والطريق إليه التكرار الموجب للتذكار ، بنصب عبادات معهودة في أوقات مخصوصة يذكر فيها الخالق بصفات جلاله وكماله ، والانقياد لسنّته ، فيحصل من ذلك (١) غايات ثلاث :
الأولى : رياضة القوى النفسانيّة ؛ بمنعها عن مقتضى الشهوة والغضب ، وعن الأسباب المثيرة لهما من التخيّل والتوهّم والإحساس ، والفعل المانع عن توجّه النفس الناطقة إلى جناب القدس ومحلّ الأنس.
الثانية : دوام النظر في الأمور العالية المطهّرة عن العوارض المادّيّة والكدورات الحسّيّة ، المؤدّية إلى ملاحظة الملكوت ، ومعاينة الجبروت.
الثالثة : دوام تذكّر إنذار الشارع ، ووعده للمطيع ، ووعيده للعاصي ، المستلزم لإقامة العدل ، ونظام النوع مع زيادة الأجر الجزيل والثواب العظيم.
وإمّا في وجوبه (٢) ، فهو واجب على الله تعالى ، بناء على قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وعلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بالواجب ؛ لعلمه بقبحه ، وغنائه عنه ؛ لثبوت علمه بجميع المعلومات ، لاستواء نسبة ذاته ، وتساوي الجميع في صحّة المعلوميّة ، واستفادة علمه على الجملة من أحكام الأفعال ، وغنائه من وجوب وجوده مطلقا قطعا ؛ للدور والتسلسل لو كان ممكنا.
إذا تمهّد ذلك ، فلو لم يجب التكليف على الله تعالى لزم عدم وجوب الزجر عن القبائح بل كان مغريا بها. والتالي باطل ؛ لاستحالة فعل القبيح ، والإخلال بالواجب عليه تعالى ، فكذا المقدّم.
ولا تمنع الملازمة بعلم المدح والذمّ ؛ لأنّهما مخصوصان بما يستقلّ العقل بدركه ، لا بباقي السمعيّات.
__________________
(١) يعني من تكرار تلك العبادات.
(٢) عطف على قوله قبيل هذا : « إمّا في حسنه ».