مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

فإن تعذر فعلى الأيسر [١] عكس الأول. فإن تعذر صلى مستلقياً [٢] كالمحتضر. ويجب الانحناء للركوع والسجود [٣] بما أمكن ، ومع عدم إمكانه يومئ برأسه [٤]

______________________________________________________

فإذاً العمل على المشهور أقوى ، مع أنه أحوط.

[١] كما نسب إلى المشهور ، ويشهد له النبوي المرسل في الفقيه‌ ، وبه يقيد إطلاق ما في موثق عمار من قوله (ع) : « كيفما قدر » ، مع إمكان المناقشة في إطلاقه : بقرينة وقوع مثله في صدره ، فكأن المراد أنه لا يكلف بغير المقدور بل على حسب القدرة ، وليس المراد أنه يصلي كيف شاء ليكون مخيراً بين الكيفيات المقدورة. ومن ذلك يظهر ضعف ما قيل : من أنه إذا عجز عن الاضطجاع على الأيمن صلى مستلقياً ، إذ الظاهر أن مستنده الموثق الذي لو تمَّ إطلاقه فهو مقيد بالمرسل.

[٢] بلا خلاف فيه ظاهر. ويشهد له النبوي وغيره مما دل على وجوب الصلاة مستلقياً عند تعذر الجلوس ، بناء على حمله على صورة تعذر الاضطجاع.

[٣] إذا أمكن له الركوع والسجود فلا ينبغي التأمل في وجوب فعلهما ، لإطلاق أدلة وجوبهما. وما في النص والفتوى من الإيماء يراد به صورة عدم إمكانهما كما هو الغالب في موردهما ، ولو أمكن له ميسور الركوع والسجود لأنفسهما قيل : وجب بلا شبهة ، وهو كذلك لو كان بحيث يصدق الركوع والسجود ولو الفاقدان لشرطهما. وفي المنتهى : « لو عجز عن السجود رفع ما يسجد عليه ولم يجز الإيماء إلا مع عدمها أو عدم التمكن ، خلافاً للشافعي .. » وظاهره الإجماع عليه ، ونحوه كلام غيره. ويشهد به خبر إبراهيم الكرخي الآتي. نعم قد ينافيه صحيحا الحلبي وزرارة الآتيان في وضع الجبهة على شي‌ء فلاحظ. وسيأتي الكلام فيه.

[٤] بلا خلاف ، ويشهد له النصوص المتقدمة وغيرها كمرسل الفقيه :

١٢١

ومع تعذره فبالعينين بتغميضهما [١]

______________________________________________________

« قال أمير المؤمنين (ع) : دخل رسول الله (ص) على رجل من الأنصار ، وقد شبكته الريح فقال : يا رسول كيف أصلي؟ فقال (ص) : إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ، وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه فليومئ إيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع » (١) ، وخبر إبراهيم الكرخي : « رجل شيخ لا يستطيع القيام الى الخلاء لضعفه ، ولا يمكنه الركوع والسجود ، فقال (ع) : ليومئ برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد ، فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه » (٢) ، الى غير ذلك.

[١] كما نسب إلى المشهور ، ويشهد له مرسل الفقيه عن الصادق (ع) : « يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً ، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً : يكبّر ثمَّ يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمَّ سبح ، فاذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمَّ سبح فاذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثمَّ يتشهد وينصرف » (٣) ، ونحوه في ذلك خبر محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد الله (ع) (٤). ومورد الخبرين خصوص المستلقي ، كما أنه لم يذكر فيهما الإيماء بالرأس. ومثلهما خبر عبد السلام‌ (٥) الوارد فيمن تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة.

ومقتضى الجمود على ذلك انحصار بدل الركوع والسجود في المستلقي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام ملحق حديث : ١٣.

(٥) الوسائل باب : ١٩ من أبواب القبلة حديث : ٢.

١٢٢

______________________________________________________

بالتغميض لا غير ، كما هو ظاهر القواعد ، وعن النهاية والمبسوط ، والوسيلة والمراسم ، والغنية ، والسرائر ، وجامع الشرائع ، والموجز ، حيث لم يذكر فيها أن الإيماء بالرأس مقدم على تغميض العينين ، بل اقتصر على ذكر تغميض العينين بدلا عن الركوع والسجود ، ومال إليه في الحدائق ، بل والى انحصار البدل في المضطجع بالإيماء بالرأس لا غير عكس المستلقي قال فيها ـ بعد ما ذكر : « إن التغميض مستفاد من مرسلة محمد بن إبراهيم ، إلا أن موردها الاستلقاء ، ومورد الإيماء بالرأس في الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين ، والأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين ، والوقوف على ظاهر الأخبار أولى ».

أقول : الإيماء كما ورد في المضطجع ورد في المستلقي أيضاً ، كما صرح به في الجواهر وغيرها فلاحظ النبوي المروي عن الفقيه‌ ، وخبر عبد السلام المتقدمين (١) ، وفي موثق سماعة المروي عن الفقيه : « عن الرجل يكون في عينيه الماء ، فينزع الماء منها ، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوماً ، أقل أو أكثر ، فيمتنع من الصلاة إلا إيماء وهو على حاله ، فقال (ع) : لا بأس بذلك » (٢). بل يمكن أن يستفاد أيضاً من موثق عمار‌ ، ومرسل الفقيه عن أمير المؤمنين (ع) المتقدمين (٣) وغيرهما.

ومن ذلك يظهر الإشكال فيما ذكره غير واحد : من أن الاقتصار على ذكر التغميض في المستلقي لأنه لمزيد الضعف فيه لا يمكنه الإيماء بالرأس غالباً. هذا والجمع العرفي بين هذه النصوص يقتضي الحمل على التخيير لا الترتيب ، كما هو المشهور.

__________________

(١) الأول في صفحة : ١١٦. والثاني في صفحة : ١١٩.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام ملحق حديث : ٦.

(٣) الأول في صفحة : ١١٩. والثاني في صفحة : ١٢٢.

١٢٣

وليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه [١] ، ويزيد في غمض العين للسجود على غمضها للركوع [٢] ،

______________________________________________________

ودعوى : اختصاص نصوص الإيماء في المستلقي بصورة إمكانه ، فتكون أخص مطلقاً من خبري التغميض لشمولهما لصورتي إمكان الإيماء وعدمه ، فيتعين الجمع بحمل خبري التغميض على صورة عدم إمكان الإيماء ، ويثبت الترتيب المذكور في المضطجع بعدم القول بالفصل. معارضة : باختصاص خبري التغميض أيضاً بصورة إمكانه ، فتكون من هذه الجهة أخص من نصوص الإيماء ، فيكون التعارض بالعموم من وجه ، ولا وجه لترجيح تخصيص أحدهما على تخصيص الآخر. مع أن دعوى عدم الفصل بين المستلقي والمضطجع عهدتها على مدعيها.

[١] عن الذكرى : نسبته إلى الأصحاب ، ويشهد له النبوي (١) المرسل في الفقيه الذي ذكر فيه الإيماء في المستلقي ، والعلوي‌ (٢) الشامل له وللمضطجع المتقدمان ، وكفى بهما حجة ، ولا سيما بعد اعتماد الأصحاب عليهما ، وتأييدهما بغيرهما مما تضمن الأمر بذلك لمن يصلي ماشياً أو على راحلته : من روايات سماعة‌ ، ويعقوب بن شعيب المذكورة في الوسائل في باب جواز الفريضة ماشياً وجواز النافلة في المحمل (٣).

[٢] كما عن ابن حمزة ، وسلار ، وابن سعيد ، والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم ، للفرق ، ولايماء الأمر به في الإيماء اليه. وهو كما ترى. إذ الفرق غير ظاهر الوجوب ، ولو سلم فلا ينحصر بذلك. وإيماء الأمر ليس بحجة بنحو يقيد إطلاق النص ، مع أن الغمض لا يقبل الزيادة إلا في المدة ، وهي‌

__________________

(١) تقدم في صفحة : ١١٦.

(٢) تقدم في صفحة : ١٢٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القبلة حديث : ١٤ و ١٥.

١٢٤

والأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة [١] ،

______________________________________________________

غير مرادة لهم ظاهراً وان حكيت عن الموجز الحاوي ، فتأمل جيداً. ولذا نفى في كشف اللثام الدليل على هذا الحكم.

[١] لما عن جماعة ، منهم الشهيدان ، والكركي ، والمقداد ، والصيمري : من وجوب تقريب جبهته الى ما يصح السجود عليه ، أو تقريبه إليها ، لأن ملاقاة الجبهة له واجبة ، فلا تسقط بتعذر غيرها. ويشهد لهم موثق سماعة : « عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال (ع) : فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد ، فإنه يجزئ عنه ، ولن يكلف الله ما لا طاقة له به » (١) ومرسل الفقيه : « سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس ، أيصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئاً؟ قال (ع) : نعم ، لم يكلفه الله إلا طاقته » (٢) فيقيد بهما إطلاق الإيماء لو كان.

وربما يجمع بينهما بالتخيير بين الإيماء المجرد والوضع كذلك ، لظهور الخبرين المذكورين في بدلية الوضع المجرد عن الإيماء تعييناً ، وظهور نصوص الإيماء في بدليته تعييناً مجرداً عن الوضع ، فترفع اليد عن ظهورهما في التعيين ، بشهادة صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : قال « سألته عن المريض ، قال (ع) : يسجد على الأرض ، أو على مروحة ، أو على مسواك يرفعه ، وهو أفضل من الإيماء » (٣) ، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود. قال (ع) : يومئ برأسه إيماء ، وإن يضع جبهته على الأرض أحب الي » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٢.

١٢٥

______________________________________________________

وقيل : بأن الوضع بدل عند تعذر الإيماء ، حملا لنصوص الوضع على ذلك ، بشهادة خبر ابن جعفر (ع) : « عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الإيماء ، كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال (ع) : يرفع مروحة إلى وجهه ، ويضع على جبينيه ، ويكبر » (١).

وربما حكي القول بوجوب الوضع فقط للمضطجع والمستلقي ، وعدم وجوب الإيماء عليه ، عملا بالموثق والمرسل ، وطرحا لنصوص الإيماء.

أقول : أما القول الأخير ففي غاية الضعف ، إذ الطرح والترجيح فرع التعارض وعدم إمكان الجمع ، لكنه ممكن كما سيأتي. ولو سلم فنصوص الإيماء أرجح ، لأنها أصح سنداً وأشهر رواية ، بل لعلها متواترة إجمالا ، ولا سيما مع تأيدها بنصوص الإيماء في الموارد الكثيرة ، مثل ما ورد في الراكب‌ والماشي‌ (٢) ، والعاري‌ (٣) ، ومن يخاف الرعاف‌ (٤) ، ومن يخاف على عينه‌ (٥) ، وغير ذلك. فكيف يرجح الموثق والمرسل عليها؟!

وأما القول الذي قبله ففيه : أن خبر ابن جعفر (ع) ـ مع أنه لا يخلو من إشكال ، لظهوره في أن وضع المروحة على الجبين إنما هو حال التكبير فلا يكون مما نحن فيه ـ لا يصلح شاهداً للجمع ، لعدم منافاته لكل من الطائفتين ، فكيف يصلح للجمع بينهما؟! مع أن الموثق ظاهر في أن الوضع على الجبهة حال الإيماء المراد من قوله (ع) : « إذا سجد » فكيف يحمل على حال العجز عن الإيماء؟!. وأما المرسل فغير ظاهر في وجوب الوضع ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٢١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب القبلة حديث : ١٤ و ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب القيام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب القيام حديث : ٢.

١٢٦

______________________________________________________

لأن الظاهر من السؤال ـ بقرينة قوله (ع) في الجواب : « نعم لم يكلفه .. » ـ هو السؤال عن جواز الاجتزاء بذلك ، فلا يصح الاستدلال به على الوجوب ، لا جمعاً مع الإيماء ، ولا تخييراً بينهما ، ولا تعييناً ، ولا ترتيباً ، كما لا يخفى.

وأما القول الذي قبله ففيه : أن ظهور كل من الدليلين في البدلية على الاستقلال ـ لو سلم ـ فهو ضعيف جداً ، لا يقوى على مدافعة ظهور كل من الطائفتين في الوجوب التعييني ، بل الثاني أقوى فيقدم عليه ، ولازمه وجوب الجمع. وأما الصحيح والمصحح فلا يصلحان للشهادة على التخيير ، لأن السجود على الأرض ووضع الجبهة عليها إنما يكونان بالإيماء ، فكيف يصح أن يدعى دلالته على الاكتفاء بمجرد الوضع؟!. نعم لو كانت العبارة هكذا : « وأن يضع على جبهته شيئاً أحب إلي أو أفضل من الإيماء » كان للتوهم المذكور مجال ، لكنه ممنوع جداً في المصحح ، لظهوره في أن الوضع مع الإيماء أحب إليه من الإيماء وحده ، لا أن الوضع المجرد أحب إليه من الإيماء المجرد. نعم لا يبعد ذلك في الصحيح ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، ولو تمَّ فإنما هو في العبارة الفرضية لا الفعلية ، إذ قد عرفت أن الظاهر من قوله : « يسجد على الأرض » أنه يومئ الى أن تصل جبهته إلى الأرض.

وأما القول الأول فقد عرفت أن المرسل لا يصلح حجة له لعدم ظهوره في وجوب الوضع. وأما الموثق فهو ـ وإن دل على وجوبه ـ معارض بصحيح زرارة ومصحح الحلبي لظهورهما في استحباب الوضع زائداً على الإيماء ، كما عرفت ، وحملهما على مثل قوله تعالى : ( قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ .. ) وقولهم : « السيف أمضى من العصا » لا داعي اليه. ومخالفتهما للإجماع المحكي عن المنتهى وظاهر غيره ممنوعة ، لاختصاص الإجماع بصورة الانحناء الكثير الذي لا يبلغ المقدار الواجب ، ولا يشمل صورة الإيماء بالرأس على نحو يلاقي المروحة ونحوها. والخبران إن لم يكونا ظاهرين فيه ،

١٢٧

والإيماء بالمساجد الأخر أيضا [١] وليس بعد المراتب المزبورة حد موظف [٢] ، فيصلي كيف ما قدر ، وليتحر الأقرب إلى صلاة المختار [٣] ، وإلا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط.

______________________________________________________

فلا أقل من إمكان حملهما عليه ، فيرتفع التنافي. ودعوى : أن ظاهر معقد الإجماع الشمول للصورة الثانية. مندفعة : بوضوح الخلاف فيها ، فاذاً الاكتفاء بالإيماء المجرد أقوى.

[١] كما في حاشية النجاة لشيخنا الأعظم ، ولم أقف عليه لغيره. وكأن وجهه : احتمال كون موضوع الإيماء جميع المساجد لا خصوص الجبهة وفيه : أنه خلاف المصرف من الإيماء المذكور في النصوص ، ولا سيما بعد اشتمال بعض النصوص على التقييد بالرأس ، فلا محل للتوقف فيه.

ثمَّ إنه لا ينبغي التأمل في اختصاص ذلك على تقدير القول به بصورة إمكانه ، كما في المضطجع أما الجالس فلا يتأتى ذلك منه بالنسبة إلى الركبتين وإبهامي الرجلين ، وكذا المستلقي فإنه قد لا يستطيع الإيماء بها الى القبلة.

[٢] لخلو النصوص عن التعرض لغير ما سبق.

[٣] إن كان الوجه فيه قاعدة الميسور فقد عرفت الإشكال في الدليل عليها ، والإجماع عليها في المقام بنحو يقتضي وجوب بدل آخر قريب من بدله غير ثابت ، فان الظاهر منها الميسور للأصل لا لبدله. ومنه يظهر ضعف ما عن كشف الغطاء : من أنه لو تعذر الإيماء بالرأس والعين انتقل إلى الإيماء بباقي الأعضاء. انتهى ، وإن قال في الجواهر : « وهو لا يخلو من وجه وإن كان ظاهر الأصحاب خلافه ». وإن كان الوجه فيه أصالة التعيين لكون المورد من قبيل ما يتردد فيه بين التعيين والتخيير ففي محله ، فاذا شك في وجوب الإيماء بباقي الأعضاء فالمرجع أصل البراءة ، وإذا لم يتمكن من الجلوس ولا الاضطجاع ولا الاستلقاء ، ويتمكن من أن يكون‌

١٢٨

( مسألة ١٦ ) : إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس وركع جالساً [١] ، وإن لم يتمكن من الركوع والسجود صلى قائماً وأومأ للركوع والسجود [٢] وانحنى لهما بقدر الإمكان [٣] ، وإن تمكن من الجلوس جلس لايماء السجود [٤] ،

______________________________________________________

مكبوبا على وجهه ، وتردد في وجوب أن يكون مكبوبا على أحد الجانبين بحيث يصير قريباً من المضطجع ، وعدمه فيتخير ، كان اللازم الأول ، عملا بأصالة الاحتياط المقتضية للتعيين عند الدوران بينه وبين التخيير ، فليست الفروض كلها على نسق واحد.

[١] لأنه الميسور له ، هذا إذا لم يتمكن من الانحناء أصلا ، أما إذا تمكن منه في الجملة ـ وإن لم يكن على الوجه المعتبر ـ فسيأتي في مبحث الركوع أنه يجتزئ بالانحناء اليسير الممكن ، ويأتي وجهه إن شاء الله.

[٢] لما سبق من بدلية الإيماء عنهما.

[٣] قد تقدم في المسألة السابقة اختصاص ذلك بصورة صدق الركوع الناقص ، لا السجود كذلك ولو بدفع ما يسجد عليه ، فاذا لم يصدق ذلك أجزأ الإيماء ، لعموم بدليته ، ولا تجب زيادة الانحناء ، للأصل.

[٤] كما هو أحد القولين في المسألة ، واختاره العلامة الطباطبائي في منظومته ، قال قدس‌سره :

وكل إيماء عن السجود من

غير قيام ما خلا العاري الأمن.

وكأنه لقاعدة الميسور. وفيه : أن الجلوس لا يعتبر في السجود لا شرطاً ولا ظرفاً ، إذ السجود الواجب وضع المساجد على الأرض ، فإذا فرض تعذر ذلك وبدلية الإيماء لم يكن وجه لوجوب الجلوس إلا كونه أقرب الى حال الساجد ، وقد عرفت أن هذا المقدار لا تصلح قاعدة‌

١٢٩

والأحوط وضع ما يصح السجود عليه على جبهته [١] إن أمكن.

( مسألة ١٧ ) : لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومياً أو جالساً مع الركوع والسجود فالأحوط تكرار الصلاة [٢] ، وفي الضيق يتخير بين الأمرين.

______________________________________________________

الميسور لإثباته. نعم يشكل الحال في الجلوس الواجب بين السجدتين ، فان مقتضى القاعدة المذكورة وجوبه حال تعذر السجود وبدلية الإيماء. وسقوط السجود بالتعذر لا يقتضي سقوطه ، لكن لم أقف على من تعرض له ولعل نظر القائل بوجوب الجلوس اليه لا الى الجلوس حال السجود. فتأمل.

[١] تقدم الكلام فيه.

[٢] اختار في الجواهر في أول كلامه تعين الأول ، حاكياً عن بعض التصريح به ، مستظهراً من آخر انه المشهور بل المتفق عليه ، حاكياً عن الرياض عن جماعة دعوى الاتفاق عليه ، لاشتراط الجلوس بتعذر القيام في النصوص ، ولأن الخطاب بأجزاء الصلاة مرتب ، فيراعي كل جزء حال الخطاب به بالنسبة اليه وبدله ، ثمَّ الجزء الثاني ، وهكذا الى تمام الصلاة. ولما كان القيام أول أفعالها وجب الإتيان به مع القدرة عليه ، فاذا جاء وقت الركوع والسجود خوطب بهما ، فان استطاع ، وإلا فبدلهما ، ثمَّ قال : « ويحتمل ـ كما مال إليه في كشف اللثام ـ تقديم الجلوس والإتيان بالركوع والسجود » بل قال : « وكذا إذا تعارض القيام والسجود وحده ، ولعله لأنهما أهم من القيام ، خصوصاً بعد أن ورد : « أن الصلاة ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود » (١) ، « وأن أول الصلاة الركوع » (٢) ونحو ذلك. ولأن أجزاء الصلاة وإن كانت مترتبة في الوقوع إلا أن الخطاب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الركوع ، حديث : ١ والحديث منقول ـ هنا ـ بالمعنى‌

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الركوع حديث : ٦.

١٣٠

______________________________________________________

بالجميع واحد حاصل من الأمر بالصلاة ، فمع فرض تعذر الإتيان بها كما هي اختياراً وجب الانتقال الى بدلها الاضطراري ، ولما كان متعدداً ـ ضرورة كونه إما القيام وحده ، أو الجلوس مع استيفاء باقي الأفعال ـ وجب الترجيح بمرجح شرعي ، ولعل الأهمية ونحوها منه ، وأنها أولى بالمراعاة من السبق لما عرفت ، ومع فرض عدم المرجح أو عدم ظهور ما يدل على الاعتداد به يتجه التخيير ، كما احتمله في كشف اللثام هنا تبعاً للمحكي عن المحقق الثاني ». ثمَّ حكى عبارة جامع المقاصد الظاهرة في تردده في التخيير وترجيح الجلوس. ثمَّ قال : « والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان احتمال تقديم الجلوس قوياً ».

أقول : لا ينبغي التأمل في أنه لو استفيد من نصوص الباب ـ مثل صحيح أبي حمزة : « الصحيح يصلي قائماً » (١) ، وصحيح جميل : « إذا قوي فليقم » (٢) ، ونحوهما ـ : أن القدرة شرط شرعي لوجوب القيام والركوع والسجود وغيرها من الأجزاء الاختيارية ، وجب تقديم السابق على اللاحق وإن كان اللاحق أهم ، لحصول القدرة على السابق في حاله ، فيثبت وجوبه ، ولا يزاحم بوجوب اللاحق ، لعدم وجوب إبقاء القدرة عليه الى زمان فعله ، لأن الوجوب المشروط لا يقتضي حفظ شرطه ، فاذا لم يجب شرعاً ولا عقلا إبقاء القدرة إلى زمان فعل الثاني لم يكن للمكلف عذر في ترك الأول والانتقال الى بدله لحصول شرط وجوبه ، فتركه معصية له جزماً. وإن لم يستفد من النصوص المذكورة شرطية القدرة للوجوب شرعاً لعدم دخلها في ملاكه بل كانت شرطاً عقلياً لتنجز التكليف بالجزء لا غير جاء الإشكال ، لأن التكليف بالجزء الأول يقتضي صرف قدرة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب القيام حديث : ٣.

١٣١

______________________________________________________

المكلف فيه ، والتكليف بالجزء الثاني يقتضي أيضاً حفظ القدرة لتصرف فيه ، فان كان مرجح لأحد الاقتضائين لأهمية الملاك قدم وإن كان متأخراً زماناً ، وإلا يتخير ، والتقدم الزماني لا أثر له في الترجيح في نظر العقل.

نعم لو قيل بعدم وجوب حفظ القدرة إلى زمان الفعل وجب القول بتعين فعل الأول ، لعدم المزاحم له حال فعله. لكنه خلاف التحقيق ، إذ لا فرق في نظر العقل في حرمة تفويت الواجب بتفويت مقدمته بين ما قبل وقته وما بعده ، والرجوع الى العقلاء شاهد بذلك. اللهم الا أن يقال : التكليف بالثاني لا يوجب سلب القدرة الخارجية على الأول قطعاً ، كما أنه إنما يوجب سلب القدرة التشريعية عليه لو كان الثاني أهم ، أما لو كان مساوياً للأول في الاهتمام فلأجل مزاحمته بالأول لا يصلح لسلب القدرة عليه تشريعاً ، ومع وجود القدرة الخارجية والتشريعية للمكلف على الأول لا عذر له في تركه فكيف يسوغ له تركه؟!.

فان قلت : ما الفرق بين المتزاحمين العرضيين والتدريجيين ، مع أنه لا ريب في التخيير بين الأولين. قلت : الفرق بينهما أن القدرة الخارجية في العرضيين ليست عرضية حاصلة بالإضافة الى كل منهما في عرض الآخر بل بدلية حاصلة بالإضافة الى كل في ظرف عدم الآخر ، ومنتفية عن كل في ظرف وجود الآخر ، فاذا فعل المكلف أحدهما وترك الآخر صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة الخارجية عليه ، وليس الحال كذلك في التدريجيين ، فإن الأول منهما مقدور بالقدرة الخارجية بلا شرط ، والثاني مقدور بشرط عدم فعل الأول ، فإذا ترك الأول لم يصح الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه ، وإذا فعله وترك الثاني صح له الاعتذار عن تركه بعدم القدرة عليه ، وقد عرفت أنه لا نقص في القدرة التشريعية أيضاً إذا لم يكن الثاني أهم ، فإذا كان الأمر بالثاني لا يوجب نقصاً في القدرة‌

١٣٢

______________________________________________________

الخارجية ولا التشريعية على الأول لعدم الأهمية لم يكن للمكلف عذر في تركه.

هذا غاية ما يقال في تقريب وجوب تقديم الأول. وفيه : أنك عرفت أن التكليف بالثاني إذا كان يقتضي حفظ القدرة عليه ـ كما هو مقتضى البناء على حرمة تفويت المقدمات قبل الوقت ـ فالمكلف في زمان الأول ليس له قدرة عرضية خارجية على فعله وعلى حفظ قدرته للثاني ، بل القدرة الخارجية عليهما بدلية كالعرضيين ، وحينئذ يتخير بين فعل الأول جريا على مقتضى التكليف به وبين حفظ قدرته للثاني جريا على مقتضى التكليف به ، ولا وجه لترجيح الأول على الثاني ، كما لا وجه لترجيح الثاني على الأول.

فالعمدة في وجوب ترجيح الأول دعوى كون القدرة شرطاً في الوجوب كما يقتضيه الجمود على عبارة النصوص المشار إليها آنفاً ، لكن فيها : أنها خلاف المرتكزات العرفية ، فالأخذ بإطلاق ما دل على وجوب القيام والركوع والسجود وغيرها ، وحمل النصوص المذكورة على أنها في مقام بيان موضوع التكليف الفعلي إرشاداً الى ما عند العقل أولى من تقييد تلك الإطلاقات كما هو ظاهر ، وعليه العمل في أكثر المقامات. نعم لو لم يكن في المقام ذلك الإطلاق كان البناء على شرطية القدرة للوجوب في محله ، لكنه خلاف الواقع وعليه يتعين القول بالتخيير إلا إذا كان الثاني أهم فيتعين الأخذ به.

هذا وأما فرض المسألة ، فالدوران فيه بين الجلوس فيفوته ركنان : القيام حال التكبير ، والقيام المتصل بالركوع ، وواجب غير ركن : وهو القيام حال القراءة ، وبين القيام فيفوته ركنان : الركوع والسجود. ولا تبعد دعوى أهمية الركوع والسجود كما يقتضيه ما تضمن : « أن الصلاة ثلث ركوع وثلث سجود » ، « وأن أول الصلاة الركوع » (١) ، « وأنه لا تعاد‌

__________________

(١) تقدما في صدر التعليقة.

١٣٣

( مسألة ١٨ ) : لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً ، فالأحوط التكرار أيضاً [١].

______________________________________________________

الصلاة إلا من الوقت والقبلة والطهور والركوع والسجود » (١) ، كما أشار الى ذلك في محكي كشف اللثام ، ويساعده ارتكاز المتشرعة ، والمقام وان لم يكن من باب التزاحم كي يحكم العقل بوجوب ترجيح الأهم أو محتمل الأهمية ـ كما أشرنا إليه آنفاً ـ ، بل من باب الدوران في تعيين البدل الاضطراري ، للتردد في تطبيق قاعدة الميسور الدالة على وجوب الميسور وبدليته عن التام ، فالتردد في أن كلام من الأمرين ميسور أو أحدهما بعينه هو الميسور دون الآخر ، والوجوه المذكورة تستدعي كون الميسور هو الثاني فيتعين ، لا الأول فلا يجتزأ به في البدلية. ولا ينافي ما ذكرنا ما دل على اشتراط بدلية الجلوس بتعذر القيام ، لاختصاص ذلك بغير المقام.

هذا وظاهر كلمات الجماعة : أن المقام من باب التزاحم ، فإن الأخذ بالأهم أو الأسبق إنما يكون في المتزاحمات ، لكنه ليس كذلك ، ولعل مرادهم ما ذكرنا وإن بعد. نعم يبقى الإشكال في إطلاق قاعدة الميسور ، لأجل أن دليلها الإجماع الذي لا مجال له مع وجود الخلاف. ويدفع : بأن الخلاف ليس في القاعدة ، وإنما الخلاف في مورد تطبيقها ، فالعمل بها مع العلم بالانطباق لازم.

[١] المحكي عن جماعة منهم المفيد ، والفاضل ، والشهيد ( قدس‌سرهم ) : ترجيح الصلاة ماشياً على الصلاة قاعداً ، وربما يستشهد لهم برواية سليمان ابن حفص المروزي : « قال الفقيه (ع) : المريض إنما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته .. الى أن يفرغ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع ، حديث : ٥ وتقدم نقله مراراً.

١٣٤

______________________________________________________

قائماً » (١) ـ مضافا الى أن الماشي إنما فقد الاستقرار وهو كفقد الاستقلال مقدم على القعود الرافع لأصل القيام.

وأورد عليه بضعف الرواية سنداً بعدم توثيق سليمان ، ودلالة باحتمال أن يكون المراد تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً ، بأن لا يتمكن من المشي بقدر صلاته كما حكي عن المفيد ومحتمل النهاية ، أو الكناية عن العجز عن القيام ، لغلبة تلازم القدرتين ، أو أنه إذا لم يقدر على المشي قدر الصلاة جاز له الجلوس وإن قدر على القيام بمشقة ، فالمقصود تحديد المشقة التي تكون في القيام بالعجز عن المشي مقدار الصلاة ، وبأن القيام الحاصل في المشي غير القيام المعتبر في الصلاة ، إذ المراد منه الوقوف الذي تنافيه الحركة فضلا عن المشي.

وفيه : أن الذي صرح به في المختلف في مبحث مفطرية الغبار وثاقة سليمان ، والمعنى الأول مخالف للأخبار الصحيحة المتضمنة نفي تحديد العجز ، وإيكال معرفته الى نفس المصلي ، وغلبة تلازم القدرتين ممنوع جداً. كيف والمشي مقدار الصلاة فيه من المشقة ما يزيد كثيراً على القيام مقدار الصلاة؟ مع أن القدرة على المشي مقدار الصلاة أخفى من القدرة على القيام ذلك المقدار ، فكيف يجعل الأخفى طريقاً لمعرفة الأجلى؟ وأما المعنى الثالث فبعيد جداً ، ولا قرينة عليه ، فكيف تحمل عليه الرواية؟ وكون المراد من القيام ما تنافيه الحركة فضلا عن المشي ممنوع جداً ، بل المستفاد من النصوص والفتاوى أن المشي إنما ينافي الاستقرار المعتبر في أفعال الصلاة لا أصل القيام ولذا استدل على وجوب الاستقرار برواية السكوني الواردة في من يريد أن يتقدم وهو في الصلاة قال (ع) : « فليكف عن القراءة » (٢) ولم يستدل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب القيام حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٣٥

( مسألة ١٩ ) : لو كان وظيفته الصلاة جالساً وأمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك [١].

( مسألة ٢٠ ) : إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز [٢] ، وكذا‌

______________________________________________________

بها على وجوب القيام في القراءة. هذا والانصاف أن الرواية من حيث السند لا قصور فيها بعد اعتماد جماعة من الأعيان عليها ، ورواية الأجلاء لها ، وظاهرها وإن كان تحديد العجز المسوغ للجلوس تعبداً ، لكن بقرينة معارضتها تحمل على إرادة عدم جواز الصلاة جالساً إن أمكن فعلها قائماً فإنه أقرب المعاني بعد المعنى الأول ولا سيما بعد مساعدة القاعدة المشار إليها في ذيل الاستدلال ، فالبناء على وجوب الصلاة ماشياً في فرض المسألة قوي جداً.

[١] تحصيلا للقيام المتصل بالركوع الذي عرفت أنه ركن ، وللقيام ما دام الركوع الذي هو واجب ، فان ذلك مقتضى قاعدة الميسور المعول عليها في مثل المقام. نعم يشكل ذلك فيما لو تجددت القدرة على القيام بنحو يمكن استئناف الصلاة قائماً ، إذ يمكن أن يقال حينئذ إن ذلك يكشف عن فساد الصلاة من أول الأمر ، فيجب الاستئناف ولا يجزئ القيام للركوع فقط ، وهذا يتم لو لم يكن إطلاق لأدلة البدلية يقتضي ثبوت البدلية في جميع آنات العجز وإن لم يستمر ـ كما هو مبنى القول بجواز البدار لذوي الأعذار ـ ولو فرض ثبوت الإطلاق المذكور كان القول بالاستئناف مخالفاً لقاعدة الاجزاء ، هذا وقد عرفت غير مرة من هذا الشرح الإشكال في ثبوت الإطلاق المذكور لأدلة البدلية ، فإطلاق وجوب المبدل منه المقتضي لوجوب الاستئناف محكم.

[٢] قد عرفت في المسألة السابعة عشرة أن المرجع : قاعدة الميسور‌

١٣٦

إذا تمكن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم لو علم من حاله أنه لو قام أول الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلا ركعة ، أو بعضها ، وإذا جلس أو لا يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلا ، لا يبعد وجوب تقديم الجلوس ، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة ، كما أن الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أول الركعة قائما والعجز حال الركوع أو العكس أيضا تكرار الصلاة [١].

( مسألة ٢١ ) : إذا عجز عن القيام ودار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكبا ، قدم المشي على الركوب [٢].

______________________________________________________

والظاهر أن الميسور يحصل بالقيام ثمَّ الجلوس ، وبالجلوس أولا ثمَّ القيام ، ولا ترجيح لأحد الفردين على الآخر بالنظر الى نفس الميسور ، ولكن الظاهر من العقلاء ترجيح التطبيق الأول على الثاني ، ومع الشك يكون المقام من موارد الدوران بين التعيين والتخيير والمرجع فيه الاحتياط.

[١] اختار في الجواهر ـ فيما لو قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة والركوع ـ تقديم القراءة والجلوس للركوع ، حاكياً التصريح به عن بعض وحكايته عن آخرين ، وعن المبسوط والنهاية والسرائر والمهذب والوسيلة والجامع أنهم قدموا الركوع على القراءة ، وعن المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا ، لكن الرواية لم تثبت ، والقاعدة التي أشرنا إليها تقتضي ما ذكر في الجواهر ، ولعل الرواية التي أشار إليها في المبسوط : ما ورد من أن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم ، لكنها في غير ما نحن فيه.

[٢] هذا لا إشكال فيه بناء على تقديم المشي على الجلوس ، وكذا‌

١٣٧

( مسألة ٢٢ ) : إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير ، بل وكذا مع الاحتمال [١].

______________________________________________________

بناء على تقديم الجلوس عليه ، من أجل أهمية الاستقرار الجلوسي من القيام بلا استقرار ، لفوات الاستقرار حال الركوب ، فيتعين المحافظة على القيام أما بناء على أن تقديم الجلوس عليه لأن المشي غير القيام ، كما تقدم احتماله أو القول به فيرجع الى عموم : « من لا يستطيع الصلاة قائماً يصلي جالساً » (١) يتعين في الفرض تقديم الركوب على المشي ، لأن الركوب جلوس بلا استقرار ، لكن عرفت ضعف الأخير ، فما في المتن قوي.

[١] لا ريب في أن مقتضى إطلاق دليل الواجب الاختياري أنه لو تعذر فعله في جزء من الوقت يتعين عليه في الجزء الآخر ، فان تعذر في الأول تعين التأخير ، وإن تعذر في الآخر تعين البدار ، وأما أدلة الابدال الاضطرارية فإن كان لها إطلاق يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار في جزء من الوقت وإن لم يستمر الى آخر الوقت ، جاز الانتقال الى البدل لو تحقق الاضطرار في أول الوقت ، وان علم بارتفاعه في آخر الوقت ، وإن لم يكن لها هذا الإطلاق لم يحكم بثبوت البدلية بمجرد ذلك وحينئذ يتعين الرجوع الى إطلاق أدلة الواجب الاختياري الذي قد عرفت أن مقتضاه وجوب التأخير. هذا وقد عرفت قريباً الإشارة الى عدم ثبوت هذا الإطلاق لأدلة الابدال الاضطرارية ، فيتعين التأخير مع العلم بالزوال.

نعم مع احتماله لا بأس بالمبادرة إلى فعل البدل الاضطراري ، لاحتمال استمرار العذر ، فان انكشف الاستمرار انكشفت الصحة ، وإن انكشف زوال العذر انكشف البطلان ، بل لو قطع باستمرار العذر فبادر الى فعل البدل الاضطراري ثمَّ انكشف زوال العذر انكشف البطلان أيضاً. وعلى‌

__________________

(١) هذا مستفاد من عدة أحاديث. راجع الوسائل باب : ١ و ١٤ وغيرهما من أبواب القيام.

١٣٨

( مسألة ٢٣ ) : إذا تمكن من القيام ، لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس [١] ، وكذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع ، وكذا إذا خاف من لص أو عدو أو سبع أو نحو ذلك.

( مسألة ٢٤ ) : إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول [٢].

______________________________________________________

هذا فوجوب التأخير مع الاحتمال يراد منه عدم الحكم بالاجتزاء لو بادر الى البدل ، لا الحكم بعدم الاجتزاء واقعاً.

[١] بلا خلاف ظاهر ولا إشكال ، ويشير اليه صحيح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون : نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك وقال (ع) : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » (١) ونحوه غيره. بل لمستفاد من النص والفتوى أن الإبدال الاضطرارية أبدال عند سقوط الواجب الاختياري سواء أكان المسقط الاضطرار أم الحرج ، فلو كان القيام مقدوراً لكنه حرجي انتقل الى الجلوس أيضاً ، وهكذا في بقية المراتب. ففي خبر عبد الله بن جعفر (ع) : « عن رجل نزع الماء من عينيه أو يشتكي عينيه ويشق عليه السجود هل يجزئه أن يومئ وهو قاعد؟ أو يصلي وهو مضطجع؟ قال (ع) : يومئ وهو قاعد » (٢).

[٢] لأهمية الاستقبال من القيام كما يشير اليه صحيح : « لا تعاد الصلاة » (٣) حيث استثني فيه فقد الاستقبال ولم يستثن منه فقد القيام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب القيام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب القيام حديث : ٢.

(٣) تقدم في آخر مسألة : ١٧.

١٣٩

( مسألة ٢٥ ) : لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس [١] ولو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع ولو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر [٢].

______________________________________________________

لكنه معارض بما دل على ركنية القيام ، بل ما دل على صحة الصلاة مع الانحراف الى ما بين اليمين واليسار ، يدل على عدم ركنية الاستقبال مطلقاً وحينئذ فلو دار الأمر بين القيام مع الانحراف الى ما بين اليمين واليسار وبين ترك القيام واستقبال نقطة القبلة يتعين الأول ، لعدم فوات الركن فيه بخلاف الثاني ، ولو دار الأمر بين القيام مع الاستدبار وبين الاستقبال وترك القيام ، لم يكن مرجّح لأحدهما على الآخر ، لكن عرفت سابقاً أن المدار في الترجيح تطبيق قاعدة الميسور ، ولا يبعد أن يكون تطبيقها على واجد تمام الأجزاء فاقد الشرط ، أولى من تطبيقها على فاقد الجزء واجد الشرط ومقتضى ذلك ترجيح القيام على الاستقبال مطلقاً. بل لو قيل بأن القيام شرط فترجيح مثله مما كان له وجود خارجي عيني على ما لم يكن كذلك بل كان إضافة خارجية كالاستقبال غير بعيد.

[١] ولا يجب عليه الاستئناف ، بلا خلاف ظاهر ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المقام. نعم عن بعض العامة القول بالاستئناف وعدم الاجتزاء بصلاة ملفقة من الأحوال. وفيه : أنه خلاف إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ في الأثناء شموله للعجز الطارئ قبل الدخول في العمل. بل لا يجوز الاستيناف لأنه تفويت للجزء الاختياري المأتي به قبل طروء العجز.

[٢] كما عن جماعة منهم الكركي والأردبيلي وسيد المدارك ، لأن الاستقرار شرط مع القدرة ، ولم يحصل في الهوى ، لكن عن الأكثر أنه‌

١٤٠