مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

( مسألة ٢٦ ) : لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل اليه [١] ، وكذا لو تجدد للمضطجع القدرة على الجلوس‌

______________________________________________________

يقرأ في حال الانتقال. بل عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، واستدل لهم بأن الهوي أقرب الى القيام فتجب المبادرة حاله الى الإتيان بما أمكن من القراءة والذكر ، وفوات الاستقرار لا يقدح ، لأنه شرط مع الاختيار لا مطلقاً ، ومع الدوران بينه وبين ما هو أقرب الى القيام يتعين الأخذ بالثاني ، لأن فوات الوصف أولى من فوات الموصوف. وفيه : أنه إنما يتم لو كان الهوي من القيام ، إذ يكون الفرض من قبيل ما لو دار الأمر بين القيام مضطرباً والجلوس الذي لا إشكال في وجوب تقديم الأول ، لكن من الواضح أن الهوي ليس من القيام في شي‌ء. نعم هو أقرب الى القيام من الجلوس ، لكن مجرد ذلك غير كاف في رفع اليد عن إطلاق ما دل على وجوب الجلوس لمن لا يتمكن من القيام ، وقاعدة الميسور بنحو تقتضي ذلك غير ثابتة ، ولذا لو دار الأمر مع تعذر القيام بين الصلاة في حال النهوض أو الهوي ، وبينها في حال الجلوس يتعين الثاني ، أخذاً بدليل بدلية الجلوس من غير معارض.

[١] بلا خلاف فيه منا ظاهر. نعم عن بعض العامة لزوم الاستئناف كما في المسألة السابقة ، لما سبق مما عرفت ضعفه. نعم يتوجه بناء على عدم جواز البدار لذوي الأعذار ، فإن تجدد القدرة مع اتساع الوقت للاستئناف كاشف عن عدم مشروعية الفعل من أوله ، كما أنه لو بني على جواز البدار كان البناء على عدم وجوب الاستئناف في محله ، وكذا لو كان الوقت يضيق عن الاستئناف ، لأن الفعل حينئذ مشروع من أول وقوعه فلا موجب لاستئنافه. هذا ومما ذكرنا يظهر أن إطلاق المصنف (ره) الحكم بالانتقال في هذه المسألة لا يناسب ما سبق في المسألة الثانية والعشرين.

١٤١

أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال [١].

( مسألة ٢٧ ) : إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ، وليس عليه إعادة القراءة [٢] ، وكذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها ولو تجددت بعد الركوع فان كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع منه [٣] ، وإن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً إلى حد الركوع القيامي [٤] ، ولا يجوز له الانتصاب ثمَّ الركوع [٥] ، ولو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود لكون انتصابه الجلوسي بدلا عن الانتصاب القيامي [٦] ، ويجزئ عنه لكن الأحوط القيام للسجود عنه.

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا إشكال هنا فيما ذكره ، لعدم تأتي ما في المسألة السابقة لإمكان الإتيان بالواجب الأصلي الاختياري كما هو ظاهر.

[٢] عدم لزوم إعادة القراءة ، بل عدم لزوم استئناف الصلاة مبني على ما في المسألة السابقة إطلاقا وتقييداً كما هو ظاهر.

[٣] تحصيلا للقيام بعد الركوع.

[٤] تحصيلا للذكر حال الركوع القيامي.

[٥] لئلا تلزم زيادة الركوع.

[٦] فاذا وقع منه بقصد امتثال الأمر الاضطراري أجزأ عن المبدل منه الاختياري ، والفرق بينه وبين القيام قبل الركوع ـ الذي تقدم وجوب فعله لو تجددت القدرة بعد القراءة ـ أن ذلك القيام لا يتشخص بدلا إلا باتصاله بالركوع ، فما لم يتحقق الركوع لم يتحقق ، فيجب فعله لو تمكن‌

١٤٢

( مسألة ٢٨ ) : لو ركع قائماً ثمَّ عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصبا ثمَّ سجد ، وإن كان قبل الذكر هوى متقوسا إلى حد الركوع الجلوسي ثمَّ أتى بالذكر.

( مسألة ٢٩ ) : يجب الاستقرار حال القراءة والتسبيحات وحال ذكر الركوع والسجود [١] ، بل في جميع أفعال الصلاة وأذكارها ، بل في حال القنوت والأذكار المستحبة [٢] ،

______________________________________________________

منه قبل الركوع وليس القيام بعد الركوع كذلك ، بل هو مجرد قيام فاذا تحقق بدله وهو مجرد الانتصاب أجزأ عنه. نعم لو كان القيام بعد الركوع هو القيام المتصل بالهوي الى السجود كان الواجب تداركه عند تجدد القدرة ما لم يسجد ، كما في القيام المتصل بالركوع.

وبالجملة : إن كان القيام بعد الركوع من توابع الركوع فقد حصل بدله ، وإن كان من توابع السجود لم يحصل ، ووجب فعله مع الإمكان ، وسيأتي الكلام في ذلك في مباحث الركوع والسجود.

[١] قد تقدم في تكبيرة الإحرام والقيام الإشارة إلى وجهه وأن العمدة فيه الإجماع.

[٢] إجماعا كما في الجواهر ذكره في مبحث القيام مستشهداً بما ذكره العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته حيث قال :

« لا تصلح الصلاة في اختيار

إلا من الثابت ذي القرار

وذاك في القيام والقعود

فرض وفي الركوع والسجود

يعم حال فرض تلك الأربعة

الندب بالإجماع في فرض السعة

وهي بمعنى الشرط في المندوب

فلا ينافي عدم الوجوب »

لكن الاعتماد على مثل هذا الإجماع وإن عظم ناقلاه لا يخلو من إشكال‌

١٤٣

كتكبيرة الركوع والسجود. نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به ، وكذا لو سبح ، أو هلل ، فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهوي له أو للسجود كذلك [١] أو في حال النهوض يشكل صحته فالأولى لمن يكبر كذلك أن يقصد الذكر المطلق. نعم محل قوله : بحول الله وقوته ، حال النهوض للقيام.

( مسألة ٣٠ ) : من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه وإلا وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مر [٢].

______________________________________________________

إذ لم أقف على من تعرض لذلك في مباحث القنوت والأذكار المستحبة ، بل المنسوب الى المشهور عدم اعتبار الاستقرار في جلسة الاستراحة ، فكيف يحصل الوثوق بنقله؟ ولا سيما وأن الطمأنينة ليست شرطاً عندهم في جميع ما تجب فيه ، فكيف تكون شرطاً في القنوت والأذكار المستحبة وغيرها من المستحبات في الصلاة؟ ولا بد من المراجعة والتأمل.

[١] الخلل في التكبير في حال الهوي ليس من أجل فقد الاستقرار ، بل من جهة فقد المحل ، فان محل التكبير للركوع والسجود حال الانتصاب لا حال الهوي ، فالإتيان به في حال الهوي إتيان به في غير محله ، وحينئذ يقع الكلام في صدق الزيادة القادحة بمجرد ذلك وعدمه ، وقد تقدم منه في المسألة الثالثة الجزم ببطلان الصلاة للزيادة لو قنت جالساً ، وقد تقدم في أوائل هذا الفصل الاشكال فيه فراجع.

[٢] الذي مر منه : التوقف في وجوب الوضع ، وقد مر الكلام فيه في المسألة الخامسة عشرة.

١٤٤

( مسألة ٣١ ) : من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس [١]. نعم يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء [٢] ، وهو أن يرفع فخذيه وساقيه ، وإذ أراد أن يركع ثنى رجليه [٣] ، وأما بين السجدتين وحال التشهد فيستحب أن يتورك [٤].

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأمر بالجلوس له ـ مضافا الى صحيح عبد الله ابن المغيرة وصفوان وابن أبي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الصلاة في المحمل « صل متربعاً وممدود الرجلين وكيف أمكنك (١).

[٢] المصرح به في القواعد وغيرها استحباب أن يتربع حال القراءة ، وعن المعتبر نسبته الى مذهبنا ، وعن المدارك إلى علمائنا ، بل عن الخلاف انه إجماعي ، لحسن حمران عن أحدهما (ع) : « كان أبي إذا صلى جالساً تربع فاذا ركع ثنى رجليه » (٢) والمذكور في كلام جماعة ، بل نسب الى المشهور تفسيره بنصب الساقين والفخذين وهو القرفصاء ، وكأن الوجه في حملهم له على هذا المعنى ـ مع أنه أحد معانيه ـ كونه أقرب الى القيام وأنسب بمقام العبادة.

[٣] استحبابه حال الركوع من حيث الفتوى كسابقه ، ويشهد له حسن حمران السابق‌ ، وعن عدة من الأصحاب التصريح بأنه افتراش الرجلين تحته بحيث إذا قعد يقعد على صدرهما بغير إقعاء.

[٤] عن كشف الرموز حكاية استحبابه في التشهد عن الشيخ (ره) في المبسوط وأتباعه ، وعن غيره نسبته أيضاً الى سائر المتأخرين. نعم في الشرائع نسبته الى القبل ، وعن جامع ابن عمه التصريح باستحباب التربع ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القيام حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب القيام حديث : ٤.

١٤٥

( مسألة ٣٢ ) : يستحب في حال القيام أمور : ( أحدها ) : إسدال المنكبين [١]. ( الثاني ) : إرسال اليدين. ( الثالث ) : وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر. ( الرابع ) : ضم جميع أصابع الكفين.

( الخامس ) : أن يكون نظره إلى موضع سجوده. ( السادس ) : أن ينصب فقار ظهره ونحره [٢].

______________________________________________________

وكأنه لإطلاق حسن حمران السابق‌ ، لكنه قيل إنه لا يصلح لمعارضة ما دل على استحباب التورك في مطلق التشهد كصحيح زرارة الآتي إن شاء الله في محله ، والعمدة أن ظاهر الحسن استحباب التربع فيما قبل الركوع لا مطلقاً ، فتأمل. وأما استحبابه بين السجدتين فاستظهره في الجواهر ، ويشهد له صحيح حماد الوارد في بيان كيفية الصلاة ، وقد عرفت الإشكال في حسن حمران‌.

[١] ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى دع بينهما فصلا إصبعاً أقل ذلك الى شبر أكثره وأسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك وليكن نظرك الى موضع سجودك » (١) ومنه ومن صحيح حماد يستفاد أكثر ما ذكر من المستحبات قال في الثاني : « فقام أبو عبد الله (ع) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة .. » (٢).

[٢] لما تقدم من مرسل حريز في تفسير قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ١.

١٤٦

( السابع ) : أن يصف قدميه [١] مستقبلا بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأخرى ولا تنقص عنها. ( الثامن ) : التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرجات ، أو أزيد إلى الشبر. ( التاسع ) : التسوية بينهما في الاعتماد. ( العاشر ) : أن يكون من الخضوع والخشوع ، كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل.

فصل في القراءة

يجب في صلاة الصبح والركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد [٢] ،

______________________________________________________

وَانْحَرْ ) قال (ع) : « النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحوه » (١).

[١] في محكي الرضوي : « فصف قدميك .. إلى أن قال : ولا تتكئ مرة على رجلك ومرة على الأخرى » (٢) ومنه يظهر وجه المستحب التاسع.

فصل في القراءة‌

[٢] إجماعاً كما عن الخلاف والوسيلة والغنية والمنتهى والتذكرة والذكرى والروض والمدارك والبحار والحدائق وغيرها ، وفي الجواهر : « يمكن دعوى تواتر الإجماع عليه ». واستفادته من النصوص المتفرقة في أبواب القراءة قطعية كصحيح محمد بن مسلم : « عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب القيام حديث : ٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث : ٧.

١٤٧

وسورة كاملة غيرها [١] بعدها‌

______________________________________________________

قال (ع) : لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات » (١) وموثق سماعة : « عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. قال (ع) : فليقل أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات » (٢) ونحوهما غيرهما. نعم ليس فيها تعرض ظاهر لوجوبها في كل ركعة من الأولتين ، لكن وضوح الحكم يمنع من التوقف فيه لذلك.

[١] كما هو الظاهر من المذهب ، أو مذهب الأصحاب ، أو الأظهر من مذهبهم ، أو إجماعي ، أو نحو ذلك من العبارات المحكية عنهم في مقام نقل فتوى الأصحاب ، وعن جماعة نسبته الى المشهور.

واستدل له بجملة من النصوص. منها : صحيح منصور : « قال أبو عبد الله (ع) : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٣). وفيه : أنه ظاهر في النهي عن تبعيض السورة والقران بين السورتين ، ولا تدل على وجوب السورة التامة.

ومنها : مصحح عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (ع) : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها؟ ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » (٤). وفيه : أن مفهوم الوصف ليس بحجة ، إذ يجوز أن يكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب في حقه ، كما يشير اليه تخصيص قضاء صلاة النافلة بذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

١٤٨

______________________________________________________

مع أن أداءها لا تجب فيه السورة أيضاً.

ومنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً » (١). وفيه : أن هذا اللسان من البيان يناسب الاستحباب جداً ، وقد ورد نظيره في ترك الأذان ففي خبر أبي بصير : « إن صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك يجزئك الإقامة إلا الفجر والمغرب » (٢) وفي صحيح أبي عبيدة : « رأيت أبا جعفر (ع) يكبر واحدة واحدة في الأذان. فقلت له : لم تكبر واحدة واحدة؟. فقال (ع) : لا بأس به إذا كنت مستعجلا » (٣).

ومنها : صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أقرأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب؟ قال (ع) : نعم. قلت : فإذا قرأت الفاتحة أقرأ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مع السورة؟ قال (ع) : نعم » (٤).

وفيه : أنه وارد في مقام بيان جزئية البسملة لكل سورة ، ولذا لم يتعرض فيه للصلاة فضلا عن خصوص الفريضة.

ومنها : صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) الوارد في المأموم المسبوق : « قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب » (٥). وفيه : أنه ليس وارداً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

١٤٩

______________________________________________________

في مقام تشريع وجوب السورة ، وإنما هو وارد في مقام إبقاء مشروعيتها على ما هي عليه من الوجوب والاستحباب ، لدفع توهم سقوط القراءة عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق.

ومنها : صحيح محمد عن أحدهما (ع) : « عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ فقال (ع) : لا لكل ركعة سورة » (١). وفيه : أنه ظاهر في كون الموظف والمشروع لكل ركعة سورة في قبال توظيف السورتين للركعة ، لا أنه يجب لكل ركعة سورة.

ومنها : صحيح معاوية بن عمار : « من غلط في سورة فليقرأ : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثمَّ ليركع » (٢) ، وفيه : أن تخصيص ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) بالذكر شاهد بأن المراد أنها تجزئ عن السورة التي غلط فيها ، وصحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألته (ع) قلت : أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أيصلي المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها أم يصلي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال (ع) : إذا خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي ولا أرى بالذي فعلت بأساً » (٣). قال في الوسائل حاكياً ذلك عن بعض المحققين : « لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام ». وفيه : أن ظاهر الجواب أن تعين الصلاة على الراحلة إنما هو من جهة الخوف في النزول ـ كما هو ظاهر السؤال ـ لا من جهة ترجيح السورة على القيام ، وإلا فلا ريب في ترجيح القيام والاستقبال والاستقرار على السورة ، فلو فرض ظهور الرواية في خلاف ذلك وجب طرحه ـ مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٥٠

______________________________________________________

أن‌ قوله (ع) : « وإذا قرأت الحمد وسورة أحب إلي » ، ظاهر في استحباب السورة. ومنه أيضاً يظهر سقوط الاستدلال به بتقريب أن ظاهر السؤال اعتقاد السائل وجوب السورة ، فلو لم تكن كذلك لوجب ردعه فان قوله (ع) : أحب إلي صالح للردع.

ومنها : خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) أنه قال : « إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً مدروساً فلا يضمحل ولا يُجهل وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور .. » (١) وفيه : أنه ليس في مقام التشريع ، بل في مقام حكمة التشريع على إجماله من الوجوب والندب ، مع احتمال أن يكون المراد البدأة بالإضافة إلى الركوع.

ومنها : خبر يحيى بن عمران الهمداني : « كتبت الى أبي جعفر (ع) : جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار الى غير أم الكتاب من السورة تركها ، فقال العباسي ( العياشي خ ل ) : ليس بذلك بأس. فكتب بخطه : يعيدها مرتين على رغم أنفه » (٢) ‌( يعني العباسي ). وفيه : أن من المحتمل قريباً أن يكون المراد من الإعادة إعادة السورة من جهة ترك جزئها وهي البسملة ، فالمراد أن السورة بلا بسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها سواء أكان للوجوب أم الاستحباب ـ مع أنها لو كانت ظاهرة في إعادة الصلاة أمكن أن يكون ذلك للتبعيض لا لجزئية السورة.

واستدل أيضاً بمداومة النبي (ص) على فعلها. وفيه : أنها أعم من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

١٥١

______________________________________________________

الوجوب ، وتتميمه بقوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي (١) » قد تقدم الاشكال فيه بأن الكلام الشريف مجمل الدلالة في نفسه على الوجوب والاستحباب وغيرهما ، ضرورة اشتمال صلاته على بعض المندوبات والمباحات والتمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة في وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا.

وبالأخبار الدالة على تحريم العدول من سورة التوحيد والجحد الى ما عدا سورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة كصحيح الحلبي : « إذا افتتحت صلاتك بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة » (٢). وفيه : أن حرمة العدول لا تنافي الاستحباب ولا تلازم الوجوب.

هذا ولو سلم دلالة ما ذكر على الوجوب فهي معارضة بما دل على جواز الاقتصار على الفاتحة ، كصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله (ع) : « سمعته يقول بأن فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة » (٣) والجمع العرفي بينها حملها على الاستحباب ، أما الحمل على حال المرض أو الاستعجال أو الخوف ـ كما عن الشيخ (ره) ـ فهو بعيد ، ولا سيما الأول ، وليس بناؤهم على ارتكابه في أمثال المقام ، ولذا قال في المعتبر : « واعلم أن ما ذكره الشيخ (ره) تحكم في التأويل والظاهر أن فيه روايتين وحمل إحداهما على الجواز والأخرى على الفضيلة أقرب » ونحوه ما في المنتهى في آخر الفرع الرابع في مسألة جواز التبعيض.

وأما الحمل على التقية فهو وإن كان قريباً في نفسه لكنه خلاف القواعد المقررة في باب التعارض من أن ارتكابه مشروط بتعذر الجمع العرفي الموجبة‌

__________________

(١) كنز العمال ج : ٤ صفحة : ٦٢ حديث : ١١٩٦ وتقدم في فصل تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٥٢

______________________________________________________

في المقام العمل على نصوص النفي ، ولا سيما مع اعتضادها بنصوص التبعيض ، مثل صحيح أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما (ع) قال : « سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ قال (ع) : نعم اقسمها كيف شئت » (١) وصحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : « سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ قال (ع) : يقرأ الحمد ثمَّ يقرأ ما بقي من السورة » (٢). وصحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول عنها الى غيرها؟ فقال (ع) : كل ذلك لا بأس به وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع » (٣) ، ونحوها صحاح عمر بن يزيد‌ (٤) ، وعلي بن يقطين‌ (٥) ، وإسماعيل بن الفضل‌ (٦) وغيرها ، فإن رواية هؤلاء الأجلاء لذلك تأبى وروده مورد التقية ، كيف وهم أعيان حملة الحديث وأمناء الله تعالى على حلاله وحرامه؟ وكأنه لذلك مال الى القول بعدم الوجوب جماعة كالاسكافي وابن أبي عقيل والديلمي والمحقق والعلامة في المعتبر والمنتهى ، وقواه في التنقيح ، وهو خيرة المدارك والذخيرة والكفاية والمفاتيح على ما حكي عن بعضها.

لكن مع ذلك كله فالنفس لا تطمئن بعدم الوجوب ، للشهرة العظيمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٥٣

إلا في المرض [١] والاستعجال [٢] ، فيجوز الاقتصار على الحمد ، وإلا في ضيق الوقت [٣].

______________________________________________________

على الوجوب ، بل الإجماع ممن يعتد بفتواهم من القدماء عليه ، فالمسألة لا تخلو من إشكال ولا سيما مع ضعف بعض المناقشات السابقة ، فالتوقف فيها متعين والاحتياط طريق النجاة.

[١] عليه الوفاق كما في المعتبر ، ولا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى وإجماعا كما في كشف اللثام ، وعن البحار ، لمصحح عبد الله بن سنان المتقدم‌ (١) ، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ما يشق لأجله القراءة وغيره لكن لا يبعد انصرافه بمناسبة الحكم والموضوع الى خصوص الأول ، وفي المعتبر والمنتهى وعن البحار عده من موارد الضرورة.

[٢] إجماعا كما عن التذكرة وفي كشف اللثام ، وظاهر المعتبر والمنتهى عده وفاقياً ، لصحيح الحلبي المتقدم‌ (٢) ، وخبر الحسن الصيقل : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أيجزئ عني أن أقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو اجلني شي‌ء؟ فقال (ع) : لا بأس » (٣). وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يكون مستعجلا يجزئه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال (ع) : لا بأس » (٤) ولا يبعد انصرافها أيضاً الى صورة حصول المشقة بفواتها.

[٣] بلا كلام كما عن التنقيح ، وبلا خلاف كما عن المدارك ، وإجماعا كما عن البحار ، ويقتضيه مضافا ـ الى الأصل لعدم ظهور إطلاق فيما هو‌

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) راجع أول الفصل.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

١٥٤

______________________________________________________

مظنة الحجية على وجوب السورة ليرجع اليه عند الشك ـ ما ورد في المستعجل وفي المأموم المسبوق إذا لم يمهله الامام (١). اللهم إلا أن يستشكل فيه لو كان الضيق عن إدراك الركعة مع السورة بأن وجوب فعل الصلاة وكونها حاجة موقوف على سقوط جزئية السورة ، إذ لو كانت جزءاً في هذه الحال لا يتحقق الإدراك للركعة ، فلا وجوب ولا ملاك للأمر ، ولا حاجة الى فعل الصلاة ، فلا مجال لاستفادة السقوط من النصوص ولو بتوسط الأولوية ، وكذا الحال لو كان الوجه في السقوط الضرورة التي انعقد الإجماع على سقوط السورة معها إذ لا ضرورة مع ثبوت الجزئية ، لسقوط الأمر حينئذ. نعم يتم ذلك لو كان الضيق عن إدراك تمام الصلاة ، فإن ملاك الأمر بإتيان تمام أجزائها في الوقت حاصل ، فيمكن حينئذ دعوى صدق الحاجة والضرورة ، فهذا الفرض أولى بالسقوط مما قبله لا العكس كما ذكر في الجواهر ، وإن كان الظاهر تأتي نظير الإشكال في الفرض السابق كما عن الكركي ، لأن المراد من الحاجة والضرورة في كلام الأصحاب ما كان كذلك مع قطع النظر عن ثبوت السورة وسقوطها ، وليس كذلك في المقام ، إذ على تقدير ثبوت السورة يكون تركها موجباً لبطلان الصلاة ، فتفوت الحاجة والضرورة المقصودتان من الترك. نعم دعوى الاستفادة مما ورد في المسبوق في محلها ، لاتحاد الجهة في المقامين فتمكن حينئذ دعوى القطع بالأولوية ، ولا سيما بناء على ما هو الظاهر من أن المتابعة شرط في الائتمام المستحب ، إذ المقصود من ترك السورة حصول الائتمام بالركوع وهو مستحب. هذا والعمدة الأصل بعد دعوى عدم الإطلاق في أدلة الوجوب ، أو دعوى الإجماع على السقوط.

__________________

(١) تقدم ذلك كله في أول الفصل.

١٥٥

أو الخوف [١] ونحوهما من أفراد الضرورة ، فيجب الاقتصار عليها [٢] وترك السورة ، ولا يجوز تقديمها عليها [٣] ، فلو قدمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية [٤] إن قرأها ثانياً [٥]

______________________________________________________

[١] كما تقدم في صحيح الحلبي‌ (١).

[٢] فراراً عن الوقوع في الحرام. نعم لو لم تكن الضرورة محرمة لم يجب.

[٣] إجماعاً بل ضرورة كما قيل ، واستدل له في المستند بصحيح محمد ابن مسلم وموثق سماعة المتقدمين في مسألة وجوب الفاتحة (٢) راوياً لهما « يبدأ » بدل « يقرأ » ، والموجود في النسخة المصححة من الوسائل التي تحضرني « يقرأ » بدل « يبدأ » كما سبق.

[٤] كما عرفت من وجود العموم الدال على البطلان بها ، فراجع.

[٥] الظاهر صدق الزيادة بمجرد فعل ما لا يكون جزءاً بقصد الجزئية ، ولا يتوقف صدقها على فعله ثانياً ، بل لو عرضه في أثناء الفاتحة ما يوجب سقوط السورة من مرض ونحوه فصلاته باطلة للزيادة وإن لم يقرأها بعد ذلك لسقوطها عنه.

ثمَّ إن صدق الزيادة موقوف على القول بوجوب السورة ، إذ على القول باستحبابها يكون حال السورة المقدمة حال المستحبات المأتي بها في غير محلها التي عرفت عدم صدق الزيادة في الصلاة عليها فلا تبطل الصلاة. نعم يكون فعلها حينئذ تشريعاً محرماً ، لكن عرفت أن ذلك لا يقتضي البطلان. اللهم إلا من جهة عدم شمول ما دل على نفي البأس عن قراءة القرآن له. لكن لو سلم لا يهم لعدم شمول الكلام الممنوع في الصلاة له‌

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) راجع أول الفصل.

١٥٦

وعكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها ، ولو قدمها سهواً وتذكر قبل الركوع أعادها بعد الحمد [١] ، أو أعاد غيرها ، ولا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها [٢].

______________________________________________________

أيضاً فيكون المرجع في مانعيته أصل البراءة. وقد يعلل البطلان بلزوم القران بين السورتين ، وفيه أنه لو بني على مبطلية القران فشموله لمثل ذلك ـ ولا سيما لو أعاد السورة نفسها ـ محل إشكال.

[١] لصحة الصلاة حينئذ ، لعدم قدح الزيادة السهوية كما يقتضيه عموم : « لا تعاد الصلاة » (١). ويشهد له خبر علي بن جعفر (ع) : « عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمَّ ذكر بعد ما فرغ من السورة قال (ع) : يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب في ما يستقبل » (٢) وحينئذ يجب امتثال الأمر بالسورة بعد الفاتحة فيعيدها أو يقرأ غيرها ، لإطلاق دليلها.

[٢] خلافاً لجماعة ـ كما قيل ـ وربما يستظهر من كل من عبر باستئناف القراءة ، كما عن المنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية الأحكام والألفية وغيرها ، ووجهه أن مخالفة الترتيب الموجبة لبطلان الجزء كما تكون بتقديم المتأخر ، كذلك تكون بتأخير المتقدم ، وكما تبطل السورة بتقديمها تبطل الفاتحة بتأخيرها فلا بد من إعادتهما معاً ، وفيه : أن الظاهر من دليل اعتبار الترتيب في المقام : أنه يعتبر في الفاتحة أن تكون بعدها سورة ، وفي السورة أن تكون قبلها فاتحة ، فإذا قرأ السورة ثمَّ قرأ الفاتحة كانت السورة مخالفة للترتيب ، إذ لم تكن قبلها فاتحة ، وليست كذلك الفاتحة ، لإمكان أن تكون بعدها سورة ، فإذا قرأ السورة بعدها وقعتا معاً على وفق الترتيب. نعم لو كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الركوع حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

١٥٧

( مسألة ١ ) : القراءة ليست ركناً ، فلو تركها وتذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة [١] ،

______________________________________________________

مفاد دليل الترتيب : أنه يعتبر في الفاتحة أن لا تتقدم عليها سورة ، وفي السورة أن لا تتأخر عنها فاتحة ، كانتا معا باطلتين ، ولازمه لو ذكر بعد الفراغ من السورة قبل الفاتحة عدم تمكنه من قراءة الفاتحة مرتبة ، لأنه إذا قرأها قرأها بعد سورة فلا تكون مرتبة فبحديث : « لا تعاد الصلاة ». يسقط اعتبار الترتيب ، فيقرؤها فاقدة للترتيب ثمَّ يقرأ السورة بعدها ، أما لو ذكر بعد تمام الفاتحة ، فلأجل أنه لا يلزم من اعتبار الترتيب بطلان الصلاة ولزوم إعادتها ، وإنما يلزم بطلان السورة والفاتحة فقط ، لا مجال لتطبيق حديث : « لا تعاد الصلاة ». فالترتيب باق على اعتباره وتبطلان معا ، وعليه إعادة الفاتحة ثمَّ السورة. لكن هذا المعنى غير مراد من أدلة الترتيب قطعاً ، بل المراد منها المعنى الأول الذي عرفت أن مقتضاه إعادة السورة وحدها.

ثمَّ إنه قد يستفاد من خبر علي بن جعفر (ع) المتقدم‌ (١) عدم لزوم إعادة السورة ، لكنه غير ظاهر في ذلك ، بل المحتمل أو الظاهر إرادة أنه يمضي في صلاته فيقرأ فاتحة الكتاب ثمَّ يأتي بما بعدها من سورة وغيرها ، ولا وجه لحمل قوله (ع) : « في ما يستقبل » على الركعات اللاحقة ، ليكون ظاهراً في عدم وجوب قراءة الفاتحة بعد السورة المنسية ، ليكون مخالفاً للإجماع.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه ـ مضافاً الى الإجماع على عدم ركنيتها ـ جملة من النصوص كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال : « إن الله عز وجل فرض الركوع والسجود وجعل القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه » (٢)

__________________

(١) تقدم في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٥٨

وسجد سجدتي السهو [١] مرتين : مرة للحمد ، ومرة للسورة [٢] ، وكذا إن ترك إحداهما وتذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة ، وسجد سجدتي السهو ، ولو تركهما أو إحداهما وتذكر في القنوت أو بعده قبل الوصول الى حد الركوع رجع وتدارك [٣] ، وكذا لو ترك الحمد وتذكر بعد الدخول في‌

______________________________________________________

و‌موثق منصور بن حازم قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال (ع) : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى. قال (ع) : تمت صلاتك إذا كان نسياناً » (١) ونحوهما غيرهما.

[١] هذا بناء على وجوب سجود السهو لكل زيادة ونقيصة ، لمرسل سفيان : « تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو نقصان » (٢) وسيأتي إن شاء الله في محله الاشكال فيه. مع أن يعارضه في المقام قوله (ع) في ذيل الصحيح : « ولا شي‌ء عليه » ، ولما كان التعارض بالعموم من وجه كان الواجب في مورد المعارضة الرجوع الى أصالة البراءة من وجوب السجود ، وحمل الثاني على نفي الإعادة أو الاستئناف ليس أولى من تخصيص المرسل بغير المقام ، بل لعل الثاني أقرب لئلا يلزم التأكيد.

[٢] هذا مبني على صدق تعدد الزيادة في المقام بزيادة الفاتحة وزيادة السورة. لكن يأتي في محله إن شاء الله : أن المعيار في وحدة الزيادة وتعددها وحدة السهو وتعدده ، فترك السورة والفاتحة إن كان عن سهو واحد فالسجود واحد ، وإن كان عن أكثر فأكثر.

[٣] لأن فعل القنوت لا يوجب فوات المحل ، لعدم الدليل عليه ، بل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٣.

١٥٩

السورة رجع وأتى بها ، ثمَّ بالسورة.

( مسألة ٢ ) لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال [١] ،

______________________________________________________

يكون فعله نفسه في غير محله لفوات الترتيب ، فيلغى ويجب امتثال الأمر بالفاتحة والسورة.

[١] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر ، وعن الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، واستدل له بخبر سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) : « لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم » (١) وظاهره إما المانعية في خصوص الفجر مطلقاً وإن لم يفت الوقت ، أو الإرشاد إلى عدم الاجتزاء بها عن السورة ، وكلاهما أجنبي عن المدعى.

نعم قد تتم دلالته بخبره الآخر عن عامر بن عبد الله : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت » (٢). لكنه لا يخلو من إجمال ، إلا أن يستظهر منه وقت الفضيلة وحينئذ لا يكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد من الجمع بينهما أن النهي في الأول للكراهة ، لأجل فوات وقت الفضيلة ، فيستفاد منه النهي التحريمي لفوات وقت الاجزاء ، للقطع بعدم الفرق. وفيه : أنه لو تمَّ ذلك كان الظاهر من النهي النهي العرضي ، نظير النهي عن أحد الضدين لوجوب الآخر ، على التحقيق من عدم اقتضائه النهي وأنه من باب النهي عن أحد المتلازمين لحرمة الآخر ، كما هو كذلك في المورد ، فلا يكون تحريمياً حقيقياً ، كما هو ظاهر المدعى.

اللهم إلا أن يبنى على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، لكنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب القراءة في الصلاة : حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب القراءة في الصلاة : حديث : ١.

١٦٠