مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

العاشر : المحافظة على العربية والترتيب والموالاة في الذكر [١].

( مسألة ١ ) : الجبهة : ما بين قصاص شعر الرأس وطرف الأنف الأعلى والحاجبين طولا ، وما بين الجبينين عرضاً [٢]

______________________________________________________

طهارة المكان الذي يصلى فيه. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن السيد رحمه‌الله من وجوب طهارة ما يلاقيه بدن المصلي. هذا والمحكي عن أبي الصلاح وجوب طهارة مواضع المساجد السبعة ، وكأنه لإطلاق معاقد الإجماع على وجوب طهارة المسجد ، ولإطلاق النص المانع من الصلاة والسجود على الموضع النجس المشار اليه آنفاً. وفيه : أن الإجماع ممن عداه على العدم ، والنص ـ بعد كون المراد منه موضع السجود ـ لا إطلاق له يقتضي المنع بالنسبة الى كل مسجد ، والمتيقن خصوص مسجد الجبهة. والنبوي : « جنبوا مساجدكم النجاسة » (١) ضعيف سنداً ودلالة ، فيتعين الرجوع الى أصالة البراءة من الشرطية.

[١] كما سبق في الركوع.

[٢] التحديد المذكور منسوب الى غير واحد منهم الشهيد الثاني في المقاصد العلية ، وفي المسالك : « حد الجبهة قصاص الشعر من مستوي الخلقة والحاجب » ، وليس فيه تعرض للتحديد العرضي إلا بنحو الإشارة وفي كشف الغطاء : « أنها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين ، ومن الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد ، ومن الأسفل بطرف الأنف الأعلى والحاجبين ، ولا استقامة للخطوط فيما عدا الجانبين » ، وعن المصباح : « الجبين ناحية الجبهة من محاذاة النزعة الى الصدغ ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها » ، وفي مجمع البحرين : « والجبين فوق الصدغ ، وهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب أحكام المساجد حديث : ٢.

٣٦١

ولا يجب فيها الاستيعاب [١] بل يكفي صدق السجود على‌

______________________________________________________

جبينان عن يمين الجبهة وشمالها يتصاعدان من طرفي الحاجبين الى قصاص الشعر ، فتكون الجبهة بين جبينين » ، وفي القاموس : « الجبينان حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها ، فيما بين الحاجبين مصعداً الى قصاص الشعر ، أو حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلا عند الناصية كلها جبين ». وعن الخليل : أن الجبهة مستوى ما بين الحاجبين.

هذا ولكن النصوص خالية عن التحديد العرضي ، بل تضمنت التحديد الطولي ، مثل مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيما سقط ذلك الى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة » (١) ونحوه غيره.

[١] على المشهور كما عن جماعة ، وعن الروض ، والمقاصد العلية : نفي الخلاف فيه ، وعن الحدائق وغيره : الاتفاق عليه. ويشهد له جملة من النصوص : كخبر بريد عن أبي جعفر (ع) : « الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك ، والسجود عليه كله أفضل » (٢) ، وموثق عمار : « ما بين قصاص الشعر الى طرف الأنف مسجد ، أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك » (٣) ، ونحوهما غيرهما. ومنها يظهر ضعف ما عن ظاهر الكاتب والحلي من وجوب الاستيعاب ، وإن كان هو يظهر من صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (ع) : « عن المرأة تطول قصتها فاذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض ، وبعض يغطيها الشعر ، قال (ع) : لا ، حتى تضع جبهتها على الأرض » (٤)

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب السجود حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب السجود حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٥.

٣٦٢

مسماها ويتحقق المسمى بمقدار الدرهم قطعاً ، والأحوط عدم الأنقص [١] ولا يعتبر كون المقدار المذكور مجتمعاً بل يكفي وإن كان متفرقا مع الصدق [٢] فيجوز السجود على السبحة غير المطبوخة إذا كان مجموع ما وقعت عليه الجبهة بقدر الدرهم.

( مسألة ٢ ) : يشترط مباشرة الجبهة لما يصح السجود عليه [٣]

______________________________________________________

لكنه محمول على الفضل بقرينة ما سبق. وفي الذكرى : « والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم ، لتصريح الخبر وكثير من الأصحاب به ، فيحمل المطلق من الاخبار وكلام الأصحاب على المقيد » ، ونحوه ما عن الدروس ، قيل : لعله إشارة إلى مصحح زرارة المتقدم في تحديد الجبهة‌ ، وفيه ـ كما عن المدارك ـ : أنه بالدلالة على خلافه أشبه ، لتصريحه بالاكتفاء بقدر الأنملة ، وهو دون الدرهم كما يقتضيه ظاهر العطف ، بل في المستند : أنه دون الدرهم بكثير قطعاً ، نعم‌ في خبر الدعائم : « أقل ما يجزئ أن يصيب الأرض من جبهتك قدر الدرهم » (١) ‌لكنه لا يصلح لمعارضة المصحح لو تمَّ سنده.

[١] هذا الاحتياط ضعيف بملاحظة الاكتفاء بقدر الأنملة في المصحح كما عرفت ، وفي صحيح زرارة‌ (٢) الأمر بالسجود على السواك وعلى العود.

[٢] للإطلاق ، وعن شرح نجيب الدين : فيه إشكال ، وكأنه للانصراف لكنه ممنوع في مثل السبحة ونحوها ، ويشهد له ما تضمن السجود على الحصى‌ (٣). نعم مع تباعد الأجزاء لا تبعد دعوى الانصراف.

[٣] على ما سبق في مبحث المكان ، قال في الشرائع هنا : « فلو‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢ ، ١٣ ، ١٤ من أبواب ما يسجد عليه.

٣٦٣

فلو كان هناك مانع أو حائل عليه أو عليها وجب رفعه حتى مثل الوسخ الذي على التربة إذا كان مستوعباً لها بحيث لم يبق مقدار الدرهم منها ولو متفرقا خالياً عنه ، وكذا بالنسبة إلى شعر المرأة الواقع على جبهتها [١] فيجب رفعه بالمقدار الواجب بل الأحوط إزالة الطين اللاصق بالجبهة [٢] في السجدة الأولى‌

______________________________________________________

سجد على كور العمامة لم يجز ». وعن جماعة حكاية الإجماع عليه ، وفي مصحح عبد الرحمن البصري : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض ، قال (ع) : لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض » (١) و‌صحيح زرارة عن أحدهما (ع) « قلت له : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة ، فقال (ع) : إذا مس شي‌ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (٢) ‌ونحوهما غيرهما.

[١] كما في صحيح ابن جعفر (ع) المتقدم‌ (٣) في وجوب الاستيعاب.

[٢] قال في كشف الغطاء : « يلزم انفصال محل مباشرة الجبهة عما يسجد عليه ، فلو استمر متصلا الى وقت السجود مع الاختيار لم يصح ». وقد يوجه تارة : بعدم صدق وضع الجبهة على الأرض ، إذ الموضوع في فرض تلوث الجبهة بالطين هو الطين الموضوع عليها. وأخرى : بعدم تعدد وضع الجبهة المتقوم به صدق تعدد السجود.

ويضعف الثاني : أن التعدد يحصل بتخلل العدم ، فاذا سلم صدق الوضع على الأرض بالاعتماد على الجبهة فقد تحقق السجود ، وبرفع الرأس ينعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٣) تقدم في صفحة : ٣٦٢.

٣٦٤

وكذا إذا لصقت التربة بالجبهة فان الأحوط رفعها بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقف صدق السجود على الأرض أو نحوها عليه ، وأما إذا لصق بها تراب يسير لا ينافي الصدق فلا بأس به [١] ، وأما سائر المساجد فلا يشترط فيها المباشرة للأرض [٢].

______________________________________________________

الوضع والسجود ، فاذا اعتمد ثانياً على الجبهة فقد تحقق الوضع ثانياً كما تحقق أولا. فيتعدد الوضع والسجود. اللهم إلا أن يراد أن تاويث الجبهة بالطين يصدق معه كون الطين موضوعا والجبهة موضوعا عليها ، فاذا اعتمد على الجبهة الملوثة تبقى النسبة على حالها ولا تنقلب ، بحيث يصدق على الجبهة أنها موضوعة والطين أنه موضوع عليه ، فلا يصدق وضع الجبهة على الأرض فضلا عن تعدد الوضع ، ومن ذلك يظهر صحة التوجيه.

وأما الأول : فإن الوضع المفسر به السجود المأمور به هو وصل الجبهة بالأرض الحادث بالتقوس والانحناء الخاص ، وهو غير حاصل في فرض تلوث الجبهة بالطين ونحوه ، وإن شئت قلت : إن صدق السجود على الأرض في الفرض إن كان بلحاظ الوصل الحاصل بين الجبهة والطين. ففيه : أنه لا وضع للجبهة فيه على الأرض فضلا عن تعدد الوضع وإن كان بلحاظ الوصل الحاصل بين الجبهة التي عليها الطين والأرض. ففيه : أنه لا وصل بينهما لكون الطين حاجباً عن ذلك.

[١] إما لعدم عده حائلا عرفا لكونه بمنزلة العرض ، أو لأنه لا يحجب تمام الجبهة بل يبقى منها مقدار خالياً عنه.

[٢] إجماعا ونصوصاً مستفيضة أو متواترة ، بل ضرورة من المذهب أو الدين. كذا في الجواهر ، ويشهد له صحيح حمران عن أحدهما (ع) : « كان أبي (ع) يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها ،

٣٦٥

( مسألة ٣ ) : يشترط في الكفين وضع باطنهما [١] مع الاختيار ومع الضرورة يجزي الظاهر [٢] كما أنه مع عدم‌

______________________________________________________

فاذا لم يكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد » (١) ، ورواية أبي حمزة قال أبو جعفر (ع) : « لا بأس أن تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك » (٢) ، وما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « وإن كان تحتهما ـ أي اليدين : ثوب فلا يضرك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل » (٣).

[١] كما نسب في الذكرى الى أكثر الأصحاب ، وعن نهاية الأحكام : نسبته الى ظاهر علمائنا ، وفي التذكرة قال : « وهل يجب أن يلقى الأرض ببطون راحتيه أو يجزيه إلقاء زنده؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول ، وكلام المرتضى الثاني ، ولو ضم أصابعه إلى كفه وسجد عليها ففي الإجزاء إشكال أقربه المنع ، لأنه (ع) جعل يديه مبسوطتين حالة السجود ، ولو قلب يديه وسجد على ظهر راحتيه لم يجز ، وبه قال الشافعي لأنه مناف لفعله عليه‌السلام ». وفي المنتهى : « لو جعل ظهر كفيه إلى الأرض وسجد عليهما ففي الإجزاء نظر ». واستدل له بالتأسي ، وأنه المتبادر من الأمر بالسجود على اليد ، والأول لا يدل على الوجوب ، والثاني غير بعيد ، لا أقل من الشك في الإطلاق الموجب للرجوع إلى أصالة التعيين ، وبناء على الرجوع إليها عند الشك في التعيين والتخيير ، فان المقام منه ، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما عن المرتضى ، وابن الجنيد رحمه‌الله : من الاجتزاء بالسجود على مفصل الكفين عملا بالإطلاق.

[٢] بل قيل : إنه متعين ، ولا يخلو من وجه ـ بناء على تعين الباطن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يسجد عليه حديث : ١.

٣٦٦

إمكانه لكونه مقطوع الكف أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكف فالأقرب من الذراع والعضد.

( مسألة ٤ ) : لا يجب استيعاب باطن الكفين أو ظاهرهما [١] بل يكفي المسمى ولو بالأصابع فقط [٢] أو‌

______________________________________________________

حال الاختيار ـ لكونه أقرب الى باطن الكف ، فيتعين بقاعدة الميسور ، ومع الشك فالأصل يقتضي التعيين بناء على الرجوع اليه عند التردد بينه وبين التخيير.

[١] بلا خلاف كما عن الفوائد الملية ، والمقاصد العلية ، وعن مجمع البرهان والذخيرة ، والمدارك ، والحدائق : « لم ينقل فيه خلاف ». لكن في المنتهى : « عندي فيه تردد ، والحمل على الجبهة يحتاج الى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة ، فالتعدي بالاجتزاء بالبعض يحتاج الى دليل ». وفيه : أن الاجتزاء بالبعض مقتضى إطلاق الأدلة ، والاستيعاب محتاج الى دليل ، وهو مفقود.

وقد يستدل له بما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض » (١) ، لكن تقييده بالأرض يقتضي حمله على الاستحباب مع أن ضعفه وإعراض الأصحاب عنه مانع عن العمل به.

[٢] كما في صريح التذكرة ، والذكرى ، وعن غيرهما لأنها جزء من الكف ـ كما عن بعض ـ ويساعده العرف ، لكن قد ينافيه ما في خبر العياشي من قول الجواد (ع) : « إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف » (٢) ، لكنه ضعيف السند.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب حد السرقة حديث : ٥.

٣٦٧

بعضها ، نعم لا يجزي وضع رؤوس الأصابع مع الاختيار [١] كما لا يجزي لو ضم أصابعه وسجد عليها [٢] مع الاختيار.

( مسألة ٥ ) : في الركبتين أيضاً يجزي وضع المسمى منهما ولا يجب الاستيعاب [٣] ويعتبر ظاهرهما دون الباطن [٤] والركبة : مجمع عظمي الساق والفخذ [٥] فهي بمنزلة المرفق من اليد.

______________________________________________________

[١] كما عن المسالك ، لأنها حد الباطن.

[٢] كما لم يستبعده في الجواهر حاكياً له عن التذكرة ، والموجز ، وشرحه ، وقد تقدمت عبارة التذكرة لعدم صدق السجود على باطن الكف. نعم لو كان الضم لا يمنع من السجود على بعض باطن الكف أجزأ.

[٣] بلا خلاف للإطلاق ، بل الاستيعاب متعذر غالباً.

[٤] هذا غير ممكن غالباً ، ولا سيما مع السجود على الإبهام.

[٥] قال في مجمع البحرين : « الركبة بالضم موصل ما بين أطراف الفخذ والساق » وفي القاموس : « الركبة بالضم أصل الصليانة إذا قطعت وموصل ما بين أسافل أطراف الفخذ وأعالي الساق » ، وفي الجواهر : « الظاهر أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين ، فينبغي حال السجود وضع عينيهما ولو بالتمدد في الجملة في السجود ـ كما فعله الصادق (ع) في تعليم حماد ـ كي يعلم حصول الامتثال ».

أقول : ذكر في صحيح حماد في رواية الفقيه : « أنه (ع) سجد على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفين ، وعيني الركبتين » (١) ، لكن في‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ صفحة : ١٩٦ ، حديث : ٩١٦. الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

٣٦٨

( مسألة ٦ ) : الأحوط في الإبهامين وضع الطرف من كل منهما [١]

______________________________________________________

نسخة التهذيب (١) المعتبرة سقط لفظ « عيني » ، والظاهر أنه كذلك ، لأن عيني الركبة النقرتان ، فلكل ركبة عينان ، والسجود عليهما معاً متعذر أو متعسر كالسجود على إحداهما ، وإنما يمكن السجود على ما بينهما ، أو على العظم المستدير فوقهما ، فان لم يرفع المصلي عجزه أصلا كان السجود على ما دونهما ، وإن رفعه قليلا بالتمدد مقدار أصابع كان السجود على ما بينهما ، فان تمدد قليلا أكثر من ذلك كان السجود على ما فوقهما ، والظاهر من النصوص أن السجود على الركبة يحصل في الصور الثلاث ، وأن الجالس إذا ثني رجله وقع جزء من ركبته على الأرض. ففي صحيح زرارة الطويل : « .. وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض » (٢) ، وفي مقطوعة أو مسنده الوارد في آداب المرأة : « وإذا سجدت بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض. فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض » (٣).

اللهم إلا أن يقال : الصحيح ونحوه ليس فيه إلا استعمال الركبة في المعنى الواسع ، وهو أعم ، والمقطوع لا إطلاق له من هذه الجهة ، فإذا ثبت أن السجود على الركبة يحتاج الى رفع العجز يسيراً يكون المراد من المقطوع النهي عن رفع المرأة له أكثر من ذلك.

[١] حكاه في كشف اللثام عن كتاب أحكام النساء للمفيد ، وجملة‌

__________________

(١) التهذيب ج ٢ صفحة : ٨١ حديث : ٣٠١. الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة. ملحق حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٤.

٣٦٩

دون الظاهر أو الباطن منهما ، ومن قطع إبهامه يضع ما بقي منه [١] وإن لم يبق منه شي‌ء أو كان قصيراً يضع سائر أصابعه ولو قطع جميعها يسجد على ما بقي من قدميه والأولى والأحوط ملاحظة محل الإبهام.

( مسألة ٧ ) : الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها. وإن كان الأقوى عدم وجوب‌

______________________________________________________

من كتب الشيخ ، والكافي ، والغنية ، لما في صحيح حماد : من أنه (ع) سجد على أنامل إبهامي الرجلين‌ (١). بناء على أن الأنملة طرف الإصبع ونسب هذا القول الى كل من عبر بالأنامل كالتذكرة حيث عبر بأنامل الإبهامين. لكن الظاهر من الأنملة عرفا ولغة أنها العقدة ، فلا مجال لتوهم استفادة ذلك من الصحيح. نعم يمكن الاستدلال له بأنه المنصرف من الأمر بالسجود على الإبهام ، لكن الانصراف ممنوع ، والصحيح لا يصلح لتقييد إطلاق غيره مما دل على وجوب السجود على الإبهامين ، لما في ذيله في رواية الكافي من ذكر الإبهامين‌ (٢) بدل أناملهما ، فلاحظه. ولأجل ذلك كان المحكي عن المحقق ، والشهيد الثانيين ، وسيد المدارك ، وغيرهم الاجتزاء بكل من طرف الإبهام ، وظاهره وباطنه. وفي كشف اللثام : « الأقرب ـ كما في المنتهى ـ تساوي ظاهرهما وباطنهما ». وأما ما عن الموجز : من اعتبار وضع ظاهر الأصابع فغير ظاهر.

[١] للإطلاق ، أو لأنه أقرب الى الواجب فتتناوله قاعدة الميسور التي هي الوجه في الفرضين الأخيرين أيضاً ، وقد استصعب في الجواهر ثبوتها هنا ، مع أنه لم يتضح الفرق بين المقام وغيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٢.

٣٧٠

أزيد من المقدار الذي يتحقق معه صدق السجود [١] ولا يجب مساواتها في إلقاء الثقل [٢] ولا عدم مشاركة غيرها معها [٣] من سائر الأعضاء كالذراع وباقي أصابع الرجلين.

( مسألة ٨ ) : الأحوط كون السجود على الهيئة المعهودة وإن كان الأقوى كفاية وضع المساجد السبعة بأي هيئة كان ما دام يصدق السجود [٤] كما إذا ألصق صدره وبطنه بالأرض بل ومد رجله أيضاً ، بل ولو انكب على وجهه لاصقاً بالأرض مع وضع المساجد بشرط الصدق المذكور. لكن قد يقال بعدم الصدق وأنه من النوم على وجهه [٥].

( مسألة ٩ ) : لو وضع جبهته على موضع مرتفع أزيد من المقدار المغتفر كأربع أصابع مضمومات فان كان الارتفاع‌

______________________________________________________

[١] لكن الظاهر أن السجود على عضو يتوقف على الاعتماد عليه ، فلا يتحقق السجود على الأعضاء السبعة إلا مع الاعتماد على كل واحد منها فلو اعتمد على غيرها مع مجرد المماسة لكل واحد منها واعتمد على بعضها مع المماسة للآخر لم يجز. نعم لا يجب مزيد الاعتماد ، للأصل ، والإطلاق.

[٢] للأصل والإطلاق.

[٣] لصدق السجود عليها بمجرد الاعتماد عليها. وتوقف في الجواهر لذلك ، ولدعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعاً ثقله على هذه السبعة ، وفيه : منع ذلك.

[٤] كما يقتضيه الأصل والإطلاق.

[٥] كما صرح به في الحدائق وغيرها ، والظاهر أنه كذلك ، فان السجود عرفا تقوّس على نحو خاص لا يصدق على ما ذكر.

٣٧١

بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا جاز رفعها ووضعها ثانياً [١] كما يجوز جرها وإن كان بمقدار يصدق معه السجدة‌

______________________________________________________

[١] إذ ما يحتمل أن يكون مانعاً من الرفع هو لزوم الزيادة العمدية لكن القادحة منها خصوص زيادة الجزء ، وهو غير حاصل ، لكون المفروض أن المأتي به ليس سجوداً عرفا كي يكون رفع الرأس منه مستلزما لزيادة السجود.

ويشكل بأن تخصيص الزيادة القادحة بزيادة الجزء خلاف إطلاق : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » (١) ، فحكم هذه الصورة حكم الصورة الآتية من هذه الجهة في لزوم الزيادة بالرفع. إلا أن يقال : إذا فرض أن المأتي به ليس سجوداً فاذا جر رأسه كان تبديل موضوع بآخر فيكون ما وقع زيادة على كل حال ، لكنها غير عمدية ، بخلاف الصورة الثانية ، فإن الجر ليس فيه تبديل موضوع بموضوع ، بل تبديل حال بحال في موضوع واحد. نعم في الصورة الأولى إذا كان الوضع الخاص عمديا كان زيادة تبطل بها الصلاة ، ولا يجدي الجر الى غيره فضلا عن الرفع ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنه لا يقدح وإن كان عمديا إلا إذا رفع ووضع ثانياً.

ثمَّ إنه إذا كان المنصرف الى الذهن من السجود المأمور به خصوص الوضع الحدوثي المتصل بالهوي كان الواجب الرفع ثمَّ الوضع على الموضع غير المرتفع ، لأن الجر اليه لا يحصل الوضع المتصل بالهوي ، فلا يجزي ، وهذا بخلاف الصورة الثانية لتحقق السجود الحدوثي فيها بلا حاجة الى الرفع.

اللهم إلا أن يدعى اعتبار الحدوث في السجود على المساوي ، فلا بد من الرفع في تحققه كالصورة الأولى ، لكنها ضعيفة لا دليل عليها. فتأمل والمتحصل مما ذكرنا : أن الوضع الأول في الصورة الأولى إن كان عمديا بطلت الصلاة معه ، وإن كان سهويا لم تبطل ، ووجب الرفع عنه والوضع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

٣٧٢

______________________________________________________

ثانياً ، وفي الصورة الثانية لا يبطل وإن كان عمديا ، ولا يجوز الرفع عنه فراراً من لزوم محذور الزيادة العمدية ، لإطلاق دليل قادحيتها. واحتمال اختصاصها بصورة وقوع الفعل من أول الأمر زائداً فلا تشمل ما نحن فيه ـ نظير العدول من سورة إلى سورة ـ قد عرفت أنه خلاف الإطلاق وخلاف ظاهرهم هنا.

ولعله لذلك قال أبو عبد الله (ع) في صحيح معاوية بن عمار : « إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ، ولكن جرها على الأرض » (١) وفي صحيح ابن مسكان عن الحسين بن حماد قال له (ع) : « أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع ، أحوّل وجهي إلى مكان مستو؟ فقال (ع) : نعم ، جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » (٢) ، وإن كان يحتمل في الأول : أن يكون لعدم إمكان الاعتماد على الجبهة لا لعلو المسجد ، وفي الثاني : أن يكون لطلب الاستواء الذي هو الأفضل ، فلا يكونان مما نحن فيه. وأما خبر الحسين بن حماد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع ، فقال (ع) : ارفع رأسك ثمَّ ضعه » (٣) فضعيف ، مع أنه يمكن حمله على صورة عدم صدق السجود بالوضع ، كما صنعه في المعتبر ، أو على صورة تعذر الجر ، كما عن الشيخ ، فإنه أولى من تخصيص القاعدة المتقدمة.

هذا ، وفي الجواهر استظهر كون المساواة شرطاً في مفهوم السجود عرفا ، زاعماً أنه مما يومئ اليه كلمات الأصحاب كالفاضلين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم فيجري على الصورة الثانية حكم الصورة الأولى من جواز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٤.

٣٧٣

عرفا فالأحوط الجر لصدق زيادة السجدة مع الرفع ولو لم يمكن الجر فالأحوط الإتمام والإعادة [١].

( مسألة ١٠ ) : لو وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه يجب عليه الجر [٢]

______________________________________________________

الرفع. قال رحمه‌الله : « فحينئذ لا ينبغي التأمل في جواز الرفع مع فرض السجود على الزائد ، كما أفتي به الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم ». وذكر قبل ذلك : أنه لا نعرف أحداً قال بوجوب الجر فيه وعدم جواز الرفع منه إلا سيد المدارك والخراساني ، كما اعترف به بعضهم وأنه لا مستند لهم إلا تقديم صحيح معاوية المتقدم على خبر الحسين بن حماد لضعف سنده. انتهى.

وفيه : ما ذكره غير واحد ممن تأخر : من عدم إمكان تنزيل دليل اعتبار المساواة على ذلك ، ضرورة صدق السجود عرفا على الموضع المرتفع بأزيد من لبنة ، بل يدور الأمر في دليل الاعتبار بين حمله على كونها شرطاً شرعياً وكونها من واجبات السجود ، والأول أظهر لكونها ملحوظة حالا وصفة في المسجد ، لا فعلا للمصلي في قبال نفس السجود ، واجباً بوجوب ضمني في قبال وجوبه ، فراجع مصحح ابن سنان المتقدم‌ (١) دليلا عليها وتأمل.

[١] منشأ التردد الإشكال في كون المساواة شرطاً ، فيجب فعل السجود ثانياً لعدم حصول المأمور به منه ، وكونها واجباً فيكون قد فات محلها ، فيكون مكلفاً بالإتمام وتصح صلاته. لكن عرفت أن الأول أظهر فعليه تدارك السجود ثانياً ، ويتم صلاته إذا كان ذلك سهواً.

[٢] كما نص عليه في الجواهر ، معللا له بما في المتن : من أن الرفع‌

__________________

(١) تقدم في المورد السابع من واجبات السجود.

٣٧٤

ولا يجوز رفعها لاستلزامه زيادة السجدة ولا يلزم من الجر ذلك ومن هنا يجوز له ذلك مع الوضع على ما يصح أيضاً لطلب الأفضل أو الأسهل ونحو ذلك.

وإذا لم يمكن إلا الرفع [١] فان كان الالتفات اليه قبل تمام الذكر فالأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة ، وإن كان بعد تمامه‌

______________________________________________________

يستلزم زيادة سجدة فلا يجوز ، ونسب التصريح بذلك الى من صرح في المسألة السابقة بجواز الرفع ، وهو في محله ، بناء على ما عرفت في المسألة السابقة.

[١] مما سبق تعرف أن جواز الرفع وعدمه مبنيان على أن كون المسجد مما يصح السجود عليه شرط للسجود وواجب فيه ، فعلى الأول : يجب تداركه بفعل السجود ثانياً لكون المأتي به ليس مطابقاً لموضوع الأمر فلا يسقط به أمره ، كما لو لم يسجد بعد ، والسجود المأتي به لا يقدح في صحة الصلاة إذا كان عن سهو لما دل : على أن الصلاة لا تعاد من سجدة‌ (١) وعلى الثاني : لا مجال لتداركه لفوات محله ، إذ محله السجود الذي هو جزء صلاتي ، والمأتي به كذلك ، والمفروض عدم إمكان فعله فيه ، والسجود ثانياً بعد رفع الرأس ليس سجوداً صلاتياً ، لأن السجود المأمور به جزء ينطبق على الأول لا غير ، فلو سجد ثانياً وتدارك فيه الواجب المذكور لم يكن آتياً به في محله ، بل في غيره ، فلا يجدي السجود ثانياً لتداركه.

فان قلت : السجود المأتي به أولا باطل ، لعدم انضمامه الى هذا الواجب ، فيجب الإتيان به ثانياً منضما اليه ، ويكون تداركه حينئذ في محله. قلت : يأتي إن شاء الله في مبحث الخلل أن حديث : « لا تعاد الصلاة » (٢) ينفي وجوب تدارك الجزء لو كان الخلل من جهة فوات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب السجود ، وباب ٢٣ ـ ٢٦ من أبواب الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٣٧٥

______________________________________________________

الانضمام ، لأن الخلل لا يختص بجزء بل يطرد في جميع الاجزاء ، فلو اقتضى فوات الانضمام تدارك الجزء اقتضى تدارك الصلاة من رأس.

نعم يشكل ذلك فيما لو التفت قبل تمام الذكر ، فحديث : « لا تعاد » لا يصلح لتشريع الذكر في حال فقد الواجب ، لأنه إنما يرفع الخلل الماضي لا اللاحق. وكيف كان فلأجل أن الظاهر من دليل اعتبار ما يصح السجود عليه كونه شرطاً في المسجد الذي هو قوام السجود كان اللازم الرفع لتدارك السجود المشروط كما هو المعروف ، بل في الجواهر : « لا أجد فيه خلافا » ، واستشهد له‌ بالتوقيع المروي عن كتاب الغيبة واحتجاج الطبرسي : « كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة ، يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة ، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع ، فاذا رفع رأسه وجد السجادة ، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقّع (ع) : ما لم يستو جالساً فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة » (١). لكنه رحمه‌الله قوّى سقوط الشرطية لعدم اندراج السجود في السجدة السهوية ، لحصول القصد ، وإنما سها عما يجب حالها أو يشترط في صحتها ، وإلا لوجب التدارك مع السهو عن الطمأنينة ووضع المساجد ونحوهما مما يعتبر في صحة السجود ، وفرق بين المقام وفوات الترتيب في القراءة والجلوس للتشهد بالإجماع على الإبطال بالسجدة العمدية بخلاف ما عداها ، وناقش في التوقيع بوروده في النافلة ، وعدم مطابقة الجواب للسؤال ، وعدم ظهور وجه التقييد فيه بالاستواء جالساً. وفيه مواقع للنظر تظهر بالتأمل.

ومثله ما عن شيخنا الأعظم رحمه‌الله : من التأمل في جواز الرفع ، لعدم الدليل على وجوب تدارك الشرط مع لزوم زيادة سجدة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب السجود حديث : ٦.

٣٧٦

فالاكتفاء به قوي كما لو التفت بعد رفع الرأس وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

( مسألة ١١ ) : من كان بجبهته دمل أو غيره فان لم يستوعبها وأمكن سجوده على الموضع السليم سجد عليه وإلا حفر حفيرة ليقع السليم منها على الأرض [١]

______________________________________________________

ولو فرض كونه شرطاً مطلقاً فاللازم الحكم بإبطال الصلاة لأنه أخل بشرط مطلق هو كالركن ، ويلزم من تداركه زيادة سجدة ، فهو كناسي الركوع الى أن يسجد.

إذ فيه : أن السجود الأول ـ بعد ما لم يكن جزءاً لعدم مطابقته للأمر ـ زيادة في الصلاة ، سواء أسجد ثانياً أم لا ، فلا مجال لما ذكره بعد ذلك. كما أن مما ذكرنا يظهر لك الاشكال فيما في المتن من الفرق بين الالتفات بعد الذكر وقبله ، فجزم في الأول بالاكتفاء به ، وتوقف في الثاني ، مع أن اللازم التدارك في الصورتين معاً. اللهم إلا أن يكون الالتفات بعد تمام الذكر ملحقاً بالالتفات بعد الرفع الذي لا إشكال عندهم في عدم لزوم التدارك معه ، على ما يأتي إن شاء الله في مبحث الخلل ، والإجماع المذكور هو العمدة في الخروج عن تطبيق قاعدة فوات المشروط بفوات شرط في المقام ، فيستفاد منه تخصيص الشرطية بصورة الالتفات قبل الرفع ، أو يكون نظره الى ما تقدم من الإشكال في صلاحية حديث : « لا تعاد » لتشريع الذكر ، مع بنائه على كون الفائت من قبيل الواجب في السجود. فتأمل جيداً.

[١] بلا خلاف كما عن المدارك ، ونسب الى فتوى العلماء ، وفي الجواهر : « يمكن تحصيل الإجماع عليه » ، ويقتضيه ـ مضافا الى إطلاق‌

٣٧٧

وإن استوعبها أو لم يمكن يحفر الحفيرة أيضا سجد على أحد الجبينين [١] من غير ترتيب ،

______________________________________________________

وجوب السجود على الجبهة ولو بحفر الحفيرة ـ خبر مصادف : « خرج بي دمّل فكنت أسجد على جانب ، فرأى أبو عبد الله (ع) أثره فقال عليه‌السلام : ما هذا؟ فقلت : لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا. فقال (ع) لي : لا تفعل ذلك ، ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض » (١).

[١] بلا خلاف كما عن جماعة ، وعن حاشية المدارك : الإجماع عليه صريحاً ، وهو العمدة فيه ، وبه يقيد مرسل علي بن محمد بإسناد له ، قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها ، قال (ع) : يضع ذقنه على الأرض ، إن الله تعالى يقول ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٢) » (٣).

وقد يستدل له بما دل على أن السجود على الجبهة بناء على شمولها للجبينين ، وأن التقييد بما عداهما في حال الاختيار. وفيه : ما عرفت من أن الجبينين خارجان عن الجبهة ، ولذا لا يجوز السجود عليهما اختياراً.

ومثله الاستدلال بما دل من النصوص‌ (٤) على الاجتزاء في السجود بما بين قصاص الشعر الى الحاجبين. إذ هو أيضاً مقيد بالجبهة ، مع إمكان وروده في مقام التحديد الطولي ، فلا إطلاق له يشمل التحديد العرضي.

ومثلهما الاستدلال بظهور خبر مصادف في تقرير الامام (ع) له على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب السجود حديث : ١.

(٢) الإسراء : ١٠٧.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب السجود حديث : ٢.

(٤) راجع الوسائل باب : ٩ من أبواب السجود.

٣٧٨

وإن كان الاولى والأحوط تقديم الأيمن على الأيسر [١] ،

______________________________________________________

اعتقاده جواز السجود على الجانبين. إذ فيه : أن ذلك إذ لو تمَّ فإنما يدل على الجواز لا الوجوب ، مع أنه لا يصلح لمعارضة ظهور المرسل المتقدم لأنه أقوى. اللهم إلا أن يحمل أيضاً على الجواز ، بقرينة الاستشهاد بالآية الشريفة ، فيكون مقتضى الجمع التخيير ، أو لأن المرسل ضعيف سنداً ومهجور عند الأصحاب فلا مجال للاعتماد عليه. وخبر مصادف وإن كان دالا على الجواز لكن مع الشك يرجع الى أصالة التعيين ، بناء على أنها المرجع عند الدوران بين التعيين والتخيير ، ومع ذلك فالعمدة في تعين السجود على أحد الجبينين الإجماعات المدعاة صريحاً وظاهراً في كلام جماعة ، وما عن المبسوط ، والنهاية ، والوسيلة ، والجامع : من ظهور الخلاف غير ثابت ، بل لعل الظاهر الوفاق كما حققه في الجواهر ، وإن كان لا يخلو من تأمل وإشكال.

أما مصحح إسحاق بن عمار المروي عن تفسير القمي (ره) عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد. قال (ع) : يسجد ما بين طرف شعره ، فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن ، فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت : على ذقنه؟ قال (ع) : نعم. أما تقرأ كتاب الله عز وجل : ( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) » (١) فلم يعرف القول به ، فيتعين تأويله أو طرحه.

[١] كما عن الصدوقين من غير مستند ظاهر ، وإن كان يشهد لهما المحكي عن الرضوي‌ (٢) ، لكنه غير ثابت الحجية. نعم إن كان خلافهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب السجود حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١٠ من أبواب السجود حديث : ١.

٣٧٩

وإن تعذر سجد على ذقنه [١] فان تعذر اقتصر على الانحناء الممكن [٢].

( مسألة ١٢ ) : إذا عجز عن الانحناء للسجود انحنى بالقدر الممكن مع رفع المسجد [٣]

______________________________________________________

مانعاً عن انعقاد الإجماع على التخيير تكون المسألة من موارد الدوران بين التعيين والتخيير فأصالة التعيين فيها تقتضي تقديم الأيمن.

[١] إجماعا صريحاً وظاهراً كما عن الخلاف وغيره ، لمصحح إسحاق والمرسل‌.

لكن ظاهرهما تعلق ( لِلْأَذْقانِ ) بقوله تعالى ( سُجَّداً ) لا بقوله تعالى ( يَخِرُّونَ ) مع أن الظاهر الثاني ، وأن سجودهم لم يكن اضطراريا. اللهم إلا أن يحمل على الاستدلال الإقناعي ، أو على أنه تفسير باطني. وكيف كان فلا يصلح ذلك موهناً لهما ومسقطاً عن الحجية ، إذ لا قصور في دلالة صدرهما. ثمَّ إن المحكي عن الصدوقين في الرسالة والمقنع تقديم السجود على ظهر الكف على السجود على الذقن ، ولا يظهر له معنى محصل كما عن جامع المقاصد وغيره.

[٢] قد يشكل أولا : بأن مقتضى قاعدة الميسور السجود على ما أمكنه من أجزاء الوجه لصدق الميسور عليه ، ولا سيما السجود على الأنف فلا وجه لرفع اليد عنه ، وثانياً : بأن الانحناء الممكن ليس من أجزاء السجود كي يصدق عليه الميسور فيجب ، وإنما هو مقدمة له خارج عنه فلا وجه لوجوبه ، وإطلاق ما دل على بدلية الإيماء عند تعذر السجود ينفيه. وبالجملة : مقتضى بناء الأصحاب على قاعدة الميسور أنه يجب السجود على أي جزء من الوجه ، فان تعذر أومأ وهو جالس.

[٣] بلا إشكال فيه ظاهر. قال في المعتبر : « ولو عجز عن السجود جاز أن يرفع اليه ما يسجد عليه ، ولم يجز الإيماء خلافا للشافعي وأبي‌

٣٨٠