تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

ذيل

المكاتبات السرية بين الشريف الحسين والانكليز التي سماها جلالته «مقررات النهضة» (١)

ـ ١ ـ

من الشريف حسن الى السير هنري مكماهون

مكة في ٢٨ رمضان ١٣٣٣ (يوليو ١٩١٥) (٢)

لصاحب السعادة والرفعة نائب جلالة الملك بمصر سلمه الله.

أقدم لجنابكم العزيز احسن تحياتي الودية واحتراماتي ، وارجو ان تعملوا كل ما في وسعكم لتنفيذ المذكرة المرسلة اليكم طيه ، المتضمنة الشروط المقترحة المتعلقة بالقضية العربية واود بهذه المناسبة أن اصرح لحضرتكم ولحكومتكم انه ليس هناك حاجة لان تشغلوا أفكاركم بآراء الشعب هنا. لآنه بأجمعه ميال الى حكومتكم بحكم المصالح المشتركة. ثم يجب أن لا تتعبوا أنفسكم بارسال الطبارات أو رجال الحرب لالقاء المناشير ، واذاعة الشائعات كما كنتم تفعلون من قبل لان القضية قد قررت الآن واني لارجوكم هنا ان تفسحوا المجال أمام الحكومة المصرية. لترسل الهدايا المعروفة من الحنطة للاراضي المقدسة (مكة والمدينة) التي أوقفت ارسالها منذ العام الماضي. واود ان الفت نظركم الى ان ارسال هدايا هذا

__________________

(١) نقلا عن كتاب الثورة العربية الكبرى للاستاذ امين سعيد ١٤٢ ج ١

(٢) في المراسلات التأريخية لسليمان موسى مؤرخة هذه الرسالة في ٢ رمضان ١٣٣٣ ه‍ ١٤ تموز ١٩١٥ م (ع)

٧٤١

العام والعام الفائت ، سيكون له أثر فعال في توطيد مصالحنا المشتركة وأعتقد أن هذا يكفي لاقناع رجل ذكي مثلكم أطال الله بقاءكم.

حاشية ـ أرجو ان لا تزعجوا أنفسكم بارسال أي رسالة ، قبل ان تروا نتائج اعمالنا هنا ، خلا الجواب على مذكرتنا وما تتضمنه. ونرجو ان يكون هذا الجواب بواسطة رسولنا كما نرجو ان تعطوه بطاقة منكم ليسهل عليه الوصول اليكم عندما نجد حاجة لذلك. والرسول موثوق به.

(المذكرة)

لما كان العرب بأجمعهم ـ دون استثناء ـ قد قرروا في الاعوام الاخيرة ان يعيشوا وان يفوزوا بحريتهم المطلقة ، وان يتسلموا مقاليد الحكم نظريا وعمليا بأيديهم. ولما كان هؤلاء قد شعروا وتأكدوا انه من مصلحة حكومة بريطانيا العظمى ان تساعدهم وتعاونهم للوصول الى امانيهم المشروعة ، وهي الاماني المؤسسة على بقاء شرفهم ، وكرامتهم وحياتهم .. ولما كان من مصلحة العرب أن يفضلوا مساعدة حكومة بريطانيا عن أية حكومة أخرى بالنظر لمركزهم الجغرافي ومصالحهم الاقتصادية وموقفهم من حكومة بريطانيا انه بالنظر لهذه الاسباب كلها يرى الشعب العربي انه من المناسب ان يسأل الحكومة البريطانية اذا ـ كانت ترى من المناسب ان تصادق بواسطة مندوبها أو ممثلها على الاقترحات الاساسية الآتية : ـ

أولا ـ ان تعترف انكلترا باستقلال البلاد العربية من مرسين ـ ادنه ، حتى الخليج العربي شمالا ومن بلاد فارس حتى خليج البصرة كما هي ومن البحر الاحمر ، والبحر المتوسط حتى سينا غربا ، على ان توافق انكلترا ايضا على اعلان خليفة عربي على المسلمين.

٧٤٢

ثانيا ـ تعترف حكومة الشريف العربية بأفضلية انكلترا في كل مشروع اقتصادي في البلاد العربية اذا كانت شروط تلك المشاريع متساوية.

ثالثا ـ تتعاون الحكومتان الانكليزية والعربية فى مجابهة كل قوة تهاجم أحد الفريقين وذلك حفظا لاستقلال البلاد العربية وتأمينا لافضلية انكلترا الاقتصادية فيها .. على أن يكون هذا التعاون في كل شيء في القوة العسكرية والبحرية والجوية.

رابعا ـ اذا تعدى أحد الفريقين على بلاد ما ونشبت بينه وبينها قتال وعراك. فعلى الفريق الآخر ان يلزم الحياد. على ان هذا الفريق المعتدي اذا رغب في اشتراك الفريق الآخر معه ففي وسع الفريقين ان يجتمعا معا وان يتفقا على الشروط.

خامسا ـ مدة الاتفاق في المادتين الثالثة والرابعة من هذه المعاهدة خمس عشرة سنة. واذا شاء احد الفريقين تجديدها عليه ان يطلع الفريق الآخر على رغبته قبل انتهاء مدة الاتفاقية بعام.

هذا ولما كان الشعب العربي بأجمعه قد اتفق (والحمد لله) على بلوغ الغاية وتحقيق الفكرة مهما كلفه الامر ، فهو يرجوا الحكومة البريطانية ان تجيبه سلبا او ايجابيا في خلال ثلاثين يوما من وصول هذا الاقتراح واذا انقضت هذه المدة ولم يتلق من الحكومة جوابا فان يحفظ لنفسه حرية العمل كما يشاء.

وفوق هذا فاننا نحن عائلة الشريف نعتبر انفسنا ـ اذا لم يصل الجواب ـ احرارا في القول والعمل من كل التصريحات. والوعود السابقة التي قدمناها بواسطة علي أفندي.

٧٤٣

من مكماهون الى الشريف حسين

مصر في ١٩ شوال ١٣٣٣ (٣٠ آب أغسطس ١٩١٥)

الى الحسيب النسيب سلالة الاشراف وتاج الفخار ، فرع الشجرة المحمدية والدوحة القرشية الاحمدية ، صاحب المقام الرفيع والمكانة السامية السيد ابن السيد والشريف ابن الشريف السيد الجليل المبجل دولة الشريف حسين باشا سيد الجميع ، امير مكة المكرمة ، قبلة العالمين ومحط رحال المؤمنين الطائعين عمت بركته الناس أجمعين بعد رفع رسوم وافر التحيات العاطرة والتسليمات القلبية الخالصة من كل شائبة أعرض أن لنا الشرف بتقديم واجب الشكر لاظهاركم عاطفة الاخلاص والاحساسات نحو انكلترا وقد يسرنا علاوة على ذلك ان نعلم ان سيادتكم ورجالكم برأي واحد وعقيدة واحدة وهي ان مصالح العرب هي مصالح انكلترا ومصالح انكلترا هي مصالح العرب.

واود بهذه المناسبة ان أؤكد ما قاله اللورد كنشنر في الرسالة التي وصلتكم بواسطة علي أفندي ، وهي الرسالة التي أوضح لكم فيها بصراحة رغبتنا في استقلال البلاد العربية وسكانها وموافقتنا على ان يكون الخليفة عربيا عندما تعلن الخلافة ونصرح مرة أخرى ان حكومة صاحب الجلالة تميل الى ان يكون الخليفة عربيا عريق العروبة اما ما يتعلق بالحدود فقد يكون بحثنا في مثل هذه التفاصيل ـ والوقت والحرب قائمة ـ سابقا لاوانه وخاصة ان تركيا لا تزال تحتل قسما كبيرا من الاراضي التي أشرتم اليها في اقتراحكم احتلالا تاما.

٧٤٤

ثم يجب ان أضيف الى ذلك ، انني علمت بدهشة وألم ان بعض العرب في هذه الاقسام لا يرغبون في مساعدتنا بل يقدمون مساعدتهم الفعلية بالسلاح للالمان والاتراك ، اعني للهدامين الجدد ، والظالمين القدماء هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فاننا على استعداد لان نرسل لفخامتكم المنح المطلوبة للاراضي المقدسة حالما تعلموننا كيف وأين ترغبون تسلمها ونحن نهيء الاسباب اللازمة ليتمكن رسولكم من الوصول الينا بكل أمان وسلام وتفضلوا بقبول احترامنا.

٧٤٥

ـ ٣ ـ

من الشريف حسين الى مكماهون

بسم الله الرحمن الرحيم

مكة في ٢٩ شوال ١٣٣٣ (٩ سبتمبر ايلول ١٩١٥)

لصاحب السعادة والرفعة نائب جلالة الملك في مصر ، سلمه الله

بمزيد من السرور والغبطة تلقيت كتابكم المؤرخ في ١٩ شوال وطالعته بكل احترام واعتبار رغم شعوري بغموضه وبرودته وتردده فيما يتعلق بنقطنا الاساسية اعني نقطة الحدود.

وارى من الضروري أن أوكد لسعادتكم اخلاصنا نحو بريطانيا العظمى واعتقادنا بضرورة تفضيلها على الجميع في كل الشؤون ، وفي أي شكل ، وفي أية ظروف ويجب ان أؤكد لكم أيضا أن مصالح اتباع ديانتنا كلها تتطلب الحدود التي ذكرتها لكم ويعذرني فخامة المندوب اذا قلت بصراحة ان البرودة والتردد اللذين ضمنهما كتابه فيما يتعلق بالحدود وقوله ان البحث في هذه الشؤون انما هو اضاعة الوقت وان تلك الاراضي لا تزال بيد الحكومة التي تحكمها .. يعذرني فخامته اذا قلت له ان هذا كله يدل على عدم الرضا ، أو على النفور أو على شيء من هذا القبيل فان هذه الحدود المطلوبة ليست لرجل واحد نتمكن من ارضائه ، ومفاوضته بعد الحرب. بل هي مطالب شعب يعتقد ان حياته في هذه الحدود وهو متفق بأجمعه على هذا الاعتقاد. وهذا ما جعل الشعب يعتقد انه من الضروري البحث في هذه النقطة قبل كل شيء مع الدولة التي يثقون بها كل الثقة ويعلقون عليها الامال وهي بريطانيا العظمى.

٧٤٦

واذا اجمع هؤلاء على ذلك فانما يجمعون عليه في سبيل الصالح المشترك وهم يرون انه من الضروري جدا ان يتم تنظيم الاراضي المجزأة ، ليعرفوا على اي اساس يؤسسون حياتهم كيلا تعارضهم انكلترا أو احدى حليفاتها في هذا الموضوع مما يؤدي الى نتيجة معاكسة ، الأمر الذي حرمه الله وفوق هذا فان العرب لم يطلبوا ـ في تلك الحدود ـ مناطق يقطنها شعب أجنبي بل هي عبارة عن كلمات وألقاب يطلقونها عليها.

اما الخلافة فان الله يرضى عنها ـ ويسر الناس بها.

وانا على ثقة يا صاحب الفخامة انكم لا تشكون قط اني لست أنا شخصيا الذي يطلب تلك الحدود التي يقطنها عرب مثلنا ، بل هي مقترحات شعب بأسره ، يعتقد انها ضرورية لتأمين حياته الاقتصادية.

أو ليس هذا صحيحا يا فخامة الوزير؟

وبالاختصار فاننا ثابتون في اخلاصنا ، نصرح بكل تأكيد بتفضيلنا لكم على الجميع أكنتم راضين عنا ـ كما قيل ـ أو غاضبين!

أما ما يتعلق في قولكم بأن قسما من شعبنا لا يزال يبذل جهده في سبيل تأمين مصالح الاتراك ، فلا اظن ان هذا يبرر «البرودة» و «التردد» اللذين شعرت بهما في كتابكم فيما يتعلق بموضوع الحدود ، الموضوع ، الذي لا اعتقد ان رجلا مثلكم ثاقب الرأي ينكر انه ضروري لحياتنا الادبية والمادية وأنا حتى الساعة لا أزال أنفذ ما تأمر به الديانة الاسلامية في كل عمل اقوم به واراه مفيدا وصالحا لبقية المملكة ، واني سأستمر في هذا الى ان يأمر الله بغير ذلك!

٧٤٧

واود هنا يا صاحب الفخامة ، ان اؤكد لكم بصراحة ان كل الشعب ـ ومن جملته هؤلاء الذين تقولون انهم يعملون لصالح تركيا والمانيا ـ ينتظر بفارغ الصبر ، نتائج هذه المفاوضات المتوقفة على موافقتكم أو رفضكم قضية الحدود وقضية المحافظة على ديانتهم ، وحمايتهم من كل أذى او خطر.

وكل ما تجده الحكومة البريطانية موافقا لسياستها في هذا الموضوع ، فما عليها الا ان تعلمنا به وان تدلنا على الطريق الذي يجب ان نسلكها.

ولذلك نرى من واجبنا ان نؤكد لكم اننا سنطلب اليكم في اول فرصة بعد انتهاء الحرب ما ندعه الان لفرنسا في بيروت وسواحلها.

ولست أرى حاجة هنا لان الفت نظركم الى ان خطتنا هي آمن على مصالح انكلترا من خطة انكلترا على مصالحنا ، ونعتقد ان وجود هؤلاء «الجيران» في المستقبل سيقلق أفكارنا كما يقلق أفكارها.

وفوق هذا فان الشعب البيروتي لا يرضى قط بهذا الارتقاء والانزواء وقد يضطروننا لاتخاذ تدابير جديدة قد يكون من شأنها خلق متاعب جديدة. تفوق في صعوبتها المتاعب الحاضره.

وعلى هذا لا يمكن السماح لفرنسا بالاستيلاء على قطعة صغيرة من تلك المنطقة وانا اصرح بهذا ، رغم اني اعتقد واؤمن بالتعهدات التي قطعتموها في كتابكم ويستطيع معالي الوزير ، وحكومته ان يثقا كل الثقة بأننا لا نزال عند قولنا وعزيمتنا وتعهداتنا التي عرفها مستر ستورس منذ عامين.

ونحن ننتظر اليوم الفرصة السانحة التي تناسب موقفنا ، وخاصة فيما يتعلق

٧٤٨

بالحركة التي أضحت قريبة والتي يدفعها الينا القدر بسرعة ووضوح لتكون حجة ـ نحن والذين يرون رأينا ـ في العمل ضد تركيا ـ ودون ان نتعرض للوم او نقد.

وأعتقد ان قولكم «بأن بريطانيا لا تحتكم ولا تدفعكم للاسراع في حركتكم مخافة ان يؤدي هذا التسرع الى تصديع نجاحكم» لا يحتاج الى ايضاح .. الا فيما يتعلق بمطالبكم بالاسلحة والذخائر عند الحاجة اعتقد الان ان في هذا كفاية.

٧٤٩

ـ ٤ ـ

من مكماهون الى الشريف حسين

القاهرة في ٢٤ أكتوبر ١٩١٥ (١٥ ذي الحجة ١٣٣٣)

الى شريف مكة «مع الالقاب».

تلقيت كتابكم المؤرخ في ٢٩ شوال بكثير من الغبطة والسرور ، وكان للعبارات الودية المخلصة التي وردت فيه اكبر تأثير في نفسي.

وانه ليؤسفني انكم لا حظتم في كتابي الاخير ، وحديثي عن قضية الحدود شيئا من «البرودة» والتردد. مع انني لم اقصد ذلك بل كنت اود ان اقول بأن الوقت لم يحن للبحث فيها بحثا منتجا. هذا كل ما اردت قوله.

وقد أدركت من كتابكم الاخير انكم تعلقون اهمية كبرى على قضية الحدود ، وانكم تعتبرونها من المسائل الحيوية ، فأرسلت مضمون كتابكم الى الحكومة البريطانية ، وانه ليسرني ان ارسل اليكم البيانات التالية التي ستفوز برضائكم.

ان «مرسين» واسكندرونة وبعض الاقسام السورية الواقعة في غربي دمشق وحمص ، وحماه ، وحلب ، لا يمكن ان يقال عنها انها عربية محضة فيجب ان تستثنى من الحدود التي ذكرتموها ونحن على استعداد للموافقة على تلك الحدود. على اساس هذه التعديلات ، على ان لا ينقض شيئا من اتفاقنا مع الزعماء العرب ، اما الاراضي التي تستطيع انكلترا العمل فيها بملء الحرية ودون ان توقع ضررا بحليفتها فرنسا فان لي السلطة التامة باسم حكومة صاحبة الجلالة ان

٧٥٠

اعطيكم التأمينات التالية جوابا على كتابكم :

١ ـ ان انكلترا مستعدة ـ على اساس تلك التعديلات ـ ان تعترف باستقلال العرب وتقديم المساعدة لهم في الحدود التي اقترحها شريف مكة.

٢ ـ تحمي بريطانيا الاماكن المقدسة من كل اعتداء خارجي وتعترف يوحدتها.

٣ ـ تقدم بريطانيا للعرب ـ عند الحاجة كل مساعدة او نصيحة تلزم ـ وتعاونهم في تشكيل افضل شكل من اشكال الحكومات في مختلف البلاد العربية هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى فان العرب يوافقون على الاقتصار على استشارة ومعونة وادارة بريطانيا العظمى وحدها ، ويرضون بأن يكون جميع الموظفين الذين يحتاجون اليهم لتنظيم دوائر مملكتهم من التبعة الانكليزية.

اما ما يتعلق بولايتي البصرة وبغداد فان العرب يعرفون ان مركز انكلترا ومصالحها فيها ، تتطلب شكلا اداريا خاصا ، ومراقبة خاصة للمحافظة على تلك الانحاء من الاعتداءات الخارجية. وتأمين راحة وطمأنينة السكان وتوطيد مصالحنا المشتركة فيها.

واني لعلى ثقة بأن هذا التصريح يجعلكم ابعد ما تكونون عن الشك في عطف بريطانيا على أماني أصدقائها «التقليديين» العرب ويؤدي حتما الى التحالف والعمل على طرد الاتراك من البلاد العربية ، وانقاذ العرب من النير التركي الذي كان وما يزال يضغط على أعناقهم منذ أعوام.

لقد قصرت خطابي هذا على الشؤون العظيمة الاهمية ، فاذا كان لديكم شؤون اخرى ترغبون في المذاكرة بشأنها ، ولم أشر اليها في كتابي هذا فان في وسعنا

٧٥١

البحث فيها في فرصة مناسبة في المستقبل.

وقد تلقيت بالسرور والرضا ، وصول المحمل الشريف ، والهدايا المرسلة بكل دقة. ونظام بفضل التعليمات والارشادات القيمة التي قدمتموها وذلك بالرغم من الاخطار والمصاعب التي خلقتها الحرب الحاضرة.

ارجو الله ان يعيد السلام والامان والحرية سريعا الى جميع الشعوب.

لقد ارسلت اليكم هذا الكتاب بواسطة رسولكم النشيط الامين محمد ابن عريفان وهو سيطلعكم على بعض الشؤون التي لم اذكرها في كتابي.

٧٥٢

ـ ٥ ـ

من الشريف حسين الى مكماهون

بسم الله الرحمن الرحيم

مكة في ٢٤ ذي الحجة ١٣٣٣ (نوفمبر ١٩١٥) (١)

الى السير مكماهون «مع الالقاب» :

لقد تلقيت كتابكم الكريم بسرور المؤرخ في ١٥ ذي الحجة وها أنا اجيبكم عليه بما يلي :

١ ـ رغبة في تسهيل الاتفاق ، وخدمة الاسلام واجتناب كل ما من شأنه تعكير صفو المسلمين ، واعتمادا على صفات بريطانيا العظمى ومواقفها الحميدة فإننا نتنازل عن إصرارنا في ضم مرسين وأدنة الى المملكة العربية اما قضية حلب وبيروت ، وسواحلها فهي عربية صرفا ، وليس هناك فرق بين المسلم العربي ، والمسيحي العربي ، فكلاهما من نسل واحد ، وسنسير ـ نحن المسلمين ـ على خطة سيدنا عمر بن الخطاب وسواه من الخلفاء الذين فرضوا على المسلمين ـ بموجب الديانة الاسلامية ـ ان يعاملوا المسيحيين كما يعاملوا انفسهم. وقد قال سيدنا عمر في حديث له عن المسيحيين بأن لهؤلاء ما لنا من حقوق وواجبات.

وعلى هذا فان المسيحيين سيتمتعون بما نتمتع به من حقوق ، بما يتفق ومصلحة الشعب اجمع.

__________________

(١) هذه الرسالة مؤرخة في المراسلات التأريخية في ٢٧ ذي الحجة (ع)

٧٥٣

٢ ـ لما كان العراق قسما من المملكة العربية ، وكان مركز حكومتهم في عهد علي ابن ابي طالب ، والخلفاء الذين تبعوه ، ولما كان هذا القطر مهد الحضارة العرب ، ومدنيتهم ، وفيه انشئت ابنيتهم الاولى وفيه عظمت قوتهم فان العرب القريبين والبعيدين ينظرون الى هذا القطر نظرة اعتبار خاصة ولا يستطيعون ان ينسوا بسهولة تقاليدهم وذكرياتهم ولذلك اعتقد انه ليس في المستطاع اقناع الشعب العربي بالتنازل عن هذا القطر انما رغبة منا في تسهيل الاتفاق واعتمادا على عهودكم في المادة الخامسة من كتابكم وحفظا لمصالحنا المشتركة في هذا القطر ، فقد يوافق ان نترك الان لمدة قصيرة الاراضي التي تحتلها الجيوش الانكليزية ، تحت ادارة انكلترا ، لقاء مبلغ من المال يدفع كتعويض عن مدة احتلال تلك المنطقة ، واحترام اتفاقكم مع شيوخها.

٣ ـ واذا كنتم ترغبون في الاسراع بالثورة فاننا نرى ان امامنا كثيرا من المخاوف واول ما نخشاه ان يقوم مسلمو الطرف الاخر ، ويلوموننا على حركتنا وثورتنا على حكومة اسلامية.

ثم هناك امر آخر نخشاه ، وهو اننا اذا وقعنا في وجه الاتراك ووراءهم جميع القوى الالمانية ، فاننا لا نستطيع ان نعرف ، اذا كان من الممكن ان تضعف احدى الدول المحالفة وتطلب الصلح وتتركنا انكلترا وحدنا امام الأتراك ام لا؟

فاذا تم هذا وبقي العرب وحيدين امام الاتراك فماذا نصنع؟

٤ ـ ان الاتراك ما يكادون يروننا وحيدين حتى يعمدوا الى الانتقام منا فيعبثوا بحقوقنا المادية والمعنوية ، ويعتدوا على كرامتنا وشرفنا بمساعدة حليفتهم المانيا.

٧٥٤

هذه امور يجب النظر اليها منذ الان بعين الاعتبار لان لها علاقة خاصة بقضيتنا.

٥ ـ عندما يعرف العرب ان حكومة بريطانيا العظمى هي حليفتهم لا تدعهم وحدهم عند انتهاء الحرب وعقدها هذا الصلح وتمديدها دوما لمساعدتهم والدفاع عنهم ، عندئذ يخوضون غمار الحرب بنفس مطمئنة لا يشوبها شيء من الخوف والحذر.

٦ ـ ان كتابنا المؤرخ في ٢٩ شوال ١٣٣٣ يغنينا على ما اعتقد عن اعادة رأينا فيما يتعلق بالمادتين الثالثة والرابعة من كتابكم الاخير بشأن الادارة والاستشارة الحكومية والموظفين على ان لا يكون كما صرحتم ـ تدخل في الشؤون الداخلية.

٧ ـ اننا ننتظر وصول جوابكم النهائي الصريح على هذه الاقتراحات بأسرع ما يمكن فقد ابدينا كل تساهل في الموضوع في سبيل الوصول الى اتفاق يرضي الفريقين.

ونحن نعرف ان نصيبنا من هذه الحرب اما نجاح يؤمن للعرب حياة تتفق وتاريخهم القديم او انقراض في سبيل الوصول الى امانيهم ومطالبهم ولو لم اكن اعرف ان العرب بأجمعهم مستعدون للتضحية بأرواحهم في سبيل الوصول الى امانيهم. لكنت افضل ان اصعد الى رأس جبل وانزوي له ولكن العرب بأسرهم يصرون علي بأن اقود حركتهم حتى النهاية.

وليحفظكم الله وينصركم

٧٥٥

ـ ٦ ـ

من مكماهون الى الشريف حسين

القاهرة ١٣ ديسمبر ١٩١٥ (٩ صفر ١٣٣٤)

وبعد فقد وصلني كتابكم الكريم بتاريخ ٢٤ ذي الحجة ١٣٣٣ وسرني ما رأيت فيه من قولكم اخراج ولايتي مرسين وأدنة من حدود البلاد العربية وقد تلقينا ايضا بمزيد من السرور والرضا تأكيداتكم ان العرب عازمون على السير بموجب تعاليم الخليفة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وغيره من السادة الخلفاء الأولين ، التعاليم التي تضمن حقوق الاديان وامتيازاتها على السواء ، هذا وفي قولكم ان العرب مستعدون ان يحترموا ويعترفوا بجميع معاهداتنا مع رؤساء العرب الآخرين يعلم منه طبعا ان هذا يشمل البلاد الداخلة في حدود المملكة العربية لان حكومة بريطانيا العظمى لا تستطيع ان تنقض اتفاقات ابرمت بينها وبين اولئك الرؤساء.

أما بشأن ولايتي حلب وبيروت فحكومة بريطانيا العظمى قد فهمت كل ما ذكرتم بشأنهما ودونت ذلك عندها بعناية تامة ولكن لما كانت مصالح حليفتها فرنسا داخلة فيها فالمسألة تحتاج الى نظر دقيق وسنخابركم بهذا الشأن مرة اخرى في الوقت المناسب.

ان حكومة بريطانيا العظمى. كما سبقت فأخبرتكم ـ مستعدة لان تعطي كل الضمانات والمساعدات التي في وسعها الى المملكة العربية ولكن مصالحها في ولاية بغداد تتطلب ادارة ودية ثابتة واننا نستصوب تماما رغبتكم في اتخاذ

٧٥٦

الحذر ولسنا نريد ان ندفعكم الى عمل سريع ربما يعرقل نجاح اغراضكم ولكنا في الوقت نفسه نرى من الضروري جدا ان تبذلوا كل مجهوداتكم في جمع كلمة الشعوب العربية الى غليتنا المشتركة وان تحثوهم على ان لا يمدوا أيد المساعدة لاعدائنا بأي وجه كان ، فانه على نجاح هذه المجهودات وعلى التدابير الفعلية التي يمكن للعرب ان يتخذوها لاسعاف غرضنا عندما يجيء وقت العمل تتوقف قوة الاتفاق بيننا وثباته وفي هذه الاحوال فان حكومة بريطانيا قد فوضت الى ان ابلغ دولتكم ان تكونوا على ثقة من ان بريطانيا العظمى لا تنوي ابرام اي صلح كان الا اذا كان من ضمن شروطه الاساسية حرية الشعوب العربية وحكومتها من سلطة الالمان والاتراك هذا وعربونا عن صدق نيتنا من اجل مساعدتكم في مجهوداتكم في غايتنا المشتركة فاني مرسل مع رسولكم الامين مبلغ عشرين ألف جنيه واقدم في الختام عاطر التحيات القلبية.

٧٥٧

ـ ٧ ـ

من الشريف حسين الى مكماهون

بسم الله الرحمن الرحيم

مكة في ٢٥ صفر ١٣٣٤ (أول يناير ١٩١٦)

تلقينا كتابيكم المؤرخين في ٩ صفر فسرني ما جاء فيهما وذهب ما يقلقني ، واظن ان فخامتكم قد ادركتم بعد وصول الشريف محمد فاروق واجتماعه اليكم بأن اعمالنا حتى الان لم تكم لغايات وميول شخصية ، بل أن كل شيء كان نتيجة مطالب ورغائب شعبنا ، واننا لسنا سوى ناقلين ومنفذين لرغائب الشعب والحاحه ، وهذه الحقائق هي دوما في فكري اهتم لها كل الاهتمام وأرجوا ان تجد في نفسكم مكانها من الانتباه والاعتبار.

إن ما يتعلق بقضية العراق ، وقضية التعويض الذي اقترحناه لقاء احتلاله فانني رغبة في تقوية ثقة بريطانيا بنوايانا وغايتنا في القول والعمل ادع امر تقدير المبلغ الى حكمتها وعدالتها ، اما فيما يتعلق بالاقسام الشمالية ومرافئها فقد ابدينا لكم في كتابنا السابق أقصى ما يمكن ان نوافق عليه من تعديلات ونحن لم نتساهل هذا التساهل الا لتحقيق الرغائب التي يريدها الله العلي الاعلى أن تتحقق وهذا الشعور هو الذي حدانا لان نتجنب كل ما من شأنه أن يسيء الى تحالف انكلترا او فرنسا ، والاتفاق المعقود بينهما خلال الحرب ومصائبها.

٧٥٨

ـ ٨ ـ

من مكماهون الى الشريف حسين

القاهرة في ٢٤ ربيع الاول ١٣٣٤ (٣٠ يناير ١٩١٦)

تلقينا بسرور كتابكم المؤرخ في ٢٥ صفر بواسطة رسولكم الموثوق به واطلعنا منه على رسالتكم الشفوية.

واننا لنقدر حق التقدير الدوافع التي تقودكم في هذه القضية الهامة ونعرف جيدا انكم تعملون في صالح العرب وانكم لا ترمون الى شيء في عملكم ـ غير صالحهم وحريتهم وقد عنيت عناية خاصة بملاحظاتك نسل ولاية بغداد ، وسنبحث هذا الموضوع باهتمام وعناية زائدين عندما تتم هزيمة الاعداء وتصل الى التسويات السلمية اما ما يتعلق بالجهات الشمالية فقد كتبت ملاحظة عن رغبتكم في تجنب كل ما من شأنه الاساءة الى تحالف انكلترا وفرنسا وسررت جدا بابداء مثل هذه الرغبة واظنكم تعرفون جيدا اننا مقررون قرارا نهائيا بالا نسمح بأي تدخل ـ مهما قل شأنه ـ وفي اتفاقنا المشترك في ايصال هذه الحرب الى الفوز ثم متى انتهب الحرب فان صداقة فرنسا وانكلترا ستقوى وتشتد ، وهما اللتان بذلتا الدماء الانكليزية والفرنسية جنبا الى جنب في سبيل الدفاع عن الحقوق والحريات وتعمل معنا في سبيل هذه القضية الهامة فاننا لنرجو الله ان تكون نتيجة هذه الجهود المشتركة وهذا التعاون الوطيد ، صداقة دائمة تعود على الجميع بالسرور والغبطة.

وقد سررنا جدا للحركة التي تقومون بها لاقناع الشعب بضرورة الانضمام الى حركتنا والكف عن مساعدة اعدائنا ، ونترك لفطنتكم وتقديراتكم تقرير الوقت المناسب لاتخاذ تدابير أوسع من هذه.

٧٥٩

ـ ٩ ـ

من الشريف حسين الى مكماهون

مكة في ١٤ ربيع الاخر ١٣٣٤

الى صاحب السعادة .... (١)

بمزيد السرور والغبطة تلقيت كتابكم المؤرخ الاخير ٢٤ ربيع الاول ١٣٣٤ (٣٠ يناير ١٩١٦) واحطت علما بما جاء فيه وسأعمل ان شاء الله جميع كلمة العرب لنبدأ العمل قريبا باذن الله.

ـ ١٠ ـ

من مكماهون الى الشريف حسين

القاهرة في ١٠ مارس ١٩١٦ جمادى الأولى ١٣٣٤

بعدما يليق بمقام الامير الخطير من التجلة والاحتشام وتقديم خالص التحية والسلام وشرح عوامل الالفة وحسن التفاهم والمودة الممزوجة بالمحبة القلبية ارفع الى دولة الامير المعظم اننا تلقينا رقيمكم المؤرخ في ١٤ ربيع الآخر من يد رسولكم الامين وقد سررنا لوقوفنا على التدابير الفعلية التي تقودها وانها لموافقة في الاحوال الحاضرة وان حكومة جلالة الملك صادقت على جميع

__________________

(١) يذكر صاحب كتاب «الثورة العربية الكبرى» أنه لم يعثر على نص الخطاب كاملا ، فاكتفى بما وجد. أقول : وقد حاولت من جانبي أن أجد باقي النص في كتاب «مقدرات العراق السياسية» وفيما نشره الشيخ حافظ وهبه في كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين» فلم أجده بدوري.

(ع) : الخطاب مبسوط في «المراسلات التأريخية» ج ١ ص ٥١ وما بعدها ، والرسائل هناك لا يشوبها اختصار بما في ذلك الديباجة التي عرفت في ذلك الزمن.

٧٦٠