مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

( مسألة ١٧ ) : لو قام لصلاة ونواها في قلبه فسبق لسانه [١] أو خياله خطوراً إلى غيرها صحت على ما قام إليها ولا يضر سبق اللسان ولا الخطور الخيالي.

( مسألة ١٨ ) : لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه [٢].

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن التلفظ لا دخل له في النية بوجه ، فسبقه غير قادح إلا بلحاظ حكايته عن الخطور ، ولأجل ما عرفت من أن النية التي بها قوام العمل هي الإرادة النفسية الارتكازية ، فالمدار يكون عليها ، ولا أثر للخطورات الزائدة التي لا أثر لها في الفعل.

[٢] لأن الإتمام كان ببعث النية الأولى لا غير ، فغاية الأمر أنه أخطأ في تعيين المنوي ، وذلك مما لا دخل له في الإتمام ، وليس وجوده مستنداً اليه ، ويشهد بذلك مصحح عبد الله بن المغيرة : قال : في كتاب « حريز » أنه قال : « اني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت وأنا أنويها تطوعا قال : فقال (ع) : هي التي قمت فيها إذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثمَّ دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة ، وان كنت دخلت في فريضة ثمَّ ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة (١). وخبر معاوية : قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة ، أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة ، قال (ع) : هي على ما افتتح الصلاة عليه » (٢). وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها نافلة ، قال عليه‌السلام : هي التي قمت فيها

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النية حديث : ١‌

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب النية حديث : ٢.

٤١

( مسألة ١٩ ) : لو شك فيما في يده أنه عينها ظهراً أو عصراً مثلا ، قيل : بنى على التي قام إليها [١] ، وهو مشكل [٢]

______________________________________________________

ولها ، وقال : إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثمَّ إنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة ، وإنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته » (١). واستظهر في الجواهر شمول الأول والآخر لصورة العمد ، فيما لو نوى ببعض الأجزاء غير ما نوى عليه الجملة من الوجه أو الأداء أو القضاء تخيلا منه صحة ذلك ، أو عبثاً ، أو جهلا منه بوجوب ذلك الجزء أو ندبه. لكنه غير ظاهر ، فان ذكر النسيان في الأول ودخول الشك في الجواب فيهما مانع من الشمول للعمد.

[١] حكي ذلك عن البيان ، والمسالك ، وجامع المقاصد ، وظاهر كشف اللثام ، والمدارك وغيرها. واستدل له بأنه مقتضى الظاهر ، وبأصالة عدم العدول ، ولخبر ابن أبي يعفور المتقدم (٢).

[٢] إذ لا دليل على حجية الظاهر المذكور ، وأصالة عدم العدول من الأصل المثبت ، فان العدول ليس موضوعاً لحكم شرعي ، وخبر ابن أبي يعفور ظاهر في المسألة السابقة ، فإن القيام في الفريضة ظاهر في الشروع فيها بعنوان الفريضة لا القيام إليها ، ويشهد له أيضا قوله (ع) بعد ذلك : « وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوي .. ». وقوله (ع) في آخره : « وإنما يحسب للعبد .. » ، ولأجل ذلك جزم في الشرائع في مبحث الخلل بالاستئناف ، وحكي ذلك عن المبسوط. نعم استوضح في الجواهر في أول كلامه بطلان إطلاق وجوب الاستئناف في الفرض مع الوقوع في الوقت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النية حديث : ٣.

(٢) تقدم ذكره في التعليقة السابقة.

٤٢

فالأحوط الإتمام والإعادة. نعم لو رأى نفسه في صلاة معينة وشك في أنه من الأول نواها أو نوى غيرها بنى على أنه نواها وإن لم يكن مما قام إليه لأنه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل [١].

______________________________________________________

المشترك ، إذ له العدول من العصر إلى الظهر ثمَّ قال : « ودعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه ». ومثله كلام غير واحد ، وعليه بنى المصنف رحمه‌الله في أول مسائل ختام الخلل. وبالجملة : ينبغي أن يقال : « إذا علم أنه صلى الظهر قبل أن يشتغل بهذه الصلاة فعليه الإعادة لا غير ، وإذا لم يعلم ذلك أو علم بعدم الإتيان بالظهر فعليه العدول إليها والإتمام ثمَّ إعادة العصر ».

[١] كما ذكر في الجواهر في ذيل تنبيهات قاعدة الشك بعد التجاوز. ويشكل : بأن صدق عنوان الشك بعد التجاوز يتوقف على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف له ، بحيث يكون تركه فيه تركا لما ينبغي أن يفعل ، وذلك غير حاصل مع الشك في النية. فإن من شرع في عمل صلاتي بقصد تعليم الغير أو عبثاً أو غفلة ، لا يكون تركه لنية الصلاة مقارنة لأول العمل تركا لما ينبغي أن يفعل في ذلك المحل ، وكذا من نوى صلاة الظهر لا يكون تركه لنية نافلتها تركا لما ينبغي أن يفعل. فإذا رأى نفسه في أثناء عمل بانياً على أنه صلاة ، وشك في أنه كان بانياً على ذلك أول العمل أو بانياً على الإتيان به للتعليم لا يكون الشك شكاً في وجود شي‌ء ينبغي أن يوجد ، وكذا إذا رأى نفسه في أثناء نافلة الظهر وشك في أنه نواها من الأول نافلة أو نواها ظهراً ، لا يكون عدم نية النافلة تركا لما ينبغي أن يفعل ، والسر في ذلك أن كون الشي‌ء مما ينبغي أن يفعل أولا كذلك تابع لعنوان العمل الذي قد فرض فيه المحل والتجاوز عنه ، وتحقق العنوان تابع للنية ، فالنية تكون من مقدمات جريان القاعدة ، فلا تصلح القاعدة لإثباتها ،

٤٣

( مسألة ٢٠ ) : لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى [١] إلا في موارد خاصة :

أحدها : في الصلاتين المرتبتين كالظهرين والعشاءين إذا دخل في الثانية قبل الأولى عدل إليها بعد التذكر في الأثناء إذا لم يتجاوز محل العدول [٢] ، وأما إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكر ترك المغرب فإنه لا يجوز العدول لعدم بقاء محله ، فيتمها عشاء ثمَّ يصلي المغرب ويعيد‌

______________________________________________________

وكذلك الحال في قاعدة الفراغ. ويأتي في نية صلاة الجماعة ما هو نظير المقام.

[١] لما عرفت من أن قوام العبادية المعتبرة في العبادات كون الإتيان بالفعل بداعي أمره ، فإذا فرض أن الصلاة المعدول عنها غير الصلاة المعدول إليها فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأخرى ، فالإتيان بإحداهما بقصد امتثال أمرها لا يكون امتثالا لأمر الأخرى ولا تعبداً به ، كما أن الإتيان ببعض إحداهما امتثالا للأمر الضمني القائم به لا يكون امتثالا للأمر الضمني القائم بالبعض المماثل له من الأخرى ، ومجرد بناء المكلف على ذلك غير كاف في تحققه. نعم ثبت ذلك في بعض الموارد بدليل خاص ، فيستكشف منه حصول الغرض من المعدول اليه بمجرد بناء المكلف عليه ، فيسقط لذلك أمره ولا يجوز التعدي إلى غيره من الموارد.

وتوهم أنه يمكن أن يستكشف من الدليل كفاية مثل ذلك في حصول التعبد ، وحينئذ يتعدى الى غير مورده. مندفع بأن ذلك خلاف الإجماع على اعتبار النية مقارنة لأول الفعل العبادي. والخلاف هنا لا يقدح في الإجماع المذكور ، لكونه عن شبهة.

[٢] قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من فصل‌

٤٤

العشاء أيضاً احتياطاً ، وأما إذا دخل في قيام الرابعة ولم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول ، فيهدم القيام ويتمها بنية المغرب.

الثاني : إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول [١] كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر والعصر ، وأما إذا تجاوز أتم ما بيده على الأحوط ويأتي بالسابقة ويعيد اللاحقة كما مر في الأدائيتين. وكذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنه يعدل.

الثالث : إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء. فإنه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول [٢]. والعدول في هذه الصورة على وجه الجواز ، بل الاستحباب [٣]

______________________________________________________

أوقات اليومية ونوافلها. فراجع.

[١] تقدم الكلام فيه في المسألة العاشرة من فصل أحكام الأوقات.

[٢] بلا إشكال ولا خلاف ، صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث : « .. وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ، ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ، ثمَّ قم فأتمها ركعتين ، ثمَّ تسلم. ثمَّ تصلي المغرب‌ .. الى أن قال (ع) : فان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصل الغداة » (١).

[٣] هذا بناء على مختاره من المواسعة وعدم الترتيب بين الفائتة والحاضرة وإلا فلو بني على أحدهما كان العدول واجباً ، كما أن الاستحباب مبني على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٤٥

بخلاف الصورتين الأولتين فإنه على وجه الوجوب [١].

الرابع : العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة [٢] ، وقرأ سورة أخرى ـ من التوحيد أو غيرها ـ وبلغ النصف أو تجاوز ، وأما إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة ولو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها ويستأنف سورة الجمعة.

الخامس : العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة [٣] ، إذا دخل فيها وأقيمت الجماعة وخاف السبق ، بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

______________________________________________________

استحباب تقديم الفائتة ، ولو بني على استحباب تقديم الحاضرة كان المستحب ترك العدول وإتمام الحاضرة. وتمام الكلام في المسألة في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى.

[١] لتحصيل الترتيب الواجب.

[٢] لخبر صباح بن صبيح : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) قال (ع) : يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف » (١). وتمام الكلام في المسألة يأتي في مبحث القراءة.

[٣] ففي صحيح سليمان بن خالد : « عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة ، قال (ع) : فليصل ركعتين ، ثمَّ ليستأنف مع الامام ولتكن الركعتان تطوعاً » (٢). ونحوه موثق سماعة‌ (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٤٦

السادس : العدول من الجماعة إلى الانفراد [١] لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى.

السابع : العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأول عارض.

الثامن : العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

التاسع : العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

العاشر : العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

( مسألة ٢١ ) : لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة فلو دخل في فائتة ثمَّ ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها واستأنف ، ولا يجوز العدول على الأقوى.

( مسألة ٢٢ ) : لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض ، ولا من النفل إلى النفل حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت والسبق واللحوق.

( مسألة ٢٣ ) : إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا [٢] ،

______________________________________________________

[١] هذا ليس من موارد العدول من صلاة إلى أخرى كما هو موضوع الكلام في هذه المسألة ، ويأتي الكلام فيه في الجماعة إن شاء الله تعالى. وكذا الكلام في السابع ، وأما بقية الموارد فيأتي الكلام فيها في صلاة المسافر ، كما أن الوجه في المسألتين الآتيتين أصالة عدم جواز العدول لعدم الدليل عليه بالخصوص.

[٢] أما بطلان المعدول عنها فللعدول عنها الموجب لفوات نيتها ،

٤٧

كما لو نوى بالظهر العصر وأتمها على نية العصر.

( مسألة ٢٤ ) : لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها لم يصح له العدول الى العصر [١].

( مسألة ٢٥ ) : لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النية الأولى ، كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثمَّ بان أنه صلاها فإنها تصح عصراً [٢] ، لكن الأحوط الإعادة.

( مسألة ٢٦ ) : لا بأس بترامي العدول [٣] كما لو عدل في الفوائت الى سابقة فذكر سابقة عليها فإنه يعدل منها إليها وهكذا.

______________________________________________________

وأما بطلان المعدول إليها فلأن المفروض عدم جواز العدول. لكن يمكن أن يقال بالصحة مع رجوعه إلى نية المعدول عنها ، إذ ليس فيه إلا فعل بعض أجزاء المعدول إليها في الأثناء ، وهو غير قادح إذا كان سهواً.

[١] لما عرفت من عدم الدليل على جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة ، والأصل عدمه.

[٢] هذا غير ظاهر ، لما عرفت من أن العدول عن العصر مفوت لنيتها فكيف تصح بلا نية.

[٣] كما عن الشهيدين في البيان والروضة. لكن عرفت في مباحث الأوقات أن النصوص غير متعرضة للعدول في الفوائت من لاحقة الى سابقة فضلا عن ترامي العدول فيها ، وإنما تعرضت النصوص للعدول من الحاضرة إلى الحاضرة أو الى الفائتة لا غير ، فإذا بني على التعدي من ذلك الى العدول عن الفائتة إلى فائتة سابقة عليها أمكن البناء على الترامي المذكور‌

٤٨

( مسألة ٢٧ ) : لا يجوز العدول بعد الفراغ [١] إلا في الظهرين إذا أتى بنية العصر بتخيل أنه صلى الظهر فبان أنه لم يصلها ، حيث أن مقتضى رواية صحيحة أنه يجعلها ظهراً ، وقد مر سابقاً [٢].

( مسألة ٢٨ ) : يكفي في العدول مجرد النية [٣] من غير حاجة الى ما ذكر في ابتداء النية.

( مسألة ٢٩ ) : إذا شرع في السفر وكان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام قبل الوصول الى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حد الترخص [٤] ، فان لم يدخل‌

______________________________________________________

أيضاً ، لكن المبنى لا يخلو من تأمل. اللهم إلا أن يستفاد مما دل على تبعية القضاء للأداء في الاحكام.

[١] لأنه خارج عن مورد النصوص ، وقد عرفت أن العدول خلاف الأصل في العبادات.

[٢] مر الكلام فيه أيضاً في مبحث المواقيت.

[٣] كما صرح به في الجواهر ، ووجهه ـ بناء على ما سبق من كفاية الوجود الارتكازي في القربة والإخلاص وغيرهما مما يعتبر في النية ـ ظاهر ، لحصول جميع ذلك حين العدول ، أما بناء على اعتبار الاخطار فينحصر وجهه بإطلاق دليل العدول.

[٤] لا إشكال في أن التمام حكم الحاضر والقصر حكم المسافر ، وإنما الإشكال في أن من كان حاضراً وشرع في الصلاة ثمَّ صار مسافراً قبل أن يتم صلاته هل يكون مكلفاً بإكمال صلاته قصراً أم لا؟ ووجه الاشكال : أن الحضور المأخوذ شرطاً في وجوب التمام إن كان المراد منه صرف الوجود‌

٤٩

في ركوع الثالثة فالظاهر أنه يعدل الى القصر ، وإن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام والإعادة قصراً [١]. وإن كان في السفر ودخل في الصلاة بنية القصر فوصل الى حد الترخص يعدل الى التمام.

______________________________________________________

ولو آناً كان اللازم البناء على أنه مكلف بالتمام ولو بعد الخروج عن حد الترخص لتحقق الحضور كذلك. وإن كان المراد الوجود المستمر الى أن يتم الامتثال امتنع أن يكون مكلفاً بالتمام من حين الشروع ، لكون المفروض عدم استمرار الحضور كذلك ، فلا بد أن يكون مكلفاً بالقصر من حين الشروع بالصلاة ، مع أنه حينئذ حاضر ومن الضروري أن الحاضر تكليفه التمام لا القصر.

أقول : إذا كان الحضور الى زمان حصول الامتثال هو الذي يكون شرطا في وجوب التمام ، فاذا فرض انتفاؤه في المقام لخروجه عن حد الترخص في أثناء الصلاة فلا بد أن يكون تكليفه القصر ، ولا ينافيه أن الحاضر حكمه التمام بالضرورة ، إذ المراد من الحاضر فيه الحاضر الى تمام الامتثال ، وهو غير حاصل في الفرض. وعلى هذا فلا مانع من قصد القصر في الفرض من حين الشروع ، لعلمه بأنه يخرج عن حد الترخص في أثناء الصلاة ، فلو جهل فاعتقد أنه يتم صلاته قبل الوصول الى حد الترخص فنوى التمام ثمَّ تبين له الخطأ فخرج عن حد الترخص قبل إكمال صلاته ، فان كان القصر والتمام حقيقتين مختلفتين بطلت صلاته ، ولا يمكن العدول الى القصر لأنه خلاف الأصل كما عرفت ، وإن كانا حقيقة واحدة أمكن العدول ، إذ لا خلل في امتثال الأمر بوجه لأن المقدار المأتي به من الصلاة وقع بقصد أمره الضمني فله إكمال صلاته قصراً من دون مانع.

[١] بل الأقوى البطلان والاستئناف قصراً ، لإطلاق ما دل على وجوب‌

٥٠

( مسألة ٣٠ ) : إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا وتخيل أنها الظهر مثلا ثمَّ تبين أن ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة ، لأن الاشتباه إنما هو في التطبيق.

( مسألة ٣١ ) : إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك فبان أنه لم يصل الأولتين صحت وحسبت له الأولتان ، وكذا في نوافل الظهرين وكذا إذا تبين بطلان الأولتين ، وليس هذا من باب العدول بل من جهة أنه لا يعتبر قصد كونهما أولتين أو ثانيتين [١] ، فتحسب على ما هو الواقع نظير ركعات الصلاة ، حيث أنه لو تخيل أن ما بيده من الركعة ثانية مثلا فبان أنها الاولى ، أو العكس ، أو نحو ذلك لا يضر ويحسب على ما هو الواقع.

فصل في تكبيرة الإحرام

وتسمى تكبيرة الافتتاح [٢]

______________________________________________________

القصر على المسافر ، فاذا وجب عليه القصر لم يصح ما فعله ، لعدم إمكان العدول به اليه من جهة الزيادة.

[١] هذا لا يجدي في الصحة إذا قصد على نحو التقييد ، فإنه مدار البطلان في جميع موارد الخطأ في القصد ، ولعل المراد الإشارة إلى أنه لم يقصد على نحو التقييد ، بل من باب الخطأ في التطبيق ، وقد تقدم في مباحث نية الوضوء ما له نفع في المقام فراجع ، والله سبحانه أعلم.

فصل في تكبيرة الإحرام‌

[٢] كما في غير واحد من النصوص ، كما سيأتي.

٥١

وهي أول الأجزاء الواجبة للصلاة [١] بناء على كون النية شرطا ، وبها يحرم على المصلي المنافيات [٢] ، وما لم يتمها يجوز له قطعها. وتركها عمداً وسهواً مبطل [٣] ،

______________________________________________________

[١] كما تقتضيه النصوص المتضمنة أن افتتاحها التكبير‌ (١). لكن قد يشكل ذلك بالنسبة إلى القيام ـ بناء على أنه جزء لا شرط ـ فإنه حينئذ يكون مقارناً للتكبيرة كالنية ، بناء على أنها جزء للصلاة لا شرط. إلا أن يقال : بناء على أن القيام جزء للصلاة إنما يجب في حال التكبير ، فيكون التكبير مقدما رتبة عليه ، وبهذه العناية صار أول الأجزاء. وفي القواعد والإرشاد : جعل أول أفعال الصلاة القيام ، وكأنه لوجوب القيام آناً ما قبل الشروع في التكبير من باب المقدمة. فتأمل.

[٢] كما يقتضيه ما تضمن أن تحريمها التكبير ، وما تضمن أنها مفتاح الصلاة ، وأن بها افتتاحها‌ (٢).

[٣] إجماعا ، كما في الذكرى وعن غيرها. وفي الجواهر : « إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضاً ». نعم في مجمع البرهان بعد ما حكى عن المنتهى نسبته الى العلماء إلا نادراً من العامة ـ قال : « فكأنه إجماعي عندنا ». وقد يشعر أنه محل توقف عنده ، وهو غير ظاهر. ويشهد له جملة من النصوص كصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال (ع) : يعيد الصلاة » (٣) ، وموثق عمار : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة ، قال (ع) : يعيد ، ولا صلاة بغير افتتاح » (٤) ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام. وباب : ١ من أبواب التسليم.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام. وباب : ١ من أبواب التسليم.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٧.

٥٢

______________________________________________________

نعم يعارضها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن رجل نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة ، فقال (ع) : أليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت : نعم. قال (ع) : فليمض في صلاته » (١) ، وموثق أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبر ، فبدأ بالقراءة ، فقال (ع) : إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبر ، وإن ركع فليمض في صلاته » (٢) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح ، فقال (ع) : إن ذكرها قبل الركوع كبر ثمَّ قرأ ثمَّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة. قلت : فان ذكرها بعد الصلاة. قال (ع) : فليقضها ولا شي‌ء عليه » (٣).

هذا ولا يخفى أنه لا مجال للاعتماد على هذه النصوص في صرف النصوص السابقة إلى الاستحباب ، وإن كان هو مقتضى الجمع العرفي لمخالفتها للإجماع المحقق المسقط لها عن الحجية. مضافا الى إمكان المناقشة في دلالة بعضها ، كالصحيح الأول : لاحتمال أن يراد من التكبير فيه التكبير في آخر الإقامة. كموثق عبيد : « عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبر حتى افتتح الصلاة قال (ع) : يعيد » (٤) ، وكالصحيح الأخير لاحتمال أن يراد منه أول تكبيرة من تكبيرات الافتتاح السبع كما في الوسائل (٥) ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٣.

(٥) يذكر ذلك تعليقا على صحيحة زرارة عن ابي جعفر. بعد ما ينقل عن الشيخ كلاماً وحمله على قضاء الصلاة فراجع‌

٥٣

كما أن زيادتها أيضاً كذلك [١] ، فلو كبر بقصد الافتتاح ، وأتى بها على الوجه‌

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور. بل في الحدائق نفي الخلاف فيه ، لكن دليله غير ظاهر. وفي مجمع البرهان : « ما رأيت ما يدل عليه ». والإجماع على كونها ركناً لا يستلزمه ، إلا إذا فسر الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، لكنه غير ثابت وان نسب الى المشهور ، كيف؟! وظاهر ما في الشرائع والقواعد وغيرهما في مبحث القيام والنية والتكبيرة وغيرها من قولهم : « ركن تبطل بالإخلال به عمداً وسهواً » مقتصرين عليه : أن ليس معنى الركن الا ما تبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً لا غير كما هو معناه لغة وعرفا. بل قد لا تتصور الزيادة عمداً فيها ـ بناء على المشهور من بطلان الصلاة بنية الخروج ـ فان قصد الافتتاح بها مستلزم لنية الخروج عما مضى من الصلاة ، فتبطل الصلاة في رتبة سابقة على فعلها. اللهم الا أن يبنى على عدم الاستلزام المذكور ، أو على أن المبطل نية الخروج بالمرة لا في مثل ما نحن فيه. فتأمل.

ومثله في الاشكال الاستدلال له بعموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة (١) ، ولعله اليه يرجع ما عن المبسوط من تعليل قدح الثانية بأنها غير مطابقة للصلاة ، إذ فيه ـ مع أنه لا يختص ذلك بتكبيرة الافتتاح بل يجري في عامة الأقوال والأفعال المزيدة ـ : أن العموم المذكور محكوم بحديث : « لا تعاد الصلاة الا من خمسة » (٢) فان الظاهر عمومه للزيادة ، فيختص العموم الأول بالزيادة العمدية لا غير.

وأشكل من ذلك ما في التذكرة ونهاية الأحكام من تعليل قدح الثانية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٥٤

______________________________________________________

بأنها فعل منهي عنه فيكون باطلا ومبطلا للصلاة ، فإنه ممنوع صغرى وكبرى ولعله راجع إلى ما قبله ـ كما احتمله في كشف اللثام ـ فيتوجه عليه حينئذ ما سبق. وأغرب من ذلك ما ذكره بعض مشايخنا (ره) : من أن فعل التكبيرة الثانية بقصد الافتتاح ورفع اليد عن الأولى مانع من بقاء الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الأولى وما بعدها بنظر العرف ـ إذ فيه ـ مع وضوح منعه ـ : أنه لا يظن الالتزام به في سائر موارد تكرار الأجزاء الصلاتية من الأقوال والأفعال ، ولا سيما إذا صدر ذلك غفلة عن فعله أولا.

وكذا ما في الجواهر : من ابتناء ذلك على القول بإجمال العبادة ، وأنها اسم للصحيح. إذ فيه : أنه يتم لو أريد الرجوع في الصحة إلى إطلاق الأمر بالصلاة لكن يكفي فيها أصل البراءة عن المانعية. مع أنه لو بني على قاعدة الاشتغال عند الشك في الشرطية والمانعية فلا مجال لذلك بعد ورود مثل حديث : « لا تعاد الصلاة » ، بناء على ما عرفت من عمومه للزيادة أيضاً.

ومثله أيضاً ما عن شيخنا الأعظم (ره) من تعليل القدح في العمد : بأنها زيادة واقعة على جهة التشريع ، فتبطل الصلاة بها مع العمد اتفاقا. إذ فيه : أن التشريع في نفسه غير قادح ، والاتفاق المدعى على قدحه مستنده عموم ما دل على قدح الزيادة في الصلاة ، فيكون هو المعتمد لا غير. مع أن فعله بعنوان تبديل الامتثال ـ كما ورد في بعض الموارد ـ لا ينطبق عليه عنوان التشريع ، الذي هو الفعل بقصد امتثال أمر تشريعي لا شرعي. فلم يبق دليل على الحكم المذكور على إطلاقه إلا دعوى ظهور الاتفاق عليه ، الذي قد تأمل فيه غير واحد من محققي المتأخرين ، وفي الاعتماد عليه حينئذ إشكال. نعم لا مجال للتأمل فيه في العمد للزيادة المبطلة نصاً وفتوى.

٥٥

الصحيح ثمَّ كبر بهذا القصد ثانياً [١] بطلت [٢] واحتاج الى ثالثة ، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج الى خامسة. وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر. ولو كان في أثناء صلاة فنسي وكبر لصلاة أخرى ، فالأحوط إتمام الأولى وإعادتها [٣].

______________________________________________________

[١] اعتبار نية الافتتاح بالثانية في حصول البطلان مبني على أن الوجه فيه زيادة الركن ، لأن الركن من التكبير مختص بتكبير الافتتاح كما صرح بذلك في الجواهر. ولو كان الوجه في البطلان نفس الزيادة أو التشريع كفى في البطلان قصد الجزئية ، أو حصول التشريع وان لم يقصد به الافتتاح.

[٢] لعدم مشروعيتها ، بل مع العمد تكون منهياً عنها لحرمة الابطال. نعم بناء على بطلان الصلاة بنية الخروج الملازمة لنية الافتتاح بالثانية تصح ويكتفى بها ، كما أشار إلى ذلك في الجواهر.

[٣] وجه توقفه احتمال صدق الزيادة في المقام ، فيدخل في معقد الإجماع على البطلان بزيادة الركن ولو سهواً. وقد يشير اليه ما في بعض النصوص النهاية عن قراءة العزيمة في الفريضة ، معللا بأن السجود زيادة. وفيه : أنه لا ينبغي التأمل في عدم صدق الزيادة مع عدم قصد الجزئية للصلاة التي هو فيها ، فلا يدخل في معقد الإجماع السابق لو تمَّ وجوب العمل به ، لا أقل من الشك في شموله لذلك ، فيرجع فيه الى أصالة البراءة من المانعية وأما التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة ، فبعد البناء على عدم صدق الزيادة حقيقة عليه ، يدور الأمر بين حمل الزيادة في الكبرى المتصيدة منه على ما يشمل الزيادة الصورية فيكون التجوز في الكبرى ، وبين التصرف في تطبيق الزيادة الحقيقية على الزيادة الصورية ، فيكون التصرف في الصغرى ، وإذ أن أصالة الحقيقة في التطبيق لا أصل لها للعلم بالمراد ، فأصالة الحقيقة في الكبرى بلا معارض.

٥٦

وصورتها : « الله أكبر » من غير تغيير ولا تبديل [١] ،

______________________________________________________

ونظير المقام أن يقال : احذر زيداً فإنه أسد ، فإنه لا يصح أن يتصيد منه كبرى وجوب الحذر عن مطلق الشجاع ولو كان عمراً أو خالداً أو غيرهما من أفراد الشجاع ، بل يحكم بأن الكبرى وجوب الحذر عن الحيوان المفترس ، ويقتصر في التنزيل منزلته على زيد لا غيره. مع أنه لو بني على التصرف في الكبرى واستفادة قدح الزيادة الصورية فمقتضى حديث : « لا تعاد الصلاة » تخصيصه بالعمد ـ كما هو مورده ـ لأن سجود العزيمة عمدي ، فلا يشمل السهو. وقد عرفت أن الإجماع على قدح زيادة التكبير ولو سهواً لو تمَّ لا يشمل الزيادة الصورية ، فالبناء على صحة الصلاة في الفرض أقرب الى صناعة الاستدلال ، فلاحظ.

[١] هو قول علمائنا ـ كما في المعتبر ـ وعليه علماؤنا كما في المنتهى ـ لأنه المتعارف ، ولمرسل الفقيه : « كان رسول الله (ص) أتم الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال : الله أكبر ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » (١) بضميمة قوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٢) ، وما في خبر المجالس : « وأما قوله : والله أكبر .. الى أن قال : لا تفتح الصلاة إلا بها » (٣).

والجميع كما ترى ، إذ التعارف لا يصلح مقيداً للإطلاق لو كان ، ولا دليلا على المنع من زيادة شي‌ء ، مثل تعريف « أكبر » ـ كما عن الإسكافي ـ أو تقديمه على لفظ الجلالة ـ كما عن بعض الشافعية ـ أو الفصل بينهما بمثل « سبحانه » أو « عز وجل » أو نحو ذلك ، أو تبديل إحدى الكلمتين أو كلتيهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١١.

(٢) كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٦٢ حديث : ١١٩٦.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ١٢.

٥٧

ولا يجزئ مرادفها ، ولا ترجمتها بالعجمية أو غيرها ، والأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء [١] ،

______________________________________________________

بمرادفهما من اللغة العربية. وكذلك الكلام في المرسل ، بل لعله ظاهر في جواز ذلك ، غاية الأمر أنه لا يكون من الموجز ، ولأجل ذلك لا يصلح دليل التأسي للتقييد بالموجز لو صلح في نفسه للتقيد. مع أن الاشكال فيه مشهور ظاهر ، لأن المشار إليه لا بد أن يكون فرداً خارجياً من الصلاة ، ومن المعلوم أن الخصوصيات المحددة له لا تكون كلها دخيلة في الصلاة ، وإرادة بعض منها بعينه لا قرينة عليه من الكلام ، فلا بد أن يكون مقروناً بما يدل على تعيين بعض تلك الحدود ، وهو غير متحصل لدينا فيكون مجملا. وخبر المجالس قد اشتمل على ذكر حرف العطف ، فهو على خلاف المدعى أدل.

فالعمدة حينئذ في ذلك الإجماع ، الذي به يقيد الإطلاق لو كان ، ويرفع اليد عن أصالة البراءة من الشرطية أو المانعية ، وأصالة الاحتياط لو شك في جواز تبديل إحدى الكلمتين بمرادفها من اللغة العربية أو غيرها ، بناء على المشهور من أن المرجع في الدوران بين التعيين والتخيير هو الاحتياط.

[١] قال في الذكرى : « لو وصل همزة ( الله ) فالأقرب البطلان ، لأن التكبير الوارد من صاحب الشرع إنما كان بقطع الهمزة ، ولا يلزم من كونها همزة وصل سقوطها ، إذ سقوط همزة الوصل من خواص الدرج بكلام متصل ، ولا كلام قبل تكبيرة الإحرام ، فلو تكلفه فقد تكلف ما لا يحتاج اليه ، فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً ». ونحوه ما عن جامع المقاصد وكشف الالتباس والروض والمقاصد العلية وغيرها. وفيه ـ كما في الجواهر ـ : « إذ دعوى أن النبي (ص) لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها ». مضافاً إلى ما عن المدارك : من أن المقتضي للسقوط كونها في الدرج سواء كان ذلك الكلام معتبراً عند الشارع أم لا .. انتهى.

٥٨

أو لفظ النية ، وإن كان الأقوى جوازه ، ويحذف الهمزة من « الله » حينئذ ، كما أن الأقوى جواز وصلها بما بعدها [١] من الاستعاذة ، أو البسملة ، أو غيرهما ، ويجب حينئذ إعراب راء « أكبر » [٢] ، لكن الأحوط عدم الوصل.

ويجب إخراج حروفها من مخارجها [٣] ،

______________________________________________________

مع أنه لو سلم اختصاصه بالكلام المعتبر عند الشارع جاء الكلام في وصلها بتهليل الإقامة أو بعض الأدعية الواردة بالخصوص ، ومن هنا اختار المصنف (ره) ـ تبعاً لبعض ـ جواز الوصل بما قبلها لأصالة البراءة من قادحية الوصل ، فيترتب عليه سقوط الهمزة جرياً على قانون اللغة العربية ، بناء على ما هو الصحيح المشهور بين النحويين من كونها همزة وصل لا قطع كما عن جماعة منهم. اللهم إلا أن يقال : التردد في المقام بين التعيين والتخيير والمرجع فيه الاحتياط ، والإطلاق الرافع للشك المذكور غير ثابت. فتأمل.

[١] لعدم الدليل على قادحيته ، فلا ترفع اليد عن أصالة البراءة منها ، أو أصالة الإطلاق لو كان ، خلافاً لما في القواعد وعن غيرها من البطلان بذلك ، اقتصاراً على المتيقن من فعله (ص) ، أو دعوى انصراف الإطلاق عنه. إذ لا يخفى توجه الاشكال عليه. نعم عرفت أنه لم يتحصل لنا إطلاق يرجع اليه ، والمقام من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير ، والمرجع فيه قاعدة الاحتياط. نعم بناء على جواز الوصل مع السكون يكون المقام من باب الأقل والأكثر.

[٢] لعدم جواز الوصل مع السكون ، وسيأتي الكلام فيه في مباحث القراءة.

[٣] كي لا يلزم التغيير الممنوع عنه إجماعاً.

٥٩

والموالاة بينها وبين الكلمتين [١].

( مسألة ١ ) : لو قال : « الله تعالى أكبر » لم يصح [٢] ولو قال : « الله أكبر من أن يوصف » أو « من كل شي‌ء » فالأحوط الإتمام والإعادة ، وإن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع [٣].

( مسألة ٢ ) : لو قال : « الله أكبار » بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل [٤] كما أنه لو شدّد راء « أكبر » بطل أيضاً.

______________________________________________________

[١] كما عن النهاية والتذكرة والموجز وغيرها التصريح به ، محافظة على الهيئة الكلامية التي يفوت الكلام بفواتها.

[٢] لما عرفت من الإجماع على أن صورتها « الله أكبر » المخالفة لصورة ما في المتن ، وليس كذلك إضافة « من أن يوصف » أو « من كل شي‌ء » فإنه لا ينافي صورة التكبير ، وإنما هو محض زيادة عليها ، فلا إجماع على بطلانه ، وإن صرح به جماعة فان دليلهم عليه غير ظاهر. ولذلك قوى في المتن الصحة. لكن عليه يكون الأقوى وجوب الإتمام ، والأحوط الإعادة ، لكن عبارة المتن لا تساعد عليه.

[٣] قد تقدم أن التشريع من حيث هو ليس من المبطلات للعبادة ، صلاة كانت أم غيرها ، ما لم يلزم منه خلل فيها ، من زيادة ممنوع عنها ، أو فوات قصد الامتثال ، أو نحو ذلك. فالاستثناء ليس على إطلاقه.

[٤] كما عن المبسوط ، والسرائر ، والجامع ، والشرائع ، والدروس ، وتعليق النافع ، والروض ، والمسالك ، والمدارك ، وغيرها. لأنه تغيير للصورة وخروج عن قانون اللغة. وفي المعتبر ، والمنتهى ، وعن نهاية الأحكام‌

٦٠