«المسألة الحادية عشرة»
فى استحالة الكذب فى كلام الله تعالى
لا نعرف خلافا بين المعترفين بأن الله ـ تعالى ـ / متكلم بكلام فى استحالة الكذب فى كلامه ، وسواء كان الكلام هو القائم بالنفس أو الحروف ، والأصوات على خلاف المذاهب ، وإن اختلفت مآخذهم فى الاستدلال.
وقد استدل المعتزلة على استحالة الكذب فى كلام الرب ـ تعالى ـ بأن الكلام من فعله ، والكذب قبيح لذاته ، والله ـ تعالى ـ لا يفعل القبيح. وهو مبنى على فاسد أصولهم : فى (١) أن القبح ، والحسن (١) ذاتى. وفى إيجابهم رعاية الصلاح ، والأصلح ، وسيأتى بطلانه (٢).
وأما أصحابنا : فلهم فى بيان استحالة الكذب على كلام الله ـ تعالى ـ القديم النفسانى مسلكان : عقلى ، وسمعى.
أما المسلك العقلى :
فهو أنا نقول : الصدق ، والكذب فى الخبر من الكلام النفسانى القديم ليس لذاته ونفسه ؛ بل بالنظر إلى ما يتعلق به من المخبر عنه.
فإن كان قد تعلق به على ما هو عليه ؛ كان الخبر صادقا.
وإن كان الخبر على خلافه ؛ كان الخبر كاذبا.
وعند ذلك : فلو تعلق خبر الرب ـ تعالى ـ القائم بنفسه بأمر ما على خلاف ما هو عليه لم يخل : إما أن يكون ذلك مع العلم به ، أو لا مع العلم به.
لا جائز أن يقال لا مع العلم به : وإلا كان الرب ـ تعالى ـ جاهلا ببعض الأشياء ؛ وهو ممتنع كما سبق فى الصفات.
وإن كان ذلك مع العلم به : فمن كان عالما بالشيء يستحيل أن لا يقوم بنفسه الإخبار عنه على ما هو به ؛ وهو معلوم بالضرورة.
__________________
(١) فى ب (أن الحسن والقبح).
(٢) فى ب (إبطاله). انظر ل ١٨٦ / أوما بعدها.