مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

من المعاصي الكبيرة لأنه شرك بالله تعالى. ثمَّ إن دخول الرياء في العمل على وجوه :

أحدها : أن يأتي بالعمل لمجرد إرادة الناس من دون‌

______________________________________________________

عن غير واحد دعوى الاتفاق عليه إلا من المرتضى رحمه‌الله في الانتصار فذهب الى عدم بطلان العبادة بالرياء ، بل هي مجزية مسقطة للأمر وان لم يترتب عليها الثواب ، وكأن مراده عدم منافات الرياء بنحو الضميمة وإلا فاعتبار القربة في الصلاة وغيرها من العبادات من الضروريات التي لا ريب فيها فضلا عن الفتوى بخلافها. وكيف كان فقد عقد في الوسائل باباً طويلا لبطلان العبادة بالرياء (١) ، وآخر لتحريم قصد الرياء والسمعة بالعبادة (٢) لكن أكثر الأخبار المذكورة فيهما غير خال عن المناقشة.

نعم ما يدل منها على حرمة الفعل المقصود به الرياء الملازمة للبطلان صحيح زرارة وحمران عن أبي جعفر (ع) : « لو أن عبداً عمل عملا يطلب به وجه الله تعالى والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا » (٣) وصحيح علي بن جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) : يؤمر برجال الى النار‌ .. الى أن قال : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له » (٤). ورواية السكوني : « قال النبي (ص) : إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به فاذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل : اجعلوها في ( سجين ) إنه ليس إياي أراد به » (٥) ، ونحوها غيرها. ودلالة الجميع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

٢١

أن يقصد به امتثال أمر الله تعالى ، وهذا باطل بلا إشكال [١] لأنه فاقد لقصد القربة أيضاً.

الثاني : أن يكون داعيه ومحركه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً ، وهذا أيضاً باطل سواء كانا مستقلين [٢] أو كان أحدهما تبعاً والآخر مستقلا أو كانا معاً ومنضما محركا وداعياً.

الثالث : أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء ،

______________________________________________________

على الحرمة غير قابلة للمناقشة ، وعرفت مكرراً أن من لوازم الحرمة البطلان لامتناع التقرب بما هو حرام.

[١] يعني حتى من السيد رحمه‌الله لما عرفت من أنه لا خلاف له في كون الصلاة عبادة ولا في اعتبار القربة في العبادة مطلقاً.

[٢] لأجل أن الظاهر أنه يكفي في كون الفعل عبادة صلاحية الأمر للاستقلال في الداعوية إلى الفعل المأمور به وان كانت معه ضميمة مستقلة أو غير مستقلة لا بد في إثبات دعوى البطلان في هذه الصورة ، وكذا في أحد قسمي الصورة الثانية ـ أعني ما لو كان الأمر صالحاً للاستقلال في الداعوية والرياء لوحظ منضما الى الأمر مع كونه غير صالح للاستقلال ـ من الرجوع الى النصوص المشار إليها آنفاً ، ودلالة صحيح حمران وزرارة على البطلان فيهما لا قصور فيها ، وكذا دلالتها على البطلان في القسم الثاني من الصورة الثانية ـ أعني ما لو كان الرياء صالحاً للاستقلال في الداعوية والقربة غير صالحة لذلك ـ وكذا في الصورة الثالثة ، وإن كان يكفي أيضاً في دعوى البطلان فيها القواعد الأولية لعدم حصول قصد الامتثال على النحو المعتبر في العبادة كما تقدم في الوضوء.

٢٢

وهذا أيضاً باطل وإن كان محل التدارك باقياً [١]. نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض ، أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن والأذان والإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختص البطلان به فلو تدارك بالإعادة صح.

الرابع : أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء كالقنوت في الصلاة ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى [٢].

الخامس : أن يكون أصل العمل لله لكن أتى به في مكان وقصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء كما إذا أتى به في‌

______________________________________________________

[١] مقتضى ظاهر النصوص : حرمة نفس العمل الذي وقع الرياء فيه ، فاذا كان الرياء في الجزء نفسه اختص بالبطلان ، ولا وجه لسراية البطلان الى غيره من الأجزاء ، اللهم إلا أن يدعى أنه يصدق على مجموع العمل أنه مما وقع فيه الرياء فيبطل. وفيه أن صدق ذلك مبني على المسامحة وإلا فموضوعه حقيقة نفس الجزء فيقدح فيه لا غير. نعم إذا بطل الجزء فان صدق أنه زيادة في المركب عمداً وكانت الزيادة فيه مبطلة له سرى البطلان إلى بقية الأجزاء ، ولا يجدي التدارك ، وإن لم تصدق الزيادة ، أو كانت غير مبطلة لعدم الدليل على إبطالها إمكان التدارك بفعل الجزء ثانياً مع الإخلاص وصح المركب.

[٢] مقتضى ما سبق هو بطلان القنوت لا غير فيكون الحال كما لو صلى بلا قنوت فان صلاته صحيحة ، فالبناء على بطلان الصلاة إنما هو من جهة أن القنوت المرائي فيه مأتي به بقصد الجزئية ، فإذا بطل لزمت الزيادة العمدية التي لا يفرق في اقتضائها بطلان الصلاة بين أن تكون بالجزء الواجب والجزء المستحب ، لكن عرفت أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء للماهية‌

٢٣

المسجد أو بعض المشاهد رياء ، وهذا أيضاً باطل [١] على الأقوى ، وكذا إذا كان وقوفه في الصف الأول من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياء.

السادس : أن يكون الرياء من حيث الزمان [٢] كالصلاة في أول الوقت رياء ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى.

السابع : أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل. كالإتيان بالصلاة جماعة [٣] أو القراءة بالتأني‌

______________________________________________________

ولا أجزاء للفرد ، وإنما هي أمور مستحبة ظرفها الفعل الواجب فلا يؤتى بها بقصد الجزئية كي تلزم الزيادة العمدية على تقدير بطلانها. نعم لو كان المستحب من الدعاء أو الذكر أمكن القول ببطلان الصلاة من جهة الكلام بناء على أن الدعاء والذكر المحرمين من الكلام المبطل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه. أما مثل جلسة الاستراحة فلا يأتي فيها مثل ذلك فلا موجب فيها للبطلان فلاحظ.

[١] لأن موضوع الرياء : عنوان « الصلاة المقيدة بالمكان الخاص » المتحد مع ذات الصلاة في الخارج ، فتحرم به وتفسد لأجله ، ولا يتوهم : أن موضوعه نفس الخصوصية ، فلا يسري الى الصلاة ، فلا تسري الحرمة إليها ولا الفساد ، إذ فيه أن الخصوصية المكانية ليست من الأفعال الاختيارية لتكون موضوعاً للرياء تارة والإخلاص أخرى ، فيتعين أن تكون قيداً لموضوعه المتحد مع ذات الصلاة في الخارج ، وكذا الحال فيما بعده فان الجميع من قبيل الخصوصية المكانية كما لا يخفى.

[٢] الخصوصية الزمانية كالخصوصية المكانية فيجري فيها الكلام المتقدم.

[٣] خصوصية الجماعة لما لم تكن من الأفعال المستقلة يجري عليها‌

٢٤

أو بالخشوع أو نحو ذلك [١] وهذا أيضاً باطل على الأقوى.

الثامن : أن يكون في مقدمات العمل كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد. والظاهر عدم البطلان في هذه الصورة [٢].

التاسع : أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة وهذا لا يكون مبطلا [٣] ، إلا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنكاً [٤].

العاشر : أن يكون العمل خالصاً لله لكن كان بحيث

______________________________________________________

حكم خصوصية المكان والزمان بعينها.

[١] الخشوع والخضوع والبكاء ونحوها لما كانت من الأفعال الاختيارية المقارنة للفعل أمكن أن تكون بنفسها موضوعاً للرياء كما يمكن أن تكون قيداً لموضوعه ، فعلى الأول تحرم هي وتفسد ولا تسري الحرمة إلى الصلاة ولا الفساد ، وعلى الثاني تحرم الصلاة وتفسد لاتحاد العنوان المحرم معها ، وعلى هذا الفرض كان إطلاق البطلان في المتن ، وعلى الأول يكون من قبيل التاسع في الحكم لأنها منه ، وأما التأني فالظاهر أنه من قبيل وصف الجماعة يكون الرياء في الصلاة معه لا فيه نفسه.

[٢] لأن العمل خال عن الرياء فلا وجه للبطلان إلا دعوى عموم العمل في النصوص لما يكون الرياء في بعض مقدماته ، لكنها ضعيفة.

[٣] لعدم سريانه الى العمل ، وقد عرفت ضعف دعوى عموم العمل المرائي فيه لما يكون الرياء في مقدمته فضلا عما كان في مقارنة.

[٤] كما عرفت في الوجه السابع.

٢٥

يعجبه أن يراه الناس ، والظاهر عدم بطلانه أيضاً [١] كما أن الخطور القلبي لا يضر [٢] خصوصاً إذا كان بحيث يتأذى بهذا الخطور ، وكذا لا يضر الرياء بترك الأضداد [٣].

( مسألة ٩ ) : الرياء المتأخر لا يوجب البطلان [٤] بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمَّ بعد تمامه بدا له في ذكره أو عمل عملا يدل على أنه فعل كذا‌

______________________________________________________

[١] ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) « عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك ، قال (ع) : لا بأس ما من أحد إلا وهو يجب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » (١)

[٢] لعدم منافاته للإخلاص : أعني كون صدور الفعل عن قصد الامتثال محضاً.

[٣] ترك الأضداد قد يكون بنفسه موضوعاً للرياء وقد يكون قيداً لموضوعه كأن يرائي في الصلاة المتروك فيها الضد ، فعلى الأول يصح العمل وعلى الثاني يبطل نظير ما سبق في الخشوع والتحنك ، فإطلاق الصحة ليس كما ينبغي وإن حكي عن الإيضاح الإجماع عليها ، ولعل المراد الصورة الأولى.

[٤] لعدم الدليل عليه بعد كون العمل صادراً على وجه العبادة ، والإجماع والنصوص إنما يدلان على حرمة العمل الصادر على وجه الرياء لا غير. نعم في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (ع) : « الإبقاء على العمل أشد من العمل ، قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال (ع) : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له سراً ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له رياء » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٢.

٢٦

______________________________________________________

لكنه ضعيف مهجور لا مجال للاعتماد عليه في ذلك ، فليحمل على نحو من الإحباط كما تقدم في الوضوء.

تنبيه فيه أمران

الأول : أن الرياء ـ على ما ذكره غير واحد من علماء الأخلاق ـ طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير ، وعليه فلو كان المقصود من العبادة دفع الذم عن نفسه أو ضرر غير ذلك لم يكن رياء. ويشهد له خبر سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله (ع) في حديث : « الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل » (١) وخبر السكوني : « قال أمير المؤمنين (ع) : ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره » (٢). وخبر جراح المدائني عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : « ( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) قال (ع) : الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه » (٣). وفي رواية العلاء المروية عن تفسير العياشي في تفسير الآية الشريفة المذكورة قال (ع) : « من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله » (٤). ويشير إليه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٦. والآية آخر سورة الكهف.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣‌

٢٧

______________________________________________________

ما في مصحح زرارة وحمران السابق : من قوله (ع) : « وأدخل فيه رضا أحد من الناس » (١). وما تضمن أمر المرائي يوم القيامة أن يأخذ أجره ممن عمل له‌ (٢). وما تضمن الأمر بحفظ الإنسان نفسه من أن يكون في معرض الذم والاغتياب‌ (٣) وظهور إطباق الفقهاء على أن الإسرار في الصدقة المستحبة أفضل ، إلا مع التهمة فالاعلان أفضل.

ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشهيد في القواعد : « من أن الرياء يتحقق بقصد مدح المرائي أو الانتفاع به أو دفع ضرره. فان قلت : فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية. قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص وما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله وهو قربة ، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره ، أما لو فرض إحداثه صلاة مثلا تقية فإنها من باب الرياء ».

الثاني : الرياء ـ كما ذكره غير واحد ـ إنما يكون في خصال الخير القائمة بالبدن تارة ، وبالزي أخرى ، وبالعمل ثالثة ، وبالقول رابعة ، وبالاتباع والأمور الخارجة عن المرائي خامسة ، والمستفاد من النصوص المتضمنة لحرمته أن موضوع الحرمة هو العمل الذي يري الناس أنه متقرب به إلى الله تعالى ، فتكون المنزلة في نفوسهم المقصودة له بتوسط اعتقادهم أنه ذو منزلة عند الله تعالى ، وعليه فلو عمل عملا من أحد الأنحاء الخمسة السابقة بقصد أن يكون له منزلة في قلوبهم بالعمل نفسه لا بعنوان كونه عبادة لله تعالى لم يكن محرما ، فلو عاشر السلطان بقصد أن يكون له منزلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١. وقد تقدم في أول المسألة : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٦.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب أحكام العشرة. وباب : ٣٨ من أبواب الأمر بالمعروف‌

٢٨

( مسألة ١٠ ) : العجب المتأخر لا يكون مبطلا [١] بخلاف المقارن فإنه مبطل على الأحوط ، وإن كان الأقوى خلافه.

______________________________________________________

في قلوب الرعية لم يكن رياء محرما ، ولو عاشر الفقراء بقصد أن يري الناس أنه يتقرب إلى الله تعالى بمعاشرتهم فتكون له منزلة في قلوب من يراه من الناس كان رياء محرماً ، وهكذا الحال في بقية أمثلة الأنواع.

[١] كما لعله ظاهر الأصحاب حيث أهملوا ذكره في المبطلات ، وهو الذي يقتضيه الأصل بعد عدم الدليل على البطلان به. وما في جملة من النصوص : من أنه من المهلكات‌ (١) ، وأنه مانع من صعود العمل إلى الله تعالى ومانع من قبوله‌ (٢) ، لا يقتضي البطلان فإنه أعم ، وكذا ما يظهر من كثير منها : من أنه محرم ، فإنه لا ينطبق على العمل ليوجب امتناع التقرب به كما لا يخفى. نعم في خبر علي بن سويد عن أبي الحسن (ع) : « سألته عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال (ع) : العجب درجات : منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه وبحسب أنه يحسن صنعاً ، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله عز وجل ولله عليه فيه المن » (٣). لكن الظاهر أن المراد من الفساد فيه عدم القبول ، إذ الأول مجرد ارتكاب السيئات ، والثاني محله مما لا يقبل الصحة والفساد. مضافا إلى خبر يونس ابن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب ، فقال (ع) : إذا كان أول صلاته بنية يريد بها ربه فلا يضره ما دخله بعد ذلك ، فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان » (٤). ومن ذلك تعرف حكم العجب المقارن وأنه غير مبطل ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٢ و ٢١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٣.

٢٩

( مسألة ١١ ) : غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ، فان كان حراما وكان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء [١] ، وإن كان خارجا عن العمل مقارنا له لم يكن مبطلا [٢] ، وإن كان مباحا أو راجحا فان كان تبعا وكان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة [٣]

______________________________________________________

والاحتياط المذكور في إبطاله من أجل ما في الجواهر عن بعض مشايخه : من القول بإبطاله. فلاحظ.

[١] لما تقدم من أن الحرمة تمنع من التقرب بالعبادة.

[٢] هذا أيضاً تأتي فيه الصورة الآنية من صلاحية كل منهما للاستقلال في الداعوية ، وعدمها في كل منهما ، وصلاحية أحدهما لذلك وتبعية الآخر فيجري فيه ما يأتي من الصحة والفساد ، فكأن إطلاق عدم البطلان راجع الى حيثية الحرمة لا غير. ومع ذلك أيضاً يشكل بأنه إذا لوحظ غاية للفعل أيضاً يكون مبطلا على كل حال ، وإن لوحظ تبعاً لأن الفعل المأتي به بقصد الغاية المحرمة حرام عقلا أو شرعا وعقلا فلا يصلح أن يكون مقربا وعبادة.

[٣] لكن عن العلامة في بعض كتبه ـ تبعاً لجماعة ـ : إطلاق البطلان في الضميمة المباحة ، وعن فخر الدين والشهيدين في البيان والقواعد والروض والمحقق الثاني وصاحب الموجز وغيرهم : متابعتهم ، بناء منهم على منافاة ذلك للإخلاص المعتبر في العبادة. اللهم إلا أن يحمل كلامهم على صورة استقلال كل من الأمر والضميمة. وكيف كان ، فالظاهر : الصحة إذ لا دليل على اعتبار الإخلاص بنحو ينافيه وجود الضميمة ولو تبعاً ، أما الإجماع على اعتباره فموهون بمصير الأكثر ـ كما قيل ـ إلى الصحة مع الضميمة ، بل إطلاقهم الصحة يقتضي عدم الفرق بين استقلال الأمر‌

٣٠

وإن كان مستقلا وكان داعي القربة تبعا بطل [١] وكذا إذا كانا معا منضمين [٢] محركا وداعيا على العمل وإن كانا مستقلين فالأقوى الصحة [٣] وإن كان الأحوط الإعادة.

______________________________________________________

وعدمه ، وأما النصوص فالظاهر من الإخلاص فيها ما يقابل الرياء ، فلاحظ رواية سفيان بن عيينة المتقدمة في ذيل المسألة التاسعة‌.

ودعوى منافاة ذلك للتعبد المعتبر ممنوعة ، إذ الظاهر بل المقطوع به من طريقة العقلاء الاكتفاء في صدق العبادة واستشعار مشاعر العبيد بكون أمر المولى صالحا للاستقلال في الداعوية لا غير ، ولا يعتبر فيه خلو العبد عن الجهات النفسانية المرجحة لفعل المأمور به على تركه ، كما أشرنا الى ذلك في شرائط الوضوء من هذا الشرح ، فراجع.

[١] لأن المعلوم من طريقة العقلاء : اعتبار صلاحية الأمر للاستقلال بنظر العبد في الباعثية إلى المأمور به في صدق العبادة ، وعدم الاكتفاء بمجرد الاستناد إليه في الجملة ، ومما ذكرنا يظهر : أن المراد البطلان بالإضافة الى الأمر التابع ، أما بالإضافة إلى الضميمة الراجحة فالفعل صحيح ويكون عبادة وطاعة بالنسبة إلى أمرها ، كما يظهر بأقل تأمل.

[٢] لما عرفت ، فيبطل حينئذ مطلقاً حتى بالإضافة إلى الضميمة الراجحة.

[٣] قد عرفت آنفاً الإشارة إلى وجهه ، وقد تقدم ذلك في الوضوء فراجع. هذا كله حكم الضميمة المقصودة في عرض قصد الامتثال ، أما إذا كانت مقصودة في طوله بأن كانت مترتبة على الإتيان بالصلاة بقصد الامتثال فلا ينبغي التأمل في عدم قادحيتها في عبادية العبادة ، مثل أن يطوف طواف النساء لتحل له النساء ، أو يغتسل للجنابة ليجوز له الدخول في المسجد وقراءة العزائم ومس خط المصحف ، أو نحو ذلك ، أو يتوضأ للطهارة قبل الوقت لتجوز له الصلاة أول الوقت ، أو ليتمكن من الصلاة جماعة أو نحو ذلك‌

٣١

( مسألة ١٢ ) : إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة وغيرها [١]

______________________________________________________

من الغايات المترتبة على الإتيان بالفعل المأتي به على وجه العبادة. والبناء على عدم صحة العبادة عند ملاحظة الغايات المذكورة ضعيف ، إذ لا منافاة بين العبادية وملاحظة الغايات المذكورة. والرجوع الى طريقة المتشرعة والعقلاء كاف في إثبات الصحة.

[١] قال في محكي الإيضاح : « أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال الصلاة غير الصلاة بطلت والفائدة في المأموم وعدم اعتبار الكثرة لأن إجماع المتكلمين على ان المتعلقين ـ بالكسر ـ إذا اتحد متعلقهما ـ بالفتح ـ وتعلق أحدهما على عكس الآخر تضادا ، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت ». وقال في الجواهر : « ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة ، ولذا لم يشر أحد من معتبري الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما ، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام ، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين الضميمة الراجحة وغيرها. والظاهر أن وجه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما ، فان موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات وأراد المكلف ضمها بنية واحدة ، فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الإخلاص والصحة مع العدم ، لتبعية الضم أو لرجحان الضميمة أو غير ذلك. وموضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا أو شرعا فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما شرعا ـ كما في كل فعل كذلك ـ لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا وشرعا فلو نوى بالركعتين الفرض والنفل لم يقع لأحدهما ».

أقول : العبارة الذكورة وإن كانت ظاهرة فيما ذكره قدس‌سره

٣٢

ـ كأن قصد بركوعه تعظيم الغير والركوع الصلاتي [١] ، أو بسلامه سلام التحية وسلام الصلاة ـ بطل [٢] إن كان من‌

______________________________________________________

لكن تعليل البطلان في محكي كلام بعضهم بعدم تمحض القربة. وفي كلام آخر بعدم استمرار النية أو بحصول نية الخروج ، وتمثيله بالتكبير بقصد الافهام قرينة على اتحاد موضوع المسألتين عندهم ، فلاحظ المعتبر والذكرى وجامع المقاصد والمدارك وكشف اللثام وغيرها. ويشير إليه أيضاً عدم تعرضهم في المقام لنية الضميمة ، فلو لم يكن المراد من نية غير الصلاة ما يشملها لم يكن لإهمال حكمها وجه. والاكتفاء بذكرهم لها في الوضوء لا يناسب تكرار التعرض للرياء في المقام. وكيف كان ، فغير الصلاة المنوي مع الصلاة إن كان من قبيل الغاية المترتبة على الفعل الصلاتي كافهام الغير وتعليمه المقصودين بالكلام والفعل فحكمه حكم الضميمة ، بل هو منها فتجري فيه أحكام الصور المذكورة في المسألة المتقدمة ، وكذا إذا كان من قبيل العنوان المتحد مع نفس الأفعال الصلاتية إذا لم يكن بينه وبين نفس الصلاة تناف في الانطباق والتصادق على موضوع واحد ، وإن كان بينهما تناف كذلك بطل الجزء لأن صيرورته للصلاة ترجح بلا مرجح ، وصيرورته لهما ممتنع حسب الفرض ، فتبطل الصلاة حينئذ للزيادة إن كانت عمدية وإلا تداركه وأتم الصلاة.

[١] هذا المثال وما بعده من باب العنوانين غير المتصادقين ، وكأن الوجه في دعوى عدم تصادقهما ـ مضافا إلى أنه مقتضى ارتكاز المتشرعة ـ أصالة عدم التداخل. فتأمل.

[٢] هكذا فيما يحضرني من النسخ ، والظاهر أن الصواب ( أبطل ) بدل ( بطل ) وذلك للزيادة القادحة في مثل الركوع مطلقاً عمداً وسهواً ، أما لو كانت في غيره مما لا تقدح زيادته سهواً اختص البطلان بصورة العمد.

٣٣

الأجزاء الواجبة قليلا كان أم كثيراً أمكن تداركه أم لا ، وكذا في الأجزاء المستحبة [١] غير القرآن والذكر [٢] على الأحوط ، وأما إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلا [٣] إلا إذا كان مما لا يجوز فعله في الصلاة [٤] أو كان كثيراً [٥].

( مسألة ١٣ ) : إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير [٦] لم يبطل إلا إذا كان قصد الجزئية تبعاً [٧]

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن الأجزاء المستحبة لا يقصد بفعلها الصلاة كي تصدق الزيادة عمدية أو سهوية.

[٢] القرآن والذكر المأتي بهما بقصد الجزئية حالهما حال سائر الأجزاء المأتي بها كذلك في أن زيادتها عمداً مبطلة ، لعموم ما دل على قدح الزيادة. نعم ـ بناء على ما عرفت من أن الأجزاء المستحبة ليست أجزاء ولا يؤتى بها بقصد الجزئية وإنما يؤتى بها بقصد امتثال أمرها لا غير ـ لا يكون فعلها عمداً في غير محلها زيادة ولا مبطلا للصلاة. نعم يكون تشريعاً ولكنه غير مبطل.

[٣] لعدم المقتضي للبطلان ، والمفروض عدم قصد الجزئية لتصدق الزيادة.

[٤] كالسلام على قول يأتي إن شاء الله تعالى.

[٥] فيكون من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة فيكون مبطلا كما يأتي في مبحث القواطع.

[٦] هذا من مسائل الضميمة فيجري عليه حكمها السابق.

[٧] وحينئذ يبطل الجزء بفقد قصد امتثال الأمر الصلاتي فتبطل الصلاة للزيادة ، فالمراد من قصد الجزئية تبعاً قصد امتثال أمر الصلاة تبعاً الذي قد عرفت أنه غير كاف في صدق التعبد. هذا ، وقد يقال : فوات قصد‌

٣٤

وكان من الأذكار الواجبة [١] ، ولو قال « الله أكبر » مثلا بقصد الذكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية [٢].

( مسألة ١٤ ) : وقت النية ابتداء الصلاة ، وهو حال تكبيرة الإحرام وأمره سهل بناء على الداعي ، وعلى الاخطار‌

______________________________________________________

الامتثال في رفع الصوت لا يقتضي فواته في أصل الذكر ، فيكون أصل الذكر وقع جزءاً على نحو العبادة والرفع غير واقع على ذلك النحو فلا يكون عبادة بل الرفع لما لم يؤخذ جزءاً للصلاة يمتنع التعبد به ، وحينئذ إذا قصد في أصل الذكر الصلاة لأمرها ، وبالرفع قصد الافهام محضاً صح الذكر جزءاً فصحت الصلاة. فإن قلت : الرفع والذكر واحد في الخارج فكيف يختلفان قصداً. قلت : هما وإن كانا وجوداً واحداً لكنه ذو مراتب ، فيجوز اختلاف مراتبه في الحكم والقصد.

[١] وكذا المستحبة إذا جاء بها بقصد الجزئية بناء على ما يظهر منه قدس‌سره في المسألة السابقة وغيرها : من كون الأجزاء المستحبة مقصوداً بها الجزئية. نعم بناء على ما ذكرناه يكون التقييد بالواجب في محله.

[٢] كما تضمنه جملة من النصوص‌ كصحيح الحلبي : « عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة قال (ع) : يومئ برأسه ويشير بيده ويسبح » (١) ونحوه روايات عمار‌ (٢) وابن جعفر (ع) (٣) وأبي جرير‌ (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٧.

٣٥

اللازم اتصال آخر النية المخطرة بأول [١] التكبير وهو أيضاً سهل.

( مسألة ١٥ ) : يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة. بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيراً [٢] وأما مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضر الغفلة ولا يلزم الاستحضار الفعلي [٣].

( مسألة ١٦ ) : لو نوى في أثناء الصلاة قطعها [٤] فعلا أو بعد ذلك أو نوى‌

______________________________________________________

[١] هذا على ظاهر التعبير متعذر أو متعسر جداً ، وكأن المراد غير ظاهر كما يظهر من ملاحظة كلماتهم ، وذلك أن النية التفصيلية لما كانت غالباً تدريجية الوجود فالمراد المقارنة بين تمام وجودها وبين أول التكبير ، ولو قيل بدله : حضور النية بتمامها أول التكبير. لسلم من الإشكال.

[٢] فإن وجود الداعي في النفس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك والتحير ، فوجود التحير أمارة على عدم وجود الداعي ، فيكون الفعل من قبيل فعل الغافل فلا يصح. نعم إذا كان منشأ التحير وجود المانع من توجه النفس الى ما في الخزانة ، لم يكن التحير حينئذ دليلا على عدم وجود الداعي.

[٣] إذ الواجب في العبادة صدورها عن الداعي ، ولا يعتبر الالتفات الى ذلك الداعي ، كما سبق في أول المبحث.

[٤] إذا نوى في أثناء الصلاة قطعها ثمَّ رجع الى نيته الأولى قبل أن يفعل شيئاً من أفعالها ففي الشرائع : أنها لا تبطل ، وعن مجمع البرهان والمفاتيح وظاهر البيان : موافقته ، والمحكي عن جماعة كثيرة ـ منهم الشيخ « رحمه‌الله » والعلامة والشهيدان والمحقق الثاني في جملة من كتبهم وغيرهم :

٣٦

______________________________________________________

البطلان ، قال في القواعد : « ولو نوى الخروج في الحال أو تردد فيه كالشاك بطلت صلاته ».

واستدل لهم : بأن النية الأولى إذا زالت فاذا رجع الى النية بعد ذلك لم يكتف بها لفوات المقارنة لأول العمل. وفيه : أن المقارنة حاصلة ، وإنما الإشكال في أن زوال النية وعودها كاف في حصول النية أولا ، والظاهر الكفاية ، إذ الثابت من الإجماع على اعتبار وقوع الصلاة على وجه العبادة هو لزوم الإتيان بكل جزء من أجزائها عن إرادة ضمنية تحليلية تنحل إليها إرادة الجملة ، المنبعثة تلك الإرادة عن داعي امتثال أمر الشارع ، وهذا المعنى حاصل في المقام بعد الرجوع الى النية الأولى.

وبأن زوال النية الأولى يوجب خروج الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الأجزاء اللاحقة إليها. وفيه : أنه غير ظاهر.

وبالإجماع على اعتبار استدامة النية المنتفية بنية الخروج. وفيه : أن المراد من الاستدامة المعتبرة إجماعا صدور كل واحد من الأجزاء عن داعي امتثال الأمر الضمني كما تقدم ، لا بالمعنى المقابل للزوال والعود.

وبأن ظاهر قوله (ص) : « ولا عمل إلا بنية » (١) اعتبار وجود النية في جميع آنات العمل ، نظير قوله (ع) : « لا صلاة إلا بطهور » (٢) فكما يقدح الحدث في أثناء الصلاة يقدح زوال النية كذلك. وفيه : منع كون ذلك هو الظاهر ، والبناء على قدح الحدث في الأثناء ليس مستنداً إلى قوله (ع) : « لا صلاة إلا بطهور .. » ، بل إلى النصوص الخاصة الدالة على قدح الحدث في الأثناء ، ولذا عد من القواطع في مقابل الشروط مع أن المستند في اعتبار النية ليس هو الحديث المذكور كما تقدم في نية الوضوء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ٢ و ٩.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الوضوء حديث : ١.

٣٧

______________________________________________________

وبأن البناء على البطلان مقتضى قاعدة الاشتغال ، التي يجب البناء عليها في مثل المقام مما يحتمل وجوبه عقلا لاحتمال دخله في الغرض وعلم بعدم وجوبه شرعا لامتناع دخله في موضوع الأمر. وفيه : أن المحقق في محله الرجوع الى البراءة في مثل ذلك أيضاً.

وبأن المعلوم من النص والفتوى وارتكاز المتشرعة أن للصلاة هيئة اتصالية ينافيها قصد الخروج عن الصلاة. وفيه : منع المنافاة ، لعدم الدليل عليها ، ولا يساعدها ارتكاز المتشرعة كما لعله ظاهر.

وبأنه إذا رجع الى النية الأولى وأتم الصلاة كان من توزيع النية. وفيه : أن التوزيع الممنوع عنه هو نية كل جزء على وجه الاستقلال لأعلى وجه الانضمام كما تقدم ، وليس منه ما نحن فيه. فاذاً القول بعدم البطلان بمجرد نية الخروج في محله.

ومثله : ما لو نوى قطعها بعد ذلك كأن نوى وهو في الركعة الأولى قطعها عند ما يكون في الثانية ، بل الصحة هنا أولى ، ولذا اختار في القواعد الصحة هنا لو رجع الى النية قبل البلوغ إلى الثانية مع بنائه على البطلان فيما سبق ، وأولى منهما بالصحة ما لو تردد في القطع فعلا أو بعد ذلك وعدمه ، فإن أكثر الوجوه المتقدمة للبطلان وإن كان موضوعها زوال النية الأولى الحاصل بمجرد التردد ، ولكن بعضها يختص بنية الخروج ولا يشمل صورة التردد.

ومثله : ما لو نوى فعل القاطع أو المنافي فعلا أو بعد ذلك ، لإمكان أن يكون ذلك غفلة عن مانعيته أو قاطعيته ، فلا يستلزم نية الخروج بوجه ، فلا موجب للبطلان. نعم ، مع الالتفات الى مانعيته أو قاطعيته تكون نيته ملازمة لنية عدم الصلاة ، لأن تنافي الشيئين مع الالتفات الى تنافيهما يوجب تنافي إرادتهما معاً عرضاً ، لأن العلم بعدم القدرة مانع عن الإرادة ، ومن‌

٣٨

القاطع والمنافي فعلا أو بعد ذلك فإن أتم مع ذلك بطل [١]. وكذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى [٢]. وأما لو عاد إلى النية الأولى‌

______________________________________________________

هنا قال في محكي كشف اللثام : « إذا قصد فعل المنافي للصلاة ، فإن كان متذكراً للمنافاة لم ينفك عن قصد الخروج ، وإن لم يكن متذكراً لها لم تبطل إلا معه على الأقوى ». وعليه ، فاللازم البناء على البطلان ، بناء على كون قدح نية الخروج في الصحة من جهة زوال النية كما يقتضيه أكثر الوجوه المتقدمة ، فإطلاق الصحة ـ كما عن الأكثر ـ غير ظاهر بناء على قدح نية الخروج ، كما أن إطلاق البطلان ـ كما عن الفخر والشهيدين والعليين وابن فهد وغيرهم ـ غير ظاهر مع عدم الالتفات إلى المانعية ، وإن بني على البطلان بنية الخروج لما عرفت من عدم الملازمة.

[١] ظاهر عبارة المتن ولا سيما بقرينة ما يأتي أن المراد الإتمام بعنوان الصلاة ، ولأجل ما عرفت من تنافي نية الصلاة ونية الخروج يتعين أن يكون الوجه في إتمام الصلاة الذهول عن نية الخروج ، وعن المبادي المقتضية لها ، فيكون الإتمام بالنية الأولى ، فيتحد الفرض مع الفرض الآتي وهو عود النية الأولى قبل أن يفعل شيئاً الذي أفتى فيه بالصحة وعدم البطلان. ولو كان المراد الإتمام لا بعنوان الصلاة بل بعنوان آخر اتجه بطلان الصلاة من جهة فعل السلام فإنه من المبطلات كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ولو أراد الإتمام لا بعنوان الصلاة ولا بعنوان آخر بل ذهولا وغفلة فالبطلان حينئذ غير ظاهر لعدم مبطلية السلام حينئذ. اللهم إلا أن يكون الإتمام فعلا كثيراً ماحياً لصورة الصلاة ، لكن عرفت أن الظاهر إرادة الأول الذي قد عرفت الإشكال في فرضه.

[٢] وقد عرفت إشكال الفرض. نعم لا مانع منه فيما لو نوى القطع‌

٣٩

قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل [١] وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة ولو نوى القطع أو القاطع وأتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثمَّ عاد إلى النية الأولى فالبطلان موقوف على كونه فعلا كثيراً ، فان كان قليلا لم يبطل [٢] خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً [٣]. وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة أيضاً.

______________________________________________________

أو القاطع بعد ذلك كما لو كان في الركعة الأولى فنوى القطع أو القاطع آخر الركعة الثانية فإن ذلك لا ينفك عن قصد فعل أجزاء الركعة الثانية بعنوان الجزئية ، والمصحح للجمع بين القصدين المذكورين ، أما الغفلة عن كون ركعات الصلاة ارتباطية فيقصد فعل ركعتين لا أكثر منها أو يعتقد ذلك تشريعاً منه ، وفي هذا الفرض لا مانع من صحة الصلاة إذا عدل عن نية القطع أو القاطع ، إذ لا موجب للبطلان من زيادة ، أو فعل كثير ، أو غير ذلك. نعم لو كان فعل الركعة الثانية عن أمر تشريعي غير أمر الصلاة الارتباطي الضمني ، بأن شرع في الأمر لا في نفي الارتباط ـ كما ذكرنا أولا ـ كان البناء على البطلان في محله للزيادة العمدية ، ومن ذلك تعرف أن إطلاق البطلان في الفرض الظاهر رجوعه الى جميع صور المسألة غير ظاهر.

[١] كما عرفت في أول المسألة.

[٢] ربما يقال بالبطلان من جهة صدق الزيادة ، كما يشهد به ما ورد في النهي عن قراءة سور العزائم في الفريضة‌ (١) ، معللا بأن السجود زيادة في المكتوبة. لكن التحقيق عدم صدق الزيادة إلا بالقصد إلى الجزئية ، والرواية الشريفة محمولة على التجوز في التطبيق ، كما سيأتي إن شاء الله التعرض لذلك في أوائل الفصل الآتي.

[٣] لما دل على جواز إيقاعهما عمداً في الصلاة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٤٠