تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

وهكذا يقسو المسلمون على بعضهم باسم الدين ولا ترحم طوائفهم الطوائف الاخرى التي تخالفهم أو تعاديهم أو تضعف لهم ولو فقهوا تعاليم دينهم الصحيحة لعلموا أنه أرحب أفقا مما يظنون.

وقبض ابراهيم باشا على كثير من آل السعود وآل الشيخ فرحلهم بعائلاتهم الى مصر حيث ظلوا مدة طويلة رهن الحراسة.

وظل ابراهيم باشا حول الدرعية عدة أشهر لتوطيد الاحوال ثم انتقل الى الحجاز حيث ظل فيها الى نهاية عام ١٢٣٤ ثم عاد الى مصر وبذلك عاد أمر الحجاز ونجد الى العثمانيين ومنح محمد علي باشا حق الاشراف عليهما كما منح ابراهيم باشا لقب والي مكة وهي ولاية شرف فيما نعلم.

الاضطراب في مكة : وظل الأمر في مكة بضع سنوات ثم ما لبث أن عاد الاضطراب بين بيوت الأشراف ولعل الاضطراب في هذه المرة كان سببه توزيع السلطة بين أمير البلاد وأشخاص غيره كانت اوضاعهم الرسمية تخول لهم مشاركته في النفوذ.

وقد قدمنا ان ترتيبات محمد علي باشا الادارية بحكم اشرافه الممنوح من العثمانيين اقتضت تعيين رئيس للحامية ثم أضيفت اليه وظيفة «محافظ» مكة ليشرف على شؤون الامن فيها وبذلك تم له من النفوذ ما يضاهي نفوذ الأمير ان لم يزد عليه.

وثمة شخصية ثالثة هي رئاسة العربان التي ولاها محمد علي باشا أحد الأشراف «شنبر بن مبارك» وأعطاه من الصلاحية بالنسبة لعموم القبائل ما لا يقل عن صلاحية أمير البلاد.

٥٨١

واذا علمنا ان شنبرا كان موضع ثقة محمد علي باشا وان الصلة بينه وبين رئيس الحامية بمكة كانت على اتم ما تكون من الصفاء والود بدا لنا ان كفتي الميزان لم تكن متعادلة لأن احدى الجهات كان فيها امير البلاد فقط بينما اجتمع في الجهة الثانية قوة الجيش وامارة العربان في آن واحد.

ومن الطبيعي ان يحتك النقيضان وأن تصطدم الآراء فيأبى أمير البلاد الا أن يكون صاحب القول بحكم امارته ويأبى أصحاب القوة الا أن يملوا ارادتهم فينشب النزاع وتتفاقم المشاكل.

ولعل محمد علي باشا كان معذورا عندما وزع المسؤوليات ولم يركزها في مصدر واحد ، لعله شعر أن الأمراء من الأشراف لا يقيمون أمور البلاد على النحو الذي يريده لها ولكن لا بد من وجودهم في دست الامارة لأن البلاد ألفت طاعتهم وتقديس بيوتهم فأراد أن يجمع بين المكرمتين ، تقليد الامارة لأصحابها وتزويد البلاد بقوة اخرى تتولى استقرار الأحوال وتشرف على مرافقها فجاءت ترتيباته بغير الغاية المطلوبة لأن الاختصاصات ما لبثت أن اختلطت على أصحابها وراح كل فريق يدعي أحقيته فيما يرى ويأمر.

قتل شنبر : وعانت البلاد من جراء هذا الارتباك كثيرا بضع سنوات ثم ما لبث أن تفاقم الشر في ٢٢ شعبان عام ١٢٤٢ لأن الشريف يحي بعد أن صبر طويلا على مشاركة غيره له في الحكم رأى أنه لا بد من وضع حد حاسم للأمر فعمد الى أمير العربان الشريف شنبر وهو يصلي المغرب عند باب الصفا فطعنه بسكين في خاصرته ولم يتركه حتى قضى.

وضج الناس في المسجد وعم الفزع وانتهى الخبر الى رئيس الحامية صديق المقتول فاستشاط غضبا وأمر جنده بالاستعداد للهجوم على قصر الأمير يحي

٥٨٢

والقاء القبض عليه فتحصن الأمير في بيته واستعد للدفاع وكادت الفتنة تقع لو لا أن أخر حدوثها توسط الشيخ محمد الشيبي وقد طلب الى يحي أن ينكرالقتل وينسبه الى أحد عبيده فأبى وأصر على القول بأن القتل لم يقع الا بيده وانتهت الوساطة بأن يغادر الشريف يحي بن سرور مكة الى مصر من طريق البر وقد غادرها وأصبحت البلاد بذلك تحت حكم رئيس الحامية (١).

عبد المطلب بن غالب : وما لبث رئيس الحامية أن رأى أن لا قبل له باقرار البلاد الى بعد أن يولي أمرها أحد الأشراف فنادى بامارة أحد أولاد غالب أميرها السابق «وهو عبد المطلب بن غالب» واحتفل به في موكب حافل كالمعتاد ومن ثم كتب رئيس الحامية بذلك الى صاحب مصر محمد علي باشا بطلب الموافقة على ما حدث واستصدار التأييد بذلك من تركيا.

وفي هذه الاثناء كان يحي بن سرور قد ركب الى البادية ليظهر ارتحاله الى مصر من طريق البر ثم ما لبث ان عرج على بدر فاجتمع فيها بشيوخ حرب واستطاع أن يقنعهم بنصرته فأطاعوا له وقبلوا القتال من أجله.

والمظنون أن رئيس الحامية في مكة لم يفكر في تنصيب عبد المطلب الا بعد أن علم بأن قبائل حرب بدأت تجتمع لنصرة يحي وكأنه أراد بذلك أن يشعر القبائل من حرب وغيرها انهم لا يهاجمون في مكة الا شريفا من أمرائهم تخفيفا لحدة ثائرتهم.

وبينما كان يحي يستعد للهجوم على مكة في شهر صفر من عام ١٢٤٣ اذ ثارت الفتنة في مكة بين أميرها الجديد عبد المطلب ورئيس حاميتها ، ذلك لأن

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٥٨٣

أخبارا وصلت من مصر بعدم موافقتها على تولية عبد المطلب وتوجيه الامارة بدله إلى محمد بن عبد المعين فاضطر رئيس الحامية إلى تبليغ ذلك إلى عبد المطلب فكبر الأمر على عبد المطلب ونادى بالثورة على حامية مصر واجلائها عن الحجاز فأصاخت البادية لدعوته واجتمعت لديه وأرسل الى يحي بن سرور يطلب اليه توحيد الجهود لاحتلال مكة فوافقه يحي على ذلك وتواعدا على مهاجمة مكة في التاسع من جمادي الأولى لاحتلالها بالاشتراك واجلاء الجيش المصري عنها وكاد الاحتلال يتم على هذا الترتيب لولا أن أخبارا جديدة وصلت الى المهاجمين في اللحظة الأخيرة بوصول محمد بن عبد المعين بن عون من مصر ودخوله الى مكة في اليوم الثامن من جمادي الأولى (١) والشريف محمد بن عبد المعين من أحفاد العبادلة أولاد عبد الله بن الحسن أبي نمي الثاني ويسمونهم «ذوي عون».

محمد بن عبد المعين بن عون : وهكذا كان لوصول محمد بن عبد المعين المفاجيء أثر كبير في بقاء الجيش المصري في مكة لانه ما كادت قدماه تطأ مكة حتى وصل خبره الى عبد المطلب في المفجر بالقرب من منى فترك الحصار وانحاز الى الطائف وكذلك كان شأن يحي في قبائله عند وادي فاطمة فانه ترك الهجوم متراجعا الى الوراء.

واستطاع محمد بن عبد المعين في أول لحظة من وصوله الى مكة أن ينادي لنفسه بالامارة وأن يساعد على خروج الجيش المصري من حصاره في القلاع التي تحصن بها وأن يدعو القبائل المحيطة بمكة الى الطاعة له فتغمد أسلحتها وتمضي الى تهنئته بالامارة.

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٣٠٥

٥٨٤

قصر الحكم بالغزة : وقد جلس للمهنئين في بيت الجيلاني بالشامية بجوار مورد الماء الى أن أمر صاحب مصر ببناء دار له في الغزة وهو الدار المعروف بقصر الحكم (١) ومن ثم انتقل اليه وظل يسكنه بعده أولاده من ذوي عون ويرى بعض المعاصرين نقلا عما سمعوه من آبائهم أن الشريف محمدا بن عبد المعين هو الذي أنفق على بناء القصر المذكور بعد أن اشترى بعض الخرائب التى بنى في مكانها.

واستتب له الأمر ثم بلغه ان عبد المطلب يجهز القبائل في الطائف للهجوم عليه وأنه أغرى بذلك يحي بن سرور وبعض الأشراف فانضموا اليه فاستعد محمد بن عبد المعين للدفاع وكتب الى صاحب مصر يستمده العون فأرسل اليه لواء من عسكر النظام وكثيرا من المال ، وكان الجيش النظامي قد أحدث في تلك الأثناء في مصر بفضل الجهود التي بذلها محمد علي باشا نحو الاصلاح العسكري والمدني.

وسار محمد بن عبد المعين في جموعه نحو الطائف في شهر؟؟؟ الثانية من السنة المذكورة عام ١٢٤٣ فتحصن عبد المطلب فيها ثم اشتبك القتال نحوا من ٢٢ يوما ضعف في نهايتها عبد المطّلب فطلب الأمان وأعلن التسليم ثم ما لبث أن غادر البلاد الى عسير ثم الى نجد والعراق ثم سافر الى تركيا فاحتفى به السلطان محمود فأقام مكرما لديه (٢).

وعندما رأى أن قائد حامية عسكر المصريين لا يتفق مع ميوله طلب الى صاحب مصر ندب غيره فعين للقيادة عابدين بك فظلا على وفاق.

وكان محمد بن عبد المعين من محبي العلم والنظام وكان يميل الى العدل كما كان

__________________

(١) وقد هدم أخيرا في توسعة شارع الملك عبد العزيز.

(٢) خلاصة الكلام ٣٠٧ وما بعدها

٥٨٥

مجلسه يضم كثيرا من رجال الفضل والأدب وكما كان يشجع الشعراء ويجيزهم بالمكافآت.

وباء قاتل : وفي عهده انتشر وباء فتاك قاتل كان يصيب الناس بالقيء والاسهال ثم يقضي عليهم وقد ظل يعاود الناس الفينة بعد الاخرى الى عدة سنوات كان اهمها سنة ١٢٤٦ فقد مات باصابته فيها خلق كثير في أشهر الموسم واشتدت وطأته في أيام منى حتى غصت الأسواق والطرقات بجثث الموتى وعجز الناس عن دفنهم فاحتفرت الحكومة حفائر واسعة وجعلت تحمل الموتى اليها بالجملة.

ومات في هذا الوباء محافظ مكة وقائد الحامبة المصرية عابدين بك فولى محمد علي باشا بمصر مكانه خورشيد بك في أوائل عام ١٢٤٧ ثم ما لبث أن منحه لقب باشا (١).

ثورة بلماز : وفي عهد محمد بن عبد المعين ثار فريق من الاتراك في الحامية المصرية على خورشيد باشا بسبب تأخر رواتبهم وحاصروه في رجب ١٢٤٧ في بيته وكادوا يفتكون به لو لا الجند النظامي الذين خفوا لنجدته وتعرف هذه الفتنة بثورة تركي بلماز وهو اسم كبير عساكر الأتراك الثائرين.

واستطاع خورشيد أن يفلت من الحصار فارا الى جدة ومنها الى مصر وبوصوله اليها ندب محمد علي باشا علي أغا الرزقلي لتسكين الفتنة فلم ينجح كما حاول الشريف محمد بن عبد المعين الاصلاح فيها فاعجزه ذلك فترك الثائرين وشأنهم وارتحل الى الهدا وأقام بها الى ان سكنت الفتنة.

وقد ظل أمر الفتنة الى هلال عام ١٢٤٨ ثم اشتد سعيرها واستطاع الثوار أن يحصروا الجنود النظاميين في البياضية بعيد قبور المعلاة عدة أيام ثم فك الحصار

__________________

(١) خلاصة الكلام ٣٠٩. والوباء المشار اليه هو وباء الكوليرا.

٥٨٦

وخرج النظاميون يطاردون الاتراك في شوارع مكة وتحصن بعض الاتراك بخان الترك بجانب المروة فاقتحم النظاميون الخان عليهم وكسر الترك أبواب الدكاكين والمخازن الخاصة بالاهالي في الخان ونهبوا ما فيها وقد عوضهم فيما بعد محمد علي باشا قيمة ما فقد منها.

وفر الاتراك الثائرون الى جدة واغتصبوا فيها خزائن الحكومة ثم صادفهم في مرسى جدة مراكب لمحمد علي باشا فركبوها مع ما غنموه من جدة من أموال وسلاح وأقلعوا بها الى اليمن فتملكوا الحديدة والمخا الا انهم ما لبثوا أن خافوا عواقب ما فعلوا فتفرقوا بددا في بادية اليمن ثم ضربوا في آفاق الأرض لا يجتمعون وبذلك تمت هزيمتهم في أواسط عام ١٢٤٨ (١).

نفوذ محمد علي باشا : وفي هذه الأثناء ظفر محمد علي باشا بحقوقه في السيطرة على مكة سيطرة تامة لا يشاركه فيها نفوذ العثمانيين بموجب معاهدة عقدت في عام ١٢٤٨ وسنشير الى ذلك في الفصل الخاص بالناحية السياسية لهذا العهد.

ثورة عسير : وفي هذا العام ثار أمير عسير عائض بن مرعي على الحكم في مكة واستقل ببلاده ثم تغلب على قبائل بني شهر وبيشه (٢) وبلاد غامد وزهران فادخلهم في طاعته ف؟؟؟ لقتالهم محمد بن عبد المعين في سنة ١٢٤٩ بعد أن امده محمد علي باشا بجيش من مصر وترك الامر في مكة لمحافظها احمد باشا ليتولى الحكم في غيابه ويمده بلوازم العتاد والذخيرة.

__________________

(١) خلاصة الكلام ٣٠٩

(٢) بيشة : واد كبير سبقت الاشارة اليه ، جل سكانه من قبيلة شهران (ع)

٥٨٧

وقد فشلت الحملة في مهمتها بعد أن دامت نحو سنتين واضطر محمد بن عبد المعين الى الرجوع الى مكة ومن ثم كتب الى صاحب مصر يحمل محافظ مكة تبعة الفشل بدعوى قصوره في ارسال الامداد بينما كتب محافظ مكة أحمد باشا يعزو اسباب الفشل الى الشريف محمد بن عبد المعين.

ورأى محمد علي باشا في مصر ان يدعوا الشخصين ليسمع منهما فلما انتهيا لي مصر عام ١٢٥٢ وسمع قولهما طلب الى الشريف محمد بن عبد المعين أن يبقى عنده في مصر ليتولى احمد باشا أمر الحملة الى عسير فبقي الشريف وعاد احمد باشا الى مكة حيث قاد الحملة الى عسير وفي صحبته بعض أصدقائه من الأشراف.

وانتصرت الحملة في حركاتها عام ١٢٥٣ واستطاع احمد باشا أن يستخلص بلاد غامد وزهران ثم تعذر عليه التقدم الى بني شهر وبلاد عسير ثم ما لبثت أصحاب عسير أن استأنفوا هجومهم واستعادوا بلاد غامد وزهران في عام ١٢٥٤ وقد ظل احمد باشا يباشر حملته في عسير بعد ذلك نحو سنتين دون أن ينتهي الى نتائج حاسمة (١).

وفي هذا العهد ـ وكان محمد بن عبد المعين بن عون لا يزال مقيما بمصر ـ عصت بعض القبائل من حرب فجرد عليها محمد علي باشا حملة من مصر قوية بقيادة سليم باشا اطزبير فسارت الحملة حتى عسكرت في الغاربة والخيف (٢) ثم تغلبت على كثير من الخيوف فنهبت ما فيها وأحرقت زروعها ونخيلها وشتتت شمل المقاتلين حتى لاذوا بالفرار وتحصنوا برؤوس الجبال وشرعوا يقطعون الطرق في جهات متفرقة من باديتهم.

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) هما من عيون وادي الصفراء. (ع)

٥٨٨

وظلت الحملة تعسكر فيما امتلكت من الخيوف طيلة عام ١٢٥٥ وبعض عام ١٢٥٦ وقاست المدينة المنورة من جراء انقطاع الطرق في هذه الاثناء ضيقا شديدا واشتد غلاء الأسعار فيها حتى بلغ قيمة الأردب من القمح ثلاثين ريالا (١).

نهاية الحكم المصري : وفي هذا العام ١٢٥٦ ه‍ جرى الاتفاق بين محمد علي باشا والعثمانيين على ترك الحجاز ليعود أمره الى العثمانيين بالنحو الذي سنفصله في الفصل الآتي فعمد محمد علي باشا الى ترحيل الشريف محمد ابن عون من مصر ليتولى حل المشاكل في بلاده بالشكل الذي يريده ويساعد على تنظيم ترحيل الجيوش المصرية وارسالها الى مصر فغادر محمد بن عون مصر الى ينبع وتوجه منها الى مواطن حرب فضربهم ضربة أليمة ما كانوا يستحقونها في نظر التاريخ لو وجدوا فيما سلف من عصورهم من يعلمهم الرشاد ويحسن توجيههم الى خير الأمور ولنا أمل أن يصلح التاريخ أغلاطه فيما سلف بهذه المدارس التي بدأت تعطي ثمارها في رابغ والمسيجيد وكثير من القرى وأن تعد هذه القبائل اعدادا يفيد البلاد وينفعها.

ومضى الشريف محمد بن عون بعد هذا الى المدينة فأقام فيها أشهرا ثم عاد الى مكة ليشرف على تنظيم عملية التسليم فيها بين العثمانيين والمصريين.

__________________

(١) افادة الأنام «مخطوط»

٥٨٩

النواحي العامة في مكة

في عهد محمد علي باشا

الناحية السياسية : لسنا في حاجة الى ان نعيد ما ذكرناه في فصلنا السابق من ان محمدا عليا ما كاد يرتفع صوته في غمار الفتن بين قواد الاتراك في مصر حتى اختار بعض القواد والاعيان من الاهالي لينادوا بولايته على مصر وليكتبوا الى دار السلطنة العثمانية بذلك فيوافيهم التأييد.

كذلك لسنا في صدد حملة محمد علي باشا على الحجاز لمحاربة السعوديين فيها بعد ان ذكرنا في الفصل السابق ان العثمانيين عندما شعروا بقوته في مصر وهالتهم انتصارات السعوديين في مكة أرادت ان تدفع القوتين الى الحرب لتستفيد من نتائجها وتوفر على جيوشها عناء المشقة.

كذلك لا نريد ان نقول ان محمدا عليا ما كان ينتصر في حملته على السعوديين بعد الذي كابده من اهوال وفتن حتى ظفر من العثمانيين بحق الاشراف على حكومة مكة ومنح ابراهيم بن محمد علي باشا لقب امارة مكه الفخري.

ولكن الذي نريد ان نقوله ان مكة ظلت على اثر الفتح المصري محكومة حكما ثنائيا قوامه هيمنة مصر تحت التبعية العثمانية على امارة مكة ابتداء من العام ١٢٢٨ بعد ان تولى امارتها بتعيين من مصر اصحاب حكمها السابقون من الاشراف وتولى امر الدفاع فيها حامية من مصر بقيادة رئيس لها منحوه رتبة المحافظ في مكة الى جانب قيادة الدفاع.

٥٩٠

ولقد ظل هذا الحكم الثنائي ساري المفعول في مكة نحو عشرين سنة بدأت باستقرار جيوش محمد علي في مكة بعد انسحاب السعوديين عام ١٢٢٨ وانتهت بتنازل السلطان له عن مصر وسوريا والحجاز في عام ١٢٤٨ بموجب معاهدة «كوتاهية» (١) وبذلك ألحقت مكة بمصر نهائيا وظلت تابعة لها الى سنة ١٢٥٦ أي نحو سبع سنوات ثم اعيدت الى العثمانيين مرة اخرى.

ولتبعية مكة لمصر اسباب استطيع تلخيصها فيما يأتي :

عندما تم فتح الحجاز تاقت نفس محمد علي الى فتح سوريا وطرد المشاغبين لعثمانيا منها وطمع في توسيع رقعة ملكه بما يفتح ففاوض العثمانيين في ذلك فأبوا عليه فسكت ، ثم ما لبث ان اختلف مع والي عكا فاغتنم الفرصة وجرد حملته على سوريا في جيش عظيم فافتتح يافا وعكا ثم فتح دمشق فغضب السلطان محمود في تركيا مما حدث واصدر امره بعزل محمد علي باشا من مصر وندب جيشا لقتاله واخراج جيوشه من سوريا فلم تنجح جيوش الخليفة في مهمتها واستطاع محمد علي باشا ان يهزمها ويزحف خلفها في شمال سوريا حتى استولى على أطنة وطرطوس وهدد الاستانة.

عندئذ شعرت الحكومات في اوروبا ان الامر بات في خطر ولعلها ادركت ان نجاح محمد علي في امتلاك تركيا بعد الذي امتلكه في اسيا وافريقيا يعد تكتلا يضر مصالحها لهذا اعانت على ايقافه عند حدود تركيا وتوسطت في اصلاح الامر بينه وبين عثمانيا ، فكانت معاهدة «كوتاهية» المشهورة في عام ١٢٤٨ ه‍ ١٨٣٣ م وبموجبها تنازل السلطان محمود عن مصر والحجاز وكريت لمحمد علي باشا وعن سوريا وأطنة لابنه ابراهيم باشا وبذلك انقسمت البلاد الاسلامية الى

__________________

(١) مدينة في الاناضول ، فيها تمت معاهدة تنازل السلطان العثماني لمحمد علي عن مصر وسورية والحجاز.

٥٩١

قيادتين او ثلاث فامن الاوروبيون تكتلها كما ربحوا الجميل لدى الخليفة برد العادية عن حدود بلاده.

وظل الامر على هذا نحو سبع سنوات استقل فيها محمد علي بامر مصر والحجاز وكريت ثم ما لبثت بعض الدول في اوروبا ان ادركت ان وجود عثمانيا «العجوز» في سوريا اضمن لمصالحها من ضمها الى حكومة فتية في عنفوان شبابها فاستأنفت حملتها مع السلطان عبد المجيد الذي خلف أباه محمودا وعقدت معه حلفا رباعيا ضم عثمانيا وانكلترا وروسيا وبروسيا فكانت معاهدة لندن في ١٥ يوليو سنة ١٨٤١ م وبمقتضاها جرد محمد علي من حكمه في غير مصر ومنح الحكم له ولذريته في مصر وحدها كما منح ابنه ابراهيم باشا حكم سوريا مدة حياته فقط.

وابلغت الدولة العثمانية محمدا عليا ذلك رسميا فأبى القبول فجرد العثمانيون جيشا لقتاله وساعدهم الانكليز والروس ففتحوا سواحل سوريا ثم انتهوا الى الاسكندرية فجرى الصلح بينه وبينهم وقد اكتفى الاخير في هذا الصلح بحكم مصر وحدها له ولذريته وذلك في سنة ١٢٥٦ ه‍ ـ ١٨٤١ م.

ونصت معاهدة الصلح فيما نصت على الا يتجاوز الجيش المصري ١٨ ألفا وان تضرب النقود بمصر باسم السلطان العثماني (١).

وبذلك عادت مكة الى حظيرة الحكم العثماني ورأينا ان محمدا عليا باشا يرسل أمير مكة محمد بن عون المقيم عنده في مصر كما اسلفنا ليتولى تنظيم ترحيل الجيوش المصرية من الحجاز ويتسلم مقاليد حكمه فيها تابعا للعثمانيين ومع هذا بقيت بعض المناطق في شمال الحجاز من الوجه الى العقبة تابعة لحكم

__________________

(١) كتاب ابراهيم باشا تأليف بيركربتيس ترجمة محمد بدران ص ٢٧٨ وما قبلها

٥٩٢

مصر انتظارا للبت في امرها وقد ظلت كذلك الى ان احتل الانكليز مصر في عام ١٨٨٢ عندئذ اسرع والي مكة بسلخ قضاء الوجه من الادارة المصرية وفرض سلطانه عليها.

وأراد العثمانيون تحصين بعض القلاع القائمة الى الغرب من العقبة فاعترض الانكليز على ذلك ولما اصر العثمانيون انذرهم الانكليز بالحرب فكانت مأساة لها اثرها القوي في اعراض العثمانيين عن الانكليز وتقربهم الى الالمان كما كانت لها نتائجها في التهام الانكليز تلك المنطقة الاستراتيجية التي ظلت تهيمن عليها مدة طويلة.

الحالة العلمية : لعله لم يطرأ على الناحية العلمية في مكة ما يستحق الذكر في عهد محمد علي باشا لقصر المدة التي قضاها حكمه فيها.

والواقع انه قضى نحو ثماني سنوات في مكة محاربا ثم أشرف على حكم الحجاز تحت تبعية العثمانيين نحو عشرين سنة ولما استقل بالامر فيها لم يطل امد ذلك الى اكثر من سبع سنوات وهي مدة في رأينا لم تكن كافية لان يتأثر بها الحجاز في ناحيته العلمية تأثرا ذا بال.

اضف الى هذا ان محمدا عليا باشا كان عهده في مصر فجرا جديدا لم تشرق شمسه بعد وان شمسه عندما اشرقت كان الحجاز قد اعيد الى حظيرة العثمانيين ، لهذا نستطيع القول بان الناحية العلمية في هذا العهد ظلت على حالها في العهد العثماني الاول.

الحالة العمرانية : اقتضت الرتيبات الادارية التي اجراها محمد علي باشا في الحجاز تأسيس بعض المرافق العامة فيها فاسس التكية المصرية في عام ١٢٣٨

٥٩٣

لاطعام الفقراء من اهل الحرم والمجاورين وهي حسنة لها اسلوبها الخاص كما كنا نتمنى لو انفقت في غير هذا السبيل الذي يغري بالكسل ويشجع فقراء الآفاق الذين لا تستفيد منهم البلاد على ارتيادها طمعا في العيش في ظل التكية.

وبنى محمد علي باشا الدار التي كانت تعرف ببيت باناجه امام باب علي وجعلها مقرا لمحافظة مكة كما بنى لآل عون دارا للامارة في الغزة (١).

الحالة الاجتماعية : ومن الغريب ان الاهالي في مكة والمدينة وجدة نأثروا بكثير من عوائد المصريين ونقلت الى لغتهم بعض الالفاظ التي لا تزال باقية الى اليوم بعض آثارها وان كانت في غير وضوح.

ولعل اثرها في سكان الوجه وبلاد الشمال من الحجاز اوضح منها في غيرها.

والذي الاحظه ان كثيرا من تقاليد الطبقات البلدية القديمة في مصر كان يقابلها الى عهد غير بعيد تقاليد مماثلة في طبقة ما يسمونه في مكة والمدينة وجدة «أولاد الحارة» وان كثيرا من ألاعيب الأطفال في هذه المدن تتشابه مع مثيلاتها في مصر ولكني لا استطيع الحكم حكما صحيحا فيما اذا كانت هذه المدن تأثرت في ذلك بمصر في هذا العهد ام ان تلك العادات تحدرت الى البلدين من ظروف متشابهة قديمة ممعنة في القدم ، مثال ذلك المداحي ونسميها «البارجو» وهي لعبة تشترك فيها مصر والحجاز اليوم وقد مر بنا ان الجاهليين كانوا يلعبونها في القرارة بمكة وانها لذلك سميت قرارة المداحي ولا ندري ما اذا كان قدامى المصريين يلعبونها قبل الحجاز ام لا.

__________________

(١) دخلت التكية وبيت باناجه في توسعة المسجد الحرام كما دخلت دار الامارة في توسعة شارع الملك سعود.

٥٩٤

العهد العثماني الثاني

محمد بن عبد المعين للمرة الثانية : عاد محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في عام ١٢٥٦ الى ينبع فالمدينة بعد ان مر بمواطن حرب وعمل على اقرار احوالها كما اسلفنا وقد أشرف أثناء ذلك على ترحيل الجيش المصري الذي يعسكر في مواطن حرب ثم تابع سيره الى المدينة وأقام فيها أشهرا رتب في أثنائها أعمالها الادارية على اساس الحكم العثماني الجديد.

وكان ابنه عبد الله قد سبقه في هذه الأثناء الى مكة وقام بشؤون امارتها نائبا عنه ولما وافت أشهر الحج من السنة نفسها وصل محمد بن عون الى مكة فشرع في تنظيم ترحيل الجيش المصري منها.

وصدرت اليه أوامر العثمانيين بتعيين عثمان باشا شيخ الحرم المدني في ادارة الحامية بجدة مع اضافة مشيخة الحرم المكي اليه وتوجيه مشيخة الحرم المدني الى شريف بك مدير المدينة سابقا فانتقل عثمان باشا الى جدة وباشر اعماله الجديدة فيها وأناب عنه في مشيخة الحرم المكي عبد الله بن محمد بن عون امير مكة.

وتشكلت لجنة على اثر هذا لتصفية الاموال المصرية في الحجاز فاحصت جميع الأرزاق والمهمات والذخائر الموجودة بها للمصريين وقومت ذلك بأثمانه وأبقته في الحجاز بعد ان تعهد العثمانيون بقبوله مما تستحق لدى مصر من الخراج المقرر عليها للعثمانيين.

وبحثت اللجنة موضوع المرتبات التي رتبها محمد علي باشا لكبار (صورة مرسوم اثرى ويبدو من قراءته انه احد المراسيم التى اصدرها عبد المطلب الى امراء النواحى بمناسبة توليته وقد وجد ممزقا فى الأطراف التى لم تظهر الكتابة فيها) الأشراف وغلال الصدقة التي خصصها للمحتاجين في مكة فاستقر أمرها على بقائها كما كانت بعد تحويلها الى الخزانة العثمانية وقد وافق الخليفة على هذا الاجراء وأقره كاملا (١).

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٣١١

٥٩٥

٥٩٦

ولادة عون الرفيق : وفي هذه الأثناء ولد للشريف محمد بن عبد المعين ابن عون ابنه الشريف عون الرفيق وذلك في اواخر ذي الحجة عام ١٢٥٦ في بيت بالشامية يقال له دار الجيلاني (١) وهو اليوم مستودع للكتب التي وقفتها الحكومة بجوار بازان الشامية وظل الوفاق تاما بين الامارة ووالي الأتراك في جدة عثمان باشا عدة سنوات ثم نمي الى عثمان باشا ان بعض الأشراف المختصين بجباية الزكاة يتلاعبون بأموال الخزينة فأغلظ لهم القول فاستاء محمد ابن عون من ذلك فبدأ الخلاف بين السلطتين واشتدت وطأته في عام ٦٠ و ١٢٦١ ثم انتهت الاخبار الى تركيا فأمرت بعزل عثمان باشا من ولايته ووجتها الى شيخ الحرم المدني في عام ١٢٦٣ وقد مات عثمان على اثر وصول الخبر وتسلم الاعمال في جدة شريف باشا (٢).

قتال نجد : وفي العام نفسه ١٢٦٣ توجه محمد بن عبد المعين بن عون على رأس جيش مقاتل الى نجد بامر من العثمانيين لقتال امام الرياض فيها فيصل بن تركي ، فلما انتهى الى القصيم توسط اهل القصيم في الصلح بين الفريقين وقبل امير الرياض ان يدفع للخليفة في تركيا خراجا سنويا قدره عشرة الاف ريال.

وفي عام ١٢٦٥ و ١٢٦٦ أنعم العثمانيون على عبد الله وعلي والحسين وعون ابناء محمد بن عون باوسمة ثم منحوهم رتبة الوزارة.

قتال عسير : ونشبت بعض الفتن في عسير ثم في اليمن فأمرت الدولة العثمانية محمدا بن عون ان يقود جيوشها في مكة لتأديب العصاة فسير ابنه

__________________

(١ و ٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٥٩٧

عبد الله الى بني عسير فعقدوا معه صلحا في عام ١٢٦٥ ثم سار بنفسه على جيش الى اليمن ففتح مدنها واحتل صنعاء عاصمتها وأقام تنظيمها بالشكل الذي أراده العثمانيون وذلك في السنة نفسها عام ١٢٦٥ (١).

الاوقاف السلطانية : وتولى الحكم في غيابه أثناء حرب اليمن حسيب باشا الوالي التركي فعني بامور الشرع كثيرا واستعان في احكامه بمجلس يضم رجال الافتاء من المذاهب الاربعة الا انه ما لبث ان اختلف معهم فقد اراد الوالي انتزاع الاوقاف السلطانية من ايدي الناس الذين استولوا عليها بالفراغات الشرعية فلم يمكنه العلماء من ذلك (٢) واصر مفتي مكة السيد عبد الله المير غني على مخالفته فعزله وولى منصبه السيد محمد الكتبي فلم يوافقه فيما اراد وتطور الخلاف بينه وبين العلماء ثم انتهى الى بحث دار بالصفا كان قد بناها عبد الله بن عقيل شقيق السيد اسحاق بن عقيل في فراغ من الاوقاف السلطانية ، فلما شعر عبد الله بخطورة المسألة استكتب العلماء والاعيان مضبطة ضد الوالي وفر من ليلته الى تركيا حيث اتصل بالخليفة وقدم شكواه فأمر الخليفة بعقد مجلس من العلماء فأفتوا بعدم جواز انتزاعه فصدر أمر الخليفة بمنع الوالي من انتزاع الأوقاف كما صدر أمر شيخ الاسلام باعادة المفتي المعزول في مكة ، وقد حمل عبد الله بن عقيل الاوامر الى مكة فامتثل الوالي لها ثم ما لبث ان عزل من وظيفته في اواخر عام ١٢٦٦ وتولى مكانه عبد العزيز باشا الملقب «آقة باشا» (٣)

وفي منتصف عام ١٢٦٧ تلقى «آقة باشا» أمرا من دار السلطنة بترحيل محمد

__________________

(١) خلاصة الكلام ٣١٤

(٢) الأصل في الفراغات الشرعية ان أصحاب بعض الدور الموقوفة كانوا يفرغون أي يملكون الانتفاع بها ما دام الدار قائما فاذا هدم عاد الملك لصاحبه الأول.

(٣) خلاصة الكلام ٣١٥

٥٩٨

بن عون وأبنائه الى تركيا فبلغهم ذلك فامتثلوا للأوامر وغادروا مكة متوجهين الى تركيا ، وبذلك انتهت امارة محمد بن عون للمرة الاولى بعد ان اقام ٢٤ سنة.

وأقام «آقة باشا» الشريف منصورا بن يحي من ذوي زيد وكيلا للامارة الى ان يصدر أمر الخليفة في ذلك ثم رأى ان يرشحه لدى السلطنة فكتب بذلك الى الخليفة وأرفقه بمضبطة موقعة من الأشراف والعلماء ، الا ان دار السلطنة لم توافق على ترشيح منصور بن يحي واختارت لامارة مكة عبد المطلب بن غالب (١).

والغريب ان مؤرخي مكة لم يتعرضوا لذكر السبب الذي من اجله عزل محمد بن عون من امارة مكة بعد خدماته الطويلة للعثمانيين وبعد الذي تجلى من رضائهم عنه في منح أبنائه أوسام الشرف وألقاب الوزارة ، والذي أظنه أن عبد المطلب الذي ابت عثمانيا توليته قبل محمد بن عون ارضاء لمحمد علي باشا صاحب مصر استطاع بعد ان عادت الحجاز الى عثمانيا ان يسدد مساعيه في دار السلطنة حتى ظفر بعزل محمد بن عون وتوجيه الامارة اليه.

وفي أثناء اقامة أولاد محمد بن عون بالاستانة ولد للشريف علي بن محمد ابن عون ولد في عام ١٢٧٠ أسموه «الحسين» وهو ملك الحجاز فيما بعد وصاحب النهضة العربية كما سيأتينا (٢).

عبد المطلب بن غالب للمرة الثانية : وانتهى عبد المطلب الى مكة في ذي القعدة من عام ١٢٦٧ فباشر أعمال امارته للمرة الثانية على اثر نزوله في داره بالقرارة (٣) وعندما أهل عام ١٢٦٨ توجه لتأديب بعض العصاة في ديار حرب

__________________

(١ و ٢) افادة الأنام «مخطوط»

(٣) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٣

٥٩٩

فأطاعوه وتركوه يبني في ديارهم بعض التحصينات وهي قلعة بدر وقلعة الحمراء وقلعة الخيف وقلعة بئر عباس ، وقد اقام بعض العساكر فيها لحماية تلك الجهات (١).

وما لبث أن اختلف مع عبد المطلب «آقة باشا» الوالي العثماني فاستطاع ان يثبت أخطاء آقة باشا ويرسل بها الى دار السلطنة ويستصدر امرها بعزله وتولية احمد عزت باشا امير الحج الشامي وكان من أصدقاء عبد المطلب وذلك في اواخر عام ١٢٦٩ واحمد عزت هو اول من بنى دارا في الزاهر بجوار شهداء فخ وجعلها منتزها له ، ثم ما لبث عبد المطلب ان اختلف مع احمد عزت فاستصدر امرا من الاستانة بعزله وقد تولى مكانه كامل باشا في رجب سنة ١٢٧٠ (٢).

ويذكر الدحلان (٣) ان من اهم أسباب الخلاف بين عبد المطلب وولاة الأتراك أن الولاة كانوا يتصلون بشيخ السادة اسحق العلوي ويستشيرونه في أمورهم بمقتضى توصيات خاصة تصلهم من كبار رجال السلطنة في تركيا وان شيخ السادة المذكور كان صديقا حميا للشريف محمد بن عون فكان يسعى في دار السلطنة بالتوصية على شيخ السادة وضرورة استشارته فلما شعر عبد المطلب بذلك اشتد عداؤه لشيخ السادة وقد عزله من منصبه ثم ما لبث أن أمر بالقبض عليه في بستانه بالهجلة وارساله الى الطائف فلما علم الوالي التركي كامل باشا ندب بعض الخيالة لادراكه في طريق الطائف فلم يستطيعوا الى ان يقول وقد عزر شيخ السادة على اثر وصوله ثم سجن في القلعة بالمثناة يومين ثم توفي فجأة فاتهم عبد المطلب بوفاته فزعزع ذلك من مكانته.

__________________

(١) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوي «مخطوط»

(٢) خلاصة الكلام ٣١٦

(٣) المصدر نفسه ٣١٧

٦٠٠