مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

في الصبح ، والركعتين الأولتين من المغرب والعشاء [١] ،

______________________________________________________

لكنه أيضاً بعيد. وكيف كان فالعمدة في طرح الصحيح ما عرفت.

وأضعف من ذلك الاستدلال بقوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (١) إذ لو ثبت أن المراد من الجهر ما يتجاوز الحد في العلو ومن الإخفات أن لا يسمع نفسه ـ كما تضمنه بعض الأخبار المفسرة فتدل على وجوب ما بين ذلك ـ أمكن تقييد إطلاقها بما ذكر. مع أن الآية الشريفة قد اختلفت النصوص وكلمات المفسرين في تفسيرها ، وإن كان الأظهر ما ذكرنا.

[١] أما ثبوت الجهر في قراءتها فلا إشكال فيه ولا خلاف ، ويقتضيه جملة من النصوص المتقدم بعضها ، وأما عدم ثبوته في غيرها فالظاهر أنه كذلك. ويشهد له ـ مضافاً إلى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم‌ (٢) المتضمن لتخصيص الجهر والإخفات بالقراءة ، وما في خبر يحيى بن أكثم « أنه سأل أبا الحسن (ع) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وإنما يجهر في صلاة الليل؟ فقال (ع) : لأن النبي (ص) كان يغلس بها .. » (٣) ، ومثلهما جملة من النصوص الواردة في صلاة الجماعة وصلاة الجمعة ، وصلاة يوم الجمعة فإنها اشتملت على تخصيص الإخفات والجهر بالقراءة على نحو يفهم أنه شي‌ء مفروغ عنه ، وأنها موضوع الجهر والإخفات اللازمين في الصلاة ـ صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (ع) : « سألته عن التشهد ، والقول في الركوع والسجود والقنوت للرجل أن يجهر به؟ قال (ع) : إن شاء جهر به وإن شاء لم يجهر » (٤) ، ونحوه صحيح‌

__________________

(١) الاسراء : ١١٠.

(٢) راجع التعليقة السابقة.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة ، حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب القنوت حديث : ١.

٢٠١

ويجب الإخفات في الظهر والعصر في غير يوم الجمعة ، وأما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة [١] ،

______________________________________________________

علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) (١) ، فان الجمع بينهما وبين إطلاق ما دل على أن صلاة الليل جهرية وصلاة النهار إخفاتية‌ (٢) : بحمله على خصوص القراءة أولى من البناء على عمومه والاقتصار في الاستثناء منه على خصوص ما ذكر في الصحيح ، ومما ذكرنا يظهر الوجه في وجوب الإخفات في خصوص القراءة في الظهر والعصر.

[١] إجماعاً كما في القواعد ، وعن التذكرة ، ونهاية الأحكام ، والذكرى والبيان ، وقواعد الشهيد ، وجامع المقاصد ، وغيرها ، وفي المعتبر : « لا يختلف فيه أهل العلم » ، وعن التنقيح : « أجمع العلماء عليه ». ويقتضيه ـ مضافاً الى ما في خبر محمد بن حمران المتقدم‌ (٣) ـ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث : « .. والقراءة فيها بالجهر » (٤) وصحيح العزرمي عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها » (٥) وما في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال (ع) : « .. وليقعد قعدة بين الخطبتين ، ويجهر بالقراءة » (٦) ، وقريب منها غيرها المحمولة على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب القنوت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢. وباب : ٢٥ من نفس الأبواب ، حديث : ١ و ٣.

(٣) في صفحة : ١٩٩.

(٤) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٦ من أبواب صلاة الجمعة حديث : ٥.

٢٠٢

بل في الظهر أيضاً على الأقوى [١].

______________________________________________________

الاستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلام الجماعة.

نعم استشكل في الجواهر بعد نقله الإجماع المذكور بقوله : « لكن ظني أن المراد منه مطلق الرجحان مقابل وجوب الإخفات في الظهر في غير يوم الجمعة ، لعدم التصريح بالندب قبل المصنف (ره) على وجه يكون به إجماعاً. نعم حكي عن مصباح الشيخ ، وإشارة السبق ، والسرائر ، والإصباح ، بل عن المنتهى : أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أنه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة ، ولم أقف على قول للأصحاب في الوجوب وعدمه. بل في كشف اللثام : أكثر الأصحاب ذكروا الجهر فيهما على وجه يحتمل الوجوب ». وحينئذ يشكل رفع اليد عن ظاهر النصوص ، وكون الأمر به في مقام توهم الحضر فلا يدل على الوجوب ـ لو تمَّ ـ لا يطرد في الجميع. فتأمل جيداً.

[١] للنصوص الآمرة به كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) لنا : صلوا فيذ السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة ، وأجهروا بالقراءة ، فقلت إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر ، فقال (ع) : اجهروا بها » (١) ، وخبر محمد بن مروان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة ظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال (ع) : تصليها في السفر ركعتين ، والقراءة فيها جهراً » (٢) ، ولعله ظاهر صحيح عمران الحلبي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) : عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أيجهر فيها بالقراءة؟ قال (ع) : نعم » (٣) ونحوه مصحح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٢٠٣

( مسألة ٢١ ) : يستحب الجهر بالبسملة [١] في الظهرين للحمد والسورة.

______________________________________________________

أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال (ع) : نعم » (١) المحمولة على الاستحباب بقرينة‌ صحيح جميل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر ، فقال (ع) : يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الامام فيها بالقراءة ، إنما يجهر إذا كانت خطبة » (٢) ، ونحوه صحيح ابن مسلم‌ (٣) فيحمل النهي على نفي الوجوب بناء على وجوبه في صلاة الجمعة ، أو نفي تأكد الاستحباب بناء على استحبابه.

لكن قد يشكل ذلك بعدم ظهور كونه جمعاً عرفياً ، ولأجله يتعين الأخذ بظاهر النصوص الأول المعول عليها عند الأصحاب وحمل النهي في الصحيحين على التقية كما عن الشيخ (ره) ، ويشير اليه ما في صحيح ابن مسلم الأول. وحينئذ فالقول بالوجوب مطلقاً أحوط إن لم يكن أقوى ، إذ ما عن ابن إدريس (ره) من المنع مطلقاً ترجيحاً لنصوص المنع لاعتضادها بإطلاقات الإخفات في صلاة النهار في غير محله ، بعد ما عرفت من النصوص الكثيرة المعول عليها المحكي عن الخلاف الإجماع على صحة مضمونها ، وكذا ما عن المرتضى (ره) من التفصيل بين الامام فيجهر ، وغيره فلا لخبر ابن جعفر (ع) : « عن رجل صلى العيدين وحده والجمعة هل يجهر فيهما؟ قال (ع) : لا يجهر إلا الإمام » (٤) لمعارضته بمصحح الحلبي المتقدم المعول عليه دونه ، مع ضعفه في نفسه.

[١] في المعتبر : جعله من منفردات الأصحاب ، وفي التذكرة : نسبته‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١٠.

٢٠٤

______________________________________________________

إلى علمائنا ، وعن الخلاف : دعوى الإجماع عليه. ويشهد له‌ صحيح صفوان : « صليت خلف أبي عبد الله (ع) أياما ، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وكان يجهر في السورتين جميعاً » (١) وخبر أبي حفص الصائغ : « صليت خلف جعفر (ع) بن محمد (ع) فجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » (٢) والمرسل عن أبي حمزة : « قال علي بن الحسين (ع) : يا ثمالي إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان الى قرين الامام فيقول : هل ذكر ربه؟ فان قال : نعم ، ذهب ، وإن قال : لا ، ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ، فقال : جعلت فداك أليس يقرأون القرآن؟ قال (ع) : بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما هو الجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » (٣) ، وخبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في كتابه إلى المأمون قال (ع) : « والإجهار بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في جميع الصلوات سنة » (٤) ، وما في جملة من النصوص من عده من علامات المؤمن‌ (٥) وعن أبي الصلاح : وجوبه في ابتداء الحمد والسورة في الأولتين ، وربما يحكى عن القاضي في المهذب والصدوق وجوبه مطلقاً حتى في الأخيرتين ، وكأنه لخبر الأعمش عن جعفر (ع) : « والإجهار بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في الصلاة واجب » (٦) ، وخبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٥) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب المزار ومستدرك الوسائل باب : ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة. وباب : ٣٠ من أبواب الملابس. فهناك أحاديث : تدل على ذلك.

(٦) الوسائل باب : ٢١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

٢٠٥

______________________________________________________

عليه‌السلام في خطبة طويلة : « .. وألزمت الناس بالجهر بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » (١). وفيه : أن ضعف الخبرين في نفسهما ، وإعراض الأصحاب عنهما مانع من الاعتماد عليهما في ذلك ، مضافاً الى عدم تعرض ثانيهما للصلاة. فتأمل ، وأما صحيح الحلبيين عن أبي عبد الله (ع) : أنهما سألاه عمن يقرأ بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب قال (ع) : نعم ، إن شاء سراً وإن شاء جهراً ، قلت : أفيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال (ع) : لا » (٢) ، فما في ذيله من الترخيص في ترك البسملة في السورة يقرب وروده مورد التقية فلا يصلح لنفي الوجوب. اللهم إلا أن يفكك بين صدره وذيله. فتأمل.

وعن ابن الجنيد : تخصيص الاستحباب بالإمام ، وكأنه للنصوص الواردة فيه. لكنها لا تصلح لتقييد المطلق الشامل للمنفرد ولا سيما مع إبائه عن ذلك ، وعن الحلي : تخصيص الحكم بالأولتين لاختصاص الأدلة بالصلاة الإخفاتية التي يتعين فيها القراءة ولا تتعين القراءة إلا في الأولتين ، مضافا الى قاعدة الاحتياط ، إذ لا خلاف في صحة صلاة من لا يجهر بالبسملة وفي صحة صلاة من جهر فيها خلاف.

وفيه : أن جملة من نصوص الباب خالية عن التقييد بالأولتين ، فالعمل على إطلاقها متعين ، وبها ترفع اليد عن قاعدة الاحتياط ، مع أنها مبنية على عدم جواز الجهر في الأخيرتين ، وعلى كون المرجع في الشك في الشرطية والجزئية قاعدة الاحتياط ، والثاني ممنوع ، والأول محل إشكال كما يأتي ، ولذا قال في المعتبر : « قال بعض المتأخرين : ما لا يتعين فيه القراءة لا يجهر فيه لو قرئ ، وهو تخصيص لما نص عليه الأصحاب ودلت عليه الروايات .. ».

__________________

(١) روضة الكافي ج : ٨ صفحة : ٦١ الطبعة الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٢٠٦

( مسألة ٢٢ ) : إذا جهر في موضع الإخفات ، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت الصلاة [١] ، وإن كان ناسياً أو جاهلا ولو بالحكم صحت ، سواء كان الجاهل بالحكم متنبهاً للسؤال ولم يسأل أم لا [٢] ، لكن الشرط حصول قصد القربة منه ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة.

( مسألة ٢٣ ) : إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة [٣] ، بل وكذا لو تذكر في أثناء القراءة حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها ، لكن الأحوط الإعادة [٤] خصوصاً إذا كان في الأثناء.

______________________________________________________

[١] كما عرفت.

[٢] للإطلاق الشامل للصورتين جميعاً ، واستظهر في الجواهر من منظومة الطباطبائي (ره) وجوب الإعادة في المتنبه ، بل حكى التصريح به عن غير واحد لدعوى انصراف الصحيح ، لكنه (ره) قوى خلافه ، وهو في محله ، ومن هنا يظهر أن المراد من الصورة في قوله في المتن : الأحوط في هذه الصورة ، الصورة الأولى لا الثانية كما يقتضيه ظاهر العبارة.

[٣] كما عن غير واحد التصريح به ، لإطلاق النص ، ولإطلاق حديث : « لا تعاد الصلاة » (١). في صورة النسيان وكذا في صورة الجهل بناء على ما هو الظاهر من عمومه لها ، كما سيأتي إن شاء الله في محله. ومن ذلك يظهر نفي الإعادة أيضاً لو تذكر في أثناء القراءة.

[٤] كأن وجهه احتمال اختصاص الصحيحين بصورة الالتفات بعد الفراغ ، فيكون المرجع ما دل على وجوب التدارك قبل تجاوز المحل. وفيه‌

__________________

(١) تقدم مراراً. راجع مسألة : ١٨ من فصل القيام.

٢٠٧

( مسألة ٢٤ ) لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر والإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ، أو جاهلا بمحلهما [١] ـ بأن علم إجمالا أنه يجب في بعض الصلوات الجهر وفي بعضها الإخفات إلا أنه اشتبه عليه أن الصبح مثلا جهرية والظهر إخفاتية ، بل تخيل العكس ـ أو كان جاهلا‌

______________________________________________________

ما عرفت من إطلاق الصحيحين ، ولو سلم فوجوب التدارك يتوقف على دعوى كون الجهر والإخفات من شرائط القراءة ، فإذا فاتا بطلت ، ووجب التدارك إذا كان الالتفات قبل الدخول في الركن. لكن الدعوى المذكورة خلاف ظاهر النصوص ، إذ ظاهرها وجوب الجهر أو الإخفات في القراءة لا أنهما شرط فيها ، وحينئذ لا يمكن تداركهما إلا بإعادة الصلاة من رأس ، وهو خلاف حديث : « لا تعاد الصلاة ». كما تقدم نظيره في مسألة القراءة جالساً ، ويأتي توضيحه في مبحث الخلل.

ثمَّ إنه ربما يتوهم اختصاص الصحيحين بالتذكر بعد الفراغ بقرينة قوله (ع) في أحدهما : « وقد تمت صلاته ». وفيه : أن المراد منه تمامية المقدار الواقع منها ، ولا سيما بملاحظة عدم صدق العمد ، والمدار في الإعادة عليه كما تقتضيه الشرطية الأولى فيه ، والشرطية الثانية من قبيل التصريح بمفهومها. مع أن في الصحيح الآخر كفاية بالإضافة إلى خصوص الناسي.

[١] كما صرح بذلك في جامع المقاصد ، لكن في الجواهر : « إن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع ، فيبقى تحت القاعدة ». وفيه : أنه لا يظهر الوجه في النظر أو المنع ، لصدق « لا يدري » في المقامين ، إذ الظاهر منه أنه لا يدري أن الجهر أو الإخفات الذي فعله مما لا ينبغي ، وهو حاصل في الصورتين ولعدم صدق العمد معه.

٢٠٨

بمعنى الجهر والإخفات [١] فالأقوى معذوريته في الصورتين كما أن الأقوى معذوريته إذا كان جاهلا بأن المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه وإن كانت الصلاة جهرية فجهر [٢] ، لكن الأحوط فيه وفي الصورتين الأولتين الإعادة.

( مسألة ٢٥ ) : لا يجب الجهر على النساء [٣] في الصلاة الجهرية ،

______________________________________________________

[١] كما في جامع المقاصد. واستغربه في الجواهر ، لضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك. وفيه أن الضرورة المدعاة غير ظاهرة ، فإنها خلاف إطلاق النص المؤيد بمناسبة الحكم والموضوع كما لا يخفى ، ولا يصدق أنه فعل ذلك عمداً الذي هو المدار في وجوب الإعادة كما يستفاد من الشرطية الأولى.

[٢] كما صرح به بعض لإطلاق النص ، ودعوى الانصراف عنه ، ممنوعة. نعم لو كان وجوب الجهر أو الإخفات بعنوان غير الصلاة من خوف أو نحوه لم تبعد دعوى انصراف النص عنه.

[٣] إجماعا كما في جامع المقاصد ، بل نقل الإجماع عليه مستفيض أو متواتر. ويشهد له خبر ابن جعفر (ع) : « أنه سأل أخاه عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال (ع) : لا ، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها » (١) ، وضعفه بعبد الله بن الحسن العلوي منجبر بما عرفت ، وما في ذيله محمول على الندب لعدم القائل به كما في الجواهر ، وفي كشف اللثام : « لم أظفر بفتوى توافقه » ، ونحوه ما في غيره ، ولا سيما بملاحظة عدم وجوب ذلك على الرجل المقتضي لعدم وجوبه على المرأة بقاعدة الاشتراك أو بالأولوية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

٢٠٩

______________________________________________________

وعن جماعة من الأساطين : الاستدلال على الحكم في المقام : بأن صوتها عورة يحرم إسماعه للأجنبي ، بل في كشف اللثام : « قلت : لاتفاق كلمة الأصحاب على أن صوتها عورة يجب عليها إخفاؤه عن الأجانب ». وفيه : منع ذلك لعدم الدليل عليه ، والسيرة القطعية والنصوص على خلافه. مع أنه إنما يفيد مع سماع الأجنبي لا مطلقاً كما هو المدعى. اللهم إلا أن يكون المراد من كونه عورة أنه يجب إخفاؤه في الصلاة كجسدها. كما يقتضيه ظاهر الاستدلال به على عموم نفي الجهر على المرأة ولو لم يسمعها الأجانب لكنه كما ترى ـ مع أنه يقتضي حرمة الجهر لا مجرد عدم وجوبه ، وهو خلاف ظاهر قولهم : « ليس على النساء جهر » ، بل في الجواهر : « أنه خلاف مذهب المستدل به فإنه يذهب الى التخيير بينه وبين الإخفات » ـ أنه مخالف لما دل على جواز رفع صوتها بالقراءة إذا أمت النساء ، كصحيح ابن جعفر (ع) : « عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة أو التكبير قال (ع) : قدر ما تسمع » (١) ، ونحوه صحيح ابن يقطين‌ (٢) ، فان الظاهر من « تسمع » كونه مبنياً للمفعول أو للفاعل على أن يكون من باب الافعال ، يعني بقدر ما يسمعها الغير ، كما يقتضيه ـ مضافا الى كونه وارداً في مقام تقدير رفع صوتها ـ ما ورد من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول. فان مساق الجميع واحد.

ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما قيل : من أن المراد منه بقدر ما تسمع نفسها فلا يدل على جواز الجهر. وبالجملة : الاستدلال بأن صوتها عورة إن كان المراد منه : أنه يحرم إسماعه للأجنبي فلا وجه لعموم الدعوى ، وإن كان المراد : وجوب إخفائه فلا وجه لجواز الجهر منها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٢١٠

بل يتخيرن بينه وبين الإخفات [١] مع عدم سماع الأجنبي ، وأما معه فالأحوط إخفاتهن [٢] ، وأما في الإخفاتية فيجب عليهن الإخفات [٣].

______________________________________________________

ثمَّ إنه قال في الذكرى : « ولو جهرت وسمعها الأجنبي فالأقرب الفساد مع علمها ، لتحقق النهي في العبادة » وتبعه عليه غير واحد ، منهم كاشف اللثام. لكن حكى في الجواهر عن الحدائق وحاشية الوحيد : الاشكال عليه : بأنه لا وجه للفساد ، لكون النهي عن أمر خارج ، قال في الجواهر : « وفيه أن ليس الجهر إلا الحروف المقروءة ، ضرورة كونها أصواتاً مقطعة ، عالياً كان الصوت أو خفياً ، فليس هو أمراً زائداً على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي يتوجه عليه البطلان كما هو واضح ».

وقد يشكل : بأن الجهر زيادة في الصوت فتكون مرتبة من مراتب الوجود تختص بالنهي ، ولا يسري الى غيرها من صرف الوجود ، لكن في كون الفرق بين الجهر والإخفات من قبيل الفرق بين الشديد والضعيف والأكثر والأقل تأمل ونظر ، إذ الجهر ـ كما سيأتي ـ منتزع من ظهور جوهر الصوت ، ويقابله الإخفات ، وظهور جوهر الصوت يحصل غالباً من زيادته.

[١] كما يقتضيه رفع الجهر وعدم الدليل على وجوب الإخفات.

[٢] قد عرفت وجهه وضعفه.

[٣] كما هو الأشهر ، بل قيل إنه المشهور ، ويقتضيه تعرضهم لنفي الجهر من دون تعرض لنفي الإخفات ، فإن ذلك ظاهر في ثبوته عليهن ، وعن جماعة : التخيير بينه وبين الجهر ، لعدم الدليل على وجوب الإخفات عليهن ، لاختصاص الصحيح الدال على لزومه بالرجل ، وفيه : أن مقتضى قاعدة الاشتراك التعدي إلى المرأة ، كما في غيره من الموارد.

٢١١

كالرجال ، ويعذرن فيما يعذرون فيه [١].

( مسألة ٢٦ ) : مناط الجهر والإخفات ظهور جوهر الصوت وعدمه [٢] ، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره وإن سمعه من يجانبه قريباً أو بعيداً.

______________________________________________________

[١] كما استظهره في جامع المقاصد لقاعدة الاشتراك.

[٢] قد اختلفت عباراتهم في مقام الفرق بين الجهر والإخفات ، ففي الشرائع : « إن أقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح السمع إذا استمع ، والإخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع » ، ومقتضاها ـ لو قدر الإخفات معطوفا على الجهر ـ أن يكون أقل الإخفات أن يسمع نفسه ، فيكون أكثر الإخفات أن لا يسمع نفسه ، فحينئذ لا يكون تصادق بين الجهر والإخفات مورداً. وأما ما ذكره غير واحد : من أن لازمه أن يكون الأكثر أن يسمع غيره فيكون بينهما تصادق ، فغير ظاهر ، لأن أكثر الإخفات أشد مراتبه خفاء ، وإسماع الغير ليس أشد خفاء من إسماع النفس.

ومن ذلك يظهر اندفاع الاشكال على عبارة النافع : « وأدنى الإخفات أن يسمع نفسه ». بأنها كالنص في أن للاخفات فرداً آخر يتحقق بإسماع الغير ، مع أنه يصدق عليه أيضاً حد الجهر ، فيلزم تصادق الجهر والإخفات مع أنهما من المتضادين ، فان ذلك حمل للعبارة على خلاف ظاهرها.

نعم اتفاقهم ظاهراً على عدم صحة القراءة إذا لم يسمع نفسه ولو تقديراً مانع أيضاً من حمل الكلام على ما ذكرناه. وعليه فالإشكال على عبارة النافع متوجه على كل حال ، أما عبارة الشرائع فيدفع الاشكال عنها جعل العطف فيها من قبيل عطف الجملة على الجملة ، فيكون مفادها مفاد عبارة القواعد : « أقل الجهر إسماع القريب تحقيقاً أو تقديراً ، وحد الإخفات إسماع نفسه » ، ونحوها عبارتا الذكرى والدروس على ما حكي بناء على‌

٢١٢

______________________________________________________

أن المراد منها التحديد في الإخفات من طرفي الأقل والأكثر ـ كما هو مقتضى إطلاقها ـ فيكون التحديد بالنسبة إلى الجهر بالإضافة إلى الأقل ، وبالنسبة إلى الإخفات بالإضافة الى كل من الأقل والأكثر ، وعن الموجز : « إن أعلى الإخفات أدنى الجهر » ، وإشكال التصادق وارد عليها كاشكال المساهلة في التعبير ، إذ العبارة التي يؤدي بها التصادق بلا مساهلة هي : « إن أدنى الجهر أدنى الإخفات » لا أعلى الإخفات ، لما عرفت من أن أعلى الإخفات أشد إخفاتاً.

وكيف كان فظاهر الجميع : أن المائز بين الجهر والإخفات إسماع الغير وعدمه ، غاية الأمر أن مقتضى بعض العبارات أنه يعتبر في الإخفات عدم إسماع البعيد ، فيكون بينهما العموم من وجه ، لا عدم الاسماع أصلا ـ كما يقتضيه البعض الآخر منها ـ ليكون بينهما التباين.

والذي ذكره المحقق الثاني ومن تأخر عنه أن المائز بينهما إظهار الصوت على النحو المعهود وعدمه ، فالجهر إظهار الصوت ويلزمه إسماع الغير ، وإخفاؤه وهمه إخفات وإن سمعه القريب ، وقد يظهر من عبارته أن ذلك مراد الأصحاب قال (ره) : « الجهر والإخفات حقيقتان متضادتان كما صرح به المصنف (ره) في النهاية ، عرفيتان يمتنع تصادقهما في شي‌ء من الافراد الى أن قال : وربما وقع في عبارات الفقهاء التنبيه على مدلولهما من غير التزام لكون ذلك التنبيه ضابطاً ، فتوهم من زعم أن مرادهم من ذلك الضابط أن بينهما تصادقا في بعض الافراد ، وبطلانه معلوم ».

هذا ولأجل أنه لم يرد من قبل الشارع الأقدس تحديد لهما فمقتضى الإطلاق المقامي الرجوع فيهما الى العرف كسائر المفاهيم المأخوذة موضوعا للأحكام في الكتاب والسنة ، وما ذكره المحقق (ره) هو الموافق للعرف فيتعين الركون اليه. ودعوى الإجماع على خلافه ممنوعة ، ولو سلمت فالإجماع‌

٢١٣

( مسألة ٢٧ ) : المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً أو دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام من أن يكون بحيث يسمعه نفسه [١] تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك‌

______________________________________________________

الذي لا يأبه به هو وأتباعه من الأساطين لا يؤبه به ، ولا سيما بعد احتمال أن يكون ذلك مرادهم من تلك العبارات كما ذكره ، وان كان احتمال ذلك في بعض عباراتهم بعيداً ، فإنها آبية له جداً. قال في المنتهى : « أقل الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً ، بلا خلاف بين العلماء ، والإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعاً ، وهو وفاق ، لأن الجهر هو الإعلان والإظهار وهو يتحقق بسماع الغير القريب فيكتفى به ، والإخفات السر ، وإنما حددناه بما قلنا لأن ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآناً ، وما زاد عليه يسمى جهراً » ، فان استدلاله على ما ذكره : من أن الجهر الإعلان والإظهار وأن الإخفات السر ، كالصريح في غير ما ذكره المحقق (ره) ، فالعمدة في عدم الركون الى الإجماع المذكور عدم ثبوته بنحو يوجب الاعتماد عليه.

نعم في الجواهر استشكل فيما يستعمله كثير من المتفقهة من الإخفات بصورة المبحوح ، بل لو أعطي التأمل حقه أمكن دعوى تسمية أهل العرف مثله جهراً ، كما أنه يسلبون عنه اسم الإخفات ، لا أقل من أن يكون ذلك مشكوكا فيه أو واسطة لا يندرج في اسم كل منهما. انتهى ، وقريب منه كلام غيره ، لكن لا يبعد كونه من الإخفات عرفا ، ومع الشك في ذلك فلأجل أن الشبهة مفهومية فمرجع الشك الى الشك في التكليف كان المرجع فيه أصل البراءة ، ووجوب الاحتياط في الشك في المحصل إنما يكون إذا كان المورد من قبيل الشبهة المصداقية لا المفهومية ، كما فيما نحن فيه.

[١] قد مر فيه بعض الكلام.

٢١٤

مانع من سماعه ، ولا يكفي سماع الغير [١] الذي هو أقرب إليه من سمعه.

( مسألة ٢٨ ) : لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجا عن المعتاد [٢] كالصياح فان فعل فالظاهر البطلان.

______________________________________________________

[١] لإطلاق ما دل على اعتبار سماع النفس من النص‌ (١) والفتوى ودعوى كون سماعه ملحوظاً طريقاً الى العلم بوجوده ، فاذا تحقق وجوده بسماع الغير كفى فيها ـ مع أنها خلاف ظاهر النص والفتوى ـ : أن لازمها عدم الحاجة الى السماع لو علم وجوده ، ولا يظن إمكان الالتزام به.

[٢] كما صرح به في الجواهر حاكياً له عن العلامة الطباطبائي (ره) وغيره ، وعن الفاضل الجواد في آيات أحكامه : نسبته الى الفقهاء الظاهر في الإجماع عليه. ويقتضيه قوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) (٢) بعد تفسيره برفع الصوت شديداً كما في موثق سماعة‌ (٣) ، وفي صحيح ابن سنان « على الامام أن يسمع من خلفه وإن كثر؟ قال (ع) : ليقرأ قراءة وسطاً يقول الله تبارك وتعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها » (٤) ، فان المراد من الوسط ـ ولو بقرينة الموثق المتقدم ـ ما يقابل رفع الصوت شديداً ، ولأجل أن الظاهر من النهي في المقام الإرشاد إلى المانعية يتجه البطلان على تقدير المخالفة. نعم لو كان النهي مولويا فاقتضاؤه للبطلان يتوقف على سرايته للقراءة كما أشرنا إليه آنفاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١ و ٤ و ٦.

(٢) الاسرى : ١١٠.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

٢١٥

( مسألة ٢٩ ) من لا يكون حافظاً للحمد والسورة يجوز أن يقرأ في المصحف [١] ، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى [٢].

______________________________________________________

[١] وإن تمكن من الائتمام ، إجماعاً كما عن الخلاف ، وفي المنتهى : « إنه قول أكثر أهل العلم » ، لإطلاق الأدلة من دون مقيد ، وللنص الآتي مع أنه مقتضى أصالة البراءة.

[٢] كما عن التذكرة ونهاية الاحكام وغيرهما ، ونسب الى ظاهر الشرائع وغيرها. ويقتضيه ـ مضافاً الى الأصل والإطلاق لصدق القراءة معه ـ مصحح أبان عن الحسن بن زياد الصيقل : « سأل الصادق (ع) ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟ قال (ع) : لا بأس بذلك » (١) ، نعم في خبر ابن جعفر (ع) : « عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلي؟ قال (ع) : لا يعتد بتلك الصلاة » (٢) ، لكن الجمع يقتضي الحمل على الكراهة.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن جماعة من الأعاظم منهم الشهيدان ، والمحقق الثاني ، والعلامة الطباطبائي قدس‌سرهم : من المنع عنه اختياراً للانصراف عنه ، ولأنه المعهود ، ولأن القراءة في المصحف مكروهة إجماعاً ولا شي‌ء من المكروه بواجب ، ولأن الصلاة معها في معرض البطلان بذهاب المصحف أو عروض ما يمنعه أو نحوهما ، ولخبر ابن جعفر المتقدم بعد حمل المصحح على النافلة ، والجميع كما ترى!! إذ الأولان : ممنوعان ، والكراهة في العبادة لا تنافي الوجوب ، والرابع : ممنوع في بعض الأحوال ، ولو اتفق لا يقدح في صحة العبادة ، والجمع بين الخبرين بما ذكر لا شاهد له ، وأما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٢١٦

كما يجوز له اتباع من يلقنه آية فآية [١] ، لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ وعلى الائتمام.

( مسألة ٣٠ ) : إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه ، ولو توهماً [٢] والأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه‌

______________________________________________________

خبر عبد الله بن أبي أوفى : « إن رجلا سأل النبي (ص) فقال : إني لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال (ص) له : قل سبحان الله والحمد لله » (١) حيث لم يأمره بالقراءة في المصحف فلا مجال للاستدلال به في المقام ، لأن مورده صورة الاضطرار التي تجوز فيها القراءة في المصحف إجماعا كما عرفت.

[١] الكلام فيه قولا وقائلا ودليلا في الجملة كما سبق.

[٢] ويكتفي بذلك عن القراءة كما مال إليه في الجواهر ، مستدلا عليه بما ورد فيمن منعه عن القراءة خوف ، ونحوه كصحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال (ع) : لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما » (٢). ونحوه خبره الآخر المروي عن قرب الاسناد‌ (٣) ، ومرسل محمد بن أبي حمزة : « يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس » (٤).

__________________

(١) ذكر البيهقي هذا الحديث في سننه الكبرى ج : ٢ صفحة : ٣٨١ بألفاظ مخلفة.

ففي بعضها : « إني لا أحسن القرآن فعلمني شيئاً يجزيني من القرآن ». وفي بعضها : « لا أحسن شيئا من القرآن .. » ، وفي ثالثة : « لا استطيع ان آخذ من القرآن شيئاً فعلمني .. ».

غير ان المفاد واحد.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

٢١٧

( مسألة ٣١ ) الأخرس يحرك لسانه [١].

______________________________________________________

وفيه : أن الأخذ بظاهر الأولين غير ممكن ، وحملهما على ما نحن فيه لا قرينة عليه ، والثالث وارد في غير ما نحن فيه ، والعمل به في المقام غير ظاهر ، والمتعين الأخذ بإطلاق خبر السكوني عن الصادق (ع) : « تلبية الأخرس وتشهد وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (١) إذ موضوع المسألة إما أحد أفراد الأخرس أو أنه أحد أفراد المراد منه ، فحمل الخبر على غيره غير ظاهر ، وكأنه لذلك جعل المصنف (ره) الأحوط تحريك اللسان ، وإن كان الأولى له الاحتياط بذكر الإشارة أيضاً ، وأولى منه ما ذكرنا من إجراء حكم الأخرس في المقام.

[١] بلا خلاف أجده في الأول كما في الجواهر. نعم عن نهاية الشيخ : الاكتفاء بالإيماء باليد مع الاعتقاد بالقلب ، ولعله ـ كما في مفتاح الكرامة ـ أراد بالاعتقاد تحريك اللسان معه ، وإن كان ذلك بعيداً ، وعن جماعة منهم الفاضلان ، والمحقق ، والشهيد الثانيان : عدم ذكر الإشارة بالإصبع هنا ، وكأنه لأجل أن إضافة الإشارة إلى الضمير تقتضي إرادة الإشارة المعهودة له ، وهي في خصوص ما يعتاد الإشارة إليه بالإصبع لا مطلقاً ، وثبوت ذلك بالنسبة إلى الألفاظ المقروءة لا يخلو من إشكال أو منع ، نعم تعارف الإشارة إلى معاني الألفاظ قطعي لكنها لا يعتبر قصدها كما عرفت ، وفي كشف اللثام : « عسى أن يراد تحريك اللسان إن أمكن ، والإشارة بالإصبع إن لم يمكن ، ويعضده الأصل ». وهو كما ترى خلاف الظاهر. ومثله احتمال رجوع الإشارة بالإصبع في الخبر الى التشهد خاصة.

ثمَّ إن المذكور في كتب المحقق والعلامة وغيرهما وجوب عقد القلب بها أيضاً ، وقرّب في الجواهر أن يكون المراد عقد القلب بمعنى اللفظ ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٢١٨

ويشير بيده [١]

______________________________________________________

وحكاه أيضاً عن الدروس ، والذكرى ، وحكي عن جامع المقاصد منع ذلك لعدم الدليل عليه في الأخرس ولا في غيره ، ولو وجب ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق ثمَّ قال : « والذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان الى كونها حركة للقراءة ، إذ الحركة صالحة لحركة القراءة وغيرها فلا يتخصص إلا بالنية .. ».

أقول : قد عرفت سابقاً أن القراءة حكاية للألفاظ المقولة ، فالمعنى المستعمل فيه لفظ القارئ نفس الألفاظ الخاصة ، أما معانيها فأجنبية عنها ، فكيف يمكن أن يدعي وجوب قصدها تفصيلا أو إجمالا؟! كيف؟! وتصدق القراءة في حال كون اللفظ المقروء مهملا لا معنى له أصلا ، وعليه فلا بد أن يكون المراد عقد القلب بنفس الألفاظ المحكية بالقراءة ، وهو ظاهر الخبر أيضاً تنزيلا لأقواله الصلاتية منزلة أقواله العادية في بدلية تحريك اللسان والإشارة عنها ، على اختلاف المحكي من حيث كونه لفظاً تارة كباب الحكاية والقراءة ، وغيره أخرى كما في بقية موارد الافهام والاعلام ، وعدم إمكان ذلك في بعض أفراد الأخرس مثل الأصم الذي لم يعقل الألفاظ ولا سمعها ولم يعرف أن في الوجود لفظاً ممنوع إن أريد القصد الإجمالي ، لأن قصده الى فعل ما يفعله الناطق على الوجه الذي يفعله قصد للفظ إجمالا ، وهو في غاية السهولة ، ولعل ذلك هو مراد جامع المقاصد. فتأمل جيداً.

[١] المذكور في النص الإصبع‌ (١) ، إلا أن الظاهر منه الجنس الشامل للواحد والكثير ، وهو المراد من اليد إذ الإشارة بها إنما تكون بأطرافها أعني الأصابع. فتأمل.

__________________

(١) تقدم في أول المسألة السابقة.

٢١٩

إلى ألفاظ القراءة بقدرها [١].

( مسألة ٣٢ ) من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم وإن كان متمكناً من الائتمام [٢]

______________________________________________________

[١] إشارة الى ما تقدم من عقد القلب بالألفاظ المحكية ولو إجمالا‌

[٢] فلو تركه وائتم أثم وصحت صلاته ، كما نسب الى ظاهر الأصحاب.

ووجهه غير ظاهر وإن قلنا بوجوب القراءة تعييناً ، وأن قراءة الإمام مسقطة له ، لأن المسقط عدمه شرط للوجوب ، فاذا كان وجوب القراءة مشروطاً بعدم المسقط كان وجوب التعلم كذلك ، سواء أكان غيرياً أم إرشادياً ، فضلا عما لو قيل بوجوب القراءة تخييراً بينها وبين الائتمام ، ضرورة عدم الإثم بترك أحد فردي الواجب التخييري مع فعل الآخر.

نعم يتم ذلك لو كان وجوب التعلم نفسياً ، إلا أنه لا دليل عليه. وما في المعتبر ، والمنتهى : من الإجماع على وجوبه لا يمكن الاعتماد عليه في إثباته ، لقرب إرادة وجوبه غيرياً أو إرشادياً مع غض النظر عن إمكان الائتمام أو متابعة الغير أو نحو ذلك مما لا يكون غالباً. قال في المعتبر : « أما وجوب التعلم فعليه اتفاق علماء الإسلام ممن أوجب القراءة ولأن وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلم تحصيلا للواجب ». وهذا ـ كما ترى ـ ظاهر في الوجوب الغيري ، وأما المنتهى فلم أجد فيما يحضرني من نسخته نقل الإجماع على الوجوب ، وعلى تقديره فالظاهر منه ما ذكره في المعتبر ونحوه ذكر الشهيد في الذكرى ، وكأنه لأجل ما ذكرنا قال العلامة الطباطبائي (ره) في محكي مصابيحه : « إن ثبت الإجماع كما في المعتبر والمنتهى ( يعني على وجوب التعلم ) وإلا اتجه القول بنفي الوجوب ». نعم لو احتمل عدم التمكن من الإتمام أمكن القول بالوجوب.

ثمَّ إن المراد بالتعلم إن كان تمرين اللسان على النطق الصحيح فوجوبه‌

٢٢٠