مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

وكذا يجب تعلم سائر أجزاء الصلاة [١] ، فإن ضاق الوقت مع كونه قادراً على التعلم فالأحوط الائتمام [٢] إن تمكن منه.

______________________________________________________

حيث يكون غيري ، وإن كان معرفة النطق الصحيح وتمييزه من الغلط فوجوبه إرشادي الى ما يترتب على تركه من خطر المعصية. هذا إذا لم يمكن الاحتياط وإلا وجب أحد الأمرين منه ومن الاحتياط بناء على عدم اعتبار الجزم بالنية في العبادة.

[١] يظهر الكلام فيه مما سبق.

[٢] لعدم الدليل على صحة الصلاة الاضطرارية ، إذ الأخبار الآتية من خبر مسعدة ونحوه موردها غير ما نحن فيه ، وقاعدة الميسور مما لم ينعقد الإجماع على العمل بها مع التقصير في التعلم ، لما عن الموجز وشرحه : من إيجاب القضاء فيه ، وقولهم (ع) : « الصلاة لا تسقط بحال » (١) قد عرفت الإشكال في سنده ، ولو سلم فلا يدل على صحة الصلاة الاضطرارية مع التمكن من الائتمام كما لعله ظاهر.

اللهم إلا أن يقال : مع التمكن من الائتمام يعلم بوجوب الصلاة عليه وصحتها منه ، ويشك في وجوب الائتمام ، والأصل البراءة. نعم لو كان الائتمام أحد فردي الواجب التخييري تعيين مع تعذر القراءة ، لكن الظاهر من الأدلة أنه مسقط ، ولا دليل على وجوب فعل المسقط ، ولا سيما مع العلم بالسقوط للتعذر. نعم لو لم يتمكن من الائتمام لا يعلم بوجوب الصلاة أداء عليه ، وإنما يعلم إجمالا بوجوب الأداء أو القضاء ، فيجب الجمع بينهما من باب الاحتياط. فافهم.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال على المصنف (ره) ، حيث جزم بوجوب الائتمام في مبحث الجماعة ، وتوقف فيه هنا ، إذ مقتضى ما ذكرنا الجزم بعدم‌

__________________

(١) تقدم في المسألة : ٩ من مسائل تكبيرة الإحرام.

٢٢١

( مسألة ٣٣ ) : من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك [١] ولا يجب عليه الائتمام وإن كان أحوط [٢] ، وكذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام [٣].

______________________________________________________

وجوب الائتمام ، مع أن التشكيك في عموم نصوص البدلية للمقام غير ظاهر ، لعموم مثل صحيح ابن سنان الآتي‌ ، وخصوصية المورد ـ وهو من دخل في الإسلام ـ ملغاة بقرينة صدر الحديث ، فإنه ظاهر في وروده مورد القاعدة وعلى هذا فلا ينبغي التأمل في الاجتزاء بالبدل ، وعدم لزوم الائتمام.

[١] كما عن غير واحد التصريح به. بل قيل : « لا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال » ، ويقتضيه خبر مسعدة : « سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول : إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد ، وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم. والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح » (١) ، وخبر السكوني عن الصادق (ع) عن النبي (ص) : « إن الرجل الأعجمي في أمتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته » (٢) ، والنبوي : « سين بلال شين عند الله تعالى » (٣) ، ومن إطلاقها يظهر الاجتزاء بها ولو مع إمكان الائتمام ، ولا يتوقف على القول بكون قراءة الإمام مسقطة. بل لو قيل بأن الصلاة جماعة أحد فردي الواجب التخييري أجزأت.

[٢] قد عرفت من بعض أن الظاهر عدم الخلاف في عدم وجوبه ،

[٣] لإطلاق دليل الاجتزاء بحركة لسانه وإشارته بإصبعه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٤.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٢٣ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٣.

٢٢٢

( مسألة ٣٤ ) : القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم [١] وقرأ من سائر القرآن عوض البقية [٢]

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ولا إشكال. بل عن المعتبر ، والذكرى ، والروض ، وإرشاد الجعفرية ، والمدارك ، والمفاتيح : الإجماع عليه. وعن المنتهى : نفي الخلاف فيه لقاعدة الميسور ،

[٢] كما اختاره جماعة منهم الشهيد في الذكرى ، والدروس ، وابن سعيد في الجامع ، وجعله في جامع المقاصد أقرب القولين. بل نسب إلى الأشهر بل المشهور.

وقيل : « يجوز الاقتصار على تعلمه » كما في المعتبر ، والمنتهى ، وعن التحرير ، ومجمع البرهان ، والمدارك ، لأصالة البراءة من وجوب العوض بعد عدم الدليل عليه ، إذ هو إن كان عموم ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (١) ـ كما استدل به في جامع المقاصد ـ فغير ظاهر في الصلاة ، وحمله عليها بقرينة ظهور الأمر في الوجوب ليس بأولى من حمل الأمر على الاستحباب ، بقرينة عدم وجوب الميسور في الصلاة ولا في غيرها. وإن كان عموم : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (٢) الدال على بطلان الصلاة بفقد الفاتحة المقتصر في الخروج عنه على صورة الإتيان بالبدل ، ففيه : أنه ـ بعد قيام الإجماع على وجوب الصلاة في المقام ـ لا بد أن يحمل العموم المذكور على كون الواجب الأولي هو المشتمل على الفاتحة ، والخالي عنها ليس بواجب أولي ، ولا واجد لمصلحته ، سواء أكان مشتملا على البدل أم خالياً عنه ، فيسقط بمجرد تعذر الفاتحة ولو بعضها ، والكلام هنا في وجوب واجب آخر لمصلحة أخرى ، ولأجل أنه قام الإجماع على الوجوب فاذا تردد موضوعه‌

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥ و ٧.

٢٢٣

والأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقية ، وإذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر القرآن [١].

______________________________________________________

بين الأقل والأكثر كان المرجع أصل البراءة ، ولا مجال للتمسك بالعام المذكور لإثبات وجوب المشتمل على البدل. وإن كان خبر الفضل بن شاذان المتقدم في إثبات وجوب السورة الظاهر في كون قراءة القرآن في نفسها ذات مصلحة وقراءة خصوص الفاتحة ذات مصلحة أخرى فغاية مدلوله كون صرف طبيعة القراءة ذات مصلحة ، وهو حاصل بقراءة البعض.

ثمَّ إنه لو بني على وجوب التعويض ، فهل يجب التعويض بغير ما تعلم من سائر القرآن ـ كما ذكره المصنف (ره) ، وعن الروض : نسبته الى المشهور ، ويقتضيه الاعتماد في وجوب التعويض على عموم ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ) ، وعلى خبر الفضل‌ ـ أو يجب التعويض بما تعلم بتكريره ـ كما عن بعض لأنه أقرب الى الفائت ـ؟؟ وجهان : أقربهما الأول. ومن ذلك تعرف الوجه في الاحتياط المذكور في المتن.

[١] كما هو المشهور ، ويشهد له : ـ مضافاً الى خبر الفضل المتقدم في مبحث وجوب السورة‌ (١) ـ صحيح عبد الله بن سنان : « قال أبو عبد الله (ع) : إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي؟ » (٢) ، والنبوي : « إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله تعالى وهلله وكبره » (٣) فان ظاهر الجميع اعتبار‌

__________________

(١) راجع أول فصل القراءة.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) سنن البيهقي ج : ٢ صفحة : ٣٨٠. وكنز العمال ج. ٤ صفحة : ٩٣ حديث : ١٩٤٦ بتغيير يسير.

٢٢٤

بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها [١]

______________________________________________________

القراءة في الجملة ، وأن الانتقال الى الذكر إنما هو بعد تعذرها. ومنه يظهر ضعف ما يظهر من الشرائع : من التخيير عند تعذر قراءة الفاتحة بين القراءة من غيرها والذكر.

[١] كما عن نهاية الأحكام ، وفي جامع المقاصد ، وعن الجعفرية وشرحيها : « إن أمكن بغير عسر ، فان عسر اكتفى بالمساواة في الحروف وان لم يكن بعدد الآيات » ، وعن المشهور : اعتبار المساواة في الحروف فقط مطلقاً ، وفي المعتبر : « قرأ من غيرها ما تيسير » ، ونحوه في المنتهى ، وهو ظاهر محكي الخلاف ، والنهاية ، والنافع وغيرها. وكأن المراد بما تيسر مطلق القراءة ، فإنه مقتضى أصالة البراءة بعد عدم دليل على اعتبار التقدير ولا على لزوم تمام الميسور ، إذ غاية ما يستفاد من صحيح ابن سنان‌ ، وخبر الفضل‌ ، والنبوي أن في نفس القراءة مصلحة ملزمة ، ومقتضاه وجوب ما يسمى قراءة عرفاً ، فيرجع في وجوب مقدار بعينه الى الأصل النافي. بل ظاهر ما في خبر الفضل : من أن العلة في وجوب قراءة الفاتحة أنه جمع فيها من جوامع الخبر والكلم ما لم يجمع في غيرها ـ عدم لزوم التقدير المذكور لفوات العلة المذكورة. نعم لو كان المستند في وجوب قراءة غيرها قاعدة الميسور كان اعتبار التقدير في محله ، لكنه لا يخلو من إشكال صغرى وكبرى.

ثمَّ إنه لو بني على اعتبار القاعدة فمقتضاه التقدير بلحاظ عدد الحروف ، لا الآيات ، ولا الكلمات ، ولا سائر الخصوصيات مثل : الحركة ، والسكون والمعاني ، والنسب التامة ، والناقصة ، وغير ذلك فان ذلك كله خارج عن منصرف الميسور عرفاً ، فلا يفهم وجوبه من القاعدة. ومجرد الاشتراك والمشابهة غير كاف في تطبيقها ، وإلا كان اللازم المساواة في جميع ما ذكر ، ولم يعرف احتماله من أحد.

٢٢٥

وإن لم يعلم شيئاً من القرآن سبح وكبر وذكر [١] بقدرها [٢]

______________________________________________________

[١] المحكي عن جماعة : أنه يكبر الله ويسبحه ويهلله ، وعن الحدائق : نسبته الى المشهور ، وعن نهاية الأحكام : زيادة التحميد ، وعن الخلاف : الاقتصار عليه ، وعن اللمعة : الاقتصار على الذكر ، وعن الكاتب ، والجعفي : تعين التسبيح الواجب في الأخيرتين ، وعن جماعة من متأخري المتأخرين : متابعتهما ، والمذكور في صحيح ابن سنان المتقدم : « أنه يكبر ويسبح ويصلي » (١) وعن الأردبيلي : احتمال أن يكون المراد من التكبير فيه تكبيرة الإحرام ، فيكون التسبيح وحده كافياً ، وفي النبوي المتقدم : « التحميد والتهليل والتكبير » (٢) ، وفي النبوي المروي في المنتهى (٣) والتذكرة : « قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » ورواه في الذكرى (٤) الى قوله : « إلا بالله ».

لكن الاعتماد على غير الصحيح لا يخلو من إشكال ، لضعف السند ، وعدم ثبوت الانجبار بالعمل ، على أن النبوي الأخير غير ظاهر في الصلاة على رواية الذكرى والمنتهى. فالقول بالاكتفاء بالتكبير والتسبيح وحده قوي جداً.

[٢] كما هو المشهور بين المتأخرين كما عن الحدائق ، وفي المعتبر : استحباب المساواة ، وتبعه عليه جماعة ، وهو ظاهر محكي المبسوط لعدم الدليل عليها ، والأصل والإطلاق ينفيانها. اللهم إلا أن يدعى انصراف الإطلاق إلى المقدار المساوي فيكون حاكما على أصل البراءة ، لكنه غير ظاهر.

__________________

(١) راجع صفحة : ٢٢٤.

(٢) راجع صفحة : ٢٢٤.

(٣) ج : ١ صفحة : ٢٧٤.

(٤) في المسألة : ٦ من واجبات القراءة. وذكره البيهقي في سننه الكبرى ج : ٢ صفحة : ٣٨١.

٢٢٦

والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع بقدرها ويجب تعلم السورة أيضاً [١] ، ولكن الظاهر عدم وجوب البدل لها [٢] في ضيق الوقت وإن كان أحوط.

( مسألة ٣٥ ) : لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد والسورة [٣] ،

______________________________________________________

[١] الكلام فيه هو الكلام في تعلم الفاتحة.

[٢] لقصور دليل البدلية عن شمول السورة ، أما الإجماع فظاهر ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على عدم وجوبه مع الجهل بها ، وأما النصوص فموردها جاهل القراءة كلية ، فلا تشمل صورة معرفة الفاتحة والجهل بالسورة.

نعم مع الجهل بالفاتحة أيضاً ظاهر النصوص بدلية التسبيح عنها وعن الفاتحة ، ولا حاجة إلى تكريره بدلا عن كل منهما وإن كان هو الأحوط.

[٣] المشهور شهرة عظيمة عدم جواز أخذ الأجرة على العمل الواجب ، وفي جامع المقاصد في كتاب الإجارة : نسبة المنع عنه الى صريح الأصحاب من غير فرق بين الواجب العيني ، والكفائي ، والعبادي ، والتوصلي ، وفي الرياض : نفى الخلاف فيه ، وأن عليه الإجماع في كلام جماعة ، واستدل له تارة : بالإجماع المتقدم ، وأخرى : بأنه أكل للمال بالباطل لعدم وصول فائدة عوض الأجرة للمستأجر ، وثالثة : بمنافاة ذلك للإخلاص ، ورابعة : بأن الوجوب يوجب كون العمل الواجب مستحقاً لله تعالى فلا سلطنة للمكلف على تمليكه لغيره ، وخامسة : بأن الوجوب يوجب إلغاء مالية الواجب وإسقاط احترامه ، ولذا يجوز أن يقهر عليه مع امتناعه عن فعله وعدم طيب نفسه به.

وهذه الوجوه لا تخلو من إشكال أو منع ، فان نقل الإجماع معارض بحكاية الخلاف من جماعة ، ونقل الأقوال الكثيرة في المسألة ، والاستدلال‌

٢٢٧

______________________________________________________

لها بالوجوه المختلفة. وأما أنه أكل للمال بالباطل فممنوع إذا كان العمل موضوعاً لغرض صحيح للباذل الذي دعاه الى البذل. وأما المنافاة للإخلاص فلا تطرد في التوصليات ، وتقتضي المنع أيضاً في المستحبات مع بنائهم على الجواز فيها ، مضافاً الى أنها ممنوعة عند جماعة كثيرة إذا كانت الأجرة ملحوظة بنحو داعي الداعي. وكون الوجوب مقتضياً لكون الفعل مستحقاً لله سبحانه أول الكلام ، بل ممنوع ، إذ لا يساعده عقل ولا عرف ، ومثله إلغاء الوجوب لمالية الواجب بحيث يكون أخذ المال بإزائه أخذاً للمال بالباطل ، ومجرد جواز القهر عليه من باب الأمر بالمعروف عند اجتماع شرائطه لا يقتضي ذلك ، كما أن عدم ضمان القاهر أعم منه.

وقد يتوهم أن الوجوب يوجب نفي سلطنة المكلف على الواجب فتكون الإجارة صادرة من غير السلطان فتبطل. وفيه : أن الوجوب إنما ينفي السلطنة التكليفية ، ولا ينفي السلطنة الوضعية ، وهي المعتبرة في صحة الإجارة لا التكليفية.

وفي مفتاح الكرامة : استدل على عدم صحة الإجارة على الواجب المطلق : بعدم إمكان ترتب أحكام الإجارة عليه ، لعدم إمكان الإبراء ، والإقالة ، والتأجيل وعدم قدرة الأجير على التسليم ، ولا تسلط على الأجير في إيجاد ولا عدم. انتهى ، وانتفاء الأولين غير ظاهر ، مع أنه أعم ، كما في الإجارة من الولي حيث لا مصلحة في الإبراء والإقالة ، وكذا انتفاء الثالث ، بل هكذا انتفاء الرابع إلا إذا كان بمعنى عدم جواز الفعل ، وعدم تسلط الأجير في الإيجاد مصادرة ، لأنه إذا صحت الإجارة تسلط المستأجر على الأجير فيه ، وعدم التسلط على الأجير في العدم ثابت لكنه لا يدل على البطلان ، فإن الإجارة على الفعل المباح لا تقتضي التسلط على الأجير في العدم مع أنها صحيحة.

ولأجل ما ذكرنا استشكل جماعة في الحكم المذكور ، إلا إذا علم من‌

٢٢٨

بل وكذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة ، والظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات [١].

______________________________________________________

الدليل وجوب فعله مجاناً كما ادعاه المصنف رحمه‌الله في حاشية المكاسب بالنسبة إلى تعليم الجاهل ، أو فهم منه كونه حقاً من حقوق غيره على نحو يستحقه على العامل مجاناً كما قد يدعى بالنسبة إلى تجهيز الميت وتعليم الجاهل. لكن قال شيخنا الأعظم رحمه‌الله في مكاسبه : « تعيين هذا يحتاج الى لطف قريحة » ، وكذا تعيين الأول. نعم الظاهر انعقاد الإجماع على وجوب تعليم الأحكام مجاناً فيما كان محل الابتلاء ، وهذا هو العمدة فيه.

ثمَّ إن المفهوم من كلام المتقدمين حيث قيدوا المنع بالواجب جواز أخذ الأجرة على فعل المستحب ، وعن مجمع البرهان ، والكفاية : أنه المشهور لعموم ما دل على صحة الإجارة ونفوذها من دون مانع ، وإن كان بعض أدلة المنع في الواجبات جار في المستحبات أيضاً.

والتحقيق : أن العبادات واجبات كانت أم مستحبات ، إذا كانت يفعلها الإنسان لنفسه لا يجوز له أخذ الأجرة عليها ، لمنافاة ذلك للإخلاص المعتبر فيها ، ويكفي في إثبات هذه المنافاة ارتكاز المتشرعة ، بل بناء العقلاء عليها ، وأما غير العبادات فلا بأس به إذا كان للمستأجر غرض مصحح لبذل الأجرة ، وأما العبادات التي يفعلها عن غيره فلا بأس بأخذ الأجرة عليها إذا كانت مما تقبل النيابة ، وكذا غير العبادات ، لعدم المانع كما يأتي إن شاء الله في مبحث قضاء الصلوات ، ولا فرق بين الواجبات والمستحبات.

[١] لم يتضح الفرق بين تعليم المستحبات والواجبات ، فإن أدلة لزوم التعليم شاملة للمقامين ، فان كان المانع من أخذ الأجرة الوجوب فهو مشترك وإن كان ظهور الدليل في المجانية فهو كذلك. فتأمل جيداً.

٢٢٩

( مسألة ٣٦ ) : يجب الترتيب بين آيات الحمد والسورة [١] ، وبين كلماتها وحروفها ، وكذا الموالاة [٢] ،

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ظاهر فيه ، وقد صرح به جماعة كثيرة من دون تعرض لخلاف أو إشكال ، لدخوله في مفهوم الحمد والسورة الموجب لفواتهما بفواته.

[٢] كما عن الشيخ ، والفاضلين ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم : التصريح به ، بل في الجواهر : « لا أجد فيه خلافا بين أساطين المتأخرين ». واستدل له بالتأسي ، وتوقيفية العبادة ، وانصراف إطلاق القراءة إلى خصوص صورة الموالاة. والجميع لا يخلو من إشكال أشرنا إليه سابقاً.

نعم لو كان السكوت الطويل أو ذكر اللفظ الأجنبي مما يخل بالهيئة الكلامية المعتبرة في صحة كونه كلاما كان اعتبار عدمها في محله ، لظهور الأدلة في وجوب قراءة القرآن على النهج الصحيح العربي ، والمفروض كون الموالاة بين أجزاء الجملة دخيلة فيه كحركات الاعراب والبناء والسكنات وغيرها مما يجب في الكلام الصحيح العربي ، فكما أن المتكلم لو أراد أخبار صاحبه بأن زيداً قائم ، فقال : زيد ، ثمَّ سكت سكوتاً طويلا ثمَّ قال : قائم ، كان ذلك غلطاً ولم يكن الكلام عربياً ، كذلك لو أراد قراءة زيد قائم وكذلك الكلام في الفصل بالأجنبي الذي لا يجوز الفصل به.

لكن هذا المقدار لا يسوغ إطلاق اعتبار الموالاة في القراءة ـ كما في المتن وغيره ـ الظاهر في لزومها بين الجمل نفسها وفيما بين أجزائها ، فإن ذلك مما لم يقم عليه دليل ظاهر ، بل اللازم منها خصوص ما يعتبر في صحة الكلام العربي لو كان خبراً أو إنشاء من عدم السكوت الطويل ، أو الفصل بالأجنبي بين المبتدأ والخبر ، والفعل ومتعلقاته ، والموصوف وصفته ، والشرط وجزائه ، والمضاف والمضاف اليه ، ونحوها مما يخرج الكلام عن كونه عربياً صحيحاً ، ويكون معدوداً في علم العربية غلطاً ، دون ما عداه ، لعدم الدليل‌

٢٣٠

فلو أخل بشي‌ء من ذلك عمداً بطلت صلاته [١].

______________________________________________________

على اعتباره ، وينبغي تنزيل ما ذكره الأصحاب وأرسلوه إرسال المسلمات من إطلاق اعتبار الموالاة على خصوص ما ذكر. وأما ما ورد من الأمر بالدعاء وسؤال الرحمة ، والاستعاذة من النقمة عند آيتيهما‌ (١) ، ورد السلام‌ (٢) ، والحمد عند العطسة‌ ، وتسميت العاطس‌ (٣) ، وغير ذلك فلا ينافيه ، لعدم تعرضه لهذه الجهة ، ولا إطلاق له يشمل صورة فوات الموالاة ، كما لعله ظاهر.

[١] كما عن نهاية الأحكام ، والذكرى ، والبيان ، والألفية ، وجامع المقاصد ، والروض ، وغيرها للزيادة العمدية ، ومنه يظهر ضعف ما عن المبسوط ، والتذكرة ، والدروس ، والمدارك ، وغيرها من وجوب استئناف القراءة لا الصلاة. وكأن وجهه : ظهور الزيادة العمدية في خصوص ما وجد في الخارج زائداً ، والقراءة قبل فعل ما يوجب فوات الموالاة ليست كذلك وإنما صارت زائدة بفعله ، فالمقام نظير ما لو قرأ بعض السورة ثمَّ عدل إلى سورة أخرى حتى أتمها.

نعم لو كان ما يوجب فوات الموالاة مبطلا في نفسه ـ كما لو تكلم بكلام الآدميين ـ كان البناء على بطلان الصلاة في محله ، ولذا قال في مجمع البرهان : « إنه ـ يعني بطلان الصلاة في العمد ـ غير واضح. نعم لو ثبت بطلان الصلاة بالتكلم بمثل ما قرأ في خلالها ، بدليل أنه كلام أجنبي وإن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ و ٢٠ من أبواب القراءة في الصلاة. والمستدرك باب : ١٤ و ١٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة. والمستدرك باب : ١٥ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب قواطع الصلاة. والمستدرك باب ٥٢ من أبواب أحكام العشرة.

٢٣١

( مسألة ٣٧ ) : لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت [١] ، وكذا لو أخل بحركة بناء ، أو إعراب [٢] ، أو مد واجب ، أو تشديد ، أو سكون لازم ، وكذا لو أخرج حرفا من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب.

______________________________________________________

كان قرآناً ، أو ذكراً غير مجوز لتحريمه ، فيلحق بكلام الآدميين ، فتبطل بتعمده الصلاة لو صح مذهب الجماعة ، ولكن فيه تأمل إذ قد يمنع ذلك ».

وفيه : أن العموم الدال على بطلان الصلاة بالزيادة العمدية إنما هو عموم : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) ، والخارج منه بحديث : « لا تعاد الصلاة » (٢) ، أو نحوه لا يشمل ما نحن فيه ، فعموم البطلان فيه محكم ، كما أن مقتضاه البطلان في العدول من سورة إلى أخرى لو لا النصوص المرخصة فيه ، ومما ذكرنا يظهر أنه لو فاتت الموالاة سهواً استأنف القراءة لا غير ـ كما عن المشهور ـ لفواتها بفوات شرطها ، ولا موجب لاستئناف الصلاة. نعم بناء على ما تقدم من معنى الموالاة الواجبة إنما يستأنف خصوص الجملة التي فاتت بفوات موالاتها ، كما عن الشيخ وجماعة.

[١] يعني : القراءة بلا خلاف ، ويقتضيه اعتبار ذلك فيها الموجب لفواتها بفواته ، وكذا الحال فيما لو أخل بحركة أو سكون أو نحوهما مما سيذكره.

[٢] إجماعا كما عن المعتبر ، وبلا خلاف كما عن المنتهى ، ولا نعرف فيه خلافا كما عن فوائد الشرائع ، إذ لا فرق بين المادة والصورة في الاعتبار وخروج اللفظ بفقدان أيتهما كانت عن القرآن. كذا في كشف اللثام ، وعن السيد رحمه‌الله : جواز تغيير الإعراب الذي لا يتغير به المعنى وأنه مكروه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٢٣٢

( مسألة ٣٨ ) : يجب حذف همزة الوصل في الدرج [١] مثل همزة ( الله ) و ( الرحمن ) و ( الرحيم ) و ( اهدنا ) ونحو ذلك ، فلو أثبتها بطلت [٢] ، وكذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة ( أنعمت ) فلو حذفها حين الوصل بطلت.

( مسألة ٣٩ ) : الأحوط ترك الوقف بالحركة [٣]

______________________________________________________

وفي كشف اللثام : « ضعفه ظاهر ». لما عرفت.

[١] كما نص عليه أهل العربية ، كابن الحاجب ، وابن مالك ، وشراح كلامهما ، من دون تعرض لخلاف فيه. قال الأول : « وإثباتها وصلا لحن وشذ في الضرورة » ، وقال الثاني :

« للوصل همز سابق لا يثبت

إلا إذا ابتدئ به كاستثبتوا »

واستشهد الشيخ الرضي (ره) لثبوتها في ضرورة الشعر بقوله :

« إذا جاوز الاثنين سر فإنه

يبث وتكثير الوشاة قمين »

[٢] يعني : القراءة ، فلا بد من استئنافها ولو باستئناف الصلاة من رأس إذا كان ذلك عمداً ، وكذا الحال فيما بعده.

[٣] قال ابن الحاجب : « الوقف قطع الكلمة عما بعدها ، وفيه وجوه مختلفة في الحسن والمحل ، فالاسكان المجرد في المتحرك ، والروم في المتحرك وهو أن تأتي بالحركة خفيفة وهو في المفتوح قليل ، والإشمام في المضموم وهو أن تضم الشفتين بعد الإسكان .. » ، ولعل ظاهر قوله : « مختلفة في الحسن والمحل » عدم وجوب هذه الأحكام. كما أن ما في شرح الرضي من قوله رحمه‌الله : « إن ترك مراعاة هذه الأحكام خطأ » يحتمل أن يكون المراد به مخالفة المشهور المعروف لا اللحن. نعم عن المجلسي رحمه‌الله اتفاق القراء وأهل العربية على عدم جواز الوقف بالحركة. انتهى.

لكن عدم الجواز عند القراء لا يقتضي الخروج عن قانون اللغة. نعم‌

٢٣٣

والوصل بالسكون [١].

( مسألة ٤٠ ) : يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة [٢] إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها ، مثلا إذا أراد أن لا يقف على ( الْعالَمِينَ ) ويصلها بقوله ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) يجب أن يعلم أن النون مفتوح ، وهكذا. نعم إذا كان يقف على كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

______________________________________________________

عدم الجواز عند أهل العربية يراد به ذلك ، إلا أن استفادته من كلامهم لا تخلو من إشكال ، والأصل في المقام ـ لكون الشبهة مفهومية ـ يقتضي البراءة من مانعية التسكين. فتأمل جيداً. نعم الذي صرح به في المستند عدم الدليل على وجوب قراءة القرآن على النهج العربي ، ولكنه في موضع من الغرابة ، فإن الهيئة مقومة للقرآن كالمادة ، مع أنه يلزم منه عدم لزوم المحافظة على حركات البنية أيضاً. فلاحظ.

[١] مقتضى إطلاق كلام أهل العربية في الحركات الاعرابية والبنائية واقتصارهم في الاستثناء على خصوص حال الوقف : هو وجوب التحريك في الوصل ، وحمل كلامهم على عدم جواز إبدالها بحركات أخرى بعيد جداً. لكن في مبحث الأذان والإقامة يظهر من غير واحد بل هو صريح الشهيد الثاني رحمه‌الله في الروضة والروض وكاشف الغطاء جواز الوصل بالسكون وأنه ليس لحناً ولا مخالفة لقانون اللغة ، وقد يستشهد له بقول الصياد حين يرى الغزال : غزال غزال ، يكرر ذلك على عجلة مع تسكين اللام ، وعد ذلك غلطاً بعيد ، وعليه يكون جواز الوصل بالسكون في محله ، كما أنه كذلك لو تمَّ ما تقدم عن المستند.

[٢] الكلام فيه هو الكلام في وجوب التعلم كلية.

٢٣٤

( مسألة ٤١ ) : لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد [١] ، بل يكفي إخراجها منها ، وإن لم يلتفت إليها ، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج ، بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف وإن خرج من غير المخرج الذي عينوه [٢] ، مثلا إذا نطق بالضاد‌

______________________________________________________

[١] بل ذكره غيرهم. قال ابن الحاجب في الشافية : « ومخارج الحروف ستة عشر تقريباً ، وإلا فلكل مخرج ، فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق ، وللعين والحاء وسطه ، وللغين والخاء أدناه ، وللقاف أقصى اللسان وما فوقه من الحنك ، وللكاف منهما ما يليهما ، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما فوقه من الحنك ، وللضاد أول إحدى حافتيه وما يليها من الأضراس ، وللام ما دون طرف اللسان الى منتهاه وما فوق ذلك ، وللراء منهما ما يليها وللنون منهما ما يليهما وللطاء والدال والتاء طرف اللسان وأصول الثنايا ، وللصاد والزاي والسين طرف اللسان والثنايا ، وللظاء والذال والثاء طرف اللسان وطرف الثنايا ، وللفاء باطن الشفة السفلى وطرف الثنايا العليا ، وللباء والميم والواو ما بين الشفتين ».

ثمَّ إن عد المخارج ستة عشر ـ كما هو المحكي عن سيبويه ـ مبني على كون مخرج الهمزة والألف واحداً ، ومن فرق بينهما جعلها سبعة عشر كما عن الخليل وأتباعه من المحققين ، وعن الفراء وأتباعه أنها أربعة عشر بجعل مخرج النون واللام والراء واحداً. قال الشيخ الرضي رحمه‌الله : « وأحسن الأقوال ما ذكره سيبويه ، وعليه العلماء بعده ».

[٢] الذي يظهر من كل من تعرض لذلك : امتناع خروج الحرف من غير المخرج الذي ذكر له ، فيكون ما في المتن من قبيل الفرض الذي لا واقع له ، وإن كان لا يمتنع من قبوله علماء التجويد ولا غيرهم. لكن الإنصاف‌

٢٣٥

أو الظاء على القاعدة ، لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن [١] ، أو الأيسر على الأضراس العليا [٢] صح ، فالمناط الصدق في عرف العرب ، وهكذا في سائر الحروف ، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب.

( مسألة ٤٢ ) : المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد [٣] ، وهي : الواو المضموم ما قبلها ، والياء‌

______________________________________________________

يقتضي البناء على إمكان إخراج جملة من الحروف من غير مخارجها ، فان طرف اللسان وما دونه إذا لصق بأي موضع من اللثة أو الحنك الأعلى أمكن النطق بالنون واللام ، وكذا الكلام في غيرهما. فاختبر.

[١] فان الاختبار يساعد على أن وصل الحافة بما فوق الأضراس كاف في إخراج الضاد ، وكذا لو لصق بالحنك الأعلى. فاختبر.

[٢] الأسنان على ما ذكروا أربعة أقسام ، منها أربعة تسمى ثنايا : ثنيتان من فوق ، وثنيتان من تحت من مقدمها ، ثمَّ أربعة تليها من كل جانب واحد تسمى رباعيات ، ثمَّ أربعة تليها كذلك تسمى أنيابا ، ثمَّ الباقي تسمى أضراساً منها أربعة تسمى ضواحك ، ثمَّ اثنى عشر طواحن ، ثمَّ أربعة نواجذ تسمى ضرس الحلم والعقل ، وقد لا توجد في بعض أفراد الإنسان.

[٣] اجتماع حرف المد والهمزة الساكنة إن كان في كلمة واحدة يسمى المد بالمتصل ، وإن كان في كلمتين يسمى بالمنفصل ، والأول واجب عند القراء. وعن أبي شامة : أنه حكى عن الهذلي جواز القصر في مورده.

لكن عن الجزري : إنكار ذلك ، وأنه تتبع فلم يجده في قراءة صحيحة ولا شاذة ، بل رأى النص بالمد‌ عن ابن مسعود يرفعه عن النبي (ص) : « إن ابن مسعود كان يقرئ رجلا فقرأ الرجل : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ‌

٢٣٦

المسكور ما قبلها ، والألف المفتوح ما قبلها همزة ، مثل : « جاء » و « سوء » و « جي‌ء » ، أو كان بعد أحدها سكون لازم [١] خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل ( الضّالِّينَ ).

______________________________________________________

وَالْمَساكِينِ (١) مرسلة. فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله (ص) فقال : كيف أقرأها يا أبا عبد الرحمن؟ فقال : أقرأنيها « إنما الصدقات للفقراء والمساكين » فمدها. ثمَّ قال الجزري : هذا حديث جليل حجة ونص في هذا الباب ، ورجال إسناده ثقات ، رواه الطبراني في معجمة الكبير » وقال بعض شراح مقدمته : « لو قرأ بالقصر يكون لحناً جليا ، وخطأ فاحشاً مخالفاً لما ثبت عن النبي (ص) بالطرق المتواترة ».

هذا ولا يخفى أن المد المذكور لم يتعرض له في علمي الصرف والنحو ، وظاهر الاقتصار في الاستدلال عليه على مرفوع ابن مسعود المتقدم والتواتر عن النبي (ص) الاعتراف بعدم شاهد عليه في اللغة ، وحينئذ لا وجه للحكم بوجوبه ، إذ التواتر ممنوع جداً ، والمرفوع إن صح الاستدلال به فهو قضية في واقعة لا يمكن استفادة الكلية منه ، بل مقتضى قراءة الأعرابي بالقصر واحتجاج ابن مسعود بفعل النبي (ص) عدم لزومه في اللغة كما هو ظاهر ، وأما المد المنفصل فهو المسمى عندهم بالجائز لاختلاف القراء فيه كما قيل ، فان ابن كثير والسوسي يقصرانه بلا خلاف ، وقالون والدوري يقصرانه ويمدانه ، والباقون يمدونه بلا خلاف ، وعلى هذا فموضوع كلام المصنف (ره) هو الأول المتصل الذي مثل له بالأمثلة المذكورة في المتن لا ما يشمل المنفصل.

[١] يعني : لا يختلف حاله باختلاف حالي الوقف والوصل ، ويسمى المذكور المد اللازم ، وهو على قسمين لأن الحرف الساكن إما مدغم ـ كما في مثال المتن ـ ويسمى لازماً مشدداً ، وإما غير مدغم ـ كما في فواتح السور‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

٢٣٧

______________________________________________________

من ( ص ) و ( ق ) ونحوهما ـ ويسمى لازماً مخففاً. ثمَّ إنهم اختلفوا في أن أيهما أشبع تمكيناً من الآخر ، فعن كثير منهم : أن الأول أشبع تمكيناً من الثاني ، وقيل بالعكس ، وقيل بالتساوي لأن الموجب له وهو التقاء الساكنين موجود في كل منهما.

هذا وتقييد السكون باللازم لأجل أن السكون إذا لم يكن لازماً كما لو كان عارضاً من جهة الوقف كما لو وقف على آخر الآية مثل ( الْعالَمِينَ ) و ( الرَّحِيمِ ) و ( الدِّينِ ) و ( نَسْتَعِينُ ) ـ فالمد جائز عندهم بلا خلاف كما قيل ، وكذا لو كان السكون عارضاً من جهة الوصل لاجتماع حرفين متماثلين فسكن أولهما نحو : ( الرحيم ) ، ( ملك ) ، ( فيه هدى ) على قراءة أبي عمرو برواية السوسي.

ثمَّ إن وجه المد اللازم على ما ذكروا هو أنه لا يجمع في الوصل بين الساكنين ، فإذا أدى الكلام اليه حرك أو حذف أو زيد في المد ليقدر محركا وهذا موضع الزيادة ، وهذه العلة لا يفرق فيها بين حرف اللين وحرف المد ، مع أن الأول لا يجب فيه المد عند المحققين ـ كما قيل ـ بل يجوز فيه القصر ، ولأجل ذلك يشكل المراد من قول الرضي رحمه‌الله في شرح الشافية : « وجب المد التام في أول مثل هذيه الساكنين ، وثقل المد في حرف اللين إذا كانت حركتها من غير جنسها » إلا أن يحمل على إرادة المد الطبيعي المقوم للحرف ، لا الزائد عليه الواجب أو الجائز ، أو على إرادة الوجوب في خصوص حرف المد ، لكن لم أقف على مصرح بوجوبه من علماء العربية.

اللهم إلا أن يكون أغناهم عن ذلك توقف النطق بالحرف الساكن عليه ، لكنه ممنوع جداً ، وربما يشير اليه خبر محمد بن جعفر المروي في الوسائل في باب كراهة قتل الخطاف. قال (ع) : « وتدرون ما تقول الصنينة ( هكذا ) إذا هي مرت وترنمت تقول : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ ‌

٢٣٨

( مسألة ٤٣ ) : إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل ، إلا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة.

( مسألة ٤٤ ) : يكفي في المد مقدار ألفين [١] وأكمله إلى أربع ألفات ، ولا يضر الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

( مسألة ٤٥ ) : إذا حصل فصل بين حروف كلمة‌

______________________________________________________

رَبِّ الْعالَمِينَ ، وقرأ أم الكتاب فاذا كان في آخر ترنمها قالت : وَلَا الضّالِّينَ ، مدها رسول الله (ص) وَلَا الضّالِّينَ » (١) فوجوب المد اللازم لا يخلو من إشكال ونظر.

[١] قال بعض شراح الجزرية : « اعلم أن القراء اختلفوا في مقدار هذه المراتب عند من يقول بها ، فقيل : أول المراتب ألف وربع. قال زكريا : هذا عند أبي عمرو وقالون وابن كثير ، ثمَّ ألف ونصف ، ثمَّ ألف وثلاثة أرباع ، ثمَّ ألفان ، وقيل : أولها ألف ونصف ، ثمَّ ألفان ، ثمَّ ألفان ونصف ، ثمَّ ثلاث ألفات ، وهذا هو الذي اختاره الجعبري ، وقيل : أولها ألف ، ثمَّ ألفان ، ثمَّ ثلاث ، ثمَّ أربع. قال الرومي : وهذا مذهب الجمهور. انتهى. ولا يخفى عليك أن المراد بالألف ـ يعني في القول الأخير ـ ما عدا الألف الذي هو المد الأصلي ، للإجماع على ذلك ، وأما معرفة مقدار المدات المقدرة بالألفات فان تقول مرة أو مرتين أو زيادة وتمد صوتك بقدر قولك : ألف ألف ، أو كتابتها ، أو بقدر عقد أصابعك في امتداد صوتها ، وهذا كله تقريب لا تحديد » ، انتهى كلام الشارح. ومنه يظهر : أن منتهى المد أربع ألفات زائداً على الألف التي هي المد الأصلي الذي هو قوام الحرف ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الصيد حديث : ٣.

٢٣٩

واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت [١] ، ومع العمد أبطلت [٢].

( مسألة ٤٦ ) : إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه ، فحصل الوقف بالحركة فالأحوط إعادتها [٣] وإن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.

( مسألة ٤٧ ) : إذا انقطع نفسه في مثل ( الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) بعد الوصل بالألف واللام ، وحذف الألف ، هل يجب إعادة الألف واللام بأن يقول : ( الْمُسْتَقِيمَ ). أو يكفي قوله : ( مستقيم )؟ الأحوط الأول [٤] ، وأحوط منه إعادة الصراط أيضاً ، وكذا إذا صار مدخول الألف واللام غلطاً كأن صار مستقيم غلطاً ، فإذا أراد أن يعيده‌

______________________________________________________

فيكون منتهى المد خمس ألفات لا كما يظهر من العبارة ، وما عن الجعبري من أن حده أربع ألفات يراد منه الزائد على المد الأصلي كما قيل.

[١] لما عرفت من أن الهيئة من مقومات الكلمة.

[٢] الكلام فيه هو الكلام في ترك الموالاة عمداً ، وقد تقدم.

[٣] مبني على ما تقدم من الاحتياط.

[٤] لاحتمال كون الفصل بمقدار النفس مضراً بهيئة الكلمة المعرفة باللام فتبطل ، ومثله وصل اللام بما قبلها مع هذا الفصل بينها وبين مدخولها ، ولأجله كان الأحوط إعادة ( الصِّراطَ ) أيضاً ، لكن الظاهر قدح ذلك عرفاً في المقامين غالباً ، فيتعين إعادتهما معاً ، ولا يحتاج إلى إعادة ( اهْدِنَا ) وإن جرى عليه أحكام الدرج من حذف الألف ، لأن أحكام الدرج لا يتوقف إجراؤها على الدرج بالقرآن كما لا يخفى.

٢٤٠