متمسّك أصحاب هذين المذهبين الأخيرين. فلنذكر حجّة من قبلهما ).
أقول : لمّا كان المقصود بالذات ترك المقتضيات ، والترك لا يكون أثرا ، فكان الأثر فعل العبادات. والمانع من تعلّق القدرة بالأعدام المعتزلة (١) إلاّ أبا الهذيل منهم فإنّه يقول بجوازه (٢) ، وقد حقّق في الأصول.
واختلف البهشميان (٣) في جواز خلوّ القادر من الأخذ والترك ، فجوّزه أبو هاشم ، ومنعه أبوه (٤) ، فعلى جواز الخلوّ الأخذ والترك ضدّان ـ كما ذكر المصنّف ـ وعلى عدمه نقيضان.
قال : ( وقد احتجّ الأوّلون بوجهين : الأوّل : أنّ معنى اللطف حاصل فيها فيكون لطفا. أمّا الصغرى ؛ فللعلم الضروري بقرب المتّصف بها من الطاعة وبعده من المعصية. والكبرى ظاهرة ).
أقول : احتجّ القائلون باللطف بوجهين : أحدهما لميّ ، والآخر خلفي.
فالأوّل قال : معنى اللطف حاصل فيها ، وهذه صغرى دليل حذفت كبراه لظهورها ، وهي كلّ ما حصل فيه معنى اللطف فهو لطف.
ينتج من الشكل الأوّل أنّ العبادات لطف ، وبيّن الصغرى بأنّ الضرورة قضت بقرب من اتّصف بها من الطاعة وبعده من الطاعة وبعده من المعصية. والكبرى غنيّة عن البيان.
[ قال ] : ( وعليه نبّه البارئ جلّ ذكره بقوله :
( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٥)
__________________
(١) مناهج اليقين في أصول الدين : ٧٧.
(٢) مناهج اليقين في أصول الدين : ٧٨.
(٣) الجبائية والبهشميّة أصحاب أبي علي محمّد بن عبد الوهّاب الجبائي ، وابنه أبي هاشم عبد السلام ، وهما من معتزلة البصرة ، انفردا عن أصحابهما بمسائل وانفرد أحدهما عن صاحبه بمسائل. الملل والنحل ١ : ٧٨ ـ ٨٠.
(٤) مناهج اليقين في أصول الدين : ٨١ ـ ٨٢.
(٥) هود (١١) : ١١٤.