تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

والحجر حتى أتم بناء السور في اقل من عام وبلغ من قسوته أن أحد البنائين تأخر عن موعده فبنى عليه السور وتركه يموت في جوفه (١)

وقد ظل حسين الكردي على امارة جدة الى نهاية عهد الشراكسة حيث أمر العثمانيون بقتله غرقا في البحر (٢) وحجت زوجة السلطان الغوري في عام ٩٢٠

فاستقبلها بركات استقبالا حافلا واكرم وفادتها فلما عادت الى مصر دعته ليصحبها فسافر معها فاحتفلت بقدومه مصر وظل فيها الى أن عاد الى مكة في شهر رجب من العام نفسه (٣).

واستطاع بركات بعد ذلك أن يعيد الأمور الى نصابها وأن يشيع الامن في اطراف البلاد ويسع الحجاج بحكمته وعدله .. وظل على امره فيها حتى وافته اخبار سقوط الشراكسة بمصر ودخول العثمانيين الى القاهرة في عام ٩٢٣ كما سيأتي.

__________________

(١ و ٢) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٦٦ ويورد الشيخ عبد القادر الخطيب في السلاح والعدة ان سور جدة بني في عام ٩١١ على اثر هجوم بني ابراهيم في ينبع على جدة في ٩٠٨ وكنا ذكرنا خبر هذا الهجوم في حوادث القتال الذي اشعله أحمد الجازاني في العام المذكور والذي أحسبه أن السور بني على اثر حوادث البرتغال حوالي عام ٩١٨ كما اورده القطبي.

(٣) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٥٠

٣٦١

النواحي العامة

في عهد المماليك الأتراك والشراكسة

الحالة السياسية : تقدم بنا ان مكة تعرضت في اعقاب العهد الأيوبي لاطماع جيرانها في اليمن بفعل الدسائس التي كان يحركها المختلفون من أشرافها على الحكم وأنها ظلت على ذلك الى ان استخلصها من الفوضى شخصان من كبار أشرافها هما الحسن وابنه أبو نمي الأول في عام ٦٤٧ واستقلا بادارتها بعيدين عن كل نفوذ ، وقد استمر أبو نمي الأول بعد أبيه يضطلع بأعباء حكمه مستقلا الا أن هذا لم يدم طويلا لأن المماليك الأتراك الذين قهروا الايوبيين في مصر وأنشأوا على أنقاضهم حكومة جديدة ما لبثوا أن تطلعوا الى مد نفوذهم الى مكة ، وشرع سلطانهم الظاهر بيبرس في عام ٦٦٧ ثم قلاوون بعده يحاولان بجميع الوسائل التدخل في شؤون أبي نمي وحمله على الدعاء لهم على منبر مكة ، وقد بذلا في سبيل ذلك كثيرا من الاموال وأغرياه بكثير من الهدايا ثم جربا معه شيئا من الوعيد عندما علما ان سياسته شرعت تنحاز الى حكومة الرسوليين في اليمن حتى استطاع قلاوون في عام ٦٨١ أن يفرد الدعاء له في مكة وفرض فيها تداول النقود المطبوعة باسمه مع شروط أخرى بيناها في فصلنا السابق.

ولم يرضخ أبو نمي الأول للأمر الواقع مخلصا وقد حاولوا تأديبه فأعادهم كما اسلفنا مهزومين من خلف اسوار مكة ، ثم عاد فقبل هداياهم ورضي بالدعاء لهم على مضض لينتفع بأموالهم فيما احسب ويتفرغ لمناوئيه على الحكم من بني عمومته وأقربائه ، ثم ما لبث أن جفاهم ودعا للرسولين في اليمن بقية حياته.

وعندما اختلف اولاد أبي نمي بعده وجد المماليك الفرصة سانحة لتأييد فريق

٣٦٢

ضد آخر واستطاعوا أن يعيدوا الدعاء باسمهم على منبر مكة وأن ينشروا ظلا من نفوذهم فيها كما استطاع الفريق المضاد أن ينتزع الدعاء في بعض السنوات لملك التتار في بغداد ، وقد رؤى الركب العراقي في هذا العهد يبذل الصدقات ويوزع الفضة والذهب حتى رخص ثمن الذهب في مكة لكثرة ما تصدقوا به ، ولست أشك أن ذلك كان دعاية لملك التتار.

ولم يدم أمر الدعاء للتتار طويلا في مكة لان المماليك كانوا يتحينون الفرص لاعادة نفوذهم الى مكة ويساعدون البيوت المتنافسة من الاشراف على الحكم ليظفروا بالمكانة التي يريدونها حتى تمت لهم رغائبهم بفعل التنافس بين بيوت الاشراف الحاكمة وحتى استطاعوا في عام ٧٦٠ أن يمكنوا لفرقة من جيشهم الاقامة في مكة بدعوى حفظ الامن وتثبيت الاشراف ـ محمد بن عطيفة ـ من اولاد أبي نمي وتمكينه من اقامة الا من في البلاد ، وبذلك دخلت البلاد في دور يتنافى مع الادوار التي سبقته ابتداء من ثورة جعفر بن محمد مؤسس حكم الاشراف في مكة الى ذلك اليوم واصبح الاهلون يشعرون بأنهم محتلون عسكريا بجنود المماليك لأول مرة في تاريخ استقلالهم ، ولم يدم أمر الاحتلال اكثر من سنة واحدة لان الاشراف ثاروا على الحامية ثورة عنيفة فاستسلمت الحامية وسيق بعض الاسرى منهم الى ينبع وبيعوا في أسواقها بيع الرقيق.

ويبدو أن المماليك الأتراك اقتنعوا بما جربوا وعادوا يستأنفون علاقتهم بمكة على الصورة التي سبق بها غيرهم ويتمثل ذلك في الدعاء لهم على المنبر وقبول الهدايا والاعانات لقاء تأييد الامير الجديد وكتابة المراسيم الخاصة بتوليته وارسال مرتبات القاضي والخطيب والائمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج له

٣٦٣

الحرم من الشمع والزيت في كل سنة.

في عهد الشراكسة : وظل الامر على ذلك حتى تقلص عهد المماليك الاتراك وورث حكمهم في مصر مماليكهم من الشراكسة ، شعر شريف مكة احمد بن عجلان بضرورة تأييد علاقته بالحكم الجديد فأرسل وفوده بالتهنئة والهدايا وعرض استئناف العلاقات بشكلها السابق في عهد المماليك الاتراك فارسلت اليه الموافقة ومرسوم التأييد تصحبهما الجرايات والمخصصات.

واستمرت علاقة الشراكسة بمكة على هذا النحو سنوات طويلة ثم اتسع نفوذهم واصبحوا يهيمنون على مقدرات الامارة ويباشرون عزل الاشراف وتوليتهم الا أن الاشراف فيها كانوا لا يتقيدون كثيرا بمراسيم التأييد ، فكان بعضهم يطرد الامير المؤيد بقوة السلاح ويتولى مكانه فلا يلبث ان ينسى الشراكسة تأييدهم السابق ويكتبوا الى خصمه الظافر تأييدا جديدا وقد سجنوا مرة الشريف بركات في مصر ليأمنوا شره على اخيه حميضة ، فلما فر بركات من سجنه واستطاع ان يدخل مكة عنوة بعد ان يطرد اخاه منها لم يبخل الشراكسة بتأييده ونسوا أمر عطيفة.

وقد يعمد الشراكسة الى عزل بعض الامراء فيرفض الامراء ذلك منهم ، وقد شهدنا حسن بن عجلان يرفض عزله ويقابل امير الحج المصري باستعداد المحارب حتى اذا تأكد عدولهم عن عزله يأبى دخول الجيش الشركسي مكة الا بعد أن يجرد من السلاح فيمتثل الشراكسة لذلك.

الا أن علاقة الشراكسة بمكة ما لبثت ان تطورت لان بعض الاشراف كانوا يستعينون بهم على البعض الآخر فاستطاعوا ان يمكنوا لأنفسهم مركزا ممتازا

٣٦٤

ويلزموا صاحب مكة مقدارا من الخراج يدفعه سنويا كما استطاعوا أن يستولوا على رسوم البضائع كاملة وأن ينتدبوا في عهد بركات بن محمد حامية مكونة من خمسين فارسا تقيم في مكة تحت امارة رجل من الشراكسة اسمه «سودون» ثم ما لبثوا ان أضافوا الى أمير الحامية نظارة المسجد وأدخلوا في صلاحياته شؤون العناية بمرافق الحجاج واقامة المنشآت الخاصة براحتهم وتعمير ما يلزم للمسجد ، وقد اورد القطبي في كتابه الاعلام أن ناظر الحرم في عهده حوالي عام ٨٥٢ كان بيرم خوجه ، ثم يقول : وقد عزل بالأمير برديك عام ٨٥٤ ، ويذكر في موضع آخر ما نصه «أن أمير الترك بمكة الأمير جاني (١) سافر في عام ٨٥٦ ولي عوضه ناظر الحرم التاجي كما ولي منصب الجيش» وقد جاء في مرسومه أنه ولي نظارة الحرم والربط والأوقاف والصدقات وأن يكون محتسبا لمكة.

وبذلك اصبحت مكة في حكم التابع للشراكسة وأصبح يدير شؤون البلاد ومرافق البلاد الهامة أمير منتدب منهم كما أصبح الامراء من الاشراف بتلقون أوامر تعيينهم من ملك الشراكسة واذا تغلب بعضهم بقوة سيفه واستطاع طرد الشريف المغصوب فانه لا يلبث أن يطلب تأييده من الشراكسة الذين لا يبخلون بتأييد المتغلب كما اسلفنا.

الناحية العمرانية والاجتماعية : وقد ظل عمران مكة في هذا العهد على ما عرفناه في العهد الايوبي وظل سورها الذي بناه قتادة بن ادريس قائما على حاله ويصفها تقي الدين الفاسي (٢) وقد عاش بها في هذا العهد فيقول انها بلدة مستطيلة كبيرة لها ثلاثة اسوار سور المعلاة وفيه بابان وسور الشبيكة وفيه

__________________

(١) وذكره الطبري في اتحاف فضلاء الزمن «مخطوط»

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٠

٣٦٥

باب كبير وسور اليمن وهو في المسفلة والسور هنا معناه «سد» بين جبلين لأن مكة تحوطها الجبال من باقي الجهات ووصفها ابن المجاور بما يؤكد رواية الفاسي ولكنه رسم لها خارطة مستديرة على عادته في رسم خرائط المدن وتوجد في كتابه نسخة خطية كتابتها رديئة في مكتبة الشيخ حمد الجاسر بالرياض وذكرها ابن بطوطة في رحلته في هذا العهد عام ٧٢٥ فقال : ان ابواب مدينة مكة ثلاثة : باب المعلاة ، وباب الشبيكة وباب المسفلة (١) وهي نفس الابواب التي ذكرها ابن جبير في عهد الايوبيين ويقول ابن بطوطة انه شاهد بين الصفا والمروة سوقا عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس على حوانيت الباعة (٢) ثم يقول وعن يمين المروة دار أمير مكة عطيفة بن ابي نمي ودار رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة «باب السلام» وتضرب الطبول على باب كل واحد منهما عند صلاة المغرب (٣).

وجاء على ذكر الزاهر «الشهداء» فقال أنه رأى دورا وأسواقا وبساتين (٣) وأسهب ابن بطوطة في وصف أخلاق المكيين وعاداتهم في هذا العهد فذكر ان افعالهم جميلة وأنهم يؤثرون الضعفاء والمنقطعين واذا صنع أحدهم وليمة بدأ فيها باطعام الفقراء ويستدعيهم بتلطف ويقول أن أكثر المنقطعين يرابطون بجوار الأفران حيث يطبخ الناس خبزهم فيقطعون لكل واحد ما قسم له ولو كانت له

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) رحلة ابن بطوطة ١ / ٨٠ وما بعدها

٣٦٦

خبزة فانه يعطي نصفها أو ثلثها وقال انه شاهد اليتامى الصغار يقعدون في الأسواق وفي أيديهم «القفف» فاذا اشترى الرجل من مكة حاجته أودعها قفة واحد من هؤلاء وأرسله الى بيته ليذهب الى طوافة أو حاجته ويترك الصغير يذهب الى بيته دون ان يخونه فيما آمنه (١) أقول ومما يلفت النظر قول ابن بطوطة «ليذهب الى طوافة» وفي هذا ما يدلنا على الحال السائد يومها في مكة فان الرجل يقضي حاجته من السوق ثم يذهب الى طوافة لا الى مكان أعماله لأن المجتمع كان يستغني في الغالب بما يربحه من عطايا الحجاج أو مكاسبهم عن اعمال الحياة العادية حتى اذا توافر له ذلك يقضي حاجته منها ثم ذهب الى الطواف واعتقد انه لو كان السائد غير هذا لسبق على قلم ابن بطوطة مثلا قوله «وذهب الى اشغاله أو مكان أعماله» الا اذا كان قد اراد بقوله «أو حاجته» نوعا من أعماله وهو ما لا أظنه لأن الاعمال فى مكة كانت نادرة غير متوفرة.

ويمضي ابن بطوطة في ذكر الفضائل التي شهدها اهل مكة في هذا العهد فيقول وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم ناصعة ساطعة ويستعملون الطيب كثيرا ويكتحلون ويكثرون السواك بأعواد الأراك الأخضر ، ونساء مكة فائقات الحسن رائعات الجمال ذوات صلاح وعفاف وهن يكثرن التطيب حتى ان احداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيبا وهن يقصدن للطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في احسن زي وتغلب على المسجد رائحة طيبهن (٢) ثم يقول وأهل مكة لا يأكلون في

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة ١ / ٨٠ وما بعدها

(٢) رحلة ابن بطوطة ١ / ٩١ ـ ٩٢

٣٦٧

اليوم الا اكلة واحدة بعد العصر ويقتصرون عليها الى مثل ذلك الوقت ومن أراد الاكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحبت أبدانهم وقلت فيهم الامراض والعاهات (١) والذي أقوله أن أكلة العصر هي الأكلة الدسمة ولا بد من وجبة الصبح او الضحى .. ويمضي ابن بطوطة بعد هذا في وصف بعض العادات في مكة كما فعل ابن جبير في رحلته في عهد الأيوبيين فيذكر أنهم يستقبلون هلال رجب بالبوقات والطبول ثم يخرجون في موكب الامير فرسانا ورجالا يلعبون بالاسلحة ويقذفون حرابهم في الهواء ويتلقفونها حتى يعتمروا من التنعيم ثم يعودون الى الطواف والسعي ويذكر الهوادج التي ذكر ابن جبير انها تزدحم في شوارع مكة عليها أكسية الحرير والكتان ثم قال : وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد يعنون في رجب ويشاركون أهلها حفاوتهم بالعمرة ويجلبون معهم الى مكة كثيرا من منتجات بلادهم فيعم الرخاء وهم يعتقدون أن بلادهم لا تخصب حتى يبروا مكة بما ينتجون (٢)

الحالة الاجتماعية في عهد الشراكسة

ويصف ابن بطوطة هذه القبائل فيقول : انهم فصحاء الالسن صادقو النية يتطارحون على الكعبة داعين بأدعية تتصعد لرقتها القلوب ويتزاحمون عليها حتى يعجز غيرهم عن الطواف معهم ثم قال : وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود واذا وردوا مكة هلت اعراب الطريق مقدمهم (٣) أقول : وقد فقدت هذه القبائل من مزاياها اليوم ولعل ذلك يعود الى كثرة اختلافهم على المدن واستيطانهم لها وامتهانهم فيها بعض الاعمال الصغيرة كالخدمة وما يشبهها وقد أفقدهم ذلك

__________________

(١ و ٢) رحلة ابن بطوطة ١ / ٩٣

(٣) رحلة ابن بطوطة ١ / ١٠٠

٣٦٨

أخلاق القبيلة التي كانوا يعتزون بها كما أن بلادهم اختلطت بأجناس كثيرة من الدخلاء.

واتى ابن بطوطة على وصف احتفالات الأهلين في مكة بشهر رمضان فذكر ما ذكرناه في عهد الأيوبيين عن ابن جبير من تفرق الأئمة في كل زاوية من المسجد لصلاة التراويح وقال أنهم يستقبلون رمضان بالطبول والدبادب ويجددون حصر المسجد ويكثررون فيه الشمع والمشاعل حتى يتلألأ نورا وقال عن التسحير أن المؤذن الزمزمي يتولاه والمؤذنون في المنائر الأخرى يجيبون عليه وذكر قناديل المئذنة التي تطفأ اشارة بالامساك كما ذكرها ابن جبير (١).

وذكر أصحاب الصناعة الذين اتخذوا مقاعدهم في بلاط المسجد المتصل بدار الندوة كالخياطين وبجانبهم المقرئين والنساخين كما ذكر ابن جبير قبله وأوردناه فى العهد الأيوبى الا أن ابن جبير ذكر بيع البضائع في المسجد من الدقيق الى العقيق ولم يذكره ابن بطوطة (٢).

ويبدو أن مماليك الشراكسة كانوا ألصق بحياة مكة من أسيادهم مماليك الاتراك لأن حاميتهم التي استوطنت مكة اتصلت بالأهلين ولعل الأهلين تأثروا ببعض مظاهرهم الخلابة فقد كان جنود الشراكسة يميلون الى الأبهة وكانت أثار الغنى تبدو واضحة عليهم في كل مكان يتركون أثرهم في البيئة التي تحيط بهم.

__________________

(١ و ٢) رحلة ابن بطوطة ١ / ١٠٠

٣٦٩

يقول القطبي أن طائفة من المقدمين في خدمة الشراكسة كانوا يشدون على اوساطهم شدودا مصقولة ويسدلون اطرافها الى أنصاف سوقهم (١) ونحن نرى اليوم صورة هذه الشدود في مكة لدى الأغوات في المسجد في شكل لا يبعد عن الأصل ولا أستبعد أن تكون هذه الشدود استعملت لدى الأعيان في مكة ثم تركت بتداول الايام الا من الاغوات الذين احتفظوا برسمها بل أقدر أن مناطق العلماء التي كانوا يشدونها فى اوساطهم تحت الجبة الى عهد قريب لا تزيد عن صورة ملطفة من شدود الشراكسة.

وفي عهد المماليك تحسنت أحوال البلاد ماديا اذا استثنينا أيام الفتن وفاض الغنى في عهد

__________________

(١) الاعلام ص ١٢٧ على هامش خلاصة الكلام

٣٧٠

الشراكسة ونمت الثروات نتيجة لوفرة النقد لدى الشراكسة وحبهم للجود والبذخ شأن أكثر الذين أثروا بعد فقر فكان المتصلون برؤساء العسكر في مكة ينالون من خيراتهم شيئا كثيرا.

وفي هذا العهد زادت المراسيم في قصور الأمراء في مكة عن مثلها في العهد الفاطمي والأيوبي. وأن من بقرأ وصف الاحتفالات التي كانت تتبع في استقبالاتهم يدرك مبلغ الأبهة التي انتهوا اليها في مراسمهم.

ذكر القطبي في الاعلام أن الأمراء كانوا اذا قدم أحدهم من سفر دخل مكة لتأدية النسك ليلا ثم عاد الى الزاهر للمبيت فاذا أصبح الصبح شرعت مراسيم الاحتفالات العظيمة فيمضي موكبه الى المسجد الحرام حيث يستقبله عليه القوم وخدم المسجد شرع في الطواف قام أحد المؤذنين على قبة زمزم «المقام الشافعي» ينشد له بعض الأدعية ويستمر في انشاده حتى يفرغ

٣٧١

من طوافه فاذا فرغ وأدى ركعتي الطواف وقف في موكبه في ظل زمزم متوجها الى الكعبة وارتفع صوت من يقرأ مرسوم الولاية ـ اذا كان قدومه لتولي منصبها ـ بين حشد الحاضرين ثم يأخذ الموكب طريقه الى الصفا حيث يمتطي الأمير فرسه أو عربته مارا بأهم شوارع البلدة «ولعله يستعرضها أو يعلن ولايته بمروره فيها» ثم ينتهي بعد ذلك الى قصره ليستقبل وفود المهنئين.

الناحية العلمية : وظلت البيوت المتخصصة للعلم في مكة على أمرها في عهد الفاطميين والأيوبيين تنشر العلم على طلابها في حلقات عامة في المسجد الحرام وفي بيوتها الخاصة وقد نبغ كثير من طلابهم في هذا العهد فزادت حلقات التدريس عما كانت عليه وأضيف اليهم مثلهم من المجاورين الذين اتخذوا مكة موطنا لهم وشرعوا يبثون علومهم ومعارفهم.

وقد اشتهر من آل ظهيرة القرشي في هذا العهد المشايخ محمد ابو السعود وابراهيم وجمال الدين محمد بن عبد الله وصلاح الدين وعبد القادر عفيف الدين كما اشتهر من آل الطبري (١) شيخ الاسلام ابراهيم بن محمد بن ابراهيم والشيخ رصي الدين وقاضي مكة نجم الدين وزين الدين وشهاب الدين وسيدة من أجلة العلماء في هذا العهد هي أم سلمة بنت المحب الطبري كما اشتهر جماعة من آل النويري كانوا يتداولون امامة المسجد وشؤون الفتوى مع آل الطبري وآل ظهيرة أشهرهم ابو الفضل محمد النويري قاضي مكة وخطيبها وقاضي الحرمين محب الدين النويري واشتهر من غير هؤلاء المشائخ أحمد بن العليف وأحمد الحرازي وأحمد علاء الدين والد العلامة قطب الدين من مؤرخي

__________________

(١) الطبرى : نسبة الى طبرستان وليس الى طبرية كما يظن البعض ، وقد تحدث المؤلف عن هذا البيت فيما سبق. انظر الدليل. (ع)

٣٧٢

مكة ، وقد سمي فيما بعد باسم القطبي نسبة الى ابنه قطب الدين كما اشتهر الشيخ تقي الدين محمد بن احمد الفاسي والشيخ نجم الدين ابن فهد وابنه عبد العزيز وثلاثتهم من كبار مؤرخي مكة كما اشتهر الشيخ مجد الدين بن يعقوب الفيروز أبادي صاحب القاموس وقد ألف كتابه القاموس في منزله بمكة بجوار الصفا وذكر ذلك فى خاتمة الكتاب.

واشتهر عالم مكة الأوحد في هذا العهد الشيخ محمد بن الفقيه وامام

الحنابلة محمد بن عثمان البغدادي وهو نائب القاضي والمحتسب كما اشتهر شهاب الدين بن البرهان وعبد الله بن عمر الصوفي وشهاب الدين احمد بن علي وعبد الحق اليسنباطي وعبد الكبير الحرازي والسيد محمد الخطاب كما اشتهر من المجاورين السيد ابراهيم خرد والمشايخ أحمد الريمي وأحمد الحنبلي وعبد الله بن احمد باكثير ومحمد المشرع اليمني والسيد محمد التريمي وقد عاش بعض هؤلاء العلماء حتى أدركوا أوائل العهد العثماني (١)

وكانت مجالس بعض الأمراء في هذا العهد ندوة لكبار العلماء يتجلى فيها روح البحث العلمي ومن أشهر ذلك مجالس حسن بن عجلان وابنه بركات وحفيده محمد وكانوا من امراء مكة لهذا العهد كما كانوا يمتازون بكفاءة علمية فائقة.

وأسهب الشيخ عبد الله أبو الخير في كتابه نظم الدر في تراجم علماء مكة لهذا العهد وفصل آثارهم ومؤلفاتهم تفصيلا لا يسعه الا مجال التراجم. وقد عثرت على نسخة خطية منه في مكتبة الشيخ عبد الوهاب دهلوي بمكة.

__________________

(١) نظم الدر للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

٣٧٣

وكان بعض هؤلاء العلماء يتولون قضاء مكة وشؤون الفتوى فيها ، كما تولى بعضهم وظيفة المحتسب وهي الاشراف على امور السوق والشؤون العامة وكان المماليك يؤيدون ولاية القاضي في بعض الفترات أو يندبون من مصر من يتولى القضاء وكان الأشراف يعزلون أو يؤيدون القضاة (١)

وعني السلطان قايتباي ـ من ملوك الشراكسة ـ بشؤون التعليم في مكة فأمر في عام ٨٨٢ وكيله التجاري في مكة بالبحث عن منطقة تشرف على المسجد وأن يبني باسمه فيها مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة ورباطا لسكنى الفقراء يحوى ٧٢ خلوة للأيتام ويشيد مكتبا للايتام يأوي ٤٠ طالبا وأن يخصص للفقراء واليتامى ما يكفيهم من القمح فاستبدل الوكيل بعض الاربطة بين باب السلام وباب النبي واشترى دارا للشريفة شمسية من بني حسن ثم بنى هناك مدرسة قايتباي المعروفة واتخذ لها منفذا الى المسجد سمي باب قايتباي كما بني فوقها منارة سميت باسمه ثم نظم الدراسة فيها وخصص المرتبات للمدرسين ووقف على ذلك عدة دور في مكة وبعض القرى والضياع في مصر لتنفق غلاتها على المدرسة وكانت تغل في كل عام نحو ألفي دينار ذهبا وكانت غلات الضياع الموقوفة تحمل الى مكة سنويا الى عهد قطب الدين الحنفي في القرن العاشر (٢).

ويظن الشيخ باسلامه في كتابه «عمارة المسجد الحرام» أن بعض ملوك مصر المتأخرين استولوا على تلك الاوقاف وادخلوها في ايراد الدولة (٣).

وأسس قايتباي خزانة للكتب تحوي كثيرا من المؤلفات ، ويذكر الشيخ قطب الدين ان هذه الخزانة عبثت بها ايدي المستعيرين بمرور الأيام ، وأنه تولى في عهده

__________________

(١) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط»

(٢) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٥٣

(٣) عمارة المسجد ٧٧

٣٧٤

العهد العثماني الاول ـ أمرها وحاول اصلاح ما امكن من أمرها ، ثم يقول وقد آلت المدرسة الى السقوط على أثر ذلك وصارت نزلا لامراء الحج أيام الموسم ولغيرهم اذا زاروا مكة في أثناء السنة (١).

ويقول قطب الدين في الاعلام أن رباط المراغي في عهده هو رباط السلطان قايتباي ثم يقول وباب الحريريين واقع بين مدرسة قايتباي ودار الخوجة بن عباد ، ويريد بباب الحريريين ما كنا نسميه قبل التوسعة باب النبي وكان الحرير يباع في هذا الباب ويسمى احيانا باب القفص لان الصياغ كانوا يعرضون حليهم للبيع في اقفاص بدكاكينهم هناك (٢).

وفي هذا العهد ندب سلطان البنغال غياث الدين مندوبا يحمل اموالا

كثيرة ووزع بعضها على الفقراء وبنى رباطا ومدرسة لتدريس المذاهب الأربعه وقد بناها بجوار دار أم هانىء وأجرى اصلاحات في عين زبيدة ، كما أصلح البركتين اللتين في المعلاة الى أن جرت عين بازان فيهما (٣).

وحج في هذا العهد سلطان المماليك الناصر بن قلاوون فكان في موكبه احواض من حشب زرعت فيها الخضروات والبقول والمشمومات وحملت على الجمال كما كانت في موكبه أفران لاصلاح الخبز والسميد «والكماج» وقد احصيت حمول الشعير في الموكب فبلغت ١٣٠ ألف أردب (٤).

__________________

(١ و ٢) الاعلام للقطبي على هامش خلاصة الكلام «١٥٣»

(٣) اتحاف الورى بن فهد القرشى «مخطوط»

(٤) الذهب المسبوك للمقريزى ص ١٠٠ وما بعدها

٣٧٥

الاصلاحات في عهد المماليك الاتراك والشراكسة : لم يبذل المماليك الأتراك الجهود التي بذلها مماليك الشراكسة بعدهم في سبيل الاصلاح ومع هذا فقد كانت لهم اصلاحات منها انهم في عام ٧٣٦ عمروا الاساطين التي حول المطاف وقد جعل بعضها من الحجارة المنحوتة الدقيقة والباقي آجرا مجصصا وجعل بين كل اسطوانتين خشبة تعلق فيها القناديل عوض الأخشاب التي كانت تعلق فيها (١).

وفي عام ٧٤٩ عني الامير فارس الدين من مماليك الاتراك باصلاح المسجد وجدد الاعمدة حول المطاف (٢) وفي سنة ٧٢٠ عمر الناصر محمد بن قلاوون رخام الحجر ثم عمر من بعده لمنصور علي بن الاشرف سنة ٧٨١ وصنع بابا للكعبة ، وصنع ولده الناصر حسن بابا للكعبة سنة ٨٧١ (٣).

ووقف الصالح اسماعيل الناصر في عام ٧٤٣ قرية من نواحي القاهرة يقال لها «بيسوس» (٤) بجوار القليوبية وظل ينفق من غلتها على الكسوة وقد ذكر ابن بطوطة في رحلته الى الحج سنة ٧٢٨ ان الملك الناصر كان يتولى كسوتها وكانت سوداء مبطنة بالكتان.

وأنشأ الناصر بن قلاوون متوضأ مقابل باب علي.

وعني الشراكسة بالاصلاحات في مكة وفي المسجد فجدد برقوق في عام

__________________

(١) اتحاف الورى لابن فهد «مخطوط»

(٢) المصدر نفسه

(٣) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ١٩٩

(٤) الاعلام للقطبى على هامش خلاصة الكلام ١٤٤

٣٧٦

٨٠١ عقد المروة وأصلح درجاتها وعمر في عام ٨٤٢ ناظر الجيش الشركسي ومدير الحرم سودون كثيرا من المواضع المأثورة في منى ومزدلفة وعرفات وأزال أشجار الشوك والصخور الكبيرة من طريق عرفات لأن اللصوص كانوا يختفون وراءها (١).

وكانت العين من نعمان الى عرفات خربة انقطع ماؤها من عهد المماليك الاتراك فاصلحوا مجراها في عام ٧٤٨ الى أن عاد ماؤها يروي الحجيج (٢).

وأمر السلطان قايتباي بهدم المتوضأ التي ذكرنا أن المماليك الأتراك أنشؤوه أمام باب علي ثم بنى مكانها رباطا للفقراء وأدخل في مساحة الرباط نحو ثلاثة أذرع من المسعى وعندما عارض قاضي مكة في اضافة الأذرع من أرض المسعى الى الرباط ومنع البناء أصدر قايتباي أمره الى أمير الحج بانفاذ البناء بقوة العسكر فتم ذلك وأنشىء الى جانب الرباط متوضأ صغيرا وجعل له باب يشرع على سوق الليل ـ القشاشية ـ كما أنشيء بجواره مطبخ تطبخ به الدشيشة وتوزع على الفقراء كما عمر قايتباي مسجد الخيف في منى ومسجد نمرة في عرفات (٣).

وفي عهد الشاركسة شبت النار في رباط رامشت (٤) بين باب ابراهيم وباب الوداع في شوال سنة ٨٠٢ فاتصل لهبها بسقف المسجد ثم التهمت جميع الأروقة الى باب الباسطية فندب الشراكسة أمير الحج المصري في عام ٨٠٣ صلاح ما تهدم وقد احتاج العمل الى تغيير بعض الاسطوانات الرخامية فنحتوا من الجبل المعروف بجبل الكعبة حجارة بشكل نصف دائرة أقاموا منها الاسطوانات

__________________

(١) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٤٦

(٢ و ٣) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٥١

(٤) راجع بناءه في عهد الفاطميين

٣٧٧

الثخينة ثم زخرف المسجد بالالوان ونيطت السلاسل بالسقف لتعليق القناديل كما كانت في العهد العباسي وعمرت المقامات الأربعة على هيآتها القديمة وتمت اعمال البناء في سنة ٨٠٧ وذلك في عهد أبي السعادات ابن الظاهر برقوق ثاني ملوك الشراكسة (١).

وشيدوا مقام الحنفي في عام ٨٠٢ على أربع أساطين من حجارة عليها سقف مدهون مزخرف وقد أنكر ذلك ـ جماعة من العلماء وأفتوا بتعزيز من أجاز بناءه كذلك لشغله حيزا كبيرا من المسجد (٢) ولتمييزه ـ على ما أظن عن بقية مقامات الأئمة في المسجد الا ان هذا الانكار لم يغيره بل أضاف اليه كثيرا من الزخرف فقد كشف الامير سودون سقفه في عام ٨٣٦ وعمره وزخرفه أحسن مما كان وفرش أرضه بالحجارة الحمراء وعقد فوق سقفه قبة وعني بعد ذلك بتحسينه عدة مرات (٣) حتى كان عهد نفوذ العثمانيين الذين حسنوه اكثر مما كان وقد ازيل في اعمال التوسعة في عهدنا الحاضر.

وظل الأئمة في هذا العهد يصلون مرتين ، كما كان الشأن في عهد الأيوبيين فيصلي الشافعي ثم المالكي والحنبلي معا ثم الحنفي وفي بعض السنوات كان الحنفي يتقدم ثم المالكي (٤) ويقول ابن بطوطة (٥) انه شهد المالكي والحنبلي يصليان بعد الشافعي معاا ثم يصلي الحنفي في آخرهم.

أما المغرب فيصلي الحنفي والشافعي في وقت واحد. وكانت قد رفعت شكوى من التشويش الى الناصر فرج بن برقوق الشركسي فأمر بأن يصلى الشافعي بمفرده في المغرب وذلك عام ٨١١ ثم لما تولى الملك المؤيد أمر بأن

__________________

(١ و ٢) شفاء الغرام لتقى الدين الفاسى ٢ / ٢٢٩

(٣ و ٤) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط»

(٥) رحلة ابن بطوطة ص ٩٩

٣٧٨

يصلي الأئمة في وقت واحد (١)

ويذكر ابن بطوطة (٢) قبة زمزم في هذا العهد وما يجاورها من القباب فيقول ان قبة زمزم مفروشة بالرخام وقد استدارت بداخل القبة سقاية سعتها شبر وعمقها مثل ذلك وارتفاعها عم الارض نحو خمسة أشبار تملأ ماء للوضوء وحولها مصطبة دائرة يقعد الناس عليها للوضوء ثم وصف قبة العباس بما وصفها ابن جبير في عهد الأيوبيين وذكر الدوارق التي كان يبرد فيها الماء وقال وفيها تخزن الكتب والمصاحف ومنها مصحف بخط زيد بن ثابت نسخ سنة ١٨ من وفاة رسول الله وقد تبرك به كما فعل ابن جبير قبله ثم يقول وباب هذه القبة الى جهة الشمال ويليها القبة المعروفة بقبة اليهودية (٣) وقد عمر الشراكسة في القبتين في هذا العهد سنة ٨٠٧ ولعلهم اجروا بعض التغيير فيها لأن ابن ظهيرة وصفها بعد هذا العهد فقال ان قبة العباس مخصصة للشراب أما المحفوظات فكانت في القبة الأخرى ولم يذكر شيئا عن مصحف زيد بن ثابت.

ونحن لا نستبعد أن يكون قد عبثت به الأيدي في احدى الفتن الكثيرة التي منيت بها مكة.

أما القبتان فقد أزيلتا من أساسهما في عام ١٣١٠ كما سيأتي في حينه.

وفي هذا العهد عام ٨٠٧ سد باب الخلوة الى جانب زمزم والتي كان فيها مجلس ابن عباس وجعل في موضع الخلوة بركة مقبوة وفي جدرانها الذى يلى

__________________

(١) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط»

(٢) رحلة ابن بطوطة ج ١ / ٨٤

(٣) ذكر الفاسى قبة اليهودية هذه وقال انه لا يعرف اصلا لهذه التسمية الا أنه قرأها فى رحلة ابن جبير. راجع شفاء الغرام ج ١ / ٢٤٢.

٣٧٩

باب الصفا «بزابيز» (١) من نحاس يتوضأ الناس منها على احجار نصبت للجلوس وفوق البركة المقبوة خلوة فيها شباك الى الكعبة وشباك الى الصفا وطابق صغير الى البركة.

وعمر الشراكسة حجر اسماعيل بالرخام وأرسلوا له كسوة من الحرير الاسود كسى به دائرة من الداخل والخارج وكانت اول كسوة من نوعها لحجر إسماعيل وآخرها ايضا (٢)

وأمر قانصوه في عام ٩١٧ بنقض جدار الحجر مرة اخرى وأرسل لا صلاحه رخاما جديدا من مصر وأنشأ الشراكسة فوق مصلى ابراهيم قبة عام ٨٨١ وأرسلوا منبرا من الخشب في عام ٨١٥ وأرسلوا غيره عام ٨٦٦ ثم غيره في عام ٨٧٧.

وعنوا بكسوة الكعبة طوال مدة حكمهم في مصر وفي عام ٨١٠ أحدثوا في جانبها الشرقي جامات منقوشة بالحرير في سنة ٨١٩ جعلوا لبابها ستارة اجمل مما كانت وكانوا يكتبون في طرازها اسم صاحب مصر الشركسي (٣).

وكسى جقمق الجانب الشرقي والشمالي من الكعبة ديباجا أبيض بخامات سود في عام ٨٦٥ وكساها قايتباي من الداخل في عام ٨٨٣ (٤) ولا تكسي الكعبة من الداخل الا اذا بليت كسوتها أو أراد أحد الخلفاء تجديدها (٥)

__________________

(١) صنابير يصب منها الماء ويقولون اليوم لها حنفيات ، والمسميات تتغير دائما ، ولعل كلمة بزبوز اخذت من بزبز الماء أو الحليب اذا تدفق بقوة وله وجه فى اللغة. (ع)

(٢) الاعلام لقطب الدين على هامش خلاصة الكلام ١٤٧

(٣) الأرج المسكى لعلى الطبري «مخطوط»

(٤) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»

(٥) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ٢٢٦

٣٨٠