تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

وبخروجه من الطائف تداعت قوة الجيش المعنوية وترك بعض المكلفين بالحصون فوق السور أمكنتهم فهاجم السعوديون السور واقتحموه واحتلوا الطائف بعد مقتلة عظيمة قليلة النظير وذلك في ذي القعدة عام ١٢١٧ (١)

يقول عثمان بن بشر في تاريخه «عنوان المجد في تاريخ نجد» (٢) دخل عثمان «الطائف» ومن معه من الجموع وفتحه الله لهم عنوة بغير قتال وقتلوا من أهله في الاسواق والبيوت نحومائتين وأخذوا من أموال البلد أثمانا وأمتاعا وسلاحا وقماشا وشيئا من الجواهر والسلع المثمنة ما لا يحيط به الحصر ولا يدركه العد وضبط عثمان شؤون البلد وسلمت له جميع نواحيه وبواديه ، وجمعوا الاخماس وبعثوها لعبد العزيز فقرر ولاية عثمان للطائف واستعمله أميرا عليها وعلى الحجاز» ويذكر السيد زيني دحلان ان القتل في الطائف كان عاما استوعب الكبير والصغير ولم ينج منه الا القليل (٣).

ثم وافت الاخبار بحركة الامير سعود بن عبد العزيز في جيش الى الطائف ثم وصل الطائف فانضم اليه جيش عثمان المضائفي وساروا في جنودهم حتى عسكروا على نحو ثلاث مراحل من مكة حيث ظلوا في معسكراتهم الى ان قضى الحجاج مناسكهم ، ويقول ابن بشر أنهم عسكروا في العقيق المعروف قرب الريعان (٤) وكانت مكة قد ازدحمت في موسم هذا العام بالحجاج ازدحاما شديدا وبات الناس فيها خائفين أن يدهمهم المهاجمون في مكة أو عرفة الا ان المهاجمين ظلوا في معسكراتهم لا يتقدمون حتى قضي الحج ، ولما قضي الحج عرض غالب

__________________

(١) خلاصة الكلام ج ٢ ص ٢٧٦ هامش كتاب الفتوحات

(٢) ج ١ ص ١٢٢.

(٣) خلاصة الكلام هامش الفتوحات الاسلامية ج ٢ ص ٢٧٧

(٤) ج ١ ص ١٢٢. (ع) هذا يسمى عقيق عشيرة ، وهو أحد الاعقة الكثيرة في الحجاز.

٥٦١

على أمراء الحج الشامي والمصري ان يساعدوه في لقاء المهاجمين فلم يقبلوا وغادروا مكة بعسكرهم كما غادر مكة صنجق جدة في عسكره وبقي غالب وحده فشعر أن لا طاقة له بالبقاء فارتحل الى جدة وترك في مكة أخاه عبد المعين (١).

ولما تسلم الأمر أخوه عبد المعين كتب الى الامير سعود يعرض طاعته على ان يستبقيه في امارة مكة ثم أشفع ذلك بندب بعض العلماء في مكة وكان فيهم الشيخ محمد طاهر سنبل والشيخ عبد الحفيظ العجيمي والسيد محمد بن محسن العطاس والسيد محمد ميرغني فتوجه الجميع واجتمعوا بالامام سعود في وادي (السيل) (٢) بين الطائف ومكة فقبل منهم وأعطاهم كتابا بالامان وموافقته على بقاء عبد المعين على ولاية مكة.

نص كتاب الامان : بسم الله الرحمن الرحيم : من سعود بن عبد العزيز الى كافة أهل مكة العلماء والأغاوات وقاضي السلطان : السلام على من اتبع الهدى.

أما بعد فأنتم جيران الله وسكان حرمه آمنون انما ندعوكم لدين الله ورسوله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) فأنتم في وجه الله ووجه أمير المسلمين سعود بن عبد العزيز وأميركم عبد المعين بن مساعد فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع الله والسلام (٣).

__________________

(١ و ٣) افادة الأنام «مخطوط»

(٢) السيل الكبير : بلدة على ٨٠ كيلا من مكة على طريق الطائف الشمالي ، وهي واقعة على وادي قرن ، وكانت تعرف بقرن المنازل وهي ميقات أهل نجد (ع)

٥٦٢

وعلى اثر وصول الهيئة الى مكة في ٧ محرم سنة ١٢١٨ صعد المنبر حسين مفتي المالكية وقرأ كتاب الامان على ملأ من الناس وفي ٨ محرم ١٢١٨ دخل الأمير سعود مكة محرما على رأس جيشه فطاف وسعى ثم مضى الى المحصب حيث أعدت لضيافته الموائد في بستان الشريف غالب (١).

ودعا الناس بعد ذلك الى اجتماع عام في المسجد فاجتمعوا وفي مقدمتهم الشريف عبد المعين والمفتي عبد الملك قلعي فتكلم في خطاب طويل عن دعوته الى التوحيد وفي اجتماع آخر طلب اليهم أن يهدموا القباب القائمة على بعض المقابر فمضوا يهدمونها وكانت العادة أن يصلي بالجماعة الحاضرة أحد الأئمة من المذاهب الأربعة ثم يتلوه غيره فأمر بابطال تلك العادة وألا يصلي في المسجد الا امام واحد فكان يصلي الصبح الشافعي والظهر المالكي وهكذا بقية الاوقات ويصلي الجمعة مفتي مكة عبد الملك القلعي وأمر بتدريس كتاب كشف الشبهات في المسجد في حلقة عامة يحضرها العلماء والاهالي ففعلوا وبعد أن أقام في مكة نحو أربعة وعشرين يوما توجه الى جدة في جيشه فعسكر في الرغامة بالقرب من سور جدة بعد أن كتب الى أهلها يدعوهم الى التسليم.

وتحصن غالب وراء سور جدة واستعد لقتاله فدامت المناوشات بينهما نحو اسبوع ويقول ابن بشر أن سعودا وجد ان جدة محصنة بسور حصين فتركها عائدا الى بلاده بعد ان ترك قسما من جنده في قصر من قصور مكة (٢).

وعن لبعض القبائل في عسير وكانت قد أخلصت في الطاعة أن تحاول فتح جدة فأرسل قائدها عبد الوهاب أبو نقطة الى عبد المعين في مكة يقول خذلنا بخمسة ريالات دقيقا وخمسة ريالات سمنا وخمسة ريالات عليقا فقد عزمت

__________________

(١) خلاصة الكلام على هامش الفتوحات الاسلامية ج ٢ ص ٢٨٩ وما بعدها

(٢) عنوان المجد ج ص ٢٢٢

٥٦٣

على فتح جدة وأخاف أن يطول زمن الحصار فأرسل عبد المعين اليه ما طلب ولكنه ما عتم أن عاد من طريق جدة دون أن يعمل شين (١).

وعلم غالب في جدة برحيل الأمير سعود الى نجد فخرج في جيشه وعسكر خارجها ثم نزل وادي فاطمة فاحتله ثم انتقل الى الزاهر ومنها الى مكة فتحصن بعض الجيش المحافظ من قبائل نجد في قلعة اجياد والبعض الاخر في بستان الشريف غالب بالمحصب فدخل غالب مكة دون ان يعارضه اخوه فاحتلها وأرسل بعض جنده لحصار القلعة والبعض الآخر لحصار بستانه في المحصب.

وظل الحصار نحو خمسة وعشرين يوما ثم فر المحاصرون في القلعة ، أما بستان غالب فان المدافع هدمت بعض جداره فاقتحمها جند غالب فاستسلم من فيها (٢).

وزحف جند غالب بعد ذلك الى الطائف فحاصروا فيها عثمان المضائفي على رأس جنده من النجديين تم فشل الحصار فحرج عثمان زاحفا الى «السيل» ثم الى الزيمة ثم الى المضيق (٣)

اغتيال الامام عبد العزيز : يقول ابن بشر : وفي هذه الاثناء واقت الانباء من نجد بأن الامام عبد العزيز قد اغتيل فيها في اواخر رجب عام ١٢١٨ بيد أحد الاكراد وكان قد هاجر الى الدرعية في أثواب درويش ليثأر لقومه مما لحقهم من سعود بن عبد العزيز في بعض هجماته على أطراف العراق وتظاهر في الدرعية بطلب العلم حتى استطاع أن يظفر بالامام عبد العزيز أثناء صلاته في المسجد فخلص اليه من بين الصفوف وطعنه في خاصرته فهاج الناس وقتلوه ثم نقلوا عبد العزيز الى قصره حيث توفي.

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) خلاصة الكلام على هامش الفتوحات ج ٢ ص ٢٩٣ وما بعدها

(٣) المصدر نفسه ٢٩٥ وهذه كلها قرى في النخلتين.

٥٦٤

وبوفاته بويع ابنه سعود بالامامة في الدرعية والبلاد التابعة لنجد (١).

وأهل موسم الحج في عام ١٢١٨ والمناوشات بين الفريقين على أشدها في شرقي مكة وشمالها الشرقي ثم اتسعت دائرة القتال في الجنوب لأن عبد الوهاب «أبو نقطة» قام في بعض عربانه من عسير يناصر السعوديين فاشتبك مع جند غالب في الجنوب في عدة وقائع.

وأحصيت الوقائع التي اشتبك فيها غالب مع النجديين وأنصارهم على اثر عودته الى مكة فكانت نحوا من ثلاثين واقعة ساعده في بعضها عسكر من حامية الاتراك التابعة للحجاز ، وكانت جيوش النجديين تتقدم في بعض هذه الوقائع حتى تصل الى عرفة او وادي فاطمة ثم تنسحب ثم تعود اليهما مرة اخرى (٢).

ولما اهل موسم الحج في عام ١٢١٩ كان عدد الحجاج فيه قليلا يصحب المحمل المصري والشامي وكانت مكة محاصرة من جميع الجهات من القبائل التي انضمت الى السعوديين وفيهم قحطان وزهران وغامد وكثير من قبائل حرب وقريش (٣) وهذيل ولحيان والجحادلة وكثير من الاعراب المتاخمين لمكة وغير هؤلاء وقد قطع الماء عن مكة بفعل المهاجمين ولم يقف على عرفات أحد من اهالي البلاد.

وطلب غالب الى امير الحج الشامي بعد الحج أن يعينه في محنته بعسكره فلم يقبل ورجا اليه أن يرسل بعض جماله لحمل الأرزاق من جدة الى مكة فأبى وكان قد كتب قبل ذلك الى تركيا يطلب نصرتها فلم تجبه الى شيء رغم انها كانت لا تنظر بعين الرضا الى دعوة السعوديين ولا غرابة في تقاعسها فقد كانت

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ٢٢٥

(٢) افادة الانام «مخطوط»

(٣) من زمن طويل ليس لبادية قريش شأن يمكنها من الحرب ، الا اذا كان المقصود قريش ثقيف. (ع)

٥٦٥

مشغولة بعصيان الانكشارية في بلغراد وثورات السربيين في بلاد السرب وأحداث الفرنسيين في مصر واعتداءات روسيا على البلاد المتاخمة ومحاولات الانكليز لضم الدردنيل وأخذ الأسطول العثماني (١).

القحط والجوع : وأهل عام ١٢٢٠ قاسيا مريرا في مكة بفعل الحصار الذي ضربه عليها القبائل أنصار السعوديين من جميع الجوانب وانقطاع ورود الارزاق اليها وبذلك عم الجوع واشتد الغلاء وبلغت قيمة الكيلة من القمح والأرز مشخصين والرطل من السكر والشحم والزيت ريالين والرطل من البن والتمر ريالا والرطل من السمن نصف ريال والكيلة الزبيب ثلاث ريالات والرطل من لحم الماعز والجمل نصف ريال ثم ما لبثت الأرزاق أن فقدت من الأسواق وصار الناس لا يجدونها بالاوقية فضلا عن الرطل فأكل الناس بزر الخشخاش والنوى وشربوا الدم المسفوح ثم أكل بعضهم الهررة والجلود والكلاب (٢) فتسلل بعض الناس ملتجئين بالجيوش المهاجمة ودخل كثير من الأشراف في طاعتهم فقوت شوكة النجديين ، ويقول ابن بشر في تاريخه عنوان المجد (٣) ال المجاعة كانت عامة في هذه السنة وان الأسعار كانت شديدة الغلاء في بلاد نجد واليمن.

وفي هذا العام أمر الأمير سعود ببناء قلعة في وادي فاطمة ليجعل منها حصنا لعسكره الذي يحاصر مكة وازداد فرار الناس من مكة على اثر هذا حتى شوهد

__________________

(١) خلاصة الكلام على هامش الفتوحات الاسلامية ج ٢ ص ٣٠٦ وما بعدها

(٢) افادة الانام «مخطوط»

(٣) ج ١ ص ١٣٣

٥٦٦

الصف الأول لا يتكامل من المصلين في اوقات الصلاة وظل الحصار على حاله ثم شرعت قوات نجد تتقدم زاحفة من عدة جهات حتى دحلت حدود الحرم ووصلت طلائعها الى قرب المعابدة وتوجه فريق منها الى جدة فحاصرها وكاد يقتحمها بالسلالم والحبال من سورها فصد عنها ثم خيم عسكره في ضاحية منها بالقرب من غليل ، على بعد كيلو مترات من جدة.

وأهل رمضان والضيق لا يزال على حاله في مكة والمناوشات في جميع ضواحيها لا تنقطع ثم حل الموسم فلم يفد الى مكة أحد من الآفاق الا النذر القليل وفي أواخر ذي القعدة من هذا العام ١٢٢٠ سعى بعض أهل الاصلاح في التوفيق بين الفريقين وقبل غالب أن يبقى في امارته تابعا للنجديين (١).

وفي ٢٦ منه دخل النجديون مكة محرمين فطافوا بالبيت تم انحازوا الى معسكرهم في الابطح فظلوا فيه الى ان خرجوا الى عرفة ثم عادوا الى الاقامة في معسكراتهم بعد قضاء الحج وظلوا فيها الى ان ارتحلوا في ١١ محرم ١٢٢١ عائدين الى نجد بعد أن تركوا فريقا منهم كمحافظين على البلاد.

وحج في هذا العام ١٢٢١ المحمل الشامي والمصري فاعترض السعوديون على أمر المحامل ونبهوا على أمرائها ألا يعودوا بعد عامهم هذا.

واستقر الامر بعد نهاية الفتن وعادت الأسعار والأرزاق الى ما كانت عليه من قبل وشرع غالب يرتب أموره في مكة وجدة وباقي المدن بما يتناسب مع الوضع الجديد بعد ان منع شرب الدخان والتنباك وأمر الناس أن يبادروا الى صلاة الجماعة في المساجد وان يقتصروا على الأذان ويتركوا التسليم والتذكير والترحيم.

__________________

(١) خلاصة الكلام بذيل الفتوحات ج ٢ ص ٣ وما بعدها

٥٦٧

وفي اواخر صفر عام ١٢٢٢ وصل من الدرعية وفد مكون من عشرين رجلا على رأسهم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر من كبار العلماء في نجد وكان الشريف غالب يقيم في جدة فتوجهوا اليه وسلموه خطاب الامير سعود بموافقته على اجراء الصلح ثم طلبوا اليه ان يجمع الناس في مسجد؟؟؟ بجدة فلما اجتمع الأعيان والتجار وسائر الاهالي قرأوا عليهم كتابا من الامير سعود بتأمين البلاد والدعوة الى التوحيد وهدم القباب وما الى ذلك من أمور.

ثم توجه الوفد عائدا الى الدرعية يصحبه شيخ السادة محمد بن محسن العطاس يحمل بعض الكتب من الشريف غالب وبعض الاهالي (١).

وظل غالب عدة أشهر في جدة لترتيب الأمور فيها وقد أصلح ما تهدم من سورها وبنى برجا على ساحلها ليشرف على شؤون السفن في المراسي ثم عاد الى مكة فأمر ببناء «حصن على جبل الهندي» في ٢٧ رجب من العام ١٢٢١ وهو المعروف اليوم بقلعة الهندي وقد أتم بناءه في ١٠ رمضان وحصنه بالرجال والذخائر (٢) وجبل الهندي جزء من جبل قيقعان ويقع في الجزء الشمالي من مكة (٣).

وفي شوال من هذا العام عاد من تركيا عبد الله بن سرور ثم توجه الى الدرعية وقابل فيها الامير سعودا وبات الناس ينتظرون ان يوليه الامير سعود مكان غالب في مكة ولكنه لم يفعل وقيل انه ظل في نجد ثلاث سنوات ثم عاد الى مكة فلم يأذن له غالب في دخولها فأقام في البادية بالقرب من الطائف.

__________________

(١) خلاصة الكلام بذيل الفتوحات ج ٢ ص ٥.

(٢) خلاصة الكلام بذيل كتاب الفتوحات ج ٢ ص ٧

(٣) أصبح اليوم في وسط مكة. (ع)

٥٦٨

وفي موسم هذا العام ١٢٢١ وافت المحافل على جري عادتها وقد أرسل أمير الحج الشامي كتبه بأنه قادم في الطريق فاعاد السعوديون اليه الكتب يمنعونه من دخول مكة فعاد من خلال الطريق أما المحمل المصري فانه وصل دون ان يتقدمه خبر فهجم السعوديون عليه وأحرقوه.

وفي هذا العام امر السعوديون مناديهم بأن ينادي في الحج بمنع الحجاج من حلق ذقونهم بعد عامهم هذا.

ووصل من تركيا قاضيان مندوبان للقضاء في مكة والمدينة على جري عادة الاتراك من سابق فلم يقبلهم السعوديون وولوا أمر القضاء في مكة الشيخ عبد الحفيظ العجيمي والمدينة رجلا من علماء المدينة (١).

وظل حكم السعوديين في مكة من استيلائهم عليها الى خروجهم منها في أوائل عام ١٢٢٨ نحو سبع سنوات وشهرين يتولى أمرها لهم الشريف غالب وكان الامام سعود يحج سنويا على رأس ألوف مؤلفة من اتباعه وذويه من سائر بلاد نجد تتبعهم عائلاتهم وكانت جيوشه من سائر الأقطار التي يحكمها في الاحساء ومسقط وعسير والحجاز وبعض بلاد اليمن توافيه الى مكة وتنضم الى موكبه فيها وكان ينزل في دار البياضية الشمالي أحيانا وفي الجنوب أحيانا أخرى (٢) حيث يستقبل أشراف مكة وأعيانها على رأسها الشريف غالب الذي يتقبل هداياه ويبادله مثلها.

وكان يوزع كثيرا من عطاياه على فقراء الحرمين ورجال البوادي كما كان يكسو

__________________

(١) خلاصة الكلام بذيل كتاب الفتوحات ج ٢ ص ٨.

(٢) البياضية قصر يقع في المعابدة بناه الشريف غالب بن مساعد للنزهة كما بنى اخوه جعفر «دار الجعفرية» في المعابدة أيضا ، وقد هدمت آثار الدارين وقامت مكانهما عمارات جديدة

٥٦٩

الكعبة سنويا بالقز الأحمر أو القيلان ويطرز ستارة بابها بالذهب والفضة وكان يستأنف عودته الى نجد بعد فراغه من الحج ويأمر جيوشه بالعودة الى أوطانهم.

وامتنعت في هذه السنة جميع البلاد الاسلامية الخاضعة لتركيا عن الحج وأصبح الحجيج يكاد يكون مقصورا على البلاد الخاضعة للسعوديين في أقطار الجزيرة وبعض المغاربة في بعض السنين.

وكان المكان المختار للامام سعود بالمسجد الحرام هي قبة زمزم يؤدي فيها صلاته في موكب حافل من حاشيته ، وفي آخر حجة للامام عام ١٢٢٥ أمر بكشف القبة التي فوق مقام ابراهيم حتى صار الحجر بارزا لكل من يراه في الناس (١) ويقول ابن بشر : إن مكة قاست كثيرا من المجاعة في عهد حصار السعوديين لها ثم عاد الرخاء بالتدريج وما وافى عام ١٢٢٥ على نهايته حتى كان الرخاء قد عمها تماما حتى بيع الأردب من القمح بأربع ريالات (٢).

وفي عام ١٢٢٦ صدر أمر السلطان محمود في تركيا الى صاحب مصر محمد علي باشا بأن يجهز لقتال السعوديين في مكة وكان قد أمر بذلك قبل أربع سنوات ولكن محمد علي تقاعس عنه لانشغاله بشؤون الاضطرابات في مصر (٣).

الهجوم المصري : تم جهز عليهم في عام ١٢٢٥ وقد كان جيشا كبير العدد والعدة يتولى قيادته ابنه طوسون وقد زحف الجيش من مصر في رمضان في مراكبه البحرية الى ينبع يضم فرقا من الاتراك والمصريين والشاميين وبعض المغاربة فاحتلها بعد مقاومة لم يطل أمرها ثم زحف الى وادي الصفرا (٤) فقابله

__________________

(١) افادة الانام «مخطوط»

(٢) عنوان المجد ج ١ ص ١٤٩

(٣) خلاصة الكلام ذيل الفتوحات ج ٢ ص ٩

(٤) وادي الصفراء في طريق المدينة من قرية بدر المعروفة

٥٧٠

السعوديون بقيادة عبد الله بن سعود فاشتبك القتال بينهما عدة ايام واستطاع عبد الله ان يهزم الجيش المصري فتفرق عسكره وفر طوسون الى اقرب ساحل مصري وهو «القصير» فأقام به ينتظر امداد والده ليستأنف به كرته على السعوديين وعاد عبد الله بن سعود في جيوشه الى مكة وكان قد وصل اليها الامام سعود حاجا فاجتمع بأبيه ووفد عليه الاشراف مسلمين وعلى رأسهم غالب.

ولما فرغ الامام سعود من حجه توجه الى الدرعية بعد أن أمر جيوشه بالمرابطة في وادي فاطمة على ٢٢ كيلو مترا من مكة (١)

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٥٧

٥٧١

في عهد محمد علي باشا

تمهيد : لا بد لنا من أن نقدم بكلمة مختصرة بين يدي البحث الخاص بعلاقة محمد علي باشا بمكة لنعرف شيئا عن تكوين حكومة محمد علي في مصر.

ولا بد لذلك من استعراض الحوادث من عهد محمد علي بك الكبير «بلوط» الى عهد محمد علي باشا جد العائلة الخديوي السابقة في مصر.

ويبدأ تاريخ محمد علي بلوط بثورته في مصر على حكومة العثمانيين وكان من قواد جيشها وذلك سنة ١١٨٠ وكنا قد رأينا في عام ١١٨٣ ه‍ الاشراف من ذوي بركات يستمدون عونه ضد خصومهم من ذوي زيد في مكة على اثر انتصاراته في مصر فيندب لنصرتهم بعض جيوشه على النحو الذي اسلفناه في عهد العثمانيين الأول.

وقد ظل هذا القائد على أمره في مصر حتى توفي سنة ١١٨٧ فتولى الامر بعده ابنه أبو الذهب الى أن نشبت الاضطرابات بينه وبين بعض مناوئيه على الحكم وعمت الفوضى في البلاد ونهبت بعض بيوت الأوروبيين فتذرع الفرنسيون وجردوا حملة قوية على مصر واستطاعت هذه الحملة بعد مناوشات طويلة بينهم وبين مصر أن يحتلوها بحجة اقرار الأمن سنة ١٢١٣ وقد فصلت تواريخ مصر أحداث ذلك في فصول مطولة لسنا في سبيلها في هذا البحث.

وظل حكم الفرنسيين في مصر الى عام ١٢١٦ ثم أجلاهم عنها جيش أرسله العثمانيون لاستخلاصها منهم وبجلائهم عاد الحكم فيها الى العثمانيين تحت ولاية خسرو باشا.

٥٧٢

ولم يدم أمر العثمانيين طويلا لأن الفتن ما لبثت أن نشبت بين الجيش الفاتح ورؤسائه بسبب تأخير الرواتب ، ثم تطور الامر في اوائل عام ١٢٢٠ حتى عمت الفوضى البلاد.

وفي هذه الاثناء كان محمد علي باشا ـ جد العائلة الخديوية السابقة في مصر ـ يقيم مع رجال الجيش في رتبة وكيل لرياسة احدى فرق الجيش فلما رأى ازدياد الفوضى عمد مع فرقته من الالبان الى امتلاك القلعة وأقام فيها ساهرا على اخماد الفتن وأدرك رؤساء العسكر وأعيان البلاد أن من الخير أن يلتفوا حوله لانقاذ البلاد من الفتن ثم ما لبثوا أن أجمعوا على اختياره لولاية مصر ونادوا باسمه في البلاد في صفر من السنة نفسها ثم كتبوا بذلك الى السلطة العثمانية فوافاهم التأييد.

الا أن بعض مماليك الاتراك عز عليهم ذلك فاتصل بعضهم بالانكليز ليتوسطوا لهم لدى الباب العالي في نقل الولاية اليهم فنجحت الوساطة وأرسلت الدولة العثمانية اسطولا مسلحا لعزل محمد علي فثار بعض أعيان مصر ضد ذلك العزل وكتبوا الى دار السلطنة يطلبون تأييد محمد علي فوافتهم الموافقة في العام نفسه ١٢٢١.

واستاء الانكليز لفشل وساطتهم فأرسلوا اسطولهم الى الاسكندرية فتملكها ثم تقدم الانكليز الى رشيد فانهزموا ثم اتفقوا على الصلح مع محمد علي باشا وعادوا الى بلادهم وبقيت مصر تحت ولاية محمد علي.

وعلى هذا فكر محمد علي في ضرورة

٥٧٣

تقوية الجيش وترقيته شؤون البلاد فأسس المصانع الحربية وبنى المدارس وأصلح احوال الزراعة والتجارة وخطا بمصر خطوة جريئة نحو التمدن والحضارة.

وفي هذه الاثناء كلف العثمانيون محمد على باشا بارسال حملة الى الحجاز لاجلاء السعوديين عنها فتردد بعض الشيء كما ذكرنا الى ان مكن لنفسه في مصر ثم حشد جيشه من الأتراك والمصريين وأرسله تحت قيادة ابنه طوسون لاستخلاص الحجاز في عام ١٢٢٦ فلم ينجح كما اسلفنا وعاد الى القصير ينتظر امداد والده ، ليستأنف كرته على السعوديين.

وقد جهز له أبوه جيشا في آخر شهر المحرم عام ١١٢٧ فاستطاع أن يستأنف به احتلال ينبع ويجعل منها مستقرا لقيادته يتلقى فيها الامدادات من أبيه ويترتب خططه الهجومية.

ومن ثم شرع يكتب سرا الى غالب في مكة وكبار مشايخ حرب ورؤساء القبائل حتى استوثق من معاونتهم وحتى جاءت الأنباء من غالب في مكة أنه سيعمل مع جانبه لنصرتهم ضد السعوديين.

واخذت قيادة الجيش المصري تصب أموالها وهداياها للعربان في ينبع والبوادي صبا ، فمن ذلك أنهم أعطوا كبير مشايخ حرب مائة ألف ريال فرنساوي لتوزيعها على القبائل وقد خصه من ذلك ثمانيه عشر ألف ريال ورتبوا له رواتب شهرية كانت تصرف له دون ابطاء فخفت قبائل حرب لمساعدة المصريين وتقدم رجالهم امام الجيش حتى أدخلوهم المدينة في ٢ ذي القعدة من السنة المذكورة عام ١٢٢٧ بعد أن قبضوا على أميرها السعودي علي ابن مضيان (١).

زحف فريق من الجيش من ينبع الى جدة فوصلها في أوائل المحرم ١٢٢٨ وقد

__________________

(١) خلاصة الكلام ٢٩٥. وكان ابن مضيان أحد شيوخ قبيلة حرب. (ع).

٥٧٤

احتلها بمساعدة الأيدي التي كانت تعمل في الخفاء للشريف غالب وبذلك هربت حامية قلعة جدة من النجديين ثم استمر الزحف حتى دخل المهاجمون جدة فمكة فاستقبلهم غالب فيها بعد ان فرت حامية النجديين الى الطائف وكان عبد الله بن سعود قد انحاز في هذه الاثناء الى الخرمة شرقي الطائف (١) ورابط بجيوشه فيها وترك الجيش المصري يواصل زحفه في مدن الحجاز.

ومضى الزاحفون الى الطائف فاشتبكوا مع النجديين ومن والاهم من القبائل في وقائع كثيرة يطول سردها ، وكان عثمان المضائفي على رأس المدافعين عن الطائف كما كان الشريف غالب على رأس الزاحفين وقد انحاز اليه كثير من القبائل في أطراف الطائف الى بلاد زهران وغامد بعد أن تخلوا عن موالاة النجديين وثبت مع النجديين كثير من القبائل في جنوب الحجاز.

وفي هذه الوقائع قبض الشريف غالب على صهره عثمان المضائفي قائد الجيش النجدي فأرسله وأمير المدينة علي بن مضيان الى مصر مأسورين ومنها أرسلا الى تركيا فقتلا فيها.

وانتهت اخبار الانتصارات الى مصر فأقيمت الزينات خمسة أيام وندب محمد علي باشا الى الاستانة من يبلغ السلطان ذلك فدخل المندوب في احتفال كبير وهو يحمل بين يديه مفاتيح رمزية ليشير بذلك الى أنها مفاتيح مكة والمدينة والطائف.

وعلى أثر ذلك نوجه محمد علي باشا من مصر الى مكة فاستقبله غالب فيها استقبالا عظيما وأنزله في دار بالشامية كان يقال له بيت با ناعمه أو بيت العادة وأنزل ولده طوسون في بيت كان يقال له بيت السقاط أمام باب السيد علي نائب الحرم

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ١٥٩.

٥٧٥

اذ ذاك وهو في الشامية أيضا بجوار المدرسة العزيزية (٢).

وعلم الشريف غالب أن السلطان التركية باتت لا تميل اليه بعد خدمته للسعوديين وان الجيش المصري الذي استعان به على احلاء السعوديين أصبح يعمل في الخفاء للقبض عليه فأخذ حذره من ذلك وحاول ان يتحصن ضد المصريين مدة اقامتهم لئلا يقع في قبضتهم ولكن ذلك لم يغنه فتيلا.

وشعر محمد علي باشا بصعوبة تحقيق أمر القبض على غالب وهو في مكة بين جنده وعتاده ومن يواليه من الاهلين والقبائل فاستعان بتدبير رجل كان يطوفه اسمه أحمد تركي فدبر الأمر على أن يخرج طوسون الى جدة مغاضبا لابيه ليسعى بينهما غالب في الصلح ومن ثم يعود طوسون نزولا على حكم غالب الى مكة وينزل في داره فلا بد من ان يذهب غالب اليه ليصحبه الى ابيه فاذا اختلى الشخصان يدخل بعض الضباط ويقبضوا على غالب.

وقد جرى تدبير ذلك باحكام وبه فبض على غالب ثم ما لبث ان زاره أحمد تركي ليطمئنه بالنتيجة وليقول له ليس في الأمر الا ان تقابل الخليفة في تركيا ثم تعود الى امارتك ثم يقترح عليه أن يكتب الى كبار ابنائه يستدعيهم اليه ليولي أحدهم مكانه الى أن يعود فتجوز الحيلة ويكتب الى أبنائه يستدعيهم فلا يكادون يتجاوزون الباب حتى يقبض عليهم وبذلك يأمن المصريون شر فتنتهم واستثارة الموالين لنصرة أبيهم.

وقد رحل غالب وأولاده الى مصر فاستقبلوا فيها استقبالا رسميا ثم حازوهم في احد القصور تحت حراسة من يراقبهم وبعد أن ظلوا عدة شهور صدر الأمر بترحيلهم الى تركيا فأقاموا في سلانيك الى وفاة غالب عام ١٢٣١ (١).

__________________

(١) خلاصة الكلام ٢٩٦. (ع) : وآل غالب اليوم سكان المثنان من الطائف.

(٢) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٩٨ وما بعدها ، (ع). وقد أخذوا يزوجون غير الأشراف فاتقبن بذلك العرف الشريفي بعدم تزويج غير الشريف.

٥٧٦

يحي بن سرور : وبخروج غالب وأولاده من مكة وقع الاختيار على أخيه يحي بن سرور فنودي به أميرا على الحجاز في حفل رسمي على جرى العادة وذلك في أواخر ذي القعدة عام ١٢٢٨.

الترتيب الاداري : وأجرى محمد علي باشا على اثر تنصيب يحي على امارة مكة بعض تعديلات ادارية فجعل شؤون البادية الى الشريف شنبر بن مبارك المنعمي (١) كما جعل شؤون الدفاع الى حامية تركية مصرية يرأسها موظف من جيشه وأضاف اليه شؤون الأمن فكان «محافظ» ورئيس الدفاع وجعل المطوف أحمد تركي مستشارا للمحافظ المذكور كما جعل مقر ديوانه في القصر الذي شيده محمد علي باشا أمام باب علي وقد سمي أخيرا قبل هدمه بيت باناجه وبذلك اجتمعت عدة سلطات في مكة لعدة أشخاص.

استئناف القتال في نجد : واستأنف محمد علي باشا زحفه على النجديين على اثر فراغه من الحج عام ١٢٢٨ فحدثت مناوشات عظيمة بين الجيشين كان النصر فيها سجالا.

وأهل عام ١٢٢٩ والقتال لا يزال مستمرا بين الجيشين في الجنوب نحو القنفذة والشرق نحو الطائف وما حولها.

وفاة الامام : وتوفي الامام سعود في هذه الاثناء في جمادي الاول عام ١٢٢٩ فتولى الامر بعده ابنه عبد الله بن سعود وكانت المناوشات لا تزال مستمرة بين الطرفين (٢).

وظل محمد علي باشا على رأس جنده في هذه الحرب طوال عام ١٢٢٩

__________________

(٢) خلاصة الكلام ٣٠٠ وما بعدها.

(١) خلاصة الكلام للسيد احمد ريني دحلان ٢٩٨ وما بعدها.

٥٧٧

وظلت الامدادات تتواتر عليه من مصر طول مدة الحرب وقد قاست مكة أثناء ذلك كثيرا من الشدائد والضيق وقلة الأرزاق ثم فتح للتجار باب الاستيراد من مصر على مصراعيه فاستورد التجار أصناف الغلال وعاد الرخاء الى ما كان.

وأهل عام ١٢٣٠ والقتال على أشده في عدة مواقع من بلاد العرب بقيادة محمد علي باشا وفي شهر جمادي الثاني عاد محمد علي من ميادينه الى مكة فنظر في بعض ترتيباتها وأعاد المرتبات من الغلال التي كانت تصرف لفقراء مكة بعد أن أجرى تعديلات كثيرة في دفاترها ثم بلغه خبر بعض القلاقل في مصر فرأى ضرورة سفره اليها فترك ابنه طوسون على قيادة الجيوش المحاربة وعاد الى مصر.

واستمر طوسون يحارب إلى شهر شعبان ثم تنادى الفريقان للصلح واجتمع مندوبوهما لوضع شروطه وبذلك عاد طوسون باشا الى مصر في ذي القعدة من العام ١٢٣١ (١).

ويقول ابن بشر صاحب عنوان المجد أن فكرة الصلح كانت صادرة من محمد علي باشا الى طوسون وان السعوديين لم يعارضوا في قبولها (٢).

القتال مرة اخرى : وفي عام ١٢٣٢ بدأ الخلاف يستأنف سيرته بين محمد علي باشا والسعوديين ويذكر صاحب عنوان المجد في أسباب ذلك أن رجالا من أهل القصيم والبوادي ركبوا الى مصر وزخرفوا القول لصاحبها فتلقى قولهم بالقبول (٣) وشرع يجهز عساكره الى نجد بقيادة ابنه ابراهيم باشا وكان طوسون قد توفى على أثر عودته من مكة.

__________________

(١ و ٢) عنوان المجد ج١ ص ٨٣.

(٣) سابق ج١ ص ١٨٥.

٥٧٨

وسار ابراهيم باشا في جيوشه الى المدينة فنزلها ثم تقدم الى الحناكية (١) فاجتمع اليه الكثير من قبائل حرب ومطير وعتيبة وغيرهم.

التسليم وقتل الامام : وهكذا استأنف سيره ثم ما لبث أن استنفر عبد الله بن سعود قبائله في الدرعية وسار بها في جمادي الأولى عام ١٢٣٢ نحو الحناكية ولما اتصل القتال بين الجيشين كاد عبد الله بن سعود أن يظفر الا أن الترك ثبتوا واستطاعوا أن ينتزعوا النصر لأنفسهم فهزم السعوديين واختلطت جموعهم فتعقبهم الترك من بلد إلى آخر حتى احتلوا عنيزة ثم الوشم ثم شقراء حتى انتهوا الى ضرمى حيث اشتد فيها الحصار وعم الكرب وقد دخلها الغزاة عنوة.

يقول ابن بشر ومع هذا قتلوا أهلها في الأسواق ، وكانوا يأتون الى أهل البيت والعصابة المجتمعة فيعلنونهم الأمان ثم يجردونهم من سلاحهم ويقتلونهم وينهبون جميع ما عندهم ثم سار الغزاة الى الدرعية فوصلوها في أوائل جمادي الأولى سنة ١٢٣٣ وبدأوا يحاصرونها.

يقول ابن بشر (٢) أن أناسا من أهالي نجد ورؤساء البوادي ممن نبتت لحومهم

__________________

(١) الحناكية شرقي المدينة على (١٠٠) كيل في الطريق الى نجد.

(٢) ج ١ ص ١٩٧

٥٧٩

وأقاربهم ومن عطايا آل سعود ساعدوا الترك في غزوهم على أمل أن ينالوا منهم مثل ما كانوا ينالون من آل سعود.

ويصف ابن بشر بعض المواقع في الدرعية فيقول : ان بعض من حضر قال له لو حلفت بالطلاق أنى لم أطأ من الموضع الفلاني الى الموضع الفلاني ـ في الدرعية ـ الا على رجل مقتول لم احنث (١) ولما اشتد الأمر على الدرعية خرج بعض الأعيان على رأسهم عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن سعود وكبير آل الشيخ علي بن محمد ابن عبد الوهاب يطلبون الصلح فأبوا أن يصالحوهم الا على أهل السيف أو يحضر الامام عبد الله بن سعود وكان الامام قد انحاز للقصر ونصب المدافع استعدادا للقتال ووزع كثيرا من الأموال لكن أنصاره ما لبثوا أن تفرقوا عنه هاربين بما أخذوا منه فتقدم بطلب الآمان فأمره بالخروج فخرج اليهم وبذلك سلمت الدرعية ونقل الامام الى حيث رحلوه الى تركيا وقد قتل فيها (٢).

وبتسليم الدرعية كثرت وشايات الاهالي في علمائهم وقضاتهم وأعيانهم عند قائد الجيش فاستمر القتل فيهم فقضى على بعضهم وهو وقوف أمام المدافع والبنادق وعز القاضي أحمد بن رشيد بالضرب والعذاب ثم قلعت جميع اسنانه (٣).

وجاءت الأوامر من مصر بهدم الدرعية وحرقها فأخلوا السكان منها وأضرموا فيها النار حتى أصبحت في خبر كان (٤)

__________________

(١ و ٢) ج ١ ص ٢٠٦ وما بعدها

(٣) عنوان المجد ج ١ ص ٢٠٨

(٤) عنوان المجد ٢١٣ ويذكر بيركربتيس مؤلف كتاب ابراهيم باشا ص ٤٠ ان ابراهيم باشا استدعى ٥٠٠ من رجال الدين في الدرعية ليناقشوا علماء الأزهر الذين صحبهم في حملته وان النقاش دام ثلاثة أيام دون ان ينتهي الى شيء.

٥٨٠