نصّ ، ولا ورد فيه مقدّر شرعي ، وإن كان ممّا قال به الشيخ وتبعه جماعة.

وعن المحقّق الشيخ عليّ : « أنّه اشتهر القول بذلك بين الأصحاب » (٧) ، بل عن الغنية (٨) والسرائر (٩) الإجماع عليه ، وفي المنتهى (١٠) ـ كما عن المعتبر ـ (١١) أنّه : « يمكن القول بأنّه ماء محكوم بنجاسته ، وتقدير بعض المنزوحات ترجيح من غير مرجّح فيجب الجميع ».

وعلى قياسه الكلام في الدماء الثلاثة ، فإنّ القول بوجوب نزح الجميع فيها منقول عن الشيخ (١٢) وتبعه السلّار (١٣) ، وابن البرّاج (١٤) ، وابن إدريس (١٥) ، وابن الزهرة (١٦) ، بل عنهما دعوى الإجماع عليه ، واعترف غير هؤلاء بعدم ورود حديث في ذلك ، ولذا عزي إلى المفيد (١٧) إطلاق القول في الدم بنزح عشرة لكثيره وخمسة لقليله ، ومثله ابن بابويه وأبوه (١٨) في عدم التفصيل وإن خالفاه في التقدير.

__________________

(١) حاشية البهبهاني على مدارك الأحكام ١ : ١١٨.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٢٨٠ ب ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ح ٣ ـ الكافي ٦ : ٣٩٢ / ٣.

(٣) المعترض هو صاحب المدارك ، لاحظ مدارك الأحكام ١ : ٦٥.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٧٢.

(٥ و ١٠ و ١١) المعتبر : ١٣.

(٦) لا يوجد لدينا أصل الكتاب ، ولكنّه نقل عنه في ذكرى الشيعة ١ : ٩٣ وكشف اللثام ١ : ٣٢٠ وجامع المقاصد ١ : ١٣٨.

(٧) جامع المقاصد ١ : ١٣٨.

(٨ و ١٦) غنية النزوع : ٤٨.

(٩ و ١٥ ا) لسرائر ١ : ٧٢ و ٧٠. (١٢) المبسوط ١ : ١١.

(١٣) المراسم العلويّة : ٣٥. (١٤) المهذّب ١ : ٢١.

(١٧) المقنعة : ٦٧. (١٨) مختلف الشيعة ١ : ١٩٧.

٦٣٨

وعن المعتبر أنّه كسائر الدماء قائلا ـ في وجه قول الشيخ بعد الاعتراف بعدم عثوره على نصّ في ذلك ـ : « ولعلّ الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره من الثوب ، فغلّظ حكمه في البئر وألحق به الدمين الآخرين ، لكن هذا التعليل ضعيف ، فالأصل أنّ حكمه حكم بقيّة الدماء عملا بالأحاديث المطلقة » (١) انتهى.

وتنظر فيما ادّعاه من إطلاق الأحاديث بعد ما استوجه التسوية بينه وبين بقيّة الدماء ، واستحسن ما ذكره من ضعف التعلّق بالتوجيه المذكور ، ولعلّ وجه النظر في دعوى الإطلاق ما قيل فيه من دعوى الانصراف ، المقتضي للحوق المقام بما لا نصّ فيه ، لكنّه عند التأمّل في حيّز المنع ، والظاهر أنّ الإطلاق ثابت.

وقد يحكى عن ابن البرّاج (٢) قول بوجوب نزح الجميع لعرق الجنب حراما ، وعرق الإبل الجلّالة ، والفيل ، وآخر عن أبي الصلاح (٣) بوجوبه لروث وبول ما لا يؤكل لحمه مطلقا ، كما نسبه العلّامة في المختلف (٤) أو في غير بول الصبي والرجل كما نسبه في الذكرى (٥) على ما حكي.

وأورد على الجميع بعدم ورود الدليل عليه.

وقد يوجّه : بأنّ هذا القائل لعلّه يقول بوجوب نزح الجميع فيما لا نصّ فيه ، فاعترض بأن لا وجه حينئذ لإفراد هذه الامور بالذكر ، وكأنّه لذا عدّ الشهيد في الدروس (٦) من جملة ما يجب فيه نزح الجميع نجاسة لا نصّ فيها بناء له على الأحوط ، ونحوه محكيّ عن الشيخ في المبسوط قائلا : « بأنّ الاحتياط يقتضي نزح جميع الماء » (٧) ويظهر منه الميل إلى اختيار أربعين الّذي هو أحد أقوال المسألة ، لقوله ـ عقيب الكلام المذكور بلا فصل ـ : « وإن قلنا : بجواز أربعين دلوا منها ، لقولهم عليهم‌السلام : « ينزح منها أربعون دلوا إن صارت مبخرة » (٨) ، وفي بعض النسخ المحكيّة عنه « وإن صارت منجرة » (٩).

__________________

(١) المعتبر : ١٤.

(٢) المهذب ١ : ٢١ ولم يذكر فيه الفيل ، بل قال : « وكلّ ما كان جسمه مقدار جسمه ـ أي البعير ـ أو أكثر ».

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٠.

(٤) مختلف الشيعة ١ : ١٩٢.

(٥) ذكرى الشيعة ١ : ٩٣.

(٦) الدروس الشرعيّة ١ : ١١٩.

(٧ و ٩) المبسوط ١ : ١٢.

(٨) البئر المبخرة : هي الّتي يشمّ منها الرائحة الكريهة كالجيفة ونحوها. (مجمع البحرين).

٦٣٩

ولا نعقل معنى هذه الرواية ولا وجه الاستدلال بها ، مع ما فيها من ضعف السند بالإرسال ، ولذا أورد عليه : بعدم وجود ذلك في كتب الأخبار مع عدم معلوميّة حال سنده بل وقصور دلالته ، لمكان عدم كون متعلّق نزح أربعين مذكورا والدلالة موقوفة عليه.

ولا يخفى عليك أنّ هذا كاف في القدح وإن قلنا بما قيل في دفع الأوّلين من أنّ الشيخ ثقة ثبت فلا يضرّ إرساله ، لأنّه لا يرسل إلّا من الثقات ، والقول بأنّ الظاهر من احتجاجه دلالة صدره على محلّ النزاع في دفع الأخير ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ، بعد ملاحظة أنّ الخطاء غير مأمون على المجتهد ولا عبرة باجتهاد الغير.

نعم ، هنا رواية اخرى ذكرها العلّامة في المختلف (١) عن كتابه المسمّى بمدارك الأحكام ، وهو ما رواه الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن كردويه قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول ، والعذرة ، وأبوال الدوابّ وأرواثها ، وخرء الكلاب؟ قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة » (٢) ولكنّه كما ترى لا يرتبط بمحلّ البحث أوّلا ، وبالقول المذكور ثانيا ، وكيف كان فلهم في مسألة ما لا نصّ فيه أقوال ثلاث :

أحدها : القول بوجوب نزح الجميع ، المحكيّ عن ابن إدريس (٣) ، وبن زهرة (٤) ، وعن الغنية (٥) الإجماع عليه.

وثانيها : القول بوجوب نزح أربعين ، المنسوب إلى بعض الأصحاب (٦) ، الظاهر من الشيخ (٧) فيما عرفت ، وعزي إلى العلّامة أيضا في بعض كتبه (٨) ، وإلى الشهيد في شرح الإرشاد (٩).

وثالثها : القول بوجوب نزح ثلاثين ، المحكيّ عن السيّد جمال الدين بن طاوس في البشرى (١٠) ، وعن الشهيد (١١) نفي البأس عنه أيضا.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٢١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠.

(٣) السرائر ١ : ٧٢. (٤ و ٥) غنية النزوع : ٤٨.

(٦) الوسيلة : ٧٥. (٧) المبسوط ١ : ١٢.

(٨) إرشاد الأذهان ١ : ٢٣٧.

(٩) روض الجنان : ١٥٠.

(١٠) حكى عنه في كشف اللثام ١ : ٣٥٢ وأيضا حكاه في مدارك الأحكام عن شرح الإرشاد ١ : ١٠٠.

(١١) حكى عنه في روض الجنان : ١٥١ حيث قال : « وذهب بعض الأصحاب إلى نزح الجميع ونفى عنه الشهيد في الشرح البأس الخ ».

٦٤٠