تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

من متقشفي الآفاق فما يمنعهم ان يصرفوا عنه الاذهان وبحسبهم الانتساب المشرف والتبعية في الجملة.

والاهم من هذا ان اصحاب الحل في هذا البلد من الاشراف جماعة لا تلين قناتهم للمستعمر الذي يتغلغل في ثناياهم ويتصل برعاياهم فيهيء منها ما يريد ، ان دون ذلك أهوالا تكلف العثمانيين في رجالهم وأموالهم الباهظ الذي لا ترجى نتائجه فما يمنع العثمانيين أن يلتجئوا الى أيسر السبيلين فيقبلوا ما يصفو لهم من الطاعة لقاء دريهمات يسخون بها لجيرة البيت كما يسخو الثري بنصيب من زكاته على المعتكفين في المساجد من الفقراء.

لذلك قنع العثمانيون في هذا البلد بشرف الانتساب والتبعية في الجملة واعتبروا اصحابه مجموعة متواكلة اعتكفت بجوار الحرم لتطوف الحجاج وتخدم الزوار وتدعو للخليفة السخي وبذلك تركوا اشرافهم يدبرون شؤونه بالشكل الذي يريدون ويقاتلون عليه بالسلاح الذى يشاؤون ، وظلت الدولة في مقامها بدار السلطنة تتلقى اخبار الكوارث والفتن فلا تؤيد ولا تعارض بل تعد مراسمها بالتولية والعزل وكأنما كانت تجعل مكان الأسماء خاليا لتملأه في الوقت المناسب بالأسماء الجديدة من الأشراف الذين ظفروا بالغلبة والتفوق.

وانها سياسة اضرت بالبلاد بقدر ما نفعتها لان كرباج الاتراك الذي ألهب ظهور الرعايا العثمانيين في البلاد المجاورة لم يجد سبيله الى ظهور الاهالي في هذا البلد وأنى يجد السبيل وفي حكام البلد من الاشراف من لا تكسر الكرابيج شأفته.

٥٢١

وقد نرى العثمانيين في عهد متأخر ينتصرون في أحيان قليلة لبعض الأشراف على بعض ويصدرون اوامرهم بعزل البعض وتولية الاخرين وقد يشفعون اوامرهم بقوة عسكرية تصاحب امير الحج الشامي او المصري لتنفيذ اوامر الخليفة الا أن أمر الخليفة لا يخرج في مجموعه عن عن السياسة العامة المقررة فالامارة لا تنقل بالعزل الا الى قريب من المعزول : أخيه أو أبيه أو فرد من بني عمومته وهي في بعض الاحيان تنقل ثم تعود بالتغلب فلا يملك الخليفة الا ان يبرم ما نقضه أمس أو ينقض ما كان قد ابرم ، ذلك لأن علاقته السياسية لا تبيح له التغلغل الا بقدر ، ولا تتيح له التولية او العزل الا في حدود لا تتعدى نطاق بيوت الاشراف الحاكمة.

وكانت قوة جدة التركية ثم قوة مكة فيما بعد لا يزيد عددها في اكثر الاحيان عن ستة «بلوكات» وكان رؤساؤهم اذا وقعوا في مشاكل ادارية لعب السيف بينهم وبين الاشراف كما لو كانوا اناسا عاديين لا تميزهم شارة الخلافة وقد يتم الظفر لهذا الجند فينادون بسقوط الامير وتولية قريب من بيته وقد يهزمون فيشردون في البوادي حتى تنتهي اخبارهم الى دار السلطنة فيندبون غيرهم ويوصونهم بالسكينة والهدوء.

وكان للأمير جند خاص به قوامه عدد من مرتزقة اليمن وبعض البدو من اطراف مكة يضاف اليهم احيانا بعض المرتزقة من مجاوري المغاربة والحضارم والافغانيين وكان يصل تعداد الجند الى بضعة آلاف سوى العبيد الذين يصل تعدادهم أحيانا الى ما يزيد عن الالف.

واذا دعا داعي الحرب اعتمد الامير الى جانب جنده في الدفاع على بعض الموالين له من القبائل شرقي مكة وغربها وجنوبها وبذل لهم من امواله ما

٥٢٢

يرضيهم ، ويعتمد الى جانب ذلك على السوقة من المواطنين في احياء مكة بعد ان يجمعهم من طريق مشايخهم في الحارات.

وكان رجال السوقة في مكة ويسمونهم «اولاد الحارة» يمتازون بجزء كبير من الحمية والجرأة وذلك بحكم نشأتهم في بيئة معرضة للفتن والقلاقل وحاجتهم الى الذود عن بيوتهم في أثنائها بينما يمتاز رجل القبيلة بالخفة واحكام الهدف بحكم نشأته في الجبال السامقة وحاجته الى سرعة العدو وتسديد الرمي ، أما العبيد فشأنهم اعلى من ذلك لأنهم يدافعون عن نفوذهم وسلطانهم في البلد وهما رهينان ببقاء سيدهم في دست الامارة.

ومن قواعد الاشراف النبيلة أن الشريف المغلوب لا يخشى الغائلة على اهله اذا اجلى عن مكة وفي استطاعته أن يكل امرهم الى من يختاره من كبار الاشراف ليظلوا في سربهم تحميهم القاعدة حتى يستدعيهم رب العائلة الى حيث أراد او يعود اليهم ظافرا بامارته المنزوعة.

وكانت حروف الاشراف قبيل هذا العهد قوامها السيف والخيل والعصا ثم اضيف الرصاص في اوائل هذا العهد ثم ما لبثوا أن استعملوا المدافع وكانوا كثيرا ما يتخذون من بيوتهم حصونا ومن نوافذهم متاريس ومن شوارع مكة ميادين لقتالهم فكان أصحاب الحوانيت عرضة للنهب والسلب في كل مناسبة كما كان أصحاب البيوت لا يأمنون على اموالهم فيها اثناء الحروب وكثيرا ما اتخذوا من عرصات المسجد وأروقته ميادين لقتالهم خصوصا في فتنتهم مع الترك ذلك لأن بيوتهم كانت تحاذي المسجد من بعض جوانبه فيضطر الخصوم لقاتلتهم من الجوانب التي تحاذي المسجد من أضلاعه الأخرى وقد يحتدم القتال فيتصل بالمسجد.

٥٢٣

وكانت مكة لا تتمتع باستقرار حتى تفاجئها حركات ثورية جديدة لان اشرافها كما اسلفنا يحتكمون في خلافهم على الامارة الى سيوفهم فتتعرض البلاد في اكثر سنيها الى فتن شعواء وقد تتجدد الفتن في العام الواحد لاكثر من مرة.

أما مواسم الحج فيها فكثيرا ما كانت تتعرض لهذه الفتن ويتعرض الوافدون اليها لأهوال لا تطاق ولعل للدولة العثمانية أكبر الأثر في اثارة الفتن أيام المواسم لان اوامر عزلها اذا استطاعت العزل ترسلها الى مكة صحبة الحاج الشامي وتكل اليه امضاءها بقوته العسكرية فيمضيها في أوقات الموسم

وفي اواخر العهد الذي ندرسه ـ حوالي القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري ـ كانت اوامر الخليفة ترسل من طريق الوالي في مصر ليبلغها الى الامير في مكة او ينفذها بقوة من عسكره المرابطين في مصر ولهذا وهم بعضهم عندما جسب ان مكة كانت تتبع الوالي في مصر والواقع أن امراء مكة كانت علاقتهم بالولاة في مصر علاقة العميل بالوسيط الذي يثق فيه الخليفة ويقدر عنصره التركي كما اسلفنا في صدر هذا الفصل.

ولا يستطيع الباحث اذا اراد أن يحصي ظروف الاستقرار والاطمئنان في مكة طيلة هذا العهد الذي نؤرخه أن ينتهي الى نتائج سارة لأن مكة بقيت معرضة لسلسلة من الفتن يعز حصرها وتعدادها ولعلها لم تهدأ ولم يقر لها قرار في غضون ذلك نحو ثلاثة قرون الا مددا قصيرة متفاوتة لم يزد مداها في اطول الاوقات عن عشر سنين اذا استثنينا العهد الذي كان يحكمه بركات وابنه أبو نمى الثانى وحفيده حسن وهو عهد لا تزيد مدته عن ٨٠ سنة.

٥٢٤

تمثيل اجنبي : في أواخر هذا العهد عرفت البلاد التمثيل السياسي الاجنبي فقد وصل أول قنصل انكليزي الى جدة في عام ١٢١٦ لمباشرة اعمال القنصلية فيها فاتخذ دارا خاصة بذلك رفع فوقها راية البريطانيين لأول مرة في تاريخ التمثيل السياسي الأحنبي ولم يكتمل القرن حتى تعدد التمثيل في جدة وأصبح للفرنسيين والروسيين قناصل في جدة (١)

لم يتسع عمران مكة في أوائل العهد العثماني كثيرا عما كان في عهد الشراكسة فان القطبي وقد عاش ردحا من صدر العهد العثماني الأول ومات في عام ٩٨٨ ذكر في كتابه الاعلام «أن مكة كان مبدؤها المعلاة ومنتهاها من جهة المسفلة قرب مولد سيدنا حمزة لصق مجرى العين حيث تنزل اليه من درج ويقال له «بازان) (٢) ونهايتها الشبيكة من جهة جدة وعرضها من وجه جبل يقال له الآن «في عهده» جبل جزل بكسر الجيم وفتح الزاي وتشديد اللام قد سماه الأزرقي جبل الاحمر وهو يشرف على قعيقعان (٣) وقد سمي جزلا نسبة لطائفة من الجند كانت تلعب فيه بالطبل ويظهر ان السور الذي بناه قتادة حوالي القرن السادس لم يعد له وجود في هذا العهد لأن القطبي يذكر ان مكة في عهده لم تكن مسورة ثم يشير الى انها في عهده اصبحت عامرة بالسكان بعد ان كان في صباه يرى الحرم الشريف والمطاف خاليا من الناس ولا بد ان صباه كان في عهد سليم الفاتح ثم يقول ان شيخا معمرا من اهل مكة صدوقا عندما اخبره بأنه «شهد الظباء تنزل من جبل ابي قيس الى الصفا وتدخل الى المسجد ثم تعود لخلو المسجد من الناس وانه كان يرى سوق المسعى وقت الضحى خاليا من الباعة ويرى اهل

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) لعلّ مورد العين سمى «بازان» نسبة الى مهندس الموارد أو منشئها واسمه بازان.

(٣) يقول ياقوت ان جبل الأحمر هو جبل قعيقعان يعنى الجبل الذى بنيت عليه قلعة «الهندى».

٥٢٥

القوافل يأتون بأحمالهم من بجيلة فلا يجدون من يشتري منهم جميع ما جلبوه وان الاسعار كانت رخيصة جدا لقلة الناس وعزة الدراهم» انتهى ما يقوله القطبي عن شيخه المعمر ولا استبعد ان يكون المعمر عاش في اواخر عهد الشراكسة ، ثم يقول القطبي : أما الأن فالناس كثيرون والرزق واسع. (١).

جراية القمح : ونحن لا نشك ان سعة الرزق كان من اهم مصادرها جراية القمح التي عين ارسالها السلطان سليم في مبالغ عظيمة وافرة توزع كمخصصات سنوية على سكان الحرمين فقد وصلت الى مكة في عهده الاول ولأول مرة في تاريخ الجريات سبعة الآف أردب ارسلت منها الفان للمدينة ووزعت خمسة آلاف في مكة وقد دعا امير المحمل الرومي مصلح الدين الى اجتماع حضره قاضي مكة صلاح الدين بن ظهيرة الشافعي وقضاة المذاهب الثلاثة بمكة ونائب جدة وبعض الاعيان وقرأ عليهم المرسوم السلطاني الخاص بتوزيع هذه الغلال واستشارتهم في كيفية ذلك فذكروا له ان لا بد من عرض ذلك على شريف مكة بركات وأخذ رأيه فكتب بذلك الى بركات امير مكة فجاءه الجواب بتفويض المجلس فيما يراه فاجتمع المجلس واتفق أعضاؤه على التوزيع بموجب سجلات تدرج فيها اسماء البيوت في كل محلة وعدد ما في البيوت من رجال ونساء واطفال وخدم وان يستثني من ذلك التجار والسوقة والعسكر وقد بلغ تعداد السكان عدا من ذكر اثنى عشر ألف نسمة وقد خص كل فرد اربع كيلات فتسلموا حصصهم في ذلك مضافا الى ذلك دينار من ذهب.

وقد تزايد هذا القمح حتى صار معاش اهل مكة منه.

__________________

(٢) الأعلام بأعلام بيت الله الحرام ص ١١ ، ١٢ ، ١٣.

٥٢٦

وأمر السلطان سليمان بشراء بعض القرى في مصر من أمواله ووقف وارداتها على الغلة ترسل من مصر سنويا لتوزع في مكة بموجب الدفاتر السلطانية كما امر بزيادة المبالغ التي كانت ترسل صرا الى الحرمين.

وفي عهد سليم بن سليم بن سليمان زيدت الغلة سبعة آلاف أردب اخرى تحمل من الاوقاف السلطانية في مصر على ظهور الجمال الى السويس ثم تشحن في السفن السلطانية التابعة الى جدة او ينبع.

وهي فضائل قد يكون اجداد العثمانيين أرادوا بها المثوبة والاحسان او مجرد السمعة والدعاية او غيرهما الا اننا لا نشك ان ذلك أساء الى اهالي الحرمين اكثر مما احسن اليهم فقد عودهم قبول الاحسان بما في هذا التعود من خمول وكسل واذا علمنا ان هذه الصدقات ظلت جارية طوال قرون كاملة وانها كانت تتسع باتساع عدد السكان وان مخصصاتها كانت تعول جلة الاسر في مكة من العام الى العام علمنا نوع الاعداد الذي اعد فيه هذا الشعب وبطل تعجبا من تنشئة اجياله بالتعاقب على اقتناص الهبات والصدقات واستغنائه بها عن الخوض في مجال الحياة التي تخوضها امم الارض.

ولو فكر اولئك المحسنون في صرف تلك المبالغ التي لا يوفيها الحصر في احياء الاراضي الموت وحفر الآبار وتعميم المدارس تعميما شاملا وانشاء دور للصناعات لنشأت البلاد غير هذه النشأة التي تعاني مرارتها إلى اليوم.

وبحسبنا ان نعلم انه مر بالبلاد في هذا العهد الذي ندرسه غير قليل من النصب لأن الفتن التي كانت تنشب بين امرائها كثيرا ما تحول دون وصول

٥٢٧

المخصصات كما تحول دون الاستيراد التجاري فلو انشئت البلاد على الاستغناء بمنتوجاتها لكان موقفها غير ذلك.

وقد حدثنا الدخلان فيما ذك ر عن سني الفتنة فقال : ان قيمة الكيلة من القمح والارز كانت تبلغ مشخصين وان الرطل من السكر والشحم والزيت كانت تبلغ قيمته ريالين ولا نعرف فداحة هذا الغلاء الا اذا قارنا هذه الاسعار بما يورده الدحلان نفسه عن اسعار مثلها في ايام الرخاء فهو يقول ان الكيلة تبلغ قيمتها خمسة ديوانية والكيلة تعادل الصاع تقريبا وقيمة الرطل من العسل والزبيب اربعة ديوانية.

والذي أعرفه في عهد طفولتي أن الهللة الواحدة وهي خمس القرش الحالي كانت تساوي ثلاثين ديوانيا وكانت العملة الدارجة في هذا العهد الذي ندرسه هي النقد العثماني ومن انواعه كما يذكر الدحلان القرش ويساوي أربعين ديوانية وبذلك كانوا يشترون سبع كيلات من القمح بقرش واحد.

والذي يعرفه المعمرون أن القرش نوعان «قرش الصاغ» وهو ١٢٠ ديوانيا «والقرش الشرك» وهو أربعون ديوانيا والريال المجيدي يساوي ٢٠ قرشا صاغا و ٦٠ شركا. ومن أغرب ما يروى عن تكاليف العيش في هذا العهد ـ اذا استثنينا أيام الغلاء ـ ما يذكره الغازي نقلا عن الطبري والسنجاري ان أحد الائمة في المسجد لما حجر عليه وقد كبر سنه رتبوا له نفقته اليومية وهي قرشان وفي هذا ما يدل على متوسط نفقة الشخص في هذا العهد.

طريق الحجاج : وظل طريق الحجاج طوال هذا العهد على حاله في عهد المماليك يأخذ سبيله الى العقبة من الشام او مصر وقد عني الخلفاء من بني

٥٢٨

عثمان بمحطاته على طول الطريق وكانوا ينفقون على تحصين القلاع في العقبة والويلح وضبا والوجه من اموال الخزينة التركية المصرية وقد ظلت على ذلك الى العهد العثماني الثاني حيث انتقل فيه طريق الحج من السويس بحرا في سنة ١٣٠١ واستحوذ العثمانيون على قلاع العقبة والوجه ثم ألحقوها بامارة مكة نحو سنة ١٣١٠.

وكان حجاج الهند يصلون الى مكة برا من ايران والعراق ثم ركبوا السفن الشراعية في اوائل هذا العهد من ميناء سورت بجوار بمبي.

المحامل : وقلد العثمانيون اهل مصر والشام في ارسال محمل رومي خاص بهم من اول عام واتصل نفوذهم فيه بمكة سنة ٩٢٣ ولما وصل المحمل الرومي والمصري في ذلك العام خرج الشريف بركات للقائهما في ـ عرضة (١) من بني قومه فالتقوا في الزاهر فألبس وولده الخلع الخاصة وسارا مع الامراء والمحملان خلفهما الى ان وصلا الى باب السلام.

وادخل المحملان الى المسجد الحرام وجعل احدهما على يمين مدرسة الاشرف قايتباي والآخر على يسارها. وسكن الامير مصلح امير المحمل الرومي في المدرسة وسكن الامير المصري رباطا كان في مسيل الوادي هدم بعد ذلك لتوسعة المسجد ولم يحج في تلك السنة المحمل الشامي. (٢)

__________________

(١) العرضة نوع من الاستعراض العسكري تخرج القبائل المسلحة فيه لاستقبال زائرها يلوحون بسيوفهم ويلعبون ببنادقهم

(٢) وكان للعراق محمل ، قال الشيخ عبد القادر الجزيري في درر الفوائد. في حوادث سنة ٧٣٠ ه‍ : وحج العراقيون ومعهم فيل بعثه ابو سعيد خدابنده ملك العراقيين يحمل المحمل. ص ٣٠٢

٥٢٩

وفي سنة ٩٦٣ عرض الوزير مصطفى باشا المتولي على اليمن على السلطان العثماني ان يحدث محملا يجيء من اليمن فأذن له فوصل المحمل فخرج الشريف للقائه الى بركة ماجل (١) ولبس الخلعة ـ هدية اليمن ـ وانزلوا المحمل بالمعلاة واستمر مجيئه الى عام ١٠٤٩ ثم لم يذكر عنه شيء.

الطوافة : ويبدو ان مهمة الطوافة التي ذكرنا انها ابتدعت في عهد الشراكسة اتسع نطاقها قليلا في اوائل العهد العثماني لأن امراء الاتراك ورؤساؤهم كان لابد لهم من اشخاص يطوفونهم.

واذا كان اول مطوف عرفناه في عهد الشراكسة كان قاضيا في مكة فالدي يظهر ان الطوافة في العهد العثماني خرجت من سلك القضاة قليلا الى بعض الاعيان في مكة وقد تقدم بنا في حوادث عام ١٠٣٩ قصة محمد المياس الذي كان يطوف امير الترك واستطاع ان يحتال له في القبض على امير مكة بعد ان اغرى امير مكة بالوصول الى منازل امير الترك خارج البلاد حتى تيسر القبض عليه.

ومحمد المياس لم يرد اسمه بين قضاة مكة او علمائها ولكنه تبين من اعتماد امير الترك عليه في اغراء امير مكة انه من وجهائها وبذلك بدا لنا ان مهنة الطوافة انتقلت من القضاة الى الاعيان في مكة ولا بد انهم كانوا من المتفقهين.

الناحية العلمية : وظل التعليم في هذا العهد رهين البيوت التي تخصصت فيه وقد مر بنا في عهد المماليك قبل العثمانيين أن آل ظهيرة وآل النويري كانوا

__________________

(١) تسمى اليوم بركة ماجد او ماجن خطأ وصوابه «ماجل» والماجل في اللغة مجمع المياه وقد كان موضع البركة المعروفة مجمعا طبيعيا للمياه ثم بنى فيه بركة سميت بركة الماجل ثم حرفت الى ماجد أو ماجن ، والازرقي يقول في اسفل مكة ماجلان والمفهوم أن أحدهما كان مكان البركة.

٥٣٠

يضطلعون بأعبائه الى نهاية القرن التاسع فلما كان القرن العاشر وقد اتسعت فتوحاته بني عثمان وشمل نفوذهم الحرمين فما شمل بدأت الهجرة الى مكة تنفتح ابوابها وبدأت آفاق الاسلام تجد طريقها ميسورا الى مكة أكثر من ذي قبل فكثر المجاورون وتنوعت أصنافهم فكان منهم المنقطعون للعبادة والزهد ومنهم الراغبون في البطالة والخلود الى ظلال التكايا ومنهم العاملون الذين اغراهم الكسب في بلد مفتوح ومنهم العلماء الذين لذ لهم أن يجاوروا بيت الله الحرام وينشروا علومهم في أرجائه وقد ساعد الأخيرون على نشاط التعليم في اوائل العهد العثماني واستطاعوا بالاشتراك مع العلماء من أهالي مكة القدماء أن يضيفوا الى قائمة البيوت التي تخصصت للعلم أسماء جديدة وممن اشتهر في هذا العهد من البيوت القديمة آل الطبري فقد برز فيهم المشائخ أبو الخير بن محمد أبي السعادات وابراهيم بن أبي اليمن ومحمد بن أبي اليمن وأحمد بن عبد الله بن يحي والرضي بن يحي وحمد بن يحي وعبد القادر بن محمد وعبد الرحمن بن محمد وزين العابدين بن عبد القادر وعلي بن عبد القادر وعبد الله ابن محمد وفضل الله بن عبد الله ومحمد بن عبد الله وعلي بن فضل ومحمد بن علي وحسن بن علي وعبد الوهاب بن علي (١).

وكما اشتهرت منهم سيدة من جلة العلماء هي مباركة بنت عبد القادر الطبري (٢).

واشتهر من آل ظهيرة أبو الفتح وجار الله ويحي وأبو بكر بن احمد واشتهر آل القطبي في هذا العهد بشهرة الشيخ قطب الدين صاحب التاريخ المعروف وبرز

__________________

(١ و ٢) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط» حفقه واختصره الاستاذان محمد سعيد العامودى وأحمد على ، وطبعه نادي الطائف الادبي في رجب سنة ١٣٩٨ ه‍.

(٢) المصدر السابق

٥٣١

منهم المشايخ محب الدين أخو قطب الدين وابنه علاء الدين وعبد الكريم وابنه أكمل وحفيده أسعد وعبد الكريم ولبعضهم مؤلفات في التاريخ وكانوا يسكنون جوار الباب الذي كان يعرف في المسجد بباب القطبي وكان معروفا قبلهم بباب الفهود وقد انقرضوا الا امرأة كانت تسمى سعادة كانت تحت رجل يقال له عبد اللطيف فاغية أولدها ولدا ورث أوقافهم (١).

واشتهرت بعد هذين البيتين بيوت علمية من أبرزها آل الفاكهي وقد نبغ فيهم المشايخ عبد القادر وعبد الله بن أحمد وأبو السعادات محمد بن أحمد وآل السقاف ومنهم السادة ابو بكر بن محمد وأحمد الهادي وعلي بن محمد علي وعمر ابن عقيل ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن عمر وعبد الله بن علي ، وآل العيدروس ، وأشهرهم علوي بن حسين ومحمد بن علي ، وآل ابن حجر ومنهم رضي الدين وأحمد ، وآل العطاس ومنهم عبد الملك وأحمد وحسين وعبد الملك بن حسين وآل شيخان ومنهم أبو بكر وأحمد سالم أبناء شيخان وأحمد ابن أبي بكر ومحمد بن عمر بن شيخان (٢).

واشتهر آل المرشدي وأبرزهم في القرن التاسع الشيخ عيسى واصله من شيراز وكان معروفا بحسن الخط وقد كتب جميع طرازات المسجد التي كتبت في عهده ثم اشتهر بالعلم ابنه عبد الرحمن المرشدي وقد مر بنا اسمه في حوادث عام ١٠٣٧ وكانت دار عبد الرحمن المرشدي على يمين الذاهب من سويقة الى باب الزيادة الى المسجد وتحتها بئر .. وبآل المرشدي اشتهرت قرية من قرى وادي

__________________

(١) ذكر الشيخ عبد الله غازي في افادة الانام «مخطوط» ان سعادة كان لها اخ أسود اللون أمه زنجية يسمونه عبد الكريم القطبي وانه سوقى فقير يأوي الى مقاهي الخريق وانه توفي حول عام ١٢٧٠ عقيما

(٢) نشر النور للشيخ عبد الله ابو الخير

٥٣٢

فاطمة بقرب الشميسي ومن أشهر آل المرشدي المشايخ أحمد بن عيسى واسماعيل ومحمد بن امام الدين (١).

ثم آل المنوفي وقد قدم جدهم المنوفي في اوائل القرن الحادي عشر واشتهر امره بالتدريس وورث علمه بعض اولاده المشايخ عبد الجواد ومحمد وبعض احفاده المشايخ وابراهيم وحسن وزين العابدين أبناء سعيد ابن محمد المنوفي ، وكانت لهم مدرسة خاصة بهم وكان منهم نظار علي رباط العباس بين الصفا والمروة وقد انقرضوا وعاشت منهم امرأتان كانتا تتوليان نظارة الرباط المذكور الى القرن الرابع عشر وبأيديهما سجلات اوقافه السلطانية (٢).

واشتهر آل السنجاري واول من عرف منهم الشيخ تقي الدين السنجاري ذكره ابن معصوم في «السلافة» وقال انه كان من أفاضل العلماء وقد ظهر من بيته عدة علماء من أشهرهم علي ابن تاج وكان لهم وقف باول زقاق المسفلة على يمين الذاهب اليه من السوق الصغير ولا يزال باقيا الى اليوم في الحوش المقابل لحوش العمري وكانت بيوتهم فيه تطل على اول الهجلة ويذكر الشيخ عبد الله غازي (٣) نقلا عن الشيخ جعفر لبنى أن تلك البيوت آلت في عهده الى ذريتهم من البطون وهم بيت خوقير.

واشتهر آل الزرعة ومنهم الشيخ محمد بن أحمد الزرعة عاش في القرن الحادي عشر وكان من أجلة عصره وقد ورث عنه علمه أبناءه من آل الزرعة وكان جدهم من الهنود الفتن (٣) وبيتهم قديم في العلم والثروة وكان منهم تجار بالطائف ولهم فيه عقار معروف وقد افتدوا كثيرا من الاسرى بأموالهم من وقعة الطائف في عام ١٢١٧.

__________________

(١) افادة الانام «مخطوط»

(٢) فتن : بفتح الفاء وتشديد التاء المثناة فوق المفتوحة ، قرية بالهند

٥٣٣

واشتهر منهم الشاعر الشهير في القرن الثالث عشر ابو بكر زرعة كما اشتهر منهم عدة أئمة في المقام الحنفي ، وكان منهم الشيخ تقي الدين الزرعة وهو من أئمة المسجد ويمتهن التطويف وكان يسكن القشاشية واشتهر أولاده بعده ببيت «تقي» وهم معروفون الى اليوم (١)

واشتهر آل المفتي في القرن الحادي عشر ومن ابرزهم الشيخ ابو بكر بن عبد القادر بن صديق كان من الهنود الفتن (٢) وقد أنجب بيته كثيرا من العلماء تولى عدة اشخاص منهم فتوى المذهب الحنفي في مكة مدة طويلة في القرن الثاني عشر ومن اشهرهم ابنه عبد القادر وحفيده عمر ، ويذكر آل المفتي انهم ذرية أبي بكر بن الصديق وقد اطلعني أحدهم على نسبتهم وفيها ذكر الشيخ عبد القادر بن صديق الفتني وبذلك لا يستبعد ان يكونوا من آل الصديق رحلوا الى «فتن» ثم عادوا الى مكة والمرء مؤتمن على نسبه.

واشتهر من آل علان جماعة من أجله العلماء عاشوا في القرن العاشر والحادي عشر وكانوا ينسبون الى الصديق منهم الشيخ أحمد شهاب وكان من أئمة الصوفية والشيخ محمد علي بن علان وكان من نوادر عصره وقد اختير لتدريس صحيح البخارى في جوف الكعبة أيام عمارتها سنة ١٠٤٠ ويقول صاحب النشر (٣) انه لم يبق منهم الا رجل أوفى على السبعين في عهده كان يأوي الى بيت الوشقلي لأنه خالهم.

__________________

(١ و ٢ و ٣) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

٥٣٤

واشتهر من بيت باد شاه جدهم صادق باد شاه صاحب الحاشية على البيضاوي من كبار أهل التحقيق وقد حرف الناس لفظة بادشاه فصاروا يطلقون على هذا البيت باطشاه ويذكر الشيخ الغازي أن آخر رجل منهم كان اسمه عبد الله باطشه يسكن حارة الشامية وكان من ابطال الهوشات أقول : ولا يزال الى اليوم بعض اولاد الباطشة في أجياد ولعلهم من نسله (١).

واشتهر آل العتاقي وأول من عرف منهم هو المحدث المعروف عبد الله عتاقي زاده قدم من بلاد الترك في منتصف القرن الحادي عشر فطلب العلم في مكة واشتهر به ثم تولى الفتوى واشتهرت ذريته بعده بالجاه والغنى وكان لهم عقار بمكة والطائف من دور وبساتين وكان لهم عقار في قاعة الشفا ويذكر الغازي (٢) انها اليوم بيد رجل من بطون ذريتهم اسمه زيني عيد وكانت منهم أم لأحد بيوت مخلص تسمى عتاقية ، أقول : وقد ورث ما بقي من هذه الثروة أبناء زيني عيد الى اليوم وأحفاد لهم من البطون ينسبون لآل الكتبي وقد هدم عقارهم وهدمت قاعة الشفا في توسعة الشوارع.

واشتهر آل البصري وأول من عرف منهم هو المحدث المعروف عبد الله البصري من اعيان مكة في القرن الثاني عشر وقد أنجب الامام المحدث الجليل الشيخ سالم من كبار مدرسي المسجد الحرام وكان مرجعا معتمدا من مراجع الحديث ومن أحفاده عبد الله بن سالم ويحي بن محمد وكانا من كبار المدرسين كما ان من ذريتهم صدقة بصرى وكان شيخ الحمارين.

__________________

(١ و ٢) افادة الانام «مخطوط»

٥٣٥

لنفسه في رسالة أسماها اسبال الستر ذكر فيها سبع بطون من أجداده كانوا مكيين وانهم كانوا شافعيين ثم قلدوا أبا حنيفة وان مساكنهم كانت في شعب علي قبل أن تنقل الى زقاق الناشف بالشامية التي يسكنها أحفاده قبل أن ينتقل منها بعضهم ومن أشهرهم الشيخ عبد الحفيظ العجيمي وكان مفتي مكة وكانت منهم ام الحسين وهي معروفة بين الفقهاء ومنهم المشايخ محمد بن حسين وأبو الفتح ابنه وأبو بكر بن محمد بن علي (١)

واشتهر آل القلعي وأول من عرف منهم هو الشيخ تاج الدين القلعي من علماء القرن الثالث عشر الممتازين وكان من أئمة الحنفية وخطبائهم واشتهر بعده الشيخ عبد الملك وكان من نوابغ عصره كما اشتهر منهم القاضي عبد المحسن القلعي (٢).

وظهر من آل بافضل عدة علماء كانت لهم مؤلفات قيمة في فقه الشافعي واشتهر بهم الزقاق المعروف باسمهم في حارة الشبيكة وهو الصاعد الى جبل الهندي آخر من عرف منهم الشيخ صالح بأفضل كان منقطعا للتدريس والافادة في المسجد الحرام (٣).

واشتهر من آل الزمزمي ويسمونهم اليوم بيت الريس جماعة منهم المشايخ عبد العزيز بن علي ، محمود بن علي ، عبد العزيز بن محمد ، محمد ابن عبد العزيز ، ابراهيم بن محمد ، عبد اللطيف بن عبد السلام ، علي ابن

__________________

(١ و ٢ و ٣) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٥٣٦

عبد السلام ، ويذكر صاحب نشر النور أن جد هذه العائلة علي بن محمد البيضاوي قدم من شيراز عام ٧٣٠ فباشر عن الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن وصاحب خدمة بئر زمزم ثم تزوج ابنته فورث أولاده منها خدمة زمزم.

وفي كتاب نشر الأس «مخطوط» ان عليا البيضاوي قدم من العراق لا من شيراز وان ذلك كان في عام ٦٣٠ ثم دون بقية الخبر كما ذكره نشر النور.

اقول ولكن الشيخ أسعد ريس وهو من احفادهم في هذا العصر اطلعني على وثيقة تثبت انتسابه لآل الزبير ولا أرى في هذا ما يتعارض مع ما ذكره نشر النور أو نشر الآس فقد يكون احد اجداده هاجر من مكة فظل النسل بعيدا عنها الى ان عاد اليها علي بن محمد ، وينقل الشيخ رشدي ملحس في تعليقاته على أخبار مكة للأزرقي أن آل الزبير كانوا يتولون التوقيت للصلاة في المسجد ثم اضاف اليهم اولاد العباس خدمة زمزم «السقاية» على اثر انشغالهم بأعباء الخلافة.

واشتهر جماعة بالعلم من ال القشيري وآل باكثير وآل الآماسي وآل سفراييني وآل شمس كما اشتهر المشايخ تاج الدين الدهان وعثمان الدهان وبدر الدين العادل وحسين الديار بكري وشهاب الدين القدسي وعطية السلمي وعلي بن زمان ويحي المسكي وأبو الغيث الشجري وأبو فضل العقاد وأبو الفتح الحكمي واحمد العامودي واحمد الاسدي واحمد البسكري وداود الانطاكي الحكيم وربيع السنباطي الجبرتي وعبد الحي بن العماد وعبد الرحمن الهمذاني وعبد الله فروخ وعلي الجمال وعلي بن ابي البقاء وعلي بن سلطان وعلي بن زياد وعمر الشحري وعمر العادلي وعيسى الثعالبي ومحمد الشلي ومحمد الشاهد ومحمد بن سهيل ومحمد عاشور ومحمد العواجي ومحمد سنبل وابراهيم الخطيب

٥٣٧

وأحمد القطان وأحمد الرفاعي واسلم الحسيني وادريس الشماع وأمين الميرغني وجعفر البيتي وسالم بن الشيخ وعبد القادر المفتي وعبد الكريم الانصاري ومحمد تاج الدين ومحمد الوليدي ومحمد شيخان وجمال الدين الانصاري ومحمد الحباب ومحمد سعيد سنبل ومحمد الخطاب ومصطفى فتح الله وهاشم الأزرادي (١) وأعتقد ان أكثر هؤلاء لا يزال احفادهم يعيشون في مكة وان كانت ألقابهم قد تغيرت او استعيرت من أسماء من خلفوهم فنحن نرى بيت «تقي» نسبوا لاحد آبائهم واسمه تقي الدين مع أن أصل العائلة من «بيت الزرعة» وقد لاحظنا في اختيار الاسماء أعيان العلماء من الاهالي الذين توطنوا مكة ولم نذكر من المجاورين الا طائفة لا يتجاوز عددها أصابع اليد وكان بودنا أن نتوسع في سرد جميع أسماء العلماء في هذا العهد ونضيف اليهم أجلة المجاورين اعترافا بجهودهم في هذا البلد الا أن مجالنا لا يتسع لمثل هذه التفصيلات وقد أسهب الشيخ عبد الله أبو الخير في كتابه نشر النور الذي لا يزال مخطوطا الى الآن في تراجم مؤلاء العلماء وغيرهم ممن أغفلناه وهم الأكثرية الغالبة وليس على طالب التفصيلات الا ان يطالعه. (٢)

العمامة في مكة : وكان بودنا أن نعرف شيئا عن الزي الذي كان يرتديه العلماء في هذا العهد ولكننا لم نعثر على ما يدل عليه الا ان الشيخ عبد الرحمن الجبرتي وقد عاش في أواخر هذا العهد وصف الشيخ أبا الفيض محمد بن عبد الرزاق المرتضى فقال في (ج ص ٢٣٠) انه كان يعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش ابيض ولها عذبة مرخية على قفاه ولها حبكة وشراريب طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض اطرافها ظاهر.

__________________

(١) نشر النور للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط» طبع سنة ١٣٩٨ ه‍ وقد ذكر قبل هذا.

(٢) ذكرنا ذلك في اصلاحات العهد العباسي في الجزء الاول من الكتاب

٥٣٨

وقد عني العثمانيون في هذا العهد بشؤون التعليم عناية محدودة ولعلها تناسب عصرهم فأنشأوا المدارس الأربعة التى كانت بين باب الزيادة وباب الدريبة ليدرس علماء مكة فيها مذاهب الفقه وكان مكانها بيمارستان أنشأه المستنصر العباسي (١) وبعض اوقاف الملوك الشراكسة وعدة دور لأمير مكة الشريف حسن وقد استبدل البيمارستان بغيره ـ ولعله القبان في رأي الشيخ باسلامه ـ كما عوض البيوت الموقوفة بغيرها ، أما دور أمير مكة فقد قدمها بدون مقابل.

وعندما احتفلوا بالبناء في المدارس طلبوا الى قاضي مكة احمد النشانجي وضع حجر الاساس وتقدم بعده كثير من العلماء فوضع كل منهم حجرا في الأساس وذلك في ٢ رجب ٩٧٢ ه‍ ولما تم البناء عين العلماء للتدريس فيها واتخذ لهم فراشين ورسم لكل مدرسة خمسين عثمانيا في اليوم للانفاق على مرتبات الاساتذة والموظفين والطلبة وأنفد لها طريق الى المسجد كان يسمى باب السليمانية وحبس عليها بعض الموقوفات في الشام لتحمل الغلة اليها وتسلم الى ناظرها في مكة وقد ظل هذا الصر يحمل سنويا مع الركب الشامي مدة طويلة ثم اختفى مع الاوقاف التي اختفت آثارها في بلاد الاسلام وكانت المدارس موجودة قبل توسعة المسجد يشغل بعضها المحكمة الشرعية ورئاسة القضاة كما يشغل بعضها مكتبة الحرم المكي ، أما المدرسة الرابعة فقد تصرف فيها أحمد باشا خديوي مصر وأصبحت بعدها ممتلكة.

__________________

(١) ذكرنا ذلك في اصلاحات العهد العباسي في الجزء الاول من الكتاب

٥٣٩

وظيفة الفتوى : وكانت امور الفتوى في مكة في هذا العهد قد تخصص فيها بيوت العلم من المكيين بتأييد من العثمانيين خلافا لوظيفة القضاء التي اختص العثمانيون أنفسهم بها ليباشروا من طريقها جزءا هاما من ادارة الحكم الا ان الأهلين كانوا اذا شعروا بضيق الحكم في مجلس القاضي لجأوا الى استفتاء المفتي في قضاياهم فاذا افتى بصالحهم حملوا فتواه مكتوبة الى مجلس القاضي ، واستندوا عليها في استصدار الحكم ، وكان الاشراف حكام البلاد ينتزعون الفتاوى من اصحاب الفتوى ضد خصومهم ثم يطلبون الى القاضي ان يحكم بموجبها على اولئك الخصوم وكان لكل مذهب من المذاهب الأربعة مفتي مختص ويتولى رياستهم مفتي الحنفية.

وأول من تولى رياسة الفتوى في عهد العثمانيير هو الشيخ قطب الدين الحنفي المكي عميد آل القطبي ثم عبد الكريم القطبي عام ٩٩٢ ثم ابنه أكمل الدين القطبي في عام ١٠٢٣ ثم عبد الرحمن المرشدي عام ١٠٤٤ ثم السيد صادق بادشاه ثم امام الدين احمد المرشدي ثم الشيخ ابراهيم البيري عام ١٠٨٥ وممن تولى الافتاء بعد ذلك الشيخ محمد المكي الملقب بابن العظيم وولده عبد الله محمد مكي وقد ذكره صاحب النشر وقال انه كان يكتب على الفتوى حسبة وهو ابن عشرين سنة ثم تقلدها بعد ابيه وظل فيها الى ان توفي ويذكر ان الشيخ ابراهيم البيري تقلد الفتوى بعد عبد الله مكي وظل فيها الى عام ١٠٩٩.

وأهل القرن الثاني عشر والشيخ عبد الله عتاقي يباشر الفتوى وفي عام ١١٠٨ تولاها الشيخ عبد القادر بن صديق وفي عام ١١١٨ تقلدها الشيخ تاج الدين القلعي ثم اعيدت مرة أخرى الى سلفه الشيخ عبد القادر بن صديق بعد سنتين بأمر سلطاني وظل فيها الى أن توفي عام ١١٣٨ فتقلدها ابنه يحي.

٥٤٠