مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

أو يرفعه إلى فوق كذلك [١].

الثاني : أن يضم يديه إلى جنبيه [٢].

الثالث : أن يضع إحدى الكفين على الأخرى ، ويدخلهما بين ركبتيه [٣] ، بل الأحوط اجتنابه.

الرابع : قراءة القرآن فيه [٤].

______________________________________________________

[١] لخبر المعاني : « وكان (ع) إذا ركع لم يضرب رأسه ولم يقنعه » (١) قال : ومعناه أنه لم يكن يرفعه حتى يكون أعلى من جسده ولكن بين ذلك. والإقناع رفع الرأس وإشخاصه. قال الله تعالى : ( مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ ) (٢).

[٢] لم أقف على نص يدل عليه ، وكأنه مستفاد مما دل على استحباب التجنيح‌ (٣).

[٣] فعن أبي الصلاح ، والشهيد ، والمختلف : كراهته ، وليس له دليل ظاهر كالمحكي عن ابن الجنيد ، والفاضلين ، وغيرهما : من تحريمه ولذلك كان الأحوط اجتنابه.

[٤] كما نسب إلى المتأخرين. وفي الجواهر : نسبته الى الشيخ لجملة من النصوص : كخبر أبي البختري عن علي (ع) : « لا قراءة في ركوع ولا سجود ، إنما فيهما المدحة لله عز وجل ثمَّ المسألة ، فابتدؤا قبل المسألة بالمدحة لله عز وجل ثمَّ اسألوا بعد » (٤). وخبر السكوني عنه (ع) : « سبعة لا يقرؤن القرآن : الراكع ، والساجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمام

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الركوع حديث : ٤.

(٢) إبراهيم : ٤٣.

(٣) راجع المورد الثامن من مستحبات الركوع.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب الركوع حديث : ٤.

٣٤١

الخامس : أن يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقاً لجسده [١].

( مسألة ٢٨ ) : لا فرق بين الفريضة والنافلة في واجبات الركوع ومستحباته ومكروهاته [٢] ،

______________________________________________________

والجنب ، والنفساء ، والحائض » (١). ونحوهما غيرهما ، والظاهر أن الكراهة في المقام على حد الكراهة في سائر العبادات المتصور فيها أحد وجوه محررة في محلها.

[١] كما عن جماعة ، بل عن المسالك ، وغيرها : نسبته إلى الأصحاب لما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) « سألته عن الرجل يصلي فيدخل يده في ثوبه ، قال (ع) : إن كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك ، فإن أدخل يداً واحدة ولم يخل الأخرى فلا بأس » (٢) ويتعين حمله على الكراهة بشهادة الإجماع ، ومرسل ابن فضال عن رجل : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن الناس يقولون : إن الرجل إذا صلى وأزراره محلولة ، ويداه داخلة في القميص إنما يصلي عريانا ، قال (ع) : لا بأس » (٣) فإنه ظاهر في الجواز في مورد الخبر ، وأما صحيح ابن مسلم : « عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه قال (ع) : إن أخرج يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس » (٤) فلا يصلح لصرف الخبر إلى الكراهة لإمكان الجمع بينهما بالتقييد. هذا والظاهر من الخبر عدم اختصاص الحكم بالركوع فتخصيص الكراهة به غير ظاهر.

[٢] لإطلاق الأدلة في أكثرها ، ولقاعدة الإلحاق المشار إليها في غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب لباس المصلي حديث : ١.

٣٤٢

وكون نقصانه موجباً للبطلان. نعم الأقوى عدم بطلان النافلة بزيادته سهواً [١].

______________________________________________________

مورد من هذا الشرح.

[١] كما عن صريح الموجز ، وظاهر الدروس ، لعدم الدليل على قدحها والإجماع عليه في الفريضة غير ثابت هنا. مضافا الى خبر الصيقل عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : الرجل يصلي الركعتين من الوتر ثمَّ يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع ، قال (ع) : يجلس من ركوعه يتشهد ثمَّ يقوم فيتم ، قال : قلت : أليس قلت في الفريضة : إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال (ع) : ليس النافلة مثل الفريضة » (١) وحسن الحلبي : « عن الرجل سها في الركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة ، فقال (ع) : يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثمَّ يستأنف الصلاة بعد » (٢).

اللهم إلا أن يستشكل في الأخير بظهوره في كون الثالثة مقصوداً بها صلاة أخرى فلا تكون زيادة في الأولى كي يدل على عدم قدح الزيادة الركنية سهواً ، وفي الأول بوجوب حمله على ذلك بناء على لزوم فصل الشفع عن الوتر بالتسليم ، لكن يأباه جداً قوله (ع) : « ليس النافلة كالفريضة » ، إذ لو حمل على كون الركعة الثالثة صلاة أخرى لم يكن فرق بين النافلة والفريضة في صحة الصلاة ولزوم التدارك للفائت ، لعدم تحقق الزيادة ، ومما يبعد الحمل على الركعة المنفصلة عدم ذكر التسليم مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٤.

٣٤٣

فصل في السجود

وحقيقته وضع الجبهة على الأرض بقصد التعظيم [١].

______________________________________________________

التشهد ، كما ذكر في حسن الحلبي‌ ، اللهم إلا أن يكون حمله على الركعة المتصلة موجباً لطرحه ، لمعارضته لما دل على لزوم فصل الشفع عن الوتر وحينئذ لا يجوز الاستدلال به على المقام ، فتأمل.

ويمكن أن يستشكل فيه أيضاً : بأن الظاهر من قوله (ع) : « فيتم » أنه يبني على ما مضى ويصح ركوعه ، لا أنه ملغى كي يلزم الزيادة هذا وقد يستدل على المقام بصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن السهو في النافلة ، فقال (ع) : ليس عليك شي‌ء » (١) فان إطلاق السهو يشمل ما نحن فيه ، ويشكل بعدم ثبوت عموم السهو لما نحن فيه كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث الخلل ، وعلى هذا فالخروج عن حكم الفريضة غير ظاهر ، إذ الدليل ليس منحصراً بالإجماع ، بل يدل عليه ما تضمن أن الصلاة لا تعاد من سجدة وتعاد من ركعة ، فإن مورده زيادة السجدة ، ومقتضى مقابلة الركعة بالسجدة أن المراد منها الركوع الواحد ، فتأمل جيداً ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في مبحث الخلل بعض ما له نفع في المقام.

فصل في السجود‌

[١] قال في مجمع البحرين : « قد تكرر في الحديث ذكر السجود‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ١.

٣٤٤

وهو أقسام : السجود للصلاة ، ومنه قضاء السجدة المنسية ، وللسهو ، وللتلاوة ، وللشكر ، وللتذلل والتعظيم. أما سجود الصلاة فيجب في كل ركعة من الفريضة والنافلة سجدتان [١] وهما معاً من الأركان ، فتبطل بالإخلال بهما معاً [٢] ، وكذا‌

______________________________________________________

وهو في اللغة الميل ، والخضوع ، والتطامن ، والإذلال ، وكل شي‌ء ذل فقد سجد ، ومنه سجد البعير إذا خفض رأسه عند ركوعه ، وسجد الرجل وضع جبهته على الأرض » ، والظاهر أن استعماله في غير الأخير مبني على نحو من العناية. نعم في اعتبار وضع خصوص الجبهة إشكال ، لصدقه عرفا بوضع جزء من الوجه ولو كان غيرها ، ومثله اعتبار كون الموضوع عليه الأرض لا غير ، بل المنع فيه أظهر.

[١] إجماعا ، بل ضرورة ـ كما قيل ـ والنصوص فيه متجاوزة حد التواتر ، ويأتي بعضها إن شاء الله تعالى.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في مبحث الخلل.

نعم هنا إشكال مشهور ، وهو : أن موضوع الركنية هو موضوع الزيادة والنقيصة المبطلة ، وهنا ليس كذلك ، فان موضوع الركنية إن كان مجموع السجدتين صح كونه موضوعا للزيادة المبطلة ، لأن زيادة سجدتين مبطلة إجماعا ، ولا يصح كونه موضوعا للنقيصة المبطلة ، لأن نقص المجموع يكون بنقص واحدة ، مع أن نقص الواحدة سهواً لا يبطل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وإن كان موضوع الركنية صرف ماهية السجود صح كونه موضوعا للنقيصة المبطلة ، لأن نقص الماهية إنما يكون بعدم كل فرد منها ، إلا أنه لا يصح كونه موضوعا للزيادة المبطلة لأن زيادة صرف‌

٣٤٥

بزيادتهما معاً في الفريضة عمداً كان ، أو سهواً ، أو جهلا. كما أنها تبطل بالإخلال بإحداهما عمداً [١] ، وكذا بزيادتها. ولا تبطل على الأقوى بنقصان واحدة ، ولا بزيادتها سهواً. وواجباته أمور :

أحدها : وضع المساجد السبعة على الأرض ، وهي : الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، والإبهامان من الرجلين [٢] ،

______________________________________________________

الماهية تكون بزيادة واحدة وهي سهواً غير مبطلة. وبالجملة ليس هنا شي‌ء واحد نقصه وزيادته سهواً مبطلان ليكون ركناً.

وقد ذكر في دفع هذا الاشكال وجوه لا تخلو من تصرف في ظاهر قولهم : الركن ما تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمداً وسهواً ، لا يهم ذكرها بعد كون الاشكال مما لا يترتب عليه ثمرة عملية. من أراد الوقوف عليها فليراجع الجواهر وغيرها.

[١] يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في مبحث الخلل بيانه ، وكذا ما بعده‌

[٢] إجماعا حكاه جماعة من الأساطين ، ويشهد له صحيح زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : قال رسول الله (ص) : السجود على سبعة أعظم : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والإبهامين من الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاما ، أما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (ص) » (١) ، وصحيح حماد عن أبي عبد الله (ع) الوارد في تعليم الصلاة : « وسجد (ع) على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفين ، وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والأنف فهذه السبعة فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنة ، وهو الإرغام » (٢) ، وخبر عبد الله بن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

٣٤٦

والركنية تدور مدار وضع الجبهة [١] ، فتحصل الزيادة‌

______________________________________________________

ميمون القداح عن جعفر بن محمد (ع) « قال (ع) : يسجد ابن آدم على سبعة أعظم : يديه ، ورجليه ، وركبتيه وجبهته » (١) ‌ونحوها غيرها.

وعن السيد والحلي رحمه‌الله : تعين السجود على مفصل الزندين من الكفين. ووجهه غير ظاهر ـ كما اعترف به غير واحد ـ ومثله ظاهر ما عن كثير من القدماء وبعض المتأخرين من التعبير بأصابع الرجلين أو أطرافها ، فإنه مخالف للصحيحين المتقدمين وغيرهما بلا وجه ظاهر ، سوى التعبير في بعض النصوص بالرجلين المتعين تقييده على كلا القولين ، أو بأطراف الأصابع الشامل للابهامين وغيرهما ، المتعين رفع اليد عن ظاهره بالصحيحين الدالين على الاكتفاء بالإبهامين.

والمشهور التعبير بالكف كما تضمنه صحيح حماد (٢) ، خصوصاً بملاحظة الزيادة المروية في الكافي قال (ع) : « سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، فقال تعالى ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (٣) وهي : الجبهة ، والكفان ، والركبتان ، والإبهامان » (٤) ، وفي عبارة جماعة من القدماء والمتأخرين ذكر اليد كما تضمنه كثير من النصوص‌ (٥) ، لكن يتعين حملها على الكف جمعاً بين المطلق والمقيد ، ولأجل ذلك يتعين إرادة الكف من التعبير باليد أيضاً.

[١] يعني : ركنية السجود للصلاة ، وفي الجواهر : « لا ريب في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب السجود حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٣) الجن : ١٨.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٢.

(٥) تقدم بعضها في الصفحة السابقة.

٣٤٧

والنقيصة به دون سائر المساجد ، فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة ، كما أنه لو وضع سائرها ولم يضعها يصدق تركه.

الثاني : الذكر ، والأقوى كفاية مطلقه [١]. وإن كان الأحوط اختيار التسبيح على نحو ما مر في الركوع ، إلا أن‌

______________________________________________________

عدم اعتبار وضع ما عدا الجبهة فيه ، كما اعترف به المحقق الثاني ، والشهيد الثاني ». وفي منظومة الطباطبائي قدس‌سره :

« وواجب السجود وضع الجبهة

وإنه الركن بغير شبهة

ووضعه للستة الأطراف

فإنه فرض بلا خلاف »

وكأنه لدوران صدق السجود عرفا وعدمه مدار ذلك ـ كما عرفت ـ الموجب لتنزيل أحكام السجود عليه.

ولا ينافيه قوله (ص) : « السجود على سبعة أعظم » إذ المراد منه أنه يجب السجود على السبعة ، لا أن مفهومه السجود على السبعة بحيث يكون السجود على كل واحد منها جزءاً من مفهومه ينتفي بانتفائه انتفاء المركب بانتفاء جزئه ، فان حمله على هذا المعنى يقتضي أن يجعل الظرف لغواً متعلقاً بالسجود ، ويكون الخبر مقدراً مفاد قولنا : السجود على سبعة أعظم معنى لفظ السجود ، أو المراد منه ، أو نحو ذلك ، وهو خلاف الظاهر. إذ الظاهر أنه ظرف مستقر يعني : السجود يكون على سبعة أعظم وكونه عليها بمعنى وجوب السجود عليها كما عرفت. ويشير الى ما ذكرنا قوله (ع) : « فهذه السبعة فرض » (١) كما لا يخفى. والمتحصل أنه ليس في النصوص ما ينافي الحمل على المعنى العرفي ، فيجب البناء عليه.

[١] الكلام فيه قولا وقائلا ودليلا هو الكلام في الركوع فراجع.

__________________

(١) تقدم في التعليقة السابقة.

٣٤٨

في التسبيحة الكبرى يبدل العظيم بالأعلى [١].

الثالث : الطمأنينة فيه بمقدار الذكر الواجب [٢] ، بل المستحب أيضاً [٣] إذا أتى به بقصد الخصوصية ، فلو شرع في الذكر قبل الوضع أو الاستقرار عمداً بطل وأبطل [٤]

______________________________________________________

[١] كما صرح بذلك في النصوص وقد تقدم بعضها.

[٢] إجماعا كما عن الغنية والمدارك والمفاتيح ، وبلا خلاف كما عن مجمع البرهان ، وفي المعتبر : نسبته إلى علمائنا. واستشهد له بما في صحيح علي بن يقطين : « عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال (ع) : ثلاث ، وتجزؤك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » (١) وما في صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض ، قال (ع) : يحرك جبهته حتى يتمكن ، فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » (٢) ، وصحيح الهذلي المروي عن أربعين الشهيد : « فاذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ، ولا تنقر كنقرة الديك » (٣).

لكن يقرب احتمال كون المراد من تمكين الجبهة من الأرض الاعتماد عليها لا الاطمئنان بوضعها ، ولو سلم فلا تدل على لزوم اطمئنان المصلي مع أن الأخيرين غير ظاهرين في الاطمئنان بمقدار الذكر ، فالعمدة الإجماع.

[٣] قد عرفت في الركوع الإشكال في دليله ، ولذا توقف المصنف فيه هناك ، والفرق بين المقامين غير ظاهر.

[٤] تقدم الكلام في نظيره في المسألة الرابعة عشرة من فصل الركوع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الركوع حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١٨.

٣٤٩

وإن كان سهواً وجب التدارك إن تذكر قبل رفع الرأس [١] وكذا لو أتى به حال الرفع أو بعده ولو كان بحرف واحد منه فإنه مبطل إن كان عمداً ، ولا يمكن التدارك إن كان سهواً إلا إذا ترك الاستقرار وتذكر قبل رفع الرأس.

الرابع : رفع الرأس منه.

الخامس : الجلوس بعده [٢] مطمئناً [٣] ثمَّ الانحناء للسجدة الثانية.

السادس : كون المساجد السبعة في محالها [٤] إلى تمام الذكر فلو رفع بعضها بطل [٥] وأبطل إن كان عمداً ويجب تداركه إن كان سهواً [٦].

______________________________________________________

[١] إجماعا كما عن الوسيلة ، والغنية ، والمنتهى ، والذكرى ، وجامع المقاصد ، والمدارك ، والمفاتيح ، وظاهر المعتبر ، وكشف اللثام. لتوقف صدق السجدة الثانية عليه ، وقد يشير اليه خبر أبي بصير الآتي‌.

[٢] إجماعا حكاه جماعة كثيرة أيضاً ، وفي خبر أبي بصير : « وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك ، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك » (١).

[٣] العمدة فيه الإجماع المحكي نقله عن جماعة كثيرة ، وأما رجوع المفاصل في خبر أبي بصير : فليس راجعاً للطمأنينة ولا لازماً لها كما لا يخفى.

[٤] بلا إشكال ، ويمكن استفادته من النصوص.

[٥] يعني الذكر لوقوعه على غير وجهه ، فيبطل الصلاة للزيادة العمدية.

[٦] هذا يتم إذا كان محل الذكر هو حال الوضع لمجموع المساجد ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٩.

٣٥٠

نعم لا مانع من رفع ما عدا الجبهة [١] في غير حال الذكر ثمَّ وضعه عمداً كان أو سهواً من غير فرق بين كونه لغرض كحك الجسد ونحوه أو بدونه.

السابع : مساواة موضع الجبهة للموقف [٢] بمعنى عدم علوّه‌

______________________________________________________

أما إذا كان محله وضع الجبهة لا غير ووضع بقية المساجد واجب آخر في عرضه حاله ، فالذكر بلا وضع بقية المساجد يكون في المحل ، ويكون الوضع قد فات محله ، فلا مجال لتداركه ، فيسقط ، لكن المظنون الأول ، فتأمل.

[١] كما صرح به في الجواهر وغيرها ، لأصالة البراءة من مانعيته ، وليس مأتياً به بقصد الجزئية كي يكون زيادة. وأما الوضع بعد الرفع فهو واجب لوجوب الذكر حاله ، فأولى أن لا يكون قادحا في الصلاة. وفي خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكه بعض جسده ، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه؟ قال (ع) : لا بأس إذا شق عليه أن يحكه والصبر الى أن يفرغ أفضل » (١) ، ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر عن بعض المشايخ : من التوقف في ذلك ، أو الجزم بالبطلان. وقد أطال العلامة الطباطبائي في هذا المقام ، ومما قال قدس‌سره :

« ورفعه حال السجود لليد

أو غيرها كالرجل غير مفسد

فإنه فعل قليل مغتفر

والوضع بعد الرفع عن أمر صدر »

.. الى أن قال ـ بعد التعرض لأمثال المقام ، وخبر ابن جعفر (ع) المتقدم‌ ـ :

« وترك هذا كله من الأدب

وليس مفروضاً ولكن يستحب »

[٢] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل في المعتبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الركوع حديث : ١.

٣٥١

______________________________________________________

وعن المنتهى ، والتذكرة ، وجامع المقاصد : نسبته إلى علمائنا ، أو جميعهم وإن اختلفت عباراتهم في التقدير باللبنة أو بالمقدار المعتد به. قال في جامع المقاصد : « لا بد أن يكون موضع جبهته مساويا لموقفه ، أو زائداً عليه بمقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها لا أزيد عند جميع أصحابنا » ، وقال في المعتبر : « لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار ، وعليه علماؤنا » ونحوه ذكر في التذكرة.

والعمدة فيه خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن السجود على الأرض المرتفعة ، فقال (ع) : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس » (١).

لكن استشكل فيه تارة : بأن في طريقة النهدي المشترك بين الثقة ومن لم يثبت توثيقه ، وأخرى : بأن في بعض النسخ « يديك » باليائين المثناتين من تحت ، بل هو كذلك فيما يحضرني من نسخة معتبرة من التهذيب وإن كتب في الهامش « بدنك » بالباء الموحدة والنون مع وضع علامة ( خ ل ) وكذا في النسخة المصححة من الوسائل ، وثالثة : من جهة أن مفهومه ثبوت البأس بالزائد على اللبنة وهو أعم من المنع.

ويمكن دفع الأول : بأن الظاهر من إطلاق النهدي أنه الهيثم بن مسروق لأنه الأغلب ، كما عن تعليقة الوحيد ، ولرواية محمد بن علي بن محبوب ، وقد صحح العلامة طريقة في جملة موارد ، مع أن اعتماد الأصحاب جابر للضعف.

والثاني : بأن استدلال الأصحاب به دليل على ضبطهم له بالباء والنون ولا سيما وفيهم من هو في غاية الضبط والإتقان والتثبت ، لا أقل من ترجيح ذلك على النسخة الأخرى ، بناء على ما هو الظاهر من إجراء قواعد التعارض‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب السجود حديث : ١.

٣٥٢

______________________________________________________

عند اختلاف النسخ ، ولا سيما وفي الكافي قال : « وفي حديث آخر في السجود على الأرض المرتفعة قال (ع) : إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس » (١) والمظنون قوياً أنه عين المسند المذكور.

والثالث : بأن إطلاق البأس يقتضي المنع ، إذ هو النقص المعتد به كما يظهر من ملاحظة المشتقات مثل : البائس ، والبأساء ، والبؤس ، والبئيس ، وبئس ، وغيرها ، ولا سيما بملاحظة وقوعه جوابا عن السؤال عن الجواز حسب ما هو المنسبق الى الذهن.

وفي الجواهر : « يتعين حمله على المنع بقرينة فهم الأصحاب ، إذ من شك منهم شك في جواز هذا العلو لا الأزيد ، ولصحيح عبد الله بن سنان : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن موضع جبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ قال (ع) : لا ، ولكن ليكن مستويا » (٢) ، وخبر الحسين ابن حماد عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع ، أحوّل وجهي إلى مكان مستوي؟ فقال (ع) : نعم ، جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » (٣) ، وخبره الآخر : « أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال (ع) : ارفع رأسك ثمَّ ضعه » (٤) ، وصحيح معاوية بن عمار : « قال أبو عبد الله (ع) إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرها على الأرض » (٥). فإن هذه النصوص دالة على المنع عن مطلق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب السجود حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ١.

٣٥٣

أو انخفاضه أزيد من مقدار لبنة [١]

______________________________________________________

الرفع ، فتقيد بالزائد على اللبنة جمعاً بينها وبين الخبر الأول الصريح في الجواز بمقدارها.

وفيما ذكره رحمه‌الله نظر ، إذ الإجماع في المقام لو تمَّ فهو معلوم المستند ، وأما صحيح ابن سنان فلأجل ظهوره في تعين المساواة يتعين حمله على الاستحباب ، ولا يكون مع الخبر الأول من قبيل المطلق والمقيد ، وجعل قوله (ع) في الجواب : « لا » للمنع ، وقوله (ع) : « ليكن مستوياً » للاستحباب تفكيك لا يساعده التركيب. وأما خبر الحسين الأول فالظاهر منه الرخصة في مقابل المنع الذي توهمه السائل. وأما خبره الآخر فمحمول على الارتفاع المانع من صدق السجود ، كما يقتضيه ـ مضافا الى الرخصة بالرفع ـ الجمع بينه وبين ما قبله وما بعده ، فتأمل. وأما صحيح معاوية فظاهر في عدم جواز الرفع في ظرف بناء الساجد على تحويل جبهته عن النبكة المجهول وجهه ، وأنه للارتفاع ، أو لعدم إمكان الاعتماد ، أو لغير ذلك.

فالاعتماد في المنع عما زاد على اللبنة على النصوص المذكورة غير ظاهر بل العمدة فيه الخبر الأول. ومنه يظهر الاشكال فيما عن المدارك ، وغيرها : من المنع عن السجود على مطلق المرتفع ، أخذاً بالإطلاق صحيح ابن سنان وطرحاً للخبر المذكور ، كما يظهر أيضاً حمل صحيح أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد فقال (ع) : إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه » (١) على الارتفاع دون اللبنة.

[١] كما عن الشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم. لموثق عمار عن

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب السجود حديث : ٢.

٣٥٤

موضوعة على أكبر سطوحها [١] ، أو أربع أصابع مضمومات [٢] ولا بأس بالمقدار المذكور ، ولا فرق في ذلك بين الانحدار والتسنيم [٣].

______________________________________________________

أبي عبد الله (ع) : « سألته عن المريض أيحل له أن يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال (ع) : إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » (١) وبه يقيد إطلاق خبر محمد بن عبد الله عن الرضا (ع) : « أنه سأله عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ، فقال (ع) : إذا كان وحده فلا بأس » (٢).

والمحكي عن الأردبيلي وبعض من تأخر عنه الجواز ، بل نسب إلى الأكثر ، بل الى ظاهر من تقدم على الشهيد ، لاقتصارهم على التعرض للارتفاع بل في التذكرة : « لو كان مساويا أو أخفض جاز إجماعا » وكأنه لعدم ظهور نفي الاستقامة في المنع ، لا أقل من عدم صلاحيته لتقييد خبر محمد بن عبد الله. والتقييد فيه بالوحدة لعله للفرار عن كون مسجد المأموم أخفض من مسجد الامام.

[١] بلا إشكال ، لانصراف التقدير باللبنة إلى التقدير بالعمق.

[٢] في الحدائق نسبه الى الأصحاب ، ثمَّ قال : « ويؤيده أن اللبن الموجود الآن في أبنية بني العباس من ( سر من رأى ) فان الآجر الذي في أبنيتها بهذا المقدار تقريباً ».

[٣] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. ودعوى الانصراف الى الثاني غير ظاهرة. ومنه يظهر الاشكال فيما عن كشف الغطاء : من الجواز في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب السجود حديث : ٤.

٣٥٥

نعم الانحدار اليسير لا اعتبار به فلا يضر معه الزيادة على المقدار المذكور [١] ،

______________________________________________________

الأول ما لم يتفاحش فتفوت به هيئة السجود.

[١] هذا غير ظاهر لأن التقدير باللبنة وما زاد عليها ـ بعد البناء على عمومه لصورة الانحدار ـ راجع الى ملاحظة الانحدار اليسير بكلا قسميه ، فكيف يدعى عدم شمول النص له؟!. نعم لو حكم على الانحدار بحكم أمكن أن يدعى انصرافه عن اليسير ، لكن بعد تعرض الدليل للتقدير باللبنة وما زاد لا مجال لاحتماله ، كما يظهر بالتأمل. اللهم إلا أن يكون المراد بالانحدار اليسير الذي ابتداؤه من الموقف تقريباً ، والكثير الذي يكون حول الجبهة ظاهراً للحس ، فالأول خارج عن نص التقدير ولو زاد على اللبنة ، والثاني داخل كذلك ، ويشير الى ذلك الموثق (١) الوارد في صحة الجماعة في الأرض المنحدرة‌ ، فراجع.

تنبيه

المذكور في المتن تبعاً للأصحاب أن موضوع المساواة موضع الجبهة والموقف ، وعبر بعضهم بدل الموقف بموضع القيام ، والمحكي عن كشف الغطاء أن المراد من الموقف موضع القيام للصلاة ، فلو قام للصلاة في موضع وفي حال السجود صعد على دكة مستوية فسجد عليها بطلت صلاته لكون مسجد الجبهة أعلى من موضع وقوفه.

والذي اختاره في الجواهر : أن المراد منه الموضع الذي لو أراد الوقوف عن ذلك السجود بلا انتقال وقف عليه ، سواء أكان هو موضع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٣٥٦

والأقوى عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد [١] ، لا بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى الجبهة ، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسماه.

______________________________________________________

الإبهامين كما هو الغالب أم لا ، كما لو أدخل مشط قدميه في مكان منخفض بأزيد من لبنة ، واستظهر بعض كون المراد منه موضع الإبهامين لا غير فتبطل الصلاة في الفرض المذكور.

أقول : أما المعنى الأول : فهو خلاف ظاهر النص جداً ، بل خلاف المقطوع به من الفتوى ، كما يظهر من تعليلهم الحكم بالخروج عن هيئة الساجد مع الزيادة على التقدير ، وأما الثاني : فحمل الموقف عليه لا يخلو من إشكال ، لقرب احتمال كون التعبير به بملاحظة كون الغالب أنه موضع الإبهامين ، فيكون كناية عنه ، وهو المعنى الثالث ، وإن كان الأظهر أن يكون بملاحظة كونه موضع الوقوف من ذلك السجود كما ذكر في الجواهر.

وأما خبر ابن سنان فيحتمل أن يراد من موضع البدن فيه مجموع المساجد الستة ، فليحظ البدن حال السجود ، ويحتمل موضع الجلوس ، ويحتمل موضع القيام ، والأول تأباه مقابلته بموضع الجبهة لأنه من موضع البدن حال السجود ، وظاهر المقابلة المباينة ، فيتعين أحد الأخيرين ، ولا قرينة ظاهرة على تعيين أحدهما. اللهم إلا أن يكون غلبة حال القيام على حال الجلوس حتى صارت منشأ لصدق كون الصلاة من قيام في قبال الصلاة من جلوس قرينة على تعيين الثاني ، كما أنه لو ثبت اعتبار المرسل تعين حمل البدن على ذلك ، فإنه أقرب الى الجمع العرفي من حمل الرجلين على ما يعم الركبتين ، أو خصوص موضع الإبهامين ، ولا يبعد أن يكون هو الوجه في تعبير الفقهاء بذلك ، فيكون منجبراً بعملهم.

[١] كما صرح به غير واحد ، بل ربما نسب الى المعظم ، أو المشهور‌

٣٥٧

الثامن : وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض وما نبت منها غير المأكول والملبوس على ما مر في بحث المكان [١].

التاسع : طهارة محل وضع الجبهة [٢].

______________________________________________________

أو الأصحاب. وكأنه لعدم تعرضهم لذلك مع تعرضهم لما سبق. والوجه فيه عدم الدليل عليه ، والأصل ينفيه.

ودعوى : أن موضع البدن في خبر ابن سنان المتقدم المساجد الستة التي يعتمد عليها البدن ـ لو سلمت ـ فإنما تقتضي لزوم المساواة لمجموعها في ظرف تساويها فيما بينها ، أما مع الاختلاف فلا تعرض فيه لاعتبارها. نعم لو كان المراد مساواة موضع الجبهة لكل واحد من الستة كان ذلك في محله ، لكنه خلاف ظاهر التعبير بموضع البدن الذي هو عبارة عن مجموع المساجد ، بل لو سلم ذلك. أعني ملاحظة المساجد بنحو العموم الأفرادي وبني على عدم قدح الانخفاض كما عرفت ـ لم يدل على عدم جواز ارتفاع ما عدا موضع الجبهة بعضه عن بعض ، كما هو ظاهر.

[١] قد مر الاستدلال له أيضاً.

[٢] إجماعاً كما عن الغنية ، والمعتبر ، والمختلف ، والمنتهى ، والذكرى والتنقيح ، وجامع المقاصد ، وإرشاد الجعفرية ، ومجمع البرهان ، وشرح الشيخ نجيب الدين. ويشير اليه ما في صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الذي يصلى فيه ، فقال (ع) : إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » (١) ، وصحيح ابن محبوب قال : « سألت أبا الحسن (ع) : عن الجص يوقد عليه بالعذرة ، وعظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب (ع) إلي بخطه

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣٥٨

______________________________________________________

إن الماء والنار قد طهراه » (١) ، وفي محكي المفاتيح : « في هذا الإجماع نظر ، لأنه بانفراده لا يعتمد عليه » ، وفي البحار قال : « والمشهور بين الأصحاب عدم اشتراط طهارة غير موضع الجبهة ، كما يدل عليه أكثر الأخبار بل يظهر من بعضها عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة أيضاً.

لكن نقل كثير من الأصحاب كالمحقق ، والعلامة ، والشهيد ، وابن زهرة عليه الإجماع ، لكن المحقق نقل عن الراوندي ، وصاحب الوسيلة أنهما ذهبا الى أن الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك ، لكن يجوز السجود عليها ، واستجوده المحقق. فلعل دعواهم الإجماع فيما عدا هذا الموضع ، وبالجملة : لو ثبت الإجماع لكان هو الحجة وإلا فيمكن المناقشة فيه أيضاً ».

أقول : الاعتماد على الإجماع المنقول في كلام الأساطين المعتمدين المتلقى عند غيرهم بالقبول قد حرر في محله جوازه ، فإنه يوجب العلم العادي بالحكم ، ومنه الإجماع المتقدم. وخلاف الوسيلة غير ثابت لاختلاف نسخها فالنسخة المحكية في مفتاح الكرامة ظاهرة في موافقة الجماعة ، وكذا نسخة الذخيرة المحكية فيه أيضاً ، وأما المحقق في المعتبر فبعد أن نقل عن الشيخين القول بجواز الصلاة على ما تجففه الشمس وطهره قال : « وقيل لا يطهر وتجوز الصلاة عليها ، وبه قال الراوندي منا ، وصاحب الوسيلة ، وهو جيد ».

والذي يظهر بالتأمل في أطراف كلامه أن ما نقله واستجوده هو جواز الصلاة عليه لا جواز السجود ، فإنه بعد أن نقل استدلال الشيخ (ره) على الطهارة بالروايات قال : « وفي استدلال الشيخ إشكال ، لأن غايتها الدلالة على جواز الصلاة عليها ، ونحن لا نشترط طهارة موضع الصلاة ، بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة ، ويمكن أن يقال الاذن في الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨١ من أبواب النجاسات حديث : ١.

٣٥٩

______________________________________________________

عليها مطلقاً دليل جواز السجود عليها ، والسجود يشترط فيه طهارة محله » فان كلامه صريح في اعتبار طهارة مسجد الجبهة ، وأن ما نقله واستجوده أولا هو جواز الصلاة على الموضع في الجملة لا جواز السجود ، ولأجل أنه خلاف إطلاق النصوص بنى أخيراً على جواز السجود والطهارة ، ويعضد ذلك دعواه اتفاق العلماء على اعتبار طهارة موضع السجود في أحكام النجاسات.

نعم عبارة الوسيلة في النسخة المطبوعة ظاهرة في النجاسة وجواز السجود ، لكن لو صحت فليس ذلك خلافا في الكلية المجمع عليها ، بل لكون الجفاف بالشمس من قبيل التيمم بدل الطهارة المعتبرة في المسجد ، فتأمل جيداً.

وأما ما أشار إليه في البحار : من ظهور بعض النصوص في عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة فهو جملة من الصحاح وغيرها تضمنت جواز الصلاة على الموضع النجس إذا جف : كصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ، ويصيبهما البول ، ويغتسل فيهما من الجنابة ، أيصلى فيهما إذا جفّا؟ قال (ع) : نعم » (١) ونحوه غيره المعارضة بغيرها مما ظاهره المنع : كصحيح زرارة السابق‌ (٢) وموثق ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « عن ( الشاذكونة ) يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ قال (ع) : لا » (٣) المتعين الجمع بينهما بحمل الثانية على السجود والأولى على غيره ، بقرينة الإجماع ، وصحيح ابن محبوب‌.

والمتحصل من هذا الجمع : وجوب طهارة المسجد ، وعدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ١.

(٢) تقدم في أول التعليقة.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب النجاسات حديث : ٦.

٣٦٠