مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٦

مرة [١]. نعم لو أجاب ، ثمَّ سلم يجب جواب الثاني أيضاً ، وهكذا ، إلا إذا خرج عن المتعارف ، فلا يجب الجواب حينئذ [٢].

( مسألة ٢٤ ) : إذا كان المصلي بين جماعة فسلم واحد عليهم ، وشك المصلي في أن المسلم قصده أيضاً أم لا ، لا يجوز له الجواب [٣]. نعم لا بأس به بقصد القرآن أو الدعاء.

( مسألة ٢٥ ) : يجب جواب السلام فوراً [٤] ، فلو أخر عصياناً ، أو نسياناً ، بحيث خرج عن صدق الجواب ،

______________________________________________________

[١] إما لكون الجميع تحية واحدة. أو لما يستفاد مما ورد في دخول النبي (ص) على علي (ع) وفاطمة (ع) وهما في لحافهما فسلم (ص) عليهما (ع) فاستحييا ، فلم يجيبا ، ثمَّ سلم ثانيا ، فسكتا ، ثمَّ سلم ثالثاً ، فخافا إن لم يجيبا انصرف ، فاجابا مرة‌ ، ونحوه غيره. وقد عقد في الوسائل بابا لذلك في آداب العشرة (١). ولأجل ذلك يخرج عن أصالة عدم التداخل. وإلا فإشكاله ظاهر. فتأمل جيداً.

[٢] فان صدق التحية حينئذ محل تأمل أو منع. والأصل البراءة.

[٣] لأصالة عدم قصده ، الموجبة لنفي السلام عليه.

[٤] على المشهور. بل عن مصابيح الظلام : « الظاهر اتفاق الأصحاب عليه » ، وفي المستند : « الظاهر أنه إجماعي ». وهو الذي يقتضيه ظاهر الأدلة ، المنزلة على المرتكزات العرفية ، فإن جواب التحية عندهم له وقت معين ، يكون التعدي عنه تعديا عن الموظف. ولأجل ذلك يعلم أن الفورية الواجبة يراد منها ما يصدق معها التحية. كما أنه لأجله أيضاً يشكل الوجوب بعد خروج الوقت ، وإن حكي عن الأردبيلي. ولعله استند الى الاستصحاب‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٠ من أبواب أحكام العشرة. والحديث المذكور هو أول أحاديث الباب.

٥٦١

لم يجب ، وإن كان في الصلاة لم يجز. وإن شك في الخروج عن الصدق ، وجب ، وإن كان في الصلاة [١]. لكن الأحوط حينئذ قصد القرآن أو الدعاء.

( مسألة ٢٦ ) : يجب إسماع الرد ، سواء كان في الصلاة أولا [٢] ،

______________________________________________________

إلا أن يقال : الواجب هو الجواب بعنوان التحية ، وهو غير ممكن في خارج الوقت.

[١] كأنه للاستصحاب. ويشكل بأن الشك في بقاء الموضوع كاف في المنع عن الاستصحاب ، كالعلم بارتفاعه. اللهم إلا أن يكون المرجع هنا استصحاب بقاء الوقت. لكنه إذا كان الشك للشبهة المفهومية كان من قبيل الاستصحاب في المفهوم المردد ، وقد حرر في محله عدم جوازه. نعم إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية جرى بلا مانع. إلا أن الظاهر أنه غير محل الفرض. فتأمل جيداً.

[٢] أما في غير الصلاة فهو المعروف. وعن الذخيرة : « لم أجد أحداً صرح بخلافه ». وقد يقتضيه ـ مضافا الى ظهور الإجماع ، والى انصراف الأدلة ـ خبر ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ، ولا يقول : سلمت فلم يردوا علي ، ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم فاذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم : سلمت فلم يردوا على » (١) ويشير اليه خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي‌ (٢) ، المتضمن التعليل بكون التسليم أماناً من المسلم ، إذ لا يحصل الأمن إلا بالعلم به. لكن من جهة ظهور التعليل في كونه من الآداب ، فهما قاصران عن إثبات الوجوب ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب التسليم حديث : ١٣.

٥٦٢

______________________________________________________

فضلا عن إثبات وجوب الإسماع ، إذ التعليل إنما يقتضي الاعلام ، ولو بالإشارة بالإصبع أو غيرها. وأشكل من ذلك دعوى دخوله في مفهوم الرد والتحية لمنافاتها للاكتفاء بالإسماع التقديري.

وأما في الصلاة فمقتضى إطلاق النصوص كون الرد فيها كالرد في غيرها. لكن في صحيح منصور المتقدم‌ (١) : انه يرد خفياً ، وفي موثق عمار : « إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة ، فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك » (٢) ، وظاهرهما وجوب الإخفات. ويعضدهما صحيح ابن مسلم المتقدم‌ (٣) ، حيث تضمن الإشارة بالإصبع ، الظاهر في كون المقصود منه الاعلام ، ونحوه خبر ابن جعفر عليه‌السلام (٤).

وفي الجواهر بعد ذكر الأولين قال : « ولم أجد من عمل بهما من أصحابنا إلا المصنف في المعتبر ، حيث حملهما على الجواز » ، وفيه ـ مع أنه ليس عملا بهما ـ : أنه مخالف للمنساق من غيرهما من النصوص والفتاوى. والأولى حملهما على الجهر المنهي عنه ـ وهو المبالغة في رفع الصوت ـ أو على التقية ، لأن المشهور بين العامة عدم الرد نطقاً ، بل بالإشارة ..

ويمكن أن يقال : إن الأمر والنهي فيهما في مقام توهم الحظر ووجوب الاسماع ، فلا يدلان على أكثر من الرخصة في الإخفات ، فيرجع في جواز الاسماع الى غيرهما من النصوص. وحينئذ لا ينافيان صحيح ابن مسلم الآخر المتقدم‌ (٥) المتضمن إسماع الباقر (ع) جوابه له. ولا موجب لحملهما‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٧ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

(٣) راجع المسألة : ١٧ من هذا الفصل.

(٤) راجع المسألة : ١٧ من هذا الفصل.

(٥) راجع المسألة : ١٧ من هذا الفصل.

٥٦٣

إلا إذا سلم ، ومشى سريعاً ، أو كان المسلّم أصم ، فيكفي الجواب على المتعارف [١] بحيث لو لم يبعد ، أو لم يكن أصم كان يسمع.

( مسألة ٢٧ ) : لو كانت التحية بغير لفظ السلام كقوله : « صبحك الله بالخير » أو : « مساك الله بالخير » لم يجب الرد [٢]. وإن كان هو الأحوط. ولو كان في الصلاة فالأحوط الرد بقصد الدعاء.

______________________________________________________

على التقية ـ كما جزم به في جامع المقاصد ـ ولا سيما بملاحظة اشتمالهما على الرد ، الذي لا يقول به أكثرهم كما قيل. لكن ما ذكره في الجواهر أولا أقرب في وجه الجمع. ولا ينافيه التعبير بالخفاء في صحيح منصور‌ ، لإمكان حمله على عدم رفع الصوت ، كما في الموثق ، جمعاً بينهما في نفسهما ، وبينهما وبين ما دل على وجوب الاسماع. ولعله لذلك لم يعرف القول بوجوب الإخفات.

[١] كأنه لقصور ما تقدم من ظهور الإجماع ، والانصراف ، والتعليل ، عن اقتضاء الإسماع في مثل ذلك. أما دعوى دخول الإسماع في مفهوم الرد ، فقد عرفت أنه لا يفرق فيها بين المستثنى والمستثنى منه.

[٢] كما هو المشهور ، للأصل. ويشير اليه صحيح محمد بن مسلم السابق‌ (١) ، فان قوله : « كيف أصبحت » نوع من التحية. وأما عموم الآية (٢) ، فغير ثابت إما لأن المراد من التحية السلام : قال في محكي المدارك : « التحية لغة : السلام ، على ما نص عليه اللغة ، ودل عليه العرف » ، وفي القاموس : « والتحية السلام » ، وعن المصباح :

__________________

(١) راجع المسألة : ١٧ من هذا الفصل.

(٢) وهو قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) النساء : ٨٦.

٥٦٤

( مسألة ٢٨ ) : لو شك المصلي في أن المسلّم سلم بأي صيغة ، فالأحوط أن يرد بقوله ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) [١] بقصد القرآن أو الدعاء.

______________________________________________________

« حياه تحية ، أصله الدعاء بالبقاء ، ومنه التحية لله تعالى ، أي البقاء ، وقيل : الملك ، ثمَّ كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ، ثمَّ استعمله الشرع في دعاء مخصوص ، وهو سلام عليكم ». وإما لأن المراد منها في الآية ذلك ، كما نسب الى أكثر المفسرين ، وعن البيضاوي نسبته الى الجمهور. ولعله لقيام السيرة القطعية على عدم وجوب الرد لغير السلام من أنواع التحيات ، فيدور الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب ، وبين حمل التحية على خصوص السلام ، والثاني أقرب. ومن ذلك يشكل ما عن ظاهر التحرير ، والمنتهى ، من جواز رد التحية غير السلام في الصلاة ، اعتماداً على ظاهر الآية ، وعن البيان احتماله. مضافا الى أنه لو سلم العموم فليس مقتضاه إلا وجوب الرد. أما صحة الصلاة معه بحيث لا يكون قاطعاً ويخرج به عن عموم مانعية الكلام. فليس بظاهر الوجه.

[١] لأنه إن كان الابتداء بالصيغ التي قدم فيها المبتدأ ، فهذه الصيغة جواب له ، لعدم اعتبار المماثلة بأكثر من تقديم المبتدأ. وإن كان بالصيغة التي قدم فيها الظرف ، فقد عرفت سابقاً الاكتفاء بذلك جوابا عنه ، فيجوز له الجواب به لا بقصد القرآن ، ولا بقصد الدعاء. نعم بناء على اعتبار المماثلة في جميع الخصوصيات ، ووجوب الجواب عن الصيغة التي يتقدم فيها الخبر يتعين عليه التكرار بقصد الدعاء فيهما ، أو بقصد الدعاء في أحدهما والقرآن في الآخر ، حتى لا يلزم قطع الفريضة بالكلام العمدي المنطبق على غير الجواب.

٥٦٥

( مسألة ٢٩ ) : يكره السلام على المصلي [١].

( مسألة ٣٠ ) : رد السلام واجب كفائي [٢] ، فلو كان المسلم عليهم جماعة ، يكفي رد أحدهم. ولكن الظاهر عدم سقوط الاستحباب بالنسبة إلى الباقين [٣]

______________________________________________________

[١] للنهي عنه في خبر مسعدة المتقدم في صدر المبحث (١) ، ونحوه غيره. وفي جامع المقاصد : « لا يكره السلام على المصلي. للأصل ، ولعموم ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (٢) ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم » (٣) لكن الأخير مختص بمورده. مع أنه معارض بخبر الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد (ع) : « كنت أسمع أبي يقول : إذا دخلت المسجد والقوم يصلون فلا تسلم عليهم .. » (٤) ، والجمع العرفي حمل الأمر في الأول على المشروعية. نعم إن لم يمكن الجمع المذكور فالترجيح للأول ، لقوة السند. هذا والأولان لا يصلحان لمعارضة النص.

[٢] بلا خلاف ، كما في كلام غير واحد ، بل عن التذكرة الإجماع عليه. ويشهد له خبر غياث عن أبي عبد الله (ع) : « إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم » (٥) ، ونحوه مرسل ابن بكير‌ (٦).

[٣] كما احتمله في الجواهر ، وجزم به في غيرها. لانصراف التعبير‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٦ من هذا الفصل.

(٢) النور : ٦١.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٣.

٥٦٦

بل الأحوط رد كل من قصد به [١] ، ولا يسقط برد من لم يكن داخلا في تلك الجماعة [٢] ، أو لم يكن مقصوداً. والظاهر عدم كفاية رد الصبي المميز أيضاً [٣] والمشهور على أن الابتداء بالسلام أيضاً من المستحبات الكفائية ، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم [٤].

______________________________________________________

بالأجزاء إلى الاكتفاء به في سقوط الوجوب ، فلا ينافي بقاء المشروعية المستفادة من إطلاق الأمر بالرد ، وان كان إطلاقه يقتضي السقوط بالمرة.

[١] كأن منشأ الاحتياط استضعاف النص. وإلا فلم أقف على قول بالوجوب العيني.

[٢] لعدم دخوله في النصوص ، فيبقى عموم وجوب الرد محكما. وكذا في الفرض الثاني.

[٣] كما في الجواهر ، وعن المدارك. لعدم ظهور « القوم » المذكور في النص في شموله ، فالمرجع عموم وجوب الرد. وعن جماعة بناء ذلك على تمرينية عباداته ، لكونها كأفعال البهائم ، بخلاف البناء على شرعيتها ، لأن تحيته حينئذ كتحية غيره لا قصور فيها. وفيه : ما أشرنا إليه من أن صدق التحية لا يختلف فيه البناء ان ، فان كان هو المدار فلا فرق بينهما في السقوط ، وليس السقوط تابعاً للشرعية ، فإنه لا إشكال في السقوط إذا رد البالغ وان لم يكن بعنوان العبادة. نعم لو كان المنشأ في قصور عموم النص للصبي قوله (ع) : « أجزأ عنهم ». الظاهر في ثبوت الرد عليهم جميعاً ، كان البناء على عدم سقوط برده بناء على التمرينية في محله ، لعدم ثبوته في حقه. فتأمل. هذا وعن الأردبيلي القول بالسقوط مطلقاً. وكأنه مبني على إطلاق النص بنحو يشمله.

[٤] كما صرح به في الجواهر ، وغيرها. لخبر غياث المتقدم‌ ، ونحوه‌

٥٦٧

ولا يبعد بقاء الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضاً [١] ، وإن لم يكن مؤكداً.

( مسألة ٣١ ) : يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية ، وبالعكس ، على الأقوى إذا لم يكن هناك ريبة [٢] ، أو خوف فتنة ، حيث أن صوت المرأة من حيث هو ليس عورة [٣].

( مسألة ٣٢ ) : مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر [٤] ،

______________________________________________________

مرسل ابن بكير‌.

[١] لجريان نظير ما تقدم هنا أيضاً.

[٢] ففي مصحح ربعي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله (ص) يسلم على النساء ، ويردون عليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء ، وكان يكره أن يسلم على الشابّة منهن ، ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها ، فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر » (١). ولأجل ذلك يتعين حمل خبر غياث : « لا تسلم على المرأة » (٢) ، والمرسل : « لا تبدؤا النساء بالسلام » (٣) ، على الصورة المذكورة.

[٣] كما تقدم في مبحث القراءة.

[٤] كما صرح به غير واحد‌ لخبر غياث : « قال أمير المؤمنين (ع) : لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم » (٤) ونحوه خبر أبي البختري‌ (٥) ، وفي خبر الأصبغ : « ستة لا ينبغي أن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١. لكنه حديث مسند.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٩.

٥٦٨

إلا لضرورة. لكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة [١]. وإن سلم الذمي على مسلم فالأحوط الرد بقوله : « عليك » [٢]

______________________________________________________

يسلم عليهم اليهود والنصارى .. » (١).

[١] كأنه‌ لمصحح ابن الحجاج : « قلت لأبي الحسن (ع) أرأيت إن احتجت الى الطبيب وهو نصراني أسلم عليه وأدعو له؟ قال (ع) : نعم إنه لا ينفعه دعاؤك » (٢). فإن الحاجة الى الطبيب ـ لو سلم ظهورها في الضرورة ـ فليس لها ظهور في الحاجة الى السلام ، بل ظاهر الكلام عدمها ، وفي خبر أبي بصير : « عن الرجل تكون له الحاجة الى المجوسي أو إلى اليهودي ، أو الى النصراني ، فيكتب له في الحاجة العظيمة أيبدأ بالعلج ويسلم عليه في كتابه ، وإنما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ فقال عليه‌السلام : أما أن تبدأ به فلا ، ولكن تسلم عليه في كتابك ، فان رسول الله (ص) كان يكتب الى كسرى وقيصر » (٣). فإنه ظاهر جداً في عدم الضرورة ، بقرينة النهي عن الابتداء باسمه. نعم مورده الكتابة.

[٢] ففي مصحح زرارة : « إذا سلم عليكم مسلم فقولوا : سلام عليكم فاذا سلم عليكم كافر فقولوا : عليك » (٤) ، وفي موثق معاوية : « إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك » (٥) ، ونحوهما غيرهما ، وقد تقدم في خبر غياث الجواب بـ « عليكم » ونحوه خبر أبي البختري‌ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٥٣ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٣.

(٦) راجع المسألة : ٣٢ من هذا الفصل.

٥٦٩

أو بقوله : « سلام » [١] دون « عليك ».

( مسألة ٣٣ ) : المستفاد من بعض الأخبار : أنه يستحب أن يسلم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الكثيرة ، والصغير على الكبير [٢].

______________________________________________________

[١] كما في خبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « تقول في الرد على اليهودي والنصراني : سلام » (١). ثمَّ إن الوجه في توقف المصنف رحمه‌الله عن الجزم بالوجوب : وجود القولين في الوجوب وعدمه ، واختلاف الوجهين. والذي اختاره في الجواهر العدم. وهو ضعيف ، فان النصوص الواردة في الكافر بالخصوص ، وإن كانت لا تدل على الوجوب ، لورودها مورد توهم الحظر ، لكن عموم الآية الشريفة (٢) كاف في إثباته.

[٢] روى عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : القليل يبدءون الكثير بالسلام ، والراكب يبدأ الماشي ، وأصحاب البغال يبدءون أصحاب الحمير ، وأصحاب الخيل يبدءون أصحاب البغال » (٣) وفي خبر ابن القداح عنه (ع) : « يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد » (٤) ، وفي خبر جراح عنه (ع) : « ليسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والقليل على الكثير » (٥) ، وفي مرسل ابن بكير :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٢.

(٢) وهو قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ .. ) النساء : ٨٦.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

٥٧٠

ومن المعلوم أن هذا مستحب في مستحب [١] ، وإلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً.

( مسألة ٣٤ ) : إذا سلم سخرية أو مزاحا ، فالظاهر عدم وجوب رده [٢].

( مسألة ٣٥ ) : إذا سلم على أحد شخصين ولم يعلم أنه أيهما أراد ، لا يجب الرد على واحد منهما [٣] وإن كان الأحوط في غير حال الصلاة الرد من كل منهما [٤].

( مسألة ٣٦ ) : إذا تقارن سلام شخصين ، كل على الآخر ، وجب على كل منهما الجواب [٥] ، ولا يكفي سلامه الأول ، لأنه لم يقصد الرد ، بل الابتداء بالسلام.

( مسألة ٣٧ ) : يجب جواب سلام قارئ التعزية ،

______________________________________________________

« وإذا لقيت جماعة جماعة ، سلم الأقل على الأكثر ، وإذا لقي واحد جماعة ، يسلم الواحد على الجماعة » (١).

[١] لعدم موجب للجمع بالتقييد ، فيحمل الأمر على الأفضل.

[٢] لانصراف الدليل عنه.

[٣] لأصالة البراءة ، والعلم الإجمالي لا أثر له ، كما في واجدي المني في الثوب المشترك.

[٤] أما فيها فلا يجوز. لعموم المنع من الكلام ، الذي يكون مرجعاً في المورد ، بعد جريان أصالة عدم السلام عليه ، النافي لكون المورد من أفراد الخاص المستثنى.

[٥] لعموم وجوب الرد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٤.

٥٧١

والواعظ ، ونحوهما من أهل المنبر. ويكفي رد أحد المستمعين [١]

( مسألة ٣٨ ) : يستحب الرد بالأحسن في غير حال الصلاة بأن يقول في جواب : « سلام عليكم » : « سلام عليكم ، ورحمة الله وبركاته » ، بل يحتمل ذلك فيها أيضاً [٢]. وإن كان الأحوط الرد بالمثل.

( مسألة ٣٩ ) : يستحب للعاطس ولمن سمع عطسة الغير وإن كان في الصلاة ، أن يقول : « الحمد لله » أو يقول : « الحمد لله وصلى الله على محمد وآله » [٣] بعد أن يضع إصبعه‌

______________________________________________________

[١] على ما سبق من الاكتفاء برد واحد من الجماعة.

[٢] على ما تقدم منه رحمه‌الله من كون المراد من المثل في النصوص تأخير الظرف في مقابل تقديمه ، وتقدم إشكاله.

[٣] إجماعاً ، على الظاهر. والتعبير بالجواز في محكي كلام غير واحد يراد منه معناه الأعم ، لا مقابل الاستحباب. كما يشهد به ـ مضافاً الى ما دل على استحباب الذكر والصلاة على النبي (ص) ـ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد الله تعالى » (١) وخبر أبي بصير : « أسمع العطسة فأحمد الله تعالى وأصلي على النبي (ص) وأنا في الصلاة؟ قال (ع) : نعم ، وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل : الحمد لله وصلى الله على النبي (ص) وآله وإن كان بينك وبين صاحبك اليم » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٥٧٢

على أنفه [١]. وكذا يستحب [٢] تسميت [٣] العاطس ، بأن يقول له : « يرحمك الله » ، أو « يرحمكم الله » [٤] ، وإن‌

______________________________________________________

[١] المذكور في خبر الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (ع) : « من عطس ، ثمَّ وضع يده على قصبة أنفه ، ثمَّ قال : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حمداً كثيراً كما هو أهله ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم ، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد ، وأكبر من الذباب ، حتى يصير تحت العرش يستغفر الله تعالى له الى يوم القيامة » (١) ، وفي خبر مسمع : « عطس أبو عبد الله (ع) فقال : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، ثمَّ جعل إصبعه على أنفه ، فقال : رغم أنفي لله رغماً داخراً » (٢).

[٢] بلا إشكال. والنصوص به شاهدة ، وفي بعضها : انه من حق المؤمن على المؤمن. وهو لا ينافي استحبابه حتى للكافر. كما يقتضيه إطلاق الأمر به. مضافاً الى ما ورد في تسميت النصراني‌ (٣).

[٣] بالسين ، والشين ، كما في كلام جماعة من اللغويين ، وعن تغلب : الاختيار بالسين المهملة ، وعن أبي عبيدة : الشين أعلى في كلامهم وأكثر.

[٤] كما ذكره جماعة من الفقهاء واللغويين. ويشهد له خبر ابن مسلم : « إذا سمت الرجل فليقل : يرحمك الله ، وإذا رد فليقل : يغفر الله لك ولنا ، فان رسول الله (ص) سئل عن آية أو شي‌ء فيه ذكر الله ، فقال (ص) : كلما ذكر الله عز وجل فيه فهو حسن » (٤) ، وفي خبر الخصال : « إذا

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٣ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٢ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦٥ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٢.

٥٧٣

كان في الصلاة [١] ، وإن كان الأحوط الترك حينئذ. ويستحب‌

______________________________________________________

عطس أحدكم فسمتوه ، قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله تعالى لكم ويرحمكم. قال الله عز وجل ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (١) لكن الذي صرح به في كلام آخرين عدم اختصاصه بذلك ، بل يكون بكل دعاء له. ويشير اليه ذيل خبر ابن مسلم ، وما ورد في تسميت النصراني حيث قال له الجماعة : هداك الله تعالى ، وقال أبو عبد الله (ع) له : يرحمك الله ، من دون أن ينكر عليهم مشروعية قولهم‌.

[١] كما هو المعروف ، من دون نقل خلاف فيه. واستدل له في الجواهر بالأصل. ولأن التسميت الدعاء للعاطس ، وهو غير ممنوع في الصلاة فيبقى إطلاق الأمر به على حاله. وفيه ـ مضافاً الى الإشكال في كون التحية من الدعاء ، كما تقدم في السلام ـ ما عرفت من أن المتيقن مما دل على عدم قدح الدعاء ما كان مناجاة لله تعالى ومكالمة معه ، فغيره باق تحت إطلاقات المنع عنه في الصلاة ، المانعة عن جريان الأصل. إلا أن يقال : إطلاقات المنع معارضة بالعموم من وجه بإطلاق دليل الاستحباب ، فيرجع في مورد المعارضة إلى أصالة البراءة. وفيه : أن التعارض المذكور إنما يكون بعد تحكيم ما دل على المنع من قطع الفريضة ، وإلا فلا مانع عن العمل بالاطلاقين معاً ، والحكم ببطلان الصلاة ، فيكون التعارض في الحقيقة بين الأدلة الثلاثة.

لكن التعارض الأول من أصله ممنوع جداً. إذ لا نظر لأدلة الاستحباب الى نفي القاطعية أصلا ، كما لا نظر فيها الى جواز قطع الفريضة ، ولو بعد الجمع بينها وبين أدلة المنع عنه بل العرف في مثله يجمع بين الدليلين‌

__________________

(١) النساء : ٨٦.

٥٧٤

للعاطس كذلك أن يرد التسميت [١] بقوله : « يغفر الله لكم » [٢].

السادس : تعمد القهقهة [٣]

______________________________________________________

بجعل المورد من التزاحم ، الذي يقدم فيه المنع على الاستحباب. وحينئذ فالبناء على جوازه في الصلاة محل تأمل أو منع. اللهم إلا أن يكون إجماع. لكنه غير ثابت ، ولا سيما بملاحظة استدلال كثير منهم على الحكم ، بأن الدعاء غير مبطل للصلاة ، مما يوجب كون الإجماع معلوم المستند ، فيسقط عن الحجية. ولا سيما بملاحظة خبر غياث عن جعفر (ع) : « في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال (ع) : فسدت صلاة ذلك الرجل » (١).

[١] كما هو المعروف ، وعن الحدائق : الوجوب ، وعن الروض ، والذخيرة : التردد فيه لعموم وجوب رد التحية ، وخصوص خبر الخصال المتقدم‌ (٢) لكن العموم قد عرفت إشكاله. ولأجله يحمل خبر الخصال على نحو من العناية في التطبيق ، كتطبيقه في الهدية.

[٢] تقدم في خبر الخصال‌ (٣) زيادة : « ويرحمكم » ونحوه خبر ابن أبي خلف‌ (٤).

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، نصاً وفتوى ، بل في المعتبر ، والمنتهى والتذكرة ، والذكرى ، وعن غيرها : الإجماع عليه. كذا في الجواهر. ويشهد له‌ مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « القهقهة لا تنقض الوضوء ، وتنقض الصلاة » (٥) و‌موثق سماعة : « سألته عن الضحك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٥.

(٢) راجع الصفحة السابقة.

(٣) راجع الصفحة السابقة.

(٤) الوسائل باب : ٥٨ من أبواب أحكام العشرة حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ١.

٥٧٥

ولو اضطراراً [١] ، وهي الضحك المشتمل على الصوت والمد والترجيع [٢]

______________________________________________________

هل يقطع الصلاة؟ قال (ع) : أما التبسم فلا يقطع الصلاة ، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة » (١) ، وفي صحيح ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول : « إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ، إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة » (٢).

[١] لعموم النصوص ، ومعاقد الإجماع ، وعدم شمول حديث : « لا تعاد » (٣) له. وعن الأردبيلي نفي البعد عن إلحاقه بالسهو ، لحديث رفع الاضطرار (٤). ولكنه غير ظاهر ، لما عرفت من الإشكال في صلاحية حديث الرفع لإثبات الصحة ، ولا سيما وأن الغالب صورة الاضطرار ، فحمل النصوص على غيرها مستهجن. فتأمل.

[٢] المحكي عن العين : أنه قال : « قهقه الضاحك ، إذا مد ورجع » وكذا عن تهذيب اللغة ، عن ابن المظفر. لكن عن الصحاح : « القهقهة في الضحك معروفة ، وهي أن يقول : قه قه » ، ومثله ما عن الديوان ، والأساس ، والقاموس ، ومجمع البحرين. وظاهرها اعتبار الترجيع فقط. اللهم إلا أن يكون الترجيع بـ ( قه ) يلازم المد. وعن الجمل ، والمقاييس : أنها الإغراق في الضحك. وعن شمس العلوم : أنها المبالغة فيه. ولا يخلو عن إجمال.

وكيف كان فالمستفاد من مجموع كلماتهم أن القهقهة ليست مطلق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٣.

(٣) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

(٤) تقدم في المورد الثالث من مبطلات الصلاة.

٥٧٦

بل مطلق الصوت ، على الأحوط. ولا بأس بالتبسم [١] ، ولا بالقهقهة سهواً [٢]. نعم الضحك المشتمل على الصوت تقديراً ،

______________________________________________________

الضحك المشتمل على الصوت ـ كما عن جماعة من الفقهاء ـ ، ولا مطلق الضحك ـ كما عن آخرين منهم. إلا أن يكون المراد بها هنا ذلك ، لوقوعها في النص في قبال التبسم الذي هو أقل الضحك ـ كما في القاموس ـ أو أنه ليس من الضحك ـ كما عن الجوهري. وذلك لأن الظاهر من موثق سماعة ـ بقرينة السؤال ـ : كونه في مقام بيان حكم تمام أفراد الضحك. وحينئذ فاما أن يكون المراد بها ما يقابل التبسم ، سواء اشتمل على المد والترجيع ، أم لا. أو المراد به ما يقابلها. والمتعين الأول. إما لأن أول الكلام أولى بالقرينية على آخره من العكس. وإما لأن استعمالها فيما عدا التبسم أقرب الى الحقيقة ، لما عن المفصل للزوزني ، والمصادر للبيهقي : انها الضحك بصوت ، بخلاف استعمال التبسم فيما عداها. هذا ولكن في اقتضاء ذلك ظهوراً للكلام معتدا به ، بحيث لا يجوز الرجوع فيه الى الأصل ، إشكال ، أو منع.

[١] إجماعا ، فتوى ، ونصا. كما عرفت.

[٢] إجماعا. كما عن التذكرة ، ونهاية الاحكام ، والذكرى ، والغرية ، وجامع المقاصد ، وإرشاد الجعفرية ، والروض ، والمقاصد العلية ، والنجيبية ، والمفاتيح. وفي الجواهر : « لعله لأن المراد من النصوص الإهمال ، لا الإطلاق فيبقى حينئذ على الأصل. أو لأنها إنما تنصرف الى الفرد الشائع ، دون الفرد النادر ، وهو ناسي الحكم ، أو أنه في الصلاة ». وفي الأمرين معاً تأمل واضح. نعم الصحة مقتضى حديث : « لا تعاد الصلاة » ، كما يقتضيه إطلاقه ، الشامل للاجزاء ، والشرائط ، والموانع. ويقتضيه في الجملة استثناء القبلة ، والطهور ، والوقت.

٥٧٧

كما لو امتلأ جوفه ضحكا ، واحمر وجهه ، لكن منع نفسه من إظهار الصوت حكمه حكم القهقهة [١].

السابع : تعمد البكاء [٢] المشتمل على الصوت ، بل وغير المشتمل عليه [٣]

______________________________________________________

[١] كما استظهره في الجواهر. للقطع بخروجه عن التبسم ، فيدخل في القهقهة ـ على ما سبق. لكنه يتم بناء على عموم الحكم لما ليس بتبسم أما بناء على الاشكال فيه ـ كما في المتن ـ فيكون أيضاً محلا للإشكال.

هذا إذا صدق عليك الضحك. وإلا ـ كما هو الظاهر ـ تعين الرجوع فيه الى أصل البراءة.

[٢] على المشهور. كما عن جماعة. ومن شرح نجيب الدين نفي الخلاف فيه. وعن المدارك : « ظاهرهم الإجماع عليه ». ويشهد له خبر النعمان بن عبد السلام ، عن أبي حنيفة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال (ع) : إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة » (١) وربما استدل له بأنه فعل خارج عن الصلاة ، فيكون قاطعاً لها ، كالكلام.

وعن الأردبيلي وغيره الاشكال فيه. لضعف سند الخبر. وما ذكر أخيراً أشبه بالقياس ، فلا يصلح لإثباته. وهو في محله لو لا انجبار ضعف الخبر باعتماد الأصحاب.

[٣] المحكي عن الصحاح : أن البكاء يمد ويقصر ، فاذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدموع ، ونحوه حكي عن الخليل ، والراغب ، وابن فارس في المجمل ، وعن المقاييس نسبته الى النحويين. هذا ولأجل أن المسؤول عنه في صدر الرواية هو الممدود ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٥٧٨

______________________________________________________

فقوله (ع) : « وإن كان ذكر ميتاً » منزل عليه ، فلا إطلاق له يشمل البكا المقصور ، والمرجع فيه أصل البراءة. ودعوى : أنه لم يثبت كون المذكور في السؤال ممدوداً. أو لم يثبت الفرق بين الممدود والمقصور. أو أنه لو ثبت ، فهو في اللغة ، لا في العرف ، وهو مقدم على اللغة. أو سلمنا الفرق في العرف أيضاً ، لكن قوله (ع) : « بكى » ـ في الجواب ـ مطلق ، لأنه مشتق من الجامع بين الممدود والمقصور. على ما هو التحقيق من كون الأفعال مشتقة مما تشتق منه المصادر ، لا أنها مشتقة منها ، ليكون الفعل مشتركا لفظياً بين معنى الممدود ومعنى المقصور. وحينئذ يتعين الأخذ بإطلاقه ، ولا يعول على السؤال. أو سلمنا إجمال النص ، لكن المرجع قاعدة الاحتياط ، لكون الشغل يقينياً. مندفعة : بأن النسخ المضبوطة بالمدّ.

مع أن الاحتمال كاف في المنع عن الإطلاق ، لأن الكلام حينئذ يكون من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية. وبأن نقل الثقات الإثبات من أهل اللغة كاف في الإثبات ، ولا سيما مع الاستشهاد عليه بقول الشريف الرضي رحمه‌الله في رثاء جده سيد الشهداء الحسين (ع) :

« يا جد لا زالت كتائب حسرة

تغشى الفؤاد بكرها وطرادها

أبداً عليك وأدمع مسفوحة

إن لم يراوحها البكاء يغادها »

وبأن العرف المقدم على اللغة هو العرف العام في عصر صدور الكلام وظاهر النقل هو الفرق عنده ، لا في أصل اللغة. والإطلاق في الفعل ممنوع بعد اقترانه بالبكاء المذكور في السؤال الذي هو بمعنى الصوت. والمرجع في الشك في المانعية أصل البراءة ، كما هو محقق في محله. هذا والانصاف : أن الاعتماد في الفرق على نقل أولئك الجماعة ، الذين عمدتهم الجوهري ، الظاهر خطوة في استشهاده ببيت حسان :

« بكت عيني وحق لها بكاها

وما يجدي البكاء ولا العويل »

٥٧٩

على الأحوط ، لأمور الدنيا [١]. وأما البكاء للخوف من الله ولأمور الآخرة ، فلا بأس به ، بل هو من أفضل الأعمال. والظاهر أن البكاء اضطراراً أيضاً مبطل [٢]. نعم لا بأس به إذا كان سهواً [٣]. بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من الله [٤] فيبكي تذللا له تعالى ليقضى حاجته.

______________________________________________________

كما اعترف به غير واحد ، وظهور كلام غيرهم من اللغويين في عدمه. لا يخلو من إشكال. نعم ظاهر ابن قتيبة في أدب الكاتب : أن المقصور والممدود كلاهما مختص بالصوت. ولعل ذلك هو الوجه فيما تقدم من الرضي رحمه‌الله وإن كان بعيداً جداً. فالتوقف عن حكم غير المشتمل. على الصوت ـ كما في المتن ـ في محله.

[١] كما ذكره الأصحاب : لفهمهم من قوله (ع) : « وإن كان ذكر ميتاً .. » ، بقرينة المقابلة بينه وبين ذكر الجنة والنار ، كما هو الظاهر ، فيكون ذكر الميت مثالا لكل ما كان من الأمور الدنيوية ، سواء أكان من قبيل فوات المحبوب ، أم حصول المكروه.

[٢] كما هو المشهور ، بل قيل : « لم يعرف مخالف فيه ». لإطلاق النص ، من دون مقيد وحديث رفع الاضطرار ، قد عرفت إشكاله. ودعوى اختصاصه بالاختيار. غير مسموعة.

[٣] لا خلاف أجده فيه صريحاً ، وإن أطلق جماعة. كذا في الجواهر ويقتضيه حديث : « لا تعاد الصلاة » ، كما تقدم في القهقهة.

[٤] لعدم دخول مثل ذلك في النص والفتوى. إذ الظاهر من البكاء لأمور الدنيا ، هو البكاء لفواتها أو عدم حصولها ـ كما عرفت ـ ، فلا يشمل‌

٥٨٠