مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

ليلزم الزيادة.

( مسألة ٧ ) : إذا شك في القيام حال التكبير ، بعد الدخول فيما بعده ، أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حده ، أو في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود ، ولو قبل الدخول فيه لم يعتن به ، وبنى على الإتيان [١].

( مسألة ٨ ) : يعتبر في القيام الانتصاب [٢] ،

______________________________________________________

[١] كل ذلك لقاعدة التجاوز ، بناء على شمولها لمطلق الفعل المرتب على المشكوك. ولو قيل باختصاصها بالأفعال المعهودة المفردة بالتبويب ، أو بالإفعال الأصلية ، فلا تشمل مقدمات الأفعال امتنع جريانها في الشك في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه ، بناء على أن الهوي من المقدمات للسجود. لكن القولين المذكورين ضعيفان مخالفان لإطلاق الأدلة ـ كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الأذان. ويأتي إن شاء الله في مبحث الخلل ـ وفي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال (ع) : قد ركع » (١) ، والتفكيك بين الركوع والقيام بعده غير ظاهر.

[٢] كما صرح به جمهور الأصحاب كما في مفتاح الكرامة ، ويشهد له صحيح زرارة : « وقم منتصباً فان رسول الله (ص) قال : من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » (٢) ، وصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : قال أمير المؤمنين (ع) : من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ٢.

١٠١

والاستقرار [١] ،

______________________________________________________

بل في الجواهر ، وعن نهاية الأحكام ، والتذكرة ، والذكرى : اعتباره في مفهوم القيام عرفاً. قال في نهاية الأحكام : « لو انحنى ولم يبلغ حد الراكعين فالأقرب عدم الجواز لعدم صدق القيام » وحينئذ يدل عليه كل ما دل على اعتبار القيام في الصلاة من الإجماع والنصوص. لكنه لا يخلو من تأمل. وإن كان يساعده بعض موارد الاشتقاق مثل : قام الأمر : اعتدل واستقام كذلك ، وقوّم الأمر : عدله ، والقوام : العدل ، فان ذلك كله بحسب أصل اللغة لا العرف ، إذ الظاهر صدق القائم عرفاً على المنحني ببعض مراتب الانحناء ، وعدم صدق المنتصب عليه كما يشير اليه الصحيح الأول. ودعوى أن ذلك مساهلة من أهل العرف غير مسموعة. فالعمدة فيه النصوص المتعرضة لوجوبه بالخصوص.

[١] نسب إلى غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وفي الجواهر : « الإجماع متحقق على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة ». واستدل له بالإجماع ، وبدخوله في مفهوم القيام ، وبخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (ع) : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » (١) ، وبخبر السكوني ـ فيمن يريد أن يتقدم وهو في الصلاة ـ حيث قال (ع) : « يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ، ثمَّ يقرأ » (٢). وقد تقدم في تكبيرة الإحرام منع الثاني ، وعدم تمامية الثالث ، وعدم صلاحية الرابع لإثبات الكلية.

واستدل له أيضا بخبر هارون بن حمزة الغنوي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في السفينة ، فقال (ع) : إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الأذان حديث : ١٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٠٢

والاستقلال [١] حال الاختيار ، فلو انحنى قليلا ، أو مال إلى أحد الجانبين بطل ،

______________________________________________________

لم تتحرك فصلّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً » (١) بناء على ظهوره في تقديم الاستقرار جالساً على القيام متحركاً ، فلو لا وجوبه لم يكن لترجيحه على الواجب وجه. وفيه : أن الظاهر من قوله (ع) : « لم تتحرك » ـ بقرينة الشرطية الثانية ـ أنها لا تكفأ ، فتدل على ترجيح الجلوس بلا انكفاء على القيام مع الانكفاء ، فتكون أجنبية عما نحن فيه. ودعوى : أن الظاهر من قوله (ع) : « تكفأ » هو التحرك ، إذ من الواضح عدم انقلاب السفينة بقيام واحد فيها. من دفعة : بأن المراد من « تكفأ » أنها تكفأ من قام فيها ، لا أنها هي تنكفئ. والوجه في انكفاء القائم هو حركتها بنحو لا يقوى على القيام ، كما يظهر ذلك لمن قام على ظهر الدابة وكأن هذا نشأ من توهم أن معنى « تكفأ » تنكفئ. فاذاً العمدة في دليله الإجماع كما سبق.

وليعلم أن اعتبار الاستقرار في القيام في تكبيرة الإحرام والقراءة مساوق لاعتباره فيهما ، فذكر اعتباره فيهما كاف عن ذكر اعتباره فيه. وهذا بخلاف القيام بعد الركوع ، فإنه واجب فيه لنفسه كما هو ظاهر.

[١] على المشهور ، بل عن المختلف : دعوى الإجماع عليه ، لدخوله في مفهوم القيام ـ كما قد يظهر من القواعد والذكرى ونسب إلى ظاهر المحقق الكركي وفخر المحققين ـ أو لانصراف نصوص اعتبار القيام اليه أو لأنه المعهود من النبي (ص) فيدخل تحت قوله : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٢) ، أو لصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لا تمسك

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٢) كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٦٢ حديث : ١١٩٦.

١٠٣

______________________________________________________

بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلي ، إلا أن تكون مريضاً » (١) ، وخبر ابن بكير المروي عن قرب الاسناد ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، قال عليه‌السلام : لا ، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد » (٢) أو مفهوم الخبر المروي عن دعوات الراوندي : « فان لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة » (٣).

لكن الجميع لا يخلو عن إشكال ، لمنع الأولين ، وعدم تمامية الثالث ومعارضة الصحيح وغيره بصحيح ابن جعفر (ع) : سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) : « عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي ، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال (ع) : لا بأس. وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين ، هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ فقال (ع) : لا بأس به » (٤) ، وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله : « عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط ، فقال (ع) : لا بأس بالتوكؤ على عصا والاتكاء على الحائط » (٥) ونحوهما غيرهما.

وحمل الأخيرة على صورة عدم الاعتماد ، والأولى على صورة الاعتماد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القيام ، حديث : ٢. والخمر ـ بالفتح والتحريك ـ : ما وراءك من شجر وغيره.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٢٠.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القيام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القيام حديث : ٤.

١٠٤

وكذا إذا لم يكن مستقراً أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار ، أو خشبة ، أو نحوها. نعم لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار [١]. وكذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً بحيث يخرج عن صدق القيام [٢] ، وأما إذا كان بغير الفاحش فلا بأس [٣].

______________________________________________________

لا شاهد عليه ، فلا يكون جمعاً عرفياً. بل الجمع العرفي حمل الأول على الكراهة ، والأخذ بظاهر الثانية من الجواز ، ولو فرض التعارض فالترجيح للثانية ، لأنها أكثر وأشهر. وكأنه لذلك اختار أبو الصلاح الجواز على كراهة ، وعن المدارك ، والكفاية ، والبحار ، والتنقيح ، وفي الحدائق ، والمستند : تقويته. والطعن في النصوص الأخيرة بموافقة العامة ، غير قادح في الحجية ، ولا موجب للمرجوحية إلا بعد فقد الترجيح بالأشهرية. نعم العمدة : وهنها بالشذوذ ، وإعراض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية. فتأمل.

[١] إجماعاً كما في المستند ، وفي الجواهر : « لا تأمل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطية الاقلال ، أما لو اضطر اليه جاز بل وجب وقدم على القعود ، بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل عن ظاهر المنتهى الإجماع عليه ». ويشهد له ذيل صحيح ابن سنان‌ ، وصريح خبر الدعوات‌ ، ويشير اليه ذيل خبر ابن بكير‌.

[٢] كما عن جماعة التصريح به ، لأن ذلك مخالفة لما دل على وجوب القيام.

[٣] في الذكرى ، وجامع المقاصد ، وعن الألفية ، والدروس ، والروض ، وغيرها : أن التباعد بين الرجلين إذا كان فاحشاً يخل بالقيام‌

١٠٥

والأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع وأصل القدمين [١]

______________________________________________________

وعن البحار : « أنه المشهور » وهو غير بعيد. وعن المقنعة ، والمقنع : التحديد بالشبر ، وكأنه لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ، دع بينهما فصلا ، إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره » (١) ، واحتمله في الحدائق لأنه المفهوم من النصوص. وفيه : أن النصوص المتعرضة لذلك ظاهرة في كونها في مقام الآداب والسنن لا الأجزاء والشرائط ، فلا يعول عليها في دعوى الوجوب ، ولا سيما مع ظهور اتفاق الأصحاب على الاستحباب.

[١] فقد أوجبه في الجواهر للأصل والتأسي ، ولأنه المتبادر المعهود ولعدم الاستقرار بالوقوف على الأصابع لا القدمين ، ولخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) : « كان رسول الله (ص) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه ( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) (٢) » (٣) وقريب منه خبره الآخر (٤) المحكي عن تفسير القمي‌. وفيه : أنه لا مجال للأصل مع إطلاق دليل اعتبار القيام ، مع أن الأصل البراءة ، ودليل التأسي قد عرفت إشكاله ، والتبادر بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق ، وعدم الاستقرار ممنوع كلية ، وخبر أبي بصير إنما يجدي لو دل على نفي المشروعية لا نفي الإلزام ، ولعل الظاهر منه الثاني ، نظير قوله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) (٥) و ‌( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٢) طه : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب القيام حديث : ٣.

(٥) المائدة : ٦.

١٠٦

وإن كان الأقوى كفايتهما أيضاً ، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة [١].

( مسألة ٩ ) : الأحوط انتصاب العنق أيضاً [٢] ، وإن كان الأقوى جواز الاطراق.

______________________________________________________

بِكُمُ الْعُسْرَ ) (١).

[١] للإطلاق الموافق لأصل البراءة ، وفي الذكرى : « الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً في القيام ، ولا تجزئ الواحدة مع القدرة » ونحوه في الدروس ، واختاره في كشف اللثام ، واستظهره في الجواهر ، وجزم به في كشف الغطاء ، بل في مفتاح الكرامة : « لا إشكال في البطلان لو اقتصر على وضع واحدة منهما ». لما تقدم من أن الأصل والتأسي ، ولأنه المتبادر ، ولعدم الاستقرار ، وللمروي عن قرب الاسناد عن ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « أن رسول الله (ص) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ، ورفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى ( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) فوضعها » (٢) وفي الجميع ما عرفت. فرفع اليد عن الإطلاق غير ظاهر.

[٢] لما عن الصدوق (ره) من القول بوجوبه ، ولم يعرف ذلك لغيره. والمصرح به في كلامهم العدم ، ويشهد للصدوق مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع) : قلت له : « ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٣) قال (ع) : النحر : الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره » (٤)

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب القيام حديث : ٤.

(٣) الكوثر : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ٣.

١٠٧

______________________________________________________

( مسألة ١٠ ) : إذا ترك الانتصاب ، أو الاستقرار ، أو الاستقلال ناسياً صحت صلاته وإن كان ذلك في القيام الركني [١] ، لكن الأحوط فيه الإعادة.

لكن لإعراض المشهور عنه وضعفه في نفسه لا مجال للاعتماد عليه. بل عن الحلبي : استحباب إرسال الذقن إلى الصدر ، وإن كان وجهه غير ظاهر.

[١] لحديث : « لا تعاد الصلاة » (١) الدال بإطلاقه على صحة الصلاة مع الإخلال بجزء منها ، أو شرط لها ، أو لجزئها عدا الخمسة المذكورة ، الحاكم على ما دل على الجزئية أو الشرطية ، الشامل بإطلاقه للعمد والسهو ، ومنه المقام. نعم لو تمَّ القول بدخول الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال في مفهوم القيام عرفا كان انتفاؤه موجباً لانتفاء القيام فاذا كان القيام ركناً ـ كالقيام في التكبير أو المتصل بالركوع ـ بطلت الصلاة لفوات الركن ، لكن عرفت أن القول المذكور ضعيف ، ولا سيما بالنسبة إلى الأخيرين.

فإن قلت : إذا لم يكن واحد من الأمور المذكورة داخلا في مفهوم القيام ، فقد تقدم أن كل واحد منها شرط فيه ، فاذا انتفى انتفى القيام لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فاذا كان القيام ركنا بطلت الصلاة لفواته.

قلت : يتم هذا لو كان موضوع الركنية هو القيام المشروط ، لكنه غير ثابت ، فان دليل ركنية القيام في التكبير موثق عمار المتقدم‌ (٢) ، والموضوع فيه ذات القيام. ودليل ركنية المتصل بالركوع الإجماع ، والمتيقن منه ذلك أيضاً.

هذا كله لو كانت شرطية الأمور المذكورة مستفادة من دليل لفظي مطلقاً ، أما لو كانت مستفادة من الإجماع ـ كما في الاستقرار على ما عرفت ـ

__________________

(١) تقدم مراراً. راجع أول فصل تكبيرة الإحرام.

(٢) تقدم ذكره في أول فصل القيام‌

١٠٨

( مسألة ١١ ) : لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد [١] فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما ، ولو على القول بوجوب الوقوف عليهما.

______________________________________________________

فلا يحتاج في تصحيح الصلاة إلى حديث : « لا تعاد » ، بل إجمال دليله وعدم إطلاقه الشامل لحال السهو كاف في الرجوع إلى أصالة البراءة من شرطيته في حال السهو ، كما هو ظاهر ، وأشرنا إليه في مسألة وجوب الاستقرار في تكبيرة الإحرام ، فإن ذلك من صغريات المقام ـ أعني ترك الاستقرار سهواً في القيام الركني ـ لما عرفت في هذه المسألة. من أن وجوب الاستقرار في القيام المقارن للتكبير والقراءة مساوق لوجوب الاستقرار في حالي التكبير والقراءة.

ومن هنا يظهر التنافي بين فتوى المصنف (ره) بوجوب الاستقرار حال التكبير على نحو الركنية فتبطل الصلاة بفواته سهواً ، وبين فتواه هنا بصحة الصلاة بفوات الاستقرار سهواً حال القيام الركني ، مع أن الدليل في المقامين واحد ، فاما أن يكون له إطلاق يشمل السهو أولا ، أو يكون الإطلاق على تقدير وجوده محكوما بحديث : « لا تعاد الصلاة » أولا ، فتأمل جيداً.

[١] تسوية الرجلين في الاعتماد. تارة : يراد منها التسوية في مرتبة الاعتماد ، بأن يكون الاعتماد على إحداهما بمقدار الاعتماد على الأخرى. وأخرى : يراد منها التسوية في أصل الاعتماد ، بأن يكون الاعتماد على كل منهما لا على إحداهما مع مجرد مماسة الأخرى للموقف. إما التسوية بالمعنى الأول فالظاهر أنه لا إشكال في عدم وجوبها ، كما يقتضيه إطلاق أدلة وجوب القيام. وأما التسوية بالمعنى الثاني فنسب القول بوجوبها إلى الذكرى ، وجامع المقاصد ، والجعفرية ، وشرحها والروض ، والمدارك ، وكشف اللثام ، لما فيها من أن الأقرب وجوب الاعتماد على الرجلين معاً ، مستدلين على ذلك بالتأسي ، وأنه المتبادر ، وبعدم‌

١٠٩

( مسألة ١٢ ) : لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط ، أو الإنسان ، أو الخشبة [١]. ولا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشيه ، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات.

( مسألة ١٣ ) : يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما [٢].

______________________________________________________

الاستقرار ، وبقوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (١).

واستشكل في جميع ذلك في الجواهر ـ تبعاً لما في مفتاح الكرامة ـ وهو في محله كما عرفت. ولأجله احتمل فيها أن يكون مرادهم منها ما يقابل رفع إحدى الرجلين بالكلية ، فإنها واجبة حينئذ. ولذا فرع في الذكرى ، وجامع المقاصد على ذلك بقوله : « ولا تجزئ الواحدة مع القدرة » ، وقد عرفت أن المسألتين من باب واحد ، والأدلة المذكورة إن تمت في الثانية تمت في الأولى ، فالتفكيك بينهما في ذلك غير ظاهر.

[١] كما صرح بذلك كله في الجواهر. والعمدة فيه ظهور الإجماع على عدم الفرق ، وإلا فلو احتمل تعين واحد من ذلك كانت المسألة من موارد الشك في التعيين والتخيير ، التي يكون المرجع فيها أصالة الاحتياط ، المقتضية للتعيين كما هو المشهور. وليس في صحيح ابن سنان‌ أو غيره ـ مما سبق ـ (٢) إطلاق ينفيه.

[٢] لأجل أن الاعتماد على الشي‌ء في الصلاة ليس تصرفاً صلاتياً ، فاذا كان الاعتماد محرماً لكونه اعتماداً على المغصوب لا تفسد الصلاة ، فالشراء والاستئجار الراجعان الى ملك العين أو المنفعة مما لا تتوقف عليهما الصلاة ،

__________________

(١) كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٦٢ حديث : ١١٩٦.

(٢) تقدم ذكرها في المسألة : ٨ من هذا الفصل.

١١٠

( مسألة ١٤ ) : القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء ، أو الميل إلى أحد الجانبين ، أو مع الاعتماد ، أو مع عدم الاستقرار ، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين [١] مقدم على الجلوس [٢].

______________________________________________________

فلا يجبان بالوجوب الغيري ، وإنما يجبان عقلا فراراً عن الوقوع في الحرام ، فالمقام نظير شراء الدابة أو استعارتها أو نحو ذلك ، من أسباب استباحة التصرف في ركوبها في سفر الحج عند عدم القدرة على سلوك طريقه إلا بركوبها ، وليس وجوب الشراء أو نحوه من الوجوب الغيري ، بل هو عقلي بملاك وجوب الجمع بين غرضي الشارع. وقد أشرنا إلى ذلك في مسألة وجوب التيمم على الجنب للوصول الى الماء الكائن في المسجد لا غير ، بقصد الاغتسال منه. فراجع.

[١] ستأتي دعوى الجواهر : عدم معرفة الخلاف في تقديمه على الجلوس ، والاعتماد عليها في الخروج عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس على من لم يستطع القيام لا يخلو من إشكال. واستفادة ذلك من صحيح ابن يقطين الآتي‌ ـ كما ادعاه في الجواهر ـ غير ظاهرة ، للفرق بين الحالتين ودعوى أنه ميسور القيام فيقدم على القعود لا تجدي إلا بعد ثبوت هذه الكلية بحيث يعارض بها إطلاق بدلية الجلوس عن القيام. ودليله غير ظاهر.

[٢] بلا إشكال ظاهر إلا في بعض صوره كما ستأتي الإشارة اليه. ويمكن أن يستفاد تقديم القسم الأول من القيام ـ أعني الفاقد للانتصاب ـ من صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) : « سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام ، يصلي فيها وهو جالس يومئ أو يسجد ، قال (ع) : يقوم وإن حنى ظهره » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ٥.

١١١

______________________________________________________

كما يمكن أيضاً أن يستفاد تقديم القسم الثاني ـ أعني الفاقد للاستقلال ـ من صحيح ابن سنان المتقدم‌ (١) في وجوب الاستقلال ، بضميمة الإجماع على أنه إذا جاز وجب. ويقتضيه ظاهر المروي عن دعوات الراوندي‌ (٢) وإطلاق ما دل على وجوب القيام ، وما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يتمكن من القيام.

وأما تقديم القسم الثالث من القيام ـ أعني الفاقد للاستقرار ـ فالوجه فيه أظهر ، إذ قد عرفت أن العمدة في دليل وجوبه الإجماع ، والمتيقن منه في غير حال الاضطرار ، فالمرجع فيه إطلاق ما دل على وجوب القيام. فوجوب الصلاة قائماً حينئذ ليس من باب قاعدة الميسور ، وجعل البدل الاضطراري ، كي يحتاج الى دليل ـ كما في الفرضين السابقين وغيرهما من موارد جعل البدل الاضطراري ـ بل هو من باب الوجوب الأولي في عرض الوجوب حال الاختيار. ولو سلم إطلاق دليل وجوبه فإطلاق ما دل على اختصاص مشروعية الجلوس بمن لا يقدر على القيام يقتضي تعين القيام ولو بلا استقرار.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيد (ره) في الذكرى : من ترجيح القعود الواجد للاستقرار على القيام الفاقد له. قال : « ومن عجز عن القيام مستقراً ، وقدر على القيام ماشياً أو مضطرباً من غير معاون ، ففي جواز ترجيحه على القيام ساكناً بمعاون ، أو على القعود لو تعذر المعاون نظر ، أقربه ترجيحهما عليه ، لأن الاستقرار ركن في القيام ، إذ هو المعهود من صاحب الشرع ». وتبعه عليه العلامة الطباطبائي ( قده ) حيث قال :

« ومن قرار في القيام عدما

فللجلوس بالقيام قدما »

__________________

(١) في المسألة : ٨ من أحكام القيام. ومرت الإشارة إليه في المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

(٢) المتقدم في مسألة : ٨ من احكام القيام.

١١٢

______________________________________________________

ويمكن أن يستشهد له برواية الغنوي عن الصلاة في السفينة « فقال (ع) : إن كانت محملة ثقيلة قمت إذا فيها لم تتحرك فصل قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصل قاعداً » (١). وفيه : انك عرفت في مبحث الاستقرار في القيام عدم صلاحية الرواية لإثبات اعتباره ، فلا تدل على ترجيح القعود على القيام الفاقد له.

ووجهه في الجواهر : بأن الاستقرار مأخوذ في مفهوم القيام ، فالعجز عنه عجز عن القيام الذي هو موضوع بدلية الجلوس. ولكن استشكل فيه أيضاً : بمنع ذلك ، وأن الاستقرار واجب آخر زائد على القيام فيكون المقام من تعارض وجوب القيام ووجوب الاستقرار كما في الفرضين الآخرين ووجوب القيام مقدم على وجوب الاستقرار كتقديمه على وجوب الانتصاب والاستقلال ، خصوصاً بعد ما ورد في بعض نصوص السفينة‌ (٢) من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر ولو بما يخرجه عن صدق القيام. بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم كل ما يقرب الى القيام من التفخج الفاحش ونحوه على القعود. هذا ولكن الاحتياج الى ذلك كله إنما يكون بعد فرض إطلاق دليل وجوب الاستقرار ، وإلا فالمرجع إطلاق وجوب القيام كما عرفت.

والمتحصل من ذلك كله : أنه يقدم القيام الفاقد للاستقرار على القعود الواجد له. ووجهه : إما عدم الدليل على وجوب الاستقرار في حال الاضطرار فلا يكون القيام حينئذ بدلا اضطرارياً. أو لأن الدليل على وجوبه زائداً على وجوب القيام وإن كان شاملا لحال الاضطرار ، لكنه لا مجال لتشريع الجلوس ، لاختصاص دليل مشروعيته بالعجز عن القيام ، وهو غير حاصل. أو لأنه داخل في مفهوم القيام ، إلا أنه يستفاد مما ورد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ٥. وتقدمت في أول التعليقة.

١١٣

ولو دار الأمر بين التفريج الفاحش والاعتماد ، أو بينه وبين ترك الاستقرار قدما عليه [١] ، أو بينه وبين الانحناء ، أو الميل إلى أحد الجانبين قدم ما هو أقرب إلى القيام [٢]. ولو دار‌

______________________________________________________

في السفينة ومن الإجماع أن القيام الناقص مقدم على القعود.

ثمَّ إن الدوران بين الأحوال المذكورة في هذا المقام ليس من باب التزاحم الذي يكون الحكم عقلا فيه الترجيح ، إذا علمت الأهمية في واحد بعينه ، أو احتملت كذلك ، والتخيير ، إذا احتملت الأهمية في كل من الطرفين ، أو علمت المساواة بينهما ، لاختصاص ذلك بصورة تعدد المقتضيات وتزاحمها في مقام الامتثال لعدم قدرة المكلف على ذلك. وليس المقام كذلك ، إذ مصلحة الصلاة واحدة ، وإنما التردد فيما يكون محصلا تلك المصلحة ، والحكم فيه عقلا وجوب الاحتياط بالتكرار إلا أن يقوم دليل بالخصوص على الاجتزاء بأحد الطرفين ، من إجماع أو غيره ، أو يكون هو مقتضى الجمع بين الأدلة ، فإذا لم يكن الأمر كذلك تعين الاحتياط بالجمع والتكرار. وعلى هذا يجب الجري في المسائل المذكورة في هذا المقام.

[١] لما سبق في تقديمهما على الجلوس.

[٢] قد عرفت أن الانحناء في الجملة. وكذا الميل الى أحد الجانبين لا يمنع من صدق القيام. وحينئذ لا مجال للتأمل في تقديمهما على التفريج الفاحش ، إذ غاية ما يقتضي الاضطرار سقوط اعتبار الانتصاب ، ولا وجه لرفع اليد عن القيام ، فإطلاق دليل وجوبه محكم. نعم إذا كان الانحناء والميل يمنعان عن صدق القيام فقد يشكل الترجيح ، لاحتمال التعيين في كل من الطرفين كما يحتمل التخيير واللازم في مثل ذلك الاحتياط بالتكرار. وترجيح ما هو أقرب الى القيام بقاعدة الميسور يتوقف على وضوح الأقربية على وجه يصدق الميسور عليه عرفا لا غيره ، ولكنه غير ظاهر.

١١٤

الأمر بين ترك الانتصاب وترك الاستقلال قدم ترك الاستقلال [١] فيقوم منتصباً معتمداً ، وكذا لو دار بين ترك الانتصاب وترك الاستقرار قدما ترك الاستقرار [٢] ولو دار بين ترك الاستقلال وترك الاستقرار قدم الأول ، فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال والاستقرار ، ومراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

______________________________________________________

[١] هذا ظاهر لو كان الانتصاب داخلا في مفهوم القيام ، لأنه حينئذ يدور الأمر بين ترك القيام وترك الاستقلال. ومشكل لو بني على وجوبه في القيام ، إذ حينئذ يكون كالاستقلال ، وترجيح أحدهما على الآخر من غير مرجح ظاهر. اللهم إلا أن يحتمل تعينه ولا يحتمل تعين الاستقلال ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير ، أو يدعى أن المفهوم من صحيح ابن سنان‌ (١) المسوغ للاعتماد للمريض مشروعية الاعتماد للمضطر ولو بلحاظ فوات الانتصاب. لكن لو سلم يرد مثله في صحيح ابن يقطين‌ (٢) المشرع للانحناء مع الاضطرار.

[٢] لما عرفت من إجمال الدليل الدال على وجوبه ، وعدم إطلاقه الشامل لهذا الحال ، بخلاف دليل الانتصاب. لكن عليه يشكل الوجه في تقديم الاستقرار على الاستقلال الذي ذكره بعد ذلك ، بل يتعين تقديم الاستقلال عليه ، وكأن ما في المتن مبني على إطلاق أدلة الوجوب في الجميع ، وأن الموارد المذكورة من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير. أو لأن تقديم ما ذكره فيها لأنه أقرب إلى أداء المأمور به ، بناء على ثبوت الكلية المذكورة ولو بالإجماع ، لكنه غير ظاهر ما لم يصدق الميسور عرفا.

__________________

(١) تقدم في مواضع منها : في المسألة : ٨ من احكام القيام.

(٢) تقدم في أول المسألة.

١١٥

( مسألة ١٥ ) : إذا لم يقدر على القيام كلا ولا بعضاً مطلقاً [١] حتى ما كان منه بصورة الركوع [٢] صلى من جلوس [٣] وكان الانتصاب جالساً‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت الإشكال في تقديم مثل التفخج الفاحش على الجلوس.

[٢] كما يفهم من صحيح ابن يقطين المتقدم في المسألة السابقة‌. ويظهر من حكاية الخلاف في ذلك عن الشافعي في أحد قوليه : أنه لا مخالف فيه منا.

[٣] هو مذهب علمائنا كما في المعتبر ، وعليه إجماع العلماء كما في المنتهى ، وبالنصوص والإجماع كما في كشف اللثام ، ويشهد له جملة من النصوص ، كالنبوي المروي عن الفقيه : « المريض يصلي قائماً ، فان لم يستطع صلى جالساً ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه » (١) ، والصادقي المروي عنه أيضاً : « يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً » (٢) وصحيح جميل : « سألت أبا عبد الله (ع) : ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعداً؟ فقال (ع) : إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه أعلم بنفسه ، إذا قوي فليقم » (٣) وموثق زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ، ويدع الصلاة من قيام ، فقال (ع) : بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، هو أعلم بما يطيقه » (٤) ، لظهورهما في أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب القيام حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب القيام حديث : ٢.

١١٦

بدلا عن القيام فيجري فيه حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد وغيره [١] ،

______________________________________________________

موضوع الجلوس أن لا يقوى على القيام ولا يطيقه. ونحوها مصحح ابن أذينة عن أبي عبد الله (ع) (١) ، وفي صحيح الحلبي ـ في حديث ـ أنه سأل أبا عبد الله (ع) : « عن الصلاة في السفينة فقال (ع) : إن أمكنه القيام فليصل قائماً ، وإلا فليقعد ثمَّ يصلي » (٢) و‌في خبر سليمان بن خالد : « سألته عن الصلاة في السفينة ، فقال (ع) : يصلي قائماً ، فان لم يستطع القيام فليجلس ويصلي » (٣) ، وفي صحيح حماد بن عيسى : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : كان أهل العراق يسألون أبي عن الصلاة في السفينة فيقول : إن استطعتم أن تخرجوا الى الجدد فافعلوا ، فان لم تقدروا فصلوا قياماً ، فان لم تقدروا فصلوا قعوداً » (٤) ، ونحوها غيرها مما يتضمن الانتقال الى الجلوس عند عدم التمكن من القيام.

[١] كما استظهره في الجواهر : كما يومئ اليه المرسل الآتي ، ولأنه بدله ، وبعض قيام. ثمَّ قال (ره) : « وإن كان لا يخلو من بحث ، لاختصاصه بالدليل دونه ». والظاهر أن مراده بالمرسل النبوي المتقدم في صدر المسألة‌ ، وكأن وجه إيمائه ظهوره في بدلية الجلوس عن القيام.

أقول : أما البدلية فلا ريب فيها ، لكنها إنما تنفع في وجوب الشرائط المذكورة لو كانت مجعولة بلحاظ جميع الأحكام ، وهو غير ظاهر. بل الظاهر البدلية عن القيام في وفائه بمصلحته في الجملة ، بحيث يثبت له‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب القيام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب القيام حديث : ١٢.

١١٧

ومع تعذره صلى مضطجعاً [١]

______________________________________________________

وجوبه لا غير. وأولى منه بالإشكال التعليل بأنه بعض قيام ، ومثله ما ذكره أخيراً من اختصاص أدلة اعتبارها بغيره ، مع أن ما دل على وجوب الانتصاب ـ مثل : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة » (١) وما دل على وجوب الاستقلال من صحيح ابن سنان المتقدم‌ (٢) ـ مطلق شامل للجلوس. ودعوى انصرافه الى القيام غير ظاهرة. وكذا ما دل على وجوب الاستقرار من إطلاق معاقد الإجماعات على وجوبه في أفعال الصلاة : من التكبير ، والقراءة ، والتسبيح ، والذكر ، ورفع الرأس من الركوع ، وغيرها لا فرق فيه بين حالي القيام والجلوس فلاحظ.

[١] بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما عن المدارك ، والبحار ، والحدائق وفي المعتبر : « هو مذهب علمائنا » ، ونحوه في المنتهى ، وبالنصوص والإجماع كما في كشف اللثام.

ويشهد له النصوص الكثيرة كمصحح أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ ) (٣) قال (ع) : « وَعَلى جُنُوبِهِمْ : الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالساً » (٤) ، وموثق سماعة : « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس. قال (ع) : فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد » (٥) ، وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) : « سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود

__________________

(١) مضمون صحيح زرارة. الوسائل باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ١ وتقدم في أول المسألة الثامنة.

(٢) تقدم في المسألة : ٨ من هذا الفصل. الوسائل باب : ١٠ من أبواب القيام حديث : ٢‌

(٣) آل عمران : ١٩١.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٥.

١١٨

على الجانب الأيمن [١] كهيئة المدفون ،

______________________________________________________

ولا الإيماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال (ع) : يرفع مروحة إلى وجهه » (١) والنبوي المتقدم في صدر هذه المسألة‌ وغيرها. وكلها متفقة على وجوب الصلاة مضطجعاً.

وفي بعض النصوص : أنه يصلي مستلقياً ، كخبر عبد السلام الهروي عن الرضا (ع) عن آبائه : « قال : قال رسول الله (ص) : إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصل جالسا ، فان لم يستطع جالساً فليصل مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماء » (٢) ، ونحوه مرسل محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، ومرسل الفقيه عن الصادق (ع) (٤) ، وغيرهما. والجميع يتعين تقييده بما سبق إن أمكن ، أو بالحمل على التقية.

[١] كما عن جماعة كثيرة. بل عن البحار : أنه المشهور ، وفي كشف اللثام : « عليه المعظم » ، بل هو مذكور في معقد إجماع المعتبر والمنتهى ، حملا منهم للمطلق على المقيد كالنبوي المروي عن الفقيه المتقدم في صدر المسألة‌ ، وموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومئ إيماء ، وقال (ع) : يوجه كما يوجه الرجل في لحده ، وينام على جنبه الأيمن ، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء ، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ، وليستقبل بوجهه جانب القبلة ، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٢١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٨.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام ملحق حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٣.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٠.

١١٩

______________________________________________________

وظاهر الشرائع. التخيير بين الجانبين ، وحكي عن المقنعة ، وجمل السيد ، والوسيلة ، والنافع ، وغيرها. وكأنهم اعتمدوا في ذلك على المطلقات الآمرة بالاضطجاع لضعف المقيد سنداً كالنبوي أو دلالة كموثق عمار‌.

نعم في المعتبر (١) : أنه استدل بما رواه أصحابنا عن حماد عن أبي عبد الله (ع) : « المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجه كما يوجه الرجل في لحده ، وينام على جانبه الأيمن ، ثمَّ يومئ بالصلاة ، فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ، ثمَّ يومئ بالصلاة إيماء » وفي الذكرى (٢) ، وعن الروض : موافقته في ذلك ، بل حكي عن بعض نسخ التهذيب ، ودلالتها خالية عن القصور.

لكن استظهر في الجواهر أنها رواية عمار عبر فيها بـ « حماد » سهواً من القلم ، فان تمَّ ذلك لم يجد في تمامية الدلالة للاضطراب ، وإلا فهي رواية مرسلة عن حماد. اللهم إلا أن ينجبر ضعفها بما عن المعتبر : من أنها أشهر وأظهر بين الأصحاب ، وما في الذكرى : من أن عليها عمل الأصحاب لكن الظاهر أن مرادهما من الرواية التي هي أشهر وأظهر وعليها العمل سنخ الرواية الدالة على الترتيب بين الأيمن والأيسر لا خصوص رواية حماد.

هذا ولكن الإنصاف أن إرسال الفقيه بمثل : « قال رسول الله (ص) » يدل على غاية الاعتبار عنده وكفى به سبباً للوثوق. ومتن رواية عمار وإن كان لا يخلو من تشويش وقصور إلا أن قوله (ع) : « يوجه .. » وقوله (ع) بعد ذلك : « فان لم يقدر .. » ظاهر ان في تعين الاضطجاع على الأيمن ، فيمكن لذلك رفع اليد عن إطلاق المطلق من تلك النصوص ، والعمدة موثق سماعة‌ (٣) لظهور عدم ورود غيره في مقام البيان من هذه الجهة فلاحظها‌

__________________

(١) في المسألة الثالثة من احكام القيام. صفحة : ١٧٠.

(٢) في المسألة التاسعة من احكام القيام.

(٣) تقدم في صدر التعليقة السابقة.

١٢٠