مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

وكذا في صبح يوم الجمعة [١] ، أو يقرأ فيها في الأولى الجمعة والتوحيد في الثانية [٢] ، وكذا في العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين [٣] ،

______________________________________________________

بقراءتهما‌ (١) ، وأخرى : بالأمر بالإعادة‌ (٢) ، وثالثة : بالأمر بإتمامها ركعتين ثمَّ يستأنف‌ (٣) ، ورابعة : بأنه لا صلاة له‌ (٤) ، فاذا كان ذلك كله للاستحباب هان أمر الحمل عليه في تلك النصوص. مع قرب أن يراد بالجمعة ما يعم الظهر في الطائفتين ، بل هو صريح بعضها فتأمل جيداً.

[١] كما تقدم في صحيح زرارة‌ ، ومرفوع حريز وربعي‌ ، وخبر رجاء‌ (٥).

[٢] كما في كثير من النصوص ، كخبر أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : اقرأ في ليلة الجمعة الجمعة ، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، وفي الفجر سورة الجمعة ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » (٦) ونحوه خبر البزنطي‌ (٧) وأبي الصباح‌ (٨) وغيرهما.

[٣] كما في مرفوع حريز وربعي المتقدم‌ (٩). لكن المشهور أنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٥) تقدم جميع ذلك في التعليقة السابقة.

(٦) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٧) الوسائل باب : ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١١.

(٨) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٩) راجع صفحة : ٢٧٩‌

٢٨١

وفي مغربها الجمعة في الأولى والتوحيد في الثانية [١] ، ويستحب في كل صلاة قراءة إِنّا أَنْزَلْناهُ في الأولى والتوحيد في الثانية [٢]

______________________________________________________

يقرأ في ثانية العشاء سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ، كخبر أبي بصير المتقدم‌. ونحوه خبر منصور بن حازم والبزنطي‌ (١) ، وفي خبر رجاء : « وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة ، وفي الثانية الحمد وسبح » (٢) ونحوه مرسل الفقيه عمن صحب الرضا (ع) (٣) ، وفي خبر أبي الصباح : « وإذا كان في العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة ، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى » (٤).

[١] في خبر أبي الصباح الكناني : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » (٥) ، وخبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة الجمعة وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » (٦).

لكن في جملة من النصوص أنه يقرأ في الثانية : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ، كأخبار أبي بصير‌ ، ومنصور بن حازم‌ ، والبزنطي‌ (٧).

[٢] كما في خبر أبي علي بن راشد : « قلت لأبي الحسن (ع) : جعلت فداك إنك كتبت الى محمد بن الفرج تعلمه : أن أفضل ما يقرأ في‌.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٧٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٩.

(٧) تقدمت في أول الصفحة وفي صفحة : ٢٨١‌

٢٨٢

بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل أعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً الى أجرهما [١] بل ورد أنه‌

______________________________________________________

الفرائض إِنّا أَنْزَلْناهُ ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وإن صدري ، ليضيق بقراءتهما في الفجر فقال (ع) : لا يضيقن صدرك بهما فان الفضل والله فيهما » (١) وقريب منه غيره ، وفي المرسل عمن صحب الرضا (ع) : « القدر في الاولى والتوحيد في الثانية » (٢) ونحوه خبر رجاء‌ (٣). لكن في حديث المعراج‌ (٤) العكس.

[١] لما عن الاحتجاج عن صاحب الزمان (ع) : كتب الى محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث سأله عما روي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها : « إن العالم (ع) قال : عجباً لمن لم يقرأ في صلاته إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كيف تقبل صلاته؟! وروي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وروي أن من قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا ، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاته ولا تزكو إلا بهما؟ « التوقيع » الثواب في السور على ما قد روي ، والا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وإِنّا أَنْزَلْناهُ لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك ، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ، ولكنه يكون قد ترك الأفضل » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الحديث منقول بالمعنى ، راجع المصدر السابق : حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦‌

٢٨٣

لا تزكو صلاة إلا بهما. ويستحب في صلاة الصبح من الاثنين والخميس سورة هَلْ أَتىفي الأولى وهَلْ أَتاكَ في الثانية [١].

( مسألة ١ ) : يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس [٢].

( مسألة ٢ ) : يكره قراءة التوحيد بنفس واحد [٣] ، وكذا قراءة الحمد والسورة بنفس واحد.

______________________________________________________

[١] لمرسل الفقيه حكى من صحب الرضا (ع) الى خراسان : « أنه كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة الأولى الحمد وهَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ، وفي الثانية الحمد وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ، فإن من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس وقاه الله شر اليومين » (١) ونحوه خبر رجاء‌ (٢) ، ولعلهما واحد.

[٢] لخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ قيل له : يا عبد الله لست من المصلين » (٣).

[٣] لما‌ رواه محمد بن يحيى بإسناد له عن أبي عبد الله (ع) : « يكره أن يقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في نفس واحد » (٤) ونحوه خبر محمد بن الفضيل‌ (٥) ومنهما يستفاد كراهة قراءة الحمد والسورة بنفس واحد ، وإلا فلم أعثر عاجلا على ما يدل عليه. نعم‌ في صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع) : « عن الرجل‌.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١‌

٢٨٤

( مسألة ٣ ) : يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين [١] إلا سورة التوحيد [٢].

( مسألة ٤ ) : يجوز تكرار الآية في الفريضة وغيرها ، والبكاء ، ففي الخبر : كان علي بن الحسين « ع » إذا قرأ : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، يكررها حتى يكاد أن يموت [٣] ، وفي آخر : عن موسى بن جعفر (ع) : عن الرجل يصلي له أن

______________________________________________________

يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وسورة أخرى في النفس الواحد ، قال (ع) : إن شاء قرأ في النفس وإن شاء غيره » (١) وفي خبره المروي عن قرب الاسناد زيادة : « ولا بأس » (٢).

[١] لخبر ابن جعفر (ع) : « عن الرجل يقرأ سورة واحدة في الركعتين من الفريضة وهو يحسن غيرها فان فعل فما عليه؟ قال (ع) : إذا أحسن غيرها فلا يفعل وان لم يحسن غيرها فلا بأس » (٣).

[٢] لخبر صفوان : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : صلاة الأوابين الخمسون كلها بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » (٤) وفي صحيحه عنه (ع) : « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تجزئ في خمسين صلاة » (٥) ونحوهما غيرهما.

[٣] رواه الكليني بسنده إلى الزهري‌ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٦٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٢٨٥

يقرأ في الفريضة فتمر الآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية قال (ع) : يردد القرآن ما شاء وإن جاءه البكاء فلا بأس [١].

( مسألة ٥ ) : يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلاهما فقرأ غير الجمعة والمنافقين [٢] أو نقل النية إلى النفل إذا كان في الأثناء وإتمام ركعتين ثمَّ استئناف الفرض بالسورتين [٣].

( مسألة ٦ ) : يجوز قراءة المعوذتين في الصلاة [٤] وهما من القرآن.

______________________________________________________

[١] رواه في الوسائل عن كتاب علي بن جعفر (ع) (١) ، وعن الحميري في قرب الاسناد عنه‌ (٢).

[٢] لما تقدم في مصحح عمر بن يزيد‌ (٣) المحمول على الاستحباب بقرينة مثل صحيح ابن يقطين : « عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمداً؟ قال (ع) : لا بأس بذلك » (٤) ونحوه غيره مما هو صريح في الاجزاء.

[٣] للصحيح عن صباح بن صبيح : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، قال (ع) : يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف » (٥).

[٤] بلا خلاف فيه بيننا كما قيل ، ويشهد له صحيح صفوان : « صلى

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٨ من أبواب القراءة في الصلاة : ملحق حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٣) راجع صفحة : ٢٨٠.

(٤) الوسائل باب : ٧١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٢٨٦

( مسألة ٧ ) : الحمد سبع آيات [١] ،

______________________________________________________

بنا أبو عبد الله (ع) المغرب فقرأ بالمعوذتين في الركعتين » (١) و‌خبر صابر مولى بسام : « أمنا أبو عبد الله (ع) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين ، ثمَّ قال هما من القرآن » (٢) ‌و‌في خبر الحسين بن بسطام عنه (ع) : « سئل عن المعوذتين أهما من القرآن؟ فقال الصادق (ع) : هما من القرآن ، فقال الرجل : إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه ، فقال (ع) : أخطأ ابن مسعود أو قال : كذب ابن مسعود ، وهما من القرآن ، فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة؟ فقال : نعم » (٣) .. الى غير ذلك.

[١] بلا خلاف ، فمن لا يرى جزئية البسملة فصِراطَ الى عَلَيْهِمْ آية عنده ، ومن يرى جزئيتها فصِراطَ الى الضّالِّينَ آية. كذا في مجمع البيان ، ونحوه ما في غياث النفع في القراءات السبع للصفاقشي ، وفي مصحح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن السبع المثاني والقرآن العظيم أهي الفاتحة؟ قال (ع) : نعم ، قلت : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من السبع؟ قال (ع) : نعم هي أفضلهن » (٤) ، وفي خبر محمد بن زياد ومحمد بن سيار عن الحسن ابن علي العسكري (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » (٥) وفي خبر أبي هارون المكفوف المروي في الوسائل في باب ما يقرأ في نوافل الزوال : « يا أبا هارون إن الحمد سبع آيات ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ثلاث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٩.

٢٨٧

والتوحيد أربع آيات [١].

( مسألة ٨ ) : الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب [٢]

______________________________________________________

آيات فهذه عشر آيات » (١).

[١] هذا عند من جعل ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ـ الى ـ أَحَدٌ ) آية ، وهو غير المكي والشامي ، وعندهما أن لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ آية فيكون خمس آيات. كذا في مجمع البيان ، وغياث النفع ، لكن تقدم في خبر أبي هارون المكفوف أنها ثلاث آيات.

[٢] كما في الذكرى ، وحكى فيها عن الشيخ (ره) المنع من ذلك ، للزوم استعمال المشترك في معنيين ، وذلك لما عرفت في مسألة وجوب تعيين البسملة : أن قراءة القرآن لا بد فيها من قصد الحكاية ، الراجع الى استعمال اللفظ في اللفظ الخاص الذي نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ على النبي (ص) ، فاذا قصد به الخطاب أو الدعاء أو الخبر فقد استعمل اللفظ في المعنى المخبر به أو المدعو به أو نحو ذلك ، والجمع بين الاستعمالين ممتنع.

وفيه أن قصد الدعاء أو الخبر لا يلازم استعمال اللفظ في المعنى ولا يتوقف عليه ، كما في باب الكناية ، فإن المعنى المكنى عنه مقصود للمتكلم الاخبار عنه ولم يستعمل اللفظ فيه ، بل إنما استعمله في المكنى به الذي لم يقصد الاخبار عنه ، فتقول : « زيد كثير الرماد » وأنت تستعمل اللفظ في معناه ـ أعني كثرة الرماد من دون أن تقصد الاخبار عنه ، بل تقصد الاخبار عن لازمه وهو أنه كريم ، ولم تستعمل اللفظ فيه ، وكذا الألفاظ المستعملة في المفاهيم غير الملحوظة باللحاظ الاستقلالي بل ملحوظة عبرة إلى معنى آخر ، فتقول : « أكرم من شتمك بالأمس » غير قاصد الحكم على الذات المعنونة بالشتم أمس بل قاصداً الحكم على نفس الذات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

٢٨٨

بقوله ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) إذا قصد القرآنية أيضاً بأن يكون قاصداً للخطاب بالقرآن ، بل وكذا في سائر الآيات فيجوز إنشاء الحمد بقوله ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، وإنشاء المدح في ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، وإنشاء طلب الهداية في ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، ولا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.

( مسألة ٩ ) : قد مر أنه يجب كون القراءة وسائر الأذكار حال الاستقرار [١] ، فلو أراد حال القراءة التقدم أو التأخير قليلا ، أو الحركة إلى أحد الجانبين ، أو أن ينحني لأخذ شي‌ء من الأرض ، أو نحو ذلك يجب أن يسكت حال الحركة ، وبعد الاستقرار يشرع في قراءته ، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين لا يضر [٢] وإن كان الأولى بل الأحوط تركه أيضاً.

______________________________________________________

من حيث هي ، وكذا الحكم الوارد على المفهوم العام الملحوظ عبرة للافراد ، فان المقصود الحكم على تلك الحصص المتكثرة واللفظ غير مستعمل فيها ، بل مستعمل في معناه ـ أعني ذات الماهية المهملة. والظاهر أن المقام من هذا القبيل ، فالقارئ يتلفظ مستعملا لفظه في اللفظ الجزئي الخاص حاكياً عنه حكاية استعمالية جاعلا إياه عبرة إلى معناه قاصداً الاخبار عنه أو إنشاءه.

[١] مر الاستدلال بالإجماع ، ورواية السكوني‌ وغيرها‌ (١). فراجع.

[٢] لأن العمدة في عموم وجوب الاستقرار هو الإجماع ، ولم ينعقد في المقام.

__________________

(١) راجع المسألة الرابعة من فصل تكبيرة الإحرام.

٢٨٩

( مسألة ١٠ ) : إذا سمع اسم النبي (ص) في أثناء القراءة يجوز بل يستحب أن يصلي عليه [١] ، ولا ينافي الموالاة [٢] كما في سائر مواضع الصلاة ، كما أنه إذا سلم عليه من يجب رد سلامه يجب ولا ينافي.

( مسألة ١١ ) : إذا تحرك حال القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة [٣]

______________________________________________________

[١] لعموم‌ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وصل على النبي (ص) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره » (١).

[٢] يعني المعتبرة بين أفعال الصلاة ، أما الموالاة المعتبرة في القراءة فربما تنافيها كما سبق ، وكذا جواب السلام.

[٣] لاحتمال كون الاستقرار شرطاً في القراءة فتفوت بفواته. لكنه خلاف إطلاق دليل جزئية القراءة. نعم لو ثبت إطلاق يقتضي جزئية الاستقرار أو شرطيته للصلاة تعارض الإطلاقان لأنه بعد العلم باعتباره في الجملة يعلم بكذب أحد الإطلاقين فيتعارضان. لكن في ثبوته إشكالا ، ولو سلم فالمرجع أصل البراءة لأنه إن كان شرطاً للصلاة لم يجب في هذه الحال لعموم حديث : « لا تعاد » (٢) ، وإن كان شرطاً للقراءة يجب فتجب إعادتها. ولا يتوهم أن المرجع في المقام قاعدة الاشتغال للشك في امتثال أمر القراءة ، إذ يدفعه أنه لا قصور في امتثال أمر القراءة من جهة نفس القراءة وإنما كان لأجل فوات شرطها ، وفي مثله يرجع الى أصالة البراءة ، كما حرر في مسألة الأقل والأكثر. هذا كله إذا كان غافلا عن ورود المحرك له فقرأ ، أما لو كان ملتفتاً اليه ولم يعتن به فقرأ متحركا ، فلا ينبغي التأمل في فساد الصلاة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب الأذان حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٢٩٠

( مسألة ١٢ ) : إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز [١] ، ويجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز ، ولا بأس بتكرارها مع تكرر الشك ما لم يكن عن وسوسة ، ومعه يشكل الصحة إذا أعاد [٢].

( مسألة ١٣ ) : في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربع [٣].

( مسألة ١٤ ) : يجوز في ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) القراءة بإشباع كسر الهمزة وبلا إشباعه [٤].

( مسألة ١٥ ) : إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما ، بل مع الشك أيضاً [٥] ، كما مر ، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان باطلا ، لا بأس به [٦].

______________________________________________________

لفواته عمداً ، الموجب لزيادة القراءة عمداً.

[١] نعم لو بني على جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء ـ كما هو الظاهر ، لعموم دليلها ـ اقتضت البناء على الصحة ولو لم يتجاوز.

[٢] للنهي عن العمل على مقتضى الوسواس الموجب للحرمة ، فلو بني على قدح القراءة المحرمة تعين القول بالبطلان.

[٣] لئلا يفوت الوقت فيفوت معه الواجب.

[٤] يعني : بالتخفيف ، فإنه قرئ كذلك ، كما في الكشاف ، لكن لم يتحقق أنها قراءة يصح التعويل عليها أولا.

[٥] لأن شكه من قبيل الشك في الشبهة الحكمية التي لا يجوز الاقدام فيها.

[٦] بل حتى مع عدم البناء على ذلك ، لإمكان التقرب بالمحتمل إذا‌

٢٩١

( مسألة ١٦ ) : الأحوط فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات ، حتى أواخر الآيات ، بل جميع حروفها ، وإن كان لا يبعد اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة من الآية [١] ، فضلا عن حرف آخرها.

فصل في الركوع

يجب في كل ركعة من الفرائض والنوافل ركوع [٢]

______________________________________________________

كان مطابقاً للواقع وان لم يعزم على الاحتياط ، وما ذكره شيخنا الأعظم قدس‌سره في مبحث الشبهة الوجوبية من رسائله من عدم صحة التقرب بالمحتمل إذا لم يعزم المكلف على الاحتياط ، غير ظاهر.

[١] هذا غير ظاهر ومناف لإطلاق أدلة وجوب الجهر في القراءة الجهرية وصدق الجهر في القراءة عند العرف مع الإخفات في الكلمة من الآية أو الحرف. مبني على المساهلة ، فلا يعول عليه. مع أنه لو تمَّ لم يفرق بين الكلمة الأخيرة من الآية وغيرها من كلماتها ، وكذا الحرف ، فتخصيص الجواز بالأخيرة أيضاً ، غير ظاهر ، كتخصيص الحكم بالجهر ، إذ لازم التعليل المذكور جواز الجهر في بعض الكلمات إذا كانت الصلاة إخفاتية. والله سبحانه أعلم.

فصل في الركوع‌

[٢] بالضرورة من الدين ، كما صرح به غير واحد ، لتوقف صدق الركعة عليه ، بل لأجله سميت الركعة ركعة.

٢٩٢

واحد [١] ، إلا في صلاة الآيات ، ففي كل ركعة من ركعتيها خمس ركوعات ، كما سيأتي [٢]. وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً كان أو سهواً ، وكذا بزيادته في الفريضة ، إلا في صلاة الجماعة فلا تضر بقصد المتابعة‌ وواجباته أمور :

أحدها : الانحناء على الوجه المتعارف [٣] بمقدار تصل يداه إلى ركبتيه [٤] وصولا لو أراد وضع شي‌ء منهما عليهما لوضعه ، ويكفي وصول مجموع أطراف الأصابع التي منها‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً ، ولحصول الامتثال به.

[٢] يأتي إن شاء الله التعرض لوجهه في محله ، وكذا التعرض لبطلان الصلاة بزيادته ونقيصته عمداً وسهواً في مبحث الخلل ، ولعدم قدح زيادته للمتابعة في الجماعة إن شاء الله.

[٣] لضرورة اعتباره في مفهومه عرفا. مضافا الى اتفاق النص والفتوى عليه.

[٤] بلا خلاف فيه في الجملة ، بل نقل الإجماع عليه كثير جداً وإن اختلفت عباراتهم في تعيين ذلك المقدار على وجه يظهر منها اختلافهم فيه ، ففي بعضها : وضع يديه على ركبتيه ، وفي آخر : وضع راحتيه على ركبتيه ، وفي ثالث : وصول يديه أو بلوغ يديه الى ركبتيه ، وفي رابع : وصول راحتيه أو بلوغ راحتيه الى ركبتيه ، وفي خامس : وضع كفيه على ركبتيه ، وفي سادس : وصول كفيه الى ركبتيه.

والعمدة الاختلاف في التعبير بالراحة تارة ، وباليد أو الكف أخرى ، كالاختلاف في التعبير بالوصول تارة ، وبالوضع أخرى. لكن عن الروض والديوان أن الراحة الكف ، ويشير اليه ما ذكره العلامة رحمه‌الله فإنه‌

٢٩٣

______________________________________________________

قال في المنتهى : « ويجب فيه الانحناء بلا خلاف ، وقدره أن تكون بحيث تبلغ يداه الى ركبتيه ، وهو قول أهل العلم كافة ، إلا أبا حنيفة » وقال في التذكرة : « ويجب فيه الانحناء الى أن تبلغ راحتاه إلى ركبتيه ، إجماعا إلا من أبي حنيفة ». فلو لم يكن المراد من الراحة الكف كان منه تناقضاً.

اللهم إلا أن يكون المقصود نقل الإجماع على اعتبار مرتبة خاصة من الانحناء في قبال أبي حنيفة المجتزي بمسمى الانحناء. لكنه خلاف الظاهر. وكيف كان فالاختلاف في اعتبار التمكن من الوضع أو التمكن من الوصول مستحكم لا رافع له ، ولا يهم التعرض لبعض الأمور الصالحة للظن بانتفاء هذا الاختلاف بعد ما لم تكن موجبة للقطع بالإجماع بنحو يصح الاعتماد عليه في إثبات الحكم.

فاللازم إذاً الرجوع الى الأدلة الأخر ، فنقول : استدل على وجوب الانحناء بمقدار ما يمكن وضع اليد أو الراحة على الركبة ، تارة : بقاعدة الاشتغال. وأخرى : بالنبوي : « إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك » (١) وثالثة : بصحيح حماد الحاكي لصلاة الصادق (ع) تعليما له : « ثمَّ ركع وملأ كفيه من ركبتيه » (٢). ورابعة : بصحيح زرارة : « وتمكن راحتيك من ركبتيك » (٣) ، ونحوه ما في صحيحه الآخر‌ (٤).

وفي الجميع ما لا يخفى ، إذ المرجع في مثل المقام أصل البراءة ، والنصوص المذكورة لا مجال للاعتماد عليها في دعوى الوجوب ، لورودها في مقام بيان الآداب والمستحبات ، وإلا فقد ادعي الإجماع على عدم وجوب‌

__________________

(١) المعتبر ، فصل الركوع ، المسألة : ١ صفحة : ١٧٩. وفيه : « على ركبتك ».

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب الركوع حديث : ١.

٢٩٤

______________________________________________________

الوضع الفعلي فيتعين الحمل على الاستحباب. ومعه كيف يمكن استظهار وجوب الانحناء بهذا المقدار منها ، كما هو ظاهر. مضافا الى ما في أحد صحيحي زرارة من قول أبي جعفر (ع) : « فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها » (١) ، والى خبر معاوية وابن مسلم والحلبي‌ (٢) ، المروي في المعتبر والمنتهى ـ وفي الثاني وصفه بالصحيح ـ قالوا : « وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة ، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك الى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك » ، فإنهما صريحان في الاجتزاء بمجرد وصول أطراف الأصابع إلى الركبة.

والأصابع وإن كان جمعاً محلى باللام ، ظاهراً في العموم الأفرادي الشامل حتى للإبهام والخنصر ، المستلزم وصول طرفهما إلى الركبة وضع تمام بقية الأصابع تقريباً عليها. إلا أن التعبير بالأطراف لما لم يناسب ذلك جداً تعين حمله على العموم المجموعي ، ووصول المجموع من حيث المجموع يكفي في حصوله وصول الواحد. وعليه يكفي وصول طرف الوسطى إلى الركبة وإن لم يصل طرف غيرها إليها. وما في جامع المقاصد من احتمال حمل أطراف الأصابع على الأطراف التي تلي الكف. فيه : أنه لو أريد ذلك بالإضافة الى غير الإبهام كان تفكيكا مستبشعاً ، ولو أريد حتى بالإضافة إلى الإبهام كان أعظم منه استبشاعا.

والطعن في الخبرين بمخالفتهما لفتوى الفرقة كما عن الذخيرة ، أو المعروف بين الأصحاب ، كما في جامع المقاصد ، حيث قال فيه : « لم أقف في كلام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الركوع حديث : ٢. لكن صاحب الوسائل ذكر صدر الحديث فقط ولم يذكر قوله : « فان وصلت .. ».

٢٩٥

______________________________________________________

لأحد يعتد به على الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع ». غير ظاهر ، كيف وقد تقدم ما في المنتهى من قوله : « بحيث تبلغ يداه الى ركبتيه وهو قول أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة » ، وقال في المعتبر : « والواجب فيه الانحناء قدراً تصل كفاه ركبتيه » ، وفي المسالك : « والظاهر الاكتفاء ببلوغ الأصابع » ، و‌في حديث زرارة المعتبر : « فان وصلت .. » ونحوه ما عن غيرهم.

ومثله في الاشكال معارضتهما‌ بموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) فيمن ينسى القنوت قال (ع) : « وإن ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما وليقنت ثمَّ ليركع ، وإن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته » (١).

إذ فيه ـ مع أنه ظاهر في اعتبار الوضع على نحو الموضوعية ـ : أنه ليس في مقام تحديد الانحناء الركوعي ، فيكون التصرف فيه أهون ، فلا يصلح لمعارضة ما سبق مما دل على الاجتزاء بالأقل.

فالعمل على ما سبق متعين ، ولا سيما مع موافقته لمقطوع زرارة المنسوب ـ كما عن الذكرى وجامع المقاصد ـ إلى عمل الأصحاب ، وفي الوسائل رواه عن أبي جعفر (ع) : « إن المرأة إذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها » (٢) ، وحينئذ لا حاجة إلى تكلف الجمع بينه وبين القول باعتبار وضع اليد أو الراحة ، إما باختلاف معنى الركوع لغة أو شرعا في الرجل والمرأة ، وإما بدعوى أن وضع اليدين على الفخذين لا ينافي وجوب الانحناء الزائد على ذلك ، أو غير ذلك مما هو خلاف ظاهر الخبر ، أو مما يصعب الالتزام به. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القنوت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٤. وباب : ١٨ من أبواب الركوع حديث : ٢.

٢٩٦

الإبهام على الوجه المذكور ، والأحوط الانحناء بمقدار إمكان وصول الراحة إليها [١] ، فلا يكفي مسمى الانحناء ، ولا الانحناء على غير الوجه المتعارف ، بأن ينحني على أحد جانبيه أو يخفض كفليه ويرفع ركبتيه ، ونحو ذلك. وغير المستوي الخلقة كطويل اليدين أو قصيرهما يرجع إلى المستوي [٢]

______________________________________________________

[١] عملا بظاهر بعض العبارات ، كما تقدم.

[٢] كما هو المشهور ، وعن جمهور المتأخرين التصريح به ، وفي الجواهر : « لا خلاف أجده فيه سوى ما في مجمع البرهان من أنه لا دليل واضح على انحناء قصير اليدين أو طويلهما كالمستوي ، ولا يبعد القول بالانحناء حتى يصل الى الركبتين مطلقاً ، لظاهر الخبر ، مع عدم المنافي ، وعدم التعذر. نعم لو وصل بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك ، مع إمكان الاكتفاء بما يصدق الانحناء عليه. وهو من الغرائب .. ».

أقول : إن بني على أن الوصول إلى الركبة في الصحيح ملحوظ طريقاً الى تعيين المرتبة الخاصة من الانحناء وتحديدها ، فلا ينبغي التأمل فيما هو المشهور من الرجوع الى المتعارف في طويل اليدين وقصيرهما ، وطويل الفخذين وقصيرهما ، لامتناع التقدير بالجامع بين المراتب المختلفة ، فلا بد أن يكون إما بالأقل أو بالأكثر أو بالمتوسط ، وإذ لا قرينة على أحد الأولين وكان الأخير مما يمكن الاعتماد على الغلبة في بيان التقدير به ، يتعين الحمل عليه عند الإطلاق ، كما أشرنا الى ذلك في الوضوء وغيره.

وإن بني على أن الوصول ملحوظ موضوعاً ـ كما يقتضيه الجمود على ظاهر النص ـ فما ذكره الأردبيلي رحمه‌الله في محله. لكن المبنى المذكور في غاية الوهن ، لدعوى غير واحد الإجماع على عدم وجوب الوضع وعن جماعة نفي الخلاف فيه ، فيتعين حمل الصحيح على تقدير مرتبة الانحناء‌

٢٩٧

ولا بأس باختلاف أفراد المستوين خلقة ، فلكل حكم نفسه بالنسبة إلى يديه وركبتيه.

الثاني : الذكر [١]

______________________________________________________

اللازم في الركوع فيتعين البناء على المشهور من رجوع الخارج عن المتعارف في طرفي الإفراط والتفريط اليه.

هذا ولأجل أن المتعارف متفاوت أيضاً بالزيادة والنقيصة فهل يرجع الى الأكثر انحناء ـ للاحتياط ـ أو الأقل ـ لأصالة البراءة ـ أو المتوسط ، ـ لأنه المنصرف أيضاً في مقام التحديد ـ وجوه : خيرها أوسطها ، لعدم لزوم الاحتياط في أمثال المقام ، وعدم الغلبة الموجبة للانصراف. مع أن معرفة الوسط الحقيقي إن لم تكن متعذرة ففي غاية الصعوبة ، فيمتنع التحديد به كما لا يخفى.

ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) تبعاً لما في الجواهر بقوله رحمه‌الله : « فلكل حكم نفسه ». وما في الجواهر من تعليله بأنه المنساق الى الذهن ، والموافق لغرض التحديد ، ولكاف الخطاب غير واضح لمنع الانسياق وظهور الكلام في التحديد يقتضي إرادة الإشارة إلى مرتبة خاصة في جميع المكلفين وإلا لم يكن ما ذكره الأردبيلي غريباً ، وكاف الخطاب لا مجال للأخذ بها على كل حال. مع أن ما ذكره يقتضي الإشكال في طرفي الإفراط والتفريط الخارجين عن المتعارف من حيث رجوعهما إلى أقل المتعارف أو الأكثر أو المتوسط ، إذ كل ذلك على هذا القول غير ظاهر ، بخلاف القول بالرجوع إلى الأقل ، فإنه أيضا يرجع الى الأقل ، لأصل البراءة. فلاحظ وتأمل.

[١] إجماعا ، كما عن الخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، والمدارك ، والمفاتيح ، وغيرها. ويشهد به النصوص الآتي بعضها إن شاء الله تعالى.

٢٩٨

والأحوط اختيار التسبيح من أفراده [١] مخيراً بين الثلاث‌

______________________________________________________

[١] فقد نسب إلى الأكثر أو المشهور تعينه ، بل عن الانتصار ، والخلاف ، والغنية ، والوسيلة ، الإجماع عليه. لظاهر جملة من النصوص ، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت له : ما يجزي من القول في الركوع والسجود فقال (ع) : ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة تجزئ » (١) ، وما في موثق سماعة : « أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات ، تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، ثلاثاً » (٢) وخبر الحضرمي : « قال أبو جعفر (ع) : تدري حد الركوع والسجود؟ قلت : لا. قال (ع) : سبح في الركوع ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وبحمده ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، ثلاث مرات » (٣) ، ونحوها غيرها.

لكن عن المبسوط وكثير من كتب العلامة (ره) وغيره من المتأخرين الاكتفاء بمطلق الذكر. بل عن السرائر نفي الخلاف فيه ، لجملة أخرى من النصوص كصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : نعم كل هذا ذكر الله تعالى » (٤) ، ونحوه صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « وقال : سألته يجزئ عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والله أكبر قال (ع) : نعم » (٥) ، وحسن مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الركوع حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب الركوع حديث : ٢.

٢٩٩

من الصغرى وهي : « سبحان الله » [١] وبين التسبيحة الكبرى وهي : « سبحان ربي العظيم وبحمده » [٢]

______________________________________________________

« يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا » (١) فان مقتضى الجمع بينها وبين الأول حمل الأول على بيان أحد الأفراد أو على الأفضل ، كما هو محمل خبر الحضرمي.

هذا وعلى تقدير تعين التسبيح فهل يجزئ مطلقه؟ ـ كما عن الانتصار والغنية ـ أو يتعين التسبيحة الكبرى ـ كما عن نهاية الشيخ ـ أو يتخير بينها وبين التسبيحات الثلاث الصغريات ـ كما عن ابني بابويه وغيرهما ـ أو يتعين ثلاث كبريات ـ كما في التذكرة نسبته الى بعض علمائنا ـ أقوال : منشؤها اختلاف النصوص. لكن الجمع بينها يقتضي البناء على الثالث.

[١] لما رواه معاوية بن عمار في الصحيح : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال (ع) : ثلاث تسبيحات مترسلا تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » (٢) ، وقد تقدم في موثق سماعة‌ (٣).

[٢] كما تقدم في خبر الحضرمي‌ (٤). وفي صحيح هشام : « تقول في الركوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربي الأعلى » (٥) لكن ترك فيه « وبحمده ». بل عن الشهيدين ، والمحقق الثاني ، والبحار ، خلوّ أكثر الأخبار منه ، ولذا حكي عن جماعة أنها مستحبة ، وعن التنقيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الركوع حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الركوع حديث : ٢.

(٣) راجع التعليقة السابقة.

(٤) راجع صفحة : ٢٩٩.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ١.

٣٠٠