تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

وفي سنة ٩٨٦ ه‍ سار الشريف حسن الى نجد في جيش عدته خمسون ألفا فحاصر بعض جهات نجد وقد طال مقامه فيها وقتل فيها رجالا ونهب أموالا وأسر بعض رؤسائهم فأقاموا في سجنه سنة ثم أطلقهم بعد أن دفعوا ما أرضاه وقد أمر فيهم محمد بن الفضل (١).

واستوزر الشريف حسن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتيق الحضرمي (٢) وكان من أظلم الناس وأشدهم جرأة على الباطل فأساء ذلك الى الشهرة الطيبة التي كان يتمتع بها أمير البلاد.

واستطاع ابن عتيق أن يوهم الأمير ويحتال لمنزلته عنده حتى وثق به فتسلط على شؤون البلاد وتصرف فى حكمها بما يشاء ، وكان الشريف حسن لا يرد له أمرا ولا يسمع ضده شكوى.

ذكروا انه كان يستأصل أموال الأموات من الأهالي والحجاج فيحرم ورثتهم ، وكان يحتال لذلك بحيل شرعية يستخدم فيها بعض موظفي المحكمة فلا يستطيعون عصيانه ، وكان يجمع لهذا الغرض أختام المتوفين من قضاة مكة ونوابهم ، فإذا قضى أحد الأغنياء في مكة أقام دعواه على تركة المتوفي بدين يستغرق التركة ، وكلف من كتاب المحكمة من يزور له حجة بذلك المبلغ ثم ختم الحجة بأحد الأختام المحفوظة لديه بأسماء القضاة السابقين وأمر عبد الرحمن المحالبي ـ ولعله من كتاب المحكمة ـ أن يكتب اسم القاضي بخطه الى جانب الختم زيادة في الايضاح ثم وقعها بشهادة الشهود وهما في العادة أخواله علي بن

__________________

(١) افادة الأنام وعنوان المجد فى تأريخ نجد ط ٢ ج ١ ص ٣٢.

(٢) لم اطلع فيما قرأت عن وظيفة الوزارة فى مكة قبل عهد حسن هذا ولعلها من أحداثه.

٤٠١

٤٠٢

جار الله وعبد القادر بن جار الله ثم تذيل الحجة بعبارة «رسمية» نصها : «تأملت هذه الحجة فوجدتها مسددة» وشهد بذلك محمد بن عبد المعطي الطبري وابن عمه صلاح الدين ابن أبي السعادات الطبري وأحمد بن عبد الله الحنبلي ، وبذلك تكتسب الحجة قيمتها الشرعية ويستطيع بموجبها أن يستولي على تركة المتوفي عن آخرها .. وكان بعض الناس يقرأونها ويعرفون أسلوبها في التزوير ولكنهم يعجزون عن أن ينبسوا ببنت شفه (١).

وطلب ابن عتيق من أحد الأروام واسمه خضر أفندي أن يشهد له زورا في دعواه على دار أراد اغتصابها فرفض خضر افندي ـ وكان رجلا صالحا ـ اجابته إلى ما طلب فأسرها في نفسه حتى استطاع أن يسعى ضده في مجلس الأمير وأن يقنعه بمساعيه ضد حكومته وأنه يكتب إلى أمراء الأروام وينسب اليه الظلم والمظالم ثم نصحه بأن يتلافى شروره بابعاده من البلاد حتى استطاع أن يستصدر أمره بالموافقة على ذلك.

ومن ثم بادر بتنفيذه على الفور وأبى أن يرجئه حتى يصفي أملاكه ، وما كاد يفصل عن مكة حتى وضع يده على دوره واستصفى جميع ما فيها لنفسه بعد أن باع أثاثها في مزاد علني ، وقد بلغ ذلك خضر افندي فمات لوقته من هول المفاجأة (٢).

وهكذا تأبى أحداث الحياة إلا أن تسيء إلى سمعة رجل لم تظفر امارة مكة بمثله مروءة وعدلا إلا في القليل وأن تهيء له من بطانته من يطوي عهده الناصع

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط».

(٢) تاج تواريخ البشر للحضراوى «مخطوط».

٤٠٣

بأسوا ما تطوى به الصفحات في التاريخ.

والواقع أن الشريف حسن كان في خلاله النادرة ما يرفعه الى مصاف المشهورين بالغدل والنصفة وما أقلهم في التاريخ إلا أن هذا لا يخليه من مسؤولية البغي الذي كان يرتكبه من استوزره في الحكم واستصفاه لمعالجة أمور الناس .. ولقد كنت اتمنى لو استطعت كمؤرخ ان انتحل بعض الأعذار برا بسيرته الطيبة فأحيل ذلك إلى جبن الرعايا الذين تباطأوا عن تبليغ الحقائق الى الشريف في أوقاتها إلا أن هذا لا يخليه من المسؤولية بحال لأن الشجاع الذي يقوي على مكاشفته بالحقائق سوف لا يأمن عاقبة الوشاية التي ساقت خضر أفندي الى ما ساقته.

وان في المأساة القاسية التي تجرع مرارتها خضر أفندي ما يشير الى أن صلة الشريف حسن برعاياه لم تكن مفروشة بالرمل الناعم بالرغم من محبته للعدل وشهرته به والجريء من رعاياه لا يكفي أن يكون جريئا على المكاشفة إذا لم يظفر بحصانة يأمن معها غائلة الأقوياء.

ولو أعد الشريف حسن رعاياه للمكاشفة وتركهم يجربون حصانته من الغوائل لما عدم النفوس الحية من صفوف بني عمومته الاشراف أو من يليهم من أعيان الأهالي أو عامة الشعب لأن الأحياء من هذا الصنف لا يخلو منهم زمان خصوصا إذا توفرت الحصانة.

إذن فقد كان الشريف حسن مسئولا عن اخطاء من استوزره وانه ليسوؤنا أن نطوي صفحته التاريخية على شيء لا يتفق مع سجاياه العالية وما شاع من شهرته بحب العدل.

٤٠٤

ويؤيدنا فيما ذهبنا إليه من أن الشريف حسن لم يترك رعاياه يجربون حصانته إذا كاشفوه أن ابنه أبا طالب ما كاد يتلقى نبأ وفاة أبيه حتى أمر بالقبض على ابن عتيق وارساله الى السجن (١).

وقد كان أبو طالب من أجرأ الناس في رأي من ترجموا له فلا يسكت عن مساوىء ابن عتيق ولا يرجئها الى اليوم الذي يصل فيه الى الحكم الا لانه كان عاجزا عن مكاشفة ابيه وفي عجز الابن ما يعطى ابلغ دليل على مقدار ما يفصل بين الشريف حسن ومن يليه. فضلا عن الرعايا.

وظل الشريف حسن على أمره إلى أن خرج في عام ١٠١٠ ه‍ الى نجد مقاتلا فوافته منيته في مكان من نجد يقال له القاعية على مسافة عشرة أيام من مكة بسير الابل وذلك في ٣ جمادي الآخرة وقد حمل في محفة على البغال الى مكة حيث احتفل بطوافه بالكعبة على عادة الأشراف ودفن بها (٢).

وعندما شعر بعض أولاده بدنو أجله في عصر الأربعاء أرسلوا البراذين الى المنازل «المحطات» صوب مكة لتتعاقب كخيل البريد في نقل الجثمان فلما توفي في ليلة الخميس أسرعوا بنقله فلم تنتصف ليلة السبت حتى كانوا قد انتهوا به الى مكة (٣).

__________________

(١ و ٢) افادة الانام «مخطوط»

(٣) لعل المكان الذى مات فيه حسن هو (أفاعية) وهو مكان قرب السوارقية يبعد شمال شرقي مكة على قرابة سبع مراحل ، أما القاعية فانها تبعد عن مكة قرابة ٥٩٠ كيلا ولا يمكن ان تقطع هذه المسافة خلال يومين. (ع) ويلاحظ أن الاسم فى الطبعات السابقة كان (فاعية).

٤٠٥

أبو طالب بن حسن : وبوفاة حسن كتبوا إلى ابنه أبي طالب وكان متغيبا في المبعوث (١) من قرى نجد فبادر بالتوجه الى مكة وقد وصلها في الليلة التي وصل فيها جثمان والده وحضر الاحتفال بدفنه ثم نودى له بالامارة في مكة.

ومن طريف ما ورد في منشور ولايته ما يأتي : ليعلم كل من كحل بصره باثمد منشورنا الكريم وشنف مسامعه بلآلى لفظه ان امارة تلك المعاهد وما فيها من العساكر وما أحاطت به من الاصاغر والأكابر مفوضة الى السيد الشريف أبي طالب الى أن يقول.

فتح الله له بمفاتح السر كل مغلق من الأبواب ما سقطت من أكف الثريا الخواتم ورقت على منابر الأغصان خطب الأئمة الأكارم (كذا).

وبادر أبو طالب من فوره كما أسلفنا الى القبض على وزير أبيه ابن عتيق وأودعه السجن وغافل ابن عتيق حارسه في السجن وسرق «جنبيته» ليقضي على نفسه فأحس الحارس بذلك فخلصها منه ثم أخبر الأمير بما حدث فأعطاه الأمير «جنبيته» وأمره أن يسلمها لابن عتيق وأن يقول له إذا أردت الانتحار فدونك الجنبية وأرسل بروحك الى جهنم فتسلمها ابن عتيق وقضى على نفسه بيده فنقلوا جثته الى حفرة في طريق جدة دون أن يغسلوها أو يصلوا عليها واجتمع العامة من الناس فشرعوا يرجمونه حتى دفنوه بحجارة الرجم .. (٢) وقد هجاه الشعراء وأكثروا في ذلك ومما قاله بعض أدباء مكة في هجوه :

__________________

(١) واد فيه زراعة ومياه تجتمع فيه أودية العرج وشرب والمهيد ، وهي أسافل أودية الطائف ، تقطعه طريق الطائف الى الرياض على قرابة ٦٠ كيلا. (معجم معالم الحجاز) (ع) وليس هو من نجد.

(٢) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٦٢

٤٠٦

أشقى النفوس الباغية

ابن عتيق الطاغيه

نار الجحيم تعوذت

منه وقالت ماليه (٢)

وكان ابن عتيق يسكن بجوار باب العتيق وكان يسمى باب ابن عتيق نسبة له ثم حرفه العامة فسمي باب العتيق ويبدو أن أبا طالب تأثر من أعمال الفضائح التي ارتكبها وزير أبيه وأثرت فيه نتائجها فلم يضع ثقته فيمن استوزره كما فعل أبوه وجعل صلته بالأهلين لا يقف دونها حاجب وبذلك قام باعباء امارته أحسن قيام واستطاع ان يضرب على ايدي العابثين وينشر العدل في أرجاء البلاد واشتهر بين الناس بتدينه وتقواه وتواضعه.

إلا انه لسوء حظ رعاياه لم يعمر طويلا فقد عاجلته المنية في السنة الثانية من حكمه في منصرفه من غزوة له في نواحي بيشة وكانت وفاته في قرية هناك يقال لها العش في ١٠ جمادي الآخرة سنة ١٠١٢ وقد حملوا جثمانه في تخت البغال الى مكة ولما عجزت عن المسير جعلوه في «شبرية» على بعير وبذلك كانت ولايته نحو سنتين (١)

ادريس بن حسن : ولم يعقب أبو طالب خلفا يتولى بعده الأمر فاجتمع أهل الحل والعقد في مكة واختارو الحكمها ادريس بن الحسن وهو من اخوان أبي طالب ثم أشركوا معه في الحكم اثنين هما أخوه فهيد ومحسن بن أخيه الحسين على طريقتهم في الاشتراك مقابل استيفاء الربع من الحاصلات في مكة وجميع أقطار الحجاز الداخلة تحت حكمهم (١).

__________________

(١) خلاصة الكلام ٦٢.

٤٠٧

وعندما نذكر أهل الحل والعقد في مكة نرجو ألا يتبادر الى الذهن المعنى الواسع لذلك لأن المفروض أن أصحاب الحل والعقد لم يكونوا سوى أشراف مكة من أقرباء الحاكم وقد كتب الأشراف نتيجة اختيارهم الى الباب العثماني فأقرهم على ما اختاروا ، وكان ادريس مهابا وكان له من العبيد ما يزيد على أربعمائة ومن الأتباع العرب جمع كثير.

وكان أخوه فهيد لا يقل عنه وجاهة وأتباعا وكان اذا جلس وقف الترك عن يمينه وشماله وكان قد اتخذ من رماة البنادق عددا كبيرا وكان لا يحفظ أتباعه من النهب والسرقة فكثر ضررهم فكان ذلك سببا للخلاف بينه وبين ادريس وقد يضاف إلى ذلك ظهور فهيد بالمظهر الذي يضاهي به أخاه من حيث الوجاهة وحب التنافس كما قد يضاف سبب ثالث يتلخص في أن فهيدا أراد أن يستعمل لرئاسة الفتوى الشيخ أكمل القطبي فلم يوافقه ادريس على ذلك فاشتد الخلاف (١).

ويبدو أن ادريس من الشخصيات التي تفرض وجودها على من حولها وكان مسموعا (٢) فقد ذكروا أن ادريس كان قد اختلف قبل هذا مع ابن أخيه محسن وتركه يخرج الى اليمن مغاضبا وعندما ظهر له أن الاتفاق مستحيل بينه وبين أخيه فهيد بعد محسن. بدا له أن يصلح ما بينه وبين محسن فكتب اليه يسترضيه ويستدعيه ليحل محل أخيه فهيد لقاء ربع المتحصل من غلة البلادوأن يكون لادريس باقي الغلة فقبل محسن ذلك وعاد إلى مكة في عام ١٠١٩ وبعودته غادرها فهيد الى بلاد الترك حيث التجأ بالعثمانيين. ولكن العثمانيين أبوا أن يتدخلوا في الأمر

__________________

(١) خلاصة الكلام ٦٢.

(٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

٤٠٨

فأقام فهيد بينهم فيما يشبه المنفى إلى أن توفي عام ١٠٢١ (١).

واستمر ادريس على أمره سنوات وقد غزا بعض بلاد الشرق ووصلت جيوش له إلى الاحساء وضربت خيامها أمام بابها القبلى واجتمعوا هناك ببعض بني عمومتهم المغاضبين من أولاد عبد المطلب فصالحوهم وقد أحسن استقبالهم والي الاحساء من قبل الترك ودعاهم الى الضيافة أياما فاعتذروا وعادو (٢) ثم بدأ الخلاف يدب بين ادريس وشريكه محسن ولحظ بعض الأشراف من بني عمومته ان ادريس يتجنى كثيرا على ابن اخيه محسن ولا يحترم له رأيا فاجتمعوا على نصرة محسن ضد عمه وتزعم هذا الاجتماع ابن عم له من كبار الاشراف واصحاب الرأي فيهم هو احمد بن عبد المطلب بن حسن فكانت الثورة ضد ادريس.

وقد قيل ان من أسباب الثورة ضد ادريس أن عبيده كثرت مطالبهم وأن وزيره أحمد بن يونس لم يكن منصفا وأن الشريف ادريس كان متغافلا عما يحدث وأن الشريف محسن حاول أن يفتح عيون عمه على ما يقع فلم يطفر بطائل فنشبت الثورة وأعلن القتال.

وشوهدت جموع الأشراف تغص بها الشوارع وقد ركبوا في خيلهم وعبيدهم ينادون بسقوط ادريس وتنصيب محسن ومضى أحمد بن عبد المطلب في طليعة الثائرين شاهرا سيفه مهددا مخالفيه من أنصار ادريس وأشايعه وقد ظل القتال يوما كاملا عم فبه الاضطراب جميع أنحاء مكة إلا أن الصلوات كانت تقام جماعة في المسجد الحرام في أوقاتها وظلت أكثر الأسواق على حالها لم

__________________

(١) افادة الانام «مخطوط».

(٢) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٥.

٤٠٩

تغلق حوانيتها (١).

محسن بن الحسين : ودخلت عليه أخته زينب على أثر هزيمته وهو حزين يائس فقالت له لا محل للحزن ما دام الأمر لم يخرج عن بن أخيك فاقتنع برأيها وأرسل يطلب الصلح وأن يمهلوه في الخروج الى شهرين في مكة وأربعة أشهر في البادية فقبلوا وقد خرج بعد المهلة بعد أن طاف طواف الوداع في محفة لشدة مرضه كان ذلك في محرم عام ١٠٣٤ ثم كتبوا الى الباب العثماني بما جرى وطلبوا تأييد محسن فجاءت الموافقة بذلك.

وعاش ادريس بعيدا عن مكة نحو شهرين في مكان يسمى ياطب (٢) عند جبل شمر ثم توفي (٣) وكانت امارته في مكة ٢٢ سنة ولما وصل خبر وفاته الى مكة أمر الشريف محسن باعلان صلاة الغائب عليه في المسجد الحرام.

تعسف : وفي هذا العهد كانت خطبة عيد الفطر للامام زين العابدين الطبري وهو من الأئمة الشافعية وكان المتبع أن يعد الخطيب «سماطا» (٤) في بيته لاستقبال رواده بعد صلاة العيد مباشرة فلما تأهب لهذا في آخر يوم من رمضان وافى نبأ مستعجل من دار الخلافة بنقل الخطبة إلى أئمة الحنفية وهو المذهب الشائع في سائر بلاد الترك وقد اتصل النبأ بوالد زين العابدين فحاول المراجعة قبل أن يبلغ الخبر ابنه فلم ينجح وعندما عاد إلى داره مساء ذلك اليوم كان ابنه قد أعد لكل

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٥.

(٢) من المياه المحيطة ببلدة حائل ، وهو من مياه طىء المشهورة (صحيح الأخبار لمحمد بن بليهد ج ٤ ص) ٢٤٨

(٣) عنوان المجد في تأريخ نجد ج ١ ص ٣٥ ط ٢.

(٤) السماط هو ما يبسط ليوضع عليه الطعام.

٤١٠

شيء عدته فلما أخبره بالأمر شهق شهقة فاضت فيها روحه وهكذا اعتلى خطيب الحنفية المنبر بينما كان جثمان خطيب الشافعية في نعشه على خطوات منه ينتظر صلاة الجنازة (١) وهكذا يتعسف الحكام في سبيل نصرة مذهبهم.

وظل محسن على أمره في مكة نحو ثلاث سنوات ويبدو أنه كان ضعيف الارادة رقيق الحاشية يميل الى السلم ومصانعة الأمور اكثر مما يميل الى سياسة الشدة والحزم.

ذكروا أن واليا تركيا وصل إلى جدة في عهده في طريقه الى مقر عمله في اليمن فغرق مركبه بالقرب من شاطىء جدة فطلب الى نائب الشريف محسن في جدة أن يندب له بعض الغواصين لانتشال بعض أمواله فندبهم فلم يظفروا في غوصهم بما يذكر فظن التركي أنه أوعز اليهم فعمد الى نائب جدة فشنقه ولا يجرؤ موظف تركي على مثل ما فعل لو كان محسن في مثل شكيمة اجداده.

واستغل احمد بن عبد المطلب ـ قائد الثورة التي أجهز بها على ادريس بالأمس وساعد بها محسنا ـ ضعف سياسة محسن وطيبته فأخذ يهيمن على سياسة الحكم ويجعل من محسن الأمير المنصوب مطية الى مراميه البعيدة إلا أن الأمر لم يدم اكثر من ثلاث سنوات لأن بني عمومتهم من الأشراف بدأوا يوقظون في محسن أحاسسه الغافية ويستثيرونه ضد أعمال أحمد حتى تنبه وجدانه للأمر وأعلن استقلاله بآرائه فشعر أحمد بحاجته إلى الشدة التي تعيد الأمور الى نصابها فما كاد يبدأ حتى تفاقم الأمر.

وفي هذه الأثناء كانت حادثة الوالي التركي في جدة قد حدثت وانتهت بجرأته على شنق نائب الأمير محسن فيها فأراد الشريف أحمد أن يستغل ذلك إلى أبعد حدود

__________________

(٥) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط».

٤١١

الاستغلال فركب الى جدة واتصل بالوالي التزكي وأغراه بالاعلان في الأسواق بأن لديه أوامر من الخليفة بعزل محسن وتنصيب أحمد فلم يتردد وثار القلق فتوجه محسن في اعوانه الى جدة لملاقاة الثائرين وما كاد يترك مكة حتى ثار خلفه الشريف مسعود أحد اولاد سلفه ادريس ليثأر لأبيه ولعله كان متفقا مع أحمد على الثورة فلما بلغ محسنا ذلك ترك أمر جدة وعاد الى مكة فنشب القتال بينه وبين مسعود فيها إلا أن أعوانه ما لبثوا أن أدركوا أنهم سيكونون محصورين بين عدوين في مكة وجدة ، وصكت آذانهم أصوات المدافع آتية من جيش أحمد وراءهم فتفرقوا عن محسن فماعتم أن فر الى اليمن تاركا مكة وذلك في عام وقد مات بها بعد عام من وصوله اليها ودفن بصنعاء واتخذت له قبة تزار هناك (١).

احمد بن عبد المطلب : ودخل الشريف احمد بن عبد المطلب مكة ظافرا يوم الأحد ١٧ رمضان من السنة نفسها ١٠٣٧ ونادى بنفسه اميرا عليها ثم كتب الى الخيفة العثماني بذلك فوافاه التأييد.

واستمر الأمير الجديد «أحمد بن عبد المطلب» سياسة العنف التي جرى على سننها في ثوراته وبدا له أن بعض المكيين يميلون إلى سياسة سلفه فاشتط في معاملتهم وأذاقهم ألوانا من عذابه فسجن ونفى وقتل في سبيل تأييد مركزه (٢).

الشيخ المرشدي والقشاشي والبدوي :

وكان من أهم ضحاياه مفتي مكة في عصره الشيخ (عبد الرحمن المرشدي) فقد أمر بسجنه وتعذيبه بأصفاد الحديد.

__________________

(١ و ٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

٤١٢

وقد ذكر أن من أهم اسباب عداوته للمرشدي أن الشريف (أحمد) خطب فتاة اسمها سلطانة بنت علي شهاب فلم يزوجوه وزوجوا غيره فلما حضر الشيخ المرشدي (١) في حفلة العقد قال في خطبته «الحمد لله الذي أعز سلطانة!! وأدحض شيطانه!» فأدرك الشريف أحمد أنه يعرض به .. وقيل أن الشريف أحمد لما استولى على دار السعادة وجد رقعة بخط الشيخ المرشدي ذكر فيها وجوب قتال أحمد لظلمه وبغيه وسواء صح هذا أم غيره فان الذي لا نشك فيه أن الشيخ المرشدي كان من رجال الشريف محسن ضد أحمد وأن احمد انتقم لنفسه في شخص الشيخ وأمثاله من أعوان الشريف محسن.

وظل أحمد يستدعي الشيخ المرشدي من سجنه في كل شهر للحضور الى ديوانه مصفدا بالحديد نكاية به فقال له الشيخ في احدى المرات :

لا تضع للعزيز قدرا وان كن

ت مشارا اليه بالتعظيم

فالعزيز الكريم ينقص قدرا

بالتعدي على العزيز الكريم

فاشتد غضب أحمد وحاول بعض جلسائه أن يعتذر للشيخ فقال أحمد هيهات انه قصد ما قيل في بقية الأبيات :

ولع الخمر بالعقول رم

ى الخمر بتنجيسها وبالتحريم

وبهذا جعل نفسه عقلا وجعلني خمرا ثم أمر باعادته الى السجن .. وقد ظل فيه إلى أن ورد الأمير الحج لقتال احمد فأسرع أحمد للقضاء عليه في السجن خنقا (٢).

__________________

(١) توجد مزرعة بمر الظهران شمال الحديبية غير بعيدة تسمى المرشدية يقال : انها كانت ملكا لآل المرشدي بمكة (ع).

(٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

٤١٣

واضطربت مكة لأحداث أحمد وعادت الفوضى بين رجال القبائل فاضطرب الأمن وانتهك عسكر أحمد حرمات بيوت الأشراف واستباحوا دخول المسجد بنعالهم وسكر بعض العسكر فدخل المسجد وضرب الحجر الأسود فأريد تأديبه فمنع عنه أصحابه من العسكر (١) وأخشى أن يكون في بعض ما أنقله شيء من المبالغات التي تلوكها الشائعات المغرضة ثم تسجلها بعض الأقلام التي تعاصر تلك الأحداث ولا تتحرى ما تسجل.

وعلى العموم فقد ذكر أن أحمد لم يستثن من عقوبته حتى جلساءه واخدانه فقد سجن أحمد القشاشي (٢) ومحمد المقدسي خليفة السيد أحمد البدوي (٣) وغيرهم من أصفيائه.

وانسل الشيخ جمال محمد باقشير وكان من علماء مكة ليلة خروجه من مكة الى مهاجره فوجد الأمير احمد عائدا في موكب من العمرة محرما فكتب رقعة واعطاها لأحد المارة وكلفه ان يسلمها الأمير احمد فلما تسلمها الأمير قرأ فيها على ضوء الشمع الذي كان يسير به بدل المشاعل :

تستحل الدما وتحرم بالعمرة

دعها وعن دما الناس امسك

ما رأينا والله اعجب حالا

منك واها لفاتك متنسك

__________________

(١) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط».

(٢) أسرة القشاشي أسرة عريقة في مكة واعتقد أن القشاشية سميت بهم.

(٣) السيد أحمد البدوي من علماء مكة المعروفين وكان يسكن شعب عامر وقد تصوف في اخريات ايامه ثم اعتراه ذهول أو شيء من اختلاط العقل حتى كان يمشي احيانا في السوق عاريا واعتقد بعض الناس فيه الولاية وانتقل بعد ذلك الى المغرب وفي عودته زار مصر وطنطا فتوفي فيها وبنيت على قبره قبة وهي اليوم مزار لعامة الناس.

٤١٤

فسأل عن صاحب الرقعة فلم يقف له على أثر (١) واتصلت أخبار أحمد بالعثمانيين وجاءت أنباؤه اليهم صارخة فأوعزوا إلى احد قوادهم «قانصوه» وكان متوجها الى اليمن لمباشرة أعماله فيها أن يعرج في حملته على مكة ويحتال على القبض على الشريف أحمد وتولية ابن عمه الشريف مسعود بن ادريس.

فمضى قانصوه الى مكة في عام ١٠٣٩ وكان أوان الحج فأظهر انه جاء لأداء الحج حتى اذا فرغ من مناسكه ظل مقيما في مخيم عسكره ظاهر مكة استعدادا لاستئناف رحيله الى اليمن فلما نفر الحاج من مكة أعلن الرحيل وأوعز في الوقت نفسه الى رجل يتعاطى خدمته من أبناء الطواف اسمه محمد المياس أن يلفت نظر الأمير احمد الى ضرورة خروجه الى المخيم لتوديعه فلما انتهى الأمير الى المخيم ظاهر المسفلة أدخل من خيمة الى اخرى مع أتباعه ثم ما لبثوا أن انفردوا به وقبضوا عليه وعلى أتباعه واتصل الخبر بعسكر احمد فثار ثائرهم وتقدموا لقتال عسكر قانصوه فاشتبك السلاح بين الفريقين وعمت الفوضى داخل مكة وفى اطرافها ورأى قانصوه أن يحسم الأمر فأخرج للمقاتلين رأس احمد مقطوعا ثم ما لبثوا أن سمعوا مناديا بولاية الشريف مسعود بن ادريس فانحازوا الى المنادين وقدموا طاعتهم (٢).

وفي هذه السنة ١٠٣٩ أمطرت السماء مطرا غزيرا وسال وادي ابراهيم (٣) سيلا قليل المثال طفح به المسجد الى طوق القناديل وغرق نحو ألف انسان. وقد

__________________

(١ و ٢) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط».

(٣) هو الوادي الذي يقع فيه البيت الحرام ، منابعه من ثبير الأعظم وثبير الأحدب وجبال الطارقى ، فيمر بالبيت ثم يستمر حتى يدفع فى وادى عرنة من الشمال وليس في مر الظهران كما كتب أحدهم (ع).

٤١٥

صحب نزول المطر «برد بفتح الراء» كثير كان بعضه مالحا والبعض الآخر مرا وأصيبت الكعبة من جراء ذلك بتصدع في جدارها اليماني والشامي الى الباب (١) وقد أمر الخليفة العثماني مراد باصلاحها كما سنشير اليه في الفصل الخاص بذلك ..

مسعود بن ادريس : وهكذا تولى الأمر مسعود بن ادريس وكان مسالما فعم الناس بحلمه وشملهم بطيبته ولعل مسالمته شجعت قانصوه على بعض الأعمال العنيفة في مكة فإنه ما كاد يستقر الأمر لمسعود حتى شرع قانصوه يعاقب بعض الأهالي ويصادر كثيرا من الأموال واحسب أن مسعودا لم يحاول منعه ولعله شعر أنه بحاجة إلى مسالمته وهو طارىء على الحكم الجديد وفي طبعه ميل الى السلم وعم الغلاء البلاد في هذا العام وقلت الأرزاق واضطر الأهالي إلى أكل «الدخن» بدلا من «القمح» وسموا ذلك العام عام ـ الدخن (٢).

عقد الركب : وأعقب ذلك الغلاء مرض عام غريب شاع فيه اعتقال الركب فكان الرجل يخرج من بيته سليما فبعاد إليه محمولا معقود الركب لا يستطيع القيام عليها من غير داء يشكوه وكانوا يتخذون له شراب ماء الليم (٣) مع السكر بعد أن ينضجوه على النار في قشرته (٤).

وأمعن قانصوه في استغلال مسالمة مسعود فوضع يده على عموم الواردات في

__________________

(١ و ٣) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط».

(٢) الليم من الحوامض وهو من فصيلة النارنج. (ع) : وهذا المرض يسمى فى جزيرة العرب (أبو ركب) وهو ليس خطيرا ولا يتجاوز عقل الركب ، ودواؤه كما ذكر مؤرخنا عصير الليم والترنح ولعله النارنج

٤١٦

جدة وأضافها الى الخزانة التركية بعد أن كان العثمانيون قد تركوا نصفها لصاحب مكة في عهد بركات.

وظلت الواردات على ذلك الى أن انتقلت الامارة الى زيد بن محسن جد الأمراء ذوي زيد الذي استطاع أن يعيد الواردات الى امارة مكة كما سيأتي.

وارتحل قانصوه الى اليمن وظل مسعود يدير امره في هدوء المسالم ونصفة العادل وكان الى جانب ذلك كريما يقدر العلماء ويجيز الأدباء حتى اتفق الناس على الثناء عليه ولم يدم أمره إلا سنة واحدة أو أقل من ذلك فقد وافته منيته في ٢٢ ربيع الثاني سنة ١٠٤٠ في بستانه بالمعابدة .. وهو بستان كان معروفا عند حوض أبي طالب ويسمونه بستان مسعود (١) ثم سماه الناس بستان العواجي لأنه آل إلى دخيل الله العواجي من آل زيد (٢).

تحريم القهوة : وفي هذا العهد شاع شرب القهوة في مكة والذي أظنه انه انتقل اليها من اليمن وقد حاربها علماء مكة حربا شديدا وأفتى بعضهم بتحريمها وقال انها خمرة مسكرة فصدر الأمر بجلد بائعها وشاربها وطابخها وشاريها فكان الناس يتعاطونها في أقبية بعض البيوت فإذا هاجمهم المكلفون سحبوهم بالعنف الى ساحة عامة وضربوا رؤوسهم بأوانيهم وكانت من الفخار حتى تدميهم وربما قضى بعضهم من هول الضرب وربما اكتفوا عن ذلك بجلدهم بالسوط ثم ما لبثوا أن تهاونوا في شأنها فكثر شيوعها وزاد انتشارها (٣) وطغى صوت العامة على المتعسفين.

__________________

(١) منائح الكرم.

(٢) وحوض أبي طالب وبستان العواجي كان موقعهما فى أوائل الحدود المعابدة من جهة مكة. وقد أزيلا فى توسعة شارع المعابدة واقامة جسر الحجون سنة ١٣٩٧ ه

(٣) يقال ان شجرة البن اكتشفت فى اليمن فى أوائل القرن العاشر الهجري.

٤١٧

عبد الله بن حسن بن أبي نمي : وبوفاة مسعود اجتمع الأشراف واتفقوا على تولية ابن عمه «عبد الله بن حسن بن أبي نمي» وكان عبد الله رجلا عظيما صالحا وكان من أكبر آل أبي نمي (١) وبه سمى (العبادلة) من الأشراف في مكة ومن ذرية العبادلة (آل عون) (٢).

ذكروا أنه امتنع عن قبول الولاية وتخلف عن جنازة ابن اخيه مسعود بسبب ذلك إلا أنهم ما لبثوا أن ألزموه بذلك حقنا للدماء ثم كتبوا إلى دار الخلافة في القسطنطينية فوافاهم التأييد (٣).

وشاع الأمن والسلام في البلاد على أثر توليته ، وكان يرى في أكثر لياليه طائفا بالبيت وفي ايامه تمت عمارة الكعبة التي كان السلطان مراد قد أمر بها وهي العمارة الماثلة اليوم (٤) وسيأتي بيانها في الفصل الخاص بعمارة المسجد لهذا العهد.

محمد بن عبد الله : ولم يلبث عبد الله في امارته إلا سنة واحدة ثم رأى أن يتنازل عنها لابنه محمد ليتفرغ لما هو في سبيله من العبادة والصلاة كما رأى ان يعينه بابن أخيه زيد بن محسن وكان محسن قد فر الى اليمن ومات بها كما تقدم بنا وخلف ولده زيدا الذي بعث عبد الله يستدعيه الى مكة ولما حضر اعلن تنازله عن الامارة لابنه محمد على أن يشاركه الأمر زيد بن محسن وذلك في يوم الجمعة غرة صفر ١٠٤١ وقد كتب بذلك الى دار الخلافة (٥).

__________________

(١ و ٣) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

(٢) والعبادلة اليوم متفرقون في أنحاء البلاد العربية فمنهم في حضرموت واليمن والأردن ، غير ان عمودهم في مكة ، ومنهم الحسين بن على قائد الثورة العربية الكبرى (ع).

(٤) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط».

(٥) خلاصة الكلام للدحلان ٧٢.

٤١٨

ذوو بركات وعبد الله وزيد : وفي هذا العهد اعتبر أمراء مكة أن بيوتهم الى ثلاثة اقسام هي : ذوو عبد الله أو العبادلة من أبناء عبد الله بن حسن ابن أبي نمي ، وذوو زيد وهم أبناء زيد بن محسن من أحفاد الحسن ابن أبي نمي ، وذوو بركات أخو الحسن بن أبي نمي.

وقد ظلت الفروع الثلاثة تتداول الامارة نحو ثلاثة قرون ونصف قرن حتى انتهى حكم الأشراف في مكة بامارة الحسين بن علي وهو من العبادلة كما سيأتينا ذلك.

ونعود إلى الأمير محمد بن عبد الله فقد استقام الأمر له ولشريكه زيد بن محسن على أثر تنازل عبد الله بن الحسن لهما عن الحكم ولم ينسيا للمتنازل فضله فقد أشركا اسمه في الدعاء على المنبر وظلا يستضيئان ببعض آرائه الى أن توفي بعد أشهر من تنازله في بستان كان يقيم فيه بالمنحنى بعد المعابدة إلى طريق منى في جمادي الآخرة من السنة نفسها ١٠٤١ وفي هذه السنة ثار أهل الطائف على الأشراف وقتلوا راشدا بن بركات بن أبي نمي فخرج الأمير زيد في جماعة من بني عمه وبعض المقاتلين فهاجموا الطائف وقاتلوا الثائرين وعادوا ظافرين (١).

واستمر محمد وزيد على وفاق تام وكان قد وافاهما التأييد من السلطان العثماني «مراد خان» إلا أن ذلك لم يعجب البارزين من البيت القديم في الاشراف ورأوا ان في تقحم زيد بن محسن على الامارة ما يشبه التطفل فبدأ زيد وشريكه يعانيان قلاقل جديدة ولما يمضيا في امارتهما عاما واحدا.

__________________

(١) خلاصة الكلام للدحلان ٧٢.

٤١٩

وحاول بعض الاشراف من قرابة محمد بن عبد الله الأدنين وبعض اخوته اقناعه بابعاد زيد بن محسن عن شركته في الامارة والاستعانة ببعض اخوته فأبى ذلك عليهم احتراما لارادة أبيه المتوفي فلم يجدوا بدا من مناصبته وشريكه العداء.

واقعة الجلالية : وتصدى لذلك أحد بني عمومته ـ ذوي بركات ـ وكان معروفا بشجاعته واقدامه وهو نامي بن عبد المطلب بن الحسن بن أبي نمى وكان قد غادر مكة مغاضبا لابن عمه ثم اتصل به أن جماعة من عسكر الأتراك تركوا بلاد اليمن فرارا من قائدهم قانصوه وأنهم نزلوا القنفذة فأسرع بالاتصال بهم واستطاع أن يقنعهم بمساعدته في الهجوم على مكة فساروا حتى نزلوا «السعدية» على كيلو مترات من الجنوب مكة (١) ثم أرسلوا الى أصحاب مكة يخبرونهم بضرورة السماح لهم بدخول مكة فامتنعوا عن الموافقة فزحف الجند في طريقهم الى مكة وخرج محمد وزيد في عسكر هما حتى تلاقى الجمعان عند «قوز المكاسة» قريبا من المسفلة فاشتبك القتال وتقدم الصفوف الشريف محمد فأبلى بلاءا شديدا حتى قتل.

وبقتله تراجع المدافعون واشتغل بعضهم بنقل جثمانه الى مكة لدفنه فيها ونشط المهاجمون الأتراك على رأسهم نامي فاستطاعوا أن يدخلوا مكة فاتحين وبذلك انتهت ولاية محمد بعد أن ظل فيها ستة أشهر و ٢٥ يوما. وبدخولهم فر زيد بن محسن الى البادية ثم توجه إلى بدر ثم إلى المدينة فاستقر بها وسميت الواقعة واقعة الجلالية (٢).

__________________

(١) السعدية : ميقات اهل اليمن من يلملم ، وهى على (١٠٠) كيل جنوب مكة ، وكانت المرحلة الثانية على نظام القوافل وفى سنة ١٣٩٨ ه‍ عبد درب اليمن فجنب عنها الى الساحل فقل رائدها ، وأظنها ستهجر كما هجرت الجحفة (ع).

(٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

٤٢٠