مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

الثامن : كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلاً كان أو كثيراً [١] ،

______________________________________________________

البكاء تذللا لله تعالى واستعطافا له في حصول المحبوب أو دفع المكروه. ولا سيما بملاحظة النصوص الواردة في الحث على ذلك ، كخبر أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله تعالى ، فمجده وأثن عليه ، كما هو أهله ، وصل على النبي (ص) ، واسأل حاجتك ، وتباك ، ولو مثل رأس الذباب » (١).

[١] المذكور في كلام الأصحاب : أن الفعل الكثير مبطل للصلاة. والظاهر أنه لا خلاف فيه ولا إشكال في الجملة. وفي المعتبر : « عليه العلماء » ، وفي المنتهى : « هو قول أهل العلم كافة » ، وفي جامع المقاصد : نفي الخلاف فيه بين علماء الإسلام ، ونحوها في دعوى الإجماع عليه غيرها.

وقد اعترف غير واحد بعدم الوقوف على نص يدل عليه ، قال في محكي المدارك : « لم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير » وقال في محكي الذخيرة : « لم أطلع على نص يتضمن أن الفعل الكثير مبطل ، ولا ذكر نص في هذا الباب في شي‌ء من كتب الاستدلال » ونحوهما غيرهما. بل هو ظاهر تعليله في كلام غير واحد بالخروج عن كونه مصلياً ، قال في المعتبر ـ بعد نسبة البطلان به الى العلماء ـ : « لأنه يخرج عن كونه مصلياً » ، ونحوه ما في المنتهى وغيره. ويشير اليه تفسير غير واحد للفعل الكثير بما يخرج فاعله عن كونه مصلياً ، كالحلي في السرائر ، والشهيد في الذكرى ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، والشهيد الثاني في الروض ، والمسالك ، وغيرهم في غيرها.

وأما ما عن شرح المفاتيح من الاستدلال عليه بالنصوص الظاهرة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب الدعاء حديث : ٤.

٥٨١

______________________________________________________

المنع عن بعض الأفعال في الصلاة ، مثل موثق عمار بن موسى قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يكون في الصلاة ، فيقرأ ، فيرى حية بحياله ، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال (ع) : إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها ، وإلا فلا » (١).

أو في قاطعية بعض الافعال ، مثل صحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريماً لك عليه مال ، أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك ، أو غريمك ، واقتل الحية » (٢).

ففيه : أنه لو تمت دلالة مثل ذلك وجاز العمل به ، فإنما هو في أفعال خاصة لا تمكن استفادة الكلية المذكورة منها.

وعليه ينحصر مستندها في الإجماع. وإن كان يشكل الاعتماد عليه ، بعد ما تقدم من تفسيره بما يخرج به عن كونه مصلياً. لإشكال المراد به ، إذ هو إن كان الخروج شرعا لزم أخذ الحكم في موضوعه. مع أنه لا يرفع إجمال الموضوع ، وذلك خلف. وإن كان الخروج عرفا ، فمع أنه لا حاكمية للعرف في الموضوعات الشرعية ، المخترعة للشارع ، ولا اعتبار بحكمه في ذلك أنه لا يطرد في الأفعال الكثيرة ، المقارنة لأفعال الصلاة ، مثل الخياطة ، والحياكة ، ونحوهما ، فان الاشتغال بها مقارنا للاشتغال بأفعال الصلاة ، لا يعد خروجا عنها. وان كان الخروج من عرف المتشرعة ، بحسب مرتكزاتهم ، المتلقاة من الشارع ، فهو وإن كان صحيحاً في نفسه ، لحجية ارتكازهم ، المعبر عنه بالسيرة الارتكازية ، التي هي في عداد الحجج ، كالسيرة العملية ، المعبر عنها بالإجماع العملي ، وكالإجماع القولي. إلا أن ذلك ليس من وظيفة الفقيه ، إذ وظيفته الفتوى في كل مورد من موارد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٨٢

______________________________________________________

الارتكاز المذكور ، اعتماداً عليه ، مثل أن يقول : تجب نية القربة في الوضوء أو الغسل ، أو التيمم للسيرة المذكورة ، أو أنه يقطع الصلاة الرقص ، أو الوثبة الفاحشة ، أو رفع الصوت شديداً ، اعتماداً على السيرة المذكورة. وليس وظيفته أن يقول : يقطع الصلاة كل ما كان قاطعا لها في نظر المتشرعة ، وبحسب ارتكازهم. إذ تشخيص ذلك مما لا يقوى عليه العامي ، ولا بد من الرجوع فيه الى الفقيه ، ولو اتفق حصوله للعامي لم يحتج إلى مراجعة الفقيه في الفتوى ، بل كان ذلك الارتكاز بنفسه حجة عليه في عمله ، كما أنه حجة للمجتهد في فتواه.

هذا كله مضافا الى عدم ثبوت هذا الارتكاز في مورد من الموارد.

وثبوته في مثل الرقص ونحوه ، غير معلوم ، إذ ليس هو إلا كثبوته في النظر إلى الأجنبية بشهوة ، الذي اشتهر أنه لا يبطل الصلاة ، وكثبوته في ضم الجارية إليه في الصلاة : الذي ورد في الصحيح عن مسمع عن أبي الحسن (ع) : « أنه لا بأس به » (١). فيبعد جداً أن يكون المراد من الفعل الكثير ذلك ، ولا سيما مع عدم القرينة عليه ، بل وعدم المناسبة المصححة للاستعمال واحتمال أن التعبير عنه بذلك تبعاً للعامة ، وإن اختلف المراد ، لا شاهد عليه.

لكن الإنصاف : أن الإشكالات المذكورة إنما تتوجه لو كان المعتمد في قاطعية الفعل الكثير هو ارتكاز المتشرعة. أما لو كان الإجماع ، أو الدليل الذي عول عليه المجمعون ، والارتكاز إنما جعل معياراً وضابطاً للموضوع الذي جعل قاطعاً ، فلا مجال لتوجهها. إذ ارتكاز منافاة بعض الأفعال للصلاة عند المتشرعة ، مما لا مجال لإنكاره ، فإن جملة من الافعال ، إما لكثرتها وطول أمدها ، كالخياطة ، والكتابة ، والنساجة ، ونحوها ، إذا كانت كثيرة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٨٣

______________________________________________________

أو لذاتها ، مثل الصفق ، والرقص الواقعين على نحو التلهي واللعب ، مما لا يتأمل واحد من المتشرعة في منافاتها للصلاة ، سواء أوقعت في خلال الافعال ، أم مقارنة لبعضها ، ويعد فاعلها مشغولا بغير الصلاة ، وليس في مقام امتثال أمر الصلاة ، بل هو في مقام فعل آخر.

وحينئذ لا مانع من أن يجعل الفقيه مثل ذلك ضابطاً للقاطع ، فيفتي بأن الفعل المنافي للصلاة عند المتشرعة وبحسب ارتكازهم مبطل لها. من دون أن يعتبر في الارتكاز أن يكون حجة ، كي يتوجه إشكال صعوبة تشخيص ما هو حجة ، وما ليس بحجة ، وأن ذلك من وظيفة المجتهد لا العامي. بل يجعل مطلق ارتكاز المنافاة ، ولو بنحو يمكن ردع المجتهد عنه موضوعاً للإبطال. فلا إشكال حينئذ في الكلية من هذه الجهة ، ولا من جهة الدليل عليها ، لما عرفت من استفاضة حكاية الإجماع عليها.

نعم قد يوهم التعليل بأنه يخرج به عن كونه مصلياً إرادة الاحتجاج بارتكاز المتشرعة. وحينئذ يتوجه الاشكال على من فسره بذلك. لكن الظاهر من التعليل ما ذكرنا ، أعني : التعليل بارتكاز المتشرعة في الجملة ولو لم يحرز أنه حجة ولذا قال في محكي المدارك : « المراد من الفعل الكثير ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية » ، ثمَّ نسبه الى ظاهر المعتبر. وعلى هذا فالمراد من تفسيره بما يخرج به عن كونه مصلياً ، هو ذلك المعنى كما لعله المراد أيضاً من تفسيره بما يكون كثيراً في العادة ، كما نسب الى المشهور ـ يعني : ما يكون كثيراً في عادة المتشرعة ، لكونه زائداً على المقدار السائغ عندهم ، فيكون ممنوعا عنه عندهم. فترجع التفاسير الثلاثة إلى أمر واحد ، وهو ذهاب الصورة ، بحيث يمتنع التئام الأجزاء وتألفها ، بنحو يكون مصداقا للصلاة وموضوعا للمأمور به. لكن يأبى هذا الحمل في التفسير الأخير تفصيل غير واحد في السهو بين الماحي وغيره.

٥٨٤

كالوثبة ، والرقص ، والتصفيق ، ونحو ذلك مما هو مناف للصلاة. ولا فرق بين العمد والسهو [١]. وكذا السكوت الطويل الماحي. وأما الفعل القليل غير الماحي ، بل الكثير غير‌

______________________________________________________

وكيف كان ، فالمتيقن من القاعدة المذكورة هو خصوص الماحي. كما في المتن ، تبعاً للمدارك ، وغيرها. فلا يعم غيره ، ولو كان كثيراً. كما أن الظاهر عدم الفرق في الماحي بين القليل ، كالعفطة ، وغيره ، فان الجميع داخل في معقد الإجماع.

[١] المنسوب الى المشهور في كلام غير واحد ، منهم الدروس : عدم البطلان بالفعل الكثير مع السهو ، بل في الذكرى وعن الكفاية : نسبته الى قول الأصحاب ، وفي جامع المقاصد ، وعن الروض ، وغيرهما : نسبته الى ظاهر الأصحاب ، وعن التذكرة : أنه مذهب علمائنا. وعن البيان ، والدروس وفوائد الشرائع ، وتعليق النافع ، وغيرها : أن الأصح الإبطال عمداً وسهواً وعن الميسية ، والمسالك ، والمدارك ، وغيرها : البطلان بشرط المحو. وعن الروض أنه حينئذ يشكل بقاء الصحة. وفي جامع المقاصد ، وعن الغرية : أنه بعيد.

أقول : بل هو الأقرب. إذ العمدة في دليل البطلان : الإجماع. وهو غير ثابت في السهو. بل عدم البطلان مظنة الإجماع ، كما عرفت من العبارات المتقدمة. ولا سيما مع إمكان دعوى دلالة بعض النصوص عليه ، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن رجل دخل مع الإمام في صلاته ، وقد سبقه الإمام بركعة ، فلما فرغ الامام خرج مع الناس ، ثمَّ ذكر أنه قد فاتته ركعة. قال (ع) : يعيدها ركعة واحدة ، يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة » (١) ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

٥٨٥

الماحي ، فلا بأس به مثل الإشارة باليد لبيان مطلب ، وقتل الحية ، والعقرب ، وحمل الطفل ، وضمه ، وإرضاعه عند بكائه ، وعدّ الركعات بالحصى ، وعد الاستغفار في الوتر بالسبحة ، أو نحوها مما هو مذكور في النصوص. وأما الفعل الكثير ، أو السكوت الطويل ، المفوت للموالاة ، بمعنى المتابعة العرفية ، إذا لم يكن ماحياً للصورة ، فسهوه لا يضر. والأحوط الاجتناب عنه عمداً [١].

التاسع : الأكل والشرب الماحيان للصورة. فتبطل الصلاة بهما ، عمداً كانا [٢] ،

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام فيه في فصل الموالاة.

[٢] إجماعا كما عن الخلاف ، وجامع المقاصد ، والروض ، وغيرها.

وظاهر ذكرهما في قبال الفعل الكثير : الابطال بهما مطلقاً ، ولو مع القلة ، بل عن بعض الابطال بالمسمى ، وهو ما يبطل الصوم. لكن المصرح به في كلام غير واحد : التقييد بالتطاول ـ كما في المعتبر والمنتهى ـ ، أو بالكثرة ـ كما في غيرهما. ومنه يشكل الاعتماد على الإجماع في إبطالهما مطلقاً ، ولا سيما وفي مفتاح الكرامة : « الذي وجدته بعد التتبع : أن من أطلقهما وعطفهما على الفعل الكثير صرح في ذلك ، أو في غيره ، بأن المبطل منهما الكثير ، أو ما آذن بالانمحاء ، أو نافى الخشوع ».

نعم في محكي التذكرة ونهاية الأحكام : تعليل الحكم ، بأنهما فعل كثير لأن تناول المأكول ، ومضغه ، وابتلاعه ، أفعال متعددة ، وكذا المشروب.

لكن تنظر فيه في جامع المقاصد ، ثمَّ قال : « واختار شيخنا الشهيد في بعض كتبه : الإبطال بالأكل والشرب المؤذنين بالإعراض عن الصلاة ،

٥٨٦

أو سهواً [١]. والأحوط الاجتناب عما كان منهما مفوتاً للموالاة العرفية عمداً [٢]. نعم لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم ، أو بين الأسنان [٣].

______________________________________________________

وهو حسن ، إلا أنه لا يكاد يخرج عن التقييد بالكثرة ». ولأجل ذلك يشكل الاعتماد على إطلاق معقد الإجماع.

نعم تمكن دعوى منافاة الأكل والشرب للصلاة في مرتكزات المتشرعة فيجري عليها حكم الفعل الكثير. وحينئذ يكون المدار على ما به تكون المنافاة الارتكازية وإن لم يعدا أكلا كثيراً وشربا كذلك ، على نحو ما سبق في الفعل الكثير. وأما دعوى : مانعيته في مرتكزات المتشرعة مطلقاً ، لا من جهة ذهاب الصورة ، فيعول على هذا الارتكاز في الحكم بها مطلقاً. فغير ظاهرة بعد ما عرفت من كلمات الأصحاب. وأضعف منها دعوى كونها من الضروريات المستغنية بضروريتها عن إقامة الدليل عليها. كيف وقد استظهر من المنتهى دعوى الإجماع على أنه لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة ، لم تبطل ، لأنه فعل قليل.

[١] قد حكي الإجماع على عدم البطلان في كلام جماعة ، منهم العلامة في المنتهى ، قال فيه : « لو أكل أو شرب في الفريضة ناسياً لم تبطل صلاته عندنا ، قولا واحداً ». لكن قيده جماعة بعدم المحو. والكلام فيه هو الكلام في الفعل الماحي بعينه. فراجع.

[٢] تقدم الكلام فيه في فصل الموالاة.

[٣] كما عن جماعة كثيرة التصريح به ، بل عن المنتهى ، وفي جامع المقاصد : أن الصلاة لا تفسد بذلك قولا واحداً.

٥٨٧

وكذا بابتلاع قليل من السكر ، الذي يذوب وينزل شيئاً فشيئاً [١]. ويستثنى أيضاً ما ورد في النص [٢] بالخصوص من جواز شرب الماء لمن كان مشغولا بالدعاء ، في صلاة الوتر ، وكان عازما على الصوم في ذلك اليوم ، ويخشى مفاجاة الفجر ، وهو عطشان ، والماء أمامه ، ومحتاج إلى خطوتين. أو ثلاثة : فإنه يجوز له التخطي والشرب حتى يروى ، وإن‌

______________________________________________________

[١] كما عن جماعة كثيرة ، وعن المنتهى : « لم تفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور تفسد » ، وعن جامع المقاصد : « أغرب بعض المتأخرين ، فحكم بإبطال مطلق الأكل ، حتى لو ابتلغ ذوب سكرة. وهو بعيد ».

[٢] هو ما رواه الشيخ رحمه‌الله ، بإسناده عن أحمد بن محمد ، عن الهيثم ابن أبي مسروق النهدي ، عن محمد بن الهيثم ، عن سعيد الأعرج ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني أبيت وأريد الصوم ، فأكون في الوتر ، فأعطش ، فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن أصبح وأنا عطشان ، وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاث ، قال (ع) : تسعى إليها وتشرب منها حاجتك ، وتعود في الدعاء » (١) ، ورواه الفقيه ، بإسناده عن سعيد الأعرج ، أنه قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك إني أكون في الوتر ، وأكون نويت الصوم ، فأكون في الدعاء ، وأخاف الفجر ، فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء وأشرب الماء ، وتكون القلة أمامي ، قال : فقال (ع) لي : فاخط إليها الخطوة ، والخطوتين ، والثلاث ، واشرب وارجع الى مكانك ، ولا تقطع على نفسك الدعاء » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

٥٨٨

طال زمانه [١] إذا لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة [٢] حتى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى ، لئلا يستدبر القبلة. والأحوط الاقتصار على الوتر المندوب [٣]. وكذا على خصوص شرب الماء. فلا يلحق به الأكل وغيره. نعم الأقوى عدم الاقتصار على الوتر ، ولا على حال الدعاء. فيلحق به مطلق النافلة ، وغير حال الدعاء. وإن كان الأحوط الاقتصار.

العاشر : تعمد قول : « آمين » [٤]

______________________________________________________

[١] لإطلاق النص.

[٢] كما صرح به جماعة ، إذ لا إطلاق في النص يقتضي جوازه ، فيرجع فيه الى أصالة المنع.

[٣] كما هو المشهور. عملا بأصالة المنع ، واقتصاراً فيما خالفها على مورد النص ، وهو ما ذكر. لكن عن ظاهر الخلاف ، والمبسوط : التعدي إلى مطلق النافلة. وفي الشرائع ، وعن غيره : التعدي الى غير الدعاء من أحوال الوتر. ووجه الأول ـ كما عن الخلاف ـ : اختصاص دليل المنع بالفريضة ، فلا يعم النافلة. ووجه الثاني : ما عن التنقيح من الإجماع على استثناء الوتر مطلقاً. مضافا الى ما يظهر من قول السائل : « فأكره أن أقطع الدعاء » من أنه يعتقد أنه لا يقطع الصلاة ، وإنما يقطع الدعاء لا غير فالاقتصار في ردعه على الثاني دليل على صحة الأول. وأما ما عن الخلاف من وجه الأول ، فمقتضاه جواز الأكل في النافلة ، بل كل فعل كثير ماح للصلاة ، وعن مجمع البرهان الميل اليه. ولكن في الجواهر : « هو في غاية الضعف ». وكأنه لإطلاق معاقد الإجماع على قاطعيته ، كغيره من القواطع. الذي لا يقدح فيه ما في الخلاف ، لأنه لشبهة ، من جهة الرواية.

[٤] على المشهور. وعن الانتصار ، والخلاف ، ونهاية الأحكام ،

٥٨٩

______________________________________________________

والتحرير : حكاية الإجماع على البطلان ، وفي المنتهى ، وعن كشف الالتباس : نسبته إلى علمائنا ، وعن جماعة : نسبة حكاية الإجماع على البطلان الى المفيد أيضاً ، وفي المنتهى : « قال علماؤنا : يحرم قول : « آمين » ، وتبطل به الصلاة ، وقال الشيخ : سواء كان ذلك سراً ، أو جهراً ، في آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلى كل حال ، وادعى الشيخان والسيد المرتضى إجماع الإمامية عليه ».

واستدل له بجملة من النصوص ، كمصحح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كنت خلف إمام ، فقرأ الحمد ، وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، ولا تقل : آمين » (١).

ونحوه في النهي كذلك مصحح زرارة‌ (٢) ، وخبر الحلبي‌ (٣). وقد يشير اليه صحيح معاوية ابن وهب : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أقول : آمين ، إذا قال الامام : ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ ) قال (ع) : هم اليهود والنصارى » (٤) فان ترك الجواب عن السؤال ، والتعرض لأمر آخر ، غير مسؤول عنه ، ظاهر في الخوف في الجواب ، ولا خوف في الجواب بالرخصة ، لأنها مذهب العامة. فتأمل.

نعم قد يعارضها صحيح جميل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين. قال (ع) : ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (٥).

لكنه يتوقف على قراءة :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

٥٩٠

______________________________________________________

« ما أحسنها » بصيغة التعجب ، لا بصيغة النفي ، ولا بصيغة الاستفهام.

وإن كان قد ينفي الأخيرين الأمر في الذيل بخفض الصوت بها. واحتمال كونه من كلام الراوي ـ يعني : أنه (ع) حين قال : « ما أحسنها ».

خفض صوته ـ بعيد ، لأن خفض الصوت ثلاثي ، وما في النسخة رباعي لكن يتعين حمله على التقية ، لموافقته للعامة. ولا مجال للجمع بينه وبين ما سبق بالحمل على الكراهة. لكونه ظاهراً في الرجحان. كما لا مجال للجمع بحمل ما سبق على غير الجماعة. لصراحة المصحح الأول فيها أيضاً.

نعم يمكن أن يستشكل في الاستدلال بالنصوص بظهور النهي فيها في نفي المشروعية. كما سبق في التكتف فإن المنهي عنه إذا كان من سنخ العبادة يكون النهي عنه ظاهراً في نفي المشروعية. ولا سيما ما كان مسبوقا بالسؤال. ولا سيما وكونه كذلك عند العامة لا السؤال عن مانعيته ، ليكون ظاهر النهي الإرشاد إليها. وكأن ذلك هو المراد مما عن المدارك من أن الأجود التحريم ، دون البطلان. لا التحريم التكليفي. وإلا كان ضعيفاً جداً إذ النهي في أمثال المقام إما ظاهر في نفي المشروعية ، إن تمَّ ما ذكرنا.

أو في الإرشاد إلى المانعية ، كما يظهر من ملاحظة النظائر ، وعليه ديدن الفقهاء ( رضوان الله عليهم ). فإذاً العمدة في الحكم بالبطلان الإجماعات المدعاة. اللهم إلا أن يناقش في صحة الاعتماد عليها ، لعدم اقتضائها العلم بالمطابقة لرأي المعصوم.

هذا وقد استدل غير واحد على البطلان بأنه من كلام الآدميين ، كما عن الخلاف ، وعن حاشية المدارك نسبته إلى فقهائنا. وعن الانتصار : « لا خلاف في أنها ليست قرآناً ، ولا دعاء مستقلا » ، وعن التنقيح : « اتفق الكل على أنها ليست قرآناً ، ولا دعاء ، وإنما هي اسم للدعاء ، والاسم غير المسمى ، ونحوه ما في غيره. لكن في كشف اللثام : « إن ذلك‌

٥٩١

بعد تمام الفاتحة [١] ، لغير ضرورة ، من غير فرق بين الإجهار به ، والاسرار [٢] للإمام ، والمأموم ، والمنفرد [٣]

______________________________________________________

مبني على أن أسماء الأفعال أسماء لألفاظها. والتحقيق خلافه.

أقول : لو سلم ذلك لم تخرج عن كونها دعاء. لأن أسماء الأفعال حاكية عن نفس الافعال بما هي حاكية عن معانيها ، لوضوح الفرق بين قولنا : « اسكت فعل أمر » وقولنا : « صه » ، فإن الأول حاك عن اللفظ محضاً ، على أنه بنفسه موضوع الحكم ، والثاني حاك عن معنى « اسكت » حكاية لفظ : « اسكت » عنه. غاية الأمر أن حكايته عن معنى : « اسكت » بتوسط حكايته عن لفظ « اسكت ». نظير ما سبق في القرآن المقصود به الدعاء. فآمين إذا كان اسماً ك‍ « استجب » كان دعاء مثله ، ولا يكون بذلك من كلام الآدميين. نعم كونه من الدعاء الجدي موقوفاً على فرض دعاء ، ليطلب استجابته. وإلا كان لقلقة لسان ، ويخرج بذلك عن كونه مناجاة لله تعالى ، ومكالمة له سبحانه. فلاحظ.

[١] كما قيده بذلك غير واحد. ويقتضيه الاعتماد على النصوص ، لاختصاصها بذلك. نعم لو كان المعتمد كونه من كلام الآدميين لم يفرق في البطلان به بين آناء الصلاة. وكذا لو كان المعتمد بعض معاقد الإجماعات كما تقدم في عبارة المنتهى. وفي محكي التحرير : « قول آمين حرام تبطل به الصلاة سواء جهر بها ، أو أسر ، في آخر الحمد ، أو قبلها ، إماماً كان ، أو مأموماً ، وعلى كل حال. وإجماع الإمامية عليه. للنقل عن أهل البيت (ع) » ونحوه ما عن الخلاف والمبسوط.

[٢] كما صرح به في جملة من معاقد الإجماعات ، التي منها ما تقدم عن المنتهى ، والتحرير. ويقتضيه إطلاق النصوص.

[٣] كما نص عليه في جملة من معاقد الإجماعات. كما تقدم. ويشهد‌

٥٩٢

ولا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء ، كما لا بأس به مع السهو [١]. وفي حال الضرورة [٢]. بل قد يجب معها ، ولو تركها أثم. لكن تصح صلاته ، على الأقوى [٣].

الحادي عشر : الشك في ركعات الثنائية والثلاثية والأوليين من الرباعية. على ما سيأتي [٤].

______________________________________________________

للثاني : مصحح جميل‌ (١). وللأول والأخير : إطلاق خبر الحلبي‌ (٢). وما في المعتبر من الميل الى تخصيص المنع بالمنفرد ضعيف. كما عرفت.

[١] لعموم حديث : « لا تعاد الصلاة » (٣) ، الشامل للمقام ، كالأجزاء ، والشرائط. هذا بناءً على المانعية. وإلا فلا إشكال.

[٢] بلا إشكال ظاهر ، بل قيل : « الظاهر الإجماع عليه ». لعموم أدلة التقية ، الدالة على صحة العمل الموافق لها.

[٣] كما نص عليه في الجواهر وغيرها. لعدم كون ذلك من الكيفية اللازمة في صحة الصلاة عندهم. وتخيل الجهلاء منهم اعتبارها فيها ، لا يترتب عليه الحكم. لكن يتم ذلك لو كانت التقية من العلماء. أما لو كانت من الجهلاء ، فاللازم الحكم بالبطلان. فإن أدلة التقية لا يفرق في جريانها بين مذهب العلماء والجهلاء. نعم لو تمت دعوى : عدم ظهور أدلة التقية في اعتبار ذلك في الصلاة ، وأنها ظاهرة في وجوبه فقط ، كان ما ذكر في محله. لكنها خلاف الظاهر. كما تقدم في مباحث الوضوء (٤).

[٤] يأتي الكلام فيه وفيما بعده في مبحث الخلل.

__________________

(١) راجع صفحة : ٥٩٠.

(٢) راجع صفحة : ٥٩٠.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٤) راجع الجزء الثاني من المستمسك المسألة : ٣٥ من فصل أفعال الوضوء.

٥٩٣

الثاني عشر : زيادة جزء أو نقصانه عمداً ، إن لم يكن ركناً. ومطلقاً إن كان ركناً.

( مسألة ٤٠ ) : لو شك بعد السلام في أنه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا بنى على العدم والصحة [١].

( مسألة ٤١ ) : لو علم بأنه نام اختياراً ، وشك في أنه هل أتم الصلاة ثمَّ نام ، أو نام في أثنائها بنى على أنه أتم ثمَّ نام [٢]. وأما إذا علم بأنه غلبه النوم قهراً ، وشك في أنه كان في أثناء الصلاة ، أو بعدها ، وجب عليه الإعادة [٣]. وكذا إذا رأى نفسه نائماً في السجدة ، وشك في أنها السجدة الأخيرة من الصلاة ، أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة ، ولا يجري قاعدة الفراغ في المقام.

______________________________________________________

[١] لاستصحاب العدم ، أو لقاعدة الفراغ ، التي لا يفرق في جريانها بين الشك في وجود الجزء ، والشرط ، والمانع ، والقاطع.

[٢] هذا ظاهر إذا كان قد أحرز الفراغ البنائي. لجريان قاعدة الفراغ حينئذ. ويشكل مع عدم إحراز ذلك. كما هو ظاهر المتن. ومجرد النوم اختياراً ، لا يكفي في إحرازه. وأما إجراء قاعدة التجاوز فقد عرفت فيما سبق الاشكال فيه ، وأنه لا يكفي في التجاوز عن الشي‌ء الدخول فيما ينافيه وكأن وجه ما في المتن : قاعدة الصحة ، التي يقتضيها ظاهر حال المسلم. لكن في صلاحيتها لإثبات صحة الفعل ، وتماميته إشكال. بل في جريانها في نفسها مع اتحاد الفاعل والحامل ـ كما في المقام ـ منع. فتأمل جيداً.

[٣] أما عدم جريان قاعدتي الفراغ ، والتجاوز ، فلما سبق. وأما عدم جريان أصالة الصحة ، فلعدم الظهور هنا.

٥٩٤

( مسألة ٤٢ ) : إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه ، فان كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة.

أتمها ثمَّ أزال النجاسة [١]. وإن أمكنت بدونه ، بأن لم يستلزم الاستدبار ، ولم يكن فعلا كثيراً موجباً لمحو الصورة ، وجبت الإزالة ثمَّ البناء على صلاته.

( مسألة ٤٣ ) : ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء أرواحنا فداه في حال الصلاة وهو مشكل [٢].

( مسألة ٤٤ ) : إذا أتى بفعل كثير ، أو بسكوت طويل وشك في بقاء صورة الصلاة ومحوها معه ، فلا يبعد البناء على البقاء [٣]. لكن الأحوط الإعادة ، بعد الإتمام.

______________________________________________________

[١] تقدم في أحكام النجاسات تقريب وجوب القطع والإزالة. لجواز قطع الفريضة للحاجة. لا أقل من استفادة أهمية وجوب الإزالة من حرمة القطع. وسيأتي في الفصل الثاني بعض الكلام في المقام فانتظر.

[٢] هذا إذا كان البكاء لعظم المصيبة ، بحيث لو فرض وقوعها على غيره (ع) من الناس لاقتضت البكاء. لإمكان دعوى شمول قوله (ع) : « وإن ذكر ميتاً له » (١) لمثل ذلك ، أما لو كان لأجل ما يترتب على مصيبته (ع) من فوات الخيرات ، المترتبة على وجوده الشريف ، أو وقوع المضرات الأخروية ، فلا ينبغي الإشكال في عدم شمول النص له.

[٣] إما لاستصحاب بقاء الصورة. وفيه : أنه إن كان المنشأ للشك إجمال المفهوم امتنع الاستصحاب. كما حرر في محله ، وتكرر في غير موضع من هذا الشرح. مضافا الى أن الصورة ، التي يحكم المتشرعة بمحوها بالفعل‌

__________________

(١) راجع المورد السابع من مبطلات الصلاة.

٥٩٥

______________________________________________________

الكثير ، عبارة عن صلاحية الأجزاء الواقعة لانضمام الأجزاء ، اللاحقة إليها ، بحيث تكون معها صلاة واحدة لو لم يتحقق الماحي. وهذا المعنى مما لم يطرأ عليه الشك ، وإنما كان الشك في وجود الماحي وعدمه لا غير.

وإما لاستصحاب عدم الماحي. وفيه : أن الشك لم يكن في وجوده وعدمه وإنما كان في المحو وعدمه. وقد عرفت الإشكال في استصحاب عدم المحو.

وإما لاستصحاب الهيئة الاتصالية. المستفاد وجودها للصلاة من التعبير في النص والفتوى بالقاطع ، فان القطع إنما يصح اعتباره للمتصل. وبذلك افترق القاطع عن المانع ، فان المانع ما يمنع من تأثير المقتضي في المحل ، والقاطع ما يقطع الوجود المتصل. فاذا شك في وجود القاطع فقد شك في بقاء الأمر المتصل فيستصحب بقاؤه. وفيه : أن الهيئة الاتصالية إن كانت قائمة بالمصلي ، فهو خلاف ظاهر التعبير بقطع الصلاة. وإن كانت قائمة بالصلاة ، فبالنظر الى أن أجزاء الصلاة مما يتخلل بينها العدم يمتنع أن تكون تلك الهيئة مستمرة الوجود ، لامتناع بقائها بلا موضوع. وحينئذ فالتعبير بالقاطع لا بد أن يكون على نحو من العناية والادعاء. والظاهر أو المحتمل أن يكون ذلك لمنعه عن انضمام الأجزاء اللاحقة إلى السابقة. بحيث يتألف منها المركّب ، وتترتب عليه المصلحة الواحدة ، المقصودة منه. فليس هناك شي‌ء مستمر حقيقة أو عرفا بنحو يصح استصحابه.

أما الإشكال عليه بأنه لا دليل على أخذه موضوعا للطلب ، كسائر الأجزاء. أو بأنه لو سلم فلا إشكال في تعلق الطلب بعدم وقوع القواطع لثبوت النهي عنها. وحينئذ فإذا شك في وجود القاطع من جهة الشبهة الحكمية ، أو الموضوعية ، لا يجدي استصحاب بقاء الهيئة في رفع الشك المذكور. لأن الشك في بقاء الهيئة مسبب عن الشك في قاطعية الموجود ،

٥٩٦

فصل في المكروهات في الصلاة

وهي أمور :

الأول : الالتفات بالوجه قليلا [١] ، بل وبالعين‌

______________________________________________________

والأصل الجاري في الشك المسبب لا يرفع الشك في السبب. ولو سلم عدم السببية فلا أقل من كونهما من قبيل المتلازمين ، ومن المعلوم أن الأصل الجاري لإثبات أحد المتلازمين لا يصلح لإثبات الآخر ، إلا على القول بالأصل المثبت. ففيه : أن التعبير بالقطع الدال باللزوم العرفي على ثبوت المقطوع ، لا يحسن لو لم يكن المقطوع موضوعا للأمر. ويدفع الثاني عدم الحاجة الى رفع الشك في وجود القاطع ، بعد لزوم البناء على بقاء الهيئة واستمرار وجودها ، فان ذلك كاف في سقوط الأمر ، وخروج المكلف عن عهدته ، لوجود موضوعه. والنهي عن القاطع غيري ، بلحاظ نفس الهيئة الواجبة ، فلا يؤبه به. وعلى هذا فالمتعين في وجه الصحة في الفرض أصالة البراءة من قاطعية الموجود.

فصل في المكروهات في الصلاة‌

[١] لخبر عبد الملك : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الالتفات في الصلاة ، أيقطع الصلاة؟ فقال (ع) : لا ، وما أحب أن يفعل » (١) ، بعد حمله على الالتفات بالوجه الى الحد الذي لا يقدح في الصلاة ، جمعا بينه وبين ما تقدم في قاطعية الالتفات. قيل : وإطلاقه يشمل الالتفات بالوجه والعين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

٥٩٧

وبالقلب [١].

الثاني : العبث باللحية أو بغيرها ، كاليد ، ونحوها [٢].

الثالث : القران بين السورتين [٣] على الأقوى. وإن كان الأحوط الترك.

______________________________________________________

[١] كأنه لرواية الخضر بن عبد الله ، عن أبي عبد الله (ع) : « إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله تعالى عليه بوجهه ، فلا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات ، فاذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه » (١) ، ونحوها غيرها ، بناء على ظهورها في الالتفات بالقلب ، وإن أنكره غير واحد. وقد يستفاد من قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة : « ولا تحدث نفسك » (٢).

[٢] لما‌ في حديث الأربعمائة عن علي (ع) : « ولا يعبث الرجل في صلاته بلحيته » (٣) ، و‌في مرفوع أحمد بن محمد بن عيسى : « إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك » (٤) ، و‌في صحيح زرارة : « ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك » (٥) ، و‌في صحيح حماد : « ولا تعبث بيديك وأصابعك » (٦) ، و‌في مرسل الفقيه : « قال رسول الله (ص) : إن الله تعالى كره العبث في الصلاة » (٧) الى غير ذلك ، مما هو عام وخاص.

[٣] على ما تقدم في مبحث القراءة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

٥٩٨

الرابع : عقص الرجل شعره [١]. وهو جمعه وجعله في مشط الرأس وشده [٢] أولية وإدخال أطرافه في أصوله [٣]

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور بين المتأخرين ، وحكي عن سلار والحلبي وابن إدريس. لخبر مصادف عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل صلى بصلاة الفريضة وهو معقص الشعر. قال (ع) : يعيد صلاته » (١). بناء على حمله على الكراهة ، لضعف سنده ، المانع من صحة الاعتماد عليه في الحكم بالمنع لكن عن الخلاف : « لا يجوز للرجل أن يصلي معقوص الشعر ، إلا أن يحله. ولم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك. دليلنا إجماع الفرقة ، وروى ابن محبوب عن مصادف. » ، وظاهر الحر في وسائله موافقته ، وكذا ظاهر الذكرى أيضاً. اعتماداً على الإجماع المنقول في كلام الشيخ رحمه‌الله ، لما تقرر في الأصول من حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد. انتهى. وقد ينسب الى ظاهر المفيد لكن نقل الإجماع موهون بعدم ظهور الموافق. والإجماع المنقول ليس بحجة. ولأجل ذلك يشكل انجبار ضعف سند الخبر به. نعم في السند الحسن بن محبوب ، الذي هو من أصحاب الإجماع ، وممن قيل بأنه لا يروي إلا عن ثقة. لكن في كفاية ذلك في الجبر ، مع إعراض الأصحاب ، تأمل ، أو منع ، ولا سيما بملاحظة عموم الابتلاء بالموضوع ، بنحو يبعد جداً كونه ممنوعا عنه ، وينفرد مصادف بنقله.

[٢] كما عن المعتبر ، والتذكرة ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، والمسالك وغيرها. وفي مجمع البحرين : « جمعه وجعله في وسط الرأس وشده » ، وقريب منه ما عن الفارابي ، والمطرزي.

[٣] كما عن ابن فارس في المقاييس.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٥٩٩

أو ظفره وليه على الرأس [١]. أو ظفره وجعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة [٢]. والأحوط ترك الكل. بل يجب ترك الأخير في ظفر الشعر حال السجدة [٣].

الخامس : نفخ موضع السجود [٤].

السادس : البصاق [٥].

______________________________________________________

[١] كما عن الصحاح.

[٢] قال في محكي المنتهى : « وقد قيل : أن المراد بذلك ظفر الشعر وجعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة. فعلى هذا يكون ما جعله الشيخ (ره) حقاً ، لأنه يمنع من السجود ». لكن من البعيد أن يكون منعه لذلك ، ولا سيما بملاحظة الاستدلال عليه بالإجماع والخبر ، ونسبة الخلاف في ذلك الى جميع الفقهاء ، وتخصيص الحكم بالرجل.

[٣] كما عرفته في محكي المنتهى. لكن في إطلاقه المنع عن السجود نظر ظاهر.

[٤] كما تقدم في مكروهات السجود.

[٥] ففي خبر أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى ، فان كنت لا تراه فاعلم أنه يراك ، فأقبل قبل صلاتك ، ولا تمتخط ، ولا تبزق ، ولا تنقض أصابعك ، ولا تورك فان قوماً عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة » (١) ، وفي صحيح حماد : « ولا تبزق عن يمينك ، ولا عن يسارك ، ولا بين يديك » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

٦٠٠