مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

فيجب فيه جميع ما يشترط فيها : من الاستقبال ، وستر العورة ، والطهارة ، وغيرها ، ومخرج منها ، ومحلل للمنافيات المحرمة بتكبيرة الإحرام ، وليس ركناً ، فتركه عمداً مبطل لا سهواً ، فلو سها عنه وتذكر بعد إتيان شي‌ء من المنافيات عمداً وسهواً أو بعد فوات الموالاة لا يجب تداركه [١] ،

______________________________________________________

فليسلم » (١) ، وما في صحيح زرارة المتقدم : « وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (٢) ، وما في صحيحه الآخر : « فيمن يجلس فيحدث قبل أن يسلم. قال (ع) : تمت صلاته » (٣) ، والنصوص المتضمنة صحة الصلاة مع تخلل المنافي المتقدمة.

لكن عرفت الإشكال في جميع ذلك ، وأنه لا يصلح لمعارضة نصوص التحليل المعتضدة بما دل على أنه آخر الصلاة ، وبه يفرغ منها ، وبه تنقطع ونحو ذلك المستفاد من مجموعة الجزئية ، وعدم جواز إيقاع المنافيات قبله. وأن الاعتماد على ظاهر الأمر محل إشكال لعدم كونه في مقام التشريع ليدل على الوجوب ، فلاحظ وتأمل.

[١] كما اختاره غير واحد من شراح الشرائع ، لعموم حديث : « لا تعاد الصلاة » (٤) الموجب لسقوطه عن الجزئية في حال السهو كغيره من الأجزاء التي يلزم من ثبوت جزئيتها في حال السهو الإعادة. اللهم إلا أن يقال : مجرد السقوط عن الجزئية غير كاف في تحقق المحلل للمنافيات فما لم يثبت وقوع المحلل بدليل فالمنافيات على حالها في اقتضاء البطلان.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب التشهد حديث : ٣.

(٢) راجع أول فصل التشهد.

(٣) تقدم في هذه التعليقة.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب‌

٤٦١

______________________________________________________

نعم لو كان مفاد‌ حديث : « تحليلها التسليم » (١) أن محلليته بلحاظ كونه الجزء الأخير ، فإذا فرض سقوطه عن الجزئية كان الأخير هو ما قبله ، فالمنافي يكون بعد الفراغ فلا يكون قادحا ، لكن الظاهر من الخبر انحصار المحلل بالتسليم مع قطع النظر عن كونه آخر الاجزاء ، فمع فقده لا يتحلل من الصلاة وإن كان قد فرغ منها.

وبالجملة : لو قصرنا النظر على أدلة المنافيات كان مقتضاها البطلان لو وقعت في أثناء الصلاة ، ولم تقتضه لو كانت قبلها أو بعدها. وبلحاظ هذا الحديث يكون المدار في البطلان وقوعها قبل التسليم ، فيكون الحديث تأسيساً لحكم لا تفيده تلك الأدلة. فإن قلت : إذا كان حديث : « لا تعاد الصلاة » شاملا للتسليم المنسي أمكن أن يستفاد من الحكم بعدم إعادة الصلاة لتركه الحكم بمحللية التشهد للملازمة فتكون محللية التشهد مدلولا التزامياً له. قلت : الحديث المذكور لأنظر فيه إلا الى صحة الصلاة من جهة نقص التسليم ، وصحتها من هذه الجهة لا تلازم صحتها من وجود المحلل ، وإنما تكون الملازمة بين صحة الصلاة من جميع الجهات في حال نسيان التسليم وبين ثبوت المحلل ، لكن صحتها كذلك ليس منظوراً إليها في الحديث.

اللهم إلا أن يقال : لازم البناء على كون تحليلها التسليم تأسيساً البناء على كون تحريمها التكبير كذلك ، ومقتضى ذلك عدم حرمة إيقاع المنافيات قبل تمام التكبير ، وهو مناف لإطلاق ما دل على عدم جواز إيقاعها في أثناء الصلاة ، بل لا يظن الالتزام من أحد بجواز وقوعها في حال التكبير قبل تمامه ، فاذا وجب صرف « تحريمها التكبير » الى كونه أول الأجزاء فلا يكون تأسيساً وجب بقرينة المقابلة صرف « تحليلها التسليم » الى كونه آخر الأجزاء لا غير ، لا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة من إبطال‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٤٥٢.

٤٦٢

نعم عليه سجدتا السهو للنقصان بتركه [١] ، وإن تذكر قبل ذلك أتى به [٢] ولا شي‌ء عليه إلا أن يتكلم فيجب عليه سجدتا السهو [٣] ، ويجب فيه الجلوس [٤] ، وكونه مطمئناً وله صيغتان هما : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » ‌

______________________________________________________

المنافي. وفيه : أن المنافاة المذكورة إنما تقتضي كون المحرم الشروع في التكبير بأن يكون المراد منه الطبيعة السارية في الأجزاء لإتمامها ، فالبناء على ظهور كل من‌ قوله (ع) : « تحريمها التكبير » ، وقوله (ع) : « تحليلها التسليم » ‌متعين. وأما النصوص الواردة في نسيان التسليم كموثق أبي بصير الآتي‌ في التحليل بالصيغة الأولى وغيره فلا إطلاق لها يشمل صورة وقوع المحلل ، بل مقتضى الأمر بالتسليم فيها الاختصاص بصورة عدمه وبقائه على الجزئية لا سقوطه عنها.

وأما الاستدلال على المقام بالنصوص المتقدمة في الحدث قبل التسليم فغير ظاهر الوجه بعد عدم ظهورها في نسيان التسليم ، بل ظهورها في عدمه وامتناع الأخذ بظاهرها لا يصحح حملها على خلاف الظاهر والاستدلال به وكأنه لذلك اختار في الشرائع وغيرها البطلان.

[١] بناء على وجوبهما لكل زيادة ونقيصة.

[٢] لعدم الموجب لسقوط وجوبه.

[٣] لما يأتي إن شاء الله من وجوبهما للكلام ساهياً.

[٤] بلا خلاف ظاهر ، وعن جماعة التصريح به ، وفي المستند : أنه الأظهر ، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار بل من مطاوي الأخبار. انتهى. وكأنه يريد بالأخبار مثل موثقة أبي بصير الطويلة مما تضمن أنه كالتشهد.

٤٦٣

و « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » ، والواجب إحداهما [١]

______________________________________________________

[١] على التخيير ، فيتحلل بكل منهما كما عن جماعة ، بل عن بعض نسبته الى المشهور ، وآخر نسبته إلى المتأخرين ، وفي المنتهى : « لا نعرف خلافا في أنه لا يجب عليه الإتيان بهما » ، وفي الذكرى : « لم يقل به أحد فيما علمته » ، ويدل على التحليل بالأول جملة من النصوص المتقدم بعضها كصحيح الحلبي قال أبو عبد الله (ع) : « كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي (ص) فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت » (١) وخبر أبي كهمس عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، انصراف هو؟ قال (ع) : لا ، ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف » (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كنت إماماً فإنما التسليم أن تسلم على النبي (ص) وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فاذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثمَّ تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (٣) ، وموثقه : « إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته .. » (٤) الى غير ذلك.

وعلى التحليل بالثاني إطلاقات التسليم التي قد عرفت احتمال اختصاصها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب التسليم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب التسليم حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب التسليم حديث : ١.

٤٦٤

______________________________________________________

به فضلا عن شمولها له ، بل بعض ما ورد في الأول ظاهر في أن الاكتفاء به لأنه من بعض أفراد التسليم ، مثل ما‌ عن كتاب الرضا (ع) الى المأمون : « ولا يجوز أن تقول في التشهد الأول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأن تحليل الصلاة التسليم ، فاذا قلت هذا فقد سلمت » (١) ، ونحوه خبر الأعمش‌ (٢).

وكأنه في الجواهر يشير الى هذه الإطلاقات في استدلاله على الخروج بالثاني بالإجماع بقسميه ، بل الضرورة والنصوص المتواترة ، وإلا فلم نقف في النصوص على ما يتعرض له بالخصوص غير صحيح ابن أذينة وغيره في صلاة النبي (ص) في المعراج‌ (٣) ، وخبر أبي بكر : « إني أصلي بقوم فقال (ع) : تسلم واحدة ولا تلتفت ، قل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكم » (٤) ، وما عن جامع البزنطي عن عبد الله بن أبي يعفور : « سألت أبا عبد الله (ع) عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة. قال (ع) : يقول السلام عليكم » (٥).

نعم ورد في جملة من النصوص التعرض له ، لكن لم يظهر منها أنه محلل ، ففي مرسل الفقيه : « قال رجل لأمير المؤمنين (ع) : ما معنى قول الامام السلام عليكم؟ فقال (ع) : .. » (٦) ، وفي خبر المفضل : « لم لا يقال : السلام عليك والملك على اليمين واحد ، ولكن يقال : السلام عليكم؟ قال (ع) : .. » (٧) ، وفي موثق يونس بن يعقوب :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التشهد حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٣) تقدم في صفحة : ٤٣٥.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب التسليم حديث : ٤.

(٧) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١٥.

٤٦٥

______________________________________________________

« قلت لأبي الحسن : صليت بقوم صلاة ، فقعدت للتشهد ، ثمَّ قمت ونسيت أن أسلم عليهم ، فقالوا ما سلمت علينا. فقال (ع) : ألم تسلم وأنت جالس؟ قلت : بلى. قال (ع) : فلا بأس عليك ، ولو نسيت حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم » (١) ، ونحوها غيرها. بل لعل مثلها خبر ابن أبي يعفور المتقدم‌ (٢).

وكيف كان فمما ذكرنا في وجه محللية الأول يظهر ضعف ما نسب إلى الأكثر أو المشهور من تعين الثاني لها. كما أن مما ذكرنا في وجه محللية الثاني يظهر ضعف ما عن جامع ابن سعيد من تعين الأول لها. كما أن من كل منهما يضعف جداً ما قيل أو يقال من وجوب الجمع بينهما.

هذا وعن فاخر الجعفي وجوب التسليم على النبي (ص) منضما الى أحد التسليمين ، وكأنه استند الى ما في رواية أبي بكر‌ ، وخبر أبي بصير المتقدمين (٣) وفيه ـ مع حكاية الإجماع على خلافه ، وعن البيان : أنه مسبوق بالإجماع وملحوق به ـ : أنه مخالف لصحيح الحلبي‌ ، وخبر أبي كهمس المتقدمين (٤) أيضاً ، وكذا حديث ميسر‌ (٥) ومرسل الفقيه‌ (٦) ، بل لا يبعد ذلك في خبر أبي بصير فيكون حجة عليه لا له. اللهم إلا أن يكون مراده وجوب السلام على النبي (ص) في قبال التسليم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب التسليم حديث : ٥.

(٢) راجع الصفحة السابقة.

(٣) تقدم الأول في صفحة : ٤٦٥ والثاني في صفحة : ٤٦٤.

(٤) راجع صفحة : ٤٦٤.

(٥) راجع صفحة : ٤٥٩.

(٦) راجع صفحة : ٤٦٥.

٤٦٦

فإن قدم الصيغة الأولى كانت الثانية مستحبة [١]

______________________________________________________

الذي به الانصراف كالصلاة عليه (ص) ، فلا تصلح النصوص المذكورة لنفي وجوبه.

فالعمدة حينئذ في دفعه الإجماع وما يستفاد من سبر جملة من النصوص من عدم وجوب شي‌ء من التسليم إلا ما يكون به انصراف. فلاحظ صحيحة الفضلاء‌ (١) وغيرها ، أما الأمر بالتسليم في الآية الشريفة (٢) فغير ظاهر فيما نحن فيه ، والإجماع على عدم وجوبه في غير الصلاة لا يكفي في وجوبه فيها لا مكان حمله على الاستحباب ، ولا سيما مع كون عدم الوجوب مظنة الإجماع.

[١] كما هو المشهور ، وحكي في الذكرى عن ابن طاوس رحمه‌الله في البشرى احتمال أنها واجبة ، وان كان الخروج بـ « السلام علينا » ، قال في الذكرى : « للحديث الذي رواه ابن أذينة عن الصادق (ع) في وصف صلاة النبي (ص) في السماء : أنه لما صلى ، أمر الله أن يقول للملائكة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إلا أن يقال : هذا في الإمام دون غيره » ثمَّ قال : « ومما يؤكد وجوبه رواية زرارة ومحمد بن مسلم ـ وأورد التي ذكرناها آنفاً يعني روايتهما عن الباقر (ع) ـ : إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته ، وإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه ».

أقول : أما صحيح المعراج‌ (٣) فالذي يظهر من ملاحظة ما فيه أنه في مقام بيان المستحب والواجب فلا يصلح للدلالة على أحدهما كما لا يصلح‌

__________________

(١) تقدمت في صفحة : ٤٥٦.

(٢) وهي قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ). الأحزاب : ٥٦.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٠.

٤٦٧

بمعنى كونها جزءاً مستحباً [١] لا خارجا ، وإن قدم الثانية اقتصر عليها [٢] ،

______________________________________________________

للدلالة على الوجوب التعييني ، مضافا الى أنه لم يذكر فيه الصيغة الاولى ، فلا يصلح حجة للدلالة على وجوب الثانية عند سبقها بها. وأما الصحيح الآخر‌ (١) فلا يظهر وجه تأكيده للوجوب إلا إذا كان المراد من التسليم فيه الصيغة الاولى ، ومن الانصراف « السلام عليكم » لكنه خلاف الظاهر وقد يستدل له بما تضمن الأمر بالتسليم الظاهر في الصيغة الثانية ، فإن إطلاقه شامل لصورة الإتيان بالأولى ، فتجب وإن أتى بها ، ولا ينافيه الخروج بها عن الصلاة كما تضمنته النصوص. وفيه : أن الذي يظهر من ملاحظة النصوص أن التسليم مأمور به بما هو محلل ، فاذا ثبت التحلل بالصيغة الأولى كانت أحد فردي الواجب المسقط لأمره وفرغ به من الصلاة. وحينئذ فالأمر به بعدها يكون استحبابياً ـ كما في نظائره ـ لا أنه يحمل على الوجوب النفسي لأجل عدم منافاته مع الخروج ، إذ عدم المنافاة عقلا غير مسوغ لارتكاب خلاف الظاهر عرفا.

[١] قد تقدم في نية الوضوء الإشكال في كون الشي‌ء جزءاً للواجب مستحباً ، وسيأتي إن شاء الله في أوائل مباحث الخلل ، فالاجزاء المستحبة أمور مستحبة ، محلها الواجب لا أنها أجزاء منه. نعم تفترق عن المستحبات الأجنبية أن مصلحتها من سنخ مصلحة الواجب ، ومن مراتبه بخلاف المستحبات الأجنبية.

[٢] لعدم الدليل على استحباب إيقاع الثانية بعدها ، كما اعترف به غير واحد ، منهم الشهيد على ما حكي. نعم هو ظاهر المحقق وجماعة ، فان أمكن الاعتماد على قاعدة التسامح لفتواهم أمكن البناء على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التسليم حديث : ٥.

٤٦٨

وأما « السلام عليك أيها النبي » فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهد [١] ، وليس واجباً بل هو مستحب وإن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه [٢] ، ويكفي في الصيغة الثانية : « السلام عليكم » بحذف قوله : « ورحمة الله وبركاته » [٣] وإن كان الأحوط ذكره ،

______________________________________________________

[١] كما يشير اليه خبر أبي كهمس المتقدم‌ (١) ، وان كان الذي يظهر من خبري أبي بكر‌ ، وأبي بصير المتقدمين (٢) ، وموثقة أبي بصير الطويلة‌ (٣) أنه من توابع التسليم ، كما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

[٢] قد عرفت حكايته عن الجعفي في الفاخر ، وعن كنز العرفان : أنه الذي يقوى في ظني. وقد عرفت وجهه وضعفه.

[٣] كما نسب إلى الأكثر ، ويقتضيه الاقتصار عليه في جملة من النصوص : كروايات الحضرمي‌ (٤) ، وابن أبي يعفور‌ (٥) ، وأبي بصير‌ (٦) ، ويونس بن يعقوب‌ (٧) نعم في صحيح ابن جعفر (ع) : « رأيت إخوتي موسى (ع) وإسحاق ومحمداً بني جعفر (ع) يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله » (٨) ، وقد‌

__________________

(١) راجع في صفحة : ٤٦٤.

(٢) تقدم في صفحة : ٤٦٥ والثاني في صفحة : ٤٦٤.

(٣) راجع صفحة : ٤٤٩.

(٤) راجع صفحة : ٤٦٥.

(٥) راجع صفحة : ٤٦٥.

(٦) راجع صفحة : ٤٦٤.

(٧) تقدم صدرها ومصدرها في صفحة : ٤٥٧.

(٨) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١.

٤٦٩

بل الأحوط الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور ، ويجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصحيح [١]

______________________________________________________

تقدم‌ في صحيح المعراج : أنه (ص) قال : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » (١) وكأنه لذلك اختلفت فتاواهم المحكية في المقام ، فعن ابن زهرة ، والألفية ، وفوائد الشرائع ، وظاهر البيان ، والتنقيح ، وتعليق النافع ، والمسالك وجوب الأخير وعن الحلبي وجوب الثاني ، ونسب أيضاً الى السيد رحمه‌الله ، وعن الأردبيلي الميل اليه ، وعن الأكثر الأول ، وهو الأقوى لما عرفت ، الذي لا يصلح غيره لمعارضته لأنه عمل مجمل ، ولا سيما وفي المنتهى وعن المفاتيح : أنه لا خلاف في استحباب « وبركاته » وأن صحيح ابن جعفر مشتمل على التكرار الذي لم يقل بوجوبه أحد.

ودعوى : أن ما في النصوص الأول محمول على الاكتفاء عن ذكر الكل بذكر البعض ، غير ظاهرة ، ولا سيما وأن المتعارف في التسليم على الجماعة الاقتصار على « السلام عليكم ». ومثلها دعوى أن ما عدا خبر أبي بكر غير ظاهر في التحلل بها كما سبق ، إذ الظاهر بل المقطوع به أن ذلك هو التسليم المحلل لو لم يسبقه تسليم آخر ، لا أنه تسليم آخر. مع أن في خبر أبي بكر كفاية ، ولا سيما مع مطابقته لمقتضى أصالة البراءة.

اللهم إلا أن يقال : أصل البراءة إنما ينفي الجزئية أو الشرطية ، ولا يثبت المحللية ، فالمرجع استصحاب بقاء التحريم حتى يثبت المحلل. ثمَّ إن ظاهر النص والفتوى اعتبار الصيغة الأولى بتمامها ، لكن في نجاة العباد : أن الأصح الاجتزاء بـ « السلام علينا » ، وكأنه لصدق التسليم عليه ، لكنه غير ظاهر في قبال ما عرفت.

[١] لما سبق من ظهور الدليل في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٠.

٤٧٠

مع العربية والموالاة. والأقوى عدم كفاية قوله : « سلام عليكم » بحذف الألف واللام [١].

( مسألة ١ ) : لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة. نعم لو كان ذلك بعد نسيانه بأن اعتقد خروجه من الصلاة لم تبطل ، والفرق أن مع الأول يصدق الحدث في الأثناء ، ومع الثاني لا يصدق [٢] لأن المفروض أنه ترك نسياناً جزءاً غير ركني فيكون الحدث خارج الصلاة.

______________________________________________________

[١] لكونه غير المأمور به في النصوص ، ولا دليل على الاكتفاء به ، ومنه يظهر ضعف ما في المعتبر : من أنه لو قال « سلام عليكم » ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزي انتهى ، ونحوه ما في التذكرة : من أن الأقرب الاجزاء. وان استدل عليه الأول بوقوع اسم التسليم عليه ، وبوروده في القرآن (١) فإن الإطلاق مقيد بما سبق ، والورود في القرآن لا يصلح حجة في المقام ، ومثله ما عن التذكرة : من أنه الأقرب ، لأن علياً (ع) كان يقول ذلك عن يمينه وشماله ، ولأن التنوين يقوم مقام اللام. إذ الأول غير ثابت ، بل في المعتبر (٢) حكاية التعريف عنه (ع) في خبر سعد ، والثاني ممنوع بنحو يشمل المقام.

[٢] قد عرفت الاشكال فيه ، وأن المعيار في البطلان وعدمه وقوع المنافي قبل المحلل وعدمه ، لا وقوعه في الأثناء وعدمه كما ذكر. وأما النقض‌

__________________

(١) راجع سورة الانعام : ٥٤ والأعراف : ٤٦ والرعد : ٢٤ والنحل : ٣٢ والقصص : ٥٥ والزمر : ٧٣.

(٢) راجع آخر مسألة وجوب التسليم صفحة : ١٩١.

٤٧١

( مسألة ٢ ) : لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة [١]

______________________________________________________

عليه بما ذكره سابقاً من وجوب السجود للكلام لو سها عن التسليم وتخيل الفراغ فتكلم. ففيه : أن وقوع الكلام لا يلازم إلغاء جزئية التسليم فيكون في الأثناء ، بخلاف الحدث فإنه يوجب إلغاءها فيكون بعد الفراغ ، فلا تنافي بين الحكم بالصحة مع الحدث وبالسجود للسهو في الكلام ناسيا. فلاحظ.

[١] قال في المنتهى : « وهل يجب عليه أن ينوي بالتسليم الخروج من الصلاة؟ لم أجد لأصحابنا فيه نصا ، والأقرب أنه لا تجب ». لإطلاق الأدلة ، بل مقتضى ما تقدم من كتاب الرضا (ع) الى المأمون‌ ، وخبر الأعمش‌ (١) الخروج به وإن قصد عدم الخروج ، ومثلهما حسن ميسرة : « شيئان يفسد على الناس بهما صلاتهم : قول الرجل : تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وإنما هو شي‌ء قالته الجن بجهالة فحكى الله تعالى عنهم. وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » (٢) ، وقريب منه مرسل الفقيه‌ (٣). ومن المعلوم أن فعل الناس إنما كان بقصد عدم الخروج لأنه في التشهد الأول. نعم لو كان قصد عدم الخروج راجعاً الى عدم قصد الأمر بطل لفوات التقرب ، وفي الذكرى : « حكي عن المبسوط أنه قال : ينبغي أن ينوي به ذلك ، ثمَّ قال : وليس بصريح في الوجوب ، ووجه الوجوب أن نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين ، ومن ثمَّ تبطل بفعله في أثنائها عمداً وإذ لم تقترن به نية تصرفه الى التحليل كان مناقضاً للصلاة ومبطلا لها ». وهو كما ترى.

__________________

(١) راجع صفحة : ٤٥٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب التشهد حديث : ٢.

٤٧٢

بل هو مخرج قهراً وإن قصد عدم الخروج لكن الأحوط عدم قصد عدم الخروج ، بل لو قصد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.

( مسألة ٣ ) : يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد [١] ، وقبله يجب متابعة الملقن إن كان ، وإلا اكتفى بالترجمة وإن عجز فبالقلب ينويه مع الإشارة باليد على الأحوط والأخرس يخطر ألفاظه بالبال ويشير إليها باليد أو غيرها.

( مسألة ٤ ) : يستحب التورك في الجلوس حاله على نحو ما مر [٢] ، ووضع اليدين على الفخذين ، ويكره الإقعاء.

( مسألة ٥ ) : الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة [٣]

______________________________________________________

[١] ومر هناك الوجه المشترك بينه وبين المقام.

[٢] كأنه لتبعيته للتشهد في ذلك.

[٣] بل جزم في نجاة العباد بعدم جوازه للمنفرد ولا للإمام ولا للمأموم ، فلو فعل أحدهم بطلت الصلاة. وفي الجواهر لم يستبعد البطلان للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة ، لأصالة عدم التداخل ، ولأنه من كلام الآدميين ، ولغير ذلك ، بعد أن احتمل عدم الخلاف في عدم وجوب نوع هذا القصد فضلا عن خصوصيات المقصود ، للأصل ، وإطلاق الأدلة ، وعموم بعضها ، والسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار من العلماء والعوام التي تشرف الفقيه على القطع بالعدم ، خصوصاً في مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى والبلية ، ولا طريق للمكلفين الى معرفته إلا بالألفاظ.

أقول : أما أصل القصد في الجملة ولو إجمالا وارتكازاً في الواجبات القولية غير القراءة ومنها التسليم فالظاهر وجوبه ، لظهور ما دل على وجوب التكبير ، والذكر في الركوع ، والسجود ، والركعتين الأخيرتين ، والشهادتين‌

٤٧٣

______________________________________________________

والصلاة على النبي (ص) ، والتسليم في وجوب تلك المفاهيم الإنشائية أو الخبرية المؤداة بالألفاظ الحاكية لها كما في سائر المعاني الخبرية والإنشائية ، ووجوب أدائها بالألفاظ الخاصة لا يقتضي كون الواجب هو الألفاظ الخاصة غير الملحوظ معانيها : لا معاني مفرداتها ، ولا معاني هيئاتها ، إذ لا وجه لذلك ، بل هو مقطوع بخلافه ، ضرورة وضوح كون التكليف بها ليس من قبيل التكليف بالألفاظ المهملة ، أو بالمفردات غير المرتبط بعضها ببعض مثل : « زيد عمرو بكر » لا يراد منه إلا أداء نفس الأصوات الخاصة.

وأما حضور القصد المذكور عند أداء الكلام فالظاهر عدم وجوبه ، للسيرة القطعية على عدمه ، بل لا يتفق ذلك إلا للأوحدي من الناس. يعرف ذلك كل إنسان عند مراجعة نفسه وقت الصلاة ، وأنه إن لم يتعذر ذلك منه إلا بعد رياضة كاملة فلا أقل من أنه متعسر.

وأما الالتفات إلى خصوصية المعنى فعدم وجوبه أوضح ، إذ يقتضيه ـ مضافا الى ذلك ـ الجهل بالخصوصيات بالنسبة إلى غالب المكلفين ، ولا سيما الأجانب عن اللغة العربية.

وأما جواز القصد التفصيلي إلى المعنى بخصوصياته فلا ينبغي أن يكون محلا للإشكال ، إذ معه يكون الامتثال بأوضح الأفراد وأجلاها. نعم يتوقف على العلم بالخصوصيات الملحوظة للشارع الأقدس عند الأمر به ، فاذا جهلها كان القصد التفصيلي موجباً للشك في الامتثال لاحتمال عدم الإتيان بالمأمور به ، إلا أن يكون قصد الخصوصية من باب الخطأ في التطبيق. مثلا إذا تردد في المراد بكاف الخطاب في « السلام عليكم » أنه الملائكة الموكلون بكتابة الحسنات أو السيئات ، أو هما معاً ، كان القصد الى صنف بعينه موجباً للشك في إتيان المأمور به ، وكذا لو تردد في أن الباء من « وبحمده » زائدة أو للاستعانة ، فإذا قصد واحداً منهما بعينه شك في إتيان المأمور به ، فلا يجزي‌

٤٧٤

______________________________________________________

عقلا إلا إذا كان القصد إلى الخصوصية من باب القصد الطولي المجامع لقصد المعنى الواقعي للكلام. وكذا لو قامت الحجة على خصوصية المعنى ، إذ ذلك إنما يقتضي العذر في قصده لا الصحة الواقعية على تقدير المخالفة ، فالأحوط في السلام قصد المعنى الواقعي بلا ملاحظة خصوصية التحية والدعاء ولا خصوصية الموضوع من كونه الملكين أو غيرهما ، وأحوط منه قصد المعنى على تقدير اعتباره لا مطلقاً.

هذا ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكره في الجواهر : من عدم جواز قصد التحية ، كما يظهر لك النظر في وجهه ، فان ما دل على وجوب التسليم بعنوان التحية مقيد للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة ، وللنهي عن كلام الآدميين فيها ورافع لموضوع أصالة عدم التداخل. اللهم إلا أن يمنع كون التسليم الواجب معنوناً بعنوان التحية فقصدها موجب للشك في الامتثال لكنه خلاف ظاهر النصوص ولا سيما ما يأتي.

وأشكل منه ما ذكره أولا من عدم وجوب القصد أصلا ، وأن الواجب صورة اللفظ لا غير ـ كما صرح به في آخر كلامه ـ فان ذلك خروج عما هو ظاهر الأدلة كما عرفت ، وإن قال رحمه‌الله : أنه اجتهاد منشؤه الغرور بالنفس ، وأنه قد يظهر لها ما يخفى على غيرها ، وإلا فمن لاحظ النصوص والفتاوى مع التأمل جزم بعدم اعتبار ذلك خصوصاً في المنفرد .. فإنه لم يظهر بعد التأمل ما يوجب عدم اعتبار القصد أصلا ولو إجمالا ، وأن الواجب مجرد التلفظ باللفظ الخاص ، وكون التسليم إذناً ـ كما في موثق عمار‌ (١) ، ويستفاد من خبر أبي بصير السابق‌ (٢) ، وأنه يترجم به الامام عن الله عز وجل بالأمان من عند الله كما في مرسل الفقيه‌ (٣)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب التسليم حديث : ٧.

(٢) راجع صفحة : ٤٦٤.

(٣) راجع صفحة : ٤٦٥.

٤٧٥

بأن يقصد السلام على الإمام أو المأمومين أو الملكين. نعم لا بأس بأخطار ذلك بالبال ، فالمنفرد يخطر بباله الملكين الكاتبين حين السلام الثاني [١] ،

______________________________________________________

وغيره ـ لا يدل على ذلك لو لم يدل على خلافه ، وكذلك الإطلاق والسيرة اللذان استدل بهما فإنهما على ما قلناه أدل كما عرفت.

نعم إطلاق : « إذا قلت السلام علينا .. » أو « قل : السلام عليكم » ، وإن كان يقتضي ما ذكر من أن الواجب مجرد التلفظ إلا أنه لا يجوز التعويل عليه ، لأنه تقييد لدليل وجوب التسليم بالمعنى الإنشائي فالمعول عليه إطلاق ذلك الدليل ، وقد عرفت أنه يقتضي ملاحظة المعنى. كيف لا؟! وموثقة أبي بصير الطويلة‌ (١) كافية في إثبات ما ذكرنا ، إذ احتمال كون التكليف بنفس الألفاظ المشتملة عليها بما هي لقلقة لسان كاحتمال التفكيك بين الواجب والمستحب ، أو بين التسليم الواجب والمستحب مما لا يقبله الذوق ، والمظنون وقوع الخلط بين حضور القصد حال الكلام وبين القصد الإجمالي ، والله سبحانه أعلم.

ثمَّ إن الظاهر عدم جريان أحكام التحية على مثل السلام المذكور لانصرافها إلى التحية في الخطابات المتعارفة ، وللسيرة القطعية على خلافها ، فما عن الذكرى : من أن المأموم يقصد بأول التسليمتين الرد على الامام فيحتمل أن يكون على سبيل الوجوب ، لعموم قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (٢) ضعيف ، بل في الجواهر : « إنه غريب من مثل الشهيد ».

[١] كما في خبري عبد الله بن الفضل الهاشمي‌ ، والمفضل بن عمر‌ (٣).

__________________

(١) تقدمت في صفحة : ٤٤٩.

(٢) النساء : ٨٦.

(٣) تقدما في صفحة : ٤٥٢.

٤٧٦

والامام يخطرهما مع المأمومين [١] والمأموم يخطرهم مع الامام [٢] وفي « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » يخطر بباله الأنبياء والأئمة والحفظة (ع) [٣].

( مسألة ٦ ) : يستحب للمنفرد والامام الإيماء بالتسليم الأخير [٤] إلى يمينه. بمؤخر عينه أو بأنفه أو غيرهما على‌

______________________________________________________

[١] كما في خبر المفضل‌.

[٢] كما قد يستفاد من خبر المفضل‌.

[٣] هذا كأنه مأخوذ من نفس الجملة.

[٤] قال في الذكرى : « فالمنفرد يسلم تسليمة واحدة بصيغة ( السلام عليكم ) ، وهو مستقبل القبلة ، ويومئ بمؤخر عينيه عن يمينه ». ونسب ذلك الى الشيخين ، والفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم. وكأن وجهه ـ على ما أشار إليه في الذكرى ـ الجمع بين‌ صحيح عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله (ع) : « إن كنت تؤم قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » (١) وخبر أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك » (٢) ، بحمل الثاني على الإيماء بالعين الذي لا ينافي الاستقبال بالوجه ، الظاهر فيه الصحيح بقرينة المقابلة بالتسليم عن اليمين في الإمام.

لكن الجمع المذكور بعيد لا شاهد له ، ومثله الجمع بالتخيير بين الأمرين ، فإن التفصيل في الحديثين قاطع للشركة. نعم في رواية المفضل : « لأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على اليسار؟ قال (ع) : لأن الملك

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١٢.

٤٧٧

______________________________________________________

الموكل يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيئات ، فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار. قلت فلم لا يقال : السلام عليك والملك على اليمين واحد ، ولكن يقال : السلام عليكم؟ قال (ع) : ليكون قد سلم عليه وعلى من على اليسار وفضل صاحب اليمين بالإيماء إليه. قلت : فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله ولكن كان بالأنف لمن يصلي وحده ، وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال (ع) : لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين ، وصاحب اليمين على الشدق الأيمن ، وتسليم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته. قلت : فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال (ع) : تكون واحدة رداً على الامام وتكون عليه وعلى ملكيه ، وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكلين به. وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن تكون يمينه على حائط ويساره الى من صلى معه خلف الامام فيسلم على يساره. قلت : فتسليم الامام على من يقع؟ قال (ع) : على ملكيه والمأمومين ، يقول لملكيه : اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها ، ويقول لمن خلفه سلمتم وأمنتم من عذاب الله تعالى » (١) ، ومقتضاها أن المنفرد يومئ بأنفه إلى اليمين ، والامام يومئ بعينه. لكنها مع ضعف سندها وإعراض المشهور عن ظاهرها ومخالفتها للصحيح السابق يشكل الاعتماد عليها ، وإن كان هو ظاهر الصدوق رحمه‌الله في محكي الفقيه والمقنع.

وأما الامام فالمذكور في كلام جماعة ـ منهم الشهيد في الذكرى بل نسب الى المشهور ـ أنه يومئ بصفحة وجهه عن يمينه. ويشهد له ـ كما في الذكرى ـ ما تقدم في صحيح عبد الحميد‌ ، لكنه يعارضه جملة أخرى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١٥.

٤٧٨

______________________________________________________

كصحيح أبي بصير قال أبو عبد الله (ع) : « إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك ، وتسليمة عن يسارك ، لأن عن يسارك من يسلم عليك. وإن كنت إماماً فسلم تسليمة وأنت مستقبل القبلة » (١) ، وما في خبره المتقدم : « ثمَّ تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم » (٢) وخبر ابن أبي يعفور : « عن تسليم الامام وهو مستقبل القبلة قال (ع) : يقول : السلام عليكم » (٣) ، وخبر الحضرمي : « إني أصلي بقوم ، فقال (ع) : سلم واحدة ولا تلتفت قل .. » (٤) ، وخبر الكاهلي : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام‌ .. الى أن قال : وسلم واحدة مما يلي القبلة » (٥).

والجمع بينها بما ذكر وإن كان قريباً إلا أنه لا شاهد له ومخالف للتفصيل فيها القاطع للشركة ، ومثله ما في المتن تبعاً للجواهر وغيرها من المساواة بين الامام والمنفرد في أنهما يسلمان إلى القبلة لنصوص الاستقبال فيهما ، ويومئان بنحو لا ينافي الاستقبال من غير تخصيص بمؤخر العين ، أو بالعين ، أو بصفحة الوجه ، أو بالوجه قليلا ، أو بالأنف ، أو بطرفه ، أو بغير ذلك أخذاً بإطلاق نصوص الإيماء فيهما أيضاً ، فإنه وإن سلم من إشكال التخصيص بما به الإيماء لكنه غير سالم من إشكال المخالفة للتفصيل بين الامام والمأموم في النصوص من حيث الاستقبال والإيماء إلى اليمين القاطع للشركة ، ومن هنا كان المحكي عن الجمل ، والعقود ، والمبسوط : من أن الامام والمنفرد يسلمان تجاه القبلة وكأنه طرح لنصوص الإيماء لمعارضتها في المقامين بما هو أرجح منها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٨ وتقدم في صفحة : ٤٦٤.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١٧.

٤٧٩

وجه لا ينافي الاستقبال. وأما المأموم فان لم يكن على يساره أحد فكذلك [١] ، وإن كان على يساره بعض المأمومين‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ، لاتفاق النصوص على تسليمه الى اليمين والى الشمال إذا كان هناك أحد. ففي صحيح أبي بصير. « إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك ، لأن عن يسارك من يسلم عليك » (١) وفي خبره : « فاذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت وسلم على من على يمينك وشمالك ، فاذا لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذي على يمينك ، ولا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد » (٢) ، وفي صحيح منصور : « الامام يسلم واحدة ، ومن وراءه يسلم اثنتين ، فان لم يكن عن شماله أحد يسلم واحدة » (٣) ، ونحوها غيرها.

ثمَّ إنه قد يستظهر من هذه النصوص كون الإيماء على النحو المتعارف بأن يلتفت بوجهه ، ويكون حينئذ منافياً لما دل على وجوب الاستقبال في التسليم ، فاما أن يكون مقيداً له ، أو يحمل على الإيماء بنحو لا ينافي الاستقبال لكن الإطلاق الشامل لذلك غير ظاهر ، فضلا عن الظهور. هذا وفي صحيح زرارة ، ومحمد ، ومعمر بن يحيى ، وإسماعيل عن أبي جعفر (ع) قال : « يسلم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره » (٤) ، وفي خبر ابن جعفر (ع) : « عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال (ع) : تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن » (٥). ولعلهما محمولان على نفي وجوب الزائد ، أو نفي تأكده. وعن الشيخ حمل الأول على ما إذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب التسليم حديث : ١٦.

٤٨٠