تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

أحمد السباعي

تأريخ مكّة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران - ج ١-٢

المؤلف:

أحمد السباعي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
ISBN: 9960-660-17-6
ISBN الدورة:
9960-660-18-4

الصفحات: ٧٩٣

عمه فكاد ان ينجح امرهم في جدة ولكن حسنا عاجلهم وقضى على آمالهم (١)

وفي هذه الاثناء قدم ابنه بركات من مصر فاشترك مع ابيه في ادارة الحكم (٢)

ولما امتنع بعض الاهالي بالقيم (٣) ووج والعقيق وليه وجبل السكارى في ضاحي الطائف من دفع بعض الضرائب التي اضافها حسن الى ما يجبى منهم في عام ٨٢١ سار اليهم في مقاتلته فخرب بعض املاكهم وحصونهم ومر في عودته بطريق نخلة اليمانية والزيمة فسولة فخيف بني عمير (٤) ثم الى وادي مر فصالحه فيها عموم القبائل المترددة على دفع الجباية.

وبلغ الشراكسة في مصر قسوته على معارضيه فاستاءوا منه ثم عادوا الى الرضا ، ويذكر ابن الفهد ان المؤيد صاحب مصر كتب الى الناصر صاحب اليمن يذكر استياءه من الشريف حسن وما اعقبه من رضا وفيه يطلب الى الناصر ان يشمله بنفس الرضا ومن أطراف ما جاء في الخطاب : «علمت أهل مكة بانكارنا لاعمال حسن فانكرت مشاركته في البيت ، وأخرجته من الحرم واغلقت الابواب وقالت هيت ، ولم تتعرف به عرفات لما طرد منكرا على وجل ، ولا امكنه ان يقول بعدها سآوي الى جبل ، ونزل بعد ذلك على الطور فقال له لسان الحال ، والبحر المسجور ان عذاب ربك لواقع ، الى أن يقول : ثم التزم بالتوصل الى رضاء الخواطر الكريمة ليفوز بالتفات العواطف «الناصرية» اليه ، وقد اجاب الناصر

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».

(٢) المصدر نفسه

(٣) اسمه لقيم ـ بتصغير الترخيم ، وهو وادى عقيق الطائف حين يصل المليساء ، فيقال : لقيم الاعلى ، واذا انحدر قليلا سمي لقيم الأسفل. ولكن عندما يقال وادي لقيم يخيل الى السامع القول وادى القيم (ع)

(٤) ويسمى الزيارة وعنده يطلق على الوادي وادي الزبارة ، وهو بعد مجتمع النخلتين ، وبنو عمير : بطن من هذيل لا زال يسكن هذه الناحية (ع)

٣٤١

صاحب اليمن فكان مما قال : انه «حسن» غزل الصداقة بعد القوة ، فحل عرى الرفض عروة بعد عروة فأحدث على التجار كل عام حادثة ، وكلما تضجروا من واحدة انبعها ثانية وثالثة الى ان يقول : وقد أرسل ولده وشرط على نفسه هذه الشروط الصادرة ، وقد تحاملنا له على التجار ليطيب خاطره ، وأردنا ان يكون تمام ما بدا به المقام الشريف على يديه ويعرف ما شرط على نفسه لينفذه ويقضي به عليه ، الى آخر ما جاء فيه من غريب التنميق (١)

ويبدو ان الشريف حسن سئم البقاء في الامارة على اثر هذه الحوادث فاعتزم التنازل عنها لولديه بركات وابراهيم وكتب الى مصر يطلب تأييدهما ليتفرغ للعبادة فوفاه المرسوم سنة ٨٢٤ بتأييد بركات في شركته دون ابراهيم فظل الخطيب يدعوله ولولده بركات فاستاء ابراهيم وهجم في مقاتلة له على مكة حتى قبلا ان يدعوا له معهما ثم عاد ابوه فعزله.

وفي هذا العام رتب الملك المظفر في مصر الف احمر سويا تحمل الى الشريف حسن مقابل تنازله عن المكوس الخاصة بالخضار وقد سجل هذا في اسطوانة بالمسجد الحرام (٢)

وفي هذا العهد اهدى السلطان محمد الاول (٣) هدايا نفيسة لصاحب مكةووقف باسم فقراء الحرمين اوقاف وجعل يرسل غلتها سنويا في صر فكان أول صر منظم عين لفقراء الحرمين.

__________________

(١) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط

(٢) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤٠

(٣) السلطان محمد الاول هو احد اجداد العثمانيين وكانت عاصمته عبر الاناضول فى «قرا حصار» قبل ان. يتسع احفاده في فتوحاتهم في بلاد الشرق ولقد كان لهذا أثره في اكتساب ود أصحاب مكة بعد هذه الحوادث بنحو قرن كامل عندما اتصلت انباء العثمانيين بمكة ودعي باسمهم على منبرها كما سيأتينا

٣٤٢

علي بن عنان : ودامت ولاية الشريف حسن وابنه بركات على مكة الى أوائل عام ٨٢٧ وكان مناوئوهما من بني عمومتهما من اولاد رميثة مقيمين في مصر على كثب من سراي سلطان الشراكسة يتحينو الفرص وقد سنحت لهم في هذه السنة ولعل ذلك كان على اثر خلاف بين صاحب مكة والشراكسة في مصر لاننا نجد ان ابن ظهيرة يذكر ان برسباي ملك مصر عقد لعلي بن عنان من اولاد رميثه على مكة في موسم عام ٨٢٧ وانه قدمها صحبة العسكر الأشرفي فلم يناوئه الشريف حسن بل سلم له الامر ثم ارتحل الى مصر.

مطبعة للنقود : واصطحب علي بن عنان معه الى مكة مطبعة لضرب النقود فضربت باسمه على اثر وصوله ، وظل علي بن عنان في مكة الى موسم ٨٢٨ (١)

عودة حسن وبركات : وفي موسم الحج من هذا العام استطاع الشريف حسن ان يعود الى امارته مؤيدا من الملك برسباي نفسه ، وقد قرىء مرسومه في المسجد بعد ان طاف بالكعبة ودعي له على قبة زمزم وطيف به في شوارع مكة لابسا خلعة الامارة.

وعندما قضى الحج عاد الى مصر ليقدم شكره الى برسباي كما يبدو وقد قوبل بها في حفاوة وكان يوم دخوله اليها يوما مشهودا ، وقد ظل فيها الى أن ادركته المنية في ١٦ جمادي الاول سنة ٨٢٩ بعد ان كان قد تجهز للعودة الى مكة (٢)

وكان الشريف حسن من اصحاب الثروات الطائلة ولم يكن بمكة من يدانيه في جوده وكرمه كما كان من أفاضل العلماء. أجازه بالتحديث جماعة من علماء

__________________

(١ و ٢) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢١١

٣٤٣

مصر والشام وأخرج له التقي بن فهد أربعين حديثا ، ومدحه كثير من الشعراء منهم العلامة شرف الدين اسماعيل بن المقرى صاحب الروض والارشاد في مذاهب الشافعية وله في مدحه قصائد منها قصيدة مطلعها :

أحسنت في تدبير ملكك يا حسن

وأجدت في تحليل اخلاط الفتن (١)

وبنى الشريف حسن في مكة رباطا للرجال وآخر للنساء (٢) ولعلهم كانوا يرون في بناء الاربطة غير ما يراه العصر الحديث لان المشاهد اليوم أن الاربطة كثيرا ما تأوي الكسالى من الآفاق الذين لا يفيدون البلاد بقدر ما يكونون عالة عليها ، واذا كان المظنون أن الغرض من بنائها هو ربطها للفقراء من طلبة العلم فالواقع ان هؤلاء الطلبة كثيرا ما يورثونها لأبنائهم توريثا اشبه بالتوريث الشرعي وقد لا يكون لأبنائهم حظ آبائهم في طلب العلم فيتخذونها مجالس لغير ما بنيت له وقد تكون لها غلة موقوفة يتناولونها للانفاق منها فيحملهم ذلك على الكسل ويعلمهم الشحاذة التي لا تتفق مع اصول الاسلام وبذلك يؤدي بناء الاربطة في اغلب الاحيان الى غير ما بنيت له. ولو اقتصرت الاربطة على ايواء طلبة العلم وبشكل محدود وفرض اصحابها على المتعلم ان يتلقى فيها بعض الصناعات التي تقيم اوده وتغنيه عن صدقة الجراية لاستطاعت البلاد ان تنتفع من النازلين بها وتستفيد من جهودهم.

عزل بوابي المسجد القضاة : وفي هذا العهد صدر مرسوم بقفل ابواب المسجد بعد الموسم الا اربعة منها فضاق الناس بذلك واشتكوا فصدر الامر بعزل بوابي المسجد القدامى وكانوا من الفقهاء والقضاة وأن يعين بدلهم بعض

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤١

(٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٣٤٤

المحتاجين من عامة الناس وألزموا بملازمة الابواب والنوم بجوارها (١)

بركات بن حسن : وبوفاة حسن أيد ملك الشراكسة برسباي ابنه بركات وجعل اخاه ابراهيم نائبا عنه فاستطاع ان يضع الامور في نصابها وان يحكم مكة بشيء من الطمأنينة والعدل (٢)

وفي هذا العهد بدأت مراكب الهند يتوافر عددها آتية للحج بعد ان كانت لليلة الورود وقد فرضت الامارة في مكة عليهم رسوما للحج وظلت تتقاضاها لنفسها فلما كانت سنة ٨٣٢ وصلت الى مكة مراسيم من برسباي لجعل ثلث الواردات من رسوم مراكب الهند لصاحب مكة وارسال الثلثين الباقيين الى صاحب مصر ويبدو ان الشريف بركات ما لبث ان استضعف حصته من الرسوم وطلب زيادتها فوافق الشراكسة على ذلك. لأننا نجد الدحلان يذكر لنا أن مصر ارسلت في عام ٨٤٠ مراسيم جديدة تقرر بموجبها مناصفة الواردات التي ذكرناها بين امارة مكة وحكومة الشراكسة فى مصر (٣) وينقل الغازي أن الشراكسة في مصر الزموا بركات بدفع عشرة الاف دينار سنويا والا يتعرض لعشور البضائع في جدة ولم يذكر شيئا عن رسوم الحجاج ولعلهم تركوها لحصة بركات .. وفي هذا ما يدل على اتساع نفوذ الشراكسة في مكة في هذا العهد كما يذكر انه كلف بدفع خمسة الآف دينار (٤)

وازداد نفوذ الشراكسة اتساعا على اثر هذا في عهد السلطان جقمق لأننا نجده يندب احد رجاله الامير سودون ليتولى في مكة نظارة الحرمين وامر عمارتها

__________________

(١) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٢) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط»

(٣) خلاصة الكلام للسيد احمد زيني دحلان ٤٢

(٤) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

٣٤٥

ويرسل معه خمسين فارسا من الترك يقيمون في مكة (١)

وهي تشكيلات كان مماليك الأتراك قد ابتدعوها قبلهم في مكة كما اسلفنا عام ٧٦٠ فلم يستقم امرهم فيها لان الأشراف ثاروا بهم وحضروهم في المسجد واوقعوا فيهم قتلا واسروا بعضهم فأرسلوهم الى ينبع وباعوهم في اسواقها بيع الرقيق وقد ظل امر هذه الفرقة بضع سنوات ثم امحى ذكرها فيما يظهر لان المؤرخين لم يذكروا شيئا عن وجودها بعد الذي كان.

ومن الغريب ان من تقاليد أمراء مكة في ذلك العهد ان يقبلوا خف جمل المحمل عند وصوله الى مكة ولكن بركات طلب الى جقمق اعفاءه من ذلك فأعفاه (٢)

علي بن حسن : وظل الشريف بركات على امر مكة الى سنة ٨٤٢ ثم نازعه اخوه علي عليها ولما لم يستطع علي أن يظفر باخيه بركات سافر الى مصر بصحبة الحاج واقام فيها الى ان عاد في مستهل شعبان عام ٨٤٥ يحمل مرسوما بتوليته امر مكة (٣)

وقد سلم اليه أخوه بركات بذلك وتوجه الى اليمن فظل علي في امارته الى ١٥ محرم من عام ٨٤٦ حيث هاجمه اخوه بركات بجموع كبيرة فلم ينجح في هجومه (٤)

القاسم بن حسن : وظل علي بن حسن بن عجلان على أمره في مكة يساعده

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤٢ (١) المصدر نفسه

(٢ نو ٣ و ٤) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»

٣٤٦

اخوه ابراهيم ثم ما لبث ان وقع الخلاف بينهما وبين قائد الجند الشراكسة في مكة فاستطاع قائد الجند ان يستصدر امرا بالقبض على الأخوين وعزلهما وعندما وصلت اليه الاوامر بذلك احتال القائد على الاخوين حتى قبض عليهما وأظهر مرسوما بتولية الاخ الرابع ابي القاسم بن الحسن ابن عجلان. ثم ما لبث الشراكسة ان وضعوا الاغلال في اعناق الاخوين المعزولين وساقوهما الى مصر في شوال عام ٨٤٦.

واستفظع الاهالي في مكة هذه الاهانة التي لم يسبق لها مثيل واستغربوا شأنها .. وفي هذا يقول قطب الدين محمد المالكي وهو من شعراء مكة :

ما جاء ناقط ولم يأتنا

مثلك يا تمراز (١) فى الفتك

تسير بالاخشب من مكة

والاخشب الثاني على الفلك

ومثل هذا لم يكن قط في

ملك بني العباس والترك

ان شريفي مكة يمسكا

ن من غير طعن ولا سفك

هذا بتقدير الذي قهره

ينزع من شاء من الملك (٢)

وظل ابو القاسم على امارته في مكة الى عام ٨٤٩ وقد ضربت الدراهم له ونقش فيها اسمه ثم هاحمه اخوه بركات في ربيع الأول عام ٨٤٩ واستولى على مكة فأيده الشراكسة وظل الى سنة ٨٥١.

وفي ربيع الثاني من السنة المذكورة صدر مرسوم الشراكسة بتأييد الشريف بركات أميرا على مكة فأجلى أبا القاسم ، واستولى عليها للمرة الرابعة

__________________

(١) هو قائد جند الشراكسة في مكة الذى استصدر الامر بالقبض على الاخوين.

(٢) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط».

٣٤٧

وباستيلائه عاد الاستقرار الى مكة ونال العلماء حظوتهم في مجلسه الذي كان مثابة لرجال الفضل والعلم (١).

ثم ما لبث ان استدعاه السلطان جقمق الى مصر فوصل الى القاهرة في مستهل رمضان من السنة نفسها ٨٥١ فخرج السلطان للقائه الى الرميلة وبالغ في اكرامه واخذ منه العلماء بالقاهرة وازدحموا عليه لعلو سنده وقد أجاز كثيرا منهم ويذكر الغازي نقلا عن العلامة السخاوي هذه الرحلة فيقول ان القاهرة ارتجت لاستقبال بركات وخركت العذارى من خدورهن لرؤيته وكان يوما مشهودا .. الى أن قال : وكنت ممن لقيته أنا والقلقشندي والبقاعي والسنباطي وسمعنا عليه باجازته من الزين العراقي والهيثمي عشرة احاديث وسمع معنا القاضي أبو بركات بن ظهيرة (٢)

وقد ظل بركات في مصر بضعة أشهر ثم غادرها الى مكة فوصلها في جمادي الاول ٨٥٢ ودخلها محرما بالعمرة فطاف وسعى بالليل ثم خرج الى الزاهر وبات به ولما اصبح دخل مكة في موكب رسمي حافل (٣) واستمر بركات في ولايته الى سنة ٨٥٩ ثم مرض واشتدت العلة به فنقل الى وادي مر فظل به الى ان توفي في شعبان عام ٨٥٩ وقد حمل على اعناق الرجال الى مكة وغسل وصلى عليه وطيف به حول الكعبة سبعا على عادة أشراف مكة ودفن بالمعلاة وبني عليه قبة (٤) وقد رثاه الشعراء وأطالوا في رثائه وذكره الامام السيوطي في كتابه «نظم

__________________

(١) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط».

(٢) افادة الانام «مخطوط»

(٣) ذكره السيد الدحلان في خلاصة الكلام ٤٣ ونقل عبد الله الغازي ان الرحلة لم تستغرق الا نحو نصف شهر

(٤) خلاصة الكلام ٤٣

٣٤٨

العقيان» من اعيان الاعيان ومن شعره :

يا من بتذكاره قد زال وسواسي

وقد شغلت به عن سائر الناس

ومن تقرر فى قلبي محبته

وجئته طائعا أسعى على الرأس

سألتكم شربة من ماء مشربكم

تغنى عن الراح اذ لا راح في الكأس

ومن طرائف ما يروى في ترجمة بركات أن أحمد بن اسماعيل ملك اليمن كتب الى الشريف بركات بخروجه الى الحج وطلب اليه اخلاء بيوت مكة لاقامته وان يتلقاه عند حلى (١) فاجابه بركات بقصيدة أنشأها عفيف الدين عبد الله بن قاسم الذروي فيما يزيد على ثلاثين بيتا وفيها يقول :

بالقنا الخطى والبيض الظبا

وبخيل تتبارى شزبا (٢)

وبأبطال اذا ما استعرت

نار حرب ولظاها التهبا

نحمي ذا البيت ونحمي جدة

وربا حلى (٣) وأكناف قبا

الى ان يقول :

قل لمن رام بناوينا ومن

رام يأتي بيتنا مغتصبا

لا يحج البيت الا خاضعا

دافعا عشرا لنا ثم جبا (٤)

واذا ما كان رأسا لم يعد

عندنا يا صاح الا ذنبا

__________________

(١) حلى تقع في جنوب بلاد الحجاز

(٢) الخيل الشزب هي الخشنة او الضامرة اليابسة

(٣) وهذا الشعر يدل على ان حليا من الحجاز ، ويسمى حلى بن يعقوب ، وهو واد خصب يقع على أزيد من ٤٠٠ كيل جنوب مكة ، وعلى مصبه في البحر ميناء صغير ، هو آهل بالسكان ، ويتبع اليوم اماره القنفذة (ع)

(٤) الجبا : عطاء اكراميا اي ليس مستحقا بأية صفة ، فهو هبة. (ع)

٣٤٩

فلما انتهت الى ملك اليمن تخلف عن الحج وأمر من يترصد لعفيف الدين الذروي فترصدوه حتى نزل جيزان فاحتالوا عليه حتى حملوه الى اليمن فحبسه ملك اليمن وضيق عليه الخناق في الحبس فارسل بركات يفتديه بمائة الف ناقة واعتقد انه بولغ في عدد النوق ولعلها مائة ناقة. وقد رفض ملك اليمن العرض واقسم ألا يطلقه حتى ينشعب هذا الصدع (ولعله أشار الى صدع في صخر او حجر)

وفي هذا يقول عفيف الدين الذروي من قصيدة ذكرها الشيخ الحضراوي في «تاريخ البشر» :

ان ظننت الدهر يوما واحدا

فلقد حاولت أمرا كذبا

رب صدع كان أعيا شعبه

أدركته رحمة فانشعبا

فينال الملتجيء من ربه

في أعاديه الذي قد طلبا

ومن الغريب ان الشاعر لم يبت ليلته حتى سحت السماء بمدرار هطال انشعب له صدع الحجر فاطلقه الملك واحسن صلته.

والذي الاحظه أن احمد بن اسماعيل ملك اليمن توفي في عام ٨٢٧ أي قبل ولاية بركات في عام ٨٢٩ بنحو سنتين فلا تستقيم الرواية الا اذا كان الحادث قد حدث في عهد شركة بركات لاخيه حسن ولا استبعد ذلك لان نفوذ بركات في شركته لأبيه لا يقل عن نفوذه في عهد انفراده في الحكم.

اولاد بركات بن الحسن بن عجلان : عندما شعر بركات بضعفه عن الحكم كتب الى نائب جدة الامير جاني بك الظاهري بان يرسل الى السلطان في مصر يسأله ولاية ولده محمد على مكة فحاز طلبه القبول لدى الشراكسة وكتب اليه

٣٥٠

السلطان بتأييد «محمد بن بركات» وقبل ان يصل التأييد بساعات كان الامير بركات قد لاقى منيته في ١٩ شعبان عام ٨٥٩ (١) وبوصول الخبر في مساء ذلك اليوم أعلن في المسجد ودعي باسمه بعد صلاة المغرب في ذلك اليوم وبعد ايام تحرك موكبه من وادي فاطمة فدخل مكة ليلا في موكب حاشد وقرىء مرسومه في صبيحة ذلك اليوم الجمعة ٧ رمضان عام ٨٥٩.

والشريف محمد بن بركات كأن كأبيه وجده الحسن من انجاب العلماء وكانت له شهرة واسعة في تشجيع العلم وتأييد العدل وكان يقظا لأمور المسلمين معروفا بالشفقة والرأفة والعدل ولذلك طالت مدة حكمه نحوا من ثلاث وأربعين سنة (٢)

وفي عهده انتقل الملك في مصر الى الأشرف قايتباي وقد أصدر مرسوما بالغاء المكوس في مكة وسجل ذلك في اسطوانة بباب السلام ثم ما لبث أن جاء مكة حاجا ووزع على فقرائها من الخيرات ما شملهم (٣)

وقد أشرك محمد ابنه بركاتا الثاني في الحكم ابتداء من عام ٨٧٧ وظلا معا يديران دفته في هدوء لا تعكره الثورات ولا المظالم حتى توفي محمد في الحادي عشر من شهر محرم عام ٩١٣ بوادي الأبيار (٤) وحمل الى مكة فطيف به حول الكعبة سبعا على عادة اسلافه (٥)

__________________

(١) اتحاف فضلاء الزمن للطبرى المكي «مخطوط»

(٢ و ٣) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤٤

(٤) هو وادي البيضاء يمر جنوب مكة على (٥١) كيلا ، وهو المرحلة الاولى على طريق اليمن القديم ، وقد جنب الطريق بعد تعبيده سنة ١٣٩٧ ه‍ الى الساحل والبيضاء بئر المحطة هناك ، وباسفل الوادي بئار عديدة نسب اليها ، وسكانه الاشراف الحمودية من الاشراف العبادلة. (ع)

(٥) بلوغ القرى لعبد العزيز القرشى «مخطوط»

٣٥١

وفي بلوغ القرى (١) ان الحزن شمل مكة على اثر وفاته وأن الأهالي ظلوا يجتمعون لقراءة الربعات جماعات كبيرة نحو ستة أيام. وجز بعض النساء شعورهن حزنا عليه وعم الحداد في البلاد مدة أيام وتعطلت أعمال البيع والشراء في الأسواق.

ومن اعماله أنه بنى رباطا للفقراء في مكة وسبيلا للماء في النوارية (٢) ومثله في طريق جدة ووقف على ذلك اوقافا عديدة (٣).

وخلف محمد بن بركات ستة عشر ذكرا غير الاناث وكان أشهرهم بركات واحمد وجازان وهزاعا وقايتباي وعليا وراجحا وقد اتخذ الثلاثة الاولون من امارة مكة مسرحا لمنازعاتهم واختلافاتهم وقاست البلاد من جراء ذلك اهوالا عظيمة كما سيأتي.

أولاد محمد بن بركات : تقدم بنا أن محمدا أشرك معه في امارته ابنه بركات الثاني فكان من الطبيعي أن يتولى أمر أبيه بعده وفاته وقد تولاه واحتفل به في يوم الوفاة ١١ محرم عام ٩٠٣ ثم كتب الى قايتباي ملك الشراكسة في مصر فوافاه التأييد في ٤ ربيع الآخر من العام المذكور وأشرك معه أخاه هزاعا (٤).

هزاع : ولم يدم الاتفاق بينهما الا نحو سنة واحدة ثم ثار الخلاف وخرج هزاع الى ينبع مغاضبا ومنها كتب الى أصدقائه من مماليك الشراكسة يطلب التوسط في تأييده مقابل مئة ألف دينار شريفي يدفعها فوافاه التأييد صحبة الحاج المصري

__________________

(١) بلوغ القرى

(٢) النوارية بطن سرف بين التنعيم ووادى فاطمة

(٣) اتحاف فضلاء الزمن للطبري «مخطوط»

(٤) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»

٣٥٢

في أواخر عام ٩٠٤ فسار من ينبع على اثر ذلك في جمع من مقاتلته بصحبة الركب المصري فلما علم بركات بذلك خرج للقائه في وادي «مر» (١) فانتصرت جيوش هزاع وفر بركات الى جدة وبذلك اضطربت حالة البلاد والحجاج في مكة وعرفات وعاث اصحاب الفساد فيها وضج الناس ومضى كبراؤهم الى هزاع فاشتدوا في لومه (٢)

ثم اصلح الاشراف بينهما فعاد بركات الى مكة في اواخر الحجة عام ٩٠٤ ثم عاد الخلاف بعد سنتين فاستأنف هزاع هجومه على بركات فالتقيا في البرقاء في ٩ جمادي الاول سنة ٩٠٧ فانهزم بركات الى الليث وبذلك تولى هزاع الامر في مكة الا انه ما لبث أن وافته منيته في ١٥ رجب من العام المذكور بالقرب من مكة فحمل الى مكة وطيف به حول الكعبة قبل دفنه (٣).

احمد الجازاني : وبوفاته عقد مجلس في المسجد بحضور قاضي مكة أبي السعود بن ظهيرة وأصحاب الحل والعقد واتفقوا على تولية احمد الجازاني ابن محمد بن بركات الاول ونادوا به ثم كتبوا الى ملك الشراكسة في مصر بذلك.

وشعر أحمد جازان بحاجته الى ارضاء العسكر في مكة فأمر القاضي وبعض الأعيان بجمع بعض المبالغ من التجار ليرضي بها العسكر وقد وزعها عليهم بنسبة عشرين أشرفيا للفارس وعشر أشرفيات للراجل (٤)

وشعر أن بعض أهالي جدة لا يميلون اليه فسار اليهم في جمع من مقاتلته

__________________

(١) مر الذي يتردد هنا هو : مر الظهران ، واد فحل من اكبر أودية الحجاز كان فيما يقال فيه ثلاثمائة عين جارية ، ولم يبق منها اليوم سوى بضع عشرة. ويسمى وادي فاطمة ووادي الشريف ، يمر شمال مكة على (٢٢) كيلا. (ع)

(٢) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٣ و ٤) بلوغ القرى لعبد العزيز بن نجم الدين القرشي «مخطوط»

٣٥٣

وأوقع فيهم النهب والسلب.

ولم يدم أمر أحمد الا نحو اسبوعين ثم وافت الاخبار بقدوم أخيه بركات الثاني بن محمد من اليمن يحمل مرسوما بتأييده من الشراكسة (١)

بركات بن محمد للمرة الثانية : وفي اوائل شعبان ٩٠٧ انتهى بركات في جيشه الى مكة فلم يقاومه اخوه احمد الجازاني وفر هاربا ، ولما استتب أمر بركات أراد امتحان التجار الذين ساعدوا اخاه أحمد بتبرعاتهم للعسكر فجعل عليهم مبالغ مضاعفة يعينونه بها كقرض فاضطروا الى دفعها حتى لجأ بعضهم الى بيع املاكهم لا يفاء ما تقرر عليهم.

وأراد أن ينتقم لنفسه من قاضي مكة أبي السعود بن ظهيرة لتقريره الامارة لأخيه أحمد ولبعض خطابات عثر عليها بخط القاضي يحث فيها أحمد على القدوم الى مكة فأمر باحضار القاضي الى مجلس عقده لذلك وبعد أن تلا على الحاضرين اتهاماته حكم عليه بالسجن ومصادرة امواله وعقاره وقد حاول المجتمعون طلب العفو له فأبى العفو وأصر على اهانته ولطمه أخوه قايتباي على وجهه ثم كتب بذلك محضرا بالحكم وأمر القضاة والفقهاء والتجار بتوقيعه ثم أرسله الى الشراكسة في مصر (٢)

ثم أغلق بيوت أبناء القاضي وبناته بعد ان جمع نساءهم في احداها ثم امر بغل ايدي بعض ابناء القاضي في خشب مسمر فتشفع فيهم الناس فقبل أن يفتدوا أنفسهم بخمسة الآف دينار وبعضهم بأقل من ذلك ثم فتحت بيوتهم وبيوت والدهم وبيع ما فيها من موجودات وأثاث وكتب وصودرت أثمانها وكانت تبلغ

__________________

(١) افادة الأنام «مخطوط»

(٢) بلوغ القرى «مخطوط»

٣٥٤

مئات الالوف.

ثم نفى عائلة القاضي على اثر ذلك الى جزيرة ابن بركوت (١) فما لبث أن أخذهم نائبه في الجزيرة الى عرض البحر في مركب صغير فأغرقهم.

وما كاد يستقر الأمر لبركات بضعة أشهر حتى علم أن اخاه أحمد يجمع مقاتلته في ينبع فخرج للقائه في أواخر ذي الحجة عام ٩٠٧ فهزمه ثم عاد ثم بلغه أن أخاه سيستأنف القتال وكان بركات مريضا لا يستطيع القتال فغادر مكة الى طريق اليمن وترك أخاه أحمد يدخلها.

أحمد الجازان مرة ثانية : وهكذا دخل أحمد الجازاني مكة في اوائل عام ٩٠٨ وكأنه اراد أن يثأر لنصيره القاضي فاستعمل العنف وترك عسكره يعبثون في مكة فيفعلون أفعالا قبيحة وبنتهكون حرمة البيت ويصادرون أموال الأهالي ويسبون الأرقاء وأمهات الاولاد وينهبون بيوت التجار.

وما استقر به الأمر حتى فرض على بعض التجار من حزب اخيه في مكة وجدة اموالا كثيرة وعذب بعضهم فقيد ايديهم في خشب ضيق حتى اضطر بعضهم الى بيع املاكهم واضطر آخرون الى الهرب من البلاد.

وظل احمد على امره بضعة اشهر ثم بلغه أن اخاه بركات يزمع مهاجمته فخرج لملاقاته بالقرب من منى واستطاع ان يهزمه الى مسافة بعيدة الا أن بركات المهزوم ما لبث أن عاد في حركة التفاف سريعة الى مكة واستطاع أن يدخلها من ناحيتها الجنوبية في ١١ رمضان عام ٩٠٨ (٢).

__________________

(١) لعل الجزيرة نسبة الى شهاب الدين بركوت وهو من اعيان القرن التاسع ترجم له السخاوي في الضوء اللامع ، وقال صاحب درر الفوائد المنظمة : ونفي بجزيرة الصبايا. ص ٣٥٣

(٢) بلوغ القرى لعبد العزيز القرشى «مخطوط»

٣٥٥

بركات للمرة الثالثة : وبدخوله الى مكة اجتمع اليه الاهالي وعاهدوه على النصر وشرعوا معه في تحصين البلد وتقوية أسوارها وقد حفروا خندقا دون السور من جهة المعلاة وآخر من جهة المسفلة ولم يلبثوا طويلا حتى هاجمهم احمد بجنوده في رمضان من العام نفسه هجوما عنيفا الا انه لم ينجح فقد ابدى الاهالي من الشجاعة في الدفاع ما يطول شرحه واندفع بركات يجتاز الخندق بفرسه وكان عرضه سبعة اذرع ليضرب في الجيش المهاجم ويقصيه عن السور.

ثم أعيد الهجوم في منتصف شوال فلم يظفر احمد بشيء فيه الا انه لبث في مقاتلته على غير بعيد من مكة ينتظر الفرصة المواتية (١).

أحمد جازان للمرة الثالثة : وقد واتته الفرصة بعد ذلك باسابيع لان بركات خرج الى بعض جهات الجنوب في اعمال خاصة فانثال احمد في مقاتلته الى مكة واحتلها وعاد جنده الى نهب البيوت وسلب الاموال وقتل النفوس وقد قيل ان احمد عندما اراد منعهم من النهب لم يسمعوا له وقالوا ان بيننا وبينك أن ننهب ثلاثة ايام.

وظل احمد على مكة الى ان وافى امير الحج المصري في دي القعدة من العام المذكور فاتصل به واغراه بالقبض على بركات واصطحابه معه الى مصر وجعل له لقاء ذلك ستين الف شريفي أحمر فاحتال أمير الحج المصري حتى قبض على بركات واصطحبه الى مصر اسيرا وقد غضب السلطان الغوري في مصر لذلك وأطلق بركات وانزله في القاهرة منزلا خاصا به واكرمه (٢).

__________________

(١) بلوغ القرى لعبد العزيز القرشى «مخطوط»

(٢) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»

٣٥٦

واستمر احمد على امر مكة نحو ثمانية اشهر كانت مثارا للخلاف والفتن وتألب الاقارب عليه حتى انتهى ذلك بأن دس اخوه حميضة عليه جماعة من الأتراك قتلوه في المطاف في صباح يوم الجمعة ١٩ رجب عام ٩٠٩.

ثم طرح في الصحن بجوار الكعبة فانهال الناس عليه رجالا ونساء يقذفونه بكلمات جارحة وقد ظل كذلك حتى نقله عمال الجنائز المختصين بموتى الغرباء ودفنوه ببعض ثيابه بلا غسل ولا صلاة ولم يشيعه احد من الاشراف او الاهالي.

حميضة بن محمد بن بركات : وبوفاته تولى الامر اخوه حميضة في ١٩ رجب عام ٩٠٩ ونودي به في البلاد دون ان يناوئه أحد وقد كتبوا بذلك الى الغوري سلطان الشراكسة في مصر.

وأهل الموسم في تلك السنة فقابل حميضة وفود الحج وألبسه أمير الحج المصري الخلعة الواردة الا انه لم يشرق يوم التروية حتى ضجت البلدة بفتنة جديدة وصاح النذير يعلن وصول بركات بن محمد على رأس جيش مهاجم (١).

بركات بن محمد بن بركات للمرة الرابعة : وكان بركات هذا قد فر من منزله الذي خصه به الغوري على اثر وصوله مأسورا في ركب الحج المصري كما اسلفنا في حوادث العام السالف.

فر من مصر الى ينبع وعلم فيها باخبار قتل اخيه أحمد في المطاف واستيلاء أخيه الثاني حميضة على مكة فقرر الارتحال الى بعض الجهات شرقي مكة (٢)

__________________

(١) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»

(٢) لعل الصواب : شرقي المدينة ، كما يظهر من سياق الحديث المقبل ، لأن بني لام وبني عقبة ليسو من سكان شرقي مكة. (ع)

٣٥٧

ليعمل على انتهاز الفرصة فيها لاستخلاص مكة من اخيه حميضة.

وقد أقام ببعض القبائل وتزوج فيها بسيدة من بنات الحسين انجبت له فيما بعد ابنه أبا نمي الثاني (١)

ولم يدم انتظاره الا بضعة اشهر وقد استطاع أثناء ذلك ان يستنفر بعض القبائل من بني عقبة وبني لام وغيرهم حتى اجتمع لديه عدد وافر استطاع ان يهاجم به مكة يوم التروية ثم يمضي في جيوشه الى عرفات وينصب خيامه على كثب من جبل الرحمة.

ومضى امراء الحج يصحبون اتباعهم الى عرفات فنزلوا بها وتبعهم سائر الحجاج ولم تحدث الا مناوشات بسيطة مع بعض الاعراب في طريق منى بينما تخلف عن الحج اكثر اهل مكة في ذلك العام ، ثم نفر الناس الى المزدلفة ثم الى منى سالمين الا من حوادث «فردية» نهب فيها بعضهم (٢).

ويبدو ان الحجاج شعروا بضرورة اسراعهم في العودة الى جدة قبل اشتباك المتنازعين فما كادت القوافل تغادر منى حتى واصلت رحيلها الى جدة وقد استغل الفرصة بعض رجال البادية فاعترضوا القافلة الاولى في طريق جدة وكانت تبلغ ألف جمل فجعلوا على كل جمل ستة «محلقة» وعلى كل حمار «محلقان» وفعلوا مثل ذلك في قافلة بعدها كانت في مثل حمولتها ولم يجدوأ من يصرفهم عن ذلك لان حميضة كان في شغل عن ذلك بنفسه.

ولم يجد جيش بركات من يقاومه كثيرا ولعل حميضة شعر باستحالة ثباته

__________________

(١) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤٩

(٢) بلوغ القرى لعبد العزيز القرشي «مخطوط»

٣٥٨

امام المهاجمين فغادر مكة فرارا من سيف اخيه وبذلك استولى بركات على مكة في ١٢ ذي الحجة عام ٩٠٩ للمرة الرابعة (١).

وأمن بركات الحجاج والاهالي على اثر ذلك ثم كتب الى السلطان الغوري يطلب منه التأييد فوافاه التأييد ودعى له ولعلي ابنه على قبة زمزم كما دعى له وحده بعد السلطان الغوري على المنبر وخلع عليه وعلى اخيه قايتباي (٢)

وفي عام ٩١٣ جرد بركات على بعض القبائل التي نهبت البيوت في مكة أثناء هجمات اخيه السابقة واحضر بعض الخارجين الذين جعلوا على قوافل الحجاج أتاوات خاصة فأمر بضرب اعناقهم وارسل بعضم الى الشراكسة في مصر فضربت اعناقهم فيها.

ومن غريب ما يرويه التاريخ في هذا العهد ان المكلف بامر التنظيفات في مكة كان يمر في شوارعها وازقتها فاذا وجد تحت بيت احدهم شيئا من القمامة دعا صاحب البيت وامر بضربه على رجليه وانه فعل ذلك بعدة أشخاص سماهم المؤرخ ، فأمسك الناس عن القاء «القمام» في الطرق العامة (٣).

وأوفد بركات في عام ٩١٥ بعض اقاربه الى السلطان الغوري في مصر بهدايا نفيسة كان من جملتها عشرون عبدا حبشيا وعشرون ألف دينار ذهبا

__________________

(١) بلوغ القرى .. ويورد ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ما يخالف هذا فيدكر أن حميضة بقي في امارته سنوات وهى رواية انفرد بها دون غيره من المؤرخين وليس فى مجرى الحوادث ما يدل عليها.

(٢) منائح الكرم للسنجاري. ويذكر ابن ظهيرة أن قايتباي تولى امر مكة بعد قتل حميضة وظل فيها نحو سنتين وأعتقد ان ما سقناه اقرب الى الصحة فقد ساقه اكثر مؤرخي مكة.

(٣) بلوغ القرى لعبد العزيز بن نجم الدين بن فهد القرشي «مخطوط»

٣٥٩

وعشرون فرسا وثلاثة آلاف دينار للدويدار «الكاتب» (١) وهكذا تنعكس الآية في مثل هذه المناسبات ويصبح الحجاز الفقيز الى ما يقيم اوده ويشبع اهله يقدم الهدايا في ارقام بليغة الى البيوت الملكية في البلاد الغنية ويترك بلاده في حاجة الى كل قرش من هذه الارقام تصرفه في مرافقها العامة وتغني به عوز فقرائها ممن تركوا يحترفون الصدقات.

وفي عام ٩١٨ أرسل السلطان الغوري يدعو بركات لزيارة مصر فاعتذر بكبر سنه واوفد اليه ابنه محمدا أبا نمي الثاني في جماعة من علماء مكة كان بينهم قاضياها صلاح الدين بن ظهيرة القرشي ونجم الدين بن يعقوب المالكي وكانت سن أبي نمي اذ ذاك لا تتجاوز الثامنة وقد قوبل بحفاوة عظيمة وابدى أبو نمي من ذكائه ما اعجب به السلطان الغورى.

وقبل الغوري يد أبي نمي أول ما قابله ثم كتب له مرسوما يخوله حق الشركة مع ابيه في امارة مكة (٢).

قتال البرتغال : وفي هذا العهد كانت هجمات البرتغال على بلاد الهند قد اشتد اوارها وامتدت الى البحر الاحمر فارسل الغوري جيشا من الترك والمغاربة الى جدة ليدفعوا عنها وجعل رياسة الجيش الى حسين الكردي الذي بنى سورها وشيد فوقه أبراجا للدفاع ، كما ارسلوا قوة بحرية الى جزيرة «كمران» (٣) فاتخذتها قاعدة للانطلاق وحماية بلاد العرب.

وكان الكردي شديد الوطأة فقد فرض على عامة الاهالي والتجار حمل الطين

__________________

(١) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»

(٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»

(٣) مجموعة جزر تقع قرب ميناء اللحية من ساحل اليمن بينها وبين الحديدة. (ع)

٣٦٠