مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

( مسألة ٣ ) : الأحوط تفخيم اللام من « الله » ، والراء من « أكبر » ، ولكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً [١].

( مسألة ٤ ) : يجب فيها القيام [٢]

______________________________________________________

والتذكرة ، والسرائر : تخصيص البطلان بصورة قصد الجمع أعني جمع « كبر » وهو الطبل ، فلو قصد الافراد صح. وفي القواعد : « ويستحب ترك المد في لفظ الجلالة وأكبر » ، ونحوه عبارة الشرائع ، وما عن النافع ، والمعتبر ، والإرشاد. والظاهر بل المقطوع به إرادة صورة قصد الافراد. وعلل الجواز في المنتهى : بأنه قد ورد الإشباع في الحركات الى حيث ينتهي إلى الحروف في لغة العرب ، ولم يخرج بذلك عن الوضع ، وفسره في كشف اللثام ـ بعد نقله يعني ورد الإشباع كذلك ـ في الضرورات ونحوها من المسجعات ، وما يراعى فيه المناسبات ، فلا يكون لحناً وإن كان في السعة. وفي الحدائق : « ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في لغة العرب ».

أقول : إن تمَّ ذلك ـ كما يشهد به سيرة المؤذنين ـ كان القول بالصحة في محله ، ولو شك فالمرجع قاعدة الاحتياط للدوران بين التعيين والتخيير ، لا لكون الشك في المحصل ، لأنه إنما يقتضي الاحتياط مع وضوح المفهوم لا مع إجماله ، والمقام من الثاني.

[١] لأن الظاهر كونه من محسنات القراءة ، لا من شرائط الصحة.

[٢] كما صرح به جماعة كثيرة. بل عن إرشاد الجعفرية ، والمدارك : الإجماع عليه. ويشهد له ـ مضافاً إلى ما دل على وجوب القيام في الصلاة الظاهر في وجوبه في التكبير كوجوبه في القراءة ، لأنهما جميعاً من الصلاة صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) : « الصحيح يصلي قائماً » (١) ، وصحيح زرارة : قال أبو جعفر (ع) ـ في حديث ـ : « ثمَّ استقبل القبلة

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١.

٦١

والاستقرار [١] ، فلو ترك أحدهما بطل ، عمداً كان أو سهواً.

( مسألة ٥ ) : يعتبر في صدق التلفظ بها بل وبغيرها‌

______________________________________________________

بوجهك ، ولا تقلب وجهك عن القبلة‌ .. إلى أن قال : وقم منتصباً ، فان رسول الله (ص) قال : من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » (١) وموثق عمار ـ في حديث ـ : قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل‌ .. الى أن قال (ع) : وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ، ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد » (٢) وعن المبسوط والخلاف : « إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع ، وأتى ببعض التكبير منحنياً صحت صلاته » ، مستدلا عليه : « بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير ، وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصلوا بين أن يكبر قائماً أو يأتي به منحنياً ، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل ». وفيه ـ مضافا إلى ضعف دليله ـ مخالفته لما سبق ، ولصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع ، وكبر الرجل وهو مقيم صلبه ، ثمَّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة » (٣) فتأمل.

[١] للإجماع على اعتباره في القيام كما عن غير واحد ، وفي الجواهر : « الإجماع متحقق على اعتباره فيه » ، ويشهد له ما في خبر سليمان بن صالح : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٤) بناء على أن المراد من التمكن الاستقرار والطمأنينة كما هو الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب القبلة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القيام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١٢.

٦٢

من الأذكار والأدعية والقرآن أن يكون بحيث يسمع نفسه [١] تحقيقاً أو تقديراً ، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح.

______________________________________________________

لكنه معارض بما دل على جواز الإقامة ماشياً (١) ، وبعد حمله على الاستحباب لا مجال للبناء على الوجوب في الصلاة. ورواية السكوني فيمن يريد أن يتقدم الى وهو في الصلاة قال (ع) : « يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثمَّ يقرأ » (٢) وفيه : انه لا يشمل ما نحن فيه.

وما قد يدعى من دخوله في مفهوم القيام الواجب نصاً وفتوى ، ولذا لم يتعرض الأكثر لوجوبه في المقام مع ما عرفت من إجماعهم عليه. فيه : أنه ممنوع ، وعدم التعرض له أعم من ذلك. فالعمدة إذاً في دليله الإجماع ، والقدر المتيقن منه صورة العمد. فدعوى ركنيته ـ كما عن الشهيد وتبعه عليه المصنف (ره) وجماعة ، فتبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً ـ غير ظاهرة نعم لا بأس بدعوى ذلك في القيام ، لما عرفت من موثق عمار فيخصص به حديث : « لا تعاد الصلاة ».

[١] المعروف بين الأصحاب أن أقل الجهر أن يسمع القريب منه ، تحقيقاً أو تقديراً ، وحد الإخفات أن يسمع نفسه كذلك ، قال في المعتبر : « وأقل الجهر أن يسمع غيره القريب ، والإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعاً ، وهو إجماع العلماء ». وقال في المنتهى : « أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب ، أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً ، بلا خلاف بين العلماء. والإخفات أن يسمع نفسه ، أو بحيث يسمع لو كان سامعاً وهو وفاق ». وقال الشيخ (ره) في محكي تبيانه : « حد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره ، والمخافتة بأن يسمع نفسه ». وعلله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٦٣

______________________________________________________

في المعتبر والمنتهى : بأن ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة ، ولا يخلو من تأمل.

نعم يشهد له مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه » (١) ، وموثق سماعة : « سألته عن قول الله عز وجل ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٢) قال (ع) : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً » (٣) ، ونحوه ما عن تفسير القمي عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، وصحيح الحلبي عنه (ع) : « سألته هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال (ع) : لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة » (٥) ، بناء على أن الهمهمة الصوت الخفي كما عن القاموس. لكن عن نهاية ابن الأثير : انها كلام خفي لا يفهم. وحينئذ ينافي ما سبق إلا من جهة أن مورده من كان ثوبه على فمه المانع من سماع صوته ، أو المراد أنه لا يفهمه الغير.

وأما صحيح ابن جعفر (ع) : « عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته ، ويحرك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال (ع) : لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما » (٦) فلا مجال للعمل به ، للإجماع بل الضرورة على اعتبار حركة اللسان التي هي قوام النطق ، فلا بد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥‌

٦٤

( مسألة ٦ ) : من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم [١] ولا يجوز له الدخول [٢]

______________________________________________________

طرحه ، أو حمله على القراءة خلف من لا يقتدي به ، كما في غير واحد من النصوص‌ (١). هذا وقد يستشكل في عموم الحكم المذكور للمقام ، لأن النصوص ـ عدا موثق سماعة‌ ـ غير شامل للتكبير ، والموثق وارد في تفسير الآية المنصرفة إلى القراءة ، فلم يبق حجة فيه إلا ما سبق عن المعتبر والمنتهى الذي قد عرفت أنه محل نظر. وفيه أنه لو سلم عدم إمكان التعدي من مورد النصوص إلى المقام كفى موثق سماعة‌. ودعوى انصراف الآية ممنوعة ، فالعمل بما في المنن متعين. ويأتي إن شاء الله في مبحث الجهر بالقراءة ما له نفع في المقام.

[١] إجماعا ظاهراً ، وفي الجواهر نفي الخلاف فيه. والمراد منه إن كان تمرين اللسان على النطق بها صحيحة ـ كما يظهر من ملاحظة كلماتهم ـ فوجوب التعليم غيري شرعي ، لأنه مقدمة لذلك ، وإن كان المراد تحصيل العلم بالكيفية الصحيحة فإن قلنا بوجوب الامتثال التفصيلي مع التمكن منه فالوجوب أيضاً غيري ، لكنه عقلي ، للمقدمية للامتثال التفصيلي الذي هو واجب عقلي ، وإن لم نقل بذلك واكتفينا بالامتثال الإجمالي مطلقاً فان لم يمكن الاحتياط بالتكرار فالوجوب عقلي من باب وجوب المقدمة العلمية ، وإن أمكن الاحتياط بالتكرار لم يجب التعلم تعييناً ، بل وجب تخييراً بينه وبين الاحتياط بالتكرار.

[٢] يعني مع إمكان التعلم وقدرته عليه. والمراد منه على المعنى الأول من معنى التعلم أنه لا تصح صلاته لخلوها عن التكبير الصحيح ، ولا ينافيه القول بجواز البدار لذوي الأعذار ، فإن ذلك إنما هو إذا كان للواجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة.

٦٥

في الصلاة قبل التعلم إلا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة [١] ،

______________________________________________________

بدل شرعي يمكن أن يدعى إطلاقه فيشمل أول الوقت ، لا في المقام الذي ينحصر دليل لبدلية فيه بالإجماع ونحوه غير الشامل لأول الوقت قطعاً. هذا وعلى المعنى الثاني فالمراد من عدم جواز الدخول عدم الاكتفاء بالفعل عند العقل ، لعدم إحراز أداء المأمور به.

[١] على قدر الإمكان إجماعاً ، لفحوى ما ورد في الألثغ والأليغ والفأفاء والتمتام ، وما ورد في مثل بلال ومن مائلة ، وفي الأخرس الذي لا يستطيع الكلام أبداً. كذا في الجواهر (١).

وأما موثقة مسعدة بن صدقة : « سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول : إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم ، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح » (٢) وما‌ ورد من : « أنه كلما غلب الله تعالى عليه فهو أولى بالعذر » (٣) وما‌ ورد من أنه : « ليس شي‌ء ما حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر إليه » (٤) فإنما تصلح لنفي وجوب التام لا إثبات وجوب الناقص. وأما حديث : « لا تسقط الصلاة بحال » (٥) فلا يدل على كيفية الواجب. وأما‌ حديث : « لا يترك الميسور بالمعسور » (٦) فغير ثابت الحجية في نفسه ولا باعتماد الأصحاب‌

__________________

(١) الطبعة الحديثة ج ٩ صفحة ٣١١.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب قضاء الصلوات.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٦ ـ ٧.

(٥) حديث مستفاد مما ورد بشأن المستحاضة : « انها لا تدع الصلاة بحال ». راجع الوسائل باب : ١ من أبواب الاستحاضة حديث : ٥.

(٦) غوالي اللئالي.

٦٦

وإن لم يقدر فترجمتها من غير العربية [١] ، ولا يلزم أن يكون بلغته [٢] وإن كان أحوط ، ولا يجزي عن الترجمة غيرها من الأذكار والأدعية وإن كانت بالعربية [٣] ، وإن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفا فحرفا قدم على الملحون والترجمة [٤].

______________________________________________________

عليه. فالعمدة الإجماع المؤيد أو المعتضد بالفحوى.

[١] وهو مذهب علمائنا ـ كما في المدارك ـ لإطلاق ما دل على أن مفتاح الصلاة التكبير ، وأن تحريمها التكبير الشامل للترجمة ، ولا ينافيه تقييده بـ « الله أكبر » ، لأن العمدة في دليل التقييد الإجماع ، وهو يختص بحال القدرة ، فيبقى الإطلاق بحاله في العجز. اللهم إلا أن يكون الإطلاق منصرفا إلى ما كان باللغة العربية فلا يشمل الترجمة ، أو أن هذه النصوص ونحوها ليست واردة في مقام التشريع ، بل في مقام إثبات أثر للمشروع ، من أنه مفتاح ، وبه تحرم المنافيات ، فلا إطلاق لها. فالمرجع يكون أصل البراءة كما عن المدارك احتماله.

[٢] كما صرح به غير واحد ، وهو في محله لو كان إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة. لكن عرفت إشكاله ، وأن العمدة الإجماع. وحينئذ يدور الأمر بين التخيير والتعيين. والمشهور فيه الاحتياط والعمل على التعيين. ولعله لذلك قال في القواعد : « أحرم بلغته » ، ونحوه ما عن المبسوط وغيره. وفي المعتبر : « انه حسن لأن التكبير ذكر ، فاذا تعذر صورة لفظه روعي معناه ». لكن التعليل لا يقتضي التقييد بلغته.

[٣] لعدم الدليل على البدلية ، والأصل عدمه. وفي كشف اللثام : « لا يعدل إلى سائر الأذكار ـ يعني ما لا يؤدي معناه ـ وإلا فالعربي منها أقدم نحو : الله أجل وأعظم ». لكن في كون معنى ذلك التكبير إشكال ظاهر.

[٤] لأنه الواجب الاختياري ، فلا ينتقل الى بدله مع إمكانه.

٦٧

( مسألة ٧ ) : الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان [١] وإن عجز عن النطق أصلا أخطرها بقلبه وأشار إليها مع تحريك لسانه [٢] إن أمكنه.

______________________________________________________

[١] لما سبق فيمن لا يقدر على التعلم وقد ضاق الوقت.

[٢] كما عن الروض ، وعن البيان وغيره ذلك ، مع تقييد الإشارة بالإصبع. وعن المبسوط وغيره الاقتصار على الإشارة بالإصبع. وعن الإرشاد والمدارك ذلك مع الأول. وعن التذكرة والذكرى ذلك مع الأخير. وعن نهاية الأحكام : « يحرك لسانه ويشير بأصابعه أو شفته ولهاته مع الإشارة وتحريك اللسان » وفي غيرها غير ذلك.

والعمدة فيه خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (١) بناء على فهم عدم الخصوصية للموارد الثلاثة المذكورة فيه ـ كما هو غير بعيد ـ فيكون المراد : أن الأخرس يؤدي عباداته القولية بما يؤدي به مراداته ومقاصده من تحريك اللسان والإشارة بالإصبع ، وإهماله ذكر عقد القلب من أجل أنه ليس في مقام بيان تمام ما يجب عليه ، بل في مقام بيان ما هو بدل عن اللفظ المتعذر عليه. بل لما كان اللفظ في الناطق إنما يكون بعنوان كونه مرآة للمعنى فلازم بدلية تحريك اللسان والإشارة بالإصبع عنه أنهما مستعملان مرآة للمعنى أيضاً ، فالمعنى لا بد من لحاظه للأخرس كما لا بد من لحاظه للناطق بنحو واحد ، ولعل ما ذكر هو الوجه في إهمال ذكره في المبسوط والتذكرة والذكرى والنهاية ـ كما حكي ـ لابناءهم على عدم لزومه ، وأما عدم تقييد الإشارة بالإصبع في المتن تبعاً لغيره فلعل الوجه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٦٨

( مسألة ٨ ) : حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام [١] حتى في إشارة الأخرس.

( مسألة ٩ ) : إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم وصحت صلاته [٢] على الأقوى ، والأحوط القضاء بعد التعلم.

______________________________________________________

فيه ما في كشف اللثام : من أن الإصبع لا يشار بها الى التكبير غالباً ، وإنما يشار بها الى التوحيد. وفيه منع ظاهر كما يشير اليه خبر السكوني‌ ، ودعوى أن ما في الخبر راجع الى التشهد خاصة ممنوعة. فالأخذ بظاهره متعين.

[١] لاشتراكهما في الوجوه المتقدمة.

[٢] أما الإثم فلأن الظاهر من أدلة الابدال الاضطرارية ثبوت البدلية في ظرف سقوط التكليف بالمبدل منه الاختياري ، للعجز المسقط عقلا للتكاليف ، لا تقييد الحكم الاختياري بالقدرة بنحو تكون القدرة شرطاً للوجوب شرعا ، ليكون منوطاً بها إناطة الوجوب المشروط بشي‌ء بوجود ذلك الشي‌ء ، كي لا يجب حفظها عقلا ، كما لا يجب حفظ شرائط الوجوب على ما تقرر في محله من الأصول من أن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه لأن ذلك خلاف الظاهر منها عرفا ، فيكون الوجوب الثابت للمبدل منه مطلقاً غير مشروط ، فتفويت مقدمته معصية له عقلا موجبة لاستحقاق العقاب ، كما أشرنا الى ذلك في التيمم ووضوء الجبائر وغيرهما من المباحث.

وأما الصحة فلإطلاق البدلية المستفاد من الأدلة المتقدمة. نعم ـ بناء على ما عرفت من الإشكال في أدلتها وأن العمدة فيها الإجماع ـ يشكل القول بالصحة. اللهم الا أن يقال : صحة الصلاة في الجملة مما تستفاد من حديث : « لا تسقط الصلاة بحال » (١) ، فالإشكال إنما يكون في وجوب‌

__________________

(١) مر الكلام فيه في أواخر المسألة السادسة من هذا الفصل‌

٦٩

( مسألة ١٠ ) : يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام [١] ، فيكون المجموع سبعة وتسمى بالتكبيرات الافتتاحية [٢]

______________________________________________________

بدل التكبير مع التقصير في التعلم ، لا في أصل الصحة ، فما عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس من التصريح بعدم صحة الصلاة ضعيف. لكن الإشكال في ثبوت الحديث المذكور ، إذ لم أعثر عليه في كتب الحديث لا مسنداً ولا مرسلا ، وإنما هو مذكور في كلام بعض المتأخرين من الفقهاء ، منهم صاحب الجواهر في موارد كثيرة : منها مسألة فاقد الطهورين. ولعله يأتي في بعض المباحث التعرض له إن شاء الله تعالى.

[١] إجماعاً كما عن الانتصار والمختلف ، وفي المنتهى : « لا خلاف بين علمائنا في استحباب التوجه بسبع تكبيرات ». ونحوه ما عن جامع المقاصد والحدائق. والنصوص الدالة عليه كثيرة ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال (ع) : « أدني ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة ، وثلاث ، وخمس ، وسبع أفضل » (١) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن رسول الله (ص) كان في الصلاة ، وإلى جانبه الحسين ابن علي (ع) فكبر رسول الله (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير ، ثمَّ كبر رسول الله (ص) فلم يحر الحسين (ع) بالتكبير ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبر ويعالج الحسين (ع) التكبير فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين (ع) التكبير في السابعة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فصارت سنة » (٢). ونحوهما غيرهما مما يأتي إن شاء الله تعالى.

[٢] كما تضمنته النصوص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١.

٧٠

ويجوز الاقتصار على الخمس ، وعلى الثلاث [١] ، ولا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام [٢]

______________________________________________________

[١] كما تقدم في صحيح زرارة‌. وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة ، وان شئت ثلاثاً ، وان شئت خمساً ، وان شئت سبعاً ، فكل ذلك مجز عنك ، غير انك إذا كنت إماماً لم تجهر إلا بتكبيرة » (١).

[٢] كما صرح به غير واحد ، وظاهر المنتهى والذكرى : نسبته إلى أصحابنا ، وعن المفاتيح والبحار : انه لا خلاف فيه ، وفي كشف اللثام : « قد يظهر من المراسم والغنية والكافي أنه يتعين كونها الأخيرة ، وربما نسب الى المبسوط أيضاً » وعن البهائي في حواشي الاثنى عشرية ، والجزائري والكاشاني في الوافي ، والمفاتيح ، والبحراني في الحدائق : الظاهر أنها الأولى.

واستدل له في الحدائق بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ، ثمَّ ابسطهما بسطاً ، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات » (٢) بتقريب أن الافتتاح إنما يصدق بتكبيرة الإحرام والواقع قبلها من التكبيرات ـ بناء على ما زعموه ـ ليس من الافتتاح في شي‌ء. وفيه : أن ظاهر الصحيحة ـ بقرينة جعل الجزاء رفع الكفين ، وبسطهما ، والتكبيرات الثلاث ، والأدعية ، وبقية التكبيرات السبع ـ أن المراد : إذا أردت الافتتاح ، وحينئذ يكون ما ذكر بعده بياناً لما به الافتتاح فتكون ظاهرة في وقوع الافتتاح بتمام التكبيرات السبع ، فإن أمكن الأخذ به تعين ما حكي عن والد المجلسي (ره) : من كون الجميع تكبيرات الافتتاح ، وإلا كانت الرواية خالية عن التعرض لتعيين تكبيرة الإحرام ، وأنها الاولى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١.

٧١

______________________________________________________

أو الأخيرة أو غيرها.

واستدل أيضا بصحيحة زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء‌ .. الى أن قال : ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت به دابته ، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه » (١). وفيه أن الاستدلال إن كان من جهة الأمر بالاستقبال بأول تكبيرة فهو أعم من كون الأولى تكبيرة الإحرام ، لجواز كون غيرها تكبيرة الإحرام ومع ذلك اكتفي بالاستقبال حالها لكونها من الأجزاء المستحبة المتعلقة بالصلاة ، مع أنه لا ينفي ما ذهب اليه والد المجلسي (ره) ، وكذا لو كان الاستدلال من جهة قوله (ع) : « حين يتوجه » ، مع أنه يتوقف على كونه بدلا من الأول لا قيداً للتكبيرة المضاف إليها كما لا يخفى بالتأمل ، وبصحيحة زرارة الأخرى عن أبي جعفر (ع) الواردة بتعليل استحباب السبع بإبطاء الحسين (ع) عن الكلام حيث قال (ع) فيه : « فافتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة فكبر الحسين (ع) ، فلما سمع رسول الله (ص) تكبيره عاد فكبر (ص) فكبر الحسين (ع) ، حتى كبر رسول الله (ص) سبع تكبيرات وكبر الحسين (ع) ، فجرت السنة بذلك » (٢) بتقريب أن التكبير الأول الذي كبره النبي (ص) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة ، لإطلاق الافتتاح عليها ، والعود الى التكبير ثانياً وثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (ع) على النطق. وفيه أن ذلك كان قبل تشريع السبع فلا يدل على ذلك بعد تشريعه ، مع أن الفعل لإجماله لا يدل على تعين ذلك كلية ، والحكاية من المعصوم لم تكن لبيان هذه الجهة كي ترفع إجماله. نعم قوله (ع) : « فجرت بذلك السنة » يدل على التعيين لو كان راجعا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب صلاة الخوف حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٤.

٧٢

______________________________________________________

الى هذه الجهة. لكن الظاهر رجوعه إلى أصل تشريع السبع ، لا أقل من احتمال ذلك ، المانع من صحة الاستدلال به. وبصحيحة زرارة الثالثة عن أبي جعفر (ع) : « قلت : الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح .. » (١) إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام. وفيه ـ مع أنها ظاهرة فيما ذهب اليه والد المجلسي (ره) ـ أن الجواب بصحة الصلاة يقتضي حملها على كون المنسية ليست تكبيرة الإحرام ، فإن نسيانها موجب للبطلان كما تقدم ، فتكون دليلا على بطلان القول المذكور.

وأما القول بأنه الأخيرة فقد استظهره في الجواهر من النصوص المتضمنة لاخفات الامام بست والجهر بواحدة ، بضميمة ما دل على إسماع الإمام المأمومين كلما يقوله في الصلاة ، فإنه لو كان الافتتاح بغير الأخيرة يلزم تخصيص الدليل المذكور ، بخلاف ما لو بني على كونها الأخيرة فإن عدم الاسماع يكون فيما قبل الصلاة. وفيه ما عرفت من أن أصالة عدم التخصيص ليست حجة في تشخيص الموضوع. ومن المرسل : « كان رسول الله (ص) أتم الناس صلاة ، وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال (ص) : الله أكبر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » (٢). وفيه أن ظاهره اتحاد التكبير ، كما يقتضيه أيضاً أنه في مقام بيان الإيجاز ، ولو حمل على إرادة بيان ما يجهر به (ص) ـ كما يشير اليه خبر الحسن بن راشد الآتي في إجهار الامام بالتكبيرة‌ ـ فلا يدل على موقع الست التي يخفت بها ، ولو سلم أنه يدل على أنها كانت قبل التكبير الذي يجهر به فهو حكاية لفعل مجمل ، وكونها حكاية من المعصوم في مقام البيان غير ظاهرة من المرسل. وأما ما في الرضوي : « واعلم أن

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١٢.

٧٣

في أيتها شاء ، بل نية الإحرام بالجميع [١] أيضاً ،

______________________________________________________

السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة » (١) فلا يصلح للحجية عليه. وكأنه لذلك قال في كشف اللثام : « لا أعرف لتعينه ـ يعني لتعين الأخير أو فضله ـ علة .. ». وأما القول بالتخيير ، فاستدل له في الجواهر بإطلاق الأدلة ، ولم أقف على هذا الإطلاق. نعم مقتضى أصالة البراءة عدم قدح تقديم التكبير المستحب عليها ، ولا تأخيره عنها ، ولا تقديم بعضه وتأخير آخر. لكن في ثبوت التخيير بذلك تأمل.

[١] كما عن المجلسي الأول ، وهو الذي تشهد له النصوص التي منها ـ مضافاً الى ما تقدم صحيح زيد الشحام : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الافتتاح؟ فقال : تكبيرة تجزئك. قلت : فالسبع؟ قال (ع) : ذلك الفضل » (٢) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ ، والثلاث أفضل ، والسبع أفضل كله » (٣) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « الامام تجزئه تكبيرة واحدة ، وتجزئك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك » (٤) ، وخبر هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (ع) : « قلت له : لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات‌ .. الى أن قال (ع) : فتلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات » (٥) ، الى غير ذلك.

وبالجملة نصوص الباب ما بين ما هو ظاهر في ذلك وصريح فيه ، وما هو‌

__________________

(١) فقه الرضا صفحة : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٧.

٧٤

______________________________________________________

غير آب له فيتعين البناء عليه. وما في الجواهر : من أنه يجب الخروج عن ذلك لإجماع الأصحاب على اتحاد التكبير غير ظاهر ، لإمكان دعوى تواتر النصوص تواتراً إجمالياً أو معنوياً ، والقطع بإرادة خلافها غير متحقق ، والاعراض عنها بنحو يوجب سقوطها عن الحجية غير حاصل ، لإمكان أن يكون لشبهة ، والتخيير بين الأقل والأكثر لا مانع منه عقلا ، فيما لو كان للأكثر هيئة اتصالية عرفية توجب صحة انطباق الطبيعة على الأكثر بنحو انطباقها على الأقل ، كالخط الطويل والقصير ، والمشي الكثير والقليل ، والكلام الكثير والقليل. مع أنه لو بني على امتناع الوجوب التخييري بين الأقل والأكثر مطلقاً ، تعين البناء على كون الأولى واجبة والباقية مستحبة ، مع كون الجميع للافتتاح ، لا أن واحدة منها للافتتاح والزائد عليها لغيره ، كما هو المشهور.

اللهم إلا أن يكون مرجع المنع من التخيير بين الأقل والأكثر هنا الى المنع من تحقق الافتتاح بكل من القليل والكثير ، فالافتتاح لا بد أن يكون بواحدة والزائد عليها ليس للافتتاح. وحينئذ فإن كانت تكبيرة الافتتاح ليس لها عنوان مخصوص بل مجرد التكبيرة كانت هي الأولى لا غير ، وما بعدها ليس للافتتاح ، كما اختاره في الحدائق وغيرها. وإن كان لها عنوان مخصوص تمتاز به عما عداها تخير المكلف في جعلها الأولى وجعلها غيرها ، كما هو المشهور. لكن المبنى المذكور ـ أعني امتناع الوجوب التخييري بين الأقل والأكثر ضعيف.

فان قلت : إمكان ذلك مسلم ، إلا أن الدليل إذا دل على أن الأكثر أفضل كان ظاهراً في أن صرف طبيعة المصلحة يترتب على الأقل ، وأن الأكثر موضوع لزيادة المصلحة ، لأن أفضلية شي‌ء من شي‌ء معناها كون الأفضل أكثر مصلحة من المفضول. فالأقل إذا كان فيه مصلحة والأكثر أكثر مصلحة منه كان تزايد المصلحة ناشئاً من تزايد الوجود ، فصرف وجود‌

٧٥

______________________________________________________

التكبير فيه مصلحة ، والوجود الكثير منه أكثر مصلحة فيكون كل مرتبة من وجود التكبير موضوع لمرتبة من وجود المصلحة. فموضوع الوجود صرف طبيعة التكبير ، وموضوع الاستحباب الوجود الزائد على صرف الطبيعة الذي هو موضوع المصلحة الزائدة غير الملزمة. وعلى هذا يكون ما في النصوص : من أن السبع أفضل قرينة على صرف ما ظاهره التخيير الى أن الأولى واجبة لا غير ، والزائد عليها مستحب لا غير ، لا أن الأكثر يكون كله واجباً ، ويكون أفضل الفردين ، كما هو معنى التخيير بين الأقل والأكثر الذي مال إليه المجلسي (ره).

قلت : هذا قد يسلم في مثل قوله : « سبح في الركوع واحدة أو ثلاثاً ، والثلاث أفضل » لا في مثل المقام من قولهم (ع) : « افتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع وهي أفضل » (١). فإن ظهوره في كون الافتتاح يكون بالأقل والأكثر لا معدل عنه ، ومجرد كون السبع أفضل لا يصلح قرينة على أن الافتتاح يكون بالأولى من السبع لا غير ، لأن هذا اللسان يتضمن الوضع زائداً على التكليف ، واللسان الأول لا يتضمن إلا التكليف ، فلا مجال للمقايسة بينهما. فلا موجب لرفع اليد عن ظاهر النصوص ، فلاحظ.

ثمَّ إن المصنف (ره) ـ مع أنه لم يستبعد القول المشهور ـ جوَّز العمل على ما هو مذهب المجلسي (ره) ، مع أن مبنى القولين مختلف. فإن الأول مبني على أن تكبيرة الإحرام مخالفة للتكبيرات الست بحسب الخصوصية اختلاف الظهر والعصر ، وإن كانت مشتركة بحسب الصورة. ومبنى الثاني أنها جميعاً متحدة الحقيقة. كما أن لازم الأول ـ كما سبق ـ أنه لو نوى الإحرام بأكثر من واحدة بطلت الصلاة لزيادة الركن ، وليس.

__________________

(١) مضمون صحيحة زرارة المتقدمة في أول المسألة‌

٧٦

لكن الأحوط اختيار الأخيرة ، ولا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين [١] والظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية ، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة [٢]. وربما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع [٣]

______________________________________________________

كذلك على الثاني ، كما هو ظاهر. ومن ذلك تعرف الإشكال في قوله (ره) : « لكن الأحوط اختيار الأخيرة » فإنه إنما يناسب الفتوى بمذهب المشهور.

[١] إذ هو لا خارجية له ولا مصداق ، فلا يتحقق الافتتاح به.

[٢] كما عن صريح جماعة وظاهر آخرين ، حيث جعلوه من مسنونات الصلاة كالمحقق وغيره في الشرائع وغيرها. وفي الجواهر : « لعله المشهور بين المتأخرين » ، وحكي عن المفيد والحلي ، لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة. ودعوى الانصراف الى الفريضة أو خصوص اليومية ـ كما عن الحدائق ـ ممنوعة بنحو يعتد بها في رفع اليد عن الإطلاق ، ولو سلم ، فقد عرفت مكرراً أن مقتضى الإطلاق المقامي إلحاق النوافل بالفرائض فيما يجب وما يستحب ، فما عن السيد (ره) في ( محمدياته ) : من التخصيص بالفرائض. غير واضح.

[٣] حكي ذلك عن الشيخين ، والقاضي ، والتحرير ، والتذكرة ، ونهاية الاحكام ، وكذا عن سلار ، مع إبدال صلاة الإحرام بالشفع. وعن رسالة ابن بابويه : الاقتصار على الستة الأولى بإخراج الوتيرة ، بل ربما نسب الى المشهور ، وعن الشيخ (ره) : الاعتراف بعدم وقوفه على خبر مسند يشهد به ، وكذا حكي عن الفاضل ، مع أنهما ممن نسب اليه القول بالعموم للسبع ، وما عن « فلاح السائل » عن أبي جعفر (ع) : « افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في أول الزوال ، وصلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن

٧٧

وهي : كل صلاة واجبة ، وأول ركعة من صلاة الليل ، ومفردة الوتر ، وأول ركعة من نافلة الظهر ، وأول ركعة من نافلة المغرب ، وأول ركعة من صلاة الإحرام ، والوتيرة. ولعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع [١].

( مسألة ١١ ) : لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات ، بل أقوال : تعيين الأول ، وتعيين الأخير ، والتخيير ، والجميع ، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات ومراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا ، ويعين في قلبه ما شاء ، وإلا فهو ما عند‌

______________________________________________________

تكبر تكبيرتين لكل ركعة » (١) لا ظهور فيه في الاختصاص ، وكذا ما عن الفقه الرضوي : « ثمَّ افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير ، فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي : أول ركعة من صلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وأول ركعة من نوافل المغرب ، وأول ركعة من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من ركعتي الإحرام ، وأول ركعة من ركعات الفرائض » (٢) مع أنه لا يخلو من إجمال ، والأول مورده الثلاثة ، والثاني غير متعرض للوتيرة.

[١] كما هو ظاهر عبارة المقنعة ، فإنه بعد ما ذكر استحبابها لسبع قال : « ثمَّ هو فيما بعد هذه الصلاة يستحب ، وليس تأكيده كتأكيده فيما عددناه ».

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١‌

(٢) فقه الرضا صفحة : ١٣.

٧٨

الله من الأول أو الأخير أو الجميع [١].

( مسألة ١٢ ) : يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء [٢] لكن الأفضل [٣] أن يأتي بالثلاث ، ثمَّ يقول :

( اللهم أنت الملك الحق ، لا إله إلا أنت ، سبحانك إني ( ظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي ذنبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) ثمَّ يأتي باثنتين ويقول : ( لبيك وسعديك ، والخير في يديك والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلا إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت ) ثمَّ يأتي باثنتين ويقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، حَنِيفاً مُسْلِماً ، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي ، وَنُسُكِي ، وَمَحْيايَ ، وَمَماتِي لِلّهِ )

______________________________________________________

[١] ولا ينافيه كون قصده تقديريا ، للاكتفاء به في العبادة ، ولا سيما مع عدم إمكان العلم الحقيقي بالتقدير.

[٢] كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص. وفي موثق زرارة : « رأيت أبا جعفر (ع) ، أو قال : سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء » (١).

[٣] كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ، ثمَّ ابسطهما بسطاً ، ثمَّ كبر ثلاث تكبيرات ، ثمَّ قل : اللهم أنت .. إلى آخر الدعاء الأول كما في المتن ، ثمَّ كبر تكبيرتين ، ثمَّ قل : لبيك وسعديك .. الى آخر الدعاء الثاني كما في المتن ، ثمَّ تكبر تكبيرتين ، ثمَّ تقول وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ... إلى آخر الدعاء الثالث كما في المتن ، ثمَّ تعوذ من الشيطان الرجيم ، ثمَّ اقرأ فاتحة الكتاب » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١.

٧٩

( رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وأنا من المسلمين ) ثمَّ يشرع في الاستعاذة وسورة الحمد.

ويستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات [١] : ( اللهم إليك توجهت ، ومرضاتك ابتغيت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت صل على محمد وآل محمد ، وافتح قلبي لذكرك ، وثبتني على دينك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ).

ويستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام [٢] : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، بلغ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدرجة والوسيلة ، والفضل والفضيلة ، بالله استفتح ، وبالله أستنجح ، وبمحمد رسول الله صلى الله عليه وعليهم أتوجه ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم عندك وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ،

______________________________________________________

[١] لم أجده فيما يحضرني من الوسائل ، والمستدرك ، والحدائق ، والجواهر. نعم قال في مفتاح الفلاح : « تقول بعد الإقامة » وذكر الدعاء ، لكنه قال : « ومرضاتك طلبت ، وثوابك ابتغيت ، وعليك توكلت ، اللهم صل .. ».

[٢] كما عن ابن طاوس في فلاح السائل بسنده عن ابن أبي نجران عن الرضا (ع) قال (ع) : « تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة : اللهم .. » (١) الى آخر ما في المتن.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١.

٨٠