مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

______________________________________________________

زيد » ومعنى : « قلت مثل قول زيد » فإن الأول إنما يصدق مع اللحاظ الاستعمالي ، بخلاف الثاني فإنه يصدق بدونه. والسر في ذلك : أن جعل قول زيد مقروءاً لك ، ومقولا لك ، مع أنه ليس كذلك قطعاً ، لأن قوله شخص من اللفظ معدوم ومقولك شخص آخر غيره ، هو لأجل أن الحكاية بينهما اقتضت نحواً من الاتحاد بينهما كما هو مذكور في مبحث الاستعمال ، ولولاه لم يصح أن تقول : قلت : قوله. ولا : قرأت قصيدته. بل تقول : قلت مثل قوله. وقرأت مثل قصيدته. وعلى هذا ما يجري على لسان السكران والنائم والمجنون من التلفظ ببعض آيات القرآن ، ليس قراءة للقرآن ، لانتفاء قصد الحكاية ، وانتفاء اللحاظ الاستعمالي ، الذي عرفت اعتباره فيها. اللهم إلا أن يقال : اللحاظ موجود لهم في بعض القوى وإن لم يكونوا كغيرهم ، كما هو غير بعيد.

إذا عرفت هذا نقول : لما كانت سور القرآن المجيد أشخاصاً من اللفظ نزل به الروح الأمين (ع) على النبي (ص) وكان مع كل سورة شخص من البسملة ، فوجوب قراءة كل سورة تامة حتى بسملتها راجع الى وجوب التلفظ بألفاظ السورة بقصد حكايتها بتمامها ، حتى بسملتها ، فاذا بسمل لا بقصد حكاية بسملة خاصة من بسملات السور لا يصدق أنه قرأ بسملة من تلك البسملات ، فإذا قرأ سورة خاصة بعدها كسورة التوحيد لم يكن قارئاً لسورة التوحيد بتمامها حتى بسملتها ، بل يكون قارئاً لما عدا البسملة منها فلا تجزئ.

ومن ذلك كله يظهر لك : الاشكال فيما ذكره في الجواهر في المسألة الثامنة من الاستدلال على عدم وجوب التعيين بمنع تأثير النية في التشخيص ، قياساً على المركبات الخارجية ، أو بمنع توقف التشخيص عليها ، بل قد يحصل بغيرها وهو الاتباع بسورة للصدق العرفي ، وقد أطال (ره) في‌

١٨١

______________________________________________________

تقريب ذلك وتأييده بما لا يخفى الاشكال فيه بعد التأمل فيما ذكرنا. فراجع وتأمل.

فإن قلت : الواجب في الصلاة كلي السورة الجامع بين أفراده ، فإذا كانت البسملة مشتركة بين جميع السور كان الواجب من البسملة الكلي الجامع بين أفرادها ، فإذا قرأ البسملة ولم يقصد منها بسملة معينة لكن قصد حكاية الكلي الجامع بين البسملات ، فقد امتثل الأمر بالبسملة وبقي عليه امتثال الأمر بكلي السورة عدا البسملة ، فإذا جاء بعدها بفرد من السورة فقد خرج عن عهدة التكليف بالسورة تامة.

قلت : ما هو جزء كل سورة شخص وحصة من كلي البسملة ، فقراءة السورة عبارة عن حكاية سورة مع الشخص الخاص من البسملة ، وحكاية الجامع ليست حكاية لذلك الشخص ، فتكون بسملة السورة التي يقرؤها غير مقروءة ولا محكية ، فكيف يخرج بذلك عن عهدة الأمر بقراءة السورة التامة؟.

فإن قلت : إذا قصد حكاية كلي البسملة صدق على ذلك الكلي أنه مقروء ، ولضرورة صدق الكلي على كل واحد من أفراده يصدق على كل من بسملات السور أنها مقروءة ، فإذا قرأ بعد ذلك سورة فقد قرأها مع بسملتها.

قلت : سراية حكاية الكلي إلى الفرد ممنوعة ، كما يظهر من قياسها بحكاية اللفظ الموضوع للمعنى الكلي ، فإن حكايته عنه ليست حكاية عن الفرد ، ولا استعمال اللفظ فيه استعمالا له في الفرد ، فاذا حكى كل البسملة لم تكن حكايته حكاية لأفرادها ، فإذا أمر بقراءة سورة مع بسملتها ـ أعني الحصة الخاصة المصدرة بها السورة في زمان نزولها ـ لم يخرج عن عهدة التكليف المذكور بحكاية الكلي الصادق عليها وعلى غيرها من حصص البسملة

ومن ذلك يظهر الإشكال في صدق قراءة القرآن على حكاية الجامع‌

١٨٢

وإن كان هو الأحوط. نعم لو عين البسملة لسورة لم تكلف لغيرها [١] ، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة.

______________________________________________________

بين الآيات المشتركة مثل ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) (١) ، ( فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ ) (٢) ، ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٣) ، ( الم ) (٤) الى غير ذلك ، لأن قراءة القرآن المأخوذة موضوعاً للاحكام يراد بها حكاية تلك الحصص الخاصة من الكلام المنزل ، وحكاية الجامع بينها ليست حكاية لها ، فلو حرم على الجنب قراءة آيات العزيمة لم يحرم عليه قراءة الجامع بين بسملات سورها ، وكذا الحال في كتابة القرآن ، فلو كتب الجامع بين الآيات المشتركة لم يحرم مسه على المحدث ، ويكون الحال كما لو كتبها لإنشاء معانيها لا غير ، بل الظاهر عدم صدق القرآن على الجامع بين الآيات المشتركة ، إذ القرآن هو نفس الحصص الخاصة ، والجامع اعتبار ينتزعه العقل منها. ومجرد صحة انتزاعه منها غير كاف في كونه قرآناً. نعم لو كان المحكي نفس الأفراد جميعها كان المحكي قرآناً ، وكانت الحكاية قراءة للقرآن ، فلو ضم إليها أي سورة شاء أجزأه ـ على إشكال ـ لاحتمال الانصراف إلى الحكاية الاستقلالية.

[١] لأنها غير بسملتها الملحوظة جزءاً لها فلا وجه لكفايتها عنها ، وإن تردد فيه كاشف اللثام ، بل عن ظاهر محكي البحار : الجزم بعدم صيرورتها جزءاً بذلك ، بحيث لا تصلح لصيرورتها جزءاً من غيرها ، محتجاً‌

__________________

(١) مكررة في سورة « الرحمن » في احدى وثلاثين آية.

(٢) مكررة في سورة « القمر » في آيتين : ٣٧ ، ٣٩.

(٣) مكررة في القرآن. في سورة الفاتحة. وفي سورة الانعام : ٤٥ وفي سورة يونس : ١٠ وفي سورة الصافات : ١٨٢ وفي سورة الزمر : ٧٥ وفي سورة غافر : ٦٥.

(٤) أول سورة البقرة. وآل عمران. والعنكبوت. والروم. ولقمان. والسجدة.

١٨٣

( مسألة ١٢ ) : إذا عين البسملة لسورة ثمَّ نسيها فلم يدر ما عين وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد [١] ، ولو علم أنه عينها لإحدى السورتين من الجحد والتوحيد ولم يدر أنه لأيتهما أعاد البسملة وقرأ إحداهما ولا تجوز قراءة غيرهما [٢]

______________________________________________________

بالكتابة ، وبخبر قرب الاسناد الآتي في مسألة العدول ، وبأنه يلزم اعتبارهم النية في باقي الألفاظ المشتركة غيرها كقول : الحمد لله.

لكن فيه منع ذلك في الكتابة فإنها كالقراءة حكاية متقومة بالقصد ، وخبر قرب الاسناد لا ينافي اعتبار القصد كما سيأتي ، والالتزام بذلك في جميع الألفاظ المشتركة لا محذور فيه ، وكونهم لا يقولون بذلك ممنوع.

[١] وإن احتمل تعيين البسملة للسورة التي أرادها ، للشك في تحقق قراءة بسملتها فيرجع الى قاعدة الاشتغال.

[٢] لشروعه في إحداهما بقراءة بسملتها ولا يجوز العدول عنهما الى غيرهما كما سيأتي إن شاء الله. ثمَّ إن الاكتفاء بقراءة إحداهما ينبغي أن يبتني على جواز العدول من الجحد والتوحيد إلى الأخرى ، وإلا فلو بني على عدمه ـ كما سيأتي ـ يجب عليه الجمع بين السورتين بلا إعادة البسملة ، للعلم الإجمالي بوجوب قراءة ما عينها المرددة بينهما. فيأتي بإحداهما المعينة بقصد الجزئية ، والأخرى بقصد القربة المطلقة.

نعم لو بني على حرمة القران وشموله للقراءة ولو بعنوان القربة أشكل الحال في صحة الصلاة ، للدوران بين المحذورين ، وكذا لو بني على اعتبار الموالاة بين البسملة والسورة بنحو ينافيها قراءة سورة بينهما ، لعدم إمكان الموافقة القطعية حينئذ ، كما أنه لو بني على أن ذلك عذر في جواز العدول جازت قراءة غيرهما فتأمل جيداً.

١٨٤

( مسألة ١٣ ) : إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء [١] ، ولو شك في أنه عينها لسورة معينة أولا فكذلك [٢] لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مر من الاحتياط في التعيين.

( مسألة ١٤ ) : لو كان بانياً من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي وقرأ غيرها كفى [٣] ، ولم يجب إعادة السورة ، وكذا لو كانت عادته سورة معينة فقرأ غيرها.

( مسألة ١٥ ) : إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها وقرأها نسياناً بنى على أنه لم يعين غيرها [٤].

______________________________________________________

[١] قد عرفت في المسألة الحادية عشرة إشكاله.

[٢] كأنه لأصالة عدم تعيينها لسورة معينة ، لكن تعيين السورة لم يجعل موضوعا لحكم شرعي ، وإنما موضوع الحكم ـ بناء على مذهب المصنف (ره) ـ هو قراءة البسملة المطلقة ، وأصالة عدم تعيين السورة لا يصلح لإثباته إلا على القول بالأصل المثبت ـ مع أنها معارضة بأصالة عدم قصد البسملة المطلقة.

[٣] إذ لا قصور في قراءتها من حيث كونها عن قصد وإرادة ، غاية الأمر أن تأثير الداعي في الإرادة كان ناشئاً عن نسيان الداعي الأول ، الذي كان يدعو الى قراءة السورة ، التي بنى على قرائتها أول الصلاة ، لكن هذا المقدار لا يوجب خللا ولا نقصاً في المأمور به.

[٤] قد عرفت أن التعيين للغير لا أثر له شرعي ، فالعمدة جريان قاعدة التجاوز لإثبات البسملة التي هي جزء ، لعدم الفرق في موضوع‌

١٨٥

( مسألة ١٦ ) : يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختياراً [١] ما لم يبلغ النصف [٢].

______________________________________________________

قاعدة التجاوز بين الجزء وجزء الجزء كما سيأتي إن شاء الله ، لصدق التجاوز بالنسبة إلى الجميع.

[١] بلا خلاف ظاهر في الجملة ، والنصوص به مستفيضة أو متواترة كصحيح عمرو بن أبي نصر السكوني : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. و : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. فقال (ع) : يرجع من كل سورة إلا من : قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. و : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » (١). وصحيح الحلبي : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل قرأ في الغداة سورة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. قال (ع) : لا بأس ومن افتتح سورة ثمَّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ولا يرجع منها الى غيرها ، وكذلك قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » (٢). ونحوهما غيرهما ، ولا فرق بين أن تكون المعدول إليها قد أراد قراءتها أولا فقرأ غيرها أو بدا له ذلك في الأثناء ، إذ الأول مضمون الأول والثاني مضمون الثاني.

[٢] المعروف عدم جواز العدول مع تجاوز النصف ، بل ظاهر مجمع البرهان وعن ظاهر المفاتيح الإجماع عليه ، وفي مفتاح الكرامة : كاد أن يكون معلوما. وفي الجواهر : الظاهر تحقق الإجماع عليه. ويومئ اليه خبر الذكرى الآتي ، لكن في موثق عبيد عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها. فقال (ع) : له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها » (٣) وفي كشف الغطاء العمل به وجعل الأحوط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٨٦

______________________________________________________

مراعاة النصف ، لكنه غير ظاهر بعد مخالفته لما ذكر.

وإنما الخلاف في جوازه مع بلوغ النصف ، كما حكاه في مفتاح الكرامة عن المقنعة والنهاية والمبسوط والشرائع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والإرشاد والبيان والألفية وكشف اللثام وغيرها. بل قيل إنه المشهور ، وعدمه كما حكاه في مفتاح الكرامة عن السرائر وجامع الشرائع والدروس والموجز وجامع المقاصد والروض والمقاصد العلية وغيرها. بل قيل إنه الأشهر ، وفي الذكرى أنه مذهب الأكثر. قولان ، وليس في النصوص ما يشهد للثاني كما شهد بذلك في الذكرى.

نعم في الفقه الرضوي : « فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع الى سورة الجمعة وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك » (١).

وهو مع ضعفه في نفسه معارض بغيره مما دل على جواز العدول مع بلوغ النصف ، كخبر قرب الاسناد عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه. ( عليه‌السلام ) : « عن الرجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع الى السورة التي أراد؟ قال (ع) : نعم ما لم تكن قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » (٢). وخبر البزنطي عن أبي العباس المروي في الذكرى‌ (٣) مقطوعا ـ كما عن نسختين منها ـ بل في الحدائق حكاية ذلك عن جميع النسخ التي وقف عليها ، وعن جامع المقاصد والروض روايته مقطوعا أيضاً أو مضمراً عنه (ع) : كما في نسخة الفاضل الهندي من الذكرى أو مسنداً الى الصادق (ع) ( الرضا (ع) خ ل ) كما في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

١٨٧

______________________________________________________

نسخة المجلسي‌ منها : « في رجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ في أخرى. قال (ع) : يرجع الى التي يريد وإن بلغ النصف ». وصحيح الكناني والبزنطي وأبي بصير كلهم عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثمَّ ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثمَّ يذكر قبل أن يركع قال (ع) : يركع ولا يضره » (١). نعم مورد الأخير الناسي كما أن مورد الأولين خصوص صورة إرادة السورة المعدول إليها.

ولأجل ذلك كان ظاهر الذكرى وجامع المقاصد المنع من العدول عند بلوغ النصف إذا لم يكن أراد غيرها ، أما إذا قرأ غير ما أراد جاز له العدول ، بل قال في الذكرى ـ بعد رواية أبي العباس : « قلت هذا حسن ويحمل كلام الأصحاب والروايات على من لم يكن مريداً غير هذه السورة لأنه إذا قرأ غير ما أراده لم يعتد به ولهذا قال يرجع فظاهره تعين الرجوع ».

ويشكل بأنه إذا قرأ غير ما أراد فهذه القراءة ناشئة عن إرادة أخرى غفلة عن الداعي إلى الإرادة الأولى فلا وجه لعدم الاعتداد به. ولو سلم فالأصحاب قد عرفت اختلافهم في ذلك واختلاف ظاهر كلماتهم ، وأما الروايات فقد تقدم منه (ره) الاعتراف (٢) بأنه لم يقف على رواية تدل على الاعتبار بالنصف ، كي تحمل على غير من أراد ، وأيضاً فإن النصوص المذكورة وإن كانت قاصرة عن إثبات الجواز عند بلوغ النصف ، لكن في الإطلاقات الدالة على جواز العدول من سورة إلى أخرى كفاية في إثباته ، إذ المتيقن في الخروج عنها صورة التجاوز عن النصف لا غير فيرجع في صورة بلوغ النصف إليها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٢) راجع الصفحة السابقة.

١٨٨

إلا من الجحد والتوحيد [١]. فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما ، بل من إحداهما إلى الأخرى [٢] بمجرد الشروع فيهما ولو بالبسملة [٣] ، نعم يجوز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين [٤]

______________________________________________________

[١] على المشهور كما عن جماعة ، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليه ، ويشهد له صحيحا السكوني والحلبي وخبر علي بن جعفر (ع) المتقدمة (١) ، وما عن المنتهى والبحار والذخيرة من التوقف فيه ضعيف ، ومثله ما في المعتبر من أن الوجه الكراهة لقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) (٢) ولا تبلغ الرواية ـ يعني رواية السكوني‌ ـ قوة في تخصيص الآية. انتهى ، فان الصحيح المذكور المعتضد بغيره يخصص الكتاب ، وعليه العمل في غير المقام من مباحث القراءة وغيرها ـ مع أن إطلاق الآية ليس فيما نحن فيه لئلا يلزم التقييد المستهجن. نعم يمكن أن يكون وجه المنع ما سيأتي مما دل على جواز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين يوم الجمعة مع استحباب قراءتهما فيه ، بدعوى أنه لو وجب الإتمام لما جاز العدول لفعل المستحب. وفيه : انه لا ملازمة كما يظهر من جواز قطع الفريضة لغير الواجب مع عدم جوازه في نفسه.

[٢] لإطلاق نصوص المنع.

[٣] كما يقتضيه ظاهر الاستثناء في النصوص ولا سيما خبر ابن جعفر (ع) والظاهر أنه لا إشكال فيه.

[٤] كما هو المشهور ، ويشهد له جملة من النصوص كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ

__________________

(١) تقدم الأولان في أول المسألة. والأخير في التعليقة السابقة.

(٢) المزمل : ٢٠.

١٨٩

في خصوص يوم الجمعة [١] حيث انه يستحب في الظهر أو‌

______________________________________________________

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. قال (ع) : يرجع الى سورة الجمعة » (١). وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا افتتحت صلاتك بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها » (٢). ونحوهما غيرهما ، وبها يقيد إطلاق المنع عن العدول عنهما. فما عن ظاهر الانتصار والسرائر وغيرهما من عموم المنع ضعيف.

نعم مورد الجميع سورة التوحيد ، فالتعدي عنها إلى سورة الجحد إما بعدم القول بالفصل ، أو بمعارضة إطلاق المنع عن العدول عنهما بإطلاق خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن القراءة في الجمعة بما يقرأ. قال (ع) : سورة الجمعة : وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ وإن أخذت في غيرها وإن كان قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فاقطعها من أولها وارجع إليها » (٣) ولأجل أن بين الإطلاقين عموما من وجه يرجع في مورد المعارضة إلى استصحاب التخيير ، أو عموم جواز العدول ما لم يتجاوز النصف ـ مضافا الى إمكان دعوى كون إطلاق خبر ابن جعفر (ع) أقوى ، بقرينة قوله (ع) : « وإن كان قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ». الظاهر في كون سورة التوحيد أولى بالإتمام من غيرها ، فاذا جاز العدول عنها جاز عن غيرها بطريق أولى.

[١] المحكي عن الفقيه والنهاية والمبسوط والسرائر : أن ذلك في ظهر الجمعة. وعن صريح الشهيدين والمحقق الثاني أن ذلك في الجمعة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

١٩٠

الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين ، فاذا نسي وقرأ [١] غيرهما حتى الجحد والتوحيد يجوز العدول إليهما‌

______________________________________________________

وظهرها. بل عن البحار : الظاهر أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما وكأنه حمل كلام الأولين على ما يعم الجمعة ، بأن يراد من الظهر الصلاة أعم من أن تكون رباعية وثنائية ، وعن الحدائق : أن ذلك في صلاة الجمعة لا ظهرها. وعن التذكرة وجامع المقاصد وظاهر الموجز والروض أو صريحهما : أن ذلك في الجمعة والظهر والعصر. وهو الذي يقتضيه إطلاق ما في صحيح الحلبي من قوله (ع) : « في يوم الجمعة » (١). ولا مجال للأخذ به بالإضافة إلى الصبح ، لعدم توظيف الجمعة والمنافقين فيها وتوظيفهما في خصوص الظهرين والجمعة ، الموجب ذلك للانصراف إليها لا غير ، وذكر الجمعة في غيره من النصوص الظاهر في خصوص صلاة الجمعة لا يقتضي تقييده ، لعدم التنافي بينهما ، ومن ذلك يظهر ضعف الأقوال الأخر ، وأضعف منها ما عن الجعفي (ره) من الاقتصار على ذكر الجمعة وصبحها والعشاء ليلتها.

[١] عن المحقق والشهيد الثانيين تخصيص الحكم بصورة النسيان ، وعن ظاهر المختلف نسبته إلى الأكثر ، وكأنه لاختصاص مثل صحيحي ابن مسلم والحلبي به ، (٢) ، لكنه لا يصلح لتقييد خبر ابن جعفر (ع) (٣) الشامل له وللعامد ، فالبناء على العموم أظهر كما عن البحار ونسب إلى إطلاق الفتاوى.

__________________

(١) المتقدم في الصفحة السابقة.

(٢) المتقدمان في الصفحة : ١٨٩ ، ١٩٠.

(٣) المتقدم في الصفحة السابقة.

١٩١

ما لم يبلغ النصف [١] وأما إذا شرع في الجحد‌

______________________________________________________

[١] أو ما لم يتجاوز النصف ـ على الخلاف السابق ـ والتحديد بذلك محكي عن السرائر والدروس وجامع المقاصد والروض وغيرها. بل عن المسالك والحدائق : أنه المشهور. وعن البحار نسبته إلى الأكثر ، وكأنه للجمع بين هذه النصوص وبين ما تقدم (١) من عموم المنع إذا بلغ النصف وتجاوزه كما في كشف اللثام ، وعن المحقق والشهيد الثانيين الاستدلال له بأنه مقتضى الجمع بين ما تقدم من النصوص المطلقة في جواز العدول ، وبين رواية صباح بن صبيح عن الصادق (ع) : « عن رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. قال (ع) : يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف » (٢). بحمل الأول على صورة عدم التجاوز والثانية على صورة التجاوز ، وفيه أنه جمع تبرعي لا شاهد عليه ، بل ظاهر رواية الصباح صورة الالتفات بعد الفراغ من سورة التوحيد ، فلا تنافي تلك النصوص بوجه.

ومنه يظهر الاشكال فيما عن ظاهر الكليني وتبعه عليه جماعة من الجمع بالتخيير ، فإنه إنما يكون جمعاً عرفياً لو كان ظاهر رواية الصباح الالتفات في الأثناء كما لا يخفى ، فاذاً لا مانع من الأخذ بإطلاق نصوص جواز العدول الشامل لصورة التجاوز عن النصف ، ولا يعارضه عموم المنع ، إذ قد عرفت أنه لا دليل على المنع إلا الإجماع المتقدم على عدم جوازه حينئذ ، وهو غير ثابت في المقام ، لما عن المبسوط والنهاية والتحرير والإرشاد والتذكرة والمنتهى وغيرها : من إطلاق جواز العدول. وعن صريح بعض متأخري المتأخرين ذلك أيضاً.

نعم يمكن أن يعارض إطلاق نصوص المقام بإطلاق رواية الذكرى‌

__________________

(١) في صفحة : ١٨٧.

(٢) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٩٢

أو التوحيد عمداً ، فلا يجوز العدول إليهما [١] أيضاً على الأحوط.

( مسألة ١٧ ) : الأحوط عدم العدول من الجمعة والمنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة وإن لم يبلغ النصف [٢].

______________________________________________________

المتقدمة (١) ، ولأجل أن بينهما عموماً من وجه يرجع الى عموم المنع عن العدول عن سورتي الجحد والتوحيد ، لكنه موقوف على حجية الرواية سنداً وعدم أظهرية نصوص المقام منها ، وقد تقدم وجه الإشكال في الأول ، ولا تبعد دعوى أظهرية نصوص المقام منها كما لا يخفى بأقل تأمل.

نعم إن ثبت الإجماع على عدم جواز العدول من غير الجحد والتوحيد بعد تجاوز النصف إلى الجمعة والمنافقين ، أمكن تقييد الإجماع. اللهم إلا أن يدعى كون الأولوية ظنية لا يعول عليها ، إذ يمكن التشكيك في الإجماع ، فيلتزم بالتعدي عن الجحد والتوحيد إلى سائر السور فيحكم بجواز العدول عنها بعد تجاوز النصف إلى الجمعة والمنافقين.

[١] تقدم بيان وجه ضعفه.

[٢] لأن تجويز العدول من الجحد والتوحيد إليهما محافظة على قراءتهما ـ مع كونه ممنوعاً في نفسه ـ يدل على أهميتهما من العدول الممنوع عنه ، والعدول عنهما الى غيرهما مخالفة لذلك الاهتمام. ويؤيده ما عن كتاب الدعائم : « وكذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما الى غيرهما ، وإن بدأ بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ قطعها ورجع الى سورة الجمعة أو سورة المنافقين » (٢) لكن لا يخفى : أنه لو تمَّ لاقتضى وجوب قراءة السورتين وليس كذلك كما سيأتي ـ مضافاً الى أن جواز العدول يمكن أن يكون لقصور مقتضي‌

__________________

(١) في صفحة : ١٨٧.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٥١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٩٣

( مسألة ١٨ ) : يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقاً وإن بلغ النصف [١]

______________________________________________________

المنع ، لا لأجل الأهمية كما لا يخفى ، وخبر الدعائم ضعيف لا يعول عليه.

[١] كما عن ظاهر الشيخ (ره) في النهاية أو صريحه ، وكذا ظاهر الذكرى حيث قيد المنع من العدول بعد تجاوز النصف بالفريضة ، بعد ذكر جواز العدول قبل ذلك في الفريضة والنافلة ، بل قيل : إنه نسب الى ظاهر الأصحاب من جهة إيرادهم الحكم في طي أحكام الفرائض.

وفيه : أن تقييد مثل حرمة القران وقراءة العزيمة بالفريضة في كلماتهم وعدم التقييد بها هنا في كلام كثير منهم ، شاهد بعموم الحكم للنافلة ، ويقتضيه إطلاق نصوص المنع المتقدمة.

وفي المستند اختار المنع على القول بحرمة قطع النوافل ، لعموم الأخبار والجواز على القول بجوازه ، لأن دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن النصف وفي الجحد والتوحيد إنما هو من حيث الأمر بالمضي في الصلاة ، أو إثبات البأس في الرجوع ، ونحوهما مما يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها. وفيه : أن ظاهر أخبار المنع تعين السورة التي شرع فيها لأداء الوظيفة المقصودة منها ، وعدم صلاحية المعدول إليها لذلك ، ولا يرتبط بمسألة حرمة القطع وجوازه ، ولذا نقول بحرمة العدول في الفريضة حتى في مورد كان يجوز فيه قطعها ، كما لا يرتبط بمسألة وجوب السورة وعدمه ، ولذا نقول بحرمة العدول في الفريضة أيضاً ، إذا كان لا تجب فيها السورة كما في المريض والمستعجل.

نعم قد يشكل التعدي إلى النافلة في عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف لأن العمدة في المستند فيه الإجماع ، وهو غير حاصل في النافلة كما تقدم‌

١٩٤

( مسألة ١٩ ) : يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف [١] حتى في الجحد والتوحيد كما إذا نسي بعض السورة ، أو خاف فوت الوقت بإتمامها ، أو كان هناك مانع آخر ، ومن ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معينة في صلاته فنسي وقرأ غيرها فان الظاهر جواز العدول وإن كان بعد بلوغ النصف ، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد [٢].

______________________________________________________

في كلام الذكرى ، ولعله يقتصر في منع إلحاق النافلة في الفريضة عليه ، وحينئذ يكون ما ذكره في محله فتأمل.

[١] كما صرح به في الجواهر ، وغيرها لانسباق غير ذلك من نصوص المنع ، واختصاصه بصورة إمكان الإتمام ، فيبقى العدول في غيرها على أصالة الجواز.

[٢] إذا نذر قراءة سورة معينة في صلاته فمرجع نذره الى أحد أمرين : الأول : نذر أن لا يقرأ سورة إلا ما عينها ، فإذا قرأ غيرها كانت قراءتها مخالفة للنذر فتبطل ، فإذا قرأها نسياناً والتفت في الأثناء لم يقدر على إتمامها للنهي عنها من أجل مخالفة النذر ، فيتعين عليه العدول. الثاني : نذر أن يقرأها على تقدير اشتغال ذمته بسورة ، فإذا قرأ غيرها لم يكن ذلك مخالفة للنذر ، لأن النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه ، فلا مانع من تفويت شرطه بإفراغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة سورة غير المنذورة. فلو قرأ غيرها نسياناً فان كانت مما يجوز العدول عنها جاز له الإتمام والعدول ، وإن كان مما لا يجوز العدول عنها وجب عليه إتمامها ، ولا مسوغ للعدول ، لما عرفت من أنه ليس في إتمامها مخالفة للنذر بوجه ، فعموم المنع عن العدول عنها بلا مزاحم. ولأجل أن الظاهر من نذر قراءة‌

١٩٥

______________________________________________________

سورة معينة هو الأول أطلق المصنف (ره) جواز العدول ، بل عرفت أنه واجب.

هذا ولكن بنى غير واحد من الأعيان على بطلان النذر في المقام ، لاعتبار رجحان متعلقه في وقته وهو مفقود ، لكون المفروض حرمة العدول بعد تجاوز النصف ، ومن السورتين مطلقاً. فاذا كان حراما في وقته امتنع نذره وكان باطلا ، وكذا الحال في كل مورد يطرأ على المنذور ما يوجب مرجوحيته : كأمر الوالد أو السيد ، أو التماس المؤمن ، أو غيرها ، فان طروء واحد من الأمور المذكورة لما كان موجباً لمرجوحية المنذور يكشف عن فساد النذر من أول الأمر.

وفيه : أنه إذا فرض أن حرمة العدول مشروطة بإمكان الإتمام فالنذر على تقدير صحته رافع لذلك الإمكان ، لرفعه مشروعية الإتمام فالبناء على بطلان النذر تخصيص لدليل نفوذه من دون وجه ظاهر. وإن شئت قلت : يعتبر في صحة النذر رجحان المنذور في وقته ، ويعتبر في حرمة العدول مشروعية السورة التي شرع فيها ، فاذا نذر أن لا يقرأ يوم الاثنين إلا سورة الدهر مثلا ، فشرع في غيرها نسياناً حتى تجاوز نصفها ، امتنع حينئذ الجمع بين صحة النذر وحرمة العدول إلى سورة الدهر ، لأنه إن صح النذر كان إتمام السورة التي شرع فيها غير مشروع لأنه مخالفة للنذر ، وإذا كان الإتمام غير مشروع لم يحرم العدول إلى سورة الدهر ، كما أنه إذا حرم العدول إليها كانت قراءتها مرجوحة ، وإذا كانت قراءتها مرجوحة بطل نذرها ، وحينئذ فاما أن يبنى على بطلان النذر بدعوى : أن حرمة العدول ترفع موضوعه وهو رجحان المنذور ، ولا يصلح هو لرفعها ، لأن إمكان الإتمام المعتبر في حرمة العدول يراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه ، أو يبنى على عدم حرمة العدول بدعوى : ان صحة النذر ترفع‌

١٩٦

______________________________________________________

موضوع الحرمة ـ أعني مشروعية الإتمام وإمكانه ـ فيجوز لذلك العدول ، ولا تصلح الحرمة لرفعه لأن الرجحان المعتبر في موضوع النذر يراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه ، وإما أن يبنى على بطلان النذر وعدم حرمة العدول تخصيصاً لدليلهما.

وهذه الاحتمالات الثلاثة هي الاحتمالات الجائزة التي يتردد بينها ويحتاج في تعيين واحد منها الى معين. وهناك احتمالات أخرى غير جائزة : منها : البناء على بطلان النذر وعدم حرمة العدول على نحو التخصص لا التخصيص ـ كما فيما سبق ـ بأن يكون كل من النذر وحرمة العدول رافعاً لموضوع الآخر فلا مجال له للزوم الدور. ومنها : البناء على ثبوتهما معاً ، فمع أنه يلزم منه التكليف بغير المقدور. أنه تخصيص لما دل على اعتبار الرجحان في النذر ، ولما دل على اعتبار إمكان الإتمام في حرمة العدول بلا وجه.

ثمَّ إنه إذا لم يكن ما يوجب ترجح أحد الاحتمالين الأولين على الآخر يتعين البناء على الثالث للتعارض الموجب للتساقط. لكن لا ينبغي التأمل في ترجيح الاحتمال الثاني على الأول عرفاً. فإنهما وإن كانا مشتركين في تقييد دليل شرطية السبب ، إذ في الأول : تقييد دليل اعتبار إمكان الإتمام فيراد منه الإمكان لا بالنظر الى أمر سابق تصلح الحرمة لرفعه ، وفي الثاني : تقييد دليل شرطية الرجحان في النذر فيراد منه الرجحان لا بالنظر الى أمر لاحق يصلح النذر لرفعه ، لكن التقييد الثاني أقرب عرفاً تنزيلا للسببين المذكورين بمنزلة السببين الحقيقيين المتنافيين اللذين يكون السابق منهما شاغلا للمحل ومانعاً من تأثير اللاحق ، فلو فرض تأخر النذر عن حرمة العدول كان هو المتعين للبطلان ، وكذا الحال في جميع الموارد التي يتعارض فيها دليل وجوب الوفاء بالنذر ودليل وجوب شي‌ء أو حرمته المشروط بشرط بنحو يصلح أن يكون كل من الدليلين على تقدير صحة تطبيقه رافعاً لموضوع الآخر ، فان‌

١٩٧

( مسألة ٢٠ ) : يجب على الرجال الجهر بالقراءة [١]

______________________________________________________

كان أحدهما سابقاً والآخر لاحقاً صح تطبيق الدليل السابق وسقط بالإضافة إلى اللاحق ، مثل ما لو نذر زيارة الحسين (ع) في كل عرفة ثمَّ ملك الزاد والراحلة ـ بناء على أن الاستطاعة المأخوذة شرطاً لوجوب الحج يراد بها ما يعم الاستطاعة الشرعية ـ فإنه لا يجب عليه الحج ، ومثل ما لو نذرت المرأة أن تصوم كل جمعة ثمَّ تزوجت فمنعها زوجها من الصوم فإنه لا تجوز إطاعته في مخالفة النذر. نعم لو اقترن السببان سقطا معاً لعدم المرجح ، فلاحظ. والله سبحانه أعلم.

[١] كما هو المشهور كما عن جماعة كثيرة. بل عن الخلاف : الإجماع عليه. ويشهد له صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه. فقال (ع) : أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه وقد تمت صلاته » (١) ، ومفهوم صحيحه الآخر عنه (ع) : « قلت له : رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ، فقال (ع) : أي ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه » (٢).

والمناقشة فيهما بظهور التعبير بـ « ينبغي » في السؤال في مطلق الرجحان ، وفي الأول باحتمال كون « نقص » بالمهملة لا بالمعجمة وهو يصدق بترك المستحب ـ كما ترى. لوضوح اضطرار السائل إلى التعبير بما هو ظاهر في القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب بعد فرض كونه جاهلا بالوجوب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٩٨

______________________________________________________

كما يقتضيه ظاهر الجواب عن صورة العمد ، إذ لو كان السائل عالماً بالوجوب لم يحتج إلى الجواب عن صورة العمد بالبطلان لوضوح ذلك ، واما إطلاق النقص فهو ظاهر في البطلان ، ولا سيما في مقابل إطلاق التمام المقتضي للصحة.

وهذان الصحيحان هما العمدة في إثبات الوجوب. أما مداومة النبي (ص) على الجهر فلا تصلح لإثباته لأنها أعم. وقوله (ص) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » (١) فقد عرفت الاشكال عليه ، والاستدلال بهما عليه ـ كما في المعتبر وغيره ـ ضعيف. ومثلهما ما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في ذكر العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض : « إن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار ان هناك جماعة » (٢) ، وما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن القراءة خلف الامام فقال (ع) : « وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه » (٣) ، وما في خبر محمد بن حمران ( عمران خ ل ) عن أبي عبد الله (ع) : من تعليل ذلك بأنه : « لما أسري بالنبي (ص) كان أول صلاة فرض الله تعالى عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلي خلفه فأمر نبيه (ص) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله .. » (٤) ، فان الوجوب والأمر غير ظاهرين في الوجوب الاصطلاحي إلا بالإطلاق ، وهو مفقود لعدم سوق الكلام للتشريع ، ولو سلم فالعلة في الأولين استحبابية لا تصلح لإثبات الوجوب ، مع أنهما غير شاملين لغير الامام. وأضعف من ذلك الاستدلال بما تضمن : أن الصلاة منها جهرية‌

__________________

(١) كنزل العمال ج : ٤ صفحة : ٦٢ حديث : ١١٩٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٩٩

______________________________________________________

ومنها إخفاتية كما صنع في الوسائل فلاحظ.

هذا وعن الإسكافي والمرتضى في المصباح : عدم الوجوب ، وعن المدارك : الميل اليه ، وفي الكفاية : أنه غير بعيد ، وفي البحار : انه لا يخلو من قوة ، لصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة ، هل عليه أن لا يجهر؟ قال (ع) : إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل » (١) ، وبه ترفع اليد عن ظاهر الصحيحين الأولين فيحملان على الاستحباب.

وفيه ـ مع أن حمل الصحيحين على الاستحباب بعيد جداً ، ولا سيما في أولهما الدال على الوجوب من وجوه ، المتأكد الدلالة عليه ، ولا سيما بملاحظة كون السؤال عنه لا عن أصل الرجحان كما هو ظاهر ـ : أنه لا مجال للعمل به بعد إعراض الأصحاب عنه ، ودعوى الإجماع على خلافه. مع أن السؤال فيه لا يخلو عن تشويش ، لأنه إذا فرض فيه أن الفريضة. مما يجهر فيه بالقراءة كيف يصح السؤال عن أنه عليه أن لا يجهر؟! فالسؤال كذلك لا بد أن يكون عن لزوم الإخفات في غير القراءة من الأذكار أو فيها في بعض الأحوال ، وذلك مما يوجب الاجمال المسقط عن الحجية. نعم في المعتبر (٢) روايته هكذا : « هل له أن لا يجهر » ، وفي كشف اللثام ، ومفتاح الكرامة ، وعن قرب الاسناد (٣) روايته هكذا : « هل عليه أن يجهر » لكنه لا يدفع الاضطراب. نعم مقتضى قاعدة الخط أن تكون : « إن » مكسورة شرطية لا مفتوحة مصدرية. لأن نونها لا تظهر إذا كانت عاملة كما في المقام ، ويكون تقدير الكلام : هل عليه شي‌ء إن لم يجهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٢) في المسألة : ٨ من القراءة صفحة : ١٧٥.

(٣) صفحة : ٩٤. وهو موافق لما في التهذيب.

٢٠٠