تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

مناسبات عدة من عهود التاريخ فان المعروف ان نسلهم لم ينقطع عن مكة (١).

وقد ذكر الغازي (٢) أن جماعة وفدوا من الآفاق يدعون انتسابهم الى آل الشيبي الا ان دعاويهم ما كانت لتثبت لقلة البراهين او لان الحكام في مكة كانوا لا يرون التوسع في موضوع شائك وبحسبهم أن يتركوا النسل المتوالد في مكة يمثل الحجابة ويقتصر عليها من ذلك ما عزاه الغازي الى العلامة علي القارى في شرحه على شرح شيخة في نزهة الفكر ويتلخص في ان يمنيا ادعى الشيبية وشهد له على السماع اثنان من مكة وكاد يناله النجاح لو لا أن أدركته منيته.

آل نائب الحرم : وهي اسرة قديمة ذكرها الغازي في تاريخه وقال ان نيابتهم في الحرم هي نيابة عن أمير البلاد في شؤون المسجد ومراقبة موظفيه من خدم ومؤذنين وأئمة وهى غير مشيخة الحرم التي يتولاها والي جدة من الاتراك وتخوله الاشراف على شؤونه العمرانية.

ومن الاسر القديمة في مكة ما اوردناه في الفصل الخاص بالناحية العلمية عند ذكر البيوت المشهورة بالعلم عدا الاسر العريقة من الاشراف الذين لا يزالون بستوطنون مكة من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والذي يلاحظه المؤرخ ان أكثر العائلات التي وفدت في أوائل هذا العهد واستوطنت مكة كانت من المصريين والمغربيين واهالي الشام والاتراك والذي أظنه ان المصريين من اقل الناس هجرة ولكن فتوحات محمد علي باشا في مكة شجعهم على الانتقال الى مكة والاستيطان بها.

__________________

(١) قال الحافظ ابن حجر ان لأبي طلحة ولدين هما عثمان وطلحة وقد خلف عثمان ولده شيبة كما خلف طلحة ولده عثمان وقد أسلم عثمان هذا يوم الفتح وكاد ينقل المفتاح من يد عثمان لو لا ان الله أوحى بأن تؤدى الامانة الى أهلها فبقي المفتاح في يده حتى توفي عقيما فورثه أخوه شيبة فهو في يده الى اليوم

(٢) افادة الأنام مخطوط

٦٤١

ولا يبعد ان يكون أكثر المنتقلين كانوا من اصحاب العلاقة بجيش محمد علي وقد اختاروا الاقامة بعده لهذا فلا نعجب ان وجدنا العائلات المنحدرة من اصل مصري لا تنتمي الا الى جد واحد بعد جلاء المصريين عن مكة الا نادرا ومن اشهر العائلات المصرية بيت القطان والزقزوق والرشيدي والمنصوري والدمنهوري.

لم تنقطع هجرة المغربيين والسوريين والاتراك والاكراد والسودانيين في كثير من عهود مكة اما العراقيون فمن اقل الاجناس هجرة الى هذا البلد (١) وكذلك شأن الايرانيين.

ومن اشهر المغاربة القدماء بيت حميدان الذي أنشأ بستانا بجوار بركة الماجل.

ومن أشهر العائلات التركية بيت الدرابزلي والقرملي وكوشك والخشيفاتي والوشكلي وغيرهم.

اما الهند وجاوى فقد جاءت هجرتهم الى البلاد متأخرة كثيرا عن غيرهم فقلما تجد في عهود مكة السالفة بيتا مجاورا من لهند او جاوى لبعد المسافة بينهم وبين هذه البلاد خصوصا قبل استعمال السفن البخارية في المواصلات الا انهم عندما شرعوا يهاجرون الى مكة ما لبث ان طغى تعدادهم على الجاليات الاخرى والذي احسبه ان دافع الهجرة عند اهل الهند كان نشاطهم التجاري على عكس الحال بالنسبة للجاويين فقد كان مهاجروهم يستوطنون مكة لطلب العلم وقد برز منهم كثير من أجلة العلماء.

ولعل اقدم الجاليات المهاجرة من الهند كانت من الفتن «كبيت الطيب وملائكة. وشمس. وقطب. وجلال. وخوج. وعبد الخالق. وحبيب.

__________________

(١) لغل هذا عائد الى خصوبة ارض العراق وكثرة انهارها مع قلة السكان. (ع)

٦٤٢

وجستنية. ومن أشهر الهنود غير الفتن بيت خوقير الدهلوي والبوقرية وميرا وفدا.

كما ان من أشهر بيوت الجاويين بيت البتاوي والسمباويا وزيني والمنكابو والقستي والفنتيانة والبوقس والفلمبان وقدس وسمس والفطاني.

ومن الجاليات التي اتسعت هجرتها الى مكة جاليات الحضرميين ولعله كان رائد السابقين منهم النشاط العلمي ثم اضيف اليه النشاط التجارى فازداد طلاب الرزق من كبار التجار الى صغار الباعة والمستخدمين ثم اتسعت هجرتهم وأصبح المجاورون يكادون يستقلون بأكثر حوانيت البيع في البلاد وانتفع الاهالي بخدمة صغارهم في البيوت ومن أشهر عائلات الحضارم بيت باجنيد وباحارث وباناحه وباناعمة والعادة وباحكيم وبازرعة وباعيسى وباعشن.

وهنا يتبادر الي ذهن القارىء سؤال له وجاهته : «هل استطاعت مكة ان تهضم هذه الجاليات وتصهرها في بوتقة واحدة؟»

الواقع انها لم تفشل كثيرا في هذا لان الذي نشاهده أن أشهر الاسر في بلاد الحجاز اليوم اذا استثنينا الاشراف والشيبيين وبعض العائلات العربية ، ينتمنون الى اصل هندي او مصري أو مغربي (١) أو مثل ذلك ومع هذا فقد نسو أصولهم ومضت مواكبهم تحمل طابعا جديدا في البستهم وعاداتهم ولغتهم ولست ادعي أن هذا الطابع عليه سمات قريش ولكنه على كل حال طابع عليه سمات مكة بعد ان ازدحمت بشتى الاجناس واذا اردنا التعبير بلغة اوضح ففي استطاعتنا

__________________

(١) ويجب الا ننسى أن مكة بحكم موقعها في دائرة قبائل الحجاز كان يتحضر فيها من حين الى اخر أفراد من هذه القبائل ونظرا لظروف البيئة ينسى أو يتناسى المتحضر أصله القبلى فينتسب الى مهنته فيظن انه من الوافدين. (ع)

٦٤٣

ان نقول أن مجموعة الاجناس والجاليات أثرت في تكوين طابع مكة حتى اذا استقام ذلك الطابع استطاع ان يدمغ جميع القاطنين والمجاورين بدمغة واحدة يبدو أثرها في أكثر تقاليدهم وعاداتهم ولغتهم وطريقة حياتهم.

ولو وقفت الهجرة عند حدها فى هذا العهد ولم تستمر الى ما بعده لنسي الناس ان يبنهم مصريين أو هنديين أو جاويين ولكن امتداد حركة الهجرة هو الذي ظل يذكر كل جالية بأصولها ويجمعها بالطارىء من أجناسها وهكذا كان الشأن في جميع ذلك مما يتعلق بالمدينة او جدة.

ولعل مظاهر المجتمع في هذا العهد الذي ندرسه كانت أقرب الى التوحيد في الزي والعادة منه فيما أتى بعده من عهد الى الآن لان الاهالي من طبقة العلماء والطلبة كانوا يتفقون في ارتداء الجبة والعمامة مع فارق بسيط يميز العلماء فقد كانوا يلفون عمامتهم على ما يشبه الطربوش الخوص يزينه غطاء مزخرف بألوان عدة من القماش يسمونه (ألفية) ويضيفون الى الجبة كساء آخر تحتها كانوا يسمونه (شاية) يتمنطقون فوقه بحزام من قماش رقيق وينتعل كبارهم الخف بينما يكتفي الطلبة بالجبة ويلفون عمامتهم على غطاء رقيق للرأس يسمونه «كوفية» أو «طاقية» ويشارك العلماء في زيهم أكثر الاعيان واصحاب المناصب بينما يشارك الطلبة كثير من الطبقات غير العمال وبذلك نجد ان الطبقات تتشابه في زيها مع فوارق لا تكاد تذكر اذا استثنينا طبقة العمال.

٦٤٤

وكانوا يطلقون على طبقة العمال ومن شاكلهم من صغار الباعة والمحترفين (أولاد الحارة) خروجا بهم عن طبقات المتعلمين من صفوف العلماء والطلبة وأعيان البلاد وموظفيها وتجارها.

وكما اجتمعت تلك الطبقات في زي متقارب اجتمع اولاد الحارة في زي اكثر تقاربا واوضح بساطة فهم يكتفون بالثوب يرتدونه ولا يضيفون اليه الا حزاما يشدون به وسطهم ليزيد في صلابتهم أثناء العمل كما يعتقدون وهو زي عام يجمع سائر الطبقة الثانية لا في مكة وحدها بل في سائر البلاد التابعة لها ويضيفون الى الحزام أحيانا (سداري أو سدرية) أو معطفا قصيرا يسمونه (ميتان).

ويقول البتنوني (١) : ان الحجازيين استعاروا الحزام من الشام والذي اتبينه ان الحزام فكرة شرقية قديمة الشيوع ، وانه كان في اكثر أدوار التاريخ شعارا للقوة والجمال في آن واحد وان فرسان المماليك

__________________

(١) في كتابه «الرحلة الحجازية»

٦٤٥

وقواد العباسيين قبلهم كانوا يستعملونه وان ميادين الجمال في عصور الاسلام الذهبية كانت تعرف الفاتنات يتمنطقن بالاحزمة تتألق فيها الاحجار الكريمة وما توارثت الاجيال الحزام من عصور قديمة الا لانه كان مثلا من أمثلة الجمال ونموذجا لمعالم الابهة والقوة.

وعاشت مكة في هذا العهد مستقرة أكثر مما كانت في عهود سابقة لان المتنافسين على حكمها من الاشراف خضعوا لتنظيم العثمانيين واحكامهم في توجيه الامارة ـ كما اسلفنا ـ فتمتع الاهالي بطمأنينة اجتماعية واخذوا ينعمون بارواحهم من خيرات العثمانيين وصدقات الحجاج الذين تدفقوا على أداء الفريضة ألوفا مؤلفة بعد أن علموا بشؤون الاستقرا ، وزاد تدفقهم على اثر شيوع البواخر ومساهمتها في نقل الحجاج في عام ١٢٩١

اثر هذا في ثروة البلاد الاقتصادية فنعم المكيون بهناءة العيش وعادوا الى الاسراف في نعيمهم الى الشأن الذي كان عليه الامر في عهد الامويين فبنوا قصور النزهة في ضواحي مكة من عدة جهات واكثرها في وادي فخ عند مرقد الشهداء ، وكانوا يخترعون المناسبات والاعياد ليخرجوا في مواكبهم الى الجعرانة أو وادي ميمونة أو وديان فاطمة أو وادي الشهداء في زينة بادية وانواع من الاطعمة الشهية فيقيمون حفلاتهم المؤنسة يطربهم المغنون واصحاب الوتر والمنشدون ، ولم يكن للنساء مجال واسع في هذا الايناس ، لان روح البادية التي كانت تسود الناحية النسوية في عهد الامويين كانت قد خبت فيما تلا ذلك من عصور ولم يحل هذا العهد حتى كانت فكرة الحجاب ساقتهن قد الى المخابىء والخدور.

٦٤٦

واشترك كثير من طلبة العلم وأساتذتهم من العلماء في لوثة هذا الترف وكان بعضهم لا يتحرج من محافل الطرب ويأنس بما تحويه من لعب كان اكثره نزيها ولعلهم كانوا يشجعون بعض هذه الاعياد فيحبذون الخروج الى وادي الشهداء ووادي ميمونة وامثالها باسم زيارة القبور ثم يمتعون أنفسهم ويروحون عنها بما يجتمع فيها من معاني الترويح والانبساط وبذلك يصبح الغرض من الخروج الى تلك الزيارات مزدوجا.

الشيخ حسن عرب ويبدو فى الباس التقليدى المعروف لعلماء مكة لعهد قريب وكان العامة يعنون بالاستكثار من المناسبات ليحتفلوا بها في صخب ولعب ومرح فيحتفلون بأول السنة الهجرية وبآخر اربعاء في صفر بمولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي رضي‌الله‌عنه في شهر ربيع الاول ، كما يحتفلون بدخول رجب وخروج شعبان وجميع ليالي رمضان وبالاخص في أواخره وبعيد شوال فتدق طبولهم وتشدو مزاميرهم في كل منطقة من أحيائهم وكثير ما يترك الايناس أثره فيهم فيرقصون في حماس على دقات طبولهم ويلعبون بعصيهم الغليظة حول نار يؤججونها في حلقاتهم ، فإذا امعن الحماس فيبهم اشتبكت العصى وقامت بدورها في قرع الرؤوس وكسر العظام وأكثر ما يقع هذا بين الطبقات من العمال وصغار الباعة الذين يسمونهم «أولاد الحارة» وقد يشاركهم من الطبقات الاخرى هواة تستثيرهم الحماسة وقد ظل ذلك حتى انكره العلماء فى العهد السعودى الثانى وامرت الحكومة بمنعه كما سيأتي.

وكان أولاد الحارة يجعلون لمناطقهم التي يسكنونها حدودا يفرضون حرمتها على جيرانهم من المناطق الاخرى ولا يسمحون لهم في المناسبت الصاخبة بالمرور لها وكانت حفلات العرس تصطدم بهذه القواعد لان أصحاب المناطق لا

٦٤٧

يسمحون لجيرانهم المحتفلين بعرسهم ان يمروا من حدودهم الا بعد ان يستأذنوهم ، وفي الحالات التي يأذنون لهم فيها يقفون عند حدودهم مستقبلين بمباخر العود والند ، واذا ما رفضوا الاذن فان عصيهم الغليظة تتولى منع موكب العرس من المرور وتفرق شمل المحتفلين به ، وكذلك كانوا يفعلون في استقبال مواكب الامراء فيقف سكان كل منطقة عند حدودهم لاستقبال الامير ثم يمشون في ركابه الى نهاية الحدود من الطرف الاخر ليستقبله اصحاب المنطقة التي تليهم ولا يبيحون لانفسهم السير في موكب الامير الى اكثر من الحدود لانهم سيعرضون للعب العصي الغليظة التي تطيح رؤوسهم أو تثخنها جراحا وتكسيرا.

وكان اولاد الحارة هؤلاء كثيري التنازع حتى في غير المناسبات كان أصحاب كل منطقة منهم يشتبكون مع جيرانهم عند حدود المنطقة في منازعات يسمونها هوشات ، وأعتقد ان هذه

٦٤٨

الظاهرة كانت شائعة في هذا العهد في أكثر بلاد الشرق الأوسط نتيجة تساهل حكامهم العثمانيين في ذلك.

واشتد ميل المكيين في هذا العهد الى اقتناء الملابس الملونة بألوان زاهية فيها الازرق والاصفر والاحمر وكانوا يعنون بنظافتها وصقلها أو كيها بقطع ناعمة من الودع قبل استعمال أدوات الكي كما يعنون في بيوتهم شديد العناية بزخرفة الاثاث وتنسيقه بديعا كما يعنون بأطعمتهم وتنويعها الى انواع كثيرة يستعيرون فيها انواعا من اطعمة جميع الاجناس الذين يهاجرون اليهم.

وتكاد حياتهم في هذا العهد تكون محدودة بهذا اللون من العيش فلا نزاعات سياسية تقوي مطامعهم في الحياة ولا نزوات عامة تغذي مشاعرهم او تثيرهم الى نوع من التذمر .. حسبهم من الحياة خيرات يغدقها العثمانيون او صدقات يبذلها الحجاج فينعمون ويلعبون ويترفون (ويتهاوشون) ثم يأوون الى مضاجعهم داعين لآل عثمان بالنصر والتأييد شاكرين الله الذي جعل أفئدة الحجاج تهوي اليهم في كل موسم وسخر لهم غيرهم في بلاد كل المسلمين والكفرة ليصنعوا لهم ما يحتاجون اليه لضروراتهم او ينعمون به في كمالياتهم.

ويذكر الغازي عن هذا العهد ان رجلا من الصواغ يدعونه أبا بكر الملا كان يستخرج الفضة من جبل في الجعرانة فكان يحمل الاحجار الكريمة الى بيته ويعالجها ثم يبيعها فضة ولكنه ظهر فيما بعد ان محصولها لا يزيد كثيرا عن نفقاتها فترك ذلك (١).

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٦٤٩

طريق الحجاج : وظل الحجاج في هذا العهد يسلكون الى مكة طريق العقبة او القصير في المراكب الشراعية ثم بدأت البواخر تستعمل لنقلهم في أواخر عام ١٣٠١ فاتخذوا ميناء السويس الا القليل الذي كانت تنقله المراكب الشراعية من موانىء اخرى كما استعملت البواخر لنقل حجاج الشرق الاقصى والاوسط وبعض بلاد اوروبا.

المحامل : وكانت المحامل قد منعت في عهد السعوديين الأول فلما عاد الحكم الى العثمانيين في هذا العهد استأنف المحمل الشامي والمصري مسيرهما الى مكة ولم أطلع على خبر المحمل الرومي ، ولعل الاتراك اكتفوا بارسال المحمل الشامي الذي كان يحمل «صرهم» وصدقاتهم الى مكة.

وكان المحملان يستقبلان في جدة ومكة استقبالا رسميا ، وكان اذا وصل ركب أحدهما مكة أناخ جمل المحمل بجوار باب النبي في حفل عام تعزف فيه موسيقى مكة والمحمل ثم ينقل على أكتاف الرجال من باب النبي الى المسجد حيث يستقر كل محمل في مكانه المخصص بين باب النبي وباب قايتباى ويبقيان كذلك الى يوم السفر فيخرج كل منهما في يومه المحدد ليحتفلوا بتوديعه بعد ان يطوف الجمل به عدة طوفات في الشارع أمام باب علي.

السكة الحديد الحجازية : وعند ما شعر السلطان عبد الحميد بضرورة ربط البلاد العثمانية بشبكة حديدية تجمع أطرافها قرر مد الخط الحديدي من دمشق الى المدينة على ان يتصل فيما بعد بمكة وجدة فيربط مشارف الشام بسواحل الحجاز.

وما كاد يعلن رغبته الى العالم الاسلامي ويدعوه للمساهمة في انشائها تأمينا لراحة الحجاج وتسهيلا للمشاق التي كانوا يعانونها حتى استجابت لرغبته

٦٥٠

جميع الاقطار الاسلامية سواء فيها ما كان مشمولا بالرعوية العثمانية أو غيرها فتأسست الجمعيات في كل قطر حتى قيل ان الهنود وحدهم ألفوا نحو (١٦٦) جمعية وتنارى المتبرعون في البلاد حتى بلغ مجموع التبرعات من أهالي لكنو نحو ٣٣ ألف ليرة عثمانية ولم تقصر كثير من الولايات عن ذلك وأشتد الحماس في مصر والشام والعراق والصين وسكان أوروبا الشرقية وأكثر بلاد أفريقيا حتى عدد ما جمع من هذه الاقطار نحو ٧٥٠ ألف ليرة عثمانية كدفعة أولى قبل مباشرة العمل.

وبدأ العمل نشيطا فمدت الخطوط وأقيمت الجسور واستمر ذلك نحو ثماني سنوات حتى وصل الخط الى المدينة في عام ١٣٢٦ (١) بعد ان أجتارت قضبانه ١٣٢٠ كيلو مترا عدا المساحة بين درعا وحيفا واحتفل بذلك في المدينة احتفالا عظيما حضره ممثلو الاجانب ومراسلوا الصحف وكثير من أعيان البلاد الاسلامية.

وشرعت القاطرات تنقل الحجاج من دمشق الى المدينة فخف عناء السفر على المسافرين واستمر على ذلك عدة سنوات حتى أعلن الدستور وخلع السلطان عبد الحميد فوقف النشاط عند ذلك الحد ثم حاول الاتحاديون استئناف العمل فلم يوفقوا لان سيل التبرعات تعثر في أحداث السياسة التي غمرت العالم يومها ، ثم جاءت الحرب ونهض الحسين فشعر أن خطر الجيوش العثمانية يتهدده عن طريق الخط فأمر جيوشه الزاحفة الى الشمال بتخريب الخط ليقطع الطريق على المدد التركي من بلاد الشام.

__________________

(١) وصل اول قطار الى المدينة في اليوم الثالث من شعبان سنة ١٣٢٦ ه‍ الموافق ٢٨ اغسطس سنة ١٩٠٨ م (ع)

٦٥١

وعندما انتهت الحرب العامة كان الخط قد تخرب كثير من أجزائه ، وكان في استطاعة المسلمين أن يعيدوا اصلاحه الا ان البلاد التي كان يمر الخط فيها كانت قد تقسمت الى مناطق هيمن على بعضها الفرنسيون كما هيمن على بعضها الانجليز كما هيمن على بعضها الحسين فتعذر الاتفاق على سير الخط وأبت الدول الاجنبية المهيمنة ان تعترف بوقفية خط اسلامي يمر في أراضيها التابعة كما شعرت انه ليس في مصلحتها أن تجتمع أطراف المسلمين في جزء كبير من بلاد العرب على هذا الخط لهذا ذهبت كل محاولة لاعادة اصلاح الخط أدراج الرياح.

وأصبح الجزء المتصل منه بالحجاز أثرا بعد عين وقد حاول الحسين بن علي اصلاحه فعمر أجزاءه المتصلة بالمدينة. واستطاع ان يسير القاطرات عليه فوصلت أول قاطرة الى المدينة في عام ١٩١٩ م ، ثم عجزت عن استئناف السير لان أعمال الاصلاح الفنية لم تكن مستوفاة وليس لدى الحسين من الاموال ما يكفي للقيام بأعبائه ، فعاد الجزء الحجازي الى الخراب ووضعت حكومات فلسطين وسوريا والأردن وعمان أيديها على ما لديها من أجزاء أخرى ومعدات تابعة (١).

الطوافة : وأتسع نطاق الطوافة في هذا العهد وزاد عدد المطوفين بعض الشيء وكان أمراء مكة يخصصون بعض المطوفين لطوافة جهات خاصة من الآفاق بموجب تقرير يوقعه أمير مكة.

وأقدم تقرير في الطوافة علمت به هو تقرير يملكه آل جاد الله بتوقيع الشريف غالب في عام ١٢٠٥ ولعل بعض الاسر من المطوفين يحوزون أقدم من هذا التقرير.

__________________

(١) بعد محاولات طويلة دامت نحو نصف قرن اتفقت الحكومات العربية على اصلاحه ورسست مناقصة الاصلاح على احدى الشركات في عام ١٣٨٣ وينتظر ان يبدأ العمل. ولم يحدث شيء حتى الآن سنة ١٣٩٩ ه‍ (ع)

٦٥٢

وتوسع الشريف عون الرفيق في توزيع البلاد الاسلامية الى أقسام تقرر لها مطوفون فكان كل مطوف مسؤولا عن البلد التي خصصت له. وشرع بعد هذا يقرر على الحجاج رسوما للمطوف.

وفي سنة ١٣٢٦ صدر قرار مجلس الادارة بتعرفة الحجاج ونشرته جريدة الحجاز (٢) وهو كما يأتي :

عدد

١ جنيه عثماني أجرة مسكن بمكة للجاويين

٢ جنيه عثماني أكرامية مطوف وضيافة في عرفة ومنى ، ومن توفي قبل الوقوف فعليه نصف المقرر.

١٠ ربيات هندي أكرامية المطوف لعموم أجناس الهند.

٢ جنيه عثماني على الداغستاني أكرامية مطوف وأجرة خيمة في عرفة ومنى وبيت مكة.

٥ ريال مجيدي على حجاج مصر والشام والمغرب أكرامية المطوف.

٢ ريال مجيدي على حجاج الصعيد وغزة والعراق وأولاد علي والاكراد.

وعلى كل حاج عدا من ذكر أن يدفع لمطوفه أكرامية جنيه واحد للميسور ونصف جنيه لمتوسط الحال.

الناحية العلمية : وبقي التعليم في مكة في هذا العهد على وتيرته التي ورثها من القرون السابقة يتلخص في طلب العلم في حلقات الدروس التي ينظمها العلماء في المسجد الحرام أو في المدارس التي ينشؤها المحسنون لايواء الطلبة أو تدريسهم وفي بعض دور العلماء الذين كانوا يمنحون طلبتهم دروسا خاصة.

٦٥٣

المدرسة الرشيدية : وفي هذا العهد عني العثمانيون قبل حركة الدستور في أواخر القرن الثالث عشر بأنشاء مدرسة على الطريقة الحديثة لتعليم اللغة التركية والرياضيات والتاريخ وندب للتدريس فيها بعض الاتراك ثم أضيف اليهم بعض المدرسين من مكة وكانوا يلقنون دروسهم باللغة التركية حتى أن قواعد اللغة العربية كانوا يشرحونها باللغة التركية وقد قيل يومها أن غرض الاتراك من أنشائها هو تتريك العرب. لهذا لم يقبل على الانضمام اليها الا أبناء الموظفين من الاتراك وبعض العلية ممن كانت تربطهم بالعثمانيين روابط ذات قيمة. أما طلبة العلم من أبناء العلماء والشعب والمجاورين فلم يكن أقبالهم عليها الا محدودا.

وقد انشئت المدرسة في باب الدريبة وسميت المدرسة الرشيدية ثم أنتقلت الى مكان مطبعة الحرم سابقا ثم انتقلت الى القبان بالمدعاة ثم الى سوق المعلاه في بناية المدرسة السعودية التي هدمت في أعمال توسعة الشوارع الاخيرة.

المدرسة الصولتية : وفي هذه الاثناء هاجر الى مكة علامة من افذاذ الهند المجاهدين ضد الاستعمار الانكليزي هو الشيخ محمد رحمة الله العثماني صاحب كتاب اظهار الحق في الدفاع عن الدين الاسلامي ففكر في تأسيس مدرسة لتعليم الدين والعربية والقرآن وبادرت سيدة من مثريات الهند تسمى «صولت النساء» الى مساعدته فشرع يبني مدرسته التى سماها «صولتية» في مكانها اليوم بحارة الباب (بالخندريسة) وكان ذلك في سنة ١٢٩٠ ه‍.

وأقبل الطلبة على مدرسته أقبال الظامئين الى مناهل العلم كما أقبل بعضهم على دروسه التي خصصها في المسجد فأنتجت جهوده في حلقته بالمسجد وفي بيته بحارة الباب انتاجا خدم البلاد من ناحيتها العلمية خدمة لا تزال آثارها ماثلة الى اليوم في أشخاص الكثير من أجلة العلماء وأصحاب المناصب الدينية

٦٥٤

والقضائية ومن أشهر من أنجبتهم جهود الرجل علماء من آل مرداد والمفتي والعجيمي والغمري والطيب والدهان والدهلوي والدحلان وبابصيل والزواوي والكتبي وكمال والقاري وانجب المشايخ : حسن مشاط وعيسى رواص ويحي امان وغيرهم من علماء مكة ولا تزال المدرسة باقية الى اليوم.

المدرسة الفخرية : ونشط الشيخ عبد الحق قاري أحد الاساتذة في الصولتية لتقليد أستاذه فأسس في عام ١٢٩٦ (المدرسة الفخرية) بجوار باب ابراهيم ودعا أثرياء الهند لمساعدته فأجيبت طلباته وشرعت مدرسته تؤدي دورها جيدا في خدمة البلاد.

وأسس بعد ذلك الشيخ عبد الكريم الطرابلسي مدرسة بقاعة الشفاء وهي أول مدرسة عربية عنيت بتدريس التلاميذ في مكة جلوسا على مقاعد الدراسة أمام السبورة وكان يساعده بعض الاساتذه السوريين.

وعندما فاز الدستوريون في انقلابهم الثاني عام ١٣٢٧ شرعوا يؤسسون مدارس في الحجاز فأنشؤوا في مكة مدرسة أمام باب الصفا سموها مدرسة «برهان الاتحاد» ثم بنوا لها أمام قصر المالية في أجياد بناية نقلوها اليها.

وتعددت الكتاتيب في هذا العهد لتعلم القراءة والهجاء ومن أشهرها كتاب الشيخ محمد الخياط والشيخ محمد العناني والسيد عبد الله مجاهد وللشيخ عبد الله حمدوه السناري والشيخ أحمد السوركتي وظهرت كتاتيب من نوع آخر تعنى بتعليم الخط والحساب ومن أشهرها كتاب الشيخ فرج غزاوي وتلميذه الشيخ محمود زهدي وابنه الشيخ تاج غزاوي ثم الشيخ سليمان غزاوي.

وكان الشيخ فرج الى جانب براعته في فنون الخط مبرزا في علوم اللغة وآدبها

٦٥٥

وله شهرة واسعة بين علماء المسجد الحرام.

وكان للفتيات كتاتيب موزعة في بعض أحياء مكة أشهرها كتاب آشيه في المروة وكان للكتاتيب أعياد خاصة فربما بلغ الطفل جزءا من القرآن أو أكثر فيهيء له أهله احتفالا يمشي فيه أولاد الكتاب ليذرعوا شوارع مكة هازجين بأناشيدهم ويمضي الناجح في طليعتهم ممتطيا جوادا زينت جوانبه بالحرير والقصب حتى اذا أنتهى هذا العرض انصرف التلاميذ الى بيوتهم ويسمون هذا الحفل «أصرافه» كما يسمون غيره «أقلابه» لأنه انقلب من مرحلة الى أخرى.

مدارس الفلاح : ثم فكر المحسن الكبير الحاج محمد علي زينل في العناية بشؤون التعليم فأسس في كل من مكة وجدة مدرسة كان ينفق عليهما من ماله الخاص كما أنشأ مثلهما في بمباي بالهند وقد تأسست بذور مدرسته في مكة من كتاب الشيخ عبد الله حمدوه السناري الذي قبل ان ينضم وطلابه الى المشروع وان يساعد كعضو عامل في بناء صرحها فتأسست في حارة الباب ثم انتقلت الى القشاشية أمام باب علي قبل توسعة المسجد وقد ظلت فيها الى ان أسست لها بناية في الشبيكة وهي باقية فيها الى اليوم وقد فوضت ادارتها في يوم التأسيس الى السيد محمد حامد عام ١٢٤٠ ثم أعقبه السيد طاهر الدباغ مدير المعارف فيما بعد ثم أعقبه الشيخ عبد الله حمدوه السناري الذي ظل يضطلع بأعمالها الى عهد الحكومة السعودية الثاني وانتقلت الادارة بوفاته الى الشيخ الطيب المراكشي ثم الى السيد الحبشي ثم الى الشيخ اسحق عزوز وهو يديرها الى اليوم وقد ساهمت مدرسة الفلاح بمكة بأوفي نصيب في خدمة العلم وأنجبت الى اليوم عددا عظيما من طلبتها الذين شغلوا كثيرا من مناصب الحكومة كما أنجبت علماء ساهموا بحلقاتهم في شؤون التدريس بالمسجد الحرام ومن أروع ما يسجل

٦٥٦

للمؤسس الكبير أنه تفاني في العناية بمدارسه ورتب لها أشهر المدرسين في عصره وكان ينفحهم أحسن المرتبات من جيبه الخاص دون أن يتناول لقاء ذلك مساعدة من أصحاب البر رغم العروض التي كان يبذلها بعضهم وقد ظل أمره على ذلك نحو ربع قرن ثم اعترى تجارته بعض الكساد فشرعت المدارس تستعين بتبرعات المحسنين (١).

وظلت بيوت العلم المشهورة على حالها في هذا العهد تبث علومها الدينية في حلقات بالمسجد أو في بيوتها الخاصة الى جانب المدارس وظل أبناؤها وتلامذتها يتوارثون ذلك وقد أحصيت حلقات التدريس في المسجد الحرام فبلغت في بعض الاوقات نحو ١٢٠ حلقة تتناوب التدريس في الآصال والبكور وبين أطراف الليل والنهار في نشاط وزحام.

ومن أشهر بيوت العلم في هذا العهد آل الريس وقد عرف منهم في ذلك العهد درويش بن سليمان وصالح بن ابراهيم وعبد الرحمن بن محمد وعبد الله ومحمد أبناء عبد الرحمن كما اشتهر بعضهم بالتقوى والصلاح.

واشتهر آل عبد الشكور وقد قدم جدهم عبد الشكور من الهند ومنهم المشائخ زين العابدين بن علي وعبد الله بن عبد الشكور وعبد الملك بن عبد الشكور وعلي بن عبد الله ومحمد بن عبد الله وعبد الله بن محمد وكان من علماء مكة وشعرائها (٢).

وعرف من بيت الفقيه المشايخ عبد الله بن جعفر واحمد بن عبد الله وسليمان بن احمد كما عرف من بيت الزرعة الشيخ تاج الدين والشيخ تقي الدين (٣).

__________________

(١ و ٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٣) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

٦٥٧

وعرف من بيت السقاف السيد علوي بن أحمد والسيد عمر بن عبد الله ومحمد باعلوي ، وعرف من بيت العجيمي الشيخ درويش والشيخ عبد الله ابن عثمان واشتهر من بيت بابصيل وبيت باجنيد عدة علماء (١).

وعرف من بيت سنبل عدة علماء أشهرهم الشيخ طاهر سنبل المتوفي سنة ١٢١٨ وكان محقق وقته ونسخته من صحيح البخاري كانت مرجعا في بابها كما كان شخصه مرجعا هاما للفتاوى ، ثم الشيخ عبد الغني سنبل والشيخ محمد عباس سنبل بن سعيد وقد هاجر بعض أبناء الشيخ طاهر سنبل الى المدينة ولا يزال عقبهم فيها الى الآن (٢).

وبيت مرداد عائلة كبيرة ، نقل الشيخ الغازي عن الشيخ جعفر لبنى أن أغلبهم كانوا أئمة بالمقام الحنفي وخطباء للمسجد وأشهر من عرف منهم هو الشيخ عبد الله بن صالح مرداد ثم ابنه الشيخ احمد أبو الخير مرداد وكان من أعيان علماء عصره والشيخ محمد علي مرداد المتوفي سنة ١٢٩٣ وجدهم الاعلى كان من مهاجري الافغان وكانت شهرتهم (أميرداد) وقد تفرقت هذه العائلة الى فرعين أطلق على بعضهم لقب «أبو الخير» نسبة الى أحد آبائهم ، وعرف منهم الشيخ عبد الله أبو الخير مؤلف كتاب «نشر النور والزهر» وهو عرض مفصل لتراجم أشهر علماء مكة وقد اعتمدناه في أكثر ما كتبناه عن النواحي العلمية ، وفيه يذكر ان ممن عرف من هذا البيت عبد الرحمن بن صالح وعبد العزيز بن صالح وعبد الله بن عبد الرحمن وأحمد بن عبد الله أبو الخير وأمين محمد.

واشتهر من بيت عبد الرسول الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول

__________________

(١) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

(٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٦٥٨

العطار المتوفي سنة ١٢٤٨ ، وكانت شهرته بالفقه عظيمة وكان معتمدا في فتواه ولا يزال أحفاده يعيشون الى اليوم ويسمونهم بيت شيخ (١).

وكان من آل السني أئمة في المقام الحنفي ، وكان بعضهم منقطعين للتدريس في المسجد الحرام وهم ينتسبون الى جدهم الشيخ عبد الله السني نائب جدة في أواخر القرن الثالث عشر (٢).

وأنجب بيت كمال عدة علماء من أشهرهم الشيخ صديق بن عبد الرحمن والشيخ صالح بن صديق وعلي بن صديق كمال وهم غير بيت كمال المعروفين في الطائف وهم من وجهائها وقد أنجبوا عدة علماء كذلك (١)

وبيت الدهان بيت قديم في مكة كما ذكرنا ، وقد قدم جدهم الأعلى من الهند وكان يتعاطى دهن السقوف فعرف بها. ومن أشهر علماء هذا البيت الشيتخ أحمد بن سعيد المتوفي عام ١٢٩٣ وابنه الشيخ أسعد دهان قاضي مكة والشيخ عبد الرحمن وكان مدرسا في مدرسة الصولتية وقد توفي الاول في عام ١٣٢١ وتوفي الثاني في عام ١٣٣٧ ، ولا يزال أعقابهم الى اليوم معروفين ببيت الدهان في شعب عامر والنقا وأجياد (١).

وأشتهر من آل جستنية الشيخ عبد الرحمن بن أبى بكر جستنية المتوفي في أوائل القرن الثالث عشر وهو من الفتن وكان معروفا بميزته العلمية ، وله تآليف من أهمها تاريخ حوادث مكة الذي لم نعثر على نسخة منه. وكانت شهرته جستنية بفتح الجيم وأبدلها الناس بالدال.

__________________

(١ و ٢ و ٤) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

(٣) افادة الانام «مخطوط»

٦٥٩

وأول من عرف من آل الكتبي هو السيد محمد حسين كتبي قدم الى مكة مجاورا في عام ١٢٥٥ وكانت حلقة دروسه في المسجد واسعة ، واشتغل في وظيفة الفتوى ، وقد أنجب ولده السيد محمدا وهو من مدرسي المسجد وائمته ومن المقربين الى أمير مكة الشريف عبد الله بن محمد بن عون ، وكانت وفاته في رجب عام ١٢٩٥ كما عرف منهم السيد محمد المرزوقي أبو حسين ، وعرف منهم السيد محمد أمين كتبي (١).

وكان بيت المالكي بيت علم وفضل وكان من أشهرهم الشيخ حسين ابن ابراهيم المالكي المغربي الاصل من قبيلة يقال لها العصور من أعمال طرابلس الغرب وهو من أفاضل علماء مكة ومدرسيها ومؤلفيها وأئمتها ، وقد ذكر أبو الفيض عبد الستار البكري انه توفي عام ١٢٩٣ وخلف أولادا من أشهرهم علما الشيخ عابد مفتي المالكية والشيخ محمد الامير مفتي المالكية والشيخ علي مالكي وكان معروفا بعلمه وفضله ونشاطه في التأليف وقد تولي رياسة مديرية المعارف في عهد حكومة الحسين ثم من أبناء محمد الامير الشيخ جمال المالكي وهو من كبار علماء ومدرسي المسجد الحرام وقد توفي عام ١٣٥٩ ، ولا يزال أبناؤه يشتغلون في مناصب حكومية (٢).

وقدم جد آل شطا السيد محمد شطا زين الدين بن محمود بن علي الشافعي الى مكة من بلدة دمياط في أواخر القرن الثاني عشر فتصدر للتدريس في المسجد وأنجب أولاده السيد عمر والسيد عثمان والسيد بكري. وكان أبرزهم علما وله مؤلفات عدة وينقل الغازي عن الشيخ عبد الحميد قدس ان السيد محمدا يتصل نسبه بالحسين بن علي بن أبي طالب وأن ذلك مثبت في دفتر الاشراف بثغر دمياط.

__________________

(١ و ٢) نشر النور عبد الله ابو الخير مخطوط

٦٦٠