تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

وفي عام ١١٤١ تقلدها الشيخ عبد المحسن بن تاج الدين القلعي مده يسيرة ثم الشيخ علي مفتي عبد القادر ثم عادت الى الشيخ عبد المحسن وبقي فيها الى أن توفي عام ١١٨٧ وبوفاته تولى الشيخ عبد القادر يحي ثم الشيخ عبد الملك بن عبد المنعم القلعي في عام ١١٩٢ (١).

الاصلاحات العامة : وعني العثمانيون في هذا العهد ببعض الاصلاحات في شتى المرافق ومن اهم ما عنوا به عين حنين وعين نعمان فقد كانت عين حنين تجري الى مكة من عمل زبيدة كما كانت عين نعمان تجري الى عرفة وهي تنبع من ذيل جبل كرا فتمضي الى عرفة ثم مزدلفة ثم الى بئر بقرب مكة في اوائل عهد العثمانيين انقطعت العيون عن مكة وجعل أهل مكة يأخذون مياههم من الآبار في ضواحي مكة الى عرفات يقول القطبي : «وكان التجار يتاجرون بالمياه في يوم عرفات في عام ٩٢٢ فيبيعونه بأغلى الأثمان ثم قال وحججت في بعض السنين في خدمة والدي وانا في سن المراهقة ففرغ الماء الذي كنا نحمله فاشتريت قربة صغيرة يحملها الرجل بأصبعه بدينار ذهبا ، فأمر سليمان باشا باصلاح حنين حتى جرى الماء ودخل مكة وانتهى الى بركة ماجل في المسفلة كما أصلح عين نعمان الى عرفة سنة ٩٣١ وقد انشئت في عرفة بساتين ظلت تسقي بذلك الماء حتى صارت أرضها مرجة خضراء» (٢).

وقد عادت عين زبيدة الى النضوب فأمر السلطان سليمان في عام ٩٧٠ بتنظيف المجاري واصلاحها وقد بذلوا في ذلك أموالا طائلة ولما انتهوا الى بئر زبيدة دون مكة وجدوا أن الأرض الصخرية تحول دون الاستمرار في بناء المجاري

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) الاعلام باعلام بيت الله الحرام ص ٣٣٨

٥٤١

فحفروا حفرة هائلة العمق حول الأرض الصخرية وأوقدوا فيها الحطب بصورة أفنت جميع الحطب في الحجاز حتى تفتت الصخر واستطاعوا بناء المجاري التي اوصلت الماء الى بطن مكة وقد استغرق العمل نحو تسع سنوات (١).

الاصلاحات في المسجد : وعني العثمانيون بشؤون المسجد على اثر اتصال نفوذهم بمكة فان أمير المحمل الرومي الذي صحب المحمل في عام ٩٢٣ فكر في تمييز المقام الحنفي أكثر مما ميزه الشراكسة فهدمه في عام ٩٢٤ وجعله قبة كبيرة شامخة تقوم على أربع بتر «قوائم» مبنية بحجر الماء المنحوت (٢) جيء به من الحديبية «الشميسي وزاد في طوله وعرضه وأراد ايصاله بالمطاف فعارضه بعضهم لأن ذلك يؤدي الى قطع الصف الأول الذي يصلى خلف امام الشافعية فاقتصر به الى افريز حاشية المطاف ويبدو أن يعض علماء مكة ساءهم أن تحتل قبة المقام الفخمة وقوائمه العريضة جانبا وساعا من المسجد فسعوا لهدمه حتى صدر أمر السلطان في عام ٩٤٩ بهدم القبة المذكورة فنفذ الأمر «خشفلدي» نائب جدة ومباشر العمائر السلطانية وأعاد بناءه على أربع قوائم لطيفة «لعلها أقل عرضا من سابقتها» وستة أعمدة من الحجر الصوان فوقها عشرة عقود لطيفة ثم أنشأوا فوق سقفه غرفة للمبلغين عليها سقف جملي مغطى بالرصاص وفتحوا في أرض الغرفة فتحة يطل المبلغ منها على الامام وقد ظل على شكله «حتى هدم أخيرا» اذا استثنينا الاصلاحات والتحسينات التي تعاقبت عليه تواريخ مختلفة (٣).

وفي عام ٩٧٢ أجرى السلطان العثماني اصلاحات في المسجد ذات شأن فجدد سطح الكعبة المشرفة وفرش المطاف وأصلح بعض أبواب المسجد وصفح

__________________

(١) افادة الأنام

(٢) يسميه العامة «قاحوط»

(٣) عمارة المسجد للشيخ حسين باسلامه صفحة ٧٨ وما بعدها

٥٤٢

باب الكعبة وأصلح الميزاب وصفحه بالفضة المموهة وأنشأ المدارس الأربعة بين باب الزيادة وباب الدريبة لتدريس العلم وقد تحدثنا عنها في فصل الناحية العلمية كما بنى فوق المدارس منارة اكتملت بها سبع منارات للمسجد فقد كان له قبل ذلك ست منارات ، وظهر أن منارة باب الكعبة تطرق اليها الخراب فجددها وكانت على الطراز المصري في رأسها قبة تتعارض فيها ثلاثة اعواد تناط بها القناديل فأقيمت على الطراز التركي الموجود اليوم في منائر المسجد.

وفي عام ٩٧٠ جددوا منارة باب علي كما مدموا منارة باب السلام في عام ٩٨٣ وجددوها (١) وقد زالت هذه المنائر وحلت محلها المنائر الموجودة اليوم.

تجديد المسجد : وفي سنة ٩٧٩ ظهر أن جدار مدرسة قايتباي وبعض المدارس الأخرى بجواره مال الى الأمام قليلا وان ذلك أثر في بناء الأروقة حتى ظهر ميلها الى صحن المسجد فأمر أمير مكة باتخاذ الأخشاب الغليظة لاسناد الأروقة ثم رفع الى السلطنة العثمانية بالخبر فأمر السلطان سليم بالمبادرة الى بناء جميع المسجد بناءا محكما وأن يجعلوا سقفه قبابا بدلا من الأخشاب وندب لادارة ذلك أحمد «كتخداي» والمهندس المعماري محمد جاوريش الديوان العالي فبدأ الهدم من باب السلام في منتصف ربيع الأول سنة ٩٨٠ حتى كشفوا الجدار الى باب علي ثم شرعوا في بناء هذا الضلع مستعينين بالاسطوانات من الرخام التي أسسها الخليفة المهدي العباسي وأضافوا اليها أسطوانات آخرى بنوها من الحجر الشميسي الأصفر المأخوذ من الحديبية بالقرب من مكة ثم انتقلوا الى الضلع الآخر من باب الدريبة الى باب العمرة.

__________________

(١) عمارة المسجد للشيخ حسين باسلامه صفحة ٨٢ وما بعدها

٥٤٣

وكان السلطان سليم قد توفي أثناء ذلك فأصدر خلفه السلطان مراد خان أمره بالاستمرار في العمل فظلوا على ذلك حتى أتموا بناءه في أواخر سنة ٩٨٩.

وفي هذا العهد كان الطريق في وادي ابراهيم قد اعتلى عن مستواه بفعل السنين وكانوا يمهدونه في كل عشر سنوات مرة فأمر السلطان مراد بنقل الأتربة المتراكمة حتى عاد الى مستواه وقد ذكر القطبي أن القائم بأعمال العمارة أخبره أن مقدار ما أنفق في عمارة المسجد واصلاح الطريق حوله يقدر بمائة الف جتيه جديد (جنيه عثماني) عدا أثمان الأدوات المحمولة من مصر من أخشاب وحدائد وغيرها.

وكان الجانب الجنوبي من المسجد (حول باب ابراهيم) مكتظا بالبيوت والمدارس التي كانت تسبب ضيقا في مجرى السيل فأمر السلطان مراد بهدمها وجعلها أمكنة لمبيت الفقراء حتى لا يأوون الى المسجد كما أمر ببناء عدة حنفيات للوضوء على يسار الخارج الى الصفا وأخرى عند مدرسة السلطان قايتباي وقد هدمت الحنفيات المذكورة في عام ١٣١٥ لأن فضلات المياه كانت تلوث أبواب المسجد (١)

وفي سنة ١٠٠٣ أمروا بقلع حجارة المطاف وكانت من الحجر الصوان ففرشت في الحاشية التي تلي المطاف وفرشوا المطاف بالمرمر وفي سنة ١١١٠ جددوا الشاذروان الملاصق بجدار الكعبة وجعلوه من المرمر وفي سنة ١١٢٠ جعلوا في بئر زمزم شبكة من حديد منخفضة عن سطح الماء في داخله لتتلقى بعض المجذوبين الذين كانوا يلقون بأنفسهم في البئر وفي عام ١١٧٢ هدموا قبة رمزم وشيدوها

__________________

(١) عمارة المسجد للشيخ حسين باسلامه صفحة ٨٢ وما بعدها والاعلام باعلام بيت الله الحرام للقطبي ص ٣٨٨ وما بعدها.

٥٤٤

على الصفة الموجودة اليوم وفي عام ١١١٢ نقض بناء مقام ابراهيم ثم أعيد تجديده وشدت قطع الحجر «حجر المقام» بالفضة والرصاص ، وفي سنة ١١١٣ هدموا منارة باب الزيادة وأعادوا عمارتها وفي ١٥ ذي القعدة ١١٣٣ نقض بناء مقام ابراهيم وجدد مرة أخرى ، ثم رفع سقف مصلاه في عهد السلطان عبد العزيز حتى لا تنال القناديل رؤوس صورت المسجد فى العهد العثمانى الأول كما تخليه جيرالددى غورى مؤلف كتاب أمراء مكة وفى الصورة تبدو قبة زمزم الى جوارها نحو المغرب قبة الشراب والمحفوظات اللتان ازيلتا فى العهد العثمانى الثانى كما سياتى المصلين من طوال الرجال (١) وفي سنة ١١٤٠ أزيل البلاط من جميع المسجد وفرش بالحجر المنحوت فرشا محكما وهو الباقي الى الأن وعمر الشريف سرور منارة باب العمرة في عام ١٢٠١ كما هو مكتوب على بابها وبنى السلطان عبد المجيد الطبقة السفلى في بيت زمزم فيالعام نفسه (٢).

بناء مراد الكعبة : كان الجدار الشامي قد تشقق بسبب بعض الامطار في عام ١٠١٩ فلما انتهى الخبر الى الخليفة العثماني فكر في هدمه واعادة بنائه فلم ير علماء الأتراك رأيه واقترحوا ان تحزم الكعبة بحزام نحاس قوي يشد جدارها فوافق على ذلك وغلف الحزام بالذهب الخالص فبلغت نفقاته نحو ٨٠ الف دينار (٣) ويذكر السيد احمد دحلان ان الخليفة العثماني كان ينوي اعادة بناء الكعبة بحجارة موشاة بالذهب والفضة فمنعه شيخ الاسلام من ذلك ، وفي ١٩ شعبان سنة ١٠٣٩ هطلت أمطار عظيمة استمرت طيلة اليوم المذكور وبعض الليل وكان يصحبه برد شديد وسال في أثناء ذلك وادي ابراهيم سيلا عظيما طغت مياهه على المسجد حتى بلغ ارتفاعها باب الكعبة ثم فاض حتى ملأ الكعبة من داخلها وارتفع الى نصف جدارها فانهار جدارها الشمالي والشرقي وثلثا الجدار الغربي وسقطت درجة السطح وبلغ عدد ضحايا السيل يومها نحو ألف انسان

__________________

(١) عمارة المسجد ١٦٠

(٢ و ٣) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٥٤٥

فعم ضجيج الناس وهرع أمير مكة الشريف مسعود الى المسجد فزعا يتبعه وجوه الناس فأمر بنقل محفوظات الكعبة من الهدايا الى دار آل الشيبي ثم دعا الناس لتنظيف المسجد وازالة ما تراكم فيه من الطين وشاركهم في ذلك ثم نقل ما هدم من حجارة الكعبة الى حواشي المطاف (١)

وفي يوم السبت ٢٢ منه عقد الأمير مجلسا حضره علماء مكة في المسجد فاستفتاهم فيما يجب عمله فاتفقوا على وجوب المبادرة ببناء الكعبة من أموالها صورة الكعبة عندما فاض السيل فهدم جدارها فى العهد العثمانى الأول وهى كما تخليها جير الددى غورى فى كتابه امراء مكة المحفوظة بعد هدم ما تقتضيه الضرورة من جدارها ، وأن يكتبوا في الحال الى خليفة المسلمين ليبادر بالمساعدة اللازمة كما اتفق رأيهم على أن يستروا ما يحيط بالكعبة بأخشاب مكسوة بالحرير الى أن يتم البناء.

وفي ٢٥ رمضان وصلت الأخشاب الخاصة بالستر من جدة فشرع شمس الدين وهو مهندس من مكة في اقامتها حول الكعبة ثم أسدل عليها ستارا أخضر.

وشاع النبأ في بلاد المسلمين فأحدث هياجا شديدا وندب أمير مكة من يخبر والي مصر ليرسل بذلك الى الاستانة.

وفى ١٦ ربيع الثاني عام ١٠٤٠ وصل الى مكة مندوب السلطان مراد وبعد أربعة أيام رست في ميناء جدة سفينة تحمل المؤن والأخشاب وسائر الأدوات اللازمة للبناء.

وفي ٢٢ ربيع الثاني شرعوا النجارون يحيطون الكعبة بسياج من الخشب أوسع من السياج الذي نصبوه من قبل ليعمل البناؤون من ورائه في تعمير الكعبة.

وتوفي الشريف مسعود في أثناء قيام السياج وتولى الامر بعده الشريف عبد الله

__________________

(١) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ٩٣

٥٤٦

بن حسن بن أبي نمي فأشرف على أعمال الهدم والبناء وبدأ الحجارون يقطعون للكعبة أحجارا من جبل معروف في الشبيكة سمى جبل الكعبة ثم ينقلونها الى المسجد لتسويتها واصلاحها ، وقامت قيامة المعارضين فقد قيل لهم لابد بعد هدم الجدار الخربة أن يهدموا الجدار الباقي الذي تطرق اليه بعض الخراب من أساسه فاستنكروا ذلك وطلبوا أن يكتفي المهندسون بالترميم في الجدار الذي لم يصل الخراب الى أساسه ولكن المهندسين أجمعوا على التوسع في الهدم لتقوم الجدر على أسس متينة فاستشاط بعض المشائخ غيظا وألف الشيخ محمد علي بن علان الصديقي رسالة سماها «ايضاح تلخيص بديع المعاني في بيان منع هدم جدار الكعبة اليماني» ووزع سخا منها على المكلفين بالعمل (١) ومع هذا فالمفهوم أن جميع الجدر هدمت عن اخرها وبنيت من جديد على خلاف ما ظن المشائخ واعتقده بعض المؤرخين وبذلك (٢) يكون بناء الكعبة الماثل اليوم هو بناء العثمانيين ويؤيد هذا ما نقله السيد احمد دحلان من قصيدة أنشأها شيخ المعارضين الشيخ محمد علي بن علان الصديقي وقد ذكر فيها الكعبة الى أن قال :

ومن بعد ذا قد بنى البيت (كله!!)

مراد بن عثمان فشيد رونقه.

وكان متعهدوا البناء من مهندسي مكة وهم المعلم علي بن شمس الدين والمعلم محمد زين الدين وأخوه عبد الرحمن وقد سجل قاضي مكة ذلك عليهم قبل مباشرة العمل ، ثم أضيف اليهم أربعة من مهندسي مصر وبنائيها. وهكذا بدأوا العمل في نهاية جمادي الأولى سنة ١٠٤٠ بهدم الجدار الغربي ثم

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) ذكر ابن بشر في عنوان المجد في تأريخ نجد ج ١ ص ٤٦ ط ٢ ما نصه : استفتى محمد افندي الحاضرين من العلماء في نصب ساتر حول البيت تكون الفعلة من خلفه عند البناء ، فاختلفت آراء الحاضرين من قائل بالاستحسان ومن قائل بعدمه ، وكان من المستحسنين الامام علي بن عبد القادر الطبري ، وألف في ذلك رسالة لطيفة سماها سيف الامارة على مانع الستارة. الخ.

٥٤٧

الجدار اليماني ثم نقلوا حجر الركن اليماني كما نقلوا بقية الاركان الا الحجر الاسود ، وفي ٢٣ جمادي الثانية احتفلوا بوضع الأساس في الجدار الشامي وتقدم الشريف عبد الله بمباشرة ذلك ثم تبعه العلماء والأعيان ومندوبو العثمانيين والمصريين ووزعت الخلع والهدايا وذبحت الذبائح عند باب السلام وباب الصفا وباب الزيادة وباب ابراهيم ووزعت لحومها على الفقراء.

وقد ظل العمل مستمرا الى نهاية شعبان سنة ١٠٤٠ وفي غرة رمضان ألبسوا الكعبة كسوتها واحتفلوا بذلك ووزعوا الهدايا والخلع واستمروا بعد ذلك في عمل ملحقات البناء من تجصيص وترخيم ودهان واصلاح الى أن انتهت جميع الأعمال المتعلقة بذلك في ٢ ذي الحجة من السنة نفسها ١٠٤٠ (١).

وفي أثناء عملهم فيما يحيط بالحجر الأسود انفلق الحجر الى اربع شظايا فهالهم ذلك وأزعجهم فبادروا الى جمع الشظايا بمركب عجنوه بالعنبر واللادن فتماسك الى أمد طويل ثم تفكك فعالجوه بمركب من قلفونية واسبيداج وسندروس ومسك فتماسك أمدا ثم عاد الى التفكك فجيء بالمعلم محمود الدهان فاتخذ له مركبا خاصا تماسكت به القطع تماسكا تاما (٢).

وأمر مراد خان بتجديد باب الكعبة وارسال القديم اليه.

وفي سنة ١٠٧٣ انكسرت خشبة في سقف الكعبة فعمروا السقف وبنوا افريزا لسطح الكعبة عام ١١٠٠ ثم أصلحوا السقف عام ١١٠٩ ورمموا الكعبة سنة ١١٣٨ وقاموا باصلاحات أخرى (٣).

__________________

(١) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ١٠٧ وما بعدها

(٢) المصدر نفسه ١٠٩ وما بعدها

(٣) المصدر نفسه ٢٣٩ وما بعدها

٥٤٨

كسوة الكعبة : واختص العثمانيون بارسال الكسوة الداخلية (١) وكسوة الحجرة واستمرت مصر في ارسال الكسوة الخارجية من ريع أوقاف الكعبة بمصر فلما كان عهد سليمان شاه بن سليمان خان لاحظ أن أوقاف الكعبة التي وقفها الصالح اسماعيل «من الشراكسة» لا تكفي لسد نفقات الكسوة فأمر بشراء عشر قرى اخرى ووقفها على نفقات الكسوة الخارجية وظل ريع القرى يصرف على نفقات الكسوة طيلة عهد العثمانيين الأول حتى ألغى محمد علي باشا في مصر تلك الأوقاف وأحالها الى خزانة الحكومة المصرية لقاء صنع الكسوة من أموال الخزينة كما سيأتينا في عهد محمد علي باشا.

وقد أورد الأستاذ يوسف احمد مفتش الآثار العربية سابقا في كتابه «المحمل والحج» أسماء القرى التي اوقفها السلطان سليم فكان عددها عشرة قرى وفي هذا يقول (٢) :

رجوت حضرة صديقي المؤرخ البحاثة صاحب العزة محمود رمزي بك المفتش بالمالية سابقا أن يبحث عن أسماء القرى العشر الواردة في هذه الوقفية» (٣).

وهل هي موجودة الى الآن كلها أو بعضها وهل تغيرت الأسماء ، فتفضل علي بهذا البيان الطريف الآتي فله مني ومن جميع المسلمين خالص الشكر ووافر الثناء.

__________________

(١) كانت آخر كسوة داخلية للكعبة أرسلها العثمانيون هي التي ارسلها السلطان عبد العزيز بن السلطان محمود الثاني في ١٢٢٧.

(٢) كتاب المحمل والحج ج ١ ص ٢٥٧ وقد ألفه الكاتب على اثر قيامه بأداء الحج في عام ١٣٥٥

(٣) هي وقفية السلطان سليمان وقد نقل نصها في كتابه وهي مؤرخة في عام ٩٤٧

٥٤٩

بيان بأوقاف الكعبة

١

بيسوس

هي القرية التي تعرف اليوم باسم باسوس بمركز قليوب مديرية القليوبية.

٢

ابو الغيث

 تعرف باسم أبو الغيط بالمركز المذكور.

٣

حوض بقمص

 هو الحوض الذي يعرف اليوم باسم حوض بقيس بأراضي ناحية مرصفا بمركز بنها بمديرية القليوبية.

٤

سلكة

 هي اليوم أحد قرى مركز المنصورة بمديرية الدقهلية.

٥

سرو بجنجة

صوابه سر بججه وهي القرية التي تعرف اليوم باسم «السرو» بمركز فارسكور بمديرية الدقهلية.

٦

قريش الحجر

 هي القرية التي تعرف اليوم باسم «أويش الحجر» بمركز المنصورية بمديرية الدقهلية.

٧

منايل وكرم رحان

 هي القرية التي تعرف اليوم باسم المنايل بمركز شبين القناطر بمديرية القليوبية.

٨

بجام

 هي اليوم احدى قرى مأمورية ضواحي مصر ..

٩

منية النصارى

 هي القرية التي تعرف اليوم باسم منية النصر بمركز دكرنس بمديرية الدقهلية.

١٠

بطاليا

 بالبحث لم أجد بين أسماء البلاد المصرية قديمها وحديثها قرية بهذا الاسم وانما يوجد اسم قريب منه وهو طماليا احدى قرى مركز أشمون بمديرية المنوفية كما انه كان يوجد قديما قرية اسمها بتالي بولاية الغربية ولم أستدل على موقعها وعلى كل حال فهاتان القريتان هما خلاف قرية بطاليا المذكورة في الحجة بأنها ولاية الشرقية. / ه.

٥٥٠

في العهد السعودي الأول

كنا تركنا الشريف غالب يستقر أمره في امارة مكة في نهاية العهد العثماني الأول ورأيناه يرفض الاذن بالحج لسكان نجد ويشتبك معهم في قتال ، ونذكر في هذا الفصل أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت في هذه الأثناء قد عمت أكثر بلاد نجد ووجدت آل سعود في الدرعية خير معوان لنصرتها.

وغني عن البيان ان ظهور أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري وانه ما كادت تمضي بضع سنوات حتى كانت دعوته قد اشتهرت وقام بنصرتها في الدرعية جد العائلة السعودية المالكة واشتد الاقبال عليها بعد ذلك وكثر اتباعها من أحياء العرب حتى قوي أمرها واشتدت شوكتها وأصحابها من آل سعود (١) وكانت أخبار دعوتهم قد وصلت الى مكة في عهد الشريف مسعود بن سعيد بن زيد وترامت أنباؤها الى بعض أقطار الاسلام فحارب فكرتها بعض العلماء لأنهم رأوا فيها ما غير ما ألفوه ووجدوها تستنكر كثيرا من التقاليد التي علقت باهداب الدين وأقرها مشائخهم أجيالا بعد اجيال كبدع رأوها حسنة لفرط طيبتهم ورأى البعض لسذاجته أنها من نوع الأعمال الصالحة ولكن محمد بن عبد الوهاب أعلن شناعتها وانه يرفض كل ما لم يعرفه سلف الامة فاشتد نكيرهم عليه بدعوى انهم يقلبون البدعة ما دامت حسنة وبذلك زادت شقة الخلاف بينه وبينهم ورأى رجال السياسة من أنصار تركيا أن يشايعوا المنكرين على الشيخ ليأتلفوا جمهرة العلماء ويكسبوا لصفوفهم ملايين الاتباع

__________________

(١) ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في بلدة العينية شمالي غربي الرياض سنة ١١١٥ وتلقى مبادىء العلوم في بلدته ثم سافر لطلب العلوم فنبغ في الفقه والحديث واللغة ثم عاد الى نجد وشرع يحارب البدع والخرافات فثار عليه مواطنوه وأخرجوه سنة ١١٥٧ فهاجر الى الدرعية مقر آل سعود فرحبوا به وشرعوا يناصرون دعوته الى الدين.

٥٥١

الذين ورثوا هذه التقاليد ويحولوا في الوقت نفسه دون تجميع القبائل في بلاد العرب حول دعوة موحدة تجمع صفوفهم.

بذلك شاع العداء بين الفريقين في اخلاص حاد ، كانت جماهير المقلدين ترى ان محمد بن عبد الوهاب يتعسف في استنكار ما ألفوا عن مشائخهم ويحيلها الى بعض ألوان من الشرك وكان محمد بن عبد الوهاب لا يتورع عن مجاهرتهم بما يعتقد ويرفض جميع ما ألفوا من أنواع المجاز ويرد كل تفسير لا يعتمده سلف الأمة ويجاهر بأقسام الشرك التي شاعت بين المقلدين فلا عجب ان تحدث هذه الدعوة ضجة لها صداها القوي.

وأراد أصحاب الدعوة أن يحجوا في بعض جموعهم فأرسلوا الى الشريف مسعود بذلك فلم يواتفق على دخولهم وندبوا بعض علمائهم ليناظروا العلماء في مكة فلم ينتهوا معهم الى وفاق.

ثم أرسلوا الى الشريف مساعد بعده فأبى دخولهم ثم أرسلوا لأحمد بن سعيد فلم يوافقهم (١) ويقول ابن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد (٢) أن أحمد بن سعيد كاتب السعوديين في نجد فكتب اليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عام ١١٨٥ وأرسل بعض الهدايا فأجاب أحمد بن سعيد بطلب ارسال أحد العلماء فأرسلوا اليه عبد العزيز بن عبد الله بن الحصين والمفهوم من هذا أن الغرض من ذلك هو المناظرة الا أن ابن بشر لم يشر الى تلك المناظرة ولم يبين نتائجها ولعلها انتهت الى غير وفاق ثم أرسلوا الى سرور يطلبون الحج فوافقهم بشرط أن يتناول منهم ضريبة فأبوا ذلك عليه ثم تولى غالب فأرسلوا اليه فتهددهم ثم جهز عليهم جيشا لقتالهم في سنة ١٢٠٥.

__________________

(١) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) ج ١ ص ٥٨

٥٥٢

يقول الشيخ عثمان بن بشر وكان على الجيش أخوه عبد العزيز بن مساعد ونفر كبير من الاشراف وعدد غير قليل من القبائل كما كان يصطحب أكثر من عشرين مدفعا وطالت غيبة الجيش فأراد غالب أن يعززه بجيش آخر فجمع بعض القبائل وخرج يقودها بنفسه في ٢٣ شعبان ١٢٠٥ وقد اجتمع في طريقه بأخيه وبعد ان قاما ببعض الاعمال الحربية رتبا أمرهما للعودة الى مكة لقرب أيام الموسم فعادا اليها في اواخر ذي القعدة من العام نفسه (١).

واتصلت الاخبار بغالب في مكة أن بعض القبائل في تربة ورنية وبيشة (٢) انضمت الى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فجهز جيشا بقيادة أخيه عبد العزيز لقتالهم وغادر الجيش مكة في ربيع الثاني ١٢٠٦ فوصل الى الجهات التي ذكرناها وقد أطاعته القبائل فأقام عبد العزيز مدة في بيشة ثم عاد الى مكة (٣).

وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وفي هذا العام توفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد بعد أن دان لدعوته مئات الألوف في أنحائها الشاسعة (٤) ويقول ابن بشر وفي عام ١٢٠٨ سار صاحب شقرا بأهل الوشم الى الحجاز فنزل بعض بلاد عتيبة وغنم كثيرا من ابلهم وفيه سار مسعود بجيوش كبيرة الى الحجاز فأغار مرة اخرى على عتيبة ومطير فغنم منهم كثيرا (٥) وفيها ارسل الشريف غالب جموعا اخرى فالتقت بالنجدين على ماء يعرف بالجمانية في عالية نجد واشتبك

__________________

(١) عنوان المجد ج ١ ص ٨٦

(٢) هذه ثلاثة اودية تسيل من السراة بين الطائف وأبها ثم تجتمع في مكان يسمى (الفرشة) عند عرق سبيع (رمل بني عبد الله) وتسمى في مجموعها الوديان ، وجل سكانها سبيع والبقوم وشهران (ع)

(٣) تحصيل المرام للشيخ محمد الصباغ «مخطوط»

(٤ و ٥) عنوان المجد «ص» ٨٩

٥٥٣

القتال واشتدت وطأته وكثر القتلى في الطرفين (١).

الخوف من الفرنسيين : ووردت أخبار في عام ١٢١٣ بأن القيادة الفرنسية حملت على مصر وامتلكتها كما وردت الاوامر التركية بالحث على الاستعداد لكفاح الفرنسيين فيما لو فكروا في الزحف الى الحرمين فأصدر غالب أمره الى الأهالي والمجاورين أن يتعلموا استعمال السلاح واعد لذلك ساحة في جرول يخرج اليها في فرق عظيمة للتدريب والتعليم كما امر باصلاح سور جدة وتقويته استعدادا للكفاح ولكن الفرنسيين لم يفكروا في الزحف الى مكة (٢).

الصلح بين غالب والسعوديين : يبدو أن غالبا شعر بعد الذي عاناه في قتال نجد ان من الخير ان يتفق مع جيرانه في حدود واضحة تبينها اتفاقات خاصة تعين القبائل التابعة لكل من الطرفين وترسم الحدود الفاصلة بينهما فندب لذلك من يحمل كتبه الى الامام عبد العزيز بن سعود فعاد الجواب بالموافقة.

واستمرت المكاتبات واجتمع المندوبون من الطرفين فقرروا الحدود الفاصلة بين المملكتين وأقرت من الطرفين في مكة والدرعية (٣) كما جاء في شروط الصلح ألا يمنع النجديون من الحج وأن يعاملوا معاملة طيبة وبذلك بدأ حجاج نجد يفدون الى مكة في موسم عام ١٢١٣ وكان على رأسهم في هذا العام نفر من كبار علماء آل الشيخ.

نابليون بونابرت يكتب لغالب : وعلى أثر استقرار الفرنسيين في مصر كتب قائدهم الا على نابليون بونابرت يعرض على الشريف غالب في مكة بعض الاتفاقات التجارية وينذره اذا حاول قطعها فكتب اليه الشريف غالب الخطاب التالي :

__________________

(١) تحصيل المرام «مخطوط»

(٢) خلاصة الكلام ٢٦٣ هامش

(٣) كانت عاصمة آل سعود ، وهي اليوم على احد عشر كيلا شمالي غربي الرياض ، قد اقتربت منها مدينة الرياض حتى كادت تبتلعها ، ومع هذا تحتفظ الدرعية بكل مرافق المدينة المستقلة. (ع)

٥٥٤

من الشريف غالب بن مساعد شريف مكة المشرفة الى قدوة أعيان (اقرانه) الدولة الفرنساوية!! وعمدة أركان اخوانه المشهور بسداد همته الوافية بونابرته سر عسكر ومقدام كبرائهم في كل مصدر ، بوعد فداعي التحرير وموجب التسطير وصول كتابك واحاطة علمنا لما حواه خطابك وما ذكرت من وصول كتبنا وتصفح مضمونها وارسال القول الى طرفكم بما يوجب تبيان حدود رسومات أموال التجار في البلاد المصرية وجريان سماحنا لخمسمائة فرق الى آخر ما شرحتموه من الكتاب لصريح وثاقة صدق الاعتماد في كل مصدر من جهاتنا الحرمية ومطلوبك من ايصال الكتب المرسلة على يدنا لمحلها أحدها لولد حيدر تيبو سلطان والثاني لامام مسكت (١) والثالث لوكيلهم بالمخا (٢) فقد وصلت الينا وأرسلناها بيد معتمد من طرفنا لأصحابها طبق المرام وان شاء الله عن قريب يجيتكم الجواب وما كان من همتنا في جلب التجار الى الديار المصرية واعتمدنا لخطكم وأكيد قولكم فنرجو الله ما نعتمد خلافه وقد كان تجار بندورنا المعمور في روع من الاكاذيب المختلفة على أموالهم وصدورها لطرفكم وحين ورد منكم هذا القول الأكيد صمم كافة تجارنا على أسباب الجلب اليكم وتعهدنا لهم كامل ما توهمت به ضمائرهم من ضمان الامان على أموالهم وانما كان الانتظار منا لوفود من جهتنا ورسولنا المصدر اليكم فلما كان اليوم السابع من شهرنا هذا وصل المذكور الينا وبه كتاب وكيلك المعتمد الوزير برسيلك المعلن بمزيد الالتفات لوفادنا اليه وهمته في أمور مراسلاتنا من البن وغيره وهي خمسة مراكب مشحونة من طرف تجارنا وفيها مأمور هو مسطور أعلاها باسمنا فهو لنا وصحبتهم منحتنا ومراسلينا بالسنطور فالمطلوب عند وصولهم الى السويس أن

__________________

(١) هي مسقط : عاصمة سلطنة عمان. (ع)

(٢) ميناء يمني جنوب الحديدة ، وهي اليوم رابعة مدن اليمن بعد صنعاء وعدن والحديدة. (غ)

٥٥٥

ترسلوا من طرفكم عسكر يحافظون الى الأبنان ويبيعوها فعند اعادتهم بأثمانها كذلك تشيعوهم بالعساكر الى أن يدخلوا سفائنهم حرصا عليهم من خطر الطريق فاننا ما أمكن تأمين التجار على هذا المقدار الا بأشد علاج وما صدر هذا القدر الا بصدد التجربة من شدة ما تأكد عليهم لديهم من توهم الاكاذيب المتناثرة لأنه ما بيننا وبينكم الا العربان فاذا شاهد التجار مزيد من الاعتناء بأموالهم ومحافظاتها من مخاطرات الأسفار والاحتفال بإكرامهم هرعوا بالجلب الى مصر في كل آن ونرجو بهمتنا أن تسلك الطرقات وتنجح المبرات بأحسن ما كان من الامان ويكثر الوارد اليكم من الأسباب الحجازية لا سيما عند وجدان صدق مقالكم تتكون أسباب مصادقتكم فالآن مأمولنا منكم القاء النظر على ما هو لنا من البن حسب ما هو مرقوم اسمنا في ظهور (فروقنا) والالتفات لخدامنا ، وكذلك لا يخفاكم أن لنا عوائد ومرتبات في مصر مع سماح الخمسمائة الفرق دراهم نقدية ، وهنا بيان ما هو لنا بالديوان العالي في مصر الواصلة الينا صحبة الحاج مع كاتب الصرة وصيرفها :

قرش

عن الصرة الرومية

 ٥٤٠٠٠٠

ثمن سرس وشطرات

 ١٧٠٩١٧

معتاد بني حسين وبني تراب

 ٤٨٧١٧

عن أشراف بني تراب بدفتر متقاعد

 ١٩٥١٢

عن مرتب وقف الدشيشة الكبرى

 ١٢٥٣٢٥

عن وقف المحمدية بالثلث بدفتر متقاعد

 ٨٣٣٣٣

٥٥٦

حوالة كاتب الحرم بمكة عن أربطة

 ١٧٥٨١١

عن صرة شريف مكة انعام الدولة العلية

 ١٠٠٠٠٠٠

منها دواوين

 ٢١٦٣٦٧٩

ولنا في وقف الجامكية المستجدة يسلمها لنا أمين الحاج دواوين

 ٥٠٨٥٠٠

عنها ريال فرانسة ٥٦٥٠

حرر في ١٨ شهر ذي القعدة سنة ١٢١٣

ملاحظة :

كان عنوان غلاف الكتاب (عين أعيانه وعمدة أخدانه يونا بارته أمير الجمهور الفرنساوي بمصر القاهرة حالا ٨٦٤٢

وكان الختم مكتوبا في وسطه (عبده غالب بن مساعد سنة ١٢١٣)

وكتب في اعلى الخطاب (اسنادي الى الله)

وفي أسفله (اعتمادي على الله)

وفي احدى الجانبين (مرادي رضي الله)

وفي الجانب الآخر (اعتقادي في الله)

انتهى نقلا عن كتاب افادة الأنام

للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٥٥٧

العلاقات بين غالب ونجد : وحج السعوديون في العامين ١٢١٤ ١٢١٥ في جموع بالغة الكثافة وكان على رأسهم فيها سعود الكبير بن عبد العزيز وقد أهدى سعود غالبا هدايا عظيمة من الخيل والنوق وقابله غالب بمثلها ولم يدخل سعود مكة قبل الوقوف بل نزل بجنده في عرفة (١).

وكاد يقع بعض الاصطدام في أيام منى عام ١٢١٥ بين أتباع غالب وبعض السعوديين الا ان غالبا تدارك ذلك قبل استفحاله وساعده على ذلك شيوخ النجديين من ناحيتهم.

وكان غالب قد احتاط لكل ما توهمه فبنى فوق الجبال عند مداخل مكة بعض الابراج وحصن جميع المداخل ببعض اتباعه من القبائل (٢).

ولم يدم أمر الصلح بعد ذلك طويلا فقد اتصلت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بجنوب الحجاز فانضم اليها كثير من قبائل الحجاز على رأسهم شيخ محايل سعدي بن شار وشيخ بارق أحمد بن زاهر فغضب غالب وكلف وزيره في القنفذة ان يجهز عليهم حملة فكانت مقتلة عظيمة هزمهم فيها وزير القنفذة.

ثم علم انهم عادوا الى الدعوة فاستأنف قتالهم في عام ١٢١٨ ثم قاتل غيرهم من بني كنانة وغيرهم من أهل حلى في جنوب الحجاز في رمضان من السنة

__________________

(١ و ٢) خلاصة الكلام للسيد زيني دحلان ٢٦٦ هامش كتاب الفتوحات ج ٢ ، ويلاحظ ان كتاب خلاصة الكلام طبع طبعتين احداهما مستقلة والثانية طبعت على هامش كتاب الفتوحات الاسلامية للمؤلف نفسه وفي تحقيقنا اعتمدنا النسخة المستقلة ثم عن لنا العودة للتحقيق فلم نجد النسخة المستقلة ووجدنا النسخة المطبوعة على هامش كتاب الفتوحات فاعتمدناها ولتعيين النسخة الأخيرة نشير في شرحنا الى رقم الصفحة مع جملة (هامش كتاب الفتوحات)

٥٥٨

نفسها وقد ظفر جيشه بأغنامهم وأبقارهم وأموالهم فأخذها وسبى بعض العسكر أولادهم فباعوهم بمكة بيع الرقيق (١) لاعتقادهم الخروج على الدين.

وتتابع العصيان من القبائل على غالب في جنوب مكة وجنوبها الشرقي فظل غالب يندب سراياه من الجيش لقتالهم حتى بلغ عدد المواقع ما يزيد على ثلاثين موقعة (٢).

واتهم غالب جاره سعود بن عبد العزيز فكتب اليه في سنة ١٢١٧ بذلك فأكد له الاخير انه لا صلة له بما يحدث من عصيان القبائل ولم يقتنع غالب فكان الاحتكاك وكان التنافر وبذلك عاد الامر بينهما الى ما كان عليه من التنابذ والقتال (٣).

واشتبك الفريقان على اثر هذا الخلاف في موضع يقال له العبيلاء (٤) بين الطائف وتربة قبيل رمضان من عام ١٢١٧ ه‍ فارتد النجديون بعض الشيء ثم استأنفوا الهجوم فظفروا.

وكان على رأس المقاتلة النجديين وزير الشريف غالب وصهره عثمان المضائفي فقد انضم الى السعوديين على اثر خلاف بينه وبين غالب ثم ما لبث أن قاد جيوشهم وعسكر بها في بلدة «العبيلاء» (٥).

__________________

(١) خلاصة الكلام ٢٥٨ ج ٢ هامش كتاب الفتوحات

(٢) المصدر نفسه ٢٦٩ وما بعدها

(٣) خلاصة الكلام للسيد زيني الدخلان ج ٢ ـ ٢٧١ هامش كتاب الفتوحات

(٤) العبيلاء قرية لقبيلة عدوان من القرى التابعة للطائف

(٥) عنوان المجد في تاريخ نجد ١٢٢ ج ١

٥٥٩

ويذكر السيد زيني دحلان ان عثمان المضائفي أرسله غالب الى سعود مع جماعة يحملون كتبه التي يستفسر فيها عن نقض الصلح وان عثمان عندما قابل سعودا قدم طاعته واستعد للعمل معه لفتح مكة فأمره سعود على الطائف وتركه يعمل فلما عاد راجعا الى مكة مع جماعته تخلف في قرية «العبيلاء» وحده للعمل ضد غالب ثم اخذ يجمع القبائل المجاورة في سبيل ذلك (١).

وفي رمضان ارسل عثمان المضائفي الى حامية الطائف وعليها عبد المعين أحو الشريف غالب يطلب الانضمام الى الدعوة فشعر عبد المعين بدنوا الخطر فاستدعى بعض القبائل للهجوم على النجديين.

ونشط غالب في مكة فجمع جموعه من القبائل لمساعدة اخيه في الطائف ثم سار الاثنان في جيشهما شرقي الطائف الى العبيلاء حيث حاصرا عثمان المضائفي في جنده من النجديين في حصن هناك فلم يقويا على دكه بمدافعهما فأقاما حوله الى هلال شوال سنة ١٢١٧ ثم تركاه وعادا اليه فلم ينجحا في دكه فتركاه مرة اخرى وعادا الى الطائف.

وشعر النجديون ان في استطاعتهم الزحف بعد ذلك الى الطائف فساروا اليها حتى انتهوا الى القرب منها في ٢٥ شوال عام ١٢١٧.

وظل جيش غالب في الطائف بعد ذلك محصورا وبدأت القبائل تتفرق عنه واضطربت أمور غالب وبلغه أن بعض النجديين يزحفون على مكة فترك الطائف لدافع عنها جيشه بعد أن بذل للعربان أموالا كثيرة ليغريهم بالدفاع فكان يعطي الرجل منهم عشرة مشاخص ، ثم توجه الى مكة.

__________________

(١) خلاصة الكلام ٢٧٢ ج ٢ هامش الفتوحات. (ع) وأبناء المضايفي يعرفون اليوم بالمضايفية ، فرع من عدوان شرق الطائف. (ع)

٥٦٠