مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

( مسألة ١٤ ) : يعتبر في السماع تمييز الحروف والكلمات [١] فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود وإن كان أحوط.

( مسألة ١٥ ) : لا يجب السجود لقراءة ترجمتها [٢] أو سماعها ، وإن كان المقصود ترجمة الآية.

( مسألة ١٦ ) : يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية [٣] ـ إباحة المكان [٤] وعدم علو المسجد بما يزيد على أربعة أصابع [٥] ، والأحوط وضع سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه [٦] ولا يعتبر فيه‌

______________________________________________________

[١] ليكون سماعا للآية ، إذ لو لا ذلك يكون سامعاً لبعضها لا غير.

[٢] لخروجها عن موضوع السببية.

[٣] لكون السجود الواجب عبادة قطعاً ، فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النية ، على ما سبق في الصلاة وغيرها.

[٤] على ما تقدم في الصلاة.

[٥] لإطلاق الصحيح‌ (١) الدال عليه الشامل للمقام. ودعوى انصرافه الى خصوص سجود الصلاة ممنوعة ، مضافا الى ما قيل من انصراف إطلاق الأدلة في المقام إلى خصوصية الكيفية المعتبرة في سجود الصلاة ، وإن كان هو ضعيفاً.

[٦] لأن ما تضمن أن السجود على سبعة أعظم‌ (٢) ، وأن السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض‌ (٣) وإن كان عاما لسجود‌

__________________

(١) المتقدم في المورد السابع من واجبات السجود.

(٢) تقدم في المورد الأول من واجبات السجود.

(٣) تقدم في الجزء الخامس من المستمسك صفحة : ٤٨٧.

٤٢١

الطهارة من الحدث ولا من الخبث [١] ، فتسجد الحائض وجوبا عند سببه ، وندبا عند سبب الندب ، وكذا الجنب ،

______________________________________________________

التلاوة لكنه محتمل الانصراف الى خصوص الصلاة. فتأمل.

هذا ولا يظهر الفرق بين هذين وما سبقهما بحيث يستتبع الجزم به والتوقف فيهما ، لاتحاد ألسنة الأدلة من حيث شمولها للمقام وانصرافها الى خصوص السجود الصلاتي ، من حيث إطلاق دليلها ، أو انصرافه الى خصوص المشتمل على تلك الكيفية المعتبرة في سجود الصلاة ، ولذا عدّها غير واحد منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد في سلك واحد فتوقف في اعتبارها ، وهو في محله.

نعم قد يستفاد من صحيح الحلبي الآتي في الاستقبال عدم اعتبار وضع المساجد ، كما أنه قد يستفاد من دليله كونه من الواجبات في عرض وضع الجبهة ، فيكون من الواجبات الصلاتية ، ولا سيما بملاحظة ما ورد في الإرغام من قولهم (ع) : « لا تجزي صلاة .. » (١) بخلاف الأخيرين فإن الظاهر من دليلهما كونهما من قيود السجود ، ولعله بذلك يفترق هو عنهما فيما نحن فيه. وأما الإجماع على عدم تدارك السجود لو فقد واحداً منها وذكر بعد رفع الرأس فلا يدل على شي‌ء في المقام ، لجواز كون اعتبارها قيداً للسجود في حال الالتفات لا غير.

[١] في المنتهى : « عليه فتوى علمائنا ». ويشهد له ـ مضافا الى الأصل ـ جملة من النصوص كخبر أبي بصير المتقدم : « إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنباً ، وان كانت المرأة لا تصلي » (٢) ، وصحيح الحذاء : « عن الطامث

__________________

(١) تقدم في المورد الخامس من مستحبات السجود.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

٤٢٢

وكذا لا يعتبر فيه الاستقبال [١] ،

______________________________________________________

تسمع السجدة. قال (ع) : إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (١) وصحيح الحلبي : « يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء ، قال (ع) : يسجد إذا كانت من العزائم » (٢) ، ونحوها غيرها ، ومن نصوص الحائض قد يستفاد حكم الخبث لملازمتها غالباً له.

نعم في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال (ع) : تقرأ ولا تسجد » (٣) ، وعن الاستبصار روايته : « لا تقرأ ولا تسجد » (٤) ، وفي خبر غياث : « ولا تسجد إذا سمعت السجدة » (٥) ، وعن المنتقى حملهما على غير العزائم لعمومهما واختصاص ما سبق بالعزائم ، وعن الشيخ حملهما على الرخصة في الترك فيحمل ما سبق على الاستحباب ، وفي الوسائل احتمال حملهما على الإنكار أو على التقية ، والأول أوفق بالجمع العرفي ، وعليه يمكن حمل النهي على الكراهة العبادية لصراحة خبر أبي بصير بجواز فعل المندوبة للحائض. وأما ما في النهاية : من أن الحائض إذا سمعت سجدة القرآن لا يجوز لها أن تسجد ، وما في المقنعة : من أنه لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات ، وما عن كتاب أحكام النساء : « من سمع موضع السجود فان لم يكن طاهراً فليومئ بالسجود إلى القبلة إيماء » فدليله غير ظاهر في قبال ما عرفت.

[١] عندنا كما في كشف اللثام ، وظاهر التذكرة ، وفي المنتهى نسبة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ٤.

(٤) الاستبصار ج ١ صفحة : ٣٢٠ حديث : ١١٩٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الحيض حديث : ٥.

٤٢٣

ولا طهارة موضع الجبهة ، ولا ستر العورة [١] فضلا عن صفات الساتر من الطهارة وعدم كونه حريراً أو ذهباً أو جلد ميتة. نعم يعتبر أن لا يكون لباسه مغصوبا إذا كان السجود يعد تصرفا فيه [٢].

( مسألة ١٧ ) : ليس في هذا السجود تشهد ولا تسليم [٣]

______________________________________________________

الخلاف الى الجمهور الظاهر في عدم مخالف فيه منا ، ويقتضيه الأصل. نعم‌ في صحيح الحلبي المروي عن العلل عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته. قال (ع) : يسجد حيث توجهت به ، فان رسول الله (ص) كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة ، يقول الله عز وجل ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) » (١). فقد يشعر بقرينة التعليل باعتبار الاستقبال فيه كالصلاة ، لكن التأمل يقتضي بأنه يكفي في صحة التعليل رجحان الاستقبال فيه وإن لم يكن شرطاً ، فالخروج به عن مقتضى الأصل وظهور الإجماع غير ظاهر.

[١] للأصل في الجميع ، والتعدي من الصلاة الى المقام غير ظاهر كما عرفت.

[٢] تقدم في مسألة الوضوء من الإناء المغصوب وغيرها الإشكال في ذلك ، وأن التصرف في الشي‌ء إنما ينطبق على الفعل الخارجي المتعلق به ، مثل مسه ، وتحريكه ، وكسره ، ونحو ذلك ، وليس السجود على الأرض تصرفا في الثوب الملبوس ، وإنما يكون التصرف بوضع المسجد عليه لا غير. نعم الهوي إلى السجود قد يؤدي الى التصرف في الثوب لكنه خارج عن العبادة.

[٣] عند علمائنا أجمع كما في التذكرة ، وكشف اللثام ، ونحوه ما عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

٤٢٤

ولا تكبيرة الافتتاح [١]. نعم يستحب التكبير للرفع منه [٢] ، بل الأحوط عدم تركه.

( مسألة ١٨ ) : يكفي فيه مجرد السجود فلا يجب فيه الذكر [٣]

______________________________________________________

جامع المقاصد وغيره للأصل والإطلاق ، وعن بعض العامة وجوبهما معاً ، وعن آخر وجوب التسليم.

[١] إجماعا عندنا كما في التذكرة وكشف اللثام كما سبق ، ويشهد له صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ، ولكن تكبر حين ترفع رأسك » (١) وموثق سماعة : « إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك » (٢) ونحوهما غيرهما.

[٢] للأمر به في النصوص المذكورة وغيرها المحمول على الاستحباب بقرينة موثق عمار أنه : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال (ع) : ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ، ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود » (٣) ، ومنه يظهر ضعف ما عن محتمل مجالس الصدوق ، والمبسوط ، والخلاف ، وجامع الشرائع ، والذكرى ، والبيان ، وغيرها : من الوجوب ، بل قيل قد يظهر من بعضها قال في الذكرى : « لا يجب فيها ذكر ولا تكبير فيها إلا بالرفع » ، وظاهره الوجوب.

[٣] إجماعا كما في المستند ، ويعضده التصريح باستحبابه في كلام جماعة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٣.

٤٢٥

______________________________________________________

مرسلين له إرسال المسلمات ، وعدم نقل القول بوجوبه من أحد. نعم قد يظهر من الأمر به في كلام غير واحد البناء على وجوبه ، لكن لا يبعد الحمل على الاستحباب للأصل وعدم الدليل على الوجوب. نعم في صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده. سجدت لك تعبداً ورقا ، لا مستكبراً عن عبادتك ، ولا مستنكفاً ، ولا مستعظما ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » (١) وعن الفقيه : « روي أنه يقول في سجدة العزائم : لا إله إلا الله حقاً حقا ، لا إله إلا الله إيماناً وتصديقا ، لا إله إلا الله عبودية ورقا ، سجدت لك يا رب تعبداً ورقا ، لا مستنكفاً ، ولا مستكبراً ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » (٢) ، وفي موثق عمار : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا قرأ العزائم .. الى أن قال (ع) : ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود » (٣) ، وعن الفقيه : « ومن قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد وليقل : إلهي آمنا بما كفروا ، وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك الى ما دعوا ، إلهي فالعفو العفو » (٤) ، ونحوه كلام غيره ، وفي الذكرى : « روي أنه يقول في سجدة اقرأ : إلهي آمنا .. » (٥) الى آخر الدعاء المذكور ، وظاهر جميعها أو أكثرها وإن كان هو الوجوب لكن اختلافها مما يأبى ذلك ، إذ يدور الأمر بين الحمل على وجوب الجميع المقطوع بعدمه ، والحمل على الوجوب التخييري البعيد جداً عن سياق كل واحد ، فيتعين الحمل على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٣) تقدم في التعليقة السابقة.

(٤) الفقيه ج : ١ صفحة : ٢٠٠ ملحق حديث : ٩٢٢ طبع النجف الحديث.

(٥) الذكرى : المسألة السادسة من مسائل سجدة التلاوة.

٤٢٦

وإن كان يستحب ، ويكفي في وظيفة الاستحباب كلما كان [١] ولكن الأولى أن يقول : « سجدت لك يا رب تعبداً ورقا ، لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنكفاً ولا مستعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » ، أو يقول : « لا إله إلا الله حقاً حقا لا إله إلا الله إيماناً وتصديقا ، لا إله إلا الله عبودية ورقا ، سجدت لك يا رب تعبداً ورقا ، لا مستنكفاً ولا مستكبرا ، بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير » ، أو يقول : « إلهي آمنا بما كفروا ، وعرفنا منك ما أنكروا ، وأجبناك إلى ما دعوا إلهي فالعفو العفو » ، أو يقول ما قاله النبي « ص » في سجود سورة العلق [٢] وهو : « أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ».

( مسألة ١٩ ) : إذا سمع القراءة مكرراً وشك بين‌

______________________________________________________

[١] كما يستفاد من موثق عمار بضميمة خبر الدعائم : « ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء » (١).

[٢] كما حكي عن غوالي اللئالي أنه قال : « روي في الحديث أنه لما نزل قوله تعالى ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) ، سجد النبي (ص) وقال في سجوده : أعوذ برضاك من سخطك .. » (٢) ، الى آخر ما في المتن. هذا ولا يخفى أن ظاهر الرواية أن سجوده (ص) كان سجوداً غير سجود التلاوة فلا يكون مما نحن فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

٤٢٧

الأقل والأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقل [١]. نعم لو علم العدد وشك في الإتيان بين الأقل والأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقل أيضاً [٢].

( مسألة ٢٠ ) : في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة عن الأرض ثمَّ الوضع للسجدة الأخرى ولا يعتبر الجلوس ثمَّ الوضع [٣] ، بل ولا يعتبر رفع سائر المساجد [٤] وإن كان أحوط.

( مسألة ٢١ ) : يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة ، أو دفع نقمة ، أو تذكرهما مما كان سابقاً ، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة أو فعل خير ولو مثل الصلح بين اثنين فقد روي عن بعض الأئمة « ع » : أنه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر (١) ، ويكفي في هذا السجود مجرد وضع الجبهة مع النية.

نعم يعتبر فيه إباحة المكان ولا يشترط فيه الذكر ، وإن‌

______________________________________________________

[١] لأصالة البراءة من وجوب الزائد المشكوك.

[٢] لقاعدة الاشتغال.

[٣] لأنه يكفي في تعدد السجود تخلل العدم الحاصل بمجرد الرفع عن الأرض ولو كان قليلا.

[٤] لأن قوام السجود وضع الجبهة ، فيحصل التعدد بمجرد وضعها بعد رفعها ، وقد تقدم عدم وجوب ذلك في سجود الصلاة فضلا عن المقام والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب سجدتي الشكر حديث : ٨.

٤٢٨

______________________________________________________

كان يستحب أن يقول : « شكراً لله » ، أو « شكراً شكراً » و « عفواً عفواً » مائة مرة ، أو ثلاث مرات ، ويكفي مرة واحدة أيضاً ويجوز الاقتصار على سجدة واحدة ، ويستحب مرتان ، ويتحقق التعدد بالفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين ، أو الجميع مقدما للأيمن منهما على الأيسر ثمَّ وضع الجبهة ثانياً ، ويستحب فيه افتراش الذراعين وإلصاق الجؤجؤ والصدر والبطن بالأرض ويستحب أيضاً أن يمسح موضع سجوده بيده ثمَّ إمرارها على وجهه ومقاديم بدنه.

ويستحب أن يقرأ في سجوده ما ورد‌ في حسنة عبد الله ابن جندب عن موسى بن جعفر (ع) : « ما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه ، فقال (ع) : قل وأنت ساجد : اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي ، والإسلام ديني ، ومحمد نبي ، وعلي والحسن والحسين .. إلى آخرهم .. أئمتي (ع) ، بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم « ثلاثاً » اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد « ثلاثاً » اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر « ثلاثاً » ثمَّ تضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق علي الأرض‌

٤٢٩

______________________________________________________

بما رحبت ، يا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنياً ، صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، ثمَّ تضع خدك الأيسر وتقول : يا مذل كلّ جبار ، ويا معز كل ذليل ، قد وعزتك بلغ مجهودي « ثلاثاً » ثمَّ تقول : يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام ، ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرة : « شكراً شكراً ، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء الله » (١).

والأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضاً على ما يصح السجود عليه ، ووضع سائر المساجد على الأرض ، ولا بأس بالتكبير قبلها وبعدها لا بقصد الخصوصية والورود.

( مسألة ٢٢ ) : إذا وجد سبب سجود الشكر وكان له مانع من السجود على الأرض فليومئ برأسه ويضع خده على كفه ، فعن الصادق عليه‌السلام : « إذا ذكر أحدكم نعمة الله عز وجل فليضع خده على التراب شكراً لله ، وإن كان راكباً فلينزل فليضع خده على التراب ، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه ، فان لم يقدر فليضع خده على كفه ثمَّ ليحمد الله على ما أنعم عليه » (٢) ، ويظهر من هذا الخبر تحقق السجود بوضع الخد فقط من دون الجبهة.

( مسألة ٢٣ ) : يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم لله تعالى (٣) ، بل من حيث هو راجح وعبادة ، بل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب سجدتي الشكر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب سجدتي الشكر حديث : ٣.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر فإنها مشتملة على جميع الأحاديث التي تشير الى الخصوصيات التي ذكرها المصنف رحمه‌الله هنا.

٤٣٠

______________________________________________________

من أعظم العبادات وآكدها ، بل ما عبد الله بمثله. وما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً ، لأنه أمر بالسجود فعصى ، وهذا أمر به فأطاع ونجى (١) ، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد‌ (٢) ، وأنه سنة الأوّابين‌ (٣).

ويستحب إطالته ، فقد سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها‌ (٤) وسجد علي بن الحسين « ع » على حجارة خشنة حتى أحصي عليه ألف مرة : « لا إله إلا الله حقاً حقا لا إله إلا الله تعبداً ورقا لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً » (٥) ، وكان الصادق « ع » يسجد السجدة حتى يقال إنه راقد‌ (٦) ، وكان موسى بن جعفر (ع) يسجد كل يوم بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال‌ (٧).

( مسألة ٢٤ ) : يحرم السجود لغير الله تعالى (٨) فإنه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة ، وسجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم كما إن سجدة يعقوب وولده لم تكن ليوسف بل لله تعالى شكراً حيث رأوا ما أعطاه الله من الملك. فما يفعله سواد الشيعة من صورة‌

__________________

(١) كما في الحديث : ١١ باب : ٣٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٢) كما في الحديث : ٩ باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٣) كما في الحديث : ١٢ باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٤) كما في الحديث : ١٦ باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٥) كما في الحديث : ١٥ باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٦) كما في الحديث : ١٤ باب : ٢٣ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٧) كما في الحديث : ٤ باب : ٢ من أبواب سجدتي الشكر من الوسائل.

(٨) عقد صاحب الوسائل باب : ٢٧ من أبواب السجود لذلك. مشتملا على الخصوصيات المذكورة هنا.

٤٣١

السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيره من الأئمة (ع) مشكل إلا أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق الله تعالى لهم لإدراك الزيارة. نعم لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة.

فصل في التشهد

وهو واجب [١] في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من

______________________________________________________

فصل في التشهد‌

[١] إجماعا كما عن الخلاف ، والغنية ، والمعتبر ، والتذكرة ، وجامع المقاصد ، ومجمع البرهان ، والمدارك ، والمفاتيح ، وكشف اللثام ، وغيرها. وعن المنتهى : أنه مذهب أهل البيت (ع). وعن الأمالي : أنه من دين الإمامية. وفي المستند : « هو واجب عندنا بل الضرورة من مذهبنا ». وفي الذكرى : « هو واجب في الثنائية مرة وفيما عداها مرتين بإجماع علمائنا » والنصوص الواردة فيه غير وافية بوجوبه ـ كما في غيره ـ لعدم ورودها في مقام التشريع بل في مورد آخر من نسيان أو تقية أو شك في عدد الركعات أو غير ذلك مما يوهن دلالتها على الوجوب ، وإن كانت لا تخلو من إيماء إليه.

نعم قد يكون ظاهر جملة منها خروجه عن الصلاة. كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد ، قال (ع) : ينصرف ويتوضأ ، فإن شاء رجع الى المساجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلم

٤٣٢

السجدة الأخيرة من الركعة الثانية وفي الثلاثية والرباعية مرتين الأولى كما ذكر ، والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة وهو واجب غير ركن فلو تركه عمداً بطلت الصلاة وسهواً أتى به ما لم يركع [١] وقضاه بعد الصلاة إن تذكر بعد الدخول في الركوع مع سجدتي السهو « وواجباته سبعة » :

______________________________________________________

وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (١) ، وموثق عبيد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال (ع) : تمت صلاته ، وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهد » (٢) ، ونحوه غيره ، وبمضمونها المحكي عن الصدوق رحمه‌الله (٣) لكنها إن دلت على خروج التشهد فقد دلت على الخروج بغير التسليم فيعارضها ما دل على تعين الخروج به. لكنها ليست دالة إلا على عدم قدح الحدث في الفرض بقرينة الأمر فيها بالتشهد فتعاضد ما دل على وجوبه. والتعليل بأنه سنة لا ينافي الوجوب ، كما يشير اليه تطبيق السنة عليه وعلى القراءة في حديث : « لا تعاد الصلاة » (٤) وغيره. فالنصوص المذكورة مخالفة لما دل على قدح الحدث في أثناء الصلاة وسيأتي إن شاء الله في المبطلات التعرض لها. فانتظر.

[١] بلا خلاف ، بل حكي عليه الإجماع في كلام جماعة ، ويشهد له النصوص كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قمت في الركعتين من الظهر ومن غيرهما ولم تتشهد فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ١ صفحة : ٢٣٣ ملحق حديث : ١٠٣٠.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٤٣٣

الأول : الشهادتان [١].

______________________________________________________

تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ ، فاذا فرغت فاسجد سجدتي السهو .. » (١) ونحوه غيره. وسيأتي الكلام في ذلك في مبحث الخلل إن شاء الله تعالى.

[١] بلا خلاف بين أصحابنا كما عن المبسوط ، وجامع المقاصد ، وإجماعا كما عن الغنية ، والتذكرة ، ومجمع البرهان. وقال في الذكرى : « ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقاً » ، وفي كشف اللثام : « والواجب فيه الشهادتان كل مرة كما عليه المعظم بل الإجماع على ما في الغنية والتذكرة ». ويشهد له خبر سورة بن كليب : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد. فقال (ع) : الشهادتان » (٢) وصحيح محمد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : التشهد في الصلوات. قال عليه‌السلام مرتين. قال : قلت : كيف مرتين؟ قال (ع) : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثمَّ تنصرف » (٣). نعم في صحيح زرارة. « قلت لأبي جعفر (ع) : ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال (ع) : أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قلت : فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال (ع) : الشهادتان » (٤) ، فقد يظهر منه الاجتزاء في الأول بالشهادة الأولى ، وكأنه عليه عوّل الجعفي في الفاخر ـ على ما حكي عنه في الاجتزاء بشهادة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب التشهد حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب التشهد حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب التشهد حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب التشهد حديث : ١.

٤٣٤

______________________________________________________

واحدة ـ لكنه ـ مع عدم ظهوره في دعواه ـ لا مجال للاعتماد عليه في قبال الإجماع والنصوص ، ومثله ما عن المقنع : « أدنى ما يجزي في التشهد أن تقول الشهادتين أو تقول : بسم الله وبالله ثمَّ تسلم » إذ لا وجه له ظاهر.

نعم في صحيح الفضلاء المروي في الوسائل في باب كيفية الصلاة عن العلل وغيره عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث طويل ـ « .. بسم الله وبالله لا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله » (١) ، وفي موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وان لم يذكر شيئاً أعاد الصلاة » (٢) ، وفي خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : « وإن ذكر أنه قال أشهد أن لا إله إلا الله ، أو بسم الله أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير أعاد الصلاة » (٣) لكنها ـ مع عدم مطابقتها للدعوى ـ لا مجال للاعتماد عليها في قبال ما سبق : كخبر حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (ع) : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله تعالى أجزأه » (٤) ، مع احتمال الاجتزاء بالتحميد عما يقترن بالشهادتين من الذكر كما يظهر من خبر بكر بن حبيب قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن التشهد. فقال (ع) : لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا ، إنما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون إذا حمدت الله تعالى أجزأ عنك » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب التشهد حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب التشهد حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب التشهد حديث : ٣.

٤٣٥

الثاني : الصلاة على محمد وآل محمد [١] فيقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد »

______________________________________________________

[١] إجماعا كما عن جماعة ، واستدل له بصحيح أبي بصير وزرارة عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمداً ، ومن صلى ولم يصل على النبي (ص) وترك ذلك متعمداً فلا صلاة له ، إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) » (١) ، ونحوه صحيح أبي بصير عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (٢).

وبما في الوسائل عن الفقيه بإسناده عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة قالا ـ في حديث « .. قال أبو عبد الله (ع) : إن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة إذا تركها متعمداً فلا صلاة له ، إذا ترك الصلاة على النبي (ص) » (٣). وبموثق الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « التشهد في الركعتين الأولتين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته ، وارفع درجته » (٤).

لكن الأولين لاشتمالهما على التشبيه يشكل الاستدلال بهما على ما نحن فيه لأن التفكيك بين المشبه والمشبه به بالحمل على متمم الذات ومتمم الكمال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التشهد حديث : ٢. والآية في سورة الأعلى : ١٤ ـ ١٥.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التشهد ملحق حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ١.

٤٣٦

______________________________________________________

مستبشع جداً ، فالقرينة على إرادة الثاني في المشبه تقتضي حمله على ذلك في المشبه به ، والثالث ـ مع أنه لم يوقف عليه في الفقيه ، نعم في الحدائق : « ظني إني وقفت عليه حين قراءة بعض الاخوان علي كتاب المذكور ولكن لا يحضرني موضعه الآن » ـ أنه لم يعلم بقية الحديث ، فلعلها قرينة على صرفه عن ظاهره.

نعم احتمال أنه الصحيح الأول بعيد ، إذ لو كان كذلك لنقله في الوسائل ناسباً له الى الفقيه والشيخ ولم يكن وجه لنقله مختصراً عن الفقيه وروايته تاماً عن الشيخ فإنه خلاف ما جرى عليه في كتابه ، وإن كان يقربه أنه لم ينسب الصحيح الأول إلى الفقيه مع أنه مذكور فيه في زكاة الفطرة (١) ورواه عنه في ذلك الباب من الوسائل (٢).

هذا كله مضافا إلى أن هذه الصحاح كلها إنما تدل على اعتبار الصلاة على النبي (ص) في صحة الصلاة في الجملة لا على أنها من واجبات كل من التشهدين ، وأما الأخير فمع أنه في التشهد الأول أنه بقرينة ما فيه من التحميد والدعاء الأخير لا بد أن يكون في مقام بيان التشهد الكامل الفاضل ، فلا يدل على الوجوب ، ولنحو ذلك يشكل الاستدلال بموثقة أبي بصير الطويلة‌ (٣) فإنها ـ وان ذكر فيها الصلاة على النبي (ص) في كل من التشهدين ـ قد اشتملت على أمور كثيرة غير واجبة توهن ظهور الأمر في الوجوب. وأما خبر محمد بن هارون : « إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (ص) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة » (٤) فغير ظاهر فيما نحن فيه ، بل‌

__________________

(١) الفقيه ج : ٢ صفحة : ١١٩.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب زكاة الفطرة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٤) الوسائل : باب : ١٠ من أبواب التشهد حديث : ٣.

٤٣٧

______________________________________________________

من الجائز ارادة الشهادة بالرسالة له (ص).

وأما ما تضمن الصلاة على النبي (ص) عند ذكره‌ (١) فالاستدلال به على الوجوب لا يتم بناء على استحبابه كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع في كلام جماعة ، مع أنه لا يثبت الجزئية للصلاة. فاذا العمدة في المقام الإجماع المحكي عن الغنية ، وفي المعتبر ، والتذكرة ، والمنتهى ، وعن كنز العرفان ، والحبل المتين ، وغيرها المعتضد بنفي الخلاف المحكي عن المبسوط وغيره.

نعم في كشف اللثام : « لم يذكر الصدوق في شي‌ء من كتبه شيئاً من الصلاتين في شي‌ء من التشهدين كأبيه في الأول ». وفي الذكرى : « حكي عن الصدوق في المقنع أنه اقتصر في التشهد على الشهادتين ولم يذكر الصلاة على النبي وآله ، ثمَّ حكى عن والده في الرسالة أنه لم يذكر ذلك في التشهد الأول. ثمَّ قال : والقولان شاذان لا يعدان ، ويعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب ». وعن ابن الجنيد : الاجتزاء بها في أحدهما ، ويوافقه جميع النصوص عدا موثقة أبي بصير الطويلة‌ (٢) ، كما أنه يوافق الأول ما تقدم من خبر سورة ومصحح زرارة‌ (٣) ، وما ورد في الحدث بعد التشهد ، لكنها موهونة الظاهر بعد ما عرفت. وفي الجواهر استضعف نسبة الخلاف الى الصدوق والى والده بما حكي عنه في الأمالي : من أن من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي وآله لكن ذلك غير ظاهر في الوجوب ، إذ هو في قبال نفي الزائد على ذلك كما يراه غير الإمامية ، مع أن المحكي عنها في مفتاح الكرامة الاقتصار على الشهادتين ، ويوافقه ما سبق في كشف اللثام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الذكر.

(٢) تقدمت في هذه التعليقة.

(٣) تقدما في المورد الأول من واجبات التشهد.

٤٣٨

ويجزي على الأقوى أن يقول : « أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله اللهم صل على محمد وآل محمد » [١]

______________________________________________________

[١] كما نسب إلى الأكثر أو المشهور لخبر سورة المتقدم المتضمن للاجتزاء بالشهادتين‌. لكن الظاهر منه أنه في مقام نفي الزائد على الشهادتين فلا إطلاق له في كيفية أدائهما فضلا عن أن لا يصلح لتقييده مثل صحيح محمد المتقدم‌ (١) ، وهذا هو العمدة في إثبات وجوب الكيفية الاولى. أما موثق الأحول‌ (٢) فقد عرفت أنه في مقام بيان الفرد الكامل. وأما موثق سماعة : فيمن دخل في الصلاة فحضر الإمام في أثناء صلاته. « قال (ع) : يجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله » (٣) فغير ظاهر في وجوب ذلك. وأما صحيح زرارة السابق‌ (٤) فحاله كخبر سورة ليس في مقام تعيين العبارة بل في مقام نفي الزائد كما يومئ اليه التعبير بالشهادتين في ذيله.

نعم يعارض الصحيح المذكور خبر الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (ع) : « عن رجل صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة. قال (ع) : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله (ص) فلا يعد ، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد » (٥) ، وما في خبر إسحاق بن عمار الحاكي لصلاة النبي (ص) في المعراج : « ثمَّ قال تعالى له (ص) : يا محمد ارفع رأسك ثبتك الله واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله

__________________

(١) راجع المورد الأول من واجبات التشهد.

(٢) تقدم في المورد الثاني من واجبات التشهد.

(٣) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٤) تقدم في المورد الأول من واجبات التشهد.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

٤٣٩

______________________________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَأَنَّ السّاعَةَ .. » (١) ، لكن الثاني ضعيف السند والأول ـ مع أن المحكي عن بعض نسخه سقوط كلمة ( أشهد ) الثانية مشتمل على ما لا نقول به من صحة الصلاة مع الحدث بعد الشهادتين ، فيشكل لأجله رفع اليد عن ظاهر الصحيح وإن كان غير بعيد ، وما في بعض النسخ من سقوط كلمة الشهادة الثانية ـ يوافقه ما في موثق أبي بصير‌ (٢) في التشهد الأول ، فلا يبعد أيضاً جواز تركها.

ثمَّ إن المنسوب إلى الأكثر أو الأشهر أو المشهور وجوب الصلاة بالصيغة المذكورة في المتن ، ويشهد به النبوي : « إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهم صل على محمد وآل محمد » (٣) لكن انجباره بالعمل غير ثابت ، ومثله ما في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) في المعراج‌ (٤) ، مضافاً الى وروده في مقام حكاية الواجب والمستحب فلا يدل على أحدهما ، ومثله موثقة أبي بصير الطويلة‌ (٥) ، مع أن في بعض النسخ : « وعلى آل محمد » وأن الموجود في حديث الفضلاء في المعراج المروي عن العلل وغيره : « صلى الله عليّ وعلى أهل بيتي » (٦) لكن لم يذكر قبلها التشهد وإنما ذكر « بسم الله وبالله لا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله » وكيف كان ، فالخروج عن إطلاق وجوب الصلاة على النبي (ص) بمثل ذلك غير ظاهر ، اللهم إلا أن يمنع إطلاقه فيرجع الى الأصول المقتضية للتعيين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٣) مستدرك الصحيحين ج : ١ صفحة : ٢٦٩. وسنن البيهقي ج : ٢ صفحة : ٢٧٩.

وفي المصدر تكرار لفظة « على ».

(٤) تقدم في الصفحة السابقة.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٦) راجع المورد الأول من واجبات التشهد.

٤٤٠