تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

فخرج لترضيتهم فامتنعوا عليه ثم اجتمعوا بامير الحج الشامي فتوسط للصلح بينهم واستطاع عبد الله بن سعيد ان يثبت له ان واردات مكة لا تكفي لمقررات الاشراف فاقترح امير الحج الشامي انقاصها وعقد بينهم اتفاقا على ذلك.

وتعقب عبد الله بن سعيد بعد هذا بعض المناوئين الذين انضموا الى فتنة الاشراف من الاهالي فاعتقل فاتح بيت الله الحرام محمد بن عبد المعطي الشيبي وألزمه بيته وفرض عليه غرامة كبيرة وولى منصبه احد بني عمومته وفعل مثل ذلك في علامة عصره شيخ الحديث الشيخ سالم البصري وفي عالم آخر تركي (١).

ضريبة على التجار : واستحدث الشريف عبد الله ضريبة جديدة على أعيان التجار في مكة وبعض المترددين من تجار الحجاج واتخذ لهم سجلا خاصا يؤدون بموجبه ضرائبهم فأثر ذلك في اسعار الحاجيات وارتفعت الاسعار وعم الناس بعض الكرب في عام ١١٣٦ و ٣٧ وقد انتهت أخبار ذلك الى السلطنة فكتبوا اليه بتخفيف ذلك فامتثل للتخفيف ، وبنى لنفسه دارا في جبل أبي قبيس ليتحصن بها عند الطوارىء وقد سمي ببيت النار وكان قائما بجوار الصفا ثم هدم لتوسعة الشوارع.

ونشب خلاف جديد بينه وبين محسن العبدلي فولى الاخير مغاضبا الى الطائف وجمع جموعه لمقاتلته الا ان عبد الله خاف مغبة الامر فأرسل يسترضي الغاضب وبذل له ولأعوانه في الطائف ما ارضاهم وأصلح أمرهم في اوائل عام ١١٣٨.

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ١٨١ .

٤٨١

انتقلت العدوى الى بعض الاشراف فغاضبه بعضهم ثم صالحوه وغاضبه آخرون ثم صالحوه واستمر معهم على ذلك الى نهاية عام ١١٣٩.

واستقر امره بعد ذلك فشاع الامن وصلحت الطرق وأطاع له الاشراف بعد ان حمدوا له مواساته لهم وعدله بينهم وعم الرخاء جميع البلاد ونستطيع ان نستنتج مما ذكره الشيخ عبد الستار البكري في تذييله لكتاب شفاء الغرام للفاسي انه كان نشيطا في دعوته لبلاده وانه كان يندب مبعوثيه الى الأقطار في سبيل تحسين الصلات.

وظل في امارته سبع سنوات ونصف السنة ثم اعترته بعض الامراض فتوفي في ١٥ ذي القعدة عام ١١٤٣ ودفن في موضع يقابل قبر الشيخ محمود بن ادهم الذي كان معروفا امام بازان جرول (١).

محمد بن عبد الله : وبوفاته قام احد اخوته مسعود بن سعيد بالدعوة لابنه محمد بن عبد الله وكان غائبا في اليمن ولعله كان مبعوثا لتحسين علاقات الجوار فنودي به في مكة وسجل لدى القاضي ثم ارسلوا من يستعجله فلما حضر في ٢٩ ذي القعدة تولى الحكم (٢).

محنة الشيعة : وفي عهده حدثت نكبة على الشيعة اعتقد انها احدى النكبات التي يتلظى المسلمون بسعيرها كنتيجة للتعصب وسوء الفهم بينهم وبين اخوانهم من اهل السنة فقد وصلت قافلتهم متأخرة عن ميعاد الحج في عام ١١٤٣ فأقاموا في مكة لحضور الحج في عام ١١٤٤ فزعم بعض العامة أنهم

__________________

(١) المصدر نفسه ، (ع) : لا زال موضع قبر الشيخ محمود معروف ، وبجواره مكان يسمى (القبة) فلعله كان قبر الشريف عبد الله

(٢) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣٠٩

٤٨٢

وضعوا نجاسة في الكعبة المعظمة وثاروا لذلك وثار بثورتهم العسكر وقصد الثائرون القاضي فهرب خوفا من فتنتهم ، ثم قصدوا الى بيت المفتي فاخرجوه من بيته كما اخرجوا غيره من العلماء ذوي الهيئات واجتمعوا عند وزير الامارة وطلبوا اليه اقامة الدعوى دون ان يعينوا خصما معلوما ثم استطاعوا بتألبهم ان ينتزعوا امرا من الوزير بابعاد الشيعة من مكة وخرجوا الى السوق ينادون بطردهم ونهب بيوتهم وذهبوا في اليوم الثاني الى بيت القاضي وطلبوا منه ان يتوسط لدى أمير مكة في التصديق على اوامر الوزير التي بأيديهم ابعاد الشيعة فامتنع الامير ثم ما لبث أن اضطر الى مجاراتهم خوف الفتنة العامة.

وهكذا خف بعض الشيعة الى الطائف وبعضهم الى جدة ومكثوا مدة على ذلك حتى هدأت الفتنة واستطاع امير مكة ان يقبض على دعاتها ثم ارسل الى الهاربين فعادوا الى مكة (١).

وينقل الدحلان عن تاريخ الرضي ان ما حدث كان نتيجة لتعصب بعض أراذل الناس والاتراك وان اهل مكة الحقيقيين لم يكونوا راضين عن ذلك واني لا أميل الى اتهام أشخاص معينين بقدر ما اميل الى نعى الجهل المتأصل في عامة المسلمين من جميع الاجناس والمذاهب وقد كان ولا يزال سببا قويا من أسباب تفرقة المسلمين وتشتيت كلمتهم.

وظل محمد بن عبد الله على امره نحو سنة كان يشرف فيها على اعماله عمه مسعود لأن محمدا كان كما يبدو شابا لم يتركز بعد ولم تصقله التجارب فقد كان سنه لا يزيد عن العشرين (٢).

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد احمد زيني دحلان ١٨٤

(٢) تذييل الشيخ عبد الستار الصديقي ٣٠٩

٤٨٣

ثم ما لبث ان اختلف مع عمه مسعود وخرج على اشرافه فحل العداء بينهما محل الصفاء ووقعت على اثر هذا حادثتان كان فيهما ما يدل على قسم كبير من عدم التركيز ونقصان التجارب وقد اثارت الحادثتان الخلاف بينه وبين الاشراف وألبتهم ضده وجمعتهم على عمه مسعود.

وتتلخص الحادثة الاولى فى انه ضاق بشريف من آل بركات فأمره بمغادرة مكة فلم يمتثل والتجأ ببيت الشريف عبد العزيز من آل بركات فكرر عليه الامر بالخروج فتوسط ال بركات ليمهله الى الليل فأبى وأقبل بروح الشاب المتحمس يحيط البيت الذي ينزل فيه بخيله واجناده ويأمر باطلاق الرصاص على نوافذه وقد اصاب رصاصه بعض الاشراف المجتمعين فتواثبوا للفتنة لو لا ان تدارك الامر بعض الاشراف وبذلك عاد الشريف محمد الى داره.

واجتمع الاشراف على اثر ذلك في دار عبد المحسن العبدلي واشار بعضهم بالثورة الا ان عبد المحسن رأى ان يعرضوا على الامير استرضاء أصحاب البيت المهاجم على قواعدهم المعروفة فندبوا من عرض عليه تقديم خمسة وعشرين من جياد الخيل ومثلها من العبيد وستين من الابل وان نمضي في اعقاب ذلك البيت المهاجم معترفا بخطئه معتذرا عما حدث.

وقبل الامير حكم الاشراف في ذلك وقام به كما طلبوا وبذلك يستطيع المؤرخ ان يستنتج ان الشريف محمدا كان محكوما لاعصابه في اقدامه على هجوم البيت ثم تراجعه وخضوعه للحكم القاسي الذي فرضه الاشراف.

وتتلخص الحادثة الثانية في ان عبدا لاحد كبار الاشراف قتل احد اولاد الشيخ ابي بكر الحنبلي ثم اختفى في بيت سيده ، وبينما الامير مارا في جملة من عبيده اذ لمح الشخص المطلوب جالسا في جملة من عبيد الاشراف في ردهة بيت سيده

٤٨٤

فأمر عبيده بالقبض عليه ففر واصحابه ولاذوا بالبيت فلما احس سادتهم بذلك خفوا الى نجدة عبيدهم واوقعوا بالسيوف في عبيد الامير فرجع الامير الى داره واستحضر بعض العسكر ثم استأنف عودته الى البيت لمهاجمته ومن فيه من الاشراف (١)

وفي هذا ما يستحق الملاحظة لان الشريف محمدا وهو يعلم نفوذ البيوت الكبيرة من الاشراف في مكة واعتدادهم بحصانتها المقررة في قواعدهم القديمة كان يمكنه ان يلزم صاحب البيت باحضار القاتل دون ان يعرض مركزه لما لا يستطيع دفاعه ولكن حماس الشباب الذي لم يتركز بعد.

وقد اسعف الموقف في اللحظة الاخيرة بعض كبار الاشراف فيهم عبد المحسن العبدلي فاستطاعوا ان يثنوا الشريف محمدا عن مرماه وان يطفئوا الفتنة.

الا ان جذوتها ظلت تستعر في ما خفي من نفوسهم حتى عادت الى الاشتغال فتألب الاشراف على اختلاف بطونهم للدعوة ضده واجتمعوا على تأييد عمه مسعود ورأى مسعود ان الفرصة قد سنحت لضرب ابن أخيه ضربة قاضية فانسل هاربا الى الطائف وانسل في اعقابه بعض الاشراف وقد استطاعوا اجلاء حاكم الطائف والمناداة فيها بالثورة بعد ان استمالوا القبائل من ثقيف وقريش وغيرهم.

وعلم محمد بالامر فخرج في جيش من العساكر لملاقاتهم حتى اذا انتهى الى قرن المنازل (٢) بلغهم امره في الطائف فتركوا طبولهم تدوي في ضواحي الطائف ونيرانهم تشتعل ليوهموا طلائعه ببقائهم فيها ثم انسلوا من طريق آخر الى الثنية من طريق السيل ثم الى عرفة ليدخلوا مكة على غرة منه.

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد احمد زيني دحلان ١٨٥

(٢) هي قرية السيل الكبير بالقرب من الطائف

٤٨٥

وعلم بحيلتهم فتبعهم من طريق آخر وادركهم بعد خروجهم من عرفة فاشتبك القتال اشتباكا عنيفا ، وتفرق رجال القبائل فانفرد الاشراف بمواجهة رصاص العساكر واعتمدوا على سيوفهم حتى هزموا الشريف محمدا ففر الى الحسينية وانحاز عساكره بسلاحهم وطبولهم الى عمه مسعود وبذلك دخل مكة ظافرا ونودي به اميرا على البلاد في يوم ٧ جمادي الاول سنة ١١٤٥ بعد ان حكم سلفه نحو من سنة ونصف السنة (١)

مسعود بن سعيد : ولم يستتب الامر لمسعود الا نحو ثلاثة اشهر لأن الشريف محمدا المهزوم ما لبث أن غادر الحسينية متجها الى الجنوب حتى انتهى الى المخواة (٢) ثم تنكب ذروة سراة بجيلة حتى وصل الى الطائف واستطاع في الطائف أن يجمع القبائل من ثقيف وغيرها حوله فعلم بالامر عمه مسعود فخرج في جموعه لملاقاته فتراجع محمد الى المثناة (٣) وانحاز الى جبال شاهقة فلما دنا جيش عمه مسعود من السهول المنبسطة حول الجبال امطرهم المتحصنون وابلا من الرصاص قضوا فيه على أغلبهم وقد فر مسعود وتعقبه محمد ولم يترك له فرصة لجمع شمله فأوغل في البادية لينجو بنفسه وبذلك عاد محمد الى مكة ودخلها ظافرا ونودي فيها بامارته للمرة الثانية وذلك في شعبان سنة ١١٤٥ (٤).

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة : بلدة كبيرة بتهامة زهران ، تبعد عن الباحة بمرحلتين ، وهي المركز الادارى الثاني في تهامة زهران (بلاد غامد وزهران لعلي السلوك الزهراني ص ٢١٧).

(٣) المثناة من ضواحي الطائف

(٤) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الخضراوي «مخطوط»

٤٨٦

محمد بن عبد الله للمرة الثانية : واستتب الامر بقية عام ١١٤٥ وشيئا من عام ٤٦ ثم تلاحقت النكبات بساحته ابتداءا من الحادثه التالية :

بينما كان سردار فرقة الانكشارية يقضي يومه في نزهة مع اهله باحد البساتين في اعلى مكة في ٢٠ ربيع الاول ١١٤٦ اذ جرت ملاحاة بين عسكري من اليمنيين اتباع الشريف محمد وبين انكشاري من اتباع السردار المذكور وتطور الامر فوثب الانكشاري على اليمني وقتله فنادى منادي اليمنيين بأخذ الثأر فتجمهروا حول البستان واطلقوا رصاصهم وعلم الشريف محمد فخف الى مكان الحادث فلما احس السردار بقربه فتح نافذة ليطل عليه فاخذته رصاصة من احد اليمنيين ما لبث ان مات على اثرها فعم الخطب واشتدت الامور وتنادى عساكر الانكشارية لاخذ الثأر وساعدهم العسكر المصريون المقيمون في مكة وقد تجمعوا في سويقة وتحصنوا في بيوتها وسدوا منافذ ازقتها وجعلوا منها متاريس وشرعوا يطلقون الرصاص فندب الشريف محمد اليهم من يعالجهم بالحسنى فاستعصوا على ما طلب فارسل الى حاكم جدة ليعالج الامر فلما حضر أبى الثائرون ان يستمعوا اليه في شأن فطلب اليهم الخروج الى جدة والانتظار فيها الى ان يصل حكم السلطان في ذلك فقبلوا الا ان ضباطهم ما لبثوا ان نادوا في جدة بسقوط الشريف محمد وتولية مسعود ثم كتبوا الى الشريف مسعود وكان يقيم في خليص (١) ليهاجم مكة وارسلوا اليه بكثير من الميرة والاموال فتشجع الامير مسعود وتآلف القبائل حوله بما وصل اليه من الاموال ثم توجه فيمن جمع الى مكة فعسكر في الحديبة «الشميسي» وانضم اليه عسكر جدة ثم انتقلوا الى اطراف مكة ففرق الشريف

__________________

(١) خليص شمالي عسفان على ٢٠ كيلا

٤٨٧

محمد شملهم فعاد العسكر الى جدة ورابط مسعود في خارجها استعدادا الاستئناف القتال فلما علم محمد بالامر توجه بمفرده الى جدة واتصل بعض الموالين للشريف مسعود من الاشراف وغيرهم وأرضاهم بعطاياه فتفرقوا على مسعود ثم ارسل الى الشريف مسعود بألف احمر يسترضيه بها فقبضها مسعود واستعان بها في الرحيل الى الطائف حيث استأنف تجميع القبائل ثم ما لبث ان هاجم مكة بما جمع فقاتل الشريف محمد في ضواحيها قتالا عنيفا حتى هزمه ففر محمد الى الحسينية وبفراره دخل مسعود مكة ظافرا ونودي له بالامارة للمرة الثانية في ٧ رمضان عام ١١٤٦ (١).

مسعود بن سعيد للمرة الثانية : واستقر الامر لمسعود بعد هذا واستطاع ان يحتفظ بحكمه قويا نحوا من عشرين سنة اثبت في اثنائها كفاءته لادارة البلاد واستطاع ان يسوس الاشراف والاهلين سياسة حكيمة وان يعيد ابن اخيه ومنافسه الشريف محمدا الى مكة ويشمله بطيبته بعد ان جاب البادية خمس سنوات وقد تمتعت البلاد في عهده بنصيب طيب من الطمأنينة والهدوء وعمها رخاء شامل (٢).

الا ان ذلك جميعه لم يكن ليحول دون بعض الفتن التي كان لا يخلو منها زمان في مكة فقد ثار في عهده بعض بني حسن (٣) في جنوب البلاد وقطعوا طريق التجارة وثارت قبيلة البقوم شرقي الطائف فندب لقتال الاولين ابن اخيه محمدا فعاد ظافرا بعد ان امن البلاد كما ندب للبقوم غيره فاستسلموا لحكمه.

__________________

(١ و ٢) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٠

(٣) ينسبون الى الحسن بن عجلان بن رميثة ولا يزال أعقابهم الى اليوم

٤٨٨

لعن الرافضة :

وفي عهده نودي بلعن الرافضة فوق المنبر وذلك لان نادر شاه ملك العجم خرج على العثمانيين واستولى على بعض ممالكهم في العراق ثم ارسل الى الامير مسعود رجلا من ائمة علمائهم يصحبه كتاب يقول فيه اننا قد اتفقنا مع الخليفة العثماني على الدعاء لنا على منبر مكة وأن يظهر مذهبنا الجعفري فيها وان يصلي إمامنا في المسجد بجوار المذاهب الاربعة وقد توعد في كتابه فاشتد امر ذلك على الشريف مسعود وعم الاستياء مكة واضطربت الآراء في شأن ذلك وأرسل الوزير التركي في جدة يطلب الى الشريف ان يسلمه الرسول ليقتله فامتنع الشريف عن تسليمه وقال اني سأحافظ عليه الى ان اكتب الى دار الخلافة وأتلقى جوابها فيما تأمر فلم يرض الوزير عن هذا الاقتراح ولعله آنس من الشريف ميلا الى المذهب الجعفري وشعر الشريف بحرج موقفه ولعله بلغه انهم باتوا يشيعون عنه ذلك فامر بلعن الرافضة فوق المنابر وذلك سنة ١١٥٧ ليتجاشى ما اتهم به.

وفي السنة نفسها وصل الى مكة جواب الخليفة بتسليم الامام الجعفري الى امير الحج الشامى ليعود به الى الخلافة في تركيا فسلمه اليه (١)

محاربة الدخان :

وفي عهد الشريف مسعود اشتد النكير على الدخان فحاربه علماء مكة وأصدر مسعود امره بمنع التظاهر بشربه في الاسواق والقهاوي وأمر حاكمه في الاسواق بعقوبة كل من يشربه فكان الحاكم يتعقب الناس في جميع الطرقات

__________________

(١) خلاصة الكلام للدحلان ١٩٣.

٤٨٩

تنفيذا للأوامر فكانوا يعقدون مجالسهم في بيوتهم ليتعاطونه وقد قيل ان الشريف مسعودا كان يعتقد تحريمه كما قيل ان الدافع الى ذلك هو تبذل الناس وتجاهرهم به في المجالس أمام كبار القوم وعلمائهم وكان ذلك في سنة ١١٤٩ (١)

ابعاد الأجانب : وشعر الشريف مسعود في عهده بان مكة تضيق بالمهاجرين من الاجانب الذين اتخذوها دارا للسكنى فضيقوا على اهلها في عيشهم واستولوا على كثير من مرافقها التجارية فاصدر امره بالنداء العام في اسواق مكة بوجوب مغادرة المهاجرين مكة واغلظ في عقوبة من يتخلف منهم بها فرحلوا وذلك سنة ١١٤٩ (٢).

سيلان عظيمان : وفي عهده اقتحم المسجد الحرام سيل عظيم انتهى الى باب الكعبة في يوم الجمعة من عام ١١٥٣ ولم يستطع الخطيب الوصول الى المنبر فخطب في باب الزيادة وصلى الجمعة ومعه خمسة اشخاص ، واصاب الناس سيل مثله في عام ١١٥٩ والناس في منى فغمر الحجاج ودهم جانبا عظيما منهم فكانت ضحاياه من الغرقى تملأ الطرق (٣).

وفي عهد مسعود نشب نزاع بينه وبين الوزير التركي في جدة ذكروا ان الوزير التركي منع ارسال نصيب الشريف مسعود من واردات جدة فغضب مسعود لذلك وطال النزاع ولم يكن مسعود بالرجل الذي يستهين بكفاءة نفسه او يقبل فيها المساومة لهذا ما عتم ان جهز اخاه جعفر في جيش عظيم لقتال جده وارغام

__________________

(١) خلاصة الكلام للدحلان ١٩٣ وقد ذكروا ان اول ظهور شجرة الدخان كان في عام ٩٩٩ وقد أرخوها على طريقتهم بحساب الجّمل يوم تأتي السماء.

(٢ و ٣) المصدر نفسه ١٩٤

٤٩٠

الوزير التركي على الاذعان فتحصن الوزير فيها واقام المدافع على اسوارها الا ان جيش مسعود تغلب على تحصينات الوزير واستطاع ان يقتحم السور من ناحيته الجنوبية بمساعدة الاهالي في جدة ويهاجم البلاد ففر الوزير في نفر من خواصه الى سفينة له في البحر نجا بها وبذلك مكن الشريف لنفسه في جدة وكتب الى دار الخلافة في تركيا فندبت وزيرا غيره وامرت بان يدفع نصيب مسعود من واردات جدة فورا (١)

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وفي هذا العهد كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد قد بدأت تشيع بين القبائل ويكثر أنصارها وقد بعث النجديون الى مسعود يستأذنونه في الحج ببعض جموعهم فلم يوافق على دخولهم وندبوا بعض علمائهم فناظروا علماء مكة ولم ينتهوا معهم الى وفاق.

مساعد بن سعيد : وتوفي مسعود في عام ١١٦٥ وبوفاته نودي بالامارة للشريف مساعد بن سعيد وبايعه اكثر الاشراف والاعيان وفي مقدمتهم ابن اخيه محمد بن عبد الله بن سعيد الا ان فريقا من آل بركات ابوا ان يوافقوا على ذلك وانحازوا الى بعضهم في وادي مر فارسل الشريف مساعد من يسترضيهم وكان من المندوبين لذلك ابن اخيه محمد بن عبد الله فلما اجتمع الغاضبون بالمندوبين صارحوهم باننا لا نوافق الا على امارة محمد بن عبد الله ، وبذلك قام محمد بن عبد الله من صفوف المندوبين منضما الى المغاضبين مطالبا بحقوقه في الامارة.

وهكذا مني مساعد من اول يوم لتوليته بالمنازعات التي ما لبثت ان تطورت الى حروب طاحنة في الشهور الاولى من حكمه.

ذلك ان محمدا بن عبد الله انتقل مع مؤيديه الى الطائف فاستمال بعض البطون

__________________

(١) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوى «مخطوط»

٤٩١

من عتيبة ثم احتل الطائف ، ثم تقدم منها الى مكة فعسكر في دقم الوبر في اواخر جمادي الآخرة من السنة نفسها ١١٦٥

وخرج للقائه عمه مساعد فاحتال محمد باشعال النار في رؤوس الجبال لايهام المقاتلين بان جيشه مقيم فيها ثم انسل الى مكة فلما انتهى الى المحصب بأعلى مكة علم به عمه فكر عليه فكانت موقعة عظيمة بجوار المنحنى في المعابدة هزم في نهايتها محمد بن عبد الله ثم جرى الصلح واستقرت الاحوال وذلك في نصف شعبان من السنة نفسها وكتب مساعد الى دار الخلافة يطلب تأييده بعد اخيه مسعود فوافاه التأييد (١).

وفي عام ١١٦٩ عاجلت المنية محمدا بن عبد الله فازداد الاستقرار واستطاع مساعد ان يسوس البلاد بسياسة سلفه مسعود فشاع الامن والطمأنينة في اطرافها الى عام ١١٧١.

وحدثت منافرة بين الشريف مساعد وبعض الاشراف فاتصل عبد الله الفعر بامراء الحج الشامي والمصري في موسم ١١٧١ واغراهم ببعض المال وطلب عزل مساعد وتنصيب مبارك بن محمد بن عبد الله بن سعيد فتم ذلك لمبارك دون ان يشعر مساعد ولما ارادوا اعلان ذلك في ٢١ ذي الحجة وزعوا فيقا من العسكر على سطح الحرم وفوق المآذن وبعض الدور مما يلي دار السعادة بجوار باب الوداع حيث يسكن مساعد (٢).

ولست ادري أي نظام ذلك الذي يبيح لامراء الحج ان يعزلوا اميرا منصوبا بتأييد من الخلافة ليقيموا غيره اننا اذا افترضنا وجاهة الشكاوى التي اتصلت

__________________

(١ و ٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٤٩٢

بامراء الحج فاننا لا نستطيع ان نفهم ان يكون لهم صلاحية العزل والتنصيب دون اطلاع الخليفة واستصدار امره في ذلك. ولكنها فوضى الاداره تأبى الا ان تساعد على تفاقم المشاكل بين الاشراف وزيادة الاضطراب في البلد الامين.

واستيقظ الامير مساعد على صوت الرصاص فادرك حقيقة الموقف فاستنجد بعسكره من اليمنيين وارسل الى حاكم السوق ليجمع له ما استطاع من السوقة في حارات مكة فتكون له بذلك دفاع استطاع ان يواجه الموقف به .. وقد دارت رحى القتال بينهم عنيفا في شوارع مكة نحو ٢٤ ساعة ثم انجلى الموقف بانتصار الشريف مساعد وهزيمة عسكر امراء الحج ، وبهزيمة امراء الحج وقع النهب في معسكراتهم حتى لم يبق لهم ذخيرة او عتاد فالتمس امراء الحج من مساعد الصلح ورجوه اعادة ما نهب منهم فقبل ذلك واعاد ما استطاع اعادته من منهوباتهم.

ولم ينته الامر عند هذا الحد لاننا نجد امير الحج الشامي احد ابطال الحادثة المذكورة يعود الى امارة الحج في الموسم التالي عام ١١٧٢ وما كاد يفرغ الحجاج من مناسكهم حتى يدعو الى مجلس عام للنظر في شؤون عين زبيدة ويطلب الى مساعد حضوره ثم يبدأ البحث في موضوع العين وينتهي بالقبض على مساعد فيعرف الحاضرون ان الاجتماع لم يكن له من غرض الا اعتقال الشريف مساعد.

وباعتقاله اضطربت الامور في مكة وكادت الفتنة تقع لولا ان امير الحج أبرز في مجلس عام بالمسجد مرسوما جديدا يخوله تولية من يراه صالحا لمكة (١).

ولسنا في حاجة لتفسير الرواية لان المفهوم بالبداهة ان امير الحج وقد هزم في عامه السالف استطاع ان يعد عدته لانفاذ فكرته فاصطحب سلاحا جديدا يخوله حق العزل والتنصيب وهكذا تتسع الادارة العثمانية لشتى الرغبات الجامحة وقد

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٤٩٣

تكون معذورة بالنسبة لاعمال حكام هذه البلاد.

جعفر بن سعيد : وباعتقال مساعد عرضت الامارة على اخيه الشريف جعفر وكان ميالا الى السلم لا تنازعه اطماع الحياة الزائفة وقد رأى انه لا بد مما ليس منه بد فقبل منهم بشروط اشترطها عليهم فيها ان لا يسيئوا الى اخيه وان يسلموه له ليحتفظ به كوديعة فقبلوا منه ذلك.

فلما تولى الامر ظل على امره الى ان غادر الحجاج مكة ثم عاد يعمل من أجل أخيه حتى مهد له الامور ثم اعلن عن تنازله عن الامارة في ١٤ محرم عام ١١٧٤. (١)

ولو هيء في كل زمان جعفر كهذا يضمر الخير لغيره ويعمل في سبيل مصلحة اخيه اكثر ـ مما يعمل لنفسه لالغيت تسعة اعشار الحروب في تاريخ العالم القديم والحديث.

مساعد بن سعيد للمرة الثانية : واستقر الامر بعد ذلك للامير مساعد عدة سنوات لم يحدث في خلالها ما يعكر الأمن الا فتنة اخيه أحمد بن سعيد الذي اراد ان يجليه فيها عن مكة في عام ١١٧٥ فلم يستطع وذلك انه خرج مغاضبا من اخيه الى وادي نعمان (٢) بالقرب من عرفة وجمع بعض اعرابها ليهجم بهم على مكة فلما انتهى الى ابي لهب في جرول خرج لمقاتلته مساعد فهزمه ثم صالحه وبذلك رجعت الامور الى مجاريها (٣).

__________________

(١) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٠

(٢) من اكبر أودية مكة بعد مر الظهران ، وله شهرة في كتب الادب ، يقع على ٢٥ كيلا من مكة شرقا ، وسكانه هذيل. (ع)

(٣) خلاصة الكلام للسيد احمد دحلان ١٩٨

٤٩٤

نجد تطلب الحج : وفي هذا العهد ارسل النجديون يستأذنون في الحج فلم يؤذن لهم.

آل بركات يستعدون محمد على بلوط في مصر : ونشب الخلاف بين مساعد وجماعة من اشراف ذوي بركات في عام ١١٨٢ وعلى راسهم عبد الله بن حسين ين يحي البركاتي وتطور الخلاف فانتقل عبد الله الى وادي فاطمة واجتمع عليه ذوو بركات فقر رأيهم على محاربة مساعد ثم اتفقوا على ان يبدأوا باحتلال جدة فجمعوا جموعهم من البادية واحاطوا بسور جدة فتحصن اهلها ورموهم بالمدافع وجعلوا الكبريت المشتعل في بعض النشابات وقذفوهم به فاحترقت العشش التي كانوا ينزلون بها حول السور فظهر لعبد الله استحالة نجاحه فعاد الى وادي فاطمة (١).

وكانت مصر في هذه الاثناء قد ثارت على العثمانيين بقيادة كبير القواد العسكريين فيها محمد علي بك بلوط واستطاع محمد علي بك بلوط ان يرسل جنوده الى الشام بقيادة محمد بك ابي الذهب فيفتح اكثر البلاد فيها وقد رأى ذوو بركات ان يتصلوا بصاحب مصر الجديد ويستمدوا عونه لمساعدتهم على اجلاء ذوي زيد من امارة مكة ونقلها اليهم (٢).

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) عند ما اجلى العثمانيون جيوش الجراكسة عن مصر في عام ٩٢٣ ظلوا يرسلون ولاتهم للحكم فيها كما كانوا يولون قيادة الحامية بعض الصناجق من مماليك القواد العسكريين وقد ظل الامر على ذلك نحوا من قرنين اشتد في نهايتها استبداد القواد العسكريين بولاة الترك وشرعوا يولون من شاؤوا ويعزلون من شاؤوا ولما انتهت القيادة الى علي بك بلوط مملوك كبير الصناجق استطاع ان يعلن ثورته في عام ١١٨٤ ضد العثمانيين وان يؤسس لنفسه حكومة جديدة في مصر وهي الحكومة التي التجأ اليها ذوو بركات لتساعدهم على نقل الامارة في مكة اليهم وقد استجاب رئيسها للدعوة واستفاد من اتصاله بذلك.

٤٩٥

وهكذا توجه عبد الله بن الحسين الى مصر واستطاع ان يقنع «محمدا عليا بك بلوط» بوجاهة رأيه ووجدها محمد علي فرصة طيبة لاتصال نفوذه بمكة فامر امير الحج المصري بان يصطحبه الى مكة وان يساعده على توليته الامارة وذلك في سنة ١١٨٣.

والذي يبدو ان امير الحج المصري عند ما انتهى الى مكة ادرك ان امر اصعب مما صوره عبد الله بن الحسين ورأى ان امير الحج الشامي يميل الى مساعدته فاخفى ما اضمره وشعر مساعد بما اخفى فارسل الى امير الحج المصري عقب الفراغ من منى بيومين ان يغادر مكة بعسكره منعا لما يحدث من التشويه فارتحل امير الحج المصري دون ان يظهر شيئا من الخلاف.

وكبر على ذوي بركات ان يخفقوا فبذلوا من اموالهم لرجال البادية حتى اجتمع منهم خلق كثير وعسكروا بهم في وادي مر في اواخر دي الحجة من السنة نفسها عام ١١٨٣.

وعلم مساعد بالامر فحصن الجبال المطلة على المعابدة وجرول وخرج للقائهم في شهر المحرم عام ١١٨٤ فاقتتلوا قتالا شديدا اسفر عن فرار آل بركات وبفرارهم عاد الامن الى استقراره في مكة.

ولم يدم امر مساعد في مكة بعد ذلك طويلا فقد وافته المنية في اواخر شهر المحرم عام ١١٨٤ بعد ان حكم مكة نحوا من عشرين سنة اذا استثنينا بعض الاشهر التي تولاها اخوه في عهده (١)

عبد الله واحمد ابناء سعيد بن زيد : وبوفاة مساعد نودي بالامارة لأخيه

__________________

(١) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوي «مخطوط»

٤٩٦

عبد الله بن سعيد في ٢٨ محرم عام ١١٨٤ ولم يدم فيها الا اياما ثم نازعه اخوه احمد بن سعيد فرأى عبد الله ان يسالمه حقنا للدماء فتنازل له عن الامارة فتولاها احمد في مجلس حافل بالقاضي وكبار العلماء والاشراف والاعيان.

مصر تستأنف حملتها : ولقد كان عبد الله بن سعيد على محبته للسلم بعيد النظر عندما تنازل عن الامارة لانه كان يعلم ان ذوي بركات سوف لا يصبرون على ما نالهم من مساعد وان محمدا عليا بلوط سوف لا يتخلى عن مناصرتهم.

والواقع ان الامر كان كذلك فان الشريف عبد الله بن الحسين البركاتي ما كاد ينهزم من جدة قبيل وفاة مساعد حتى شد رجاله الى مصر وقابل فيها محمدا عليا بلوط وشكا اليه مما قاساه من الويلات فجرد محمد علي بك لنصرته حملة عسكرية من الترك والمصريين وارسلها في صحبته الى ينبع من طريق البحر بقيادة مملوكه محمد بك ابي الذهب.

واتصل خبر الحملة بمكة ولما يمضي على تولية الشريف احمد بن سعيد الا شهر واحد وبعض شهر ثم وافته الانباء ان درويشا أغا وزيره في ينبع عجز عن ملاقاتها ففر هاربا ، وان الحملة بعد ان احتلت ينبع نهبت ما فيها وان الشريف عبد الله بن حسين يتقدم الحملة في طريقه الى وادي فاطمة في جموع حاشدة من العربان.

فنشط احمد بن سعيد وارسل اهله وحريم ذوي زيد الى الطائف وندب من يستنفر القبائل لنصرته فلم يجبه الا القليل فشرع يحصن مركزه في حدود ما يستطيع (١).

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٤٩٧

عبد الله بن الحسين : وفي اليوم الرابع عشر من ربيع الاول عام ١١٨٤ وصلت الحملة الى وادي فاطمة فندب الشريف احمد عليا بن عبد القادر الصديقي مفتي مكة والشريف عبد الله الفعر لمقابلة قائدها محمد بك ابي الذهب وبحث الاسباب التي تدعو سيده الى التدخل في شؤون الحكم بمكة فلم يجد المندوبان الا جوابا عسكريا مؤداه انه مأمور بانتزاع امارة مكة وتسليمها الى عبد الله بن الحسين البركاتي ليتولى أمرها فعاد المندوبان بما سمعا الى امير مكة.

وفي ١٦ منه تحركت الحملة من وادي فاطمة فعسكرت في الزاهر واعدت مدافعها بحيث تشرف على بئر طوى فخرج احمد في جنده وبعض من تبعه من العربان الى المصانع التي في الريع ونسميه اليوم ريع «الرسان» (١) في نهاية حارة الباب.

ثم ظهر ان لا فائدة من لقاء مثل هذا الجيش بعد ان تفرقت عنه البادية مستجيبة الى الذهب الذي يبذله غريمه في الجيش المهاجم فاودع بيته الشريف حامدا بن الحسين احد اخوان غريمه على طريقتهم في ذلك ثم غادر مكة من طريق المعابدة الى الطائف بعد ان حكمها نحو خمسين يوما.

ودخل الجيش المهاجم مكة في يوم الجمعة ١٨ منه وتفرق جنده في كل حي منها ونزل عبد الله بن الحسين في دار السعادة ثم نودي له بالامارة وأقبل المهنئون والشعراء يرتلون له آيات التبريك.

وعاثت الحملة العسكرية في مكة ولم يسلم من اذاها احد وعانت الاسواق

__________________

(١) هو ريع الرسام بالميم ، ولعله سمي بذلك لان رسم البضائع الآتية من جدة كان يؤخذ هناك ، وهو احد الاكدية بمكة ، وكان اسمه (كدى) بالفتح والقصر. (ع)

٤٩٨

من جورها ونهبها شيئا كثيرا وسجن قائد الحملة مفتي مكة عليا الصديقي ولم يطلقه حتى غرمه عشرين الف ريال واخذ كثيرا من اموال التجار ونهب دار الشريف مساعد في سفح اجياد وشرد من بقي من ذوي زيد في مكة (١).

ووقع حريق في دار السعادة نزل ذوي زيد فقيل انه من تدبير قائد الحملة ولكن صاحب خلاصة الكلام (٢) ينفي ذلك ويقول انه لم يثبت.

واستقر الامر للشريف عبد الله بن الحسين ولم يبد منه ما يدل على ظلمه وجوره ومما يذكر انه جيء اليه بعد ولايته باموال جزيلة جباها صاحب بيت المال من السيد احمد بن علي طبيلة المتوفي وكان من اعيان جدة وكان يملك اموالا وعقارا ومراكب بحرية عديدة وقيل له ان هذا نصيب الامارة من تركة المتوفي فرفض قبول الاموال وزجر حاملها اليه وتلا قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٣).

ولم تمضي الايام حتى وافت انباء جديدة بان احمد بن سعيد بن زيد ، وقد تركناه يغادر مكة فرارا من المهاجمين قد اتصل ببعض العربان في وادي ليه وانه هاجم الطائف فاحتلها في ٢٤ منه فندب عبد الله بن الحسين بعض أقاربه من ذوي بركات على رأس حملة مشتركة من الاشراف والعربان وجنود ابي الذهب فلما علم احمد بدنوهم هرب من الطائف الى ثنية كرا (٤) وحشد في طريقه من استطاع من عرب بني سعد وثقيف فعسكر بهم في عرفة فخرج جند عبد الله بن

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢ و ٣) خلاصة الكلام للسيد احمد زيني دحلان ٣٠٥

(٤) كرا : هو الجبل الذي يسيل منه وادي نعمان ، وعلى ظهره مصيف هدأة الطائف ، وعليه احد طريقي. مكة الى الطائف. (ع)

٤٩٩

الحسين وعسكر أبي الذهب لملاقاته واحتدم القتال بين الفريقين واشتد عنفه ثم برز الى الميدان جماعة من عسكر ابي الذهب منكسين اعلامهم وصاحوا بالشريف احمد يظهرون انحيازهم له فخدع بهم وحازهم نحوه فاحتاطوا به واسروه وبذلك تم النصر لعبد الله بن الحسين وابي الذهب واستطاع الشريف احمد بعد هذا ان ينطلق من اسره فتوجه الى الليث واقام بها.

وفي ٢٠ جمادي الاولى عام ١١٨٤ ارتحل ابو الذهب في جنده الى مصر بعد ان ترك بعض الجند للحماية في جدة بقيادة حسن أغا شبكة الذي جعله واليا في جدة.

وهكذا تبدلت الامور وتوطنت الفرقة العسكرية التابعة لصاحب مصر في جدة بدلا من الفرقة العثمانية واصبح الامير في مكة مدينا بولائه لصاحب مصر بعد خليفة العثمانيين.

ولم تفت الحوادث الماضية في عضد الشريف احمد بن سعيد بن زيد فقد كان من اصحاب العزائم الماضية ، فليس غريبا ان نراه وقد ارتحل ابو الذهب عن مكة يستأنف نشاطه لأخذ الثأر فيندب الشريف ثقبة ليستنفر له القبائل من ثقيف ومن والاها ويصل من ناحيته بقبائل الجنوب حتى يحشد منها عددا طيبا ثم يتفق مع ثقبة على الاجتماع في عرفة بما حشدوا.

وقد نزلوا في عرفة في ٢١ جمادي الثانية ١١٨٤ ومنها زحفوا الى مكة في فرقتين هاجمت احداها أعلى مكة وزحفت الثانية من اسفلها فاحتدم القتال واشتدت وطأته نحو اربع ساعات ثم اسفر عن هزيمة عبد الله بن الحسين ومؤيديه من عسكر مصر (١) وبذلك فروا الى وادي فاطمة بعد ان دام حكم الشريف عبد الله لمكة شهرين وثلاثة وعشرين يوما.

__________________

(١) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٠ وما بعدها.

٥٠٠