مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

فإن قرأه عامداً بطلت صلاته [١] وإن لم يتمه إذا كان من‌

______________________________________________________

خلاف التحقيق ، أو يكون مراد القائلين بالحرمة ذلك ، وهو غير بعيد عن ظاهر تعليل الحكم في المعتبر والمنتهى بأنه يلزم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمداً. وهو غير جائز.

[١] كما نسب الى المشهور بل إلى الأصحاب ، أما للتحريم المستفاد من الخبر الموجب للبطلان ، أو لأنه مكلف بالسورة القصيرة ، فإن اقتصر على الطويلة لزم نقص الجزء عمداً ، وان قرأ القصيرة لزم القران المبطل ، أو لعدم كون السورة المقروءة جزءاً ، لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه ، فالإتيان بها بقصد الجزئية كما هو المفروض زيادة عمدية مبطلة.

لكن عرفت الإشكال في استفادة التحريم من النص ، واختصاص التكليف بالسورة القصيرة ممنوع ، وعدم اتساع الوقت للطويلة إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه ، وإلا فهي والقصيرة سواء في وجود الملاك ، فاذا اقتصر على الطويلة لم تلزم النقيصة ، ولو قرأ القصيرة معها فبطلان الصلاة بالقران محل إشكال كما يأتي إن شاء الله. ومن ذلك يظهر ما في دعوى عدم كون السورة الطويلة جزءاً لامتناع التكليف بالفعل في وقت لا يسعه ، فان ذلك إنما يرفع فعلية التكليف بها لأملاكه.

ولأجل ذلك اختار في الجواهر عدم الصحة لو كان قد أدرك ركعة وكان تشاغله بها مفوتاً للوقت بحيث لا يحصل له مقدار ركعة معللا له بأنها لا تصلح أداء ، لعدم إدراك ركعة منها في الوقت ، ولا قضاء ، لعدم مساعدة أدلته ، لظهورها في المفتتحة عليه ، أو التي كانت في الواقع كذلك ، وان لم يعلم المكلف كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة ثمَّ بان قصوره قبل إحرازها ، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء والقضاء في النية متجهة ، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس‌

١٦١

نيته الإتمام حين الشروع ، وأما إذا كان ساهياً فان تذكر بعد الفراغ [١] أتم الصلاة وصحت وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً [٢] ولا يحتاج إلى إعادة سورة أخرى ،

______________________________________________________

الأمر لكنه فات بتقصير المكلف.

وإن أمكن أن يخدش أيضاً بظهور ابتنائه على أن ملاك وجوب القضاء غير ملاك وجوب الأداء ، ففي فرض السعة في نفس الأمر لا يمكن أن تصح قضاء لانتفاء ملاكه. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر أدلة القضاء ، إذ الظاهر منها وحدة ملاك الأداء والقضاء ، غاية الأمر تجب خصوصية الوقت بملاك آخر ، وعليه لا فرق بين الفرض المذكور وفرض الضيق في نفس الأمر إن نوى امتثال الأمر الأدائي بطلت ، وان نوى الجامع بينه وبين القضائي صحت.

ومما ذكرنا يظهر لزوم تقييد البطلان في عبارة المتن بصورة قصد الأمر الأدائي وعدم إدراك الركعة.

ثمَّ إن كان المصلي قصد قراءة السورة الطويلة من حين شروعه في الصلاة فالصلاة باطلة من حين الشروع في السورة المذكورة ، وإن قصد قراءتها بعد فراغه من الفاتحة تبطل من حين شروعه في السورة ، ولا مجال للعدول من جهة الزيادة العمدية.

[١] يعني : من السورة.

[٢] لأجل ما عرفت من أن الوجه في البطلان في صورة قصد الأمر الأدائي هو الخلل من جهة قصد الامتثال ، لم يكن وجه للفرق بين العمد والسهو في البطلان وعدمه ، لأن قصد الامتثال شرط مطلقاً تبطل العبادة بفقده ولو سهواً.

١٦٢

وإن تذكر في الأثناء عدل إلى غيرها [١] إن كان في سعة الوقت وإلا تركها [٢] وركع وصحت الصلاة [٣].

( مسألة ٣ ) : لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة [٤] ، فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة ، وإن لم يكن قرأ إلا البعض ولو البسملة أو شيئاً منها إذا كان من نيته حين الشروع الإتمام ، أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة ، وأما لو‌

______________________________________________________

[١] محافظة على إيقاع الصلاة الواجبة أداء التي نواها.

[٢] يعني : إذا كان الوقت حال التذكر لا يسع سورة ، ترك السورة الطويلة ، ويركع من دون عدول إلى سورة أخرى ، بناء على ما تقدم من سقوط السورة لضيق الوقت.

[٣] إذ لا خلل في النية ولا في المنوي إلا من جهة قراءة بعض السورة الطويلة سهواً ، وزيادة القراءة سهواً غير قادحة.

[٤] على المشهور ، بل في كشف اللثام نسبة المنع الى فتوى علمائنا أجمع إلى الانتصار ، والخلاف ، والغنية ، وشرح القاضي لجمل السيد ، والتذكرة ونهاية الأحكام ، ولم يعرف فيه خلاف إلا عن الإسكافي ، مع أن محكي كلامه غير صريح في ذلك.

واستدل للمشهور بخبر زرارة عن أحدهما (ع) قال : « لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة » (١) وموثق سماعة قال : « من قرأ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) فاذا ختمها فليسجد‌ .. الى أن قال : ولا تقرأ في الفريضة ، ( اقْرَأْ ) في التطوع » (٢) وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال : « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٦٣

______________________________________________________

النجم أيركع بها أو يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال (ع) : يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة » (١).

هذا ، وظاهر صدر الخبر الأخير : المفروغية عن جواز القراءة وإنما كان السؤال عما يلزمه على تقدير القراءة. وحمله على صورة وجود العذر من سهو أو غيره ـ مع أنه خلاف ظاهره ، لعدم تعرض السائل لذلك ـ مناف لقوله (ع) في ذيله : « ولا يعود .. » ، كما أن قوله (ع) : « يسجد .. » صريح في صحة الصلاة ، فقوله (ع) : « فذلك زيادة في الفريضة » لا بد أن يحمل ـ بقرينة توقف صدق الزيادة على قصد الجزئية المنتفي في المقام ـ على إرادة أنه شبه الزيادة ، لا أنه زيادة حقيقة ، ولا أنه بحكم الزيادة. أعني البطلان ـ لمنافاته لحكمه (ع) بصحة الصلاة ، فحينئذ لا يبعد حمل : « ولا يعود » على الكراهة.

ودعوى : أن قوله (ع) : « ولا يعود » ظاهر في الحرمة فيكون رادعا لما في ذهن السائل ـ أعني الجواز ـ كما هو ظاهر الصدر. مندفعة : بأن قوله (ع) : « وذلك زيادة .. » قرينة على أن النهي من جهة صدق الزيادة لا للحرمة تعبداً ، والنهي من جهة الزيادة راجع الى قادحية الزيادة ، وقد عرفت أن الرواية صريحة في الصحة وعدم قدح الزيادة ، فيتعين التصرف في قوله (ع) : « ولا يعود » بالحمل على الكراهة ، فإنه أولى كما هو ظاهر بأقل تأمل ، فيحمل النهي في غيره من النصوص على الكراهة أيضاً ، لما في ذلك من الزيادة الصورية.

وقريب من خبر ابن جعفر (ع) خبره الآخر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

١٦٤

______________________________________________________

كيف يصنع؟ قال (ع) : يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف هو وقد تمت صلاتهم » (١). اللهم إلا أن لا يكون الخبران جامعين لشرائط الحجية ، ولا سيما بعد إعراض الأصحاب عنهما ، وحكاية الإجماع على خلافهما فيتعين العمل بظاهر النهي في غيرهما. وعليه : نقول : النهي المذكور إما أن يحمل على الحرمة التكليفية أو الإرشاد إلى المانعية أو الى عدم الجزئية ، والثاني أظهر كما هو الحال في كلية النواهي الواردة في أمثال المقام ، وعلى كل حال لو قرأها عمداً بقصد الجزئية كانت زيادة عمدية مبطلة.

هذا مع قطع النظر عن التعليل بأن السجود زيادة في المكتوبة ، أما بالنظر اليه فيحتمل فيه أمران : الأول : أن يكون إرشاديا إلى طريق الاحتفاظ على الصلاة من طروء مبطل وهو سجود العزيمة. والثاني : أن يكون إرشاديا إلى حكم العقل بالحرمة ، لأن في قراءة سورة العزيمة إلقاء النفس في موضوعية التكاليف المتزاحمة ، لعدم القدرة على امتثالها أعني حرمة قطع الصلاة الثابت أولا ووجوب السجود للعزيمة الحادث بقراءة السورة الذي لا يمكن موافقتهما معاً ، والثاني إن لم يكن أظهر الاحتمالين في النهي يجب البناء عليه عقلا ، إذ لا فرق في حرمة تفويت غرض المولى بين تفويته اختياراً وبين تعجيز النفس عنه بعد ثبوته ، وبين إيجاد سبب ثبوته في ظرف العجز عن تحصيله كما في المقام ، ومثله أن يتزوج في ظرف عجزه عن الإنفاق على زوجته كما سيشير اليه المصنف (ره) في المسألة التاسعة والعشرين من فصل قواطع السفر ، لا أقل من أن يكون هذا الحكم العقلي قرينة على حمل النهي عليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥. والمصدر خال من لفظة « هو » غير أنها موجودة في التهذيب وفي الوسائل باب ٤٢ من أبواب قراءة القرآن. وكذلك يوجد اختلاف في لفظ الحديث بين ما ينقله صاحب الوسائل في باب ٤٠ وما ينقله في باب ٤٢. فإنه في الأخير « فيتشهد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم ».

١٦٥

______________________________________________________

نعم لو لم يتم ذلك بأن بني على عدم التزاحم وأن وجوب السجود رافع لموضوع حرمة قطع الفريضة ، لا تبعد دعوى ظهور النص في الأول. وعليه فان قرأ السورة ولم يسجد في أثناء الصلاة عصى في ترك السجود وصحت صلاته.

ودعوى : أنه بمجرد قراءة آية السجدة يتوجه إليه الأمر بالسجود فتفسد صلاته ، نظير ما لو أمر بالقي‌ء أو الجنابة في نهار الصوم لأكله للمغصوب ، أو لمضي أربعة أشهر من وطء الزوجة ، فكما أن الأمر المذكور يبطل الصوم وإن لم يحصل منه القي‌ء أو الجنابة كذلك في المقام الأمر بالسجود المبطل يبطل الصلاة وإن لم يحصل منه السجود.

وهذه الدعوى قد استوضحها في الجواهر ، لكنها مندفعة : بأن مسألة القي‌ء والجنابة في الصوم ليست من باب التزاحم بين الملاكين في الوجودين. بل من باب التزاحم بين الجهات في الشي‌ء الواحد بلحاظ الوجود والعدم ، لأن الصوم عبارة عن ترك الجنابة والقي‌ء ، فإذا كان فيهما مصلحة غالبة خرج الصوم عن كونه راجحاً ، وانتفى ملاكه فامتنع التقرب به ، ولأجل ذلك لا يصح التقرب بشرب الخمر بلحاظ أن فيه مصلحة في الجملة ، كما يستفاد من قوله سبحانه ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) (١) لما فيه من المفسدة الغالبة المانعة من تحقق الميل اليه ، وتحقق ملاك الأمر به ، وإذ لا ميل ولا ملاك لا مجال للتقرب. أما مسألة الصلاة والسجود فهي من باب التزاحم بين الملاكين ، لأن الصلاة ليست ترك السجود ، بل هي الأفعال الخاصة المشروطة بترك السجود ، فهو خارج عنها غير مقوّم لملاكها ، فيجوز أن يكون في الصلاة ملاك الأمر الموجب لرجحانها ، وإن كان ترك السجود‌

__________________

(١) البقرة : ٢١٩‌

١٦٦

قرأها ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أخرى [١].

______________________________________________________

حراما ، فيجوز التقرب بالصلاة وان عصى بترك السجود.

وبالجملة : تزاحم الجهات في الوجود الواحد راجع الى التدافع في ترجيح الوجود والعدم ، فاذا كان إحداها أقوى كان لها التأثير دون الأخرى ، ومع التساوي لا رجحان في كل منهما ، وتزاحم الجهات في الوجودين راجع الى التدافع في فعلية الأمر مع وجود الرجحان والملاك في كل منهما ، فيجوز التقرب بكل منهما وإن عصى بترك الآخر ، نظير باب التضاد بين المهم والأهم ، فإنه يجوز التقرب بالمهم كما يجوز التقرب بالأهم.

هذا كله بناء على عدم حكم العقل بحرمة التفويت ، أما بناء على حكمه بذلك فتحرم السورة ، ويكون الإتيان بها بقصد الجزئية زيادة مبطلة.

نعم موضوع التحريم في الحقيقة هو قراءة آية السجدة لأنها الموجبة للتفويت ، فنسبة الحرمة الى جميع السورة مجاز بلحاظ بعضها كما هو ظاهر ، وحينئذ حكم قراءة ما عداها من آيات السورة حكم قراءة أبعاض سائر السور فان كانت قراءة بعض غيرها من السورة بقصد الجزئية مبطلة ، كانت قراءة ما قبل آية السجدة كذلك وان لم ينو حين الشروع قراءة آية السجدة ، وان لم تكن مبطلة ـ كما هو الظاهر ويشير اليه نصوص العدول من سورة إلى أخرى‌ (١) وبعض نصوص القران‌ (٢) ـ لم تكن هي مبطلة وإن نوى قراءة آية السجدة ، إلا إذا كانت نية ذلك موجبة لخلل في قصد الامتثال على ما تقدم في نية فعل القاطع بعد ذلك. فراجع.

[١] أما على ما ذكرنا من أن المحرم قراءة آية السجدة لا غير ، فلأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ ، ٣٦ ، ٦٩ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

١٦٧

وإن كان قد تجاوز النصف [١] ، وإن تذكر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام ، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها [٢] إن كان في أثنائها ،

______________________________________________________

حرمة قراءتها مانع من الاكتفاء بإتمام السورة ، فإطلاق وجوب قراءة سورة يقتضي العدول الى غيرها ، من دون لزوم محذور ، ولزوم القران الممنوع عنه ـ لو سلم موضوعا وحكما ـ فلا بأس به في المقام ، لما دل على جواز العدول من سورة إلى أخرى ، ولأنه من السهو غير القادح لعموم : « لا تعاد الصلاة ». ومنه يظهر الحكم على القول بحرمة قراءة جميع آيات السورة ، فإن عموم عدم قادحية السهو يشمله ايضاً ، فما في التذكرة من الإشكال في العدول في الفرض غير ظاهر ، ولذا قطع في الجواهر بوجوب العدول إذا ذكر قبل أن يتجاوز النصف ومحل العدول.

[١] كما قواه في الجواهر ، لأن ما دل على المنع عن العدول بعد تجاوز النصف لو سلم مختص بصورة الاجتزاء بالإتمام ، فلا يشمل ما نحن فيه.

[٢] المحكي عن البيان الجزم بالعدول مع التذكر قبل الركوع ، وإن كان قد أتمهما ، وكذا عن المحقق الثاني وقواه في الجواهر ، لإطلاق ما دل على النهي عن العزيمة المقتضي لعدم الاجتزاء بها ، المستلزم تقييد إطلاق وجوب السورة بغيرها من السور ، فيجب الإتيان بسورة أخرى وإن ذكر بعد الفراغ. لكن عرفت أن مقتضى تعليل النهي بأن السجود زيادة في المكتوبة أن المنع إرشادي وأن سورة العزيمة كغيرها من السور واجدة لملاك الجزئية ، فمع عدم تنجز الحرمة لأجل السهو لا مانع من التقرب بالسورة ، فتكون جزءاً من الصلاة ، ولا حاجة الى سورة أخرى ، وكأن هذا هو مراد من علل تعين الإتمام بأنه قد وقع فيما يخشى منه.

هذا بناء على أن حكمه السجود فوراً واستئناف الصلاة ، والثمرة الفارقة‌

١٦٨

وقراءة سورة غيرها [١] بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة [٢] ،

______________________________________________________

بينه وبين ما اختاره في البيان أنه لو عصى في ترك السجود صحت صلاته على هذا القول ، وبطلت على ما اختاره في البيان ، إلا أن يأتي بسورة أخرى أما بناء على أن حكمه الإيماء أو السجود بعد الفراغ ، فقصور شمول النهي عن العزيمة عن فرض السهو أظهر ، لعدم انطباق التعليل عليه ، فالجمع بين القول بوجوب الإيماء والقول بعدم الاجتزاء بالعزيمة لو قرأها سهواً غير ظاهر وكأن وجه كون الأحوط إتمامها : أن التذكر في الأثناء بعد تجاوز السجدة ملازم للتذكر بعد تجاوز النصف ، لأن آية السجدة في ( حم ) السجدة و ( الم ) السجدة بعد النصف الأول ، وفي سورتي ( النجم ) ( والقلم ) في آخر السورة ، فإطلاق ما دل على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف يقتضي وجوب الإتمام ، فرفع اليد عنها مخالفة لذلك ، ولا مجال لدعوى انصراف الإطلاق عن المورد كما في الفرض السابق ، لكون المفروض هنا قراءة الآية والوقوع في المحذور بخلاف الفرض السابق.

[١] عملا باحتمال ما جزم به في البيان وغيره كما سبق.

[٢] قد اعترف غير واحد بظهور الاتفاق على صحة الصلاة بقراءة سورة العزيمة سهواً. وإنما الخلاف في أنه يسجد في الأثناء بعد قراءة آية السجدة ـ كما في كشف الغطاء ـ أو يؤخر السجود الى ما بعد الفراغ ـ كما هو المعروف على ما يظهر من الجواهر ـ أو يومئ بدل السجود ـ كما اختاره غير واحد ـ أو يجمع بين الإيماء في الأثناء والسجدة بعد الفراغ ـ كما حكي عن بعض ـ أقوال ، وكأن الأول لعدم قصد الجزئية بسجود العزيمة فلا يكون زيادة ، ولما تقدم من النصوص الدالة على جواز قراءة العزيمة والسجود لها في الأثناء. وفيه : أن الكلام في المقام بعد البناء على‌

١٦٩

______________________________________________________

عدم جواز السجود للعزيمة في الفريضة ، وأنه مبطل لها عملا بالنصوص المتقدمة ، ورفعاً لليد عن معارضها كما عرفت.

ووجه الثاني : ترجيح ما دل على حرمة الإبطال على ما دل على فورية السجود. وفيه : أن ذلك مما تأباه نصوص المنع عن قراءة العزيمة.

ووجه الثالث : جملة من النصوص كخبر ابن جعفر (ع) : « عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال (ع) : يومئ برأسه. قال : وسألته عن الرجل يكون في صلاة فيقرأ آخر السجدة فقال (ع) : يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثمَّ يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء » (١).

وخبر أبي بصير : « إن صليت مع قوم فقرأ الامام : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) أو شيئاً من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأومئ إيماء » (٢). وخبر سماعة : « وإذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع » (٣). وفيه : ـ مع أن الأخيرين موردهما الخوف من السجود للتقية ـ أنها مختصة بالسماع ، فالتعدي إلى القراءة محتاج إلى إلغاء خصوصية المورد ، وذلك غير ظاهر بنحو ترفع به اليد عن إطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزائم الشامل للسهو.

ووجه الرابع : أنه مقتضى قاعدة الاشتغال ، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين ، كما يقتضيه النظر إلى دليلي القول الثاني والثالث. وفيه : أن الرجوع الى قاعدة الاشتغال يختص بصورة عدم البيان ، ولكن البيان حاصل ، فان نصوص الإيماء ـ إن تمَّ الاستدلال بها ـ تعين القول الثالث‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب قراءة القران حديث : ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٧٠

أو الإتيان بها ، وهو في الفريضة ، ثمَّ إتمامها وإعادتها من رأس ، وإن كان بعد الدخول في الركوع ولم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها ، أو سجد وهو في الصلاة ، ثمَّ أتمها وأعادها وإن كان سجد لها نسياناً أيضاً ، فالظاهر صحة صلاته [١] ، ولا شي‌ء عليه ، وكذا لو تذكر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسيانا ، فإنه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ.

( مسألة ٤ ) : لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته [٢] ، ولو قرأها نسيانا أو استمعها من غيره أو سمعها فالحكم كما مر [٣] من أن‌

______________________________________________________

وإلا تعين العمل بإطلاق نصوص الأمر بالسجود عند قراءة العزيمة الشامل للسهو والعمد فيسجد فوراً ويستأنف الصلاة ، وتأخير السجود الى ما بعد الفراغ مخالفة لهذه النصوص.

هذا وقد عرفت مما ذكرنا أن القول بوجوب السجود فوراً فتبطل صلاته به هو الأقرب ، لكن لم أقف على قائل به.

ثمَّ إن كون الأحوط ما في المنن يراد كونه الأحوط في الجملة ، وإلا فالأقوال متباينة لا يمكن الجمع بينها عملا إلا بالتكرار.

[١] إذ لا تعاد الصلاة من زيادة سجدة نسياناً ، وكذا الحال في الفرض الآتي.

[٢] لظهور النصوص في كون النهي عن قراءة العزيمة بلحاظ آية السجدة فيجري على قراءة آية السجدة ما يجري على قراءة السورة ، وقد عرفت ما هو الأقوى هناك فيجري هنا أيضاً.

[٣] قد عرفت أن السماع حكمه الإيماء وإتمام الصلاة لا غير ، ويلحقه‌

١٧١

الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة وهو في الصلاة ، وإتمامها وإعادتها.

( مسألة ٥ ) : لا يجب في النوافل قراءة السورة [١]. وإن وجبت بالنذر [٢] أو نحوه فيجوز الاقتصار على الحمد‌

______________________________________________________

الاستماع ، بل هو منه فيدخل تحت إطلاق دليله ، وأما قراءتها نسياناً فحكمها كما سبق من أن الأقرب أنه يسجد ويستأنف الصلاة ولو عصى فترك السجود صحت صلاته.

[١] لا أجد فيه خلافاً نصاً وفتوى ، كذا في الجواهر ، وفي التحرير والمنتهى نفي الخلاف فيه ، وفي المستند دعوى الإجماع عليه ، ويشهد له ـ مضافا الى ذلك والى حديث : « رفع ما لا يعلمون » (١) ، بناء على جريانه في المستحبات عند الشك في الجزئية ، إذ لا إطلاق في دليل الجزئية يشمل النافلة ـ مصحح ابن سنان : « يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » (٢). بناء على أن المراد من قضاء صلاة التطوع فعلها ، أو تتمم دلالته على المدعى بعدم القول بالفصل كصحيح ابن يقطين : « سألت الرضا (ع) عن تبعيض السورة فقال (ع) : أكره ولا بأس به في النافلة » (٣)

[٢] لأن الظاهر من الفريضة والنافلة المأخوذين موضوعاً للثبوت والسقوط : ما يكون فريضة أو نافلة بعنوان كونه صلاة لا بعنوان آخر ، والوجوب بالنذر أو الإجارة أو أمر الوالد أو السيد أو نحو ذلك لا بعنوان الصلاة فلا يخرجها عن موضوع حكم النافلة ، وكذا الحال في جواز قراءة العزيمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

١٧٢

أو مع قراءة بعض السورة. نعم النوافل التي تستحب بالسور المعينة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة [١] لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب [٢] لا التقييد.

( مسألة ٦ ) : يجوز قراءة العزائم في النوافل [٣] وإن وجبت بالعارض [٤] فيسجد بعد قراءة آيتها [٥] وهو في الصلاة ، ثمَّ يتمها.

( مسألة ٧ ) : سور العزائم أربع :

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه دليل تشريعها.

[٢] هذا ـ مع أنه يتوقف على ورود أمر بالمطلق مثل الأمر بصلاة ركعتين للحاجة ، وإلا فلو لم يكن إلا الأمر بالمشتملة على السورة لا وجه لفهم تعدد المطلوب ـ مبني على عدم وجوب حمل المطلق على المقيد في المستحبات ، وقد تقدم الكلام فيه في بعض مباحث الأذان والإقامة.

[٣] الظاهر أنه لا خلاف فيه ـ كما في الحدائق ـ وعن الخلاف الإجماع عليه ، ويشهد له ـ مضافاً الى ما قد يستفاد من تخصيص المنع في أدلته بالفريضة ، والى إطلاق بعض نصوص الجواز المحمول على النافلة ـ خصوص موثق سماعة المتقدم (١) : « ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع ».

[٤] كما تقدم في المسألة السابقة.

[٥] بلا إشكال ظاهر ، ويقتضيه ـ مضافاً الى إطلاق ما دل على فورية السجود بضميمة مثل حديث الرفع بناء على جريانه في المقام لرفع‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٣.

١٧٣

( الم السجدة ) و ( حم السجدة ) و ( النجم ) و ( اقرأ باسم ) [١].

( مسألة ٨ ) : البسملة جزء من كل سورة [٢] ،

______________________________________________________

قادحية السجود ـ ظاهر موثق سماعة فراجعه.

[١] بالإجماع المحقق والمحكي مستفيضاً ـ كما في المستند ويشهد له صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربع : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » (١) وصحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن العزائم أربع : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة » (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال : إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء .. » (٣).

[٢] إجماعا كما عن الخلاف ، ومجمع البيان ، ونهاية الاحكام ، والذكرى وجامع المقاصد ، وظاهر السرائر وغيرها ، وفي المعتبر نسبته إلى علمائنا ، ويشهد له جملة من النصوص كصحيح ابن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) عن السبع المثاني والقرآن العظيم أهي الفاتحة؟ قال (ع) : نعم. قلت : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من السبع؟ قال (ع) : نعم هي أفضلهن » (٤). وخبر يحيى بن عمران الهمداني : « كتبت إلى أبي جعفر (ع) : جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ بـ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) في صلاته وحده بأم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها فقال العباسي : ليس

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب قراءة القرآن حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

١٧٤

فيجب قراءتها عدا سورة براءة [١].

( مسألة ٩ ) : الأقوى اتحاد سورة ( الفيل ) و ( لإيلاف ) وكذا ( والضحى ) و ( ألم نشرح ) [٢]

______________________________________________________

بذلك بأس؟ فكتب (ع) بخطه : يعيدها مرتين على رغم أنفه » (١). ـ يعني العباسي.

نعم في بعض النصوص : جواز تركها من السورة‌ (٢) ، وفي بعضها : جواز تركها إلا في افتتاح القراءة من الركعة الأولى‌ (٣) ، وفي بعضها : جواز تركها من الفاتحة في الأولى‌ (٤) ، والجميع لا مجال للعمل به بعد حكاية الإجماعات القطعية على خلافه ، فليحمل على التقية.

[١] للإجماع.

[٢] عن الانتصار نسبته الى آل محمد (ص) ، وعن الأمالي نسبة الإقرار به الى دين الإمامية ، وعن السرائر والتحرير ونهاية الأحكام والتذكرة والمهذب البارع وغيرها أنه قول علمائنا ، ويشهد له المرسل في الشرائع : « روى أصحابنا أن ( الضحى ) و ( ألم نشرح ) سورة واحدة ، وكذا ( الفيل ) و ( لايلاف ) » (٥) ونحوه المرسل المحكي عن الهداية (٦) ، والفقه الرضوي‌ (٧) ، ومجمع البيان‌ (٨) ، والمسند (٩) ، عن أبي العباس ـ على

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣ ـ ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٩.

(٦) الهداية باب القراءة صفحة : ٧.

(٧) مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٨) الوسائل باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٤.

(٩) مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

١٧٥

______________________________________________________

ما عن السياري ـ : « ( الضحى ) و ( ألم نشرح ) سورة واحدة ». والمسند عن شجرة أخي بشر النبال ـ على ما عن البرقي ـ : « ألم تر كيف ولايلاف سورة واحدة » (١). ونحوه مسنده عن أبي جميلة‌ (٢) ، وضعف سندها منجبر باعتماد الأصحاب عليها ، ويؤيدها‌ صحيح زيد الشحام : « صلى بنا أبو عبد الله (ع) الفجر فقرأ ( الضحى ) ، و ( ألم نشرح ) في ركعة » (٣) و‌خبر المفضل بن صالح عن أبي عبد الله (ع) : قال : « سمعته يقول : لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا ( الضحى ) و ( ألم نشرح ) ، و ( ألم تر كيف ) و ( لايلاف قريش ) (٤). بحمل السورة فيه على المعنى الدارج عند الناس.

ومن ذلك يظهر ضعف ما في المعتبر من قوله : « لقائل أن يقول : لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونا سورتين وإن لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه فنطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة وليس في قراءتهما في الركعة الواحدة دلالة على ذلك ، وقد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين ». وتبعه عليه جماعة ، بل نسب الى المشهور بين من تأخر عنه ، وإن كان يشهد له خبر المفضل‌ ـ بناء على حمل السورة فيه على السورة الحقيقية الواقعية وعلى كون الاستثناء متصلا كما هو الظاهر ـ إلا أنه يتعين حمله على إرادة السورة بالنظر الدارج ـ كما سبق ـ جمعاً بينه وبين تلك المراسيل المعتمد عليها ، واحتمال أن المراد بالمراسيل المسانيد المتضمنة للجمع بين السورتين ، مثل صحيح الشحام‌ ، وخبر المفضل‌ ، بعيد جداً.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب القراءة في الصلاة ملحق حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

١٧٦

فلا يجزئ في الصلاة إلا جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما [١].

______________________________________________________

وأما صحيح الشحام الآخر : « صلى بنا أبو عبد الله (ع) فقرأ في الأولى ( الضحى ) وفي الثانية ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) » (١) فإجمال الفعل فيه مانع عن صلاحيته للمعارضة لغيره ، ومثله صحيحه الثالث : « صلى بنا أبو عبد الله (ع) فقرأ بنا ( الضحى ) و ( أَلَمْ نَشْرَحْ ) » (٢). مضافاً الى إجماله من حيث كون القراءة في ركعتين أو ركعة ، وأما خبر داود الرقي المنقول عن الخرائج والجرائح عن داود الرقي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « فلما طلع الفجر قام فأذن وأقام وأقامني عن يمينه وقرأ في أول ركعة ( الحمد ) و ( الضحى ) وفي الثانية بالحمد و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثمَّ قنت » (٣). فضعف سنده وإجمال الفعل فيه مانع عن العمل به ، مع إمكان حمله على إرادة السورتين معاً من ( الضحى ).

هذا ولكن الإنصاف أن حصول الوثوق بصدور هذه المراسيل ممنوع إذ ليست هذه المراسيل الا كمرسل الشرائع ـ مع أنه ناقش في المعتبر بما ذكر.

[١] كما عن جماعة ، بل عن المقتصر نسبته إلى الأكثر ، لثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام ، ولقاعدة الاحتياط ، للشك في قراءة سورة بتركها. وفيه : أن ثبوتها في المصاحف أعم من الجزئية ، فإن بناء أكثر أصحاب المصاحف على عدم جزئية البسملة من كل سورة ، ومع ذلك يثبونها في مصاحفهم ، فإثباتها في المصاحف ناشئ من اعتقاد أن سورة الإيلاف سورة مستقلة ، فاثبتوا البسملة في صدرها كما أثبتوها في صدر كل سورة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١٠.

١٧٧

( مسألة ١٠ ) : الأقوى جواز قراءة سورتين [١].

______________________________________________________

باعتقاد أنها جزء ـ مع أن المحكي عن مصحف أبي سقوطها (١) ، وأما كون المرجع عند الشك في المقام قاعدة الاحتياط فغير ظاهر ، بل المرجع أصل البراءة ، للشك في وجوب قراءتها ، لإجمال مفهوم السورة ، وليست من قبيل المفهوم المبين كي لا يكون التكليف مشكوكا بوجه ويكون الشك في المحصل. وكأنه لذلك اختار كثير العدم ، بل عن البحار : نسبته إلى الأكثر ، وعن التهذيب : أنه قال : « عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة ». وعن التبيان ومجمع البيان : أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها.

[١] كما عن جماعة كثيرة ، وحكاه في كشف اللثام عن الاستبصار ، والسرائر ، والشرائع ، والمعتبر ، والجامع ، وكتب الشهيد ، وجعله الأقوى ، بل عن البحار والحدائق نسبته الى جمهور المتأخرين ومتأخريهم. ويقتضيه الجمع بين ما دل على النهي عنه كصحيح محمد عن أحدهما (ع) : « سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة. فقال (ع) : لا لكل سورة ركعة » (٢) وخبر منصور ابن حازم قال أبو عبد الله (ع) : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » (٣). وغيرهما ، وبين ما دل على الجواز كصحيح علي بن يقطين : « سألت أبا الحسن (ع) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة. قال (ع) : لا بأس » (٤). فيحمل الأول على الكراهة كما يشير اليه خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « عن رجل قرأ سورتين في ركعة. قال (ع) : إن كانت نافلة فلا بأس وأما

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٩.

١٧٨

أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة [١] ، والأحوط‌

______________________________________________________

الفريضة فلا يصلح » (١). وموثق زرارة قال أبو جعفر (ع) : « إنما يكره أن تجمع بين السورتين في الفريضة فأما النافلة فليس به بأس » (٢) وما عن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (ع) : « لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل » (٣). وموثق زرارة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال : إن لكل سورة حقاً فأعطها حقها من الركوع والسجود » (٤).

ومن ذلك يظهر ضعف ما نسب الى المشهور بين القدماء من عدم الجواز ، بل عن الصدوق أنه من دين الإمامية ، وعن السيد أنه من متفرداتهم ودعوى أن ذلك يوجب سقوط أخبار الجواز عن الحجية من جهة الإعراض غير ظاهر ، لجواز أن يكون ذلك ترجيحاً لنصوص المنع ، بل من الجائز أن يكون المراد من النهي عنه في كلام بعض وعدم الجواز في كلام آخر الكراهة ، والتعبير بذلك كان تبعاً للنصوص ، بل عن ظاهر المبسوط الكراهة وعن التذكرة حكاية ذلك عن المرتضى (ره) ، وكيف كان فالقول بالجواز متعين.

[١] الكراهة هنا على حد الكراهة في العبادات ليست هي لرجحان الترك على الفعل ، لامتناع التعبد بالمرجوح ، بل هي إما لملازمة الترك لعنوان أرجح من الفعل كما يشير اليه موثق زرارة الأخير ، أو لانطباق عنوان على الترك يكون أرجح من الفعل ، كما يشير اليه صحيح زرارة المروي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١٣.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٣.

١٧٩

تركه وأما في النافلة فلا كراهة [١].

( مسألة ١١ ) : الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها [٢]

______________________________________________________

عن المستطرفات.

لكن الإشكال في كيفية انطباق العنوان ذي المصلحة على الترك ، لأنه إن كان عدمياً كيف يكون ذا مصلحة؟ وإن كان وجوديا كيف يتحد مع الترك العدمي مع وضوح تباين الوجود والعدم؟ وفي أنه على تقدير الانطباق يكون الترك أرجح من الفعل ، فكيف يمكن التعبد بالفعل المرجوح؟ وليس هو من باب تزاحم الملاكات في الوجودين ، بل من تزاحم الجهات في الوجود الواحد الذي أشرنا إليه في مسألة قراءة العزيمة في الفريضة ، وفي مسألة اجتماع الأمر والنهي من تعليقة الكفاية. ويعين حمل الصحيح على الموثق فتكون الكراهة من جهة تفويت حق السورة لا غير.

[١] بلا خلاف ولا إشكال ، كما تضمنته النصوص السابقة وغيرها ، بل النصوص المتضمنة لتشريعه في نوافل مخصوصة لا تحصى كثرة ، كما يظهر من مراجعة كتب الأعمال والعبادات.

[٢] يعني : لا يجب تعيين البسملة للسورة ، فله أن يقرأ البسملة من دون تعيين أنها لسورة خاصة ، ثمَّ يقرأ سورة بعدها.

ومحصل الكلام : أنه لا ينبغي التأمل في أن معنى قول القائل : قرأت القرآن أو الخطبة أو القصيدة أو نحوها. هو أداؤها بمثل ألفاظها ، ومثله قرأت الكتاب. فان مفاده أداء الكتابة بالألفاظ المطابقة لها ، فلا بد فيها من اللحاظ الاستعمالي للمقروء كلحاظ المعنى عند استعمال اللفظ فيه ، ولا يكفي مجرد التلفظ بالألفاظ المطابقة للمقروء مع عدم لحاظه وقصده ، فان ذلك ليس قراءة له ، بل قول مطابق له ، وفرق ظاهر بين معنى : « قلت قول‌

١٨٠